Skip to main content

في "شهر الفخر" هذا، عار عليكم: فضح الاستراتيجيات الحكومية ضد مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

نُشر في: Raseef22
عبارة "حقوق مجتمع الميم" بالإنغليزية مكتوبة على الحائط في موقع احتجاجات في وسط بيروت، 22 ديسمبر/كانون الأول 2019. © 2019 مروان طحطح لـ هيومن رايتس ووتش

كباحثة ومدافعة عن حقوق المثليين/ات، ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، ومتغيري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كثيرا ما أُسأل: "ماذا يعني أن يكون المرء مثليا في الشرق الأوسط؟"

إنه سؤال لا يمكن الإجابة عنه. إنه يفترض أن "التجربة المثلية" واحدة في المنطقة، وهو ما يتنافى مع الواقع. يُشكّل التوجه الجنسي والهوية الجندرية جانبا واحدا من التجربة. كما أن الوضع الاجتماعي والحالة الاقتصادية يحددان "ماذا يعني". التجارب الفردية لأفراد مجتمع الميم متنوعة ومتمايزة ولا يمكن تعميمها على بلد بأكمله، ناهيك عن منطقة.

السؤال الأفضل هو: كيف تستخدم حكومات المنطقة خطابا مناهضا لمجتمع الميم لتعزيز أجنداتها السياسية؟ يكشف جواب هذا السؤال عن رهاب المثلية الذي ترعاه الدولة والذي يؤثر سلبا على حياة أفراد مجتمع الميم في المنطقة.

يُمثّل "شهر الفخر" فرصة للناس حول العالم للاحتفال بالظهور والانتصارات الشاقة التي حققها مجتمع الميم منذ انتفاضة "ستونوول" في الولايات المتحدة في 1969. إنه وقت مناسب لكشف استراتيجيات الحكومية التي تمنع المساواة في الحقوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتفشى التمييز والعنف ضد مجتمع الميم.

حيثما يوجد اضطهاد، توجد مقاومة، سواء كانت موجهة عبر حملات عامة تدعو إلى الإصلاح القانوني أو في مقهى سري آمن يتقبل مجتمع الميم. ولكن على الرغم من الصمود القوي لمنظمات ونشطاء مجتمع الميم في تعزيز حقوق الأقليات الجنسية والجندرية في وجه القمع الذي ترعاه الدولة، فإن المناخ حول حقوق مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال مظلما كالعادة.

الإجراءات الخانقة الناتجة عن تفشي  فيروس "كورونا" كشفت مجددا كيف أن أفراد مجتمع الميم، الذين يواجهون أصلا تمييزا في الرعاية الصحية وتهميشا اقتصاديا، هم كبش الفداء في الأزمات. فضلا عن الأوبئة والكوارث الطبيعية، تدّعي الحكومات في المنطقة باستخفاف أن إعطاء مجتمع الميم حقوقه سيؤدي إلى إضعاف نسيجها الاجتماعي، إن لم يكن لعنة أبدية يتحمل مسؤوليتها الأشخاص الكوير ومتغيرو/ات النوع الاجتماعي (الترانس).

باسم "الآداب العامة"

لدى معظم دول المنطقة قوانين تجرم العلاقات المثلية. حتى في البلدان حيث تغيب مثل هذه القوانين - مثل البحرين ومصر والأردن - تُستخدم "قوانين الآداب" الزائفة و"قوانين الفجور والدعارة" لاستهداف أفراد مجتمع الميم، غالبا بدون أساس قانوني وبما يتعارض مع القانون الدولي.

في مصر، شنّت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ 2014 حملة اعتقالات ومحاكمة ضد مئات الأشخاص بسبب توجهاتهم الجنسية وهوياتهم الجندرية المفترضة أو الحقيقية، تحت غطاء "حماية الآداب العامة". في 2019، وثّقت منظمة لحقوق مجتمع الميم مقرها القاهرة 92 حالة اعتقال بزعم السلوك الجنسي المثلي بموجب قانون "الفجور" المصري.

 في لبنان، تدخلت الحكومة في السنوات الأخيرة لتُوقف فعاليات حقوقية حول الجندر والجنسانية باسم "حماية الآداب العامة". كان لا بد من نقل مؤتمر حول الجندر والجنسانية، يُعقد سنويا في لبنان منذ 2013، خارج لبنان في 2019 لأول مرة، عقب محاولة "الأمن العام" إغلاق نسخة 2018. استشهد الأمن العام باستثناء ما يسمى "الآداب" من حق التجمع السلمي بموجب القانون الدولي، مدعيا أن القانون يتطلب أن يكون النشاط "مؤتلفا ومتوافقا مع المنظومة القيمية للمجتمع المعني". مع ذلك، فُسّر القانون رسميا لحظر التمييز على أساس التوجه الجنسي.

اتهمت السلطات في الأردن أفراد مجتمع بـ "الانحراف الجنسي" الذي "ينتهك... النظام العام والآداب العامة للدولة". في موريتانيا، أدانت محكمة ثمانية رجال في يناير/كانون الثاني بتهمة "مخالفة الأخلاق الحسنة" و"ارتكاب فعل مخل بالحياء"، بعدما أدى ظهور فيديو لهم يحتفلون بعيد ميلاد إلى اعتقالهم. اتُهموا بأنهم "مخنثون" كانوا "يتشبهون بالنساء". أُطلق سراح الرجال بعد ضغط من نشطاء وحقوقيين. في الجزائر، يُشكل القانون الذي يحظر تسجيل الجمعيات التي تتعارض أهدافها مع "الآداب العامة" خطرا على مجموعات مجتمع الميم، فضلا عن المنظمات الحقوقية التي قد تدعمها لولا ذلك.

في تونس، حاكمت السلطات وسجنت رجالا يشتبه في كونهم مثليين ونساء ترانس بموجب الفصل 230 من "المجلة الجزائية" (قانون العقوبات)، والتي تعاقب على "اللواط" بالسجن حتى ثلاث سنوات. وكثيرا ما استخدمت السلطات فصولا أخرى من قانون العقوبات للقبض على أفراد مجتمع الميم ومحاكمتهم/ن بتهم "الفحش العلني" و"الاعتداء على الأخلاق الحميدة". رغم استعداد قلة من السياسيين التونسيين في حكومات ما بعد الثورة للتصدي للعنف ضد أفراد مجتمع الميم، فإن أحزابا سياسية رئيسية مثل "حركة النهضة"، التي تُعرّف نفسها كحزب "إسلامي ديمقراطي" ولها نفوذ كبير في تونس، عارضت مرارا مبادرات للمساواة.

في العراق، حيث شكّلت سلسلة من عمليات خطف، وتعذيب، وقتل أفراد مجتمع الميم من قبل القوات المسلحة العراقية نمطا خطيرا لأكثر من عقد من الزمان، أعفت الحكومات السابقة نفسها من المسؤولية وزعمت بدلا من ذلك أن هذه القوات المُسيئة كانت تحاول حماية الآداب والتقاليد الدينية. في 2012، شن الجيش، إلى جانب قوات مسلحة أخرى، موجة من الاعتداءات على أشخاص اعتبرهم البعض من مجتمع الميم. استمرت عمليات قتل أفراد مجتمع الميم في بغداد حتى 2017 و2018، ويبدو أن السلطات العراقية لا تفعل شيئا لوقف عمليات القتل أو معاقبة المتورطين. أبدى رئيس الوزراء المنتخب حديثا مصطفى الكاظمي استعداده لمعالجة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان عموما.

تستخدم الدول "حماية الآداب" للسيطرة على أجساد الأفراد الكوير والترانس وهوياتهم/ن. بعيدا عن خدمة المصلحة العامة، تهدف الرقابة السلوكية على اللامعيارية إلى الحفاظ على الوضع الراهن، من خلال تعزيز القيم الاجتماعية الأبوية وتبرير إهمال الدولة. تزعم الحكومات في المنطقة أن المجتمع ليس جاهزا لـ "الارتباك" الذي ستسببه اللامعيارية لأيديولوجياتها الرجعية، ولكن الانتفاضات الجماعية في العراق، ولبنان، وتونس، مثلا، أظهرت أن التضامن مع مجتمع الميم جزء لا يتجزأ من دعوات الناس ضد أشكال الإقصاء.

خرافة "الاستيراد من الغرب"

في جميع أنحاء المنطقة، توجد رواية سائدة تُوظفها الحكومات للتشكيك في شرعية حقوق مجتمع الميم تدّعي أنها "مستوردة من الغرب". في قطر، الدولة المضيفة لـ "كأس العالم" لكرة القدم 2022، وحيث تُعاقب العلاقات المثلية بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وعد المسؤولون بأن "الجميع مُرحب بهم"، بمن فيهم أفراد مجتمع الميم الأجانب، خلال كأس العالم. هذا القرار بتعليق المعايير المحلية مؤقتا له تأثير متناقض يعزز فكرة أن الرغبة المثلية والتعددية الجندرية هما مفهومان أجنبيان.

أيضا في قطر، عندما أعلنت "جامعة نورث ويسترن" أنها ستنقل مؤتمرا صحفيا لأعضاء في فرقة "مشروع ليلى"، التي تتصدى بجرأة لقضايا الجندر والجنسانية في الشرق الأوسط والتي يجاهر مُغنيها الرئيسي بمثليته، من حرمها الجامعي في الدوحة إلى شيكاغو، أشعلت النقاش على الإنترنت حول الموضوع المألوف، "الإمبريالية الثقافية الغربية". قالت "مؤسسة قطر"، وهي منظمة غير ربحية مرتبطة بالدولة، إن الفعالية أُلغيت بسبب تعارضها مع القوانين والأعراف القطرية. قال العديد من أفراد مجتمع الميم القطريين لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما تصبغ قطر حقوق مجتمع الميم بصبغة الأجندة الإمبريالية، فتجعلهم يترددون في التعبير عن رفضهم للقمع الحكومي خوفا من وصفهم بأنهم "خونة".

في العراق، رفع مُجمّع للسفارات الأجنبية في بغداد علم قوس قزح، رمز التضامن مع مجتمع الميم، في 17 مايو/أيار، اليوم العالمي لرهاب المثلية والتحول الجنسي وازدواجية التوجه الجنسي (آيداهوت). أثار ذلك إدانة في العراق، بما فيها من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والنواب، و"وزارة الخارجية"، الذين زعموا جميعا أن السفارة لم تحترم القيم العراقية وتفرض أجندة غربية. قال لنا نشطاء إنه منذئذ، قُتل العديد من الرجال المثليين وتعرّض العشرات من مجتمع الميم للتهديد.

في لبنان، برّر الأمن العام قراره بفرض حظر دخول تعسفي على نشطاء مجتمع الميم الذين حضروا مؤتمر في 2018 حول الجندر والجنسانية، على أساس "اعتبارات أمن الدولة" و"حماية المجتمع من الآفات المستوردة" التي "تزعزع أمن واستقرار المجتمع".

يواجه نشطاء مجتمع الميم في العديد من البلدان الاتهام بأنهم يفسدون الثقافات المحلية بالأفكار الغربية كل يوم. تغفل هذه الخرافة أن النشطاء في المنطقة طوّروا حركةً بأنفسهم، بناء على تجاربهم الخاصة، ولم يكونوا صدى لنظرائهم الغربيّين، ومن جملة ما تعتمد عليه هذه الخرافة الاهتمام شديد بمصادر تمويلهم والمجموعات التي يشاركونها. لدى استعراض التاريخ العربي والإسلامي، يجد المرء وفرة في الإشارات إلى الرغبة المثلية، منها ما عبّر عنه الشاعر أبو نواس، أو الخليفة العباسي الأمين، أو الوزير العثماني مصطفى رشيد باشا، أو كتابات الجاحظ النثرية في القرن الثامن، أو كتابات القاضي التونسي شهاب الدين الطفاشي في القرن 13.

الرقابة على محتوى مجتمع الميم ومجموعاتهم

منع الناس من الاطلاع على المحتوى والمبادرات الخاصة بالجندر والجنسانية في جميع أنحاء المنطقة، أو إنتاجه، أو مشاركته هو أمر شائع. قطر، وسعيا إلى تقديم نفسها على أنها أكثر انفتاحا من جيرانها في الخليج، تعرضت للإحراج في 2018 بسبب الرقابة الاستثنائية التي تعرضت لها صحيفة "نيويورك تايمز" من قبل الناشر الشريك، وهي شركة خاصة أزالت محتوى حول مجتمع الميم من عدد للصحيفة وُزّع في قطر. انضمت قطر أيضا إلى السعودية، ومصر، والأردن، ولبنان في منع فرقة مشروع ليلى من الأداء محليا.

حُكم على إعلامي مصري بالسجن عاما لاستضافته رجل مثلي في برنامج تلفزيوني. أصدر "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" – وهي هيئة حكومية تأسست في 2017 - قرارا يحظر "الترويج لشعارات المثليين أو نشرها". تمادت السلطات المصرية إلى حد إنكار وجود مجتمع الميم، عندما رفضت بشدة في 12 مارس/آذار خلال "الاستعراض الدوري الشامل" الثالث لمصر، توصيات عدة دول لإنهاء الاعتقالات والتمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية.

في محاولة لإغلاق مجموعات مجتمع الميم في تونس، حاولت الحكومة تعليق أنشطة منظمة حقوقية لمجتمع الميم، زاعمة أن مهمتها في الدفاع عن الأقليات الجنسية تتعارض مع "القيم الإسلامية للمجتمع التونسي الذي يرفض المثلية الجنسية ويحظر مثل هذا السلوك الدخيل". في النهاية، أيّدت "محكمة الاستئناف" حق المنظمة في العمل. في فلسطين، حيث يعاني أفراد مجتمع الميم الفلسطينيون بالفعل من الاحتلال الإسرائيلي، منعت "السلطة الفلسطينية" في 2019 "القوس"، وهي جمعية حقوقية لمجتمع الميم، من تنظيم فعاليات في الضفة الغربية وهددت باعتقال المشاركين. زعمت السلطة أن الجمعية، التي عملت منذ 2001 على تحدي أشكال القمع المتقاطعة، تنتهك "القيم الفلسطينية التقليدية" واتهمت القوس بأنها مجموعة "عملاء أجانب".

بالنسبة للكثير من أفراد مجتمع الميم في المنطقة، مجرد السير في الشوارع يخضعهم لرقابة ذاتية يضطرون لممارستها لعيش حياتهم اليومية، وهو أحد الأسباب التي تجعلهم يلجؤون إلى منصات الإنترنت للتعبير عن أنفسهم بحرية أكبر. لكن الإيقاع بأفراد مجتمع الميم من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة المثلية أمر شائع في المنطقة. في المغرب، شُنّت حملة "كشف" في أبريل/نيسان، عندما أنشأ أشخاص حسابات مزيفة على تطبيقات المواعدة المثلية وعرّضوا مستخدميها للخطر بتداول بياناتهم الخاصة، فداسوا على حقهم في الخصوصية.

عندما تُصوّر الحكومات أفراد مجتمع الميم على أنهم "تهديد للآداب العامة"، و"وحدة الأسرة التقليدية"، و"الاستقرار الاجتماعي"، فهي تستخدم رهاب المثليين والترانس كاستراتيجيات حكومية، ما يزيد من تأجيج الوصم الاجتماعي. يستمر التمييز مع الإفلات من العقاب عندما لا يستطيع أفراد مجتمع الميم المتضررون اللجوء إلى القانون ولا يتمتعون بحماية السلطات.

المقاومة كأمل

كانت الانتفاضات في مصر، والعراق، ولبنان، وتونس فسحات أمل لحقوق الإنسان، بما فيها حقوق مجتمع الميم. جمعت الحراكات الاجتماعية فصائل متنوعة من المجتمع في دعوات موحَّدة للكرامة والمساواة. مؤخرا، أظهرت ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول في لبنان أن أفراد مجتمع الميم وحقوقهم كانوا في الصدارة، في بلد يُعاقَب فيه على العلاقات المثلية بالسجن حتى سنة واحدة ويواجه الترانس تمييزا بنيويا. استخدم أفراد مجتمع الميم قوة الصوت والحضور في المظاهرات للمطالبة بحقوقهم، ما أنذر الحكومة بأن الإصلاح الاجتماعي-الاقتصادي والقانوني يجب أن يشمل الفئات المهمشة، بما فيها مجتمع الميم.

في حين أن تضامن الأفراد والجماعات في المنطقة خطوة ضرورية لتغيير المواقف الاجتماعية السلبية، يقع العبء على الحكومات لوقف التمييز ضد مجتمع الميم وحمايتهم بدلا من ذلك. رغم الخطوات التي اتُخذت لحقوق مجتمع الميم في المنطقة، سيستمر أفراد مجتمع الميم في العيش على الهامش ما لم تلغ الحكومات التشريعات التي تعاقب العلاقات المثلية، وتسن قوانين تحميهم من التمييز. ينبغي للحكومات دعم حقوقهم الأساسية في الكرامة، والاستقلالية الجسدية، والترقي الاقتصادي-الاجتماعي، وحريات التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمّع.

حقوق مجتمع الميم هي ركن أساسي في حقوق إنسان، وقمعها بحجة إبقاء جزء من المجتمع مهمشا بذريعة "المصلحة العامة" الزائفة ضار بالحقوق الإنسانية للجميع. إلى الحكومات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المُصرة على إسكات أصوات مجتمع الميم: فخر سعيد، وعار عليكم.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة