(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن لجنة "مهرجانات بيبلوس الدولية" ألغت حفل الفرقة الموسيقية المستقلة "مشروع ليلى" المقرر انعقاده في 9 أغسطس/آب 2019. ذكرت اللجنة اعتبارات أمنية وقالت إنها تريد منع "إراقة الدماء"، إثر أسبوع من الضغوط والتهديدات من قبل بعض الأفراد وبعض المجموعات المسيحية.
لم ترد وزارة الداخلية على تصعيد التهديدات بالعنف ضد مشروع ليلى، ولا تعهدت بضمان سلامة المهرجان ورواد الحفلات. إنما وفي 24 يوليو/تموز، أحالت النيابة العامة اثنين من أعضاء الفرقة إلى الاستجواب، الذي دام 6 ساعات. أجبرهم عناصر "أمن الدولة" على التعهد بإزالة منشورات من مواقع التواصل الاجتماعي، في خرق لحقهم في حرية التعبير.
قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "إلغاء حفل مشروع ليلى يعكس تزايد اعتماد الحكومة على قوانين فضفاضة ومسيئة لخنق حركة النشطاء والصحفيين والفنانين وفرض الرقابة عليهم. يُظهر قرار الحكومة بالتحرك ضد مشروع ليلى، مع تجاهل التهديدات الخطيرة ضد الفرقة، أن الحكومة تستخدم قوانين التحقير والتحريض بانتقائية في ممارسة الرقابة على الآراء الخارجة عن السائد".
مشروع ليلى فرقة لبنانية اكتسبت شهرة عالمية مع تناولها قضايا اجتماعية ضاغطة في العالم العربي، وتنديدها بالقمع، والفساد، ورهاب المثلية.
أقامت مشروع ليلى حفلات في لبنان مرات عديدة، منها في مهرجانات بيبلوس في 2010 و2016، وأدت أغنيات يزعم بعض الأفراد والمجموعات حاليا أنها مسيئة إلى المسيحية. هذا الجدل هو المشهد الأحدث في حملة تصعيد قمعي ضد الخطاب السلمي في لبنان.
في 22 يوليو/تموز، تقدم محامٍ بشكوى إلى النيابة العامة يطالب فيها الحكومة بمقاضاة مشروع ليلى بتهمة الإساءة إلى الشعائر الدينية وإثارة النعرات الطائفية، استنادا إلى المواد 317 و474 و475 من قانون العقوبات. وفي اليوم نفسه، أصدرت "مطرانية جبيل المارونية" بيانا ادعت فيه أن أغنيات الفرقة "تمس بغالبيتها بالقيم الدينية والإنسانية وتتعرض للمقدسات المسيحية". طالبوا بأن تلغي مهرجانات جبيل الحفل. انتشرت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهدد مستخدمون كثيرون للإنترنت الفرقة بأعمال عنف إذا أُقيم الحفل.
رغم أن المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون أخلت سبيل أعضاء الفرقة دون اتهامات إثر استجوابهم في 24 يوليو/تموز، فإن أمن الدولة أجبرهم على التعهد بحذف المحتوى "المسيء" من حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وإصدار اعتذار علني وحذف الأغاني التي تعتبر مسيئة إلى المسيحية من قائمة الأغنيات الخاصة بالحفل.
هذه التعهدات تنتهك حق أعضاء الفرقة في حرية التعبير، نظرا لأن محامين لبنانيين يوافقون على أن هذه الإجراءات غير دستورية ولا سند قانوني لها. توصلت "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" إلى أن قوانين "ازدراء الأديان" تنتهك الحق في حرية التعبير.
بعد ساعات من إلغاء الحفل، أصدرت الفرقة بيانا أبدت فيه الأسف إذا كانت أي من أغانيها مسّت بمعتقدات أي أحد. وطمأنوا الجمهور إلى أن "هذه الأغاني لا تمس بأي من المقدسات أو المعتقدات، وأن المس بمشاعر [أي شخص] إنما حصل بالدرجة الأولى نتيجة حملات تلفيقية تشهيرية واتهامات باطلة كنا نحن أول ضحاياها ومن غير العادل تحميلنا مسؤوليتها. فاحترامنا لمعتقدات الآخرين راسخ بقدر احترامنا لحق الاختلاف".
في 30 يوليو/تموز، قدّمت 11 مجموعة حقوقية بقيادة المنظمة الحقوقية اللبنانية "المفكرة القانونية" شكوى إلى المدعي العام التمييزي بالوكالة. أعربت المنظمات عن القلق إزاء التهديدات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي – وتشمل التحريض على العنف، وتهديدات بالقتل، ودعوات إلى حظر الحفل بالقوة – وطلبت من المدعي العام التحقيق. قالت المنظمات إن هذه التعليقات تهدد السلم الأهلي وتمنع أعضاء الفرقة من ممارسة حقوقهم الدستورية في التعبير الفني الحر وحرية التعبير.
تلاحظ منظمات حقوقية، منها هيومن رايتس ووتش، التزايد الهائل في استخدام القوانين الجنائية التي تجرم التشهير وإثارة النعرات الطائفية في اعتقال واستجواب ومقاضاة الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير. قال صحفيون ونشطاء لـ هيومن رايتس ووتش إن مناخ الملاحقات القضائية القائم على التعبير السلمي عن الرأي له أثر تخويفي كبير. قال البعض إنهم بدأوا في ممارسة الرقابة الذاتية خشية استدعائهم للاستجواب.
يضمن الدستور اللبناني حرية التعبير "ضمن دائرة القانون". والمادة 19 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" – الذي صادق عليه لبنان في 1972 – تنص على أن "لكل إنسان حق في حرية التعبير". لكن قانون العقوبات اللبناني ينص على مواد تجرم حرية التعبير؛ فالمواد 474 و475 تجرّم تحقير الشعائر الدينية وتشويه الرموز الدينية والمقدسة. يُعاقَب على الجريمتين بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات. والمادة 317 تجرّم "الحض على النزاع بين الطوائف"، وتعاقب على ذلك بالسجن من سنة إلى 3 سنوات، حتى إذا لم يكن من المرجح أن يؤدي الخطاب المعني إلى التحريض على العنف أو كان هذا هو القصد منه.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات إسقاط الاتهامات الجنائية عن التعبير السلمي عن الرأي، وينبغي للبرلمان أن يلغي بشكل عاجل القوانين التي تجرم الخطاب السلمي.
القوانين المبهمة إلى درجة عدم فهم الأفراد أي آراء هي التي قد تخالفها تهيئ لمناخ غير مقبول من الخوف من التعبير بحرية عن الرأي، لأن المواطنين قد يتجنبون نقاش أي موضوع يخشى أن يعرضهم للمساءلة. النصوص القانونية الفضفاضة والمبهمة لا تقتصر مشكلتها فقط على عدم وضوحها للمواطنين، إنما تجعل القوانين قابلة لتكون أدوات في يد السلطات بحيث تستخدمها في إسكات المعارضة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات اللبنانية، وبدلا من ضمانها اتخاذ جميع الاحتياطات الأمنية لكفالة الأمان للحفل، فقد اختارت أن تتعرض لحق مشروع ليلى في حرية التعبير.
قالت فقيه: "هذا التحريض يُظهر كيف تُستغل قوانين التشهير والتحريض والتحقير الجنائية في لبنان من قبل جماعات لها نفوذ كبير، وكيف تترك الأصوات المهمشة وأصحاب الآراء المغايرة بدون حماية. ينضم لبنان إلى صفوف الحكومات المسيئة في المنطقة التي تدوس على حقوق حرية التعبير، وبهذا فهو يستبعد المواهب والنقاشات التي تجعل هذا البلد ما هو عليه".