(بيروت) – قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية واللجنة العالمية لحقوق الانسانية للمثليين والمثليات اليوم إن على الحكومة العراقية أن تحقق فوراً وتطبق العدالة بحق المسؤولين عن حملة استهداف وترهيب واستخدام العنف ضد شباب عراقيينيُرى على أنهمينتمونإلى ثقافة "الإيمو" المتمردة على الأعراف السائدة. أدت الاعتداءات إلى تهيئة أجواء من الرعب في أوساط الضحايا المحتملين للحملة.
في 8 مارس/آذار رفضت وزارة الداخلية في بيان رسمي التقارير التي خرج بها نشطاء محليون ومنافذ إعلامية عن حملة ضد من يرون على أنهم من "الإيمو". قالت الوزارة إن التقارير "مفبركة" ولا أساس لها من الصحة، وأن الوزارة ستتخذ إجراءاتها ضد من يحاولون "الترويج لهذه الحالة وإخراجها خارج إطارها". وهناك بيان رسمي من الوزارة صدر في 13 فبراير/شباط وصف ثقافة الإيمو بأنها "عبادة شيطان"، مما أثار التساؤلات حول مدى استعداد الحكومة لحماية هذه المجموعة من الشباب المعرض للخطر، على حد قول المنظمات الدولية الحقوقية الثلاث.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "لقد أسهمت الحكومة في تهيئة أجواء الخوف والذعر التي أسفرت عنها أعمال العنف ضد الإيمو. بدلاً من أن تدّعي أن الحوادث مفبركة، فعلى السلطات العراقية أن تفتح تحقيقاً شفافاً ومستقلاً للتصدي لهذه الأزمة".
ضحايا الحملة يمثلون مجموعة متباينة من الأفراد المعروفين محلياً بأنهم متمردين على تقاليد المجتمع. بينهم أشخاص يُشتبه في كونهم مثليين، وبينهم أيضاً أفراد لهم قصات شعر مميزة، وثياب أو ذوق موسيقي معين. في إنجلترا، تعتبر كلمة "إيمو" اختصاراً لكلمة "إيموشينال"، إشارة إلى مراهقين وشبان يستمعون إلى موسيقى "ألترناتيف روك" وعادة ما يرتدون ثياباً سوداء ضيقة ويقصون شعرهم بطرق غير مألوفة. الأفراد الذين يُنظر إليهم بصفتهم مثليين أو مثليات أو متحولي الجنس يعتبرون الأكثر عرضة للخطر.
قال نشطاء حقوق إنسان عراقيون للمنظمات الثلاث إن في مطلع فبراير/شباط ظهرت منشورات ولافتات في أحياء مدينة الصدر والحبيبية وحي العاملببغداد، فيها تهديد للناس بـ "غضب من الله" ما لم يقصوا شعرهم ويكفون عن ارتداء ما وُصف بأنه "ملابس شيطانية" – وهي ثياب يربطها النقاد بموسيقى الإيمو والميتال والراب – وأن يخفوا أوشامهم ويحافظون على رجولتهم. هناك أسماء أخرى ظهرت على لافتات وملصقات مشابهة في مختلف الأحياء.
من هذه اللافتات التي رأتها المنظمات الحقوقية، لافتة كانت معلقة على جدار في مدينة الصدر وعليها: "باسم الله الرحمن الرحيم، نحذركم وبشدة تحذير بالغ اللهجة، إلى كل فاجر وفاجرة إذا لم (تنهو) عن هذا العمل في 4 أيام فسوف ينزل عليكم عقاب الله بيد المجاهدين". ورد في الملصق 33 اسماً وتم تزيينه بصورة مسدسين.
منذ فبراير/شباط تلقت المنظمات الحقوقية الثلاث معلومات من منظمات حقوقية عراقية ونشطاء بالعراق ومنافذ إعلامية عن وفيات كثيرة في صفوف الشباب. بعض التقارير الإعلامية المحلية قدرت الوفيات بالعشرات. لم تتمكن المنظمات الدولية من التأكد من مقتل أفراد ضمن حملة منظمة.
قال رجل يبلغ من العمر 26 عاماً من الموصل للمنظمات الحقوقية إن معتدين مجهولين قتلوا عضوين من فرقته التي تعزف موسيقى "هيفي ميتال" في 8 مارس/آذار بسبب مظهرهما. قال: "لا نعرف من وراء هذا الأمر الآن، لكن ومنذ مدة طويلة يتهمنا الناس بأننا عبدة شيطان. إذن ليس هذا بالأمر الجديد، لكنه أصبح قاتلاً".
وقالت المنظمات الثلاث إنه بينما من غير الواضح من وراء الهجمات والتهديدات، فإن التقارير الإعلامية العراقية ألهبت هذه الحملة عندما وصفت "ظاهرة الإيمو الجديدة" بعبدة الشيطان ومصاصي الدماء عديمي الأخلاق غير الإسلاميين. بعض رجال الدين والسياسة أسهموا أيضاً في "شيطنة" شباب الإيمو في أعين الناس. في 10 مارس/آذار وصف رجل الدين الشيعي مقتضى الصدر الإيمو بأنهم "سفهاء ومجانين" و"الآفة في المجتمع المسلم" في بيان على الإنترنت، لكنه أكد أيضاً أن من الواجب التعامل معهم "تحت طائلة القانون".
تشير وثائق اطلعت عليها المنظمات الحقوقية الثلاث إلى أن وزارة التربيةنشرت في أغسطس/آب 2011 تعميماً يوصي المدارس بمحاولة وقف انتشار ثقافة الإيمو، التي وصفتها بأنها "ظاهرة مندسة فيمجتمعنا".
وصف بيان وزارة الداخلية الصادر في 13 فبراير/شباط على موقع الوزارة الإيمو بأنهم "عبدة شيطان" يمثلون خطراً على المجتمع العراقي. كما أشار البيان إلى أن الوزارة تسعى للحصول على موافقة من وزارة التربية"لإعداد خطة متكاملة...والسماح بدخولنا للمدارس كافة في العاصمة". في 29 فبراير/شباط أصدرت وزارة الداخلية بياناً آخر أعلنت فيه عن حملة ضد ثقافة الإيمو في بغداد، لا سيما في حي الكاظمية، حيث تم التعرف على متجر يبيع "ثياب وإكسسوارات الإيمو".
وبعد تغطية إعلامية موسعة للعنف والترهيب ضد الإيمو، خففت وزارة الداخلية من لغتها في بيانها بتاريخ 8 مارس/آذار الذي حذرت فيه "جماعات متطرفة ومغالية تحاول أن تنصب نفسها حامية للأخلاق وللشرائع الدينية، من التصرف ضد الناس على خلفية موضة أو لباس أو قصات شعر". أنكرت الوزارة مقتل أو تهديد الإيمو وهددت بأنها "ستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق كل من يحاول الترويج لهذه الحالة وإخراجها خارج إطارها".
وفي 14 مارس/آذار احتجزت قوات أمن بغداد لمدة ثلاث ساعات طاقم تصوير قناة روسيا اليوم الإخبارية الناطقة بالعربية، فيما كانوا يحاولون تصوير مقطع خبري عن الهجمات على الإيمو. صادرت قوات الأمن ما سجلوه من مقاطع فيديو وإن كانت القناة قد حصلت على تصريح بالتصوير في وسط مدينة بغداد.
وظهر تقرير على شاشات قناة الشرقية في 7 مارس/آذار ورد فيه إن رجالاً في ثياب مدنية ضربوا بقسوة شابتين على مرأى من الناس في منطقة المنصور، بسبب "ثيابهما العصرية".
قالأشخاص يُنظر إليهم على أنهم مثليون أو مثليات أو متحولين جنسياً للمنظمات الحقوقية الثلاث إنهم يشعرون بالخطر البالغ. في عام 2009 وثقت هيومن رايتس ووتش واللجنة العالمية لحقوق الانسانية للمثليين والمثليات ومنظمة العفو الدولية نمطاً من التعذيب والقتل على يد ميليشيات عراقية ضد رجال يُشتبه في سلوكهم المثلي أو أنهم لا يتمتعون بـ "الرجولة" الكافية. لم تفعل السلطات العراقية شيئاً لوقف عمليات القتل. العراقيون والعراقيات الذين توجد تصورات حول أنهم مثليون أو مثليات أو متحولي الجنس يعيشون في خوف بسبب الأعمال الوحشية المرتكبة ضمن حملة عام 2009،وقام العديد من أفراد هذه المجموعة بالاختباء.
قالرجل مثلي يبلغ من العمر 22 عاماً في بغداد للمنظمات الدولية الثلاث إن مجهولين اتصلوا به وهددوه بالقتل في 11 مارس/آذار. وصف المتصلون صديقاً له كانوا قد اختطفوه وضربوه ضرباً مبرحاً قبل أيام، وقالوا إنهم توصلوا إلى رقمه من خلاله. قالوا له إن الدور عليه فقام بقص شعره ولم يخرج من بيته خشية أن يستهدفوه.
وقال: "عندما بدأت أخبار الإيمو تنتشر، زادت التهديدات والعنف ضد المثليين. إنهم يضعوننا في زمرة واحدة، أي شخص مختلف بأية طريقة، ونحن أهداف سهلة للغاية".
في 15 مارس/آذار قال مشروع مساعدة اللاجئين العراقيين – وهي منظمة غير حكومية توفر المساعدة القانونية والمرور الآمن للعراقين الذين يواجهون الاضطهاد – للمنظمات الدولية الثلاث إن في الأسبوع الماضي أجرى المشروع مقابلات مع 23 شاباً عراقياً، أغلبهم قصوا شعرهم ولجأوا للاختباء بعد أن تلقوا تهديدات بالقتل وتعرضوا لمضايقات لوجود تصورات عنهم أنهم ينتمون إلى الإيمو أو المثليين والمثليات. كما أفاد من أجريت معهم المقابلات بمقتل 10 أشخاص من المتصور أنهم ينتمون إلى هذه المجموعات، منذ أواسط فبراير/شباط.
وقالت جيسيكا ستيرن، مديرة قسم البرامج في اللجنة العالمية لحقوق الانسانية للمثليين والمثليات: "عدم تحرك وزارة الداخلية العراقية وإنكارها لحملة معاقبة من يُنظر إليهم على أنهم خارجون على أعراف المجتمع هو تهديد لكل شخص مختلف، بما في ذلك من يخالفون المفاهيم المتفق عليها للنوع الاجتماعي والجنسانية. على الحكومة أن تضمن سلامة جميع العراقيين، لا أن تضخم من التهديدات ضد من يتم استهدافهم بالفعل".
على النقيض من أعمال القتل عام 2009، فإن الحملة الأخيرة أدت إلى موجة استنكار قوية في العراق. أصدر المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني بياناً أشار فيه إلى أن قتل الإيمو في العراق يهدد سلام الأمة والنظام، وهو تطور إيجابي، على حد قول المنظمات الثلاث. طبقاً لممثل آية الله السيستاني في بغداد، الشيخ عبد الرحيم الركابي، فإن "استهدافهم عملاً ارهابياً".
في 8 مارس/آذار طالب عدد من نواب البرلمان العراقي بأن تحقق الشرطة في عمليات القتل، وأدانوا العنف بشكل واضح. قال رئيس البرلمان، أسامة النجيفي في بيان بتاريخ 13 مارس/آذار إن "ظاهرة تصفية بعض الشباب او ما يسمون بـ(الايمو) من قبل جهات معينة بحجة اصلاح المجتمع، والذي يعد ترسيخا لثقافة العنف والرعب... انما هو تجاوز على القانون وانتهاك لحرمته، وجريمة يحاسب عليها القضاء".
وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "على أفضل تقدير، فإن رد فعل وزارة الداخلية العراقية غير كمناسب، وعلى أسوأ تقدير، فهو يعني السماح بالعنف ضد شباب الإيمو. على السلطات العراقية أن تدين الهجمات بكل وضوح، وأن تحقق في أي أعمال قتل وقعت، وأن تحمي أي أشخاص في خطر".