(بيروت) ـ إن الحكومة اللبنانية قامت في 28 سبتمبر/أيلول بإعادة المواطن السوري محمود عبد الرحمن حمدان إلى بلاده قسريا رغم مخاوفه من التعرض إلى التعذيب على يد السلطات السورية.
وقال محتجز سوري سابق، لأقارب حمدان، إنه رآه محتجزًا لدى الجيش السوري في قاعدة قريبة من الحدود اللبنانية. وتعتبر الإعادة القسرية لشخص معرض لخطر التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة انتهاكا لالتزامات لبنان تجاه الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.
قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "لا يوجد أي مبرر لإعادة شخص ما إلى حكومة ستقوم على الأرجح بتعذيبه. وينبغي لجهود لبنان في تعزيز الأمن والاستقرار أن تحترم حقوق الإنسان الأساسية. ويبرز ترحيل شخص يواجه خطر التعذيب لامبالاة بحقوقه وسلامته".
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات اللبنانية فتح تحقيق على الفور لتحديد مصير حمدان ومكان احتجازه، ونشر نتائج التحقيق للعلن، ومحاسبة كل شخص يُدان بانتهاك التزامات لبنان الدولية. كما يتعين على الحكومة الكف عن ترحيل السوريين، وإصدار التزام علني بذلك.
قال أفراد من عائلة حمدان لـ هيومن رايتس ووتش إن محمود عبد الرحمن حمدان فرّ من سوريا إلى لبنان منذ حوالي سنة ونصف عبر معبر غير رسمي. كما قالوا إنه كان مطلوبًا لدى السلطات السورية بسبب مشاركته في احتجاجات معارضة للحكومة في الزبداني، في ضواحي دمشق. وكانت المخابرات العسكرية اللبنانية قد اعتقلت حمدان في 7 مارس/آذار 2014، ثم أدانته إحدى المحاكم، وقضت بسجنه لمدة ستة أشهر بتهمة "نقل أسلحة"، بحسب أقاربه.
وبعد انتهاء عقوبته، نقل حمدان في 8 سبتمبر/أيلول من سجن رومية إلى مركز احتجاز تابع للأمن العام في بيروت. وبدل الإفراج عنه، قال أقاربه إنه نقل في صباح 28 سبتمبر/أيلول إلى مركز الترحيل التابع للأمن العام في معبر المصنع الحدودي. وحوالي الساعة العاشرة والنصف صباحًا، تمكن أحد أقاربه من زيارته لفترة وجيزة وهو رهن الاحتجاز في معبر المصنع، وهناك أخبره حمدان أنه يخشى التعرض إلى التعذيب والقتل إذا ما رُحل إلى سوريا بشكل قسري.
وقال أحد أقارب حمدان إنه حين سأل ضباط مديرية الأمن العام عن سبب احتجاز الرجل في المعبر الحدودي، رفضوا الإجابة عن سؤاله. وبعد ذلك، طُلب من الرجل الذي زار حمدان مغادرة مركز الترحيل، ولكنه بقي ينتظر خارج المركز، وتوسل لضباط الأمن العام بأن لا يرحلوا حمدان إلى سوريا. وحوالي الساعة الرابعة مساءً، أعلم أحد ضباط الأمن العام قريب حمدان أن هذا الأخير نقل "إلى طريق العودة"، وتم تسليمه إلى سوريا.
وبعد أيام، وردت على العائلة مكالمة هاتفية من محتجز سابق زعم أنه رأى حمدان وهو رهن الاحتجاز لدى الفرقة 18 للجيش السوري في منطقة جديدة يابوسين السورية قرب الحدود مع لبنان. وقالت عائلة حمدان لـ هيومن رايتس ووتش إنها ما انفكت تستفسر منذ ذلك الوقت عن مكان احتجازه لدى الأمن العام اللبناني، ولكن المسؤولين قالوا إنه لم يكن محتجزًا لديهم، ولا أحد ادعى أنه يعلم مكان احتجازه.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول، بعثت هيومن رايتس ووتش برسالة إلى اللواء عباس إبراهيم، المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني، شرحت فيها الأدلة التي تثبت ترحيل حمدان، وطالبت السلطات اللبنانية بالتحقيق في إعادته بشكل قسري، ونشر نتائج التحقيق للعلن. ولكن جهاز الأمن العام لم يردّ على الرسالة. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، اتصلت هيومن رايتس ووتش بالأمن العام عبر الهاتف لمتابعة الأمر، وتحدثت مع مسؤول هناك قال إن الأمن العام ليس بوسعه التعليق على الموضوع.
تفاعلا مع تقارير إعلامية انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وزعمت تعرض مواطنين سوريين إلى الترحيل، أصدرت مديرية الأمن العام بيانًا في 29 سبتمبر/أيلول نفت فيه ترحيل مواطنين سوريين قسرا إلى بلادهم، ولكنها لم تذكر أي شخص باسمه.
يواجه السوريون المهددون بالاعتقال عند عودتهم إلى سوريا خطر التعرض إلى التعذيب وسوء المعاملة. وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق انتشار التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز السورية منذ اندلاع الاحتجاجات المعارضة للحكومة في مارس/آذار 2011. كما قال أفراد من عائلة حمدان ونشطاء لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يخشون تعرض محمود عبد الرحمن حمدان إلى التعذيب، مع إمكانية إعدامه على يد السلطات السورية.
تنص المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي انضم إليها لبنان في 2000، على أنه لا يجب إعادة أي شخص، بمن في ذلك المجرمون المدانون، إلى بلد يواجهون فيه خطر التعرض إلى التعذيب.
ويقع على لبنان واجب عدم إعادة أي شخص بشكل قسري إلى بلد يقول إنه يخشى أن يتعرض فيه إلى التعذيب إلا بعد التأكد من عدم صحة مزاعمه طبقا لإجراء عادل. وتنص اتفاقية مناهضة التعذيب على أن "تراعى السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية".
وفي ظل عدم وجود قانون خاص باللاجئين وإجراءات تتعلق باللجوء في لبنان، يجب أن يشمل هذا الإجراء الاتصال دون قيود بمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وهي الوكالة الأممية المعنية بتحديد وضع اللجوء لكل سوري يعبر عن تخوفه من التعرض إلى الاضطهاد في صورة إعادتها إلى سوريا، حتى لو لم يكن مسجلا لدى المفوضية عند احتجازه.
قامت هيومن رايتس ووتش في السابق بتوثيق إعادة أربعة مواطنين سوريين إلى بلادهم بشكل قسري في 1 أغسطس/آب 2012، وكذلك حوالي ثلاثين فلسطينيًا إلى سوريا في 4 مايو/أيار 2014. ويتعين على الحكومة اللبنانية الكف عن تنفيذ أي عمليات ترحيل أخرى لسوريين يواجهون خطر التعرض إلى التعذيب، أو لوجود ما يدفع على الاعتقاد في أنهم سيواجهون انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
قال نديم حوري: "يتعين على السلطات اللبنانية اتخاذ خطوات ملموسة لتبرهن على احترامها لالتزاماتها الدولية، وعدم إعادة أي شخص يواجه خطر الاضطهاد أو التعذيب".