نكتب استباقا لاستعراض "لجنة مناهضة التعذيب" ما قبل الدوري للبنان، لتسليط الضوء على غياب تعريف واف للتعذيب، واستعمال التعذيب في لبنان، بما في ذلك أعمال التعذيب وسوء المعاملة على أيدي أفراد الأمن والعسكريين اللبنانيين، وغياب التحقيقات السليمة، وانتزاع اعترافات تحت التعذيب، والإعادة القسرية.
تعريف التعذيب (المواد 1، 4)
صادق لبنان على "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" (الاتفاقية) عام 2000. إلا أن لبنان لم يعدل قوانينه لتجريم جميع أعمال التعذيب. تنص المادة 401 من قانون العقوبات على أن "من سام شخصا ضروبا من الشدة لا يجيزها القانون، رغبة منه في الحصول على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات. وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح، كان أدنى العقاب الحبس سنة".[1] إلا أن قانون العقوبات لا يجرّم ضروب التعذيب غير البدني، كالتعذيب النفسي أو الذهني، ولا يغطي الحالات التي يُستخدم فيها التعذيب لأغراض غير انتزاع الاعترافات أو الحصول على معلومات، مما يخالف التزامات لبنان بموجب الاتفاقية. كما أن العقوبة الواردة في المادة ـــ السجن 3 أشهر كحد أدنى و3 سنوات كحد أقصى ـــ لا تعكس "جسامة جريمة" التعذيب كما هو متعارف عليه دوليا.[2] قانون العقوبات اللبناني لا يلتزم بالمادتين 1 و4 من الاتفاقية.
التوصيات
نشجع اللجنة على رفع التوصيات التالية إلى الحكومة اللبنانية:
- تعديل المادة 401 من قانون العقوبات بحيث تشمل تجريم جميع ضروب التعذيب وسوء المعاملة، وجعل تعريف الجرائم متماشيا مع التعريف الوارد في الاتفاقية.
- فرض عقوبة على جريمة التعذيب تعكس "جسامة جريمة" التعذيب كما هو معترف بها دوليا.
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في لبنان (المواد 2، 11، 16)
وثقت هيومن رايتس ووتش الكثير من الحالات التي ارتكبت فيها القوى الأمنية والعسكرية أعمال تعذيب في لبنان.
في 2006، اعتقل جنود لبنانيون وعناصر بلباس مدني 9 أفراد واحتجزوهم لمدة 3 أيام بدءا من 31 مارس/آذار 2006. أخبر الموقوفون هيومن رايتس ووتش أن عناصر من الجيش عصبوا أعينهم ونقلوهم إلى وزارة الدفاع حيث احتجزتهم الاستخبارات العسكرية حتى 7 أبريل/نيسان 2006. قال المحتجزون إنهم مُنعوا خلال وجودهم في وزارة الدفاع من الاتصال بمحاميهم وعائلاتهم. زعم 4 من الموقوفين أن المحققين عذبوهم أثناء احتجازهم في وزارة الدفاع، لإرغامهم على الاعتراف، في حين قال الآخرون إنهم تعرضوا للكم من المحققين. قال أحد الموقوفين، غسان صليبي، لـ هيومن رايتس ووتش إن حراس الوزارة المسلحين ضربوه على ظهره بعصي خشبية، كما عذبوه بوضعه على كرسي كهربائي. قال إن المحققين هددوه بإيقاع الأذى بزوجته إن لم يتعاون معهم. كما زعم ابنه محمد (19 عاما) الذي اعتُقل في نفس الوقت أن المحققين ضربوه على أخمص قدميه وعلّقوه بوضعية البلانكو (التعليق من المعصمين بعد ربطهما من وراء الظهر) التي تسبب ألما مبرحا بغية انتزاع اعترافات منه. قال عدد من الموقوفين إنهم وقعوا على اعترافاتهم دون قراءتها.[3]
في 2012، أوقفت قوات الأمن الداخلي 36 رجلا أثناء مداهمة في 28 يوليو/تموز لدار سينما بمنطقة برج حمود في بيروت. تمت إحالة الرجال إلى مخفر شرطة حبيش، حيث قالوا إنهم خضعوا لفحوصات شرجية. تفتقر الفحوصات الشرجية الإجبارية للقيمة الاستدلالية وهي شكل من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى التعذيب.[4] استمر توثيق الفحوصات الشرجية والتهديد بها في لبنان عامي 2014 و2015 بالرغم من إفادة حقوقيين في بيروت بأن عدد الفحوصات تضاءل منذ ذلك الوقت.[5]
في يوليو/تموز 2013، وثقت هيومن رايتس ووتش 7 حالات تعذيب لموقوفين، منهم طفلان، على يد الجيش اللبناني في أعقاب اشتباكاته مع أنصار الشيخ أحمد الأسير في يونيو/حزيران. قابلت هيومن رايتس ووتش 5 رجال وطفلين تم احتجازهم من قبل الجيش اللبناني لمدة تتراوح بين عدة ساعات و6 أيام، واُفرج عنهم لاحقا. قال جميع المحتجزين إن أفراد الجيش ضربوهم وركلوهم بالقبضات، وفي بعض الحالات بالعصي والأسلاك والهراوات أثناء الاستجواب المبدئي عند نقاط التفتيش. كانوا جميعا يحملون آثارا ظاهرة تتفق مع التعرض للضرب. استعرض 2 من المحتجزين أمام هيومن رايتس ووتش علامات على جسميهما قالا إنها نجمت عن قيام الجنود بإحراقهما بالسجائر. قال البعض إنهم شهدوا أيضا وقائع ضرب وتعذيب محتجزين آخرين. حصلت هيومن رايتس ووتش على معلومات مقلقة حول وفاة نادر بيومي أثناء تواجده في عهدة الجيش. أخبرت عائلة بيومي هيومن ووتش رايتس أن المخابرات العسكرية طلبت منهم تسلم جثته، المغطاة بالكدمات، من المستشفى العسكري في بيروت 3 أيام بعد اختفائه. ما زالت نتائج التحقيقات في هذه الادعاءات غير معروفة.[6]
علمت هيومن رايتس ووتش من خلال تقرير في عام 2013 استند على 53 مقابلة مع محتجزين ومحتجزين سابقين أن قوى الأمن الداخلي تهدد متعاطي المخدرات، وعاملات الجنس، والمثليات والمثليين وذوي التوجه الجنسي المزدوج ومتحولي النوع الاجتماعي في عهدتها، وتسيء لهم وتعذبهم. أكثر أشكال التعذيب التي تم الإبلاغ عنها هي الضرب بالقبضتين والأحذية والعصي والقضبان والمساطر. يستُخدم العنف الجسدي لانتزاع الاعترافات أو لتصحيح تصرفات المحتجز.[7]
21 من أصل 25 سيدة أجريت معهن مقابلات، ممن اعتُقلن للاشتباه في تعاطي المخدرات أو العمل بمجال الجنس، قلن لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة أخضعتهن للعنف أو الإكراه الجنسي، المتراوح من الاغتصاب وتمكينهن من "امتيازات" مقابل الجنس. قال 17 محتجزا سابقا إنهم حرموا من الطعام أو ماء الشرب أو الأدوية عند احتياجهم إليها، أو أن أدويتهم صودرت. وأفاد 9 منهم بتقييد أيديهم في الحمامات أو إبقائهم في أوضاع شديدة الإجهاد لساعات متتالية في المرة الواحدة. وقال 11 محتجزا إنهم أرغموا على الاستماع إلى صرخات محتجزين آخرين لإخافتهم ودفعهم إلى التعاون أو الاعتراف. أغلب الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم تعرضوا للعنف الجسدي، بينهم 5 أفادوا أن الشرطة هددتهم بإلحاق الأذى الجسدي بعائلاتهم كنوع من العقاب.[8]
أفاد محتجزون سابقون بالتعرض للتعذيب وإساءة المعاملة في كافة المنشآت التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك مخفر حبيش في بيروت، ومخفر الجميزة، ومخفر بعبدا، ومخفر المصيطبة، ومخفر زحلة، ومخفر الأوزاعي، ومخفر صيدا، وفرع المعلومات في الجديدة، ومقر الحجز على ذمة المحاكمات بسجن النساء في بعبدا.[9]
في 2015، قال أكثر من 24 شخصا اعتقلهم الجيش في مداهمات أمنية لـ هيومن رايتس ووتش إن القوى الأمنية قامت بتعذيبهم بإستخدام السياط والهراوات والعصي والكهرباء.[10] في يونيو/حزيران، انتشر مقطعا فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي صوّرا أفرادا من قوى الأمن الداخلي يعذبون سجناء رومية في نيسان/أبريل 2015. أكد وزير الداخلية صحة مقاطع الفيديو.[11]
في 2016، قال لاجئ سوري لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر من مخابرات الجيش أجروا تحقيقا في يناير/كانون الثاني 2016 بمنزل يتشارك فيه مع آخرين في جونية ولكموهم على وجوههم وضربوهم بالعصي. قال إن العناصر اعتقلوه في بداية شباط/فبراير، للاشتباه بمثليته، ونقلوه إلى فرع المخابرات في صربا بجونية. قال إنهم عصبوا عينيه وجردوه من ملابسه وضربوه بالعصي ولكموه على وجهه. ومن بعدها، نقلوه إلى وزارة الدفاع في اليرزة بحسب قوله، حيث ضربه المحقق بكوعه على بطنه ورقبته وفخذه. قال إنه نُقل بعدها الى مركز الريحانية التابع للشرطة العسكرية حيث كبل العناصر يديه وطلبوا منه أن ينحني في مواجهة الحائط وهو عار. قال له أحد العناصر: "سأدخل هذه في شرجك لتحديد عدد المرات التي مارست فيها الجنس". أدخل العصا في شرجه فصرخ من الوجع وترجاه ليتوقف. قال الرجل إنه طلب الإتصال بأحد الأصدقاء أو محام لكن لم يُسمح له بذلك. نُقل بعد ذلك إلى مخفر الدرك في جونية، وقال إن أحد العناصر لكمه في بطنه وضربه بعصا على باطن قدميه.[12] اطلعت هيومن رايتس ووتش على تقرير طبي أعده طبيب محلي بعد إطلاق سراحه بقليل. وثق التقرير وجود سوائل في أذنه وامتلاء جسمه بالتورمات والكدمات نتيجة الضرب.[13]
بعد نشر هيومن رايتس ووتش لهذه القضية، أفادت تقارير أن رئيس الجهورية اللبنانية ميشال عون طلب من المدعي العام للدولة التحقيق في مزاعم التعذيب، ولكن لم يتم الإعلان عن أي معلومات بشأن وضع التحقيق.[14]
وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير عام 2017 مزاعم تعذيب ارتكبها أفراد عسكريون ضدّ 8 مدنيين، بينهم طفلين، حوكموا في محاكم عسكرية. مزاعم التعذيب تضمنت الضرب، والتعذيب النفسي، والصعق بالكهرباء والبلانكو (تعليق المحتجز من معصميه المقيدين خلف ظهره).[15]
التوصيات:
نشجع اللجنة على رفع التوصيات التالية إلى الحكومة اللبنانية:
- التأكيد على اخبار المحتجزين، عند وصولهم مراكز الإحتجاز، بحقهم في التواصل مع محام أو فرد من أفراد العائلة أو أحد معارفهم، ومقابلة محامي وإحالتهم إلى قاض فورا.
- تعديل المادة 49 من "قانون أصول المحاكمات الجزائية" لتضمن بشكل علني حق المشتبه بهم في الإستعانة بمحام من بداية أي شكل من أشكال التوقيف، بما في ذلك الإستجواب من قبل الشرطة.
- إحالة جميع ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة إلى المدعي العام، سواء تم تقديم شكوى رسمية أم لا، وإعلان نتائج كل التحقيقات المتعلقة بوقائع التعذيب. مقاضاة الجناة إلى أقصى حد من العقوبات التي ينص عليها القانون.
- تكليف أطباء مستقلين، لا يختارهم العناصر العاملون في مراكز الاحتجاز، لمعاينة وفحص المرضى دون وجود عناصر أمن وعسكريين، وتسجيل كل علامات التعذيب وغيرها من ضروب سوء المعاملة. ضم نسخة من تقرير الفحص البدني إلى ملف المشتبه به.
- التأكيد على وضوح هويات عناصر الأمن والعسكريين من خلال وجود إسمهم ورتبهم على بدلاتهم في كل الأوقات.
- حظر الفحوص الشرجية القسرية وأي شكل آخر من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي يرتكبها أفراد الأمن والأطباء.
التحقيق في ادعاءات بالتعذيب (المادتان 12 و13)
لم يحقق لبنان في الماضي جديا في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة التي تمارسها القوى الأمنية. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش لفترة طويلة التعذيب الذي تمارسه القوى الأمنية، وفشل السلطات في التحقيق بصورة صحيحة في هذه الادعاءات. تنصّ المادة 401 من قانون العقوبات اللبناني على عقوبات استخدام العنف لانتزاع اعترافات، لكن القضاء اللبناني نادرا ما يلاحق موظفي الدولة المتهمين بممارسة التعذيب أو أي نوع آخر من سوء المعاملة، أو هو لا يلاحقهم أصلا. بينما يُوَقف أفراد من القوى الأمنية من ذوي الرتب الدنيا بعد فضائح سوء معاملة، إلا أنه نادرا ما يُعلن عن محاكماتهم أو مقاضاتهم.
في 2007، لم يتم فتح تحقيقات جديّة في ادعاءات سوء المعاملة التي مارسها الجيش ضد معتقلين أوقفوا بعد المعارك بين الجيش اللبناني وأفراد من مجموعة "فتح الإسلام "في مخيم نهر البارد للاجئين.[16] كما لم يعلن عن أي تحقيق عدلي بعد أن جمع أفراد من الجيش والمخابرات حوالي 72 عاملا أجنبيا، أغلبهم من السوريين، وضربوهم في بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 2012.[17]
أفاد متعاطو مخدرات وعاملون في مجال الجنس، ومثليات ومثليون وأشخاص من ذوي التوجه الجنسي المزدوج ومتحولو النوع الاجتماعي أوقفتهم قوى الأمن الداخلي، وقابلتهم هيومن رايتس ووتش لإعداد تقرير في 2013، أنهم واجهوا عراقيلا للتبليغ عن الإساءة والحصول على تعويض، ولم يُحاسب المسيؤون على ممارساتهم. فقط 6 من أصل 53 ممن تمت مقابلتهم بلغوا عن التعذيب الذي تعرضوا له. 12 شخصا قالوا إن شرطيين هددوهم وحذروهم من تقديم بلاغ. كما أن 5 موقوفين سابقين أخبروا هيومن رايتس ووتش بأن قضاة التحقيق رفضوا ادعاءاتهم بإساءة المعاملة والترهيب والإساءة بدون إجراء أي تحقيق إضافي.[18]
في 21 سبتمبر/أيلول 2015، أوقفت مخابرات الجيش ليال الكياجي بعد أن زعمت لوسائل إعلام محلية بأن فردين من مخابرات الجيش قد اغتصباها وعذباها خلال توقيف سابق في 2013. وبدلا من فتح تحقيق مستقل في الادعاءات، حول المسؤولون القضية إلى قاض عسكري حقق معها بتهمة تقديم ادعاءات كاذبة.[19]
راقبت هيومن رايتس ووتش جلسة محاكمة عسكرية في 30 يناير/كانون الثاني 2017 وشهدت على ادعاءات 3 مدعى عليهم بأنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة خلال فترة توقيفهم. أحد الرجال، ومدعى عليه رابع، قالا إنهما أجبرا على الاعتراف خلال التحقيق. لكن المحكمة يبدو أنها لم تأخذ ادعاءاتهما بعين الاعتبار ولم تحاول أن تعرف منهما هوية من اعتدى عليهما. لم يطرح القاضي أسئلة لتبيان ما إذا كان يوجد أدلة أخرى على التعذيب سوى في قضية واحدة. لكن حين أدلى المدعى عليه بأن قوات الأمن قد صورت الكدمات على جسمه وأنه زار عيادة بعد إطلاق سراحه، لم تحاول المحكمة أن تتابع التحقيقات بهذه الادعاءات.[20]
اتخذ البرلمان اللبناني في 19 أكتوبر/كانون الأول 2016 خطوة إيجابية تجاه إنهاء استخدام التعذيب في البلاد والتحقيق في التعذيب وسوء المعاملة. نص قانون جديد على إنشاء "المعهد الوطني لحقوق الإنسان"، الذي سيضم لجنة للتحقيق في استخدام التعذيب وسوء المعاملة. سيكون للجنة التحقيق، وهي آلية وقائية وطنية، سلطة إجراء زيارات مفاجئة منتظمة لجميع أماكن الاحتجاز وتفتيشها، وتقديم نتائجها وتوصياتها إلى المعهد والسلطات المعنية. ولكن، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، لم يكن المعهد قد أسس بعد.[21]
التوصيات
نشجع اللجنة على رفع التوصيات التالية إلى الحكومة اللبنانية:
- تمويل المعهد الوطني لحقوق الإنسان وتوظيف خبراء أكفّاء ومستقلين وضمان أنه قادر على زيارة أماكن الاحتجاز بالطريقة والوتيرة الذي يريد بدون الخوف من العقوبات والثأر.
- إجراء زيارات مراقبة دورية لجميع أماكن الاحتجاز من ضمنها تلك الخاضعة لإشراف وزارة الدفاع وتقديم أي دلائل على حدوث تعذيب أو سوء معاملة إلى المدعي العام.
- متابعة كافة المزاعم بحدوث تعذيب وسوء معاملة بطريقة دؤوبة وسريعة وفعالة وتقديم المرتكبين إلى العدالة.
- تقديم تحديثات شفافة وعامة بخصوص التحقيقات بمزاعم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة.
- ضمان فرض عقوبات فعالة وهادفة، بالإضافة إلى عقوبات جنائية، على أعوان انفاذ القانون الذين مارسوا أعمال تعذيب.
استخدام الاعترافات التي يُزعم أنها انتزعت تحت التعذيب (المادة 15)
وثقت هيومن رايتس ووتش 8 حالات خضع فيها مدنيون للمحاكمة العسكرية بتهمة الإرهاب وجرائم تتعلق بالأمن. قال الموقوفون إن عناصر الأمن عذبوهم وأجبروهم على الاعتراف واستخدموا هذه الاعترافات كدليل ضدهم. قبلت المحكمة الاعترافات التي انتزعت تحت الإكراه كدليل حتى حين كان التعذيب ظاهرا على أجسام الموقوفين أو رغم قولهم إنهم اعترفوا تحت التعذيب. في بعض الحالات، كانت هذه الاعترافات هي دليل الإدانة الوحيد الذي قدمه المدعون. لم ترفض المحكمة سوى اعتراف واحد على أساس أنه انتُزع تحت التعذيب. ولكن حتى حينها، لم تأخذ السلطات أي خطوات معروفة للتحقيق ومعاقبة الأفراد الذي عذبوا الموقوف.[22]
إبراهيم (اسم مستعار)، الذي أوقف اخاه باسل (اسم مستعار) في 2015، أخبر هيومن رايتس ووتش أنه حين زار أخاه في مكان حجزه، أخبره باسل بأن أفراد المخابرات العسكرية قد عذبوه حين كان موقوفا في وزارة الدفاع في اليرزة، وأجبروه على الاعتراف. قال إبراهيم: "أخبر باسل القاضي أنه اعترف تحت التعذيب لكن القاضي لم يبال. وكان وجهه متورما والدم ما زال يسيل أحيانا من أنفه وهو يتكلم. ولأنه لم يتحمل التعذيب لذا اعترف بما يريدون سماعه". تحدثت هيومن رايتس ووتش مع محامي باسل وأكد لنا أنهم استخدموا الاعتراف المنتزع بالإكراه كدليل ضده".[23]
هيثم (اسم مستعار)، طفل سوري لاجئ، أخبر هيومن رايتس ووتش أنه أوقف على حاجز للجيش في 2014، وأجبره أفراد في وزارة الدفاع في اليرزة على الاعتراف بأفعال لم يرتكبها بعد أن ضربوه بأيديهم وأرجلهم. قال إن في وزارة الدفاع، أجبره ضباط على توقيع الاعتراف وهو معصوم العينين. وقد استخدم الاعتراف كدليل ضده خلال محاكمته بجرائم إرهابية أمام المحكمة العسكرية. أخبر هيثم هيومن رايتس ووتش أن القاضي رأى أثار التعذيب على جسمه لكنه لم يقل شيئا عنها. حين قابلت هيومن رايتس ووتش هيثم، كان جسمه ما زال يحمل أثار ضربة تلقاها من الضباط بعقب بندقية.[24]
أوقف ضباط من المخابرات العسكرية خالد (اسم مستعار)، كان في الـ 16 حينها، في منزله في شمال لبنان في خريف 2014، ونقلوه إلى مقر المخابرات العسكرية. قال محاميه انه استُجِوب هناك طوال 3 أيام. وقد عصب المحققون عينيه و"لكموه في وجهه وضربوه بواسطة قضيب على ظهره، وأهانوه وهددوه". قال إنهم نقلوا خالد إلى وزارة الدفاع في اليوم الرابع من إيقافه. وقال المحامي إنه في الوزارة، ربط المحققون معصميه خلف ظهره بحبل وعلقوه منه وضربوه. وقال إنهم وصلوا أسلاكا كهربائية إلى أعضائه التناسلية وصعقوه حتى أغمي عليه، ثم رشوه بالماء ليوقظوه، وكل هذا وهم يسألونه تحديد مشتبه فيهم بالإرهاب والاعتراف بوضع قنبلة وإلقاء قنابل يدوية على مراكز للجيش والانتساب إلى منظمة إرهابية. قال المحامي: "لم يكن يعلم من أين تأتي الضربات. فاعترف بكل شيء، بأنه صلب المسيح وقتل رئيس الوزراء".[25]
وفق محاميه، أمضى خالد 4 أيام في وزارة الدفاع في اليرزة حيث كان الضباط يرشونه بالماء ويسلطون عليه ضوءا ساطعا لمنعه من النوم. قال إن الضباط أجبروا خالد على توقيع إفادة وهو معصوم العينين بعد كل جلسة تعذيب، مرة أو مرتين في اليوم. قال المحامي: "أخبرت القاضي أنه اعترف تحت التعذيب، لكن المحكمة العسكرية لا تستمع؛ ولا تأخذ أقوالنا بعين الاعتبار".[26]
التوصيات
نشجع اللجنة على رفع التوصيات التالية إلى الحكومة اللبنانية:
- تفعيل حظر الاعتماد على اعترافات تُنتزع تحت التعذيب أو الإكراه ومطالبة السلطات القضائية بالتحقيق بدقة في الظروف التي أدت إلى الحصول على الاعترافات التي يُزعم أنا انتُزعت تحت التعذيب أو سوء المعاملة.
- ضمان أن القضاة سيعتبرون كافة الأدلة والاعترافات التي جُمعت تحت التعذيب غير مقبولة.
- إسقاط كافة الأحكام الصادرة ضد مدعى عليهم والتي استندت إلى اعترافات انتُزعت بالإكراه.
- تعديل المادة 24 من "قانون القضاء العسكري" لعام 1968 لإزالة ولاية المحاكم العسكرية على المدنيين والأطفال.
منع ترحيل الأفراد إلى بلدان تمارس التعذيب (المادة 3)
أكدت السلطات اللبنانية مرارا التزامها بعدم ترحيل لاجئين قسرا إلى سوريا. بما أن لبنان طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، فهو مُلزم بألا يعيد أو يسلم أي شخص في حال وجود أسباب وجيهة تشير إلى أنه قد يواجه خطر التعرض للتعذيب. ورغم ذلك، أعادت الحكومة اللبنانية المواطن السوري محمود عبد الرحمن حمدان إلى سوريا قسرا في 28 سبتمبر/أيلول 2014 رغم مخاوفه من الاعتقال والتعذيب على يد السلطات السورية. أوقفت السلطات السورية حمدان بعد ذلك.[27]
في 2015، اختفى سوريان ويُخشى أنهما رُحِلا بعد تحويلهما إلى الأمن العام اللبناني، أحدهما في أكتوبر/تشرين الأول 2014 والثاني في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. رفض الأمن العام، جهاز الأمن اللبناني المسؤول عن دخول الأجانب وإقامتهم، كشف ما حصل مع هذين الرجلين، أسامة كاراكوز وباسل حيدر، رغم طلبات متكررة من أقاربهم وهيومن رايتس ووتش. تخشى عائلتاهما أن الأمن العام رحلهما إلى سوريا وبالتالي إلى حجز الحكومة السورية. إخفاء الأمن العام لمصير الرجلين ومكانهما قد يرقى إلى جريمة إخفاء قسري. علاوة على ذلك، وثقت هيومن رايتس ووتش سابقا إعادة 4 مواطنين سوريين قسرا إلى سوريا في 1 أغسطس/آب 2012 وحوالي 36 فلسطينيا إلى سوريا في مايو/أيار 2014.
يواجه السوريون والفلسطينيون الذين يخشون العودة إلى سوريا خطر التعرض للتعذيب وسوء المعاملة. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش انتشار للتعذيب وسوء المعاملة في أماكن الحجز السورية منذ بدء المظاهرات المناهضة للحكومة في مارس/آذار 2011.[28]
تشعر هيومن رايتس ووتش بالقلق إزاء تصريحات مسؤولين لبنانيين عن إعادة السوريين إلى سوريا، من ضمنها طلب وزير الشؤون الخارجية في 19 فبراير/شباط 2017 "باعتماد سياسة تشجع السوريين على العودة إلى بلادهم".[29]
التوصيات
نشجع اللجنة على رفع التوصيات التالية إلى الحكومة اللبنانية:
- إيقاف ترحيل الأفراد الذين يواجهون خطر التعرض للتعذيب أو حيث توجد أسباب وجيهة للاعتقاد بأنهم سيتعرضون لخطر حقيقي بانتهاك حقوق الإنسان في حال عادوا إلى وطنهم الأم.
- إعادة تأكيد التزام السلطات بحظر الإعادة القسرية وضمان ألا يُعاد أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه خطر الاضطهاد والتعذيب.
- التحقيقي في التقارير المتعلقة بالترحيل وإعلان النتائج للعلن.
[1] قانون العقوبات اللبناني، المادة 401.
[2] لبنان: يجب اتخاذ خطوات لمنع التعذيب، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 https://www.hrw.org/ar/news/2008/11/05/234635
[3] لبنان: يجب التحقيق في مزاعم التعذيب في وزارة الدفاع، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 10 مايو/أيار 2007 https://www.hrw.org/ar/news/2007/05/10/231400
[4] فليوقف لبنان "فحوصات العار" بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 10 أغسطس/آب 2012 https://www.hrw.org/ar/news/2012/08/10/247206
[5] هيومن رايتس ووتش: الدوس على الكرامة: الفحوص الشرجية القسرية في مقاضاة المثلية الجنسية، 12 يوليو/تموز 2016، ص 4-5 https://www.hrw.org/ar/report/2016/07/12/293704
[6] على لبنان التحقيق مع الجيش في وقائع التعدي بالضرب والوفاة أثناء الاحتجاز، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 17 مايو/أيار 2013 https://www.hrw.org/ar/news/2013/07/17/250503
[7] لبنان ـ تعذيب الشرطة للفئات المستضعفة، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 26 يونيو/حزيران 2013 https://www.hrw.org/ar/news/2013/06/26/250220
[8] السابق.
[9] السابق.
[10] لبنان ـ عدم الاستقرار والقمع يضران بالحقوق، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 29 يناير/كانون الثاني 2015 https://www.hrw.org/ar/news/2015/01/29/266552
[11] على لبنان مراقبة مراكز الاحتجاز لمحاربة التعذيب، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 26 يونيو/حزيران 2015 https://www.hrw.org/ar/news/2015/06/26/278504
[12] لبنان: شهادة لاجئ سوري عن تعذيبه، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 21 ديسمبر/كانون الأوّل 2016 https://www.hrw.org/ar/news/2016/12/21/297982
[13] السابق.
Federica Marsi, “Reactions to HRW torture allegations underscore lapses,” The Daily Star, December 30, 2016, https://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2016/Dec-30/387240-reactions-to-hrw-torture-allegations-underscore-lapses.ashx (تم الاطلاع في 1 مارس/آذار 2017).
[15] هيومن رايتس ووتش: هذا ليس مكاننا: محاكمات المدنيين أمام المحاكم العسكرية في لبنان، يناير/كانون الثاني، 2017، ص 3 https://www.hrw.org/ar/report/2017/01/26/299124
[16] لبنان: يجب وضع حد للإساءة للفلسطينيين الفارين من مخيم اللاجئين، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 12 يونيو/حزيران 2007 https://www.hrw.org/ar/news/2007/06/13/295838
[17] على لبنان التحقيق في اعتداء الجيش على الوافدين ومعاقبة المسؤولين، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، أكتوبر/تشرين الأول 2012 https://www.hrw.org/ar/news/2012/10/10/247710
[18] هيومن رايتس ووتش، "جزء من عملنا" إساءة معاملة وتعذيب الفئات المستضعفة في مخافر الشرطة اللبنانية، يونيو/حزيران 2013، https://www.hrw.org/ar/report/2013/06/26/256448 ، ص. 48.
[19] الجيش اللبناني يحتجز امرأة زعمت تعرضها للاغتصاب"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 5 سبتمبر/أيلول 2015 https://www.hrw.org/ar/news/2015/09/28/281691
[20] لما فقيه (هيومن رايتس ووتش)، "أوقفوا المحاكمات العسكرية خلف الأبواب المغلقة"، تعليق، ذا دايلي ستار، 1 فبراير/شباط 2017، https://www.hrw.org/ar/news/2017/02/01/299550
[21] "لبنان: قانون جديد يشكل خطوة لإنهاء التعذيب"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016 https://www.hrw.org/ar/news/2016/10/28/295832
[22] هيومن رايتس ووتش، هذا ليس مكاننا: محاكمات المدنيين أمام المحاكم العسكرية في لبنان، يناير/كانون الثاني 2017، https://www.hrw.org/ar/report/2017/01/26/299124
[23] السابق، ص 23-24.
[24] السابق، ص 26.
[25]السابق، ص 26-27.
[26] السابق.
[27] لبنان ـ إعادة سوريين قسرا إلى بلدهم"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 https://www.hrw.org/ar/news/2014/11/07/264406
[28] لبنان- اختفاء سوريَين ومخاوف من ترحيلهما، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 17 فبراير/شباط 2015 https://www.hrw.org/ar/news/2015/02/17/266820
“Bassil renews calls for return of refugees to Syria,” The Daily Star, February 19, 2017, https://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2017/Feb-19/394235-bassil-renews-calls-for-return-of-refugees-to-syria.ashx (تم الاطلاع في 1 مارس/آذار 2017).