ملخص
تم تحديث هذه النسخة من التقرير في 1 مايو/أيار 2018
رجال الدين والحكومة والأهل – جميعهم يتدخلون في حياتك الجنسية. أقول لك إن هذا لا يعنيهم، وإن جسدك ورغباتك وأفكارك هي ملكك وحدك. إن لم يعجبهم ما تكونين، فإنهم على خطأ.
— ريما، امرأة ثنائية التوجه الجنسي، لبنان
أنا إنسان لا أختلف عن الآخرين، ولدي حقوق. سأدافع عن هذه الحقوق.
— أحمد، رجل مِثليّ، ليبيا
ريما وأحمد ليسا وحيدين. فبالرغم من القمع الذي ترعاه الدول والوصم الاجتماعي، يتمكن المثليون/ات ومزدوجو/ات التوجه الجنسي ومتحولو/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إيجاد سبل لإيصال صوتهم. يروون قصصهم ويقيمون التحالفات وشبكات الاتصال عبر الحدود ويقومون بتحركات وطنية وإقليمية، كما يجدون طرقا مبتكرة لمحاربة رُهاب المثلية ورهاب متحوّلي/ات النوع الاجتماعي.
يرافق هذا التقرير سلسلة فيديوهات من إنتاج "هيومن رايتس ووتش" و"المؤسسة العربية للحريات والمساواة". تقدم هذه السلسة عددا من الناشطين الذين يتوجهون إلى مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر رسائل دعم وتشجيع. وبالتالي، يركز التقرير على بلدان المنطقة الناطقة بالعربية بشكل أساسي.
يرسم هذا التقرير السياق العام للفيديوهات ويضيء على حركات تغييرية في وجه عقبات جسيمة ويفصّلها. من العقبات، تجريم ممارسة الجنس المثلي (وفي بعض البلدان تجريم الهوية الجندرية غير النمطية)، الاعتقالات التعسفية، سوء المعاملة والفحوص الشرجية القسرية، عدم الاعتراف بمتحولي/ات النوع الاجتماعي، التعرض للعنف على يد موظفين حكوميين أو أشخاص من المجتمع، تقييد حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، ورفض الأسرة والوصم الاجتماعي.
يواجه الناشطون في البلدان التي يركز عليها هذا التقرير عدائية الدولة بدرجات مختلفة. العديد من دول المنطقة لا تعترف أصلا بمفاهيم مثل "التوجه الجنسي" أو "الهوية الجندرية". في وجه التصلب الرسمي، يختار بعض الناشطين العمل خارج الإطار الحكومي، فيركزون نشاطهم على بناء المجتمع وتغيير السلوك. من جهة أخرى، ضغط آخرون على حكوماتهم، دافعين بنجاح نحو تغييرات متزايدة بأشكال مختلفة. ففي لبنان وتونس، مثلا، استجابت المؤسسات الحكومية لدعوات إنهاء الفحوص الشرجية بعد الضغط من قبل ناشطين محليين ودوليين، بالإضافة إلى المعاهدات وهيئاتها. أما العراق، فالتزم معالجة العنف القائم على التوجه الجنسي والهوية الجندرية. في لبنان، رفضت بعض المحاكم اعتبار ممارسة الجنس المثلي جرائم "على خلاف الطبيعة" (غير أن هذه القضايا لم تشكل سابقة قانونية ملزِمة). في المغرب، أدانت بعض المحاكم مرتكبي العنف القائم على التوجه الجنسي والهوية الجندرية.
قد يكون التقدم بطيئا جدا وتتخلله الانتكاسات. بينما كنا نحضّر لهذا التقرير في سبتمبر/أيلول 2017، اعتقلت السلطات المصرية عشرات الأشخاص في وقت قصير بعد ظهور علم قوس قزح – وهو علامة تضامن مع مجتمع الميم – في حفلة موسيقية. اعتمدت السلطات على قانون "الفسق" الذي استُخدم في أوائل الألفينيات ضد رجال مثليين ونساء متحولات النوع الاجتماعي، والذي أعيد إحياؤه بعد انقلاب 2013، عندما بدا أن الحكومة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تنتهج ملاحقة المثليين/ات ومتحولي/ات النوع الاجتماعي في استراتيجيتها السياسية. حتى بمعايير مصر الأخيرة، فإن حملة سبتمبر/أيلول الموسعة – التي أدت إلى العديد من الاعتقالات وفحوص شرجية قسرية وتعتيم إعلامي على الخطاب الداعم لمجتمع الميم – كانت قاسية. غير أن الناشطين أظهروا إبداعا وديناميكية حتى في الظروف الصعبة، عبر تدريب أشخاص من مجتمع الميم على كيفية حماية أنفسهم رقميا من مراقبة الشرطة وكيفية تحريك الضغط الدولي على الحكومة، وهي أداة يستخدمونها بحذر ويحتفظون بها عادة لحالات حقوق الإنسان الطارئة.
بحث هذا التقرير كيفية استمرار تحركات مجتمع الميم في ظل قيود قاسية، في دول قمعية ومناطق نزاع، وفي أماكن يخاطر فيها الناشطون بالإقصاء الاجتماعي والسجن، والتعرض لعنف القوى الأمنية والمجموعات المسلحة وحتى على يد أسرهم. كما يضيء على مقاربات في ظروف أقل قمعا لكسب الدعم العام وتحديد الحلفاء الحكوميين ونشر حقوق مجتمع الميم، في نقاشات أوسع حول حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي.
خلال حوارهم مع هيومن رايتس ووتش، عبّر العديد من ناشطي مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن إحباطهم من التغطية الإعلامية الدولية أحادية التصور. فهذه التغطية لا تعترف بتنظيم ناشطي مجتمع الميم في المنطقة، أو تضعهم خارج الصورة تماما. قال زهير الجزائري، ناشط من الجزائر، لـ هيومن رايتس ووتش: "لا نريد أن نبقى أسيري صورة الضحية بعد الآن. نريد أن ننقل الحقيقة، أن نتكلم عن العنف ولكن، أيضا، [أن نظهر] ما هو إيجابي".
لا يسعى هذا التقرير إلى تلميع صورة انتهاكات حقوق الإنسان القاسية والمنتشرة بحق مجتمع الميم في أغلب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد وثّقت هيومن رايتس ووتش العديد من هذه الانتهاكات، من القتل غير القانوني إلى الاعتقالات الجماعية والرقابة على الخطاب الداعم لمجتمع الميم، وستستمر في هذا العمل. لكن هذا التقرير يهدف إلى تقديم حركة تفتح الأبواب أمام مجتمع الميم في المنطقة بكل تعقيداتها، حتى في ظل محاولة بعض الحكومات إغلاق هذه الأبواب بوجههم. وتضامنا مع ناشطي مجتمع الميم في المنطقة، يسعى التقرير إلى النظر في كل ما هو ممكن خارج صورة الضحية.
المنهجية
تم إعداد هذا التقرير بالتشاور الوثيق مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة. وهو يركز على حركة مجتمع الميم وحقوقه في الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، الجزائر، السعودية، السودان، سوريا، العراق، عمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب، موريتانيا، واليمن. ويعتمد بشكل أساسي على مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش مع 34 ناشطا وناشطة يعملون على حقوق مجتمع الميم في هذه البلدان.
لا يغطي التقرير تحركات مجتمع الميم في إيران أو ضمن الأكثرية اليهودية في إسرائيل. هذا لأن سلسلة الفيديوهات المرافقة لهذا التقرير، المُنتَجة بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة، تستهدف الجمهور الناطق باللغة العربية. بالتالي يركز التقرير على المجتمعات التي تغلب فيها اللغة العربية في المنطقة. يمكن مشاهدة الفيديوهات على: https://www.hrw.org/ar/no-longer-alone.
غالبا ما تكون التحركات الداعمة لحقوق الإنسان عابرة للحدود، ويظهر تخطي الحدود هذا في عمل ناشطي مجتمع الميم. ففي حين يعمل الأغلبية في بلدانهم، اضطر كثير منهم إلى المغادرة لأسباب تتعلق بسلامتهم أو بحثا عن فرص، بينما انخرط آخرون في العمل الإقليمي أو يعملون في بلدين مختلفين. بالتالي، نجد عراقيَّين يعملان في مجال حقوق مجتمع الميم في الأردن، وسودانيَّين يعملان في مصر بشكل أساسي. 6 من الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلات – من البحرين، الكويت، العراق، عمان، سوريا، والمغرب – انتقلوا إلى أوروبا لأسباب أمنية تتعلق بهويتهم ونشاطهم، لكنهم لا يزالون منخرطين في العمل في المنطقة. البلدان التي يؤدي الناشطون الجزء الأكبر من عملهم فيها أو بما يتعلق بها تتوزع على الشكل التالي: الأردن (5)، البحرين (2)، تونس (3)، الجزائر (2)، سوريا (1)، العراق (3)، عمان (1)، فلسطين (1)، قطر (1)، الكويت (1)، لبنان (3، جميعهم يعملون بشكل أساسي على مستوى إقليمي)، ليبيا (1)، مصر (5، 2 منهم يعملان أيضا على مستوى إقليمي، بما في ذلك السودان)، المغرب (4)، موريتانيا (1). لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من إيجاد ناشطين من الإمارات، السعودية، قطر، أو اليمن على استعداد للتكلم عن عملهم.
أغلب الذين أجريت معهم مقابلات عرفوا عن أنفسهم على أنهم مثليون/ات، مزدوجو/ات التوجه الجنسي، أو متحولو/ات النوع الاجتماعي، بينما عرف البعض عن أنفسهم على أنهم مغايري الجنس أو مطابقين/ات للهوية الجندرية المعيارية (انظر الفهرس) لكنهم منخرطين تماما في العمل على دعم مجتمع الميم. شخص واحد، من البحرين، عرّف بنفسه على أنه مثلي ولكنه ليس ناشطا؛ تكلم مع هيومن رايتس ووتش حول الغياب النسبي لحركة حقوق مجتمع الميم في البحرين.
كما يبني التقرير على أبحاث سابقة لـ هيومن رايتس ووتش حول ناشطي مجتمع الميم وأفراد من مجتمع الميم في الإمارات، تونس، لبنان، مصر، المغرب، العراق، والكويت، وعلى تقارير هيومن رايتس ووتش السابقة حول انتهاكات حقوق مجتمع الميم في المنطقة، بما في ذلك تقرير "الدوس على الكرامة: الفحوص الشرجية القسرية في مقاضاة المثلية" (2016)؛ "´جزء من عملنا´: إساءة معاملة وتعذيب الفئات المستضعفة في مخافر الشرطة اللبنانية" (2013)؛ "´يصطادوننا لمتعتهم: التمييز وعنف الشرطة ضد النساء المتحولات في الكويت" (2012)؛ "´يريدون إبادتنا´: القتل العمد والتعذيب والميول الجنسية والنوع الاجتماعي في العراق" (2009)؛ و"في زمن التعذيب: إهدار العدالة في الحملة المصرية ضد السلوك المثلي" (2004). [1] كما يعتمد على أبحاث مكتبية، تشمل مراجعة تقارير
ومواقع مجموعات ناشطة تعمل في المنطقة، ودراسات حول تاريخ تنظيم مجتمع الميم في المنطقة.
I. الخلفية
السياق القانوني
ورثت غالبية الدول العربية قوانين صارمة ضد المثلية الجنسية من الأنظمة القضائية الاستعمارية الفرنسية والبريطانية.[2] ألغى الأردن (1951) والبحرين (1976) هذه القوانين عندما أقرّا قوانين جنائية جديدة بعد نيلهما الاستقلال، لكن الدول الأخرى أبقت على محظورات الحقبة الاستعمارية، مع تغيير اللغة والصياغة في بعض الأحيان.
في حالات أخرى، تأتي القوانين ضد المثلية الجنسية أو تحول النوع الاجتماعي من تفسيرات معينة للشريعة الإسلامية تصادق عليها الدولة. الشريعة تحكم السعودية، وتُعتبر المصدر الأول للقوانين في العديد من الدول الأخرى في المنطقة.[3]
تجريم المثلية الجنسية
القوانين في مختلف أنحاء المنطقة ليست هي نفسها، غير أن أغلبها تجرّم ممارسة الجنس بالتراضي بين راشدين من نفس الجنس. الملحق في آخر هذا التقرير يقدم تفاصيل أكثر عن هذه القوانين.
تقريبا جميع البلدان الناطقة باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجرم أشكالا من العلاقات الجنسية الطوعية بين البالغين، يمكن أن تشمل الجنس بين غير المتزوجين، "الخيانة" الزوجية، والعلاقات بين شخصين من الجنس نفسه. في الأردن، الإمارات العربية المتحدة، إيران، البحرين، السعودية، السودان، سوريا، ليبيا، مصر، المغرب، موريتانيا، عمان، فلسطين، قطر، واليمن، تُحظر ممارسة الجنس خارج إطار الزواج (الزنا)، بما في ذلك بين الرجال والنساء غير المتزوجين. يتم ذلك أحيانا عبر قوانين صياغتها فضفاضة، مثل في ليبيا، التي تعتبر ممارسة الجنس خارج إطار الزواج اعتداء جنسيا على شخص برضاه.[4]
في تونس، الجزائر، سوريا، عمان، المغرب، اليمن وجزء من فلسطين (غزة)[5]، تَحظر القوانين المثلية الجنسية صراحة، عبر صياغة محايدة جندريا أو تذكر الرجال والنساء معا. القانوني الموريتاني أيضا يجرم المثلية الجنسية للجنسين؛ عقاب الجنس بين رجلين مسلمين "الرجم على الملأ"، أما النساء فعقابهن أخف.
الكويت، السودان، وجزء من الإمارات (دبي)[6] تجرم الجنس بالتراضي بين الرجال.
لبنان، سوريا، وجزء من الإمارات (أبو ظبي) تحظر الجنس "المخالف للطبيعة" وتعرفه بطريقة مبهمة. ففي لبنان هو، "كل مجامعة على خلاف الطبيعة"، وفي أبو ظبي، "اتصال جنسي مناف للطبيعة". تُستخدَم هذه القوانين لتجريم المثلية الجنسية.
قطر، بالإضافة إلى حظر الجنس خارج إطار الزواج للمسلمين، تفرض عقوبات على أي ذكر، مسلم أم غير مسلم، "قاد أو حرض أو أغرى" ذكرا آخر لممارسة "اللواط" أو "الفجور". لا يفرض القانون أي عقوبة على الشخص "المحرَّض" أو "المُغرر به".
العديد من الدول تستخدم قوانين "آداب" محايدة جندريا لملاحقة الأشخاص الذين يمارسون الجنس المثلي بالتراضي. قد تكون هذه الأحكام خطيرة لأنها مبهمة: فهي تستخدم مصطلحات مثل "شائن" أو "فاسق" دون تعريفهما.[7] لدى مصر تاريخ طويل في استخدام هكذا أحكام ضد أشخاص من مجتمع الميم: فالسلطات استخدمت قانون "الفجور" الذي أُقر عام 1951 من أجل تجريم العمل الجنسي، والذي استُبدل لاحقا بالقانون 10/1961 في مكافحة الدعارة، منذ التسعينيات لمحاكمة الأفعال الجنسية بين الرجال، ما أدى إلى مئات الاعتقالات.[8] البحرين أيضا تستخدم أحكاما مبهمة حول "الحياء" لمضايقة واحتجاز أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى مجتمع الميم، حسب تقارير إعلامية. وبحسب أحدها، اعتُقل 127 شخصا في ما زعم أنه "حفلة للمثليين" في 2011، بعضهم كان يرتدي ملابس نسائية، بالرغم من عدم وجود أي قانون واضح يعاقب المثلية أو ارتداء الرجل ملابس نسائية.[9] في 2016، اعتقلت الشرطة 30 شخصا في حفلة خاصة في مسبح، واتهمتهم بانتمائهم "للجنس الثالث" وبالفجور العلني.[10]
ليس في العراق أو الأردن أي قانون يجرم بوضوح الجنس المثلي بالتراضي، ولا تستخدم الحكومة دائما الأحكام "الأخلاقية" لتجريم الجنس المثلي بالتراضي.
حظر التعبير عن الهوية الجنسية
الكويت والإمارات هما من البلدان القليلة في العالم التي تجرم صراحة عدم الامتثال الجنسي. انضمت إليهما عمان في 2018، بعد أن أضافت مواد رجعية على القانون الجنائي يعاقب بموجبها كل رجل "تنكر في زي امرأة".
في الكويت، أُقر قانون عام 2007 يجرم "التشبه بالجنس الآخر". بموجب هذا القانون، يتعرض متحولو/ات النوع الاجتماعي للاعتقال التعسفي والمعاملة المهينة والتعذيب في عهدة الشرطة. وبما أن القانون لا يعرف "التشبه" بالجنس الآخر، حتى ذوي الهوية الجندرية المعيارية يتعرضون للاعتقال بموجب هذا القانون. قال رجل كان قد اعتُقل وضُرب بموجب هذا القانون لـ هيومن رايتس ووتش:
لا أدري لماذا قبضوا علي، فأنا رجل وكانت لدي لحية كاملة آنذاك!... أُطلق سراحي أخيرا بعد 3 أيام وبعد إرغامي على التوقيع على اعتراف وتعهد بعدم التشبه بالنساء مجددا. كم امرأة تعرفون تربّي لحية؟[11]
في الإمارات، يعاقب قانون العقوبات الاتحادي "كل رجل تنكر بزي امرأة ودخل مكانا خاصا بالنساء أو محظور دخوله آنذاك لغير النساء". عمليا، اعتُقلت نساء متحولات النوع الاجتماعي بموجب هذا القانون حتى في أماكن مختلطة.[12]
بالرغم من عدم وجود أي قانون في البحرين يجرم صراحة تحوّل النوع الاجتماعي، تشير تقارير إعلامية إلى قضايا اتُّهم فيها أشخاص بجرائم مثل "الفعل المخل بالحياء" و"التحريض على الفجور" لارتدائهم ملابس غير متطابقة مع جنسهم.[13] ناقش البرلمان البحريني قانونا في 2016 ثم في 2017 يجرم "أي شخص يتشبه بالجنس الآخر" لكنه لم يقرّه.[14]
حظر حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات
في حين أقرت دول عديدة في مناطق أخرى قوانين تحظر "الدعوة إلى المثلية الجنسية"، لا توجد هكذا قوانين في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن في مصر، تم استخدام أحكام حول "التحريض على الفجور" في قانون 1961 لمكافحة الدعارة، في سبتمبر/أيلول 2017 ضد شبّان يُشتبه برفعهم علم قوس قزح في حفلة لمشروع ليلى، وضد أشخاص آخرين تمت ملاحقتهم بعد استخدامهم تطبيقات ومنصات تحادث للمثليين. اتُّهم شخصان آخران يشتبه برفعهما علم قوس قزح بتهمة "الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون" بهدف تقويض الدستور.[15]
في أماكن أخرى، يمكن استخدام قوانين "الآداب" و"الفجور" لمنع الخطابات الداعمة لمجتمع الميم. تعاقب هذه القوانين كل شخص يمتلك أو يوزع مواد يمكن اعتبارها "تخدش الحياء" (الجزائر، اليمن)، "من جهر بالصياح أو الغناء لإثارة الفتنة" (العراق)، "من تصرف تصرفاً شائناً أو منافياً للآداب في محل عام" (الأردن)، أو الدخول إلى أو نشر مواد على الإنترنت تخالف قواعد "الآداب العامة" (السعودية).[16]
لقيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات تلقي بثقلها أيضا على عمل مجموعات مجتمع الميم. بحسب تحليل "الجمعية الدولية للمثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي وحاملي/ات صفات الجنسين"، القوانين الناظمة لعمل المنظمات غير الحكومية في الأردن، الإمارات، البحرين، الجزائر، السعودية، عمان، قطر، الكويت، ليبيا، مصر، والمغرب تجعل من شبه المستحيل تسجيل منظمات تعمل على قضايا التوجه الجنسي والهوية الجندرية.[17] في معظم البلدان، فضّلت منظمات مجتمع الميم عدم التسجيل والعمل في الخفاء، أو تسجلت دون ذكر عملها على حقوق مجتمع الميم. حاولت منظمة "أقليات" المغربية أن تتسجل في 2016؛ لكن السلطات رفضت حتى استلام الطلب وطردت الذين كانوا يقدمون الطلب من مكتب التسجيل.[18] في المقابل، في تونس، أيدت محكمة حق منظمة "شمس" التي تدافع عن حقوق مجتمع الميم بالعمل بعدما حاولت السلطات إغلاقها.[19]
غياب الاعتراف بالحقوق القانونية الجندرية[20]
لا تقدم أي من الدول المذكورة في هذا التقرير أي إجراء معياري يسمح لمتحولي/ات النوع الاجتماعي بتغيير علاماتهم/هن الجندرية قانونيا على أوراقهم/هن الثبوتية، ولا تعترف أي منها بفئة جندرية غير "ذكر" أو "أنثى". يعرّض هذا الواقع الأشخاص متحولين/ات النوع الاجتماعي وذوي/ات الهوية الجندرية غير النمطية إلى الاضطهاد في كل مرة يضطرون إلى إظهار الأوراق الثبوتية، وللاعتقال بموجب القوانين التي تجرم ممارسة الجنس المثلي.[21]
بحسب الناشط جورج قزي، في لبنان، طورت المحاكم اجتهادا يقول "إذا أثبت 3 أطباء نفسيين وطبيب أن الشخص مصاب باضطراب الهوية الجنسية، يمكنه تغيير أوراقه". غير أن قزي يشرح أن هذا الاجتهاد لم يوضع في إطار قانون وقرارات المحاكم الدنيا في هذه القضايا لا تشكل سابقة ملزمة.[22] في تطور إيجابي، في يناير/كانون الثاني 2017، حكمت محكمة استئنافية – يمكنها تحديد سوابق ملزمة – بالسماح لرجل متحول النوع الاجتماعي بتغيير اسمه والإشارة إلى الجنس في أوراقه الثبوتية، متجاوزة قرار محكمة أدنى وأجبرت الحكومة على تغيير الأوراق. ورأت المحكمة أنه ليس من الضروري إجراء عملية تغيير للجنس من أجل الاعتراف بالهوية الجندرية.[23]
قدمت مصر ولسنوات عدة عمليات تغيير الجنس مجانا للأشخاص ذوي "اضطراب الهوية الجنسية"، غير أن الهيئة الحكومية المسؤولة عن إصدار التصاريح أوقفت العمل بها في 2016 بعد "نقاش حول أخلاقية هذه العمليات". بحسب "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حتى الذين حصلوا على الموافقة للقيام بالعملية واجهوا صعوبات في تغيير أوراقهم الثبوتية.[24]
في أغلب القضايا كان من الصعب على متحولي/ات النوع الاجتماعي تغيير الإشارة إلى الجنس على أوراقهم/هن الثبوتية حتى في كل قضية على حدة. في الكويت عام 2004، حكمت محكمة بالسماح لآمال، امرأة متحولة النوع الاجتماعي، بتغيير جنسها على أوراقها الثبوتية من ذكر إلى أنثى، ولكن محكمة الاستئناف أسقطت الحكم.[25] خسرت آمال استئنافا آخر أمام محكمة النقض.[26] في البحرين، في أوائل 2016، ردت إحدى المحاكم طلب رجل متحول النوع الاجتماعي حاول تغيير أوراقه الثبوتية.[27]
في قضية قدمت إلى إحدى المحاكم الإماراتية في 2017، قدم رجلان متحولا النوع الاجتماعي طلب الحق بتغيير الإشارة إلى الجنس على أوراقهما الثبوتية.[28] رفضت محكمة الاستئناف الاتحادية طلبهما في مارس/آذار 2018 . قال محاميهما إنه سيستأنف القضية. [29]
غياب قوانين عدم التمييز
في حين تملك بعض الدول الناطقة بالعربية في المنطقة قوانين أو أحكام دستورية تحظر التمييز، لا تحظر أي منها صراحة التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية. مع أنها ليست الوحيدة، فإن البلدان التي يتناولها التقرير بارزة في هذا السياق: عالميا، تنتشر القوانين التي تحمي من التمييز في المنزل أو التوظيف أو الأماكن العامة على أساس التوجه الجنسي – وفي بعض الحالات الهوية الجندرية – أكثر فأكثر.[30] في الدول العربية، لا يملك ضحايا التمييز بسبب انتمائهم إلى مجتمع الميم أي قدرة للاستفادة من الموارد القانونية.
السياق السياسي والاجتماعي والديني
الإسلام السياسي وثورات 2011
في بعض أجزاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدت أشكال التعصب الديني إلى تراجع حقوق المرأة والحريات الجنسية والتنوع الديني في السنوات الأخيرة.
أتت الثورات العربية في 2011 بحكومات وإصلاحات جديدة في بعض البلدان، لكن نتائجها على مجتمع الميم جاءت متفاوتة على المدى القصير. في ليبيا، أدى خلع معمر القذافي إلى فراغ في السلطة تمتلك فيه الميليشيات سلطة كبيرة؛ قام العديد منها باعتقالات تعسفية لرجال يشتبه بمثليتهم الجنسية.[31] يعود صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بداعش)، الذي قتل عشرات الرجال المثليين، كما سنفصّل لاحقا، إلى قدرته على "ملء الفراغ في السلطة في الدول المتساقطة" بعد ثورات 2011.[32]
في مصر، جلبت ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، بعض الأمل الذي لم يستمر لناشطي مجتمع الميم. كانت حكومة مبارك قد شنت حملة واسعة ضد الرجال المثليين في أوائل الألفينيات، من أهدافها "إظهار نفسها على أنها تحمي الأخلاق العامة لتنفيس حركة إسلامية معارضة كانت تحصل على دعم متزايد"[33]، حسب أحد الناشطين المصريين. لكن تزايد استبداد الحكومات المصرية بعد خلع مبارك، خاصة في ظل رئاسة عبد الفتاح السيسي، أطاحت بالأمل بإصلاحات جذرية. والأسوأ أن مكتسبات ثورة 2011، بما في ذلك تعزيز حرية التعبير وتكوين الجمعيات، ذهبت أدراج الرياح بعدما أدار الجيش العزل القسري للرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز 2013. منذ أن أصبح السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك، رئيسا عام 2014، تبنت الحكومة استراتيجية مبارك بالتضحية بمجتمع الميم، على ما يبدو كطريقة لإثبات مؤهلاته الدينية المحافظة ودرء التحديات الإسلامية.
كانت إحدى النتائج الإيجابية لثورات 2011 العربية، تحفيز عدد كبير من أفراد مجتمع الميم في أنحاء المنطقة على المشاركة في النشاط لأول مرة، ومنحتهم أدوات جديدة للتعبئة وبناء التحالفات. شرحت داليا عبد الحميد من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنه، منذ الثورة، يتكلم الناشطون العاملون مع مجموعات مجتمع الميم في مصر، بالإضافة إلى من سمّتهم المنظمات السياسية اليسارية أو الثورية، بحرية أكثر حول الهوية الجندرية والجنسية، ويضعونها في إطار حقوق الإنسان:
خلقت الثورات طرقا جديدة للدفاع عن الحقوق والتعبير عن قضايا لم يكن ممكنا تصورها قبل 2011. خاصة بما يتعلق الهوية الجندرية والجنسية، حصل تحول في طريقة التفكير، وتغيير في طريقة تفكير الشباب بالهوية الجندرية والجنسية، بعد العنف الجنسي الذي حصل في ميدان التحرير والنشاط حوله.[34]
قال أحد الناشطين المثليين المصريين، ردا على سؤال عن تأثير ثورات 2011 على تنظيم مجتمع الميم:
الربيع العربي؟ أنتجتني. أنا منخرط في جمعيات مجتمع الميم منذ 2008، ولكنهم كانوا يخافون من القيام بأمور كثيرة. منذ 2011 بعد خلع مبارك بدا الأمر كأنه لم يعد هناك عقبات، لم يعد هناك ما لا يمكن هدمه.
ثم بدأت بتجميع القصص المتناقلة شفهيا ووجدت أن 6 أو7 مجموعات لحقوق مجتمع الميم قد أُسست بين 2011 و2012. بدأ الناس يقولون "لما لا نبدأ بالظهور والمطالبة بحقوقنا؟". في المظاهرات كان الناس على طبيعتهم ويشعرون براحة أكبر. كما أن المجتمع صار مستعدا أكثر لقبولهم – كان الناس يثورون على إسلام يقول، عليك أن تفعل ما تؤمَر به فقط.[35]
كتبت مالا بادي، ناشطة مغربية متحولة النوع الاجتماعي، أنها عندما اكتشفت أنها متحولة، نصحها أصدقاؤها بإخفاء هويتها.
وصل الربيع العربي إلينا. في 20 فبراير/شباط 2011 وجدت نفسي في الشارع مع آلاف الشباب المغاربة، نردد شعار "حرية، عدالة، كرامة، مساواة!" بأعلى أصواتنا لأول مرة. أحسست كما لو أنني وُلدت مجددا. في التجمعات مع الناشطين الآخرين، شعرت أنني بين أشخاص لا ضرورة لأن أخافهم، لأننا هتفنا معا "لا خوف بعد اليوم!" أمام المباني الحكومية وفي المسيرات التي ضمت آلاف الأشخاص.
فبدأت أظهر توجهي الجنسي تدريجيا، وكتبت على اليافطات "لا للمادة 489" (الجزء من قانون العقوبات الذي يجرم ممارسة الجنس المثلي) و"لا تجرموا الحب". بحلول مايو/أيار رفعت علم قوس قزح في المظاهرة، ما أثار غضب الإسلاميين بيننا. فوقفت وجسدي يرتعش، وقلت: "حقوق المثليين من حقوق الإنسان، علينا أن نقبل أن كثيرين من الذين يهتفون معنا "عاش الشعب!" هم مثليون وهم جزء من الشعب!"[36]
حتى الحكومات التي تحترم مطالب حركات مجتمع الميم الناشئة تتجاهلها. عارضت "منظمة التعاون الإسلامي"، التي تضم جميع البلدان التي يتناولها التقرير، الاعتراف الدولي بحقوق مجتمع الميم. وقد تجلّى هذا الموقف بانسحاب الدول الأعضاء في المنظمة من حلقة نقاش "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" حول الانتهاكات المتعلقة بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية في 2012،[37] والتصويت ككتلة ضد قرارات الأمم المتحدة لمعالجة العنف والتمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية،[38] ورفض التعاون مع خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية.[39]
العنف والنزاعات
الصراعات المسلحة تزيد من تحديات أي نشاط يمس قضايا مثيرة للجدل. تعدد الجهات المسلحة التي لا ترحب برسائل الناشطين قد يعني ارتفاع خطر العنف، غالبا في جو من عدم المحاسبة. كما أن تفكك المؤسسات قد يسمح لأفراد أن يلجؤوا إلى العنف بناء على تعصّبهم، متجاهلين القانون.
استهدف المتطرفون العنيفون الرجال المثليين والنساء متحولات النوع الاجتماعي وذوي/ات الهويات الجندرية غير النمطية في العديد من بلدان المنطقة. يحصل هذا العنف أحيانا خارج نطاق الدولة (مثلا، في المناطق التابعة لسيطرة داعش في العراق وسوريا) وأحيانا في ظل حكومة ضعيفة تعتمد على تحالفاتها مع المجموعات المسلحة وتترك لها السلطة الكاملة على "حفظ الأمن" (تحديدا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في بغداد وأجزاء من ليبيا)؛ إنه من أصعب العقبات أمام تنظيم مجتمع الميم: أن يكون الشخص ناشطا بالعلن في مجتمع الميم في هكذا ظروف قد يعني الموت المحتم.
يبدو أن داعش يرحّب بالشهرة التي حصل عليها لقتله المثليين المزعومين وذوي/ات الهويات الجندرية غير النمطية في العراق وسوريا وليبيا. تفيد تقارير بأن داعش قتل 23 شخصا في العراق، 16 في سوريا، 2 على الحدود بين سوريا والعراق و3 في ليبيا بسبب مزاعم بممارسة "اللواط" حتى 26 يونيو/حزيران 2016.[40] عمل ناشطون على لفت الانتباه إلى عمليات القتل التي قام بها داعش، بما في ذلك في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتعبئة الاستجابات الدولية.[41]
في الوقت نفسه، أثار بعض الناشطين القلق حول التركيز على الانتهاكات المروعة التي يرتكبها داعش بحق مجتمع الميم، ما قد يصرف الانتباه عن انتهاكات الحكومة وممثليها المسؤولين أيضا عن عنف ناتج عن رُهاب المثلية ورهاب متحولي/ات النوع الاجتماعي.[42] أشار فادي صالح، ناشط وأكاديمي سوري، إلى أن قوات الحكومة ومجموعات مسلحة أخرى تنتهك مجتمع الميم غير أن التركيز المفرط على انتهاكات داعش يغطي عليها.[43] يملك العراق أفظع تاريخ في المنطقة بما يتعلق بعنف المجموعات المسلحة الموالية للحكومة. في 2009، قام مقاتلون، يُشتبه بانتمائهم إلى "جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر، بالتشهير برجال مثليين ومتأنثين وتعذيبهم على أنهم من "الجنس الثالث"، وخطفوا وعذّبوا وقتلوا ما لا يقل عن بضع مئات في غضون أشهر، أغلبهم في بغداد.[44] في حينها، كان جيش المهدي متحالفا مع الحكومة. وحصلت موجة قتل أخرى، وردت في بعض التقارير الإعلامية لمجموعة "عصائب أهل الحق" المتحالفة أيضا مع الحكومة، بعد أن نعت وزير الداخلية العراقي ثقافة "الإيمو" – وهي ثقافة مرتبطة بموسيقى "البانك"، وتتميز بأزيائها التي تتضمن الجينز الضيق والشعر الطويل أو الشائك للرجال – بعبدة الشيطان. لم تقم السلطات بأي شيء حيال عمليات القتل هذه التي استهدفت الشباب غير النمطيين، ومنهم الشباب الذين يُظَن أنهم ينتمون إلى مجتمع الميم، على سبيل المثال وليس الحصر.[45] في 2014، قتلت "عصائب أهل الحق" العديد من الرجال المثليين أو الذين يُشتبه بمثليتهم وعلّقت ملصقات تطلب الإمساك بآخرين.[46] أشارت تقارير أخرى في 2017، إلى عمليات قتل رجال مثليين نفذتها عصائب أهل الحق.[47]
لا يجرّم العراق ممارسة الجنس المثلي، كما أن الحكومة شكّلت لجنة للمثليين/ات والمتحولين/ات في 2012، يمولها مانحون دوليون، تهدف إلى توعية المسؤولين حول التوجه الجنسي والهوية الجندرية. اللجنة "لم تنشر أي تقرير أو نتائج سياسات ملموسة" كما توقفت عمليا عن العمل منذ 2014 بعدما انهمكت الحكومة بمحاربة داعش.[48] قال أحد الناشطين لـ هيومن رايتس ووتش في 2017 إن اللجنة كانت لا تزال موجودة، لكنها لم تنتج أي شيء ملموس.[49] كما أشارت "إيراكوير" ومنظمات أخرى في تقرير في 2015: "هذا التعاون بين القوات الحكومية والميليشيات الدينية المحافظة المتورطة في عمليات قتل ضد مجتمع الميم لا يبشر بالخير بما يخص الجهود الرامية إلى منع انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المرتكبين".[50]
القادة الدينيون في العراق، بمن فيهم آية الله علي السيستاني ومقتدى الصدر، أدانوا عمليات قتل 2012،[51] ثم قال الصدر علنا أنه ضد العنف ضد مجتمع الميم عام 2016. [52] لكن الناشط في إيراكوير، أمير عاشور، قال ردا على سؤال إذا ما كان للتصريح 2016 تأثير إيجابي: "الشيء الإيجابي الوحيد هو أن بإمكاننا الإشارة إلى هذا التصريح. أما في الواقع فلم يتغيّر شيئا. بالرغم من أن الميليشيا المسؤولة عن عمليات القتل تابعة للصدر، فإن كلمته ليست قانونا. وإدانته عمليات القتل لم تؤثر إلا قليلا على القاتلين".[53]
في ليبيا، حيث سقط حكم القانون وتفككت السلطة المركزية، تؤمن ميليشيات مختلفة، ذات وضع شبه رسمي، الدعم لـ "حكومة الوفاق الوطني" المدعومة من الأمم المتحدة. يقول ناشطون إن العديد من هذه الميليشيات اعتقلت وضربت واحتجزت تعسفيا رجالا يشتبه بمثليتهم.[54]
خلقت النزاعات في العراق وسوريا واليمن وليبيا مئات آلاف اللاجئين والنازحين، بعضهم ينتمون إلى مجتمع الميم ولديهم حاجات ونقاط ضعف محددة. ناشطو مجتمع الميم اللاجئون يواجهون عدم اليقين حول مستقبلهم، ما يحد من قدرتهم على التحرك. قال أحد ناشطي مجتمع الميم، عراقي يعيش في بلد آخر في المنطقة، إنه بالرغم من كونه يشهر مثليته أمام دائرة واسعة من الأصدقاء، عليه توخّي الحذر عند تنظيم أي نشاط من شأنه أن يظهر مثليته أكثر للعلن – ليس خوفا مما قد يحصل له في البلد المضيف إنما مما يمكن أن يحصل إذا ما عاد إلى العراق. [55] (هذا التقرير لا يتناول وضع اللاجئين من مجتمع الميم بالتفصيل).
العنف في سياق نزاع مسلح ليس التهديد الوحيد لأفراد مجتمع الميم. في بلدان يُعتقَل فيها الأشخاص بناء على توجههم الجنسي أو هويتهم الجندرية، تُخضِعهم قوى الأمن للتعذيب والضرب. قد يأخذ التعذيب أحيانا شكل فحوص شرجية قسرية، يقوم خلالها عادة أطباء أو عاملون آخرون في المجال الطبي بإدخال أصابعهم أو أدوات أخرى في شرج المتهم لإيجاد "دليل" مزعوم على سلوك مثلي. أُدينت الفحوص الشرجية من قبل العديد من هيئات الأمم المتحدة و"اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" بصفتها نوع من التعذيب أو المعاملة القاسية غير الإنسانية والمهينة، يرفضها الخبراء الطبيون لعدم صحتها العلمية وتعتبرها "الجمعية الطبية العالمية" غير أخلاقية. قال ضحايا الفحوص الشرجية القسرية لـ هيومن رايتس ووتش إنها مؤلمة جدا جسديا ومرهقة نفسيا؛ كثيرون اعتبروا هذه الفحوص كشكل من أشكال الاعتداء الجنسي.[56]
لا تخجل مصر من استخدامها الفحوص الشرجية القسرية.[57] تعهدت الحكومة التونسية مؤخرا بمنع هذه الفحوص لكنها لم تبدأ بتطبيق المنع بعد.[58] حصلت هيومن رايتس ووتش أيضا على تقارير من الشرطة السورية والإماراتية تفرض على الرجال المثليين الخضوع لفحوص شرجية قسرية، لكنها لم تتمكن من التأكد من هذه المزاعم باستقلالية.[59] يتميز لبنان بالخطوات التي اتخذها لإلغاء الفحوص الشرجية القسرية (كما سنفصل في القسم الثاني أدناه) لكنه لم يصدر حظرا شاملا لضمان عدم تعرض أي شخص للفحوص الشرجية في المستقبل.
وصف رجال مثليون ونساء متحولات النوع الاجتماعي أشكالا أخرى من التعذيب وسوء المعاملة على يد الشرطة وعناصر أمنية أخرى في المنطقة: فقد تعرضوا للضرب بأسلاك كهربائية واغتُصبوا بقضبان حديدية (لبنان)[60]؛ "خلع رجال الشرطة أحزمتهم ووضعوها حول أعناقنا وجعلونا نسير كالكلاب" (مصر)[61]؛ اغتصبهم رجال الشرطة ورموهم من سيارات الشرطة في الشارع (الكويت)[62]؛ وعُلّقوا بالمقلوب من السقف (العراق). [63]
كما يواجه أفراد مجتمع الميم في المنطقة خطر العنف على يد مدنيين عاديين. وثّقت هيومن رايتس ووتش، هكذا عنف في الكويت حيث يعتدي الرجال جنسيا على النساء متحولات النوع الاجتماعي دون عقاب[64]؛ في المغرب، يتعرض الأشخاص الذين يُظَن أنهم مثليون أو متحولو النوع الاجتماعي للعنف الجماعي[65]؛ وفي العراق، حيث تحدث رجال مثليون عن ضرب عنيف وتهديد بالقتل على يد أفراد من أسرهم.[66] في جميع هذه الحالات يعرف المعتدون أن القوانين ضد مجتمع الميم ستمنع الضحايا من البحث عن ملاذ.[67]
الأسرة وضغط المجتمع والخوف من "الظهور"
في معظم أنحاء المنطقة، يواجه أفراد مجتمع الميم ضغطا مجتمعيا كبيرا للبقاء في الظل، أو لعدم إظهار توجههم الجنسي أو هويتهم الجنسية. حتى أن بعض أفراد مجتمع الميم الذين كانت أسرهم المباشرة على علم بتوجههم الجنسي أو هويتهم الجندرية وتقبلوها قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن أسرهم حثتهم على عدم مشاركة هذا الوجه من شخصيتهم للأسرة الممتدة أو المجتمع.[68] كان حجم الوصمة العائلية والاجتماعية تحديا كبيرا أمام الناشطين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم، بغض النظر عما إذا كانت الحكومة تلاحقهم فعليا.
يخلق ضغط الأسرة والمجتمع للبقاء في الظل تحديات أمام قبول الذات وبناء المجتمع والتحركات. قد يشعر الناشطون الذين يعملون في كثير من الحالات على تأمين شبكات الدعم لأفراد مجتمع الميم، بمن فيهم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بفخر كبير بهويتهم وبالعمل الذي يقومون به لمصلحة مجتمع الميم، لكنهم يواجهون التذكير المستمر بأن أقرب الناس إليهم قد لا يشاركونهم هذا الفخر. لا يتمكن بعضهم من مناقشة نشاطهم مع أسرهم بتاتا، أما الذين يظهرون توجههم الجنسي أمام أسرهم قد يناقشون عملهم معها، لكنهم يشعرون أنهم غير مفهومين أو غير مقدّرين، ما يؤدي إلى الإحباط والإنهاك.
في المغرب، تلعب الحكومة على وتر الأسرة لترهيب الناشطين. قالت الناشطة المغربية هاجر المتوكل لـ هيومن رايتس ووتش إنها انتقلت مؤخرا إلى أوروبا بعد تلقيها تهديدات بالقتل، وقالت عندما تكتشف الشرطة أن شخصا منخرطا في نشاطات مجتمع الميم، قد لا تُوقفه لكنها "تأتي إلى منزلك وتبدأ بسؤال الأسرة عنك. يقومون بذلك مع جميع أنواع الناشطين الحقوقيين، لكن الأثر يختلف مع أفراد مجتمع الميم لأن ذلك قد يُظهرهم/هن أمام أسرهم/هن. الشرطة تستخدم الأسرة كأداة قمع".[69]
يكون النشاط فعالا أكثر إذا ما كان لديه وجه مشهور يعرفه الجمهور. لكن الوصم الاجتماعي يحول دون تحوّل الناشطين في مجتمع الميم إلى الوجه العام لحركتهم، حتى في الأماكن التي لا يخاطرون فيها بالتعرض للتوقيف أو العنف. أما الذين ظهروا علنا، إن كان في المجتمع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، دفعوا ثمنا باهظا بسبب مضايقات قاسية على الإنترنت أو الطرد من المدرسة أو الرفض من الأسرة.[70] يصف خالد عبد الهادي، مؤسس مجلة "ماي كالي" في الأردن التي تقدم تغطية إيجابية لقضايا مجتمع الميم، الكشف عن هويته الجندرية في 2007:
لم يكن أحدٌ يكشف عن هويته الجندرية في الإعلام في ذلك الوقت – كنت الوحيد. يظهر الآخرون في دوائرهم، لم يعد الأمر محرّما (تابو) مثل قبل، لكن المشكلة تبقى في إطار الأسرة. يقولون لك "لا بأس إن كنت مثليا ولكنك لست بحاجة للكشف عن ذلك". لي صديق متحول وكانت أسرته على وشك قبوله لكنه ظهر على وسائط التواصل الاجتماعي فقالت له الأسرة "لست بحاجة لإحراجنا".[71]
في بلدان الخليج، هناك صمت ملحوظ حول التوجه الجنسي والهوية الجندرية. قال ناشطون يعملون في لبنان ومنخرطون في التحركات الإقليمية إنهم ليسوا على علم بأي مجموعات ناشطة في مجتمع الميم تعمل في البحرين، الكويت، السعودية، عمان، قطر، أو اليمن. قدّم أحد الذين أُجريت معهم مقابلات، وهو رجل مثلي من البحرين يعيش في لبنان، تحليله للوضع:
إنه عقد اجتماعي: "نحن نملك النفط، ستصبح غنيا فاصمت. وإن لم يعجبك الأمر، ارحل". وبالتالي لا تجد تحركات... العالم هو مسرح وعليك أن تلعب دورك في المجتمع.[72]
غير أن ناشطي مجتمع الميم، في أنحاء كثيرة من المنطقة يتحدون الأدوار المرسومة لهم من الآخرين. قد يكون العالم مسرحا لكنهم يكتبون أدوارهم الخاصة.
II. النشاط الفعال في فضاءات محدودة
في 22 سبتمبر/أيلول 2017، قام عدة شباب في القاهرة، خلال حفلة لفرقة مشروع ليلى اللبنانية ومغنيها الأساسي مثلي علنا، بالتلويح بعلم قوس قزح – رمز فخر مجتمع الميم والتضامن معهم ومع نضالهم من أجل المساواة. كان هذا عملا شجاعا في بلد صنع لنفسه سمعة، تحت حكم السيسي، بقمع مجتمع الميم بقسوة.[73] بعد التلويح بالعلم، قامت إحدى منظمات حقوق مجتمع الميم بنشر صورة للعلم على صفحتها على فيسبوك مع التعبير عن البهجة.[74] بينما نبّهت منظمة أخرى أعضاءها من العواقب.[75]
قال ناشطون في المنظمتين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تفاجأوا بقسوة القمع التي تبعت التلويح بالعلم. حسب أحد الناشطين، في اليوم التالي استخدم عناصر الشرطة المصرية استراتيجية مُحكمة ومُجرّبة للإيقاع، عبر تطبيق مواعدة للمثليين/ات، بأحد الشباب الذين كانوا يتحادثون معه منذ أسبوع وحددوا "موعدا" وألقوا القبض عليه. عندما فتّشوا هاتفه وجدوا أنه كان في الحفلة. وبالرغم من عدم وجود أي دليل على تلويحه بالعلم، أسرعوا بمحاكمته وإدانته بتهمتَي "الفجور" و"التحريض على الفسق". حُكم عليه بالسجن 6 سنوات ووضعه 6 سنوات تحت المراقبة.[76]
هكذا بدأت حملة واسعة على أفراد مجتمع الميم وحلفائهم.[77] فقد اعتُقل 43 شخصا على الأقل في غضون أسبوعين، احتجز "قطاع الأمن الوطني" اثنين منهم وحقق معهما مرارا – الجهاز تابع لوزارة الداخلية ومعروف بعمله خارج القانون.[78] خلال شهر، ارتفع عدد المعتقلين إلى 65.[79] أصدر "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" قرارا يمنع الوسائل الإعلامية من نقل وجهة نظر إيجابية حول حقوق مجتمع الميم.[80] واقترح نواب في البرلمان حكما من 10 إلى 15 سنة سجن للمثلية الجنسية[81] وقانونا جديدا يمنع تجمّعات للمثليين أو الرموز المثلية.[82]
حصلت الاعتقالات في سياق حملة واسعة ضد المجتمع المدني. فمنذ استيلاء الجيش على السلطة في 2013، سعت مصر بانتظام إلى إسكات الأصوات المعترضة – ارتكاب مجازر بحق المتظاهرين[83]، اعتقال الناشطين السياسيين، حجب مواقع إلكترونية[84] وإقرار قانون لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية وصفه ناشطون بأنه "ورقة نعوة" للمجتمع المدني المستقل.[85]
حجم الحملة يذكر باعتقالات قارب "كوين بوت" في 2001، عندما تم اعتقال 52 رجلا وصبيا في سن الـ 17 في إطار حملة واسعة على السلوك المثلي. بالطبع شعر أفراد مجتمع الميم وحلفاؤهم بالإحباط.
ولكن هناك اختلافات جوهرية. في 2001، لم تكن أي منظمة حقوقية كبيرة مستعدة للدفاع عن محتجزي القارب.[86] لم ينشر أي ناشط مصري عريضة للدعوة إلى الإفراج عنهم. قالت داليا عبد الحميد من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية:
في وقت القارب، كان رأي محامي حقوق الإنسان عدم التدخل في هذه القضايا – أما الآن فهم يتدخلون بإرادتهم. محامو حقوق الإنسان واليسار الراديكالي يرفعون صوتهم أكثر. ليسوا جميعا حلفاء مجتمع الميم. منهم من يتبنى مقاربة الحق بالخصوصية. ومنهم من يقول إنه تماما مع إسقاط التجريم.[87]
ولم يكن ممكنا في 2001، كما هي الحال في 2017، أن يعبّئ الناشطون المصريون والإقليميون 50 منظمة في غضون أيام – أغلبها منظمات حقوق مجتمع الميم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – لتوقيع بيان يعارض الاعتقالات التعسفية بناء على توجه جنسي مزعوم أو هوية جندرية مزعومة.[88]
هذه الاستجابات تعكس تغيّرا كبيرا، ليس في مصر فحسب إنما في المنطقة. في 2001، لم يكن هناك حركة حقوقية لمجتمع الميم تستأهل الذكر في أغلب الدول الناطقة باللغة العربية. في 2017، يوجد عشرات المنظمات التي تعمل في جميع أنحاء المنطقة على قضايا مثل العنف الناتج عن رهاب المثلية ورهاب التحول الجنسي، عدم التجريم، الفحوص الشرجية القسرية، المساعدات القانونية، الوقاية من "الإيدز"، المساواة الجندرية، التدريب الإعلامي، الأمن الإلكتروني، والتواصل عبر الفنون.
التقدم المحرَز في إقامة تحالفات مجتمع الميم في المجتمع المدني، أدى إلى حضور 52 محاميا إلى المحكمة في المغرب في 2015 لدعم امرأة متحولة النوع الاجتماعي تعرضت إلى هجوم جماعي متوحش.[89] وفي تونس، تمكنت منظمات مجتمع الميم من بناء تحالف بين 37 منظمة، بما فيها مجموعات نسائية، اتحدت لدعم المساواة للنساء وأفراد مجتمع الميم. [90]
لا يزال هذا التنظيم في مراحله الأولى. تأسست مجموعة باسم "Club Free" في لبنان عام 1998 وعملت على تعزيز وإنشاء الشبكات بين أفراد موثوقين من مجتمع الميم. في 2002 تقريبا، تطورت هذه المجموعة وأصبحت منظمة "حلم".[91] وفي نفس الفترة تأسست منظمات أخرى ولا تزال فاعلة، مثل "أصوات" في فلسطين و"دمج" في تونس.[92] سار ناشطو مجتمع الميم في لبنان في مظاهرة ضد اجتياح الولايات المتحدة للعراق في 2003.[93] ازدهرت المجلات والمدونات وصفحات الفيسبوك في لبنان، عمان، سوريا وتونس.[94] في 2011، حمّست الثورات العربية التحركات في جميع أنحاء المنطقة، وبحلول 2017، أصبحت منظمات مجتمع الميم، أو على الأقل شبكات مجتمع الميم غير الرسمية، موجودة في معظم المنطقة مع بعض النقص الظاهر في الخليج.
لم يكن هذا التقدم بدون نكسات. حتى الحركة النابضة في لبنان ووجِهَت بإغلاق غير متوقع لإحدى فعاليات "الفخر" في مايو/أيار 2017.[95] تضطر منظمات حقوق مجتمع الميم إلى تغيير برامجها في بعض الأحيان ردا على حملات القمع. حين يتعرض ناشطو مجتمع الميم لمضايقات الشرطة الدائمة يصبح مجرد البقاء في هذا الجو القمعي نوع من المقاومة. فمثلا، اعترف أحد الناشطين المصريين بأن منظمات حقوق مجتمع الميم اضطرت للتراجع عن بعض أهدافها الطموحة التي كانت تسهى إليها بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011:
أهم شيء الآن هو الجهوزية وبناء القدرات وأخذ الوقت للتعافي. أنا أكنّ احتراما كبيرا لهذه المنظمات التي حافظت على الحد الأدنى من القدرة على البقاء. [96]
أصبح الناشطون في المنطقة أكثر استعدادا لمواجهة النكسات – والاستمرار بالبقاء – مما كانوا عليه قبل عقد ونصف. فهم يشبكون العلاقات ويناقشون استراتيجيات ويدعمون بعضهم بعضا. وكان إنشاء الشبكات الإقليمية، التي لا يتناولها التقرير بالتفصيل، بمثابة شريان الحياة للعديد من الناشطين في المنطقة، خاصة أولئك المعزولين – مثل القلة في ليبيا والخليج – أو الذين يتعرضون لهجمات مفاجئة أو دائمة مثلا في مصر. يصف عبد الله، ناشط مثلي من عمان، مؤتمره الأول مع ناشطين آخرين من مجتمع الميم: "كان هذا أول لقاء لي مع ناشطين مثليين آخرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان التفاعل معهم ورؤية التشابه الكبير بين نضالاتنا مدهشا بالنسبة لي".[97] وصفت ناشطة مغربية كيف تمكنت مع زميلتها من حمل 22 منظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على التوقيع على عريضة تدين توقيف فتاتين عمرهما 16 و17، بسبب قبلة في مراكش في 2016.[98] تمت تبرئة الفتاتين في نهاية المطاف.[99]
في 2010، تأسست المؤسسة العربية للحريات والمساواة، وهي منظمة إقليمية مقرها بيروت. تنظم المنظمة ورش عمل لبناء قدرات الناشطين في المنطقة ومؤتمرا سنويا، وتلعب دور الراعي المالي وتساعد على تنسيق الدعم في حالات الطوارئ للناشطين المعرضين للخطر. "منطقتنا"، شبكة إقليمية أخرى تأسست في 2010 نسّقت عدة حملات إقليمية مثل "جريمتنا هي ألواننا"، سنناقشها بالتفصيل أدناه. خلال مؤتمر للمؤسسة العربية للحريات والمساواة أطلق بعض المشاركين شبكة جديدة (كوير مينا) مهمتها "خلق فضاءات للتفكير، التواصل، التخطيط الاستراتيجي، الإنتاج المعرفي للتأثير على خطط العمل الإقليمية واستراتيجيات الدعم، وتغيير السياسات والخطاب".[100] يحمل هذا التعاون الإقليمي الناشئ آمالا بالتقدم في السنوات القادمة.
بناء المجتمع
عادة ما تكون الخطوة الأولى نحو تطوير حركة ناشطة لحقوق مجتمع الميم، بناء المجتمع. حتى حيث لا يوجد دعم عام وحيث من الخطير "ظهور" الناشطين أو تقديم مطالب للحكومة، يوجد دائما عمل دؤوب على خلق فضاءات يمكن لأفراد مجتمع الميم الاجتماع فيها، إيجاد الدعم والتكلم في أمور تؤثر عليهم.
شارك عبد الله البوسعيدي في خلق هكذا فضاءات في عُمان. يشرح:
نظمت أول حدث في 2008 مع شاب عماني تعرفت عليه على الإنترنت. قال إنه يود تنظيم حفلات للشبان المثليين من أجل اللقاء وإقامة الشبكات في فضاء آمن كي يتمكنوا من مساعدة بعضهم في المستقبل. كان قد قام بنفس الأمر سابقا، ولكن على مستوى أصغر مع بعض الأصدقاء المقرّبين. فاشتركت وأقمت صداقات مع الجميع – وصارت شبكتي أكبر وأقوى. نظمنا حفلتين أو 3 سنويا. كنّا نستأجر مزرعة خارج العاصمة ليوم، فيأتي الناس عند الظهر، يسبحون، يتعارفون ويحتفلون. في الصباح كنّا نتكلم مع بعضنا حول أمور تؤثر علينا كأفراد، أو نجتمع ونتناقش كمجموعة.[101]
كان عبد الله يأمل باستخدام هذه الحفلات كمنبر للتواصل التعليمي حول الوقاية من الإيدز والأمراض المتناقلة جنسيا، لكنه وجد أن المشاركين الآخرين لم يكونوا مرتاحين لمناقشة هذه الأمور: "وزارة الصحة تدير هذه الأمور وإذا قُبض عليك تقوم بهذه الأمور ستواجه المشاكل. يجب الحصول على إذن الوزارة لتنظيم جلسات حول الإيدز، لذلك كان الناس خائفين".[102] فبقي هدف الحفلات محصورا في خلق فضاء آمن يتلاقى فيه الرجال المثليين ويتحدثون.
في الأردن، نظمت مجموعة من مجتمع الميم عروض دورية لأفلام تتناول التوجه الجنسي والهوية الجندرية. كانت تعرض أفلام بالعربية وبالإنغليزية؛ وعندما لا يجدون ترجمة عربية للأفلام الإنغليزية كانوا يكتبونها بأنفسهم كي يتمكن غير الناطقين بالإنغليزية من فهم الأفلام. قال أحد المنظمين، أسامة ز.، بالرغم من حضور بعض الحلفاء إلا أن الهدف الأساسي للعروض كان جمع مجتمع الميم. أقامت المجموعة شراكة مع مركز صحة جنسية صديق لمجتمع الميم، وكان بعض الموظفين يحضرون الأفلام أحيانا ويقدمون فحوص إيدز مجانية.[103]
يتم بناء المجتمع على الإنترنت أيضا. تعمل إحدى المنظمات في القاهرة على إنتاج قصص شفهية حول أفراد من مجتمع الميم في مصر والبلدان المجاورة. مع أن المواد المنتَجة يمكنها أن تعلّم الآخرين عن مجتمع الميم فإن هدفها الأساسي هو الوصول إلى أفراد مجتمع الميم الذين يمكنهم الوصول إليها على الإنترنت والشعور بالقوة عبر قراءة قصص أشخاص مثلهم.[104]
في ليبيا، حيث قال أحد الناشطين المثليين لـ هيومن رايتس ووتش إنه يعرف شخصين آخرين فقط في ليبيا يمكن أن يعتبرهما ناشطين لحقوق مجتمع الميم، بالإضافة إلى 5 ليبيين آخرين يعيشون خارج البلاد، بناء المجتمع هو الأولوية – ويعتبر الإنترنت المكان الأكثر أمنا للقيام بذلك. قال:
[أولويتنا] هي نشر الوعي في مجموعات خاصة ومغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي حول النوع الاجتماعي والتعبير والهوية. مفهوم مجتمع الميم غير موجود فعليا لذا من الضروري توعية المجتمع نفسه والاهتمام بعضنا ببعضنا الآخر. [105]
أنشأت الناشطة البحرينية، خولة س.، منصة على الإنترنت لمجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف بناء مجتمع إقليمي وداخل كل بلد. تشرح:
لا شك هناك حركة متزايدة في الخليج تشبه الدعوة الدقيقة التي تصفينها [جهود بناء مجتمع غير رسمي]. أغلبنا لا يزال متعلقا في بلده الأم ويعيش هناك. ومع أن مجتمع الميم نشيط، ليس مرحبا كما يجب خاصة وأن علينا أن نتوخى الحذر مِمَّن نقبل بالانضمام إلى مجموعات الدعم وأن نشبك علاقات وثيقة. يصعّب هذا الأمر على الأشخاص الذين ظهروا حديثا من إحاطة أنفسهم بمجتمع داعم. هذا أحد الأسباب الأساسية لإنشائي "أهواء" في 2010. كان هناك إحساس كبير بالعزلة، خاصة في الخليج. الكثير من مبادرات مجتمع الميم الأخرى كانت محصورة بلبنان أو الأردن أو بلدان لا تعتبر سكان الخليج مؤهلين أو لا تشملنا وأصواتنا في أهداف حملاتها. في 2012 أحسست أن بإمكاني التقدم أبعد مع أهواء وبدأت أقبل طلبات اللقاء الفعلي وشبكات الدعم. فصرنا نلتقي في أماكن معزولة أو في المقاهي المهجورة ونتشارك قصصنا وخبراتنا ونعطي أنفسنا الفرصة للعيش بصدق أكبر بدون إنترنت.[106]
الحفاظ على السلامة
قالت إحدى الناشطات في مصر لـ هيومن رايتس ووتش إن منظمتها تركز على "الأمن المتكامل"، بما في ذلك "الأمن الإلكتروني، العيادات الإلكترونية، الصحة النفسية والعاطفية، السلامة الشخصية، خدمات الصحة الجنسية، الحماية، المأوى، داخل وخارج البلد"[107] بالفعل هناك العديد من الأمور التي يحتاج ناشطو مجتمع الميم وأفراد مجتمع الميم، أن يحافظوا على سلامتهم فيها.
في بعض الأحيان يحتاج أفراد مجتمع الميم للفضاءات الآمنة للذين تعرّضوا للعنف، التهديد بالعنف، الطرد أو الرفض الأسري. يركز ناشطو مجتمع الميم في مصر على تأمين السلامة الجسدية والمأوى للأشخاص الذين رفضهم أهلهم أو المعرّضون للخطر. قالت إحدى الناشطات إن منظمتها أملت بتوسيع هذه المبادرة بعد أن اعتبرها أفراد مجتمع الميم أهم أولوية في أوائل 2017 في مسح تقييم الاحتياجات. غير أن خطر اعتقال مجموعات من مجتمع الميم تعيش في نفس المكان في مصر، خاصة بعد حادثة علم قوس قزح في سبتمبر/أيلول 2017، صعّب إنشاء ملاجئ إضافية.[108] في العراق، أمنت إحدى المنظَّمات المأوى مؤقتا لأفراد من مجتمع الميم اضطروا إلى الهرب من مناطق سكنهم بسبب التهديدات، استجابة للتعذيب وعمليات القتل على يد عصائب أهل الحق.[109] في الأردن أيضا، يأمل ناشطون بإنشاء ملاجئ لأفراد مجتمع الميم الذين ترفضهم أسرهم.[110]
في بلدان غالبا ما يُعتقَل فيها أشخاص على خلفية توجههم الجنسي وهويتهم الجندرية يحتاج الحفاظ على السلامة معرفة قانونية لتقليص احتمال الاعتقال أو الملاحقة. قال ريان، محامٍ مثلي جزائري:
أنظم ورش عمل أشرح فيها للناس أنهم إذا ما أُوقفوا وبحوزتهم واقٍ أو أحمر شفاه عليهم التصرف بطريقة معينة كي لا تتمكن الشرطة من استخدامها ضدهم. ليس لديك الحق بالاتصال بمحام أو استخدام الهاتف عند الاعتقال. لذا ما تقوله مهم جدا.[111]
في مصر، عندما استفحلت حكومة السيسي باستهداف منظمات حقوق الإنسان، رأى بعض مجموعات مجتمع الميم أن عدم شهرتها قد يكون في مصلحتها:
كنا نعلم أن عملنا حساس. طالما اضطررنا إلى العمل في الخفاء، لم نكن مسجلين، لم نكن نحصل على مبالغ كبيرة لتمويل نشاطاتنا، من السفارات مثلا، كي لا تتنبه الحكومة. لم نكن نقوم بالدعاية لعملنا. بينما كان يعتمد مدافعون آخرون عن حقوق الإنسان على الدعاية لنشاطاتهم وبرامجهم. لذا، حتى بعد صدور قانون المجتمع المدني الجديد لم نتأثر مباشرة. تفاجأ المدافعون الآخرون عن حقوق الإنسان عندما تقلصت المساحة كثيرا وبسرعة. كان من السهل على الحكومة الوصول إليهم، ومراقبتهم، الأفراد والمنظمات معا. بينما لم يكن بإمكان المدافعين عن حقوق مجتمع الميم الظهور علنا كمدافعين عن حقوق الإنسان. لدينا صفحات فيسبوك وأشياء من هذا القبيل، لكننا نستخدم أسماء مستعارة، ونبقي حياتنا اليومية منفصلة عن نشاطنا.[112]
عدم الثقة بين المجموعات، حيث يطرح الخوف من خرق المجموعة تحديات تنظيمية. في الجزائر "ترانس هوموس دي زي" تتوخى الحذر عند استقبال أعضاء جدد، لذا استحدثوا صفة "صديق":
لديهم نفس الحقوق كالأعضاء لكن لا يمكنهم الاطلاع على معلومات سرية، مثل أسماء الأعضاء، لمدة 12 شهرا. يقبل الناس بهذا التدبير لأنهم يرون أنه يحميهم. فهم يخافون من أن يُظهرهم أحدهم. خلال الـ 12 شهرا، يشارك [الأصدقاء] بالنقاشات عبر البريد الإلكتروني مستخدمين أسماء وهمية. يعملون داخل لجان ويمكنهم الاطلاع على أسماء عضوين أو ثلاثة من المجلس. لدينا نظام خلايا، حيث لا تعرف الخلايا بعضها البعض. بدأنا بالعمل بهذه الطريقة بعد بعض المشاكل في 2014، لحماية الأشخاص. [113]
على نحو مماثل، تملك منصة أهواء الإلكترونية "نظام نقاط". يحصل المشاركون على النقاط بناء على مشاركتهم في النقاشات على المنصة. كما تشرح خولة س. مؤسِسة أهواء:
التعرف على الأشخاص على الإنترنت أولا يجعل من الأسهل التأكد من هويتهم – لا أقصد أسماءهم الحقيقية، إنما نواياهم. لهذا نستخدم نظام النقاط وبالتالي لا يمكن للمستخدمين غير الفاعلين طلب لقاءات بدون أن يكونوا قد قدموا نصائح مفيدة وتعليقات داعمة أولا. من المحتمل أكثر أن أقبل بلقاء شخص لديه 300 نقطة وأكثر من أن أقبل بلقاء شخص لدي 30-40 نقطة فقط، لأنني أعرف أنه شخص يريد أن يتخطى بعض المراحل ويصل إلى اللقاء مباشرة. هذا الأمر يوتّرني لأنه قد يكون شخصا يحاول خرق المجموعة لمعرفة من يديرها ومن فيها.[114]
الأمن الإلكتروني
في الدول القمعية حيث تسخّر الشرطة موارد ضخمة لمراقبة اتصالات المواطنين يواجه ناشطو مجتمع الميم وأفراده العاديون تهديدات ناجمة عن المراقبة. تشرح الناشطة المثلية في مصر، عليا د.:
استثمرت الحكومة مبالغ طائلة في المراقبة الإلكترونية – تستخدم أجهزة عالية التقنية، تدريب الأشخاص داخل وخارج مصر، انطلاقا من فكرة "حماية مصر من الأشخاص السيئين". في 2011 كانت الرواية الرسمية أن الثورة قامت على فيسبوك لذا تتعامل الحكومة بحذر مع وسائل التواصل الاجتماعي.[115]
في مصر تراقب الشرطة وفي بعض الأحيان تُوقِع بالرجال المثليين والنساء متحولات النوع الاجتماعي على تطبيقات المواعدة ووسائط تواصل اجتماعي أخرى.[116] نقلت إحدى المنظمات أن من بين 274 تحقيق ضد أفراد من مجتمع الميم بتهمة "الفجور" وتهم مشابهة بين أواخر 2013 ونوفمبر/تشرين الثاني 2016، استخدمت السلطات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة في 66 منها.[117] نظمت عليا د. ورشة عمل للنساء المصريات متحولات النوع الاجتماعي حول كيفية الحفاظ على سلامتهن لدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
نظمت ورشة عمل حول الأمن الإلكتروني للمتحولين/ات وأريتهم/هن أدوات وتقنيات... أردت أن أغير عاداتهم/هن في استخدام الإنترنت والأجهزة الإلكترونية. تستهدف الحكومة المتحولين/ات منذ سنوات، بما في ذلك عبر تطبيقات المواعدة. تعرضهم/ن أمور مثل مشاركة صور للخطر. شخصان من الذين شاركوا في ورشة العمل كانا ضحيتا فخ. أحدهما اكتشف الأمر في الوقت المناسب وألغى/ت كل حساباته/ا. أما الشخص الآخر فاضطر/ت إلى مغادرة البلد لبعض الوقت. [118]
حتى أولئك الذين لا يستخدمون تطبيقات المواعدة يمكن اعتقالهم بسبب الصور الموجودة على الهاتف:
طالما كان هناك نقاط تفتيش، لكن الآن يوجد نقاط تفتيش لتفتيش حواسيب الناس وهواتفهم. يُسجَن الناس بسبب ما يكتبونه على فيسبوك وتويتر.[119]
وجدت عليا د. أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من العمل لتدريب مجتمع الميم في مصر للحفاظ على السلامة الإلكترونية:
لا نتنبه للخطر المحدق بنا على الإنترنت. قد نخاف من أسد أو نمر أو حتى سيارة لكن ليس على الإنترنت. أول ما قالوه خلال ورشة العمل "ليس لدينا ما نخفيه". قلت "أنتم لا ترتكبون أي خطأ لكن يجب أن تكونوا حريصين على خصوصيتكم". كل ما أردت فعله هو تغيير تفكيرهم من "لست في خطر" وأن أريهم جميع الطرق التي يمكن أن أدخل فيها على حساباتهم وحواسيبهم.[120]
في الكويت أيضا ركز الناشطون على الأمن الإلكتروني. قال الناشط المتحول ف. ع. لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة الكويتية تملك برامج قرصنة لتتجسس على الأشخاص الذين تعتبرهم "ضد الحكومة، يمن فيهم مجتمع الميم والملحدين". خضع لتدريب أمن إلكتروني ثم درب أشخاصا آخرين، بمن فيهم ملحدون وأشخاص من مجتمع الميم، التقاهم فردا فردا عبر علاقات شخصية. شرح لنا حدود عمله: "أنا أستخدم منازل الأشخاص فقط للتدريب. لا يمكنني استئجار صالات مؤتمرات في الفنادق، هذا مستحيل". هرب ف. في نهاية المطاف من الكويت بعد اعتقاله عدة مرات بناء على هويته الجندرية لكنه استمر بتقديم الدعم الافتراضي لأفراد مجتمع الميم والملحدين في الكويت.[121]
بناء التحالفات
كان لإقامة شراكات مع منظمات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق المرأة دورا جوهريا في تقدّم وضع مجتمع الميم الحقوقي. في بعض البلدان يعمل ناشطو مجتمع الميم في منظمات ذات أهداف أوسع، مثل كردستان العراق حيث بدأت "منظمة راسان" لحقوق المرأة العمل على قضايا حقوق مجتمع الميم في 2012. في بغداد، حيث لا يمكن لمجموعات مجتمع الميم أن تكون موجودة في العلن خوفا من خطر التعرض للعنف، كان للشراكة مع منظمات حقوقية أخرى دورا جوهريا في متابعة العمل اليومي.
يقول الناشطون في أنحاء المنطقة إن بناء التحالفات مع المنظمات النسوية والحقوقية لا يحصل بين ليلة وضحاها؛ بل يتطلب جهدا ومرونة على جميع الأصعدة. قالت ناشطة مع منظمة "شوف" النسوية في تونس والتي تعمل مع نساء من جميع التوجهات الجنسية: "الحركة النسوية في تونس لم تكن صديقة للمثليين سابقا لكنها تغيرت. كنّ يخفن من الانخراط في هذه الأمور في السابق. أتى التغيير من داخل الجمعيات. انضمت شابّات مثليات ومزدوجات التوجه الجنسي [للجمعيات النسوية] وغيّرن الأمور من الداخل".[122]
قالت إحدى أعضاء "دمج" في تونس إن مجموعات مشاركة مجتمع الميم في المنتدى الاجتماعي العالمي في 2013 و2015 "أظهرت للمجتمع المدني التونسي أن قضية مجتمع الميم ليست قضية هامشية، بل هي بأهمية أي قضية أخرى يناضلون من أجلها".[123]
قال ناشط مغربي إن مجموعات مجتمع الميم تجهد لبناء تحالفات عبر إظهار الدعم لقضايا أخرى:
لا يوجد ناشط لحقوق مجتمع الميم فقط، كلنا نعمل لأجل حرية الأديان وحريات أخرى – فنحن بالتالي نقوم بأعمال تضامنية مع [الناشطين] الذين اعتُقلوا وضُربوا في الحسيمة.[124]
حلم أيضا في لبنان تعتبر نفسها جزءا من حركة حقوق مدنية أوسع وتتعاون مع منظمات تعمل على قضايا مثل الفساد والتلوث وحقوق العمال.[125] دمج في تونس، تتعاون في مبادرات عدم التمييز مع منظمة تركز على إنهاء التمييز العرقي.[126] في الأردن، يحث الناشط خالد عبد الهادي، مؤسس ماي كالي، في تقرير أعده، ناشطي مجتمع الميم على العمل على الإنترنت "لتنظيم حملات إعلام إلكتروني تُظهر أفراد مجتمع الميم يعملون على قضايا اجتماعية وبيئية أخرى، مركزين على مشاركتهم الهموم العامة التي تصب في مصلحة الجميع".[127]
ترى الناشطة المثلية رابية ب. أن بناء هكذا تحالفات هو قلب "تطورات ضخمة" تحصل في تونس. تشترك منظمتها في الائتلاف المدني للحريات الفردية، وهو تحالف صار يضم 37 مجموعة، من ضمنها مجموعات تركز على حقوق مجتمع الميم ومجموعات تعمل بشكل أساسي على قضايا حقوقية أخرى، ويهدف الائتلاف إلى عدم تجريم السلوك المثلي ويدعم قضايا نسوية، منها المساواة في الميراث بين الرجال والنساء، ونجح مؤخرا في إلغاء القانون الذي يمنع الزواج بين نساء تونسيات مسلمات ورجال غير مسلمين.[128]
قال أحد الناشطين التونسيين إن العمل مع منظمات المجتمع المدني يتطلب صبرا ومرونة نظرا للقيود:
طلبنا من إحدى المنظَّمات التي تنظم حملات اجتماعية أن تدربنا. كان الجواب "يمكننا مساعدتكم لكن لا يمكن أن نرتبط بكم لأن هذا الأمر خطير". قبلنا بمقاربتهم. [129]
أكد ناشط مغربي هذه النظرة:
لا يمكن للبعض أن يدعمنا علنا. نعرف أنه لا يمكنهم ونتفهم ذلك. لكنهم يساعدون. يسمحون لنا باستخدام مكاتبهم ومواردهم في أنحاء البلاد. نعرف أنهم ينتمون إلى جيل قديم وأن السياق مختلف، ولكن نقول "نحاول أن نثير هذه النقطة ونحن بحاجة لمساعدتكم".[130]
حالات العنف تجذب المزيد من الدعم الشعبي من منظمات المجتمع المدني الرئيسية. قال أحد الناشطين، عندما ضُربت امرأة متحولة النوع الاجتماعي جماعيا في فاس في 2015:
كان لدينا 56 محاميا عن طريق شبكات المنظمات غير الحكومية. وضعت منظمة نسوية مكتبها ومواردها في فاس بتصرفنا. قالوا "افعلوا ما يجب أن تفعلوا" مع العلم أنه لم يكن بإمكانهم اتخاذ موقف علني. رد فعل المجتمع المدني كان إيجابيا. كان مشهدا مطمئنا نظرا لتعاوننا السابق معهم. عندما كنت في المحكمة، يوم المرافعات، كان معي 4 أو 5 ممثلين عن منظمات نسوية وحقوقية، وجلسنا على المقاعد الأمامية. كان أمرا مؤثرا بالنسبة لي... عندما قرأ منسق الدفاع أسماء المحامين استغرق وقتا طويلا لقراءة 56 اسما.[131]
حنين معيكي من منظمة "القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني" التي تركز على بناء المجتمع لأفراد مجتمع الميم في فلسطين، ذكرت أن بناء التحالفات يتطلب أن تكون حساسا لقضايا عدالة اجتماعية أخرى والتوقيت:
كان من المفترض أن نطلق حملة الفيديو في مايو/أيار، ولكن كان هناك أكبر إضراب عن الطعام في التاريخ،[132] ثم حادثة الأقصى. [133]علينا تحمل عبء تعدد القطاعات[134]، والحذر في توقيت إثارة أمور مجتمع الميم. لا نعتبر الأمور شخصية، بل نأخذ وقتنا ونلتقي الآخرين ونؤسس لشرعيتنا. كان لدينا 10 أيام تقريبا بين الأحداث عندما [أطلقنا الحملة].[135]
قالت معيكي، عندما أطلقت منظمة القوس حملتها أخيرا وصلت إلى 300 ألف شخص على وسائل التواصل الاجتماعي.[136]
في الجزائر، القانون الذي يمنع تسجيل المنظمات التي تتعارض أهدافها مع "الأخلاق العامة" والذي ينص على عقوبات جنائية لأعضاء المنظمات غير المسجلة، يعرض مجموعات مجتمع الميم ومنظمات حقوق الإنسان التي قد تساعدها للخطر.[137] يشرح زهير، ناشط جزائري في منظمة ترانس هوموس دي زي:
الأمر يختلف عن المغرب أو تونس. منظمات حقوق الإنسان العادية ترفض تماما العمل على قضايا مجتمع الميم – إما بسبب الخوف من هذا القانون أو لأنها لا تعتبر حقوق مجتمع الميم من حقوق الإنسان أو أنهم شخصيا يعانون من رهاب المثلية أو رهاب التحول.[138]
وقال، مع حالات العنف ضد مجتمع الميم التي توثّقها ترانس هوموس دي زي بدأنا نكسب بعض الحلفاء:
قل تقريرنا الثاني حالات [عنف ضد مجتمع الميم] داخل الأسرة، في الجامعة وفي السجن. وكان له تأثير كبير. كانت أول مرة يقول فيها أشخاص من خارج مجتمع الميم "هذا فظيع، كيف يمكننا المساعدة؟" مثلا، استجابت منظمات نسوية بهذه الطريقة. رأينَ كيف يؤثر غياب المساواة الجندرية على وضعنا. لا يمكنني القول إننا نتمتع اليوم بتضامن كبير من المجتمع المدني ولكن الوعي قد ازداد. إنها الخطوة الأولى – بدأوا يعترفون بوجود انتهاكات وهذا [وعي] لم يكن موجودا في السابق.[139]
الوصول إلى الشريحة التي يمكن إقناعها
الفنون والإنتاج الثقافي
راشد، رجل متحوّل يعيش شمال الأردن وعمره 21 سنة، غادر المدرسة الثانوية بسبب المضايقات المعادية لمتحولي النوع الاجتماعي. عانى من الاكتئاب والشعور بالعزلة والألم البدني الشديد بسبب العلاج الذاتي بالهورمونات، دون استشارة طبية.
لا يعتبر راشد نفسه ناشطا، ولكن بسبب الحاجة الملحّة للحصول على رعاية صحيّة أفضل لنفسه ولمتحولّي النوع الاجتماعي الآخرين، اتصل هو وصديقه صافي بالسلطات المحلية في بلدة إربد في الشمال المحافظ، وطلبا من المستشفيات العامة البدء في تقديم العلاج والدعم لمتحولي النوع الاجتماعي، بما فيه العلاج بالهورمونات. في البداية، أبدت السلطات تقبلا للفكرة، ولكن بعد ذلك "خافت من ردّة فعل المجتمع" وتخلت عنها، بحسب صافي. كما قال: "عندها أيقنا أنه علينا السّير خطوة إلى الوراء والتعامل مع المجتمع والأهل، ونشر الوعي في المجتمع قبل كل شيء".[140]
لتحقيق ذلك، أجرى صافي تحليلا غير رسمي لفهم سكان إربد للهوية الجندرية، فوجد أن "درجة الوعي بها كانت صفرا، ولذلك قرّرنا تنظيم حملة توعية بالاعتماد على المسرح".[141]
أعدّ راشد وصافي خطّة رائعة. التحق راشد، الذي يعتبر نفسه "خجولا" وليس له أي تجربة مسبقة مع الفنون، بفرقة "ميد آرتس" المسرحية المحليّة، التي كان صافي ناشطا فيها. تعلّم راشد من المسرح كيف يروي قصصه، ثم أعدّ عرضا مسرحيا فرديا قدّم فيه تجربته كرجل متحوّل. قال لـ هيومن رايتس ووتش:
في البداية، شعرت أن الأمر صعب لأني لم أكن متعودا على التعامل مع الناس، ووجدت نفسي أمام الجمهور. ولكن مع الوقت، شعرت أن المسرح هو المكان المناسب لي لأنني أستطيع التعبير فيه عن أفكاري ومشاعري، فأشعر بنفسي وجسدي في قاعة المسرح.
قدّمت ميد آرتس مسرحية راشد في سبتمبر/أيلول 2017 لمجموعة تتكون من 50 شابة أرسلت لهنّ دعاوى. قال صافي: "استدعينا الفتيات فقط، لأن دراستنا أثبتت أن الإناث أكثر تقبلا لهذه المفاهيم من الرجال. كنا خائفين من ردّة الفعل الأولى، ولم نرغب في خوض مغامرة عالية المخاطر".[142]
بحسب راشد:
عندما قدّمت العرض، كنت خائفا جدا. لم أكن خائفا لأنني على المسرح، بل لأنني كنت أتحدث عن شيء شخصي وعاطفي جدا بالنسبة لي. كانت تلك قصة حياتي، وكنت خائفا من ردود الفعل السلبية، ومن التمثيل أيضا. وعندما وصلتني التقييمات الإيجابية، منحتني مزيدا من القوّة والأمل، وجعلتني أشعر أنني في المكان المناسب وعلى الطريق الصحيح.[143]
مبادرة راشد هي واحدة من أمثلة متعددة عن استخدام الشباب للفنون لنشر الوعي بمسائل مجتمع الميم في الأردن. فقد أطلقت مجلّة "ماي كالي" التي تغطي مسائل مجتمع الميم منذ 10 سنوات كمشروع لطلبة يعّرفون أنفسهم على أنهم من مجتمع الميم.[144] كان مؤسسها خالد عبد الهادي في سنّ 18 آنذاك. قال: "لم يكن يوجد أشخاص في العلن في ذلك الوقت، وكل الأخبار التي كانت تصلنا كانت عن الإخفاء القسري في سوريا، والإعدام في الساحات العامة في إيران، والاعتقالات في مصر – كانت كلها أخبار سيئة".[145] نشروا المجلةّ في شكل مدوّنة على الإنترنت، بين الأصدقاء، ونظموا احتفالا صغيرا وخاصا بمناسبة انطلاقها. شعر عبد الهادي وأصدقاؤه بالصدمة عندما تسببت مبادرتهم الصغيرة بفضيحة عامة:
كانت هناك انتخابات في ذلك الوقت. علمت جرائد متطرفة بالمدونة، فنشرت مقالات عن "ثورة الشواذ"، وقالوا إن مجتمع الميم في الأردن بصدد تنظيم أول حدث له. نُشرت صورتي، فصرت معلوما.[146]
رغم أن القوانين الأردنية لا تجرّم الجنس المثلي بالتراضي أو التعبير عن هوية الانتماء إلى مجتمع الميم، شعر عبد الهادي بالخوف من الاعتقال التعسفي. ولكن عندما لم يحدث ذلك، صار أكثر جرأة.
قرّرنا استثمار الشهرة الذي حصل لنا، والقيام بشيء ملهم ومشجع. تساءل الأصدقاء: "لماذا لا تخرجون للعلن، بدل أن يُخرجوكم؟" فأعددت غلافا آخر [للمجلة] لتصدر للعلن.[147]
وبعدها قال: "اتصل بنا أشخاص من كل أرجاء المنطقة كانوا يرغبون في المشاركة والكتابة والمساهمة".[148]
رغم أن المجلة تركّز على الفنون والموضة والثقافة، ولم تخض في المواضيع "السياسية"، فإن وجودها العلني حقق استدامة لمجتمع الميم المهدد بالخطر. قال خالد: "كان اللاجئون يتصلون بنا كل الوقت، وكنا نحيلهم إلى الجهات المناسبة، وكذلك يفعل الأردنيون الذين طردوا [من منازل أسرهم] أو تعرضوا للابتزاز، وكنا نساعدهم على الاتصال بمحام".[149]
نُشرت مجلة ماي كالي في البداية بالإنغليزية فقط، ولكن في 2016 أصدرت نسختها العربية الأولى. قال خالد: "تسبب ذلك في ردّة فعل كبيرة، فحجبت الحكومة الموقع. كانوا يعلمون بوجودنا من قبل، ولكن استخدامنا للعربية كان النقطة الفاصلة". حجبت الحكومة موقع المجلة، وأخلت مكتبها. وفي سبتمبر/أيلول 2017، استؤنف النشر عبر منصة جديدة بالعربية والإنغليزية، باستخدام تكنولوجيا صعّبت على الحكومة حجبها.[150]
تُنتج سمر أ، ناشطة أردنية من الكوير، مسرحيات – أغلبها في عروض فردية – حول مواضيع تتعلق بالجنس والهوية الجندرية، والكثير منها مستوحاة من قصص واقعية. كانت العروض خاصة، ومقتصرة على الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء الموثوقين. قالت:
العرض هو شكل من أشكال المناصرة والتنفيس أيضا. كنا نرغب في خلق شبكات، وكنا بحاجة إلى الدعم. لقد ساعدتنا العروض على تثقيف عموم المشاهدين المتعاطفين مع الكوير بمسائلهم.[151]
وصفت مبادرات نشطاء مجتمع الميم في الأردن كما يلي:
هي ليست حركة كبقية الحركات التي تصبح موجة، هي جهود فردية، ولكنها سوف تتوحد يوما ما. أريد الخروج للعلن والتعبير عما أريد، ولكن ذلك سيكون له نتائج عكسية بدل خلق التغيير.[152]
في تونس، تنظم "جمعية شوف" مهرجانا فنيا نسويا، بلغ دورته الرابعة، تقدم فيه عروض فنية تعالج مسائل التوجه الجنسي والهوية الجندرية، وفنونا نسوية أخرى. وصفت رابية ب. المهرجان، وهي من منظميه، بـ "الفضاء الآمن" لمجتمع الميم، وفرصة للوصول إلى الجمهور الأعرض. قالت رابية: "نستخدم الفنون لنبرز للناس أن الجنسانية موجودة، وأن الاختلاف طبيعي. ننظم معارض فتوغرافية، فيها صور لامرأتين تمسكان بيدي بعضهما البعض، ولم يكن ذلك مثيرا للجدل".[153]
كما يبحث النشطاء في باقي المنطقة الإمكانيات التي تتيحها الفنون. قالت حنين معيكي، من منظمة القوس في فلسطين:
في السنوات الخمس المقبلة، علينا التركيز أكثر على الإنتاج الفني، عبر الإعلام والوسائل المتعددة ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أيضا خارج الإنترنت: عبر السينما والأفلام القصيرة والإنتاج الجماهيري والمهرجانات.[154]
التوعية عبر وسائل الإعلام العادية
يكافح النشطاء من أجل تصوير مجتمع الميم بشكل موضوعي في وسائل الإعلام. وجدت دراسة نشرتها منظمة "آوت رايت أكشن الدولية" في 2017 أن وسائل الإعلام العربية تميل إلى استخدام "عبارات مهينة وازدرائية" عندما تناقش مجتمع الميم، وكثيرا ما تستخدم الدين لتبرير المواقف المعادية للمتحولين والاتهام بالمثلية "كوسيلة لتدمير سمعة الأفراد بغض النظر عن التوجه الجنسي للشخص المستهدف".[155]
بفضل الالتزام المشترك بين نشطاء مجتمع الميم ووسائل الإعلام، بدأت هذه العلاقة العدائية في التغيّر تدريجيا في بعض الأماكن. يُركّز بعض النشطاء العراقيين على تدريب وسائل الإعلام العراقية لتغيير النقاش حول حقوق مجتمع الميم، بدءا بالعبارات المستخدمة. قال أمير عاشور من مجموعة "إيراكوير":
[نركّز على] إنتاج المعرفة، لأن الكلمات المستخدمة في العربية كانت من قبيل "فلندافع عن حقوق الشواذ"، فحاولنا إيجاد كلمات بالعربية والعراقية. حققنا نجاحا عندما أنتجت "قناة الشرقية"، قناة تلفزيونية كبيرة في العراق، وثائقيا قصيرا قالت فيه "مجتمع الميم" بدل "الشواذ".[156]
اعتبر أحد أعضاء "أقليات" في المغرب أيضا أن التوعية الإعلامية حققت بعض التقدم. بعد التواصل مع وسائل الإعلام، قال:
لم يعد الصحفيون والمواقع يتحدثون عن "الشذوذ الجنسي"، صاروا يقولون "مثليين" – هم يحترمون مجتمع الميم. لقد نشروا مقالات عن أنشطتنا.[157]
قدّم ناشط مغربي آخر مثالا ملموسا:
لقد حصل بعض التقدم رغم أن الأشخاص مازالوا يُعتقلون. يوجد اختلاف كبير فيما يتعلق بالإعلام. في حالة فتاتي مراكش [اللتان اعتقلتا في 2016 بسبب تبادل القبل]، تحدثت إلى وسيلة إعلامية كبرى، فاستخدم الصحفي كلمة "شذوذ" في العنوان. اتصلت بشخص من الجريدة على الفور، فغيروا الكلمة.[158]
في مصر، تحاول الحكومة جاهدة حجب التغطية الإعلامية الإيجابية أو المساندة لمسائل مجتمع الميم بعد حملة القمع الأخيرة. في 30 سبتمبر/أيلول 2017، أصدر "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، هيئة حكومية لها سلطة تغريم وسائل الإعلام وتعليقها، أمرا علنيا يحظر على وسائل الإعلام المصرية التعبير عن مواقف إيجابية تجاه حقوق مجتمع الميم.
يعتبر هذا الأمر تهديد للتقدم الذي لاحظه النشطاء في وسائل الإعلام المصرية مؤخرا في تغطية مسائل مجتمع الميم، حتى تحت قيادة السيسي. أرجعت داليا عبد الحميد، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ذلك في جزء منه إلى التفتح الجديد، المتصل بثورة يناير/كانون الثاني 2011، في مناقشة المسائل المتعلقة بالهوية الجندرية والجنسية. أعطت داليا مثالا تناول موضوعيا متحوّلي النوع الاجتماعي في إحدى الصحف في منتصف 2017.
نشاهد هذا النوع من الأشياء ونعلم أننا نعيش في زمن مختلف. مثل هذه النقاشات وهذا التصوير لم يكن ممكنا قبل عامين.[159]
واحد من الأهداف التي يسعى إليها النشطاء هو جعل وسائل الإعلام التقليدية تعد تقارير عن الانتهاكات الحقوقية ضدّ مجتمع الميم. نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وثقت فيه انتهاكات حقوقية ضدّ مجتمع الميم في مصر، قالت عبد الحميد إنها كانت ترجو أن يؤدي إلى تغيير في الرأي العام. قالت: "جزء من عمل المناصرة يركّز على تغيير مواقف الناس، وذلك سيضغط على الحكومة كيّ تكفّ عن القمع".[160]
لكن عندما تكون وسائل الإعلام مملوكة للدولة، يصبح من الصعب تحقيق مثل هذا التقدّم، ويبقى من غير الواضح ما إذا ستستمر بعض وسائل الإعلام المصرية في الانفتاح على التغطية الإيجابية لمجتمع الميم أو أنها ستخضع للهيئات التنظيمية. في عمان على سبيل مثال، ألزمت هيئات تنظيمية في 2013 جريدة بإصدار اعتذار بعد أن نشرت مقالا أقرّ بوجد تسامح مع المثلية الجنسية في البلاد، وفي 2015 علّقت محطة إذاعية بعد أن أجرت مقابلة مع رجل عماني مثلي.[161]
تنظيم حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي
وفّر الارتفاع الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا قنوات جديدة يستطيع نشطاء مجتمع الميم من خلالها إيصال رسائلهم، رغم أن الانتشار يبقى أضيق مما يمكن تحقيقه عبر وسائل الإعلام التقليدية.
في فلسطين، أصدرت مجموعة القوس سلسلة من الفيديوهات في سبتمبر/أيلول 2017 تحدّت عن الصورة النمطية السائدة والمواقف المعادية لمجتمع الميم. قالت حنين معيكي، عن مجموعة القوس:
نستهدف الأشخاص الذي يشاهدون ما يحصل [الأحداث العدائية] لكنهم لا يعتبرونه عنفا، والذين يعتقدون أن العنف ضدّ هؤلاء الأشخاص [مجتمع الميم، بما في ذلك الكوير] شرعي ومضحك. وصلت حملتنا إلى أكثر من 300 ألف شخص. لقد كانت ضخمة، ولا أحد من مجموعة القوس كان يعتقد أنها ستصل إلى هذا العدد من الناس. يقول الناس إن على مجتمع الميم ألاّ يكون استفزازيا، فنقول لهم إننا نفعل ذلك عن قصد. لم نجلب معنا ضحايا حتى تتعاطف معنا، لقد جلبنا أشخاصا أقوياء يمكنهم الحديث عن ذلك.[162]
احتفالا باليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية وتحوّل النوع الاجتماعي في مايو/أيار 2017، نسقت "شبكة منطقتنا" الإقليمية مبادرة متعددة البلدان عبر وسائل التواصل الاجتماعي سمّتها "ألواننا هي الجريمة" تطرّقت إلى "الاضطهاد والعنف في الأماكن العامة والشوارع فقط لأننا موجودين" في تونس، الجزائر، السودان، ليبيا، مصر، المغرب، وموريتانيا. قال محمد، أحد المنسقين، إن الحملة حصلت على "314 ألف تفاعل" على مواقع التواصل الاجتماعي.[163] تحدث ناشط من مجموعة "قزح" الليبية عن مشاركة منظمته في المبادرة رغم القيود الواضحة، مثل عدم القدرة على تصوير أي أشخاص من مجتمع الميم:
صوّرنا فيديوهات في طرابلس حول ما يفعله الناس، وكيف تبدو الحياة في المدينة. صوّرت الفيلم، بينما كانت أماني [ناشطة ليبية تعيش في المنفى] هي الراوية، وتحدثت عن القوانين والتمييز المستمر.[164]
تهدف بعض المبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تحدّي المشاهدين عبر مساءلة معتقداتهم: في لبنان، أنتجت مجموعة "حلم"، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية وتحوّل النوع الاجتماعي في 2016، مقطع فيديو صوّر التحرّش ضدّ المثليين كمثال على سوء استخدام الشرطة للسلطة، وتساءل عن تقاعس المشاهدين في الدفاع عن ضحايا مجتمع الميم من هكذا انتهاكات.[165] تهدف مبادرات أخرى إلى إظهار الدعم لمجتمع الميم، حيث أحدثت "كريب اواي" ، وهي سلسلة مطاعم شهيرة في لبنان، ضجّة بتصوير فيديو قبيل أسبوع "لبنان برايد" لسنة 2017 ظهر فيه ثنائي مثلي. حصد الفيديو أكثر من مليون مشاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع عدد كبير من التعليقات الإيجابية.[166]
استخدم النشطاء حملات التواصل الاجتماعي لجلب الاهتمام إلى قمع مجتمع الميم المصري بهاشتاغات مثل #ColorsRNotShame،[167] لإدانة الفحوص الشرجية القسرية في تونس،[168] وللاحتجاج على إلغاء الأردن لحفل الروك لمجموعة مشروع ليلى.[169]
في البلدان التي نال فيها العنف المعادي للمثليين ومتحولي النوع الاجتماعي القليل من الاهتمام من قبل وسائل الإعلام التقليدية، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بإيصال معلومات إلى الرأي العام حول العنف المسلط على مجتمع الميم. في مارس/آذار 2016، في مدينة بني ملال وسط المغرب، اقتحم عدد من الرجال منزل شخصين اشتبهوا بأنهما مثليان وضربوهما وسحبوهما إلى الشارع وهما عاريان.[170] صوّر أحد الجناة الهجوم بالفيديو ثم حمّله على "يوتيوب". ردّت السلطات باعتقال الضحيتين، وقضت سريعا بسجن أحدهما 4 أشهر. لكن الحُكم تسبب في غضب شعبي. وبعد 3 أيام، أثناء محاكمة الرجل الثاني، أمر القاضي بإطلاق سراح الرجلين واعتقال المعتدين.[171] هاجر المتوكل، ناشطة مغربية عملت على القضية، قالت: "نالت القضية اهتماما إعلاميا كبيرا، والناس شاهدوا الفيديو الذي كان عنيفا جدا. تعاطف معهم الجميع، بمن فيهم من كان يقول 'نكره المثليين'".[172]
بعض الأشخاص يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن انتمائهم لمجتمع الميم. الخروج بهذه الطريقة إلى العالم له مخاطر كبيرة، فقد أعلن ناشط يمني – مدفوعا بتجربته في قيادة احتجاجات ضدّ النظام أثناء الربيع العربي – خروجه للعلن عبر مدونته، ولكنه اضطرّ بعد ذلك إلى التماس اللجوء بسبب تهديدات بالقتل.[173] التعريف بالهوية على الإنترنت أصبح إذا خيارا أكثر شيوعا يستخدمه الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية، لكنه يفتح نقاشا وقد تكون له نتائج هامة. نشر عبد الله البوسعيدي، ناشط عماني، فيديوهات وصور على منصات التواصل الاجتماعي تحكي حياته كمثلي لاجئ في ألمانيا. قال:
لنأخذ حياتي كمثال – أذهب إلى المدرسة، لديّ أصدقاء، أفعل بعض الأشياء، وأنا إنسان. في عمان، لا يعتبرونك إنسانا، ولذلك مسموح بضربك، والاعتداء عليك لفظيا، أو حتى قتلك إن كنت مثليا. أنا أحاول أن أحقق ذلك الجانب – نعم أنا مثلي، لكن قبل ذلك أنا إنسان. أعيش حياتي بشكل علني، وأريد أن أبرز من خلال ذلك أن المثلية جزء مني، وليست هويتي الكاملة.[174]
يطمح عبد الله في الوصول ليس فقط إلى عامة الناس، وإنما أيضا إلى مجتمع الميم في عمان الذي يعاني من الانغلاق والعزلة:
منذ أن كشفت عن [هويتي الجندرية] وصرت أعيش حياتي علنا، صارت تصلني – إضافة إلى الرسائل السلبية – رسائل إيجابية من أشخاص يقولون "نحن سعداء لرؤية شاب مثلي يعيش بشكل علني". من حين لآخر تصلني رسالة من شخص يخفي هويته في عمان. هذا أمر هام جدا لأن ليس أمامهم أمثلة يقتدون بها.[175]
داليا الفغال، مثلية مصرية تعيش في الولايات المتحدة ومؤسِسة مشاركة لـ "حملة التضامن مع مجتمع الميم في مصر"، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها لطالما كانت منفتحة عن حياتها الجنسية الخاصة على صفحتها على فيسبوك، التي تعتقد أن أغلب أصدقائها يقرؤونها، رغم أنها كانت مفتوحة للجميع. قالت إن أحد منشوراتها انتشر ذات مرة على نطاق واسع، والتقطته وسائل الإعلام المصرية، فتلقت عددا لا يحصى من تهديدات القتل ورسائل الكراهية.[176] لكنها قالت لـ هيومن رايتس ووتش:
بعد أن أصبحت مشهورة بتلك الطريقة، قررت الكشف عن هويتي، فأصبحت أستطيع مساعدة مجتمع الميم بشكل أفضل. اتصلت بموقع "باز فيد" وصوّرت بعض الفيديوهات، فتوسعت شبكة علاقاتي، حتى صار الكثير من الناس يستمعون لنا، وليس فقط مجموعة النشطاء الذين يُعجبون بمنشورات بعضهم البعض. اتصل بي الناس، منهم مصريون يعيشون في مصر ومنهم من لم يشارك أبدا في النشاط. لقد ذُهلت لآلاف الأشخاص الذين اتصلوا بنا، أو اتصلوا بي وكنت أخبرهم عما نمرّ به.[177]
أقرّت داليا عبد الحميد، عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن خروج داليا الفغال للعلن كان له أثر إيجابي:
هذه النقاشات ضرورية، كما حصل في موضوع الحياة الجنسية والعنف ضدّ النساء. عندما يتعلق الأمر بالنوع الاجتماعي والحياة الجنسية، يجب أن توجد هكذا نقاشات لتحدي قناعات الناس وإصلاح تصوراتهم الخاطئة وتمكينهم من طرق تفكير مختلفة.[178]
تحاول الحكومات القمعية مراقبة فضاء التواصل الاجتماعي والإنترنت، وكذا تفعل مع وسائل الإعلام التقليدية. في 2010، تم حجب مدوّنة تحمل اسم "كميونتي كوير" (مجتمع الكوير) عن المستخدمين في عمان، رغم أن هذا الحجب رُفع بعد وقت قصير.[179] في مصر، قد يكون النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي خطيرا، فقد اعتقلت الشرطة في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017 طالبا يبلغ من العمر 22 سنة في بلدة دمنهور للاشتباه في أنه يشرف على صفحة فيسبوك مساندة لمجتمع الميم، كما رفع محام دعوى جنائية ضدّ مشرف على صفحة أخرى بتهمة "نشر الرذيلة".[180] خطر الاعتقال دفع العديد من منظمات المثليين المصريين إلى حجب صفحاتها على فيسبوك بعد أن بدأت حملة اعتقالات مجموعة أعلام قوس قزح.
التوعية غير المعلنة
تُعتبر التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي طريقة لإيصال الرسائل إلى الرأي العام الموسع في الأماكن التي لا يستطيع النشطاء فيها التحدث عن حقوق مجتمع الميم بشكل علني، لكن توجد طرق أخرى يمكن اعتمادها.
في المغرب، نظمت إحدى المجموعات حملة شملت توزيع رسائل على المنازل "تطلب منهم احترام وحب مجتمع الميم في المغرب".[181] وفي العراق، وجهت منظمة رسالتها بشكل مباشر للناس عبر تعليق منشورات بشكل سرّي أثناء الليل في شوارع بغداد كتب عليها "أنا متساو معك. الاختلاف هو قاعدة الحياة". أقرّ أحد النشطاء ممن كانوا خلف الحملة:
كان علينا فعل ذلك بشكل سرّي حتى لا يرانا أحد نعلق الملصقات في أي مكان. كنا نضع الملصق ونغادر المكان لأن الأمر خطير جدا ولا أحد سيحمينا. كانت الميليشيات تستطيع قتلنا.[182]
وضعت منظمات أخرى رسوم غرافيتي مساندة لحقوق مجتمع الميم في مصر، تونس ولبنان. كما لاحظت لويزا توسكان في مقال هام يرصد تاريخ نشاط مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "في العادة، رسوم الغرافيتي هذه ليست مبادرات فردية مرتجلة، وإنما حملات تطلقها الجمعيات".[183]
التوعية المباشرة لدى الحلفاء المحتملين
تحاول العديد من المنظمات في كافة أنحاء المنطقة الاتصال مباشرة بالمؤثرين في الرأي العام وغيرهم ممن يتعاملون مع مجتمع الميم ويحتاجون إلى فهم المشاكل التي تؤثر عليهم بشكل أفضل.
قالت حنين معيكي، من مجموعة القوس الفلسطينية، إن منظمتها تُخصص الكثير من الوقت والموارد للتدريب - ما يقارب 120 ساعة كل سنة:
لدينا وحدة تدريب تهدف إلى تغيير طريقة تفكير الناس في هذه المسائل – معالجون، معلمو المرحلة الثانوية، نشطاء من المجتمع المدني، حركات شبابية، وحركات سياسية. يتراوح عدد الاجتماعات مع نفس المجموعة من 3 إلى 10 مرات. نتحدث عن الهوية الجنسية، الوعي بالاختلافات الجنسية، تاريخ الجنسانية، كيف تُحدد في فلسطين، كيف ترتبط بالاحتلال والاستعمار، كيف يمكن أن نفكر في مشاغل مجتمع الميم بطريقة مختلفة عن منظور "الغير"، والبُنى الأسرية. هذه الاجتماعات مثيرة للغاية، ورغم أن المجتمع الفلسطيني محافظ جدا، إلا أن الناس يريدون حقا التحدث في الموضوع. الأمر ليس بسيطا مثل "أنا أقبل بالمثليين"، بل هو التفكير فيما يجعلنا نفكر هكذا. كمثال بسيط، يقول الناس "كيف للمثليين أن يحبوا بعضهم البعض؟"، لكننا لا نجيب على هذا السؤال أبدا. بل نسأل "كيف لك أنت، 'الشخص المغاير' أن تحب شخصا ما؟ كيف تختار من ترغب في ممارسة الجنس معه أو كيف تكون لك مشاعر [تجاه شخص ما]؟" نحن نتحدى هذه الأسئلة.[184]
نظّم أياز شلال، ناشط حقوقي يعمل على حقوق مجتمع الميم وحقوق النساء في إقليم كردستان العراق، ورشات لقادة مجتمعيين، منهم أئمة، مسؤولون حكوميون محليون، مدراء مدارس، أطباء، وأساتذة جامعيون. قال إن الورشات "تبدأ من الصفر، تشرح معاني م، م، م، وأنه ليس مرضا، تاريخ مجتمع الميم في العالم، وكيف لا يمكن ربطه بالأخلاق لأن الأخلاق قيم متغيّرة".[185]
قال شلال إن منظمته لها مؤهلات قوية وتعمل مع فئات هشة أخرى غير مجتمع الميم، ما يُعتبر رصيدا يُستخدم في الحصول على دعم هؤلاء القادة:
عملنا على مسائل أخرى غير مجتمع الميم يُعتبر إضافة، والناس يثقون بنا. يشمل عملنا تقديم خدمات قانونية مجانية ومساعدة نفسية وتمكين اقتصادي للنساء. لقد ساعدنا نساء إيزيديات كُنّ حوامل من داعش، أخذناهن إلى المستشفى، وساعدناهن في الحصول على خدمات صحية. ولذلك فهم الناس أن منظمتنا تريد الخير للمجتمع. عندما نذهب ونطلب منهم العمل معنا على مسائل مجتمع الميم، ويحضرون الورشات، تتغير وجهات نظرهم.[186]
في الجزائر، عمل ناشط على توعية المختصين النفسيين على هويات مجتمع الميم، وقد أسس الآن مجموعة من المختصين النفسيين الصديقين لمجتمع الميم، وهو يحيل إليهم الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب:
كان من الصعب تحديد المختصين النفسيين المنفتحين على المثليين، لكننا فعلناها، ودربناهم. كانوا يقولون إن [المثلية الجنسية] مرض، رغم أن "منظمة الصحة العالمية" تقول العكس".[187]
ضمان الوصول إلى العلاج والوقاية من فيروس نقص المناعة
بالنسبة للنشطاء في جميع أنحاء العالم، فإن الحاجة الماسة إلى تعامل الحكومات مع أوبئة فيروس نقص المناعة البشرية بشكل شامل نتج عنها أوّل تعاون رسمي بين الحكومات والنشطاء والرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين. قال إلي بلان، وهو ناشط مع منظمة "تحالف الميم" في بيروت، لـ هيومن رايتس ووتش إن النقاش المفتوح حول حقوق مجتمع الميم في لبنان انطلق في البداية من نقاشات أخرى بدأت في آخر تسعينات القرن الماضي حول أزمة فيروس نقص المناعة والحاجة إلى استهداف شرائح معينة من السكان للوقاية والعلاج، بما يشمل الرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين (وهي عبارة يستخدمها مقدمو الخدمات المتعلقة بفيروس نقص المناعة وتشمل ليس فقط الرجال الذين يعرفون أنفسهم كمثليين أو مزدوجي التوجه الجنسي، وإنما أيضا الرجال الذين لا يتبنون هذه الهويات ولكن لهم علاقات جنسية مثلية).
رغم أن لبنان انتقل إلى نقاشات أكثر انفتاحا حول الجنسانية، قال بلان إن النقاشات المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية في باقي المنطقة لاتزال طريقا يمكن اعتماده لفتح الأبواب. على سبيل المثال، قال:
في الجزائر، عندما تقول رجال لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين، فإن الأمر مقبول، ويمكن القيام بعمل حولهم، ولكن عندما تقول مجتمع الميم أو شخص مثلي، فإن الجميع يصير ضدّك. لأن عبارة رجال لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين تعتبر مفهوما دوليا تستخدمه منظمة الصحة العالمية ووكالات الأمم المتحدة، وهو يشير إلى شريحة هامة من الناس تضرّروا من وباء فيروس نقص المناعة.
معظم بلدان المنطقة فيها برنامج وطني لمكافحة فيروس نقص المناعة/الإيدز أو جهاز حكومي يرمي إلى مكافحته. في بعض البلدان، تعمل هذه الأجهزة مباشرة مع ممثلين عن مجموعات الرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين لضمان وصول جهود الوقاية والاختبارات والعلاج إليهم. لكن يجب بذل مزيد من الجهد. قال بلان "في الواقع، [فيروس نقص المناعة] في تزايد في المنطقة لأن ثقافتنا تعتبر الجنس من المحرمات".[188]
أطلقت "جمعية العناية الصحية" (صدق)، وهي منظمة مقرها بيروت وتعمل مع شرائح أساسية من السكان، منها الرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين، العاملون في مجال الجنس، متحولو النوع الاجتماعي، ومتعاطو المخدرات بالحقن، سلسلة من التدريبات الإقليمية حول المبادئ التوجيهية للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وعلاج الرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين، موجهة إلى موظفي الصحة الحكوميين. قال عاملون في جمعية صدق لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يأملون في أن تؤدي التدريبات إلى نقاشات حول الصحة الجنسية لمجتمع الميم، بما يشمل دول الخليج، حيث نادرا ما تكون هذه المواضيع محل نقاش مفتوح.[189]
قالت نزيهة سعيد، صحفية بحرينية غطّت مسائل مجتمع الميم، إنها لم تكن تعلم بأي مبادرة خاصة بالوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية في البحرين، فما بالك بمبادرات تستهدف الرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين. قالت إن الوصم العام الذي يعاني منه حاملو فيروس نقص المناعة البشرية تسبب في "توقف الناس عن الذهاب إلى المستشفيات وإجراء الاختبارات. صاروا يسافرون إلى الخارج لإجراء هذه الاختبارات، والكثير منهم يعتمدون على شبكات دعم غير رسمية للحصول على دواء".[190]
أقرّ يوسف الغواص، رجل مثلي من البحرين يعيش في لبنان، بوجود حاجة ماسة إلى النشاط المتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية والصحة، لأن ذلك قد يفتح الأبواب لنقاش أعمق للجنسانية، بما يشمل المجتمعات المحافظة المعادية لجميع أشكال النشاط تقريبا:
ليس لدينا أي منظمة غير حكومية تعمل على الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية [في البحرين]. إن كانت هناك حاجة إلى أي نشاط، فهو حتما التربية الجنسية. لا توجد اختبارات تُحجب فيها الهوية، ولا توجد تربية جنسية يُمكن الانطلاق منها، سواء كان الشخص مغايرا أو مثليا. الطريق الأنسب لفتح نقاش حول الجنسانية والحقوق يبدأ بالمرض. حرية الفكر ليست محفزا على التغيير مثل النقاش حول الصحة. قد يكون ذلك عارا، لكن علينا التحدث عنه. وأفضل من يستطيع فعل ذلك هم النساء. "قد يكون زوجي غير مخلص، وعليّ حماية نفسي". من هناك، يُمكنك الخوض في فكرة كونك مثليا وتخرج للعلن، وأنه يتعين عليك التحدث عن كونك مثليا.[191]
تغيير الممارسات والسياسات والقوانين المسيئة
النشاط من أجل تطوير حقوق مجتمع الميم لا يتّبع بالضرورة تسلسلا معينا، وقد تختلف الأولويات والاستراتيجيات المعتمدة بشكل كبير من بلد إلى آخر. لكن العديد من النشطاء قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن الحركات تصير قادرة على اتخاذ خطوات لتحدي القوانين والسياسات التمييزية فقط بعد القيام بعمل ميداني لتقوية مجتمع الميم نفسه، وضع بروتوكولات أمنية في حال وجود تهديدات، الحصول على دعم المجتمع المدني الأعرض والحلفاء الأساسيين، والشروع في توعية الرأي العام بحقوق مجتمع الميم.
من الأهداف الأساسية لنشطاء مجتمع الميم في كافة المنطقة إلغاء تجريم السلوك الجنسي المثلي. في لبنان، المغرب وتونس يبذل النشطاء جهود مناصرة علنية لإلغاء بنود في قوانين العقوبات تجرّم هذا السلوك. في لبنان، بدأ القضاة أيضا في إصدار أحكام تقول إن القانون لا يُجرّم السلوك الجنسي المثلي، حيث أكد 4 قضاة بين 2007 و2017 أن القانون الذي يجرّم "كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة" لا ينطبق على العلاقات الجنسية بين بالغين بالتراضي.[192] لكن النشطاء في هذه البلدان وبلدان أخرى أقرّوا أن القليل من السياسيين والمسؤولين الحكوميين – إن وجدوا أصلا – مستعدون لدعم إلغاء التجريم علنا، ولذلك فإن تغيير التشريعات يبقى هدفا على المدى المتوسط أو الطويل.
في انتظار ذلك، يُمكن اتخاذ خطوات أخرى للحد من الانتهاكات الحقوقية ضدّ مجتمع الميم. يعمل النشطاء في العديد من البلدان على مكافحة السياسات والممارسات التمييزية. على سبيل المثال، في لبنان، وحتى سنوات قلية مضت، كانت قوات الأمن الداخلي تخضع الأشخاص الموقوفين بتهمة السلوك الجنسي المثلي إلى التعذيب وسوء المعاملة. لكن المنظمات التي تعمل على حقوق مجتمع الميم في لبنان، بما يشمل حلم و"المفكرة القانونية"، وجدت أن توثيق الانتهاكات ونشر روايات الضحايا ساعدتها على "فضح" الأمن الداخلي، فتراجعت التقارير المتعلقة بالانتهاكات بشكل كبير.[193] من جهة أخرى، وجدت حلم أن الأمن العام، الجهاز المكلّف بالهجرة، كان أقل عرضة للضغط العام، ما صعّب التصدي لانتهاكات الأمن العام ضدّ مجتمع الميم.
الفحوص الشرجية القسرية
تعتبر الفحوص الشرجية القسرية للبحث عن "دليل" على السلوك الجنسي المثلي، التي تعتمد على علوم فاقدة للمصداقية تعود إلى القرن 19، ضربا من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، وقد ترقى إلى التعذيب.[194] ركّز النشطاء في لبنان وتونس ومصر على الفحوص الشرجية القسرية كشكل من أشكال الانتهاك الذي لا يجب التسامح معه.
في لبنان، بدأت التعبئة ضدّ الفحوص الشرجية القسرية بعد احتجاز الشرطة لثلاثة رجال في أبريل/نيسان 2012 بسبب "تشبههم بالنساء"، بحسب محاميتهم.[195] كانت المحامية في مركز الشرطة عند إجراء الفحوص الشرجية، وغضبت من هذه الممارسة المسيئة، وعقدت مع نشطاء آخرين مؤتمرا في مايو/أيار 2012 لجلب الاهتمام للفحوص الشرجية القسرية. بعد ذلك، في أغسطس/آب 2012، نفذت الشرطة اعتقالا جماعيا لـ 36 رجلا تم إخضاعهم لفحوص شرجية بحثا عن أدلة عن سلوكهم الجنسي المثلي.[196] وردا على ذلك، أطلقت المفكرة القانونية حملة سمّت الفحوص الشرجية بـ "فحوصات العار"، ودعت إلى وضع حدّ لهذه الممارسة. كما نظمت حلم، وهي مجموعة تُعنى بحقوق مجتمع الميم وتعمل بالشراكة مع المفكرة القانونية، اعتصامات أمام "نقابة أطباء لبنان" ووزارة العدل. قال طارق زيدان، واحد من النشطاء المشاركين في الحملة: "سميناها 'فحوص الاغتصاب' لأن ما يحدث كان اغتصابا – كانوا يغتصبون الأشخاص ضدّ إرادتهم".[197] بحسب غنوة سمحات، عن مجموعة حلم: "لقد ساعدنا الإعلام كثيرا، استخدمنا عبارات مثل "فحوصات العار"، "دولة العار" – بدل وصف مجتمع الميم بالانحراف، جعلنا عناصر الأمن يبدون منحرفين".[198]
في ردّ على ذلك، أصدر د. شرف أبو شرف، رئيس نقابة أطباء لبنان، تعميما بتاريخ 7 أغسطس/آب 2012 دعا فيه إلى الكف عن هذا الإجراء.[199] من نص التعميم:
من الثابت علميا أن هذا الإجراء لا يتصف حتى بالفحص التجريبي، ولا يعطي النتيجة المطلوبة ويشكل انتهاكا جسيما لحقوق الأشخاص الذين يتم إخضاعهم له من دون موافقتهم، وممارسة مهينة ومحطة من قدرهم وتعذيباً بمفهوم "معاهدة مناهضة التعذيب".[200]
طلب التعميم كذلك من جميع الأطباء "عدم القيام بأي إجراء من هذا النوع تحت طائلة الملاحقة المسلكية".[201]
بعد ضغط شعبي كبير على وزارة العدل لإضفاء الطابع المؤسسي على الحظر المفروض على الفحوص الشرجية، أصدر وزير العدل شكيب قرطباوي بلاغا موجها إلى النائب العام في 11 أغسطس/آب 2012، وطلب منه أن يصدر توجيها لإنهاء الفحوصات تماما.[202] بحسب تقارير، وجّه المدعي العام رسالة الوزير إلى النيابات العامة في جميع أنحاء البلاد، دون إصدار تعميم ملزم.[203] النيابة العامة مستقلة عن وزارة العدل. قال ناشطون حقوقيون لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا يمكن منع النيابات العامة من الأمر بالفحوصات إلا بطلب من المدعي العام التمييزي.[204] بين 2013 و2015، استمر استخدام الفحوص الشرجية من وقت لآخر، رغم أن وتيرتها انخفضت مقارنة بالماضي.[205] لم تستلم هيومن رايتس ووتش أي تقارير عن استخدام الفحوص الشرجية القسرية في لبنان منذ 2015.[206]
في تونس، جلبت قضيتان بارزتان تتعلقان بفحوص شرجية قسرية أواخر 2015، وكلاهما تتعلقان بطلاب جامعيين أخضعوا للفحوص، الانتباه إلى نشطاء مجتمع الميم التونسيين والمهتمين بحقوق الإنسان بشكل أعرض. اقتدى النشطاء بزملائهم اللبنانيين وأطلقوا مسمى "فحوص العار" على الاختبارات، وعملوا على حشد معارضة شعبية لها، وضغطوا على "العمادة الوطنية للأطباء" لإصدار تعميم يحظر الفحوص. وفعلا أصدرت العمادة هذا التعميم في أبريل/نيسان 2017 رغم أنه اكتفى بمنع الأطباء من إجراء هذه الفحوص "دون موافقة"، بينما تعتبر الفحوص دون قيمة شرعية حتى في حال وافق المتهم عليها.[207] كما قاد نشطاء تونسيون ومنظمات حقوقية دولية أعمال مناصرة ضدّ الفحوص الشرجية القسرية لدى "لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" وأثناء الاستعراض الدوري الشامل لتونس في "المجلس الدولي لحقوق الإنسان" (انظر أدناه)، ما أدى إلى قبول البعثة التونسية بالتوصية المتعلقة بالكف عن هذه الفحوص.[208] لكن مازال هناك الكثير للقيام به. قال بدر بعبو، عن جمعية "دمج" لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة التونسية، في محاولة منها لربح الوقت، قالت إنها تحتاج إلى 4 سنوات لوضع "آليات" لتنفيذ التوصية – رغم أن ذلك يُمكن فعله بمجرد جرّة قلم.[209]
في مصر، تجري "هيئة الطب الشرعي"، التابعة لوزارة العدل، هذه الفحوص بشكل منهجي على الرجال والنساء المتحولين المتهمين بـ "الفجور". ورغم أن النشطاء سجلوا ما بدا أنه تراجع في استخدام الفحوص الشرجية في مطلع 2017، إلا أن تقارير أفادت بوجود حالات جديدة عقب حادثة أعلام قوس قزح في سبتمبر/أيلول.[210] قال نشطاء لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يخططون لدعوة "نقابة أطباء مصر" لمنع الأطباء من إجراء هذه الفحوص، ورفع مخاوفهم من الفحوص الشرجية القسرية إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، كما هو مبيّن أسفله.[211]
استخدام المنظومة الدولية
الاستعراض الدوري الشامل وهيئات معاهدات الأمم المتحدة
شرع نشطاء مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرا باستغلال فرص المناصرة الدولية، بما في ذلك الاستعراض الدوري الشامل بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان، حيث يتم تقييم سجلّ كلّ دولة في مجال حقوق الإنسان من قبل الدول الأعضاء الأخرى كل 4 أو 5 سنوات. استخدم بعض النشطاء الاستعراض الدوري الشامل للحصول على التزامات من حكوماتهم بشأن حقوق مجتمع الميم. ورغم أن أغلب دول المنطقة ترفض باستمرار أي توصيات تتعلق بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية، إلا أنه توجد استثناءات هامة. وحتى في الحالات التي ترفض فيها الحكومات توصيات بعينها، قد تسعى إلى إرضاء المهتمين بحقوق الإنسان باستخدام لغة تفتح أبوابا جديدة، سواء بقصد أو بدونه.
في 2010، أصبح العراق أوّل بلد ذي أغلبية عربية يقبل توصيات حول التوجه الجنسي والهوية الجندرية أثناء الاستعراض الدوري الشامل، منها توصيات بـ "معالجة عمليات القتل خارج القضاء لأشخاص على أساس ميلهم الجنسي الواقعي أو المفترض".[212] في 2014، قبل العراق بتوصية بـ "تجنب جميع أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي أو التوجه الجنسي".[213]
متشجعة بهذه التطورات، قدّمت إيراكوير والمنظمات الشريكة لها تقريرا حول العراق للجنة حقوق الإنسان في 2015 قيّمت فيه التزام الدولة بـ "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". وضعت المنظمات سلسلة من التوصيات حول الخطوات التي يتعين على العراق اتخاذها لمعالجة العنف والتمييز المتعلقين بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية. قال عاشور لـ هيومن رايتس ووتش:
تفاجأت الحكومة العراقية عند رؤية ذلك التقرير. قبلوا بالتوصيات – على الورق على الأقل. والآن على الحكومة إصدار بيان تقول فيه إن القتل، بصرف النظر عن السبب، هو غير مشروع... النقطة التي لا نستطيع مناقشتها هي الأمن. طبعا نحن نرغب أيضا في الوصول إلى الصحة، فهي أيضا جزء من الأمن، ولكن القتل يجعل من المستحيل علينا فعل أي شيء.[214]
في استعراض الجزائر لعام 2016، قدّم نشطاء من مجتمع الميم عن جمعيتيّ ألوان ومنطقتنا مذكّرة تدعو إلى سلسلة من الإصلاحات، بما في ذلك تبني قانون شامل مناهض للتمييز وتشريعات خاصة بجرائم الكراهية، إلغاء تجريم السلوك الجنسي المثلي، تدريب الشرطة على التوجه الجنسي والهوية الجندرية، والحق في تكوين جمعيات لمجتمع الميم.[215] في ردّه على ذلك، قال رمطان لعمامرة، وزير الخارجية، لمجلس حقوق الإنسان في مايو/أيار 2017:
العديد من التوصيات تتصل أيضا بممارسات غير متناسبة مع حقوق معترف بها عالميا. الجزائر لا تسأل شخصا معيّنا عن ممارساته الجنسية أو ممارساته الخاصة. نحن نعتبره مواطنا كاملا ولا نحاول الدخول في كيفية عيش هؤلاء الأشخاص لحياتهم الخاصة.[216]
قدّم زهير الجزائري، ناشط جزائري، تفسيرا لردّ الحكومة الجزائرية:
وزير الشؤون الخارجية الذي ردّ على ذلك السؤال قال إننا "مواطنون كاملون". بالطبع هذا ليس صحيحا، لأن القانون يميّز ضدّنا. ولكن ذلك يبرز أن التقارير كان لها تأثير، فهي تسمح لنا بتقديم أدلة. أمضينا أعواما في توعية الناس بالقانون وبحقوقهم، دون أن نقوم بأي توثيق، ولذلك حين تحدثنا عن العنف، تساءل الناس "أي عنف؟" فقررنا بأن نجعل تركيزنا الأول هو تسليط الضوء على العنف.[217]
وافقت تونس – من خلال الاستعراض الدوري الشامل – على توصية بالكف عن استخدام الفحوص الشرجية القسرية في سبتمبر/أيلول 2017. وكانت لجنة مناهضة التعذيب قد أعدّت لذلك في مايو/أيار 2016 عبر التنديد باستخدام هذه الفحوص في تونس.[218] في مايو/أيار 2017، أعدّ ائتلاف من 5 مجموعات لمجتمع الميم مذكرة قدّمها للاستعراض الدوري الشامل، وقعت عليها 13 منظمة من المجتمع المدني تعمل على مسائل غير حقوق مجتمع الميم، وتدعو إلى الكف عن الفحوص الشرجية القسرية.[219] وثقت هيومن رايتس ووتش مع مجموعات تونسية حالات استُخدمت فيها فحوص شرجية قسرية، وقدّمت مذكرة دعت فيها إلى نفس الشيء.[220] في سبتمبر/أيلول، وافقت الحكومة رسميا على توصية بإنهاء هذه الفحوص، والتزم وزير حقوق الإنسان بـ "حماية الأقليات الجنسية من أي وصم أو تمييز أو عنف".[221]
اقتداء بالمثال التونسي، تخطط المبادرة المصرية للحقوق الشخصية للاتصال بلجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. أدانت هذه اللجنة استخدام الفحوص الشرجية القسرية في مصر في 2002، وكانت تلك أول مرة تعتبرها إحدى هيئات الأمم المتحدة انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان.[222] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ليس لها أمل كبير في أن يغيّر تنديد لجنة مناهضة التعذيب سجلّ الحكومة السيء في معادة مجتمع الميم بين ليلة وضحاها، ولكنها تأمل في أن يساهم ذلك في وضع معيار لممارسي مهنة الطب والرأي العام بأن الفحوص الشرجية القسرية غير مقبولة، وهو معيار سوف ستلتزم به الدولة في نهاية المطاف.[223]
اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
شرعت المؤسسة العربية للحريات والمساواة ومنظمات عن مجتمع الميم في شمال أفريقيا مؤخرا في العمل مع اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (اللجنة الأفريقية)، التابعة لـ "الاتحاد الأفريقي"، مقرها بانجول في غامبيا، ومهمتها تعزيز وحماية حقوق الإنسان في القارة الأفريقية. كما يفعل مجلس حقوق الإنسان الأممي، تقيّم اللجنة الأفريقية سجلات الدول الأعضاء في مجال حقوق الإنسان، تجري تحقيقات، وتصدر تعليقات عامة وقرارات ومبادئ توجيهية. في 2014، اعتمدت اللجنة الأفريقية القرار رقم 275 حول الحماية من العنف وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضدّ أشخاص على أساس توجههم الجنسي أو هويتهم الجندرية الحقيقية أو المفترضة. كما أكدت على التزامات الدول بالكف عن التعذيب على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية وضمان حرية التجمع وحماية مدافعي حقوق الإنسان العاملين على مسائل تتعلق بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية.[224] في 2017، حضر ناشط من شمال أفريقيا ويعمل مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة دورة للجنة الأفريقية لأول مرة، والتقى بمفوضين أطلعهم على المشاغل المتعلقة بالانتهاكات ضدّ مجتمع الميم في دول شمال أفريقيا، بما فيها مصر وتونس. تسعى المؤسسة العربية للحريات والمساواة إلى العمل مع المفوض الأفريقي المعني بحقوق مجتمع الميم في المنطقة.[225]
شكر وتنويه
أجرت بحوث التقرير وكتبته نيلا غوشال، باحثة أولى في برنامج حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي في هيومن رايتس ووتش. راجع التقرير باحثون في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، منهم كريستين بيكرلي، آدم كوغل، آمنة القلالي، سارة الكيالي، بسام خواجا، عمرو مجدي، حنان صالح، عمر شاكر، تارا سبهري فر، وبلقيس واللي. كما راجعته روثنا بيغم، باحثة بقسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، إيريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غرايم ريد، مدير برنامج حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي، كلايف بالداوين، مستشار قانوني أول، وتوم بورتيوس، نائب مدير قسم البرامج. كما قدّم جورج قزي، عن المؤسسة العربية للحريات والمساواة، تعليقات على التقرير، وعملت المؤسسة بالشراكة مع هيومن رايتس ووتش على إنتاج سلسلة من الفيديوهات المرتبطة بالتقرير، يمكن الاطلاع عليها عبر هذا الرابط: https://www.hrw.org/ar/no-longer-alone.
شارك في بحوث التقرير كل من م.ج. موحّدي، منسق برنامج حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي، وسافاري جاين، مساعد أبحاث، وعدد من المتدربين ببرنامج حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي وقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنهم سامي عبد الكريم، ياسمينة المولى، نانور بيتار، نديم الكك، كريستيان غونزاليس، ياسمينة لطفي، زينب أولمكي، هـ. محمد، وغيرهم.
قدم مساعدة في الإخراج كل من م.ج. موحّدي، منسق برنامج حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي، ريبيكا روم فرانك، منسقة الصور والمنشورات، فيتزروي هوبكنز، المدير الإداري، وجوزي مارتينيز، منسق أول.
ترجم التقرير إلى العربية عماد الديراني وإلى الفرنسية دافيد بوراتاف وراجع الترجمة الفرنسية بيتير أوفوس.
نحن ممتنون للنشطاء الـ 34 من كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين وافقوا على إجراء مقابلات هذا التقرير، وبعضهم راجعوا أجزاء منه وقدّموا تعليقات ومزيدا من المعلومات. قصصهم حفزتنا وألهمتنا، ونرجو أن نساهم من خلال نشر قصصهم في تغذية الحركة التي يقودونها.
قائمة المصطلحات
مزدوجي/ات التوجه الجنسي |
توجه جنسي يكون فيه الشخص منجذبا جنسيا أو رومانسيا إلى الرجال والنساء معا. |
الهوية الجندرية المعيارية |
الهوية الجندرية للأشخاص الذين نسب إليهم جنس عند الولادة مطابق للنوع الاجتماعي الذي يعرّفون أنفسهم به. |
غاي (Gay) |
مصطلح يُستخدم في العديد من أنحاء العالم كمرادف للمثلي الجنسي، وفي الغالب يُستخدم للإشارة إلى التوجه الجنسي للذكور الذين ينجذبون بشكل أساسي إلى الذكور الآخرين. |
النوع الاجتماعي/الجندر |
الرموز الاجتماعية والثقافية المستخدمة للتمييز بين ما يعتبره المجتمع سلوكا أو سمات "أنثوية" و"ذكورية". |
الهوية الجندرية |
الشعور العميق لدى الشخص بكونه ذكرا أو أنثى أو كلاهما أو لا هذا ولا ذاك. الهوية الجندرية للشخص لا تتوافق بالضرورة مع جنسه عند الولادة. |
ذو/ذات هوية جندرية غير نمطية |
مصطلح لوصف الشخص غير المطابق للمظاهر والسلوكيات والسمات النمطية المرتبطة بالجنس الذي نسب إليه عند الولادة. |
مغاير جنسيا |
التوجه الجنسي لشخص له انجذاب جنسي أو رومانسي لشخص من جنس آخر. |
رهاب المثلية الجنسية |
الخوف أو الازدراء أو التمييز ضدّ المثليين/ات، والذي يعتمد عادة على المواقف النمطية السلبية من المثلية الجنسية. |
المثلية الجنسية |
توجه جنسي يكون فيه الشخص منجذبا جنسيا أو رومانسيا إلى أشخاص من نفس الجنس. |
حاملو/ات صفات الجنسين |
عبارة جامعة للإشارة إلى عدد من الصفات والظروف التي تتسبب في ولادة الشخص بكروموزومات وغدد و/أو أعضاء تناسلية مختلفة عما يُعتبر جسما نمطيا للأنثى أو الذكر. برز مصطلح Intersex في الأصل كمصطلح طبي، ثم استخدمه البعض للتعبير عن الهوية الشخصية أو السياسية. عبارة "حامل/ة صفات الجنسين" تختلف عن عبارة "متحول/ة النوع الاجتماعي"، التي تعني الشخص الذي له نوع اجتماعي مختلف عن الجنس الذي نُسب إليه عند الولادة. |
مجتمع الميم |
اختصار للمثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي. يشير هذا التقرير في بعض المواضع إلى "مجتمع الميم، بما في ذلك حاملو/ات صفات الجنسين" و"مجتمع الميم، بما في ذلك الكوير" و"مجتمع الميم، بما في ذلك حاملو/ات صفات الجنسين والكوير". |
(امرأة) مثليّة |
أنثى ذات توجّه جنسي إذ تكون منجذبة جنسيا ورومنسيا إلى إناث أخريات. |
غير ثنائي/ة |
الهوية الجندرية للأشخاص الذي لا يعرّفون أنفسهم كإناث أو ذكور. |
الكوير |
مصطلح نقدي للهويات الجندرية والجنسية القائمة على فئات محددة؛ يُستخدم أيضا كمصطلح شامل يغطي هويات متعددة. |
التوجه الجنسي |
إحساس الشخص بالانجذاب إلى – أو الرغبة الجنسية تجاه – أشخاص من نفس الجنس، أو من جنس آخر أو لكلا الجنسين أو عدم الانجذاب لأي منهما. |
متحول/ة النوع الاجتماعي |
الهوية الجندرية للشخص الذي نسب إليه جنس عند الولادة مخالف للنوع الاجتماعي الذي يعرّف نفسه به أو يعيشه. متحوّل النوع الاجتماعي يتبنى غالبا – أو يفضل أن يتبنى – تعبيرا جندريا يتماشى مع هويته الجندرية، وقد يرغب أو لا يرغب في تغيير صفاته البدنية بشكل دائم لتصير مطابقة لهويته الجندرية. |
رهاب متحوّلي/ات النوع الاجتماعي |
الخوف أو الازدراء أو التمييز ضدّ متحوّلي/ات النوع الاجتماعي، والذي يعتمد عادة على المواقف النمطية السلبية من هوية متحولي/ات النوع الاجتماعي. |