اعتُمد إعلان سياسي جديد لحماية المدنيين من الآثار المدمرة للأسلحة المتفجرة عند استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان أثناء الحرب من قبل 82 دولة، في دبلن، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
حظي الإعلان بتأييد كبير من 23 دولة في "الناتو"، منها كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وتركيا، والولايات المتحدة.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنكوبة بالنزاعات، كانت الكويت، والمغرب، وفلسطين فقط من بين المُوقّعين.
على الصعيد العالمي، يجري القتال بشكل متزايد في المدن، ما يعرّض ملايين المدنيين لخطر الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة.
وتشمل هذه الأسلحة القنابل الجوية، والقذائف الصاروخية، والصواريخ وقذائف المدفعية، وقذائف الهاون، وهي لها شعاع كبير للانفجار والتشظي، أو غير دقيقة، أو تنشر ذخائر متعددة في وقت واحد.
المدنيون "يتحملون العبء الأكبر"
وثّقت "هيومن رايتس ووتش" مرارا أن المدنيين يتحملون العبء الأكبر من استخدام الأسلحة المتفجرة.
تقتل هذه الأسلحة أو تشوّه ليس أثناء القتال فحسب، ولكن أيضا بالذخائر غير المنفجرة بعد توقف القتال، كما حدث مؤخرا في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، واليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، ولبنان.
كما أن الضرر أو التدمير اللاحق بالبنية التحتية يؤثر على الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية، ما ينتهك حقوق الإنسان ويؤدي إلى النزوح. كباحثة، رأيت الضرر الذي تُلحقه هذه الأسلحة بالمدنيين عند استخدامها بتهور في مناطق مأهولة بالسكان. سواء تعلق الأمر بالشقيقات الثلاث الصغيرات اللواتي قُتلن في غارة جوية شنتها "القوات المسلحة العربية الليبية" المتمركزة شرقا على منزلهن في طرابلس، أو غارة بطائرة مسيّرة شنتها الإمارات على مصنع بسكويت في ضواحي طرابلس قتلت ثمانية مدنيين، فالموت والدمار هما الأثران المباشران اللذان يمزقان العائلات ويقضيان على سبل العيش.
يُلزم الإعلان الحكومات بتبني سياسات وممارسات وطنية لتقييد استخدام الأسلحة المتفجرة أو الامتناع عنه في المناطق المأهولة بالسكان عندما يكون إيذاء المدنيين أو المنشآت المدنية متوقعا.
يُقرّ الإعلان بأن الآثار المباشرة والمستقبلية للأسلحة المتفجرة يمكن توقعها عند استخدامها في مناطق مأهولة بالسكان ويتضمن التزامات بمساعدة الضحايا، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وجمع البيانات حول آثار الأسلحة المتفجرة وتبادلها.
تدعو منظمات مدنية، منها هيومن رايتس ووتش، منذ سنوات إلى التزام رسمي من قبل جميع الدول بالحد من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.
في هجمات مايو/أيار 2021 التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل، وجدت "الأمم المتحدة" أن استخدام إسرائيل غير القانوني للأسلحة المتفجرة قتل 129 مدنيا فلسطينيا على الأقل، بينهم 66 طفلا، وأصاب المئات بجروح.
في اليمن، قتلت ثلاث هجمات جوية تبدو غير قانونية في يناير/كانون الثاني 2022 شنها التحالف السعودي- الإماراتي 80 مدنيا على الأقل، بينهم ثلاثة أطفال، وأصابت أكثر من 100 شخص. في مدن وقرى شمال شرق سوريا، تصاعدت هجمات الطائرات المسيّرة التركية والقصف من قبل القوات السورية المدعومة من تركيا في الأشهر الأخيرة، فقتلت وأصابت مدنيين، بينهم أطفال.
ضرر طويل الأمد
ليست الآثار طويلة الأمد أقل ضررا. عندما تدمر الأسلحة المتفجرة البنية التحتية المدنية الحيوية، فإنها تعرقل الحصول على الماء، والكهرباء، والصرف الصحي، والتعليم، والرعاية الصحية.
كما يمكن للأسلحة المتفجرة الإضرار بالبيئة بتلويث الهواء، والتربة، والماء، ما يهدد صحة الناس، أو يجبرهم على الانتقال بعيدا عن منازلهم - وتؤدي في بعض الحالات إلى هجرة جماعية.
الألغام والذخائر العنقودية المضادة للأفراد هما نوعان من الأسلحة المتفجرة المحظورة بالفعل بموجب المعاهدات الدولية بسبب آثارها العشوائية بطبيعتها على المدنيين. لا يحظر القانون الدولي بالتحديد استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، رغم أن بعض الأسلحة التي لا يمكن الحد من آثارها بشكل كاف، قد تكون غير قانونية في أوضاع معينة.
في حين أن الإعلان غير ملزم قانونيا، تلتزم الدول التي تصادق عليه باتخاذ خطوات لتعزيز حماية المدنيين من الأسلحة المتفجرة بما يتجاوز القانون الحالي. يحظر قانون النزاعات المسلحة أصلا الهجمات التي تستهدف المدنيين، أو العشوائية، أو غير المتناسبة من حيث تأثيرها على المدنيين، أو التي لا تميز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.
ينبغي لجميع الدول التي تساند الإعلان أن تفسره في تصريحاتها، وسياساتها، وتشريعاتها الوطنية بطريقة تكفل أشد حماية ممكنة للمدنيين أثناء الحرب. وينبغي لها تحديدا تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان، وتقييد استخدام جميع الأسلحة المتفجرة الأخرى في هكذا ظروف.
ينبغي لإسرائيل، ومصر، والإمارات، والسعودية، وسوريا، وليبيا، التي شاركت في العقد الماضي وما قبله في نزاعات عدة واستخدمت أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة أدت إلى مقتل مدنيين، النظر في اعتماد الإعلان على سبيل الأولوية.
لا يضمن التوقيع على الإعلان عدم إيذاء المدنيين العالقين وسط النزاع. الواقع المحزن هو أن الحكومات والجهات الفاعلة غير التابعة للدولة المتورطة في النزاع ستستمر في استخدام الأسلحة المتفجرة.
ولكن إذا دعمه عدد كبير من الدول، فإن الإعلان قادر على تعزيز مبدأ ضرورة تجنب استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان لأن الضرر المتوقع للمدنيين هو ثمن ينبغي لأي كيان يحترم نفسه ألا يكون مستعدا لدفعه.
كما يمنح الإعلان الهيئات التأسيسية والمتعددة الأطراف الفرصة لإلزام الحكومات بتعهداتها، والتي يمكن أن تكون خطوة أولى نحو المساءلة، والعدالة، وتعويض الضحايا وعائلاتهم.