Skip to main content

غزة: جرائم حرب على ما يبدو خلال قتال مايو/أيار

الانتهاكات الإسرائيلية والفلسطينية تظهر الحاجة إلى تحقيق من "المحكمة الجنائية الدولية"

قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة نفذت هجمات خلال قتال مايو/أيار 2021 في قطاع غزة وإسرائيل انتُهكت فيها قوانين الحرب، ويبدو أنها ترقى إلى جرائم حرب. للجيش الإسرائيلي والسلطات الفلسطينية سجل حافل بالتقاعس في التحقيق في انتهاكات قوانين الحرب المرتكبة في غزة أو المنطلقة منها.

حققت هيومن رايتس ووتش في ثلاث غارات إسرائيلية قتلت 62 مدنيا فلسطينيا ولم تكن هناك أهداف عسكرية واضحة في المنطقة المجاورة. كما ارتكبت الجماعات الفلسطينية المسلحة هجمات غير قانونية، حيث أطلقت أكثر من 4,360 صاروخا غير موجه وقذيفة هاون باتجاه مراكز سكانية إسرائيلية، منتهكة بذلك الحظر المفروض على الهجمات المتعمدة أو العشوائية ضد المدنيين. ستنشر هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل نتائج الهجمات الصاروخية التي شنتها الجماعات الفلسطينية المسلحة.

قال جيري سيمبسون، المدير المساعد لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "نفذت القوات الإسرائيلية هجمات في غزة في مايو/أيار دمرت عائلات بأكملها بدون أي هدف عسكري بالقرب منها على ما يبدو. استمرار غياب الرغبة لدى السلطات الإسرائيلية في التحقيق بجدية في جرائم الحرب المزعومة، فضلا عن الهجمات الصاروخية التي تشنها القوات الفلسطينية على التجمعات السكانية الإسرائيلية، يبرز أهمية إجراء تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية".

أفادت الأمم المتحدة أنّ الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي خلال قتال مايو/أيار قتلت 260 فلسطينيا، من بينهم ما لا يقل عن 129 مدنيا، منهم 66 طفلا. قالت وزارة الصحة في غزة إن القوات الإسرائيلية أصابت 1,948 فلسطينيا، بينهم 610 طفلا. قالت السلطات الإسرائيلية إن الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون التي شنتها الجماعات الفلسطينية المسلحة أسفرت عن مقتل 12 مدنيا، من بينهم طفلان وجندي وجرح "عدة مئات". كما قتل عدة فلسطينيين في غزة بسبب اخفاق الصواريخ التي أطلقتها الجماعات المسلحة وسقوطها في غزة.

منذ أواخر مايو/أيار، قابلت هيومن رايتس ووتش شخصيا 30 فلسطينيا شهدوا الهجمات الإسرائيلية، أو أقارب لمدنيين قتلوا، أو سكان المناطق المستهدفة. كما زارت هيومن رايتس ووتش موقع أربع غارات، وفحصت بقايا ذخائر، وحللت صور الأقمار الصناعية ومقاطع فيديو وصور التقطت في أعقاب الهجمات.

ركزت هيومن رايتس ووتش تحقيقاتها على ثلاث هجمات إسرائيلية أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين ولم يكن بجوارها أهداف عسكرية واضحة. من المرجح أن تكون الهجمات الإسرائيلية الأخرى أثناء النزاع غير قانونية.

في 10 مايو/أيار، بالقرب من بلدة بيت حانون، سقط صاروخ إسرائيلي موجه قرب أربعة منازل لعائلة المصري، مما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين، بينهم ستة أطفال. في 15 مايو/أيار، دمرت قنبلة موجهة مبنى من ثلاثة طوابق في مخيم الشاطئ للاجئين، مما أسفر عن مقتل 10 مدنيين – امرأتان وثمانية أطفال من عائلتين تربطهما صلة قرابة. وفي 16 مايو/أيار، ضربت سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية استمرت أربع دقائق، شارع الوحدة في مدينة غزة، مما أدى إلى انهيار ثلاثة مبانٍ متعددة الطوابق، وأسفر عن مقتل 44 مدنيا. قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف أنفاقا ومركز قيادة تحت الأرض تستخدمه الجماعات المسلحة، لكنه لم يقدم تفاصيل لدعم هذا الادعاء.

  عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني ينقلون جثة أحد المدنيين الـ 44 الذين قتلوا جراء انهيار ثلاثة أبراج سكنية في غارات إسرائيلية في وسط مدينة غزة في 16 مايو/أيار 2021. © 2021 رزق عبد الجواد/شينخوا عبر غيتي إمجز

في 13 يوليو/تموز، ردّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على رسالة هيومن رايتس ووتش المرسلة في 4 يونيو/حزيران والتي لخصت فيها النتائج التي توصلت إليها بشأن الحالات المذكورة أعلاه وطلبت معلومات محددة. من بين ما قاله الجيش الإسرائيلي إنه "يضرب أهدافا عسكرية فقط، بعد أن يقيّم أن الأضرار الجانبية المحتملة الناتجة عن الهجوم ليست مفرطة فيما يتعلق بالميزة العسكرية المتوقعة، ... ويبذل جهودا حثيثة لتقليل الضرر الذي يلحق بالأفراد غير المتورطين [و] في العديد من غارات [مايو/أيار] ... عندما كان ذلك ممكنا ... أرسل إلى المدنيين الموجودين ضمن الأهداف العسكرية إنذارا مسبقا". قال الجيش أيضا إنه يحقق في عدد من الهجمات التي وقعت خلال قتال مايو/أيار لتحديد ما إذا كانت "قواعده قد انتهكت".

طلبت هيومن رايتس ووتش في 30 مايو/أيار تصاريح لباحثين كبار في هيومن رايتس ووتش لدخول غزة لإجراء مزيد من التحقيقات في الأعمال العدائية، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت الطلب في 26 يوليو/تموز.  ترفض السلطات الإسرائيلية منذ 2008 السماح لموظفي هيومن رايتس ووتش الأجانب بدخول غزة، باستثناء زيارة واحدة في 2016. على حلفاء إسرائيل الضغط من أجل السماح لمنظمات حقوق الإنسان بدخول غزة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها.

على شركاء إسرائيل، ولا سيما الولايات المتحدة، التي تقدم مساعدات عسكرية كبيرة، والتي استُخدمت أسلحة من صنعها في ما لا يقل عن هجومين من الهجمات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، أن تشترط لأي مساعدة أمنية مستقبلية لإسرائيل اتخاذ إجراءات ملموسة وقابلة للتحقق منها لتحسين امتثالها لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتحقيق في الانتهاكات السابقة.

تجري هيومن رايتس ووتش أبحاثا وستقدم تقريرا منفصلا عن الهجمات الصاروخية التي شنتها الجماعات الفلسطينية المسلحة وقتلت مدنيين بشكل غير قانوني في إسرائيل وغزة بين 10 و21 مايو/أيار. خلال تلك الفترة، سقط أكثر من 3,680 صاروخا على إسرائيل، وفقا للجيش الإسرائيلي. الصواريخ، التي تفتقر إلى أنظمة التوجيه، تكون عشوائية بطبيعتها عند توجيهها نحو مناطق يتواجد فيها مدنيون.

قال الجيش الإسرائيلي إن ضحايا الهجمات الصاروخية الفلسطينية وقذائف الهاون من بينهم الطفل عيدو أفيغال البالغ من العمر خمس سنوات، والذي قُتل في هجوم في سديروت في 12 مايو/أيار، وخليل عواد (52 عاما)، وابنته نادين (16 عاما)، وهما فلسطينيان من مواطني إسرائيل، قتلا في 12 مايو/أيار في قرية دهمش، وغرشون فرانكو (55 عاما)، الذي قُتل في رمات غان بصاروخ في 15 مايو/أيار عندما لم يتمكن لأسباب صحية من الوصول إلى ملجأ القنابل بعد انطلاق صفارات الإنذار.

بموجب القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، يجوز للأطراف المتحاربة استهداف الأهداف العسكرية فقط. كما يجب عليها اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، بما في ذلك من خلال توفير تحذيرات مسبقة حقيقية من الهجمات. تُحظر الهجمات المتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية. كما تحظر قوانين الحرب الهجمات العشوائية، والتي تشمل الهجمات التي لا تميز بين الأعيان المدنية والعسكرية أو التي لا تستهدف أهدافا عسكرية. كما تحظر الهجمات التي يكون فيها الضرر المتوقع للمدنيين والممتلكات المدنية غير متناسب مع الميزة العسكرية المتوقعة. الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – سواء عمدا أو بتهور – مسؤولون عن جرائم حرب.

في 12 مايو/أيار، أشار مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى أنه يراقب الوضع في غزة. على مكتب الادعاء أن يدرج في تحقيقه بشأن فلسطين الهجمات الإسرائيلية على غزة التي أسفرت عن خسائر مدنية غير قانونية على ما يبدو، وكذلك الهجمات الصاروخية الفلسطينية التي أصابت مراكز سكانية في إسرائيل.

أعمال مايو/أيار العدائية، مثل سابقاتها في 2008 و2012 و2014 و2018 و2019، من بين أعمال أخرى، وقعت وسط إغلاق إسرائيلي كاسح لقطاع غزة، الذي بدأ في 2007، والجهود التمييزية لإخراج الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية المحتلة، إضافة إلى السياسات والممارسات التي تشكل جزءا من جرائم الحكومة الإسرائيلية ضد الإنسانية والمتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد، كما وثقت هيومن رايتس ووتش.

في 27 مايو/أيار، شكل "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة لجنة تحقيق لمعالجة الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، بما في ذلك عبر تعزيز المساءلة وتحقيق العدالة للضحايا. على اللجنة التدقيق في الهجمات غير القانونية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة أثناء قتال مايو/أيار. كما يجب أن تحلل السياق الأوسع، بما في ذلك المعاملة التمييزية للحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي إطلاع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية والسلطات القضائية الأخرى ذات المصداقية التي تدرس الوضع، على نتائج اللجنة.

على السلطات القضائية في الدول الأخرى أن تحقق وتقاضي بموجب القوانين الوطنية المتورطين بشكل موثوق في جرائم خطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. على الحكومات أيضا دعم إعلان سياسي قوي يعالج الضرر الذي تسببه الأسلحة المتفجرة للمدنيين ويلزم الدول بتجنب استخدام الأسلحة التي لها آثار واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان.

قال سيمبسون: "لم تُظهر إسرائيل والسلطات الفلسطينية أي اهتمام يذكر بمعالجة الانتهاكات التي ترتكبها قواتهما، لذا ينبغي للمؤسسات القضائية العالمية والوطنية أن تكثف جهودها لكسر حلقة الهجمات غير القانونية والإفلات من العقاب على جرائم الحرب. يجب أن تتناول هذه التحقيقات أيضا السياق الأوسع، بما في ذلك إغلاق الحكومة الإسرائيلية الكاسح لغزة وجرائم الفصل العنصري والاضطهاد ضد ملايين الفلسطينيين".

الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، 10-21 مايو/أيار

جاء قتال مايو/أيار 2021 في أعقاب جهود من قبل مجموعات لمستوطنين يهود لطرد سكان فلسطينيين منذ فترة طويلة في القدس الشرقية من منازلهم ومصادرتها. تسمح المحاكم الإسرائيلية لمجموعات المستوطنين اليهود برفع دعاوى تعود إلى ما قبل 1948 في القدس الشرقية المحتلة، على الرغم من أن الفلسطينيين هُجروا، وبالرغم من منع جميع الفلسطينيين الآخرين بموجب القانون الإسرائيلي من استعادة الممتلكات المصادرة منهم في أحداث 1948 داخل إسرائيل. نظم الفلسطينيون مظاهرات حول القدس الشرقية، وأطلقت قوات الأمن الإسرائيلية الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص الفولاذي المغلف بالمطاط، مما أدى إلى إصابة مئات الفلسطينيين.

في 10 مايو/أيار، بدأت الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة بإطلاق صواريخ باتجاه تجمعات سكانية إسرائيلية. نفذ الجيش الإسرائيلي بدوره هجمات صاروخية ومدفعية على قطاع غزة المكتظ بالسكان. استخدمت العديد من الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان. دخل وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة حيز التنفيذ في 21 مايو/أيار.

بحثت هيومن رايتس ووتش في ثلاث هجمات للجيش الإسرائيلي انتهك فيها قوانين الحرب، قتلت 62 مدنيا وجرحت العشرات. كما بحثنا في هجوم رابع أسفر عن مقتل مدنيين اثنين، وربما استهدف أحد مقاتلي حماس.

بيت حانون

بعد الساعة 6 مساء بقليل في 10 مايو/أيار، سقط صاروخ موجه قرب بلدة بيت حانون وقتل ثمانية أشخاص، بينهم ستة أطفال، جميعهم على ما يبدو مدنيون، وأفادت تقارير بإصابة 18 آخرين. انفجر الصاروخ على ارتفاع نحو متر عن سطح الأرض، وعلى بعد عشرة أمتار من أقرب أربعة منازل متجاورة، تعود ملكيتها لأربعة أشقاء من عائلة المصري – عرفات، وإبراهيم، ومحمد عطا الله، ويوسف – الذين كانوا يعيشون هناك مع عائلاتهم. تقع المنازل على بعد نحو كيلومتر شرقي بيت حانون شمال شرق غزة.

ثمانية أشخاص قتلوا في الهجوم على بيت حانون، 10 مايو/أيار 2021

أحمد محمد المصري (21 عاما)

إبراهيم يوسف المصري (11 عاما)

مروان يوسف المصري (7 أعوام)

رهف محمد المصري (8 أعولم)

يزن سلطان المصري (14  شهرا)

إبراهيم عبدالله حسنين (16 عاما)

حسين منير حمد (10 أعوام)

محمد علي نصير (23 عاما)

تحدث ثلاثة من أفراد عائلة المصري ممن شاهدوا اقتراب الذخيرة إلى هيومن رايتس ووتش. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أربعة أفراد آخرين من عائلة المصري وقريب لضحية ليس من العائلة عما شاهدوه أثناء الهجوم وبعده مباشرة. تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى ثلاثة أقارب لاثنين من الضحايا، ليسوا من عائلة المصري، وشهد أحدهم آثار الهجوم.

قال من قابلناهم إن الهجوم وقع بعد 6 مساء بقليل، عندما كان أفراد الأسرة يقومون بتعبئة الشعير المعالج في أكياس لبيعه للتاجر محمد نصير. يُظهر مقطع فيديو والصور التي التقطت في اليوم التالي أكياس الشعير الفارغة والمقلوبة.

وصف محمد نجل محمد عطا الله اقتراب الذخيرة:

كنت مع إخوتي نعبئ الشعير في الأكياس. فجأة رأيت شيئا قادما نحونا من الشرق. عندما رأيته لأول مرة، كان عاليا في الهواء. ثم نزل تدريجيا وهو متجه نحونا، وانفجر على بعد متر واحد من الأرض. أصابني شيء في عيني وبطني وساقي. طرت في الهواء وهبطت على الأرض. لم أفقد وعيي. رأيت أن أخي أحمد، وأختي رهف، وابن أخي يزن قد فارقوا الحياة. كانت أجسادهم ممزقة. كان الأمر مروعا.

وقت الهجوم، كان يوسف المصري مع شقيقه إبراهيم على بعد 200 متر من منازلهم. قال إنه سمع دوي انفجار ورأى دخانا يتصاعد قرب المنازل:

ركضنا على الفور إلى منازلنا. رأيت ولديّ المتوفيين، مروان وإبراهيم. تخيل رؤية دماغ طفلك على الأرض. تخيل رؤية عيون أبنائك خارج رؤوسهم. تخيل أن تحمل طفلك وتشعر أن جسده يتلوى بسبب كسر عموده الفقري. كان هناك دخان يتصاعد من فمي الطفلين ومن ملابسهما. كان المشهد فظيعا.

قال ثلاثة آخرون إنهم شاهدوا الذخيرة وهي تقترب من المنطقة قبل أن تنفجر. قال عاهد حسنين (12 عاما)، إنه بينما كان على سطح منزله، رأى "جسما كبيرا يأتي من منطقة ناحل عوز" في إسرائيل، التي تبعد حوالي 7.5 كيلومترا جنوب شرق بيت حانون، قبل أن تنفجر في مكان قريب. قال غسان المصري (24 عاما)، الذي كان يعبئ الشعير بجانب القتلى والجرحى في الهجوم، إنه كان يواجه الشرق عندما رأى شيئا قادما من الجنوب الشرقي كان "يطير على ارتفاع منخفض وبهدوء باتجاه الناس، ثم انفجر في الهواء بالقرب من الأرض". كانت إحسان  الزعانين، ابنة عرفات المصري البالغة من العمر 29 عاما، جالسة خارج منزل والديها عندما وقع الهجوم. قالت إنها قبل الانفجار رأت "صاروخا" قادما من الجو "من الشرق".

قال أقارب الضحايا لـ هيومن رايتس ووتش إن الهجوم أسفر عن مقتل نجلي يوسف، إبراهيم (11 عاما)، ومروان (7 أعوام)؛ ونجل محمد عطا الله، أحمد (21 عاما)، وابنته رهف (8 أعوام)، وحفيده يزن (14 شهرا). كما قتل ولدان من عائلات الجيران وهما إبراهيم عبد الله حسنين (16 عاما)، وحسين منير حمد (10 أعوام)، والجار التاجر، محمد علي نصير(23 عاما).

زارت هيومن رايتس ووتش الموقع في 26 مايو/أيار و23 و26 يونيو/حزيران، وتحدثت مع شهود عيان على الهجوم وآثاره. حللت هيومن رايتس ووتش صورا لبقايا ذخائر كانت قد التقطتها منظمة حقوقية أخرى، تأكذت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل أنها التقطت صباح 11 مايو/أيار في الموقع، ومقطع فيديو تم تصويره في أعقاب الهجوم مباشرة وتبيّن لـ هيومن رايتس ووتش لنا أنه حقيقي.

يشير الضرر المحدود للانفجار والتشظي في مكان الحادث إلى استخدام ذخيرة ذات مردود متفجر صغير. كما يشير عدم وجود فوهة ارتطام إلى أن الذخيرة انفجرت في الجو. بقايا الذخيرة التي تم تصويرها صباح 11 مايو/أيار تشير إلى أن السلاح المستخدم كان نوعا من الصواريخ الموجهة المستخدمة لمهاجمة عربات مدرعة أو مواقع محصنة أو أفرادا في أماكن مفتوحة.

بناء على مقابلات مع أفراد عائلة المصري وصور جويّة، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن أضرارا إضافية كبيرة لحقت بمنزلين من منازل المصري الأربعة أثناء هجوم آخر، بعد أن غادرت العائلات منازلها، في وقت ما بين منتصف نهار 11 مايو/أيار و20 مايو/أيار.

قال جميع من قابلناهم إن أيا من القتلى أو الناجين من الهجوم لم ينتم لأي جماعة مسلحة. قال أقارب أحمد المصري، الذي قُتل، إنه كان عضوا في "فتح"، الحزب السياسي المهيمن في السلطة الفلسطينية، والذي لم يشارك في الأعمال القتالية في غزة. لم تشر أي جماعة مسلحة في غزة على مواقعها الإلكترونية إلى أي من القتلى كأعضاء، وهو ما تفعله عادة بعد مقتل أي من مقاتليها. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على أن أي من الضحايا كانوا من المقاتلين.

المزاعم الإسرائيلية الرسمية حول هذا الهجوم غير واضحة ومتناقضة.

في 11 مايو/أيار، أفاد "موقع واينت" (Ynet) الإخباري الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي قال إن ستة أطفال في غزة قتلوا في "عمليات إطلاق صواريخ فاشلة" لحركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية.

في 16 مايو/أيار، نشر الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي صورة فيها رجال قال إنهم "نشطاء" فلسطينيون قتلتهم القوات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ 10 مايو/أيار، ومن بينهم "محمد علي محمد نصير"، أحد الرجال الذين قُتلوا في الغارة. لم تذكر الصورة متى وأين قتلوا. وفي اليوم نفسه، أفاد "موقع والا" (Walla) الإخباري الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي قال إنه قتل ثمانية "نشطاء" من "حماس" والجهاد الإسلامي، بمن فيهم نصير، مرة أخرى دون أن يذكر متى وأين قُتلوا.

قال ثلاثة أشخاص – أحد الناجين من هجوم المصري، وصحفي محلي، وأحد أشقاء محمد – لـ هيومن رايتس ووتش إن الصورة على الملصق العسكري الإسرائيلي تظهر محمد نصير. زارت هيومن رايتس ووتش منزله، وشاهدت لافتة معلقة على خارج منزل الأسرة تظهر وجه محمد نصير، وتأكدت أنه نفس الشخص الذي يظهر في الملصق الإسرائيلي.

قال جلال شقيق نصير وثلاثة آخرين لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا ينتمي إلى جماعة مسلحة وإنه تاجر يشتري الشعير ويبيعه كعلف للحيوانات، بما في ذلك من عائلة المصري بانتظام، ويقوم بوظائف متفرقة أخرى.

قال جلال إن نصير كان دائما ما ينقل المواد والبضائع للبيع باستخدام عربة تجرها الخيل . قال إنه في 10 مايو/أيار، أخذ نصير عربة الخيل إلى منازل المصري لنقل الشعير إلى السوق. وانضم حسين نجل منير، الذي قُتل في الهجوم، إلى محمد على العربة. قال شخصان إن أحد أسباب مقتل العديد من الأطفال في الغارة هو أنهم كانوا يتجمعون حول الحصان عندما وصل إلى منازل المصري.

قال أربعة شهود إنهم قبل الهجوم بقليل سمعوا ذخيرة واحدة أو أكثر تنطلق باتجاه إسرائيل من غزة، رغم أنهم لم يروها ولم يعرفوا من أين تم إطلاقها. بناء على مقابلات مع شاهد ومراجعة لمقطع فيديو، تبيّن لـ هيومن رايتس ووتش أنه بعد الساعة 6 مساء بقليل أصاب صاروخ تابع للجهاد الإسلامي سيارة مدنية في مرصد هضبة الجمل، المعروف أيضا بـ تلة يانتشيك، في إسرائيل، على بعد كيلومترين غرب مدينة سديروت الإسرائيلية وحوالي 2.6 كيلومتر شرق منازل المصري، مما أدى إلى إصابة مدني واقفا بجانبها.

ومع ذلك، لم تبرر السلطات الإسرائيلية غارة المصري على أنها رد على الهجوم الصاروخي. بخلاف تقارب الوقت، لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود صلة بين الهجوم الصاروخي والضربة الجوية.

لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري في موقع الغارة أو بالقرب منه. يعتبر الهجوم غير الموجه نحو هدف عسكري محدد غير قانوني. لم يقدم الجيش الإسرائيلي معلومات تبرر الهجوم. يجب أن ينظر التحقيق في الهجوم فيما إذا كانت القوات الإسرائيلية قد استهدفت هدفا عسكريا، وإذا كان هناك هدف عسكري مشروع، وإذا ما تم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر بالمدنيين، وإذا ما كانت المكاسب العسكرية المتوقعة تفوق الخسائر المتوقعة في أرواح المدنيين. أي هجوم غير قانوني ونُفِّذ بنية اجرامية – عمدا أو بتهور – يعتبر جريمة حرب.

مخيم الشاطئ

هجوم 15 مايو/أيار

حوالي الساعة 1:40 من فجر 15 مايو/أيار دمرت غارة جوية إسرائيلية مبنى من ثلاثة طوابق يملكه علاء أبو حطب في مخيم الشاطئ. المخيم الذي يغطي نصف كيلومتر مربع على ساحل شمال غزة يأوي حوالي 90 ألف شخص معظمهم في مبان متعددة الطوابق. يُعدّ المخيم أحد أكثر الأماكن اكتظاظا في العالم.

قال أبو حطب لـ هيومن رايتس ووتش إنه عاش في الطابقين الأول والثاني من المبنى طوال 30 عاما مع أسرته. قال إنه أجّر الطابق الأرضي لحلاق ومحل حلويات ومحل بقالة وكانت جميعها مغلقة وقت الهجوم. قال:

غادرت منزلي سيرا على الأقدام حوالي الساعة 1:30 صباحا للذهاب إلى بعض المتاجر المحلية المفتوحة في وقت متأخر خلال الفترة التي تسبق العيد [عيد الفطر] لشراء ألعاب ووجبات خفيفة للأطفال للعيد وشراء بعض الطعام حيث كنا جائعين. قبل مغادرة المنزل لم يكن هناك تحذير من حدوث أي شيء لمنزلنا. لم نتلق مكالمة هاتفية ولم تكن هناك ضربة بطائرة دون طيار ينفذونها أحيانا لتحذير الأشخاص من استهداف مبناهم. كان ذلك سيُخيف الأطفال على الأقل، وسيهربون من المنزل في الوقت المناسب.

قال أبو حطب إنه بعد حوالي 15 دقيقة من مغادرته سمع "انفجارا مدويا هز المنطقة بأكملها":

ركضت عائدا نحو الدخان وأدركت أنه منزلي. أضحى ركاما. شعرت بكل شيء من حولي يدور. أصبت بصدمة وفقدت الوعي. عندما استعدت وعيي رأيت عمال الإنقاذ يبحثون عن جثث تحت الأنقاض وينتشلون الأشلاء. مزّق الهجوم الجثث. بقيت أجزاء أخرى تحت الأنقاض لأنهم لم يتمكنوا من العثور عليها. لم يكن هناك مسلحون في منزلي أو بالقرب منه ولا صواريخ أو قاذفات صواريخ هناك. ما زلت لا أعرف سبب قصف منزلي وقتل زوجتي وأولادي وأختي وأطفالها. ما ذنبهم؟

سمع سامي أبو حطب، ابن عم علاء أبو حطب، الذي يعيش بالقرب من منزله انفجارا وسرعان ما سمع في الأخبار المحلية أن منزل ابن عمه قد أصيب. ركض إلى المنزل ورأى المبنى منهارا تماما. قال:

في البداية وجدت ابنته ماريا. كانت تمشي في الشارع وقد أصيبت في وجهها. قال أحدهم إن الانفجار كان قويا فرماها من النافذة. ثم سمعنا بكاء طفل ووجدنا فتحة في الأنقاض عرضها حوالي 50 سم رأينا من خلالها طفلا وأمه. كانت أخت علاء تحتضن طفلها. رأيت جسدها ممزقا من الخلف. لو لم تحتضنه لقُتل. قالوا لاحقا إن ساق الطفل مكسورة ورأيت بعض الإصابات الأخرى على وجهه وجسمه.

قال سامي إنه واصل البحث تحت الأنقاض:

فجأة لمست ساقا، ثم وجدت دماغا، ثم رأيت طفلا وعرفت أنه يامن، ابن علاء. بقيت بعض ملامح وجهه بادية. ثم وجدت يوسف ميتا، وهو ابن آخر لعلاء. عملنا على انتشال الجثث حتى الساعة 7 صباحا. ساعدت جرافة في انتشال بعض جثث الأطفال. كلهم فقدوا أعضاء: يد وساق وجلد من رؤوسهم. يصعب وصف الأمر. ستجهش بالبكاء لمجرد محاولة تخيله.

قتل الهجوم عشرة أشخاص - امرأتان وثمانية من أطفالهما، منهم زوجة أبو حطب ياسمين حسن أبو حطب، (30 عاما)، وأربعة من أطفالهما: يوسف (11 عاما) وبلال (10 أعوام) ومريم (8 أعوام) ويامن (6 أعوام). بينما أصيبت ابنتهما ماريا (أعوام 5) لكنها نجت. كما قُتلت شقيقة أبو حطب مها أبو حطب الحديدي (35 عاما) وأربعة من أطفالها: صهيب (14 عاما) ويحيى (11 عاما) وعبد الرحمن (8 أعوام) وأسامة (6 أعوام). كما أصيب ابنها عمر (5 أشهر) لكنه نجا. لم ترد أنباء أخرى عن وقوع إصابات في الهجوم.

عشرة أشخاص قتلوا في الهجوم على مخيم الشاطئ للاجئين، 15 مايو/أيار 2021

ياسمين حسن أبو حطب (30 عاما)

يوسف أبو حطب (11 عاما)

بلال أبو حطب (10 عاما)

مريم أبو حطّب (8 أعوام)

يامن أبو حطب (6 أعوام)  

مها أبو حطب الحديدي (35 عاما)  

صهيب الحديدي (14 عاما)  

يحيى الحديدي (11 عاما)  

عبد الرحمن الحديدي (8 أعوام)  

أسامة الحديدي (6 أعوام)  

هيومن رايتس ووتش زارت الموقع في 23 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران وتحدثت إلى سبعة شهود عيان في أعقاب الهجوم ووجدت وصوّرت وحللت بقايا ذخيرة على سطح أحد الجيران المباشرين لعائلة أبو حطب وراجعت صورا ومقاطع فيديو منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

قال أربعة أشخاص إن مبنى أبو حطب انهار عند وصولهم بعد دقائق من الهجوم. صور القمر الصناعي المُلتَقَطة في اليوم السابق لا تظهر أي آثار للضرر في حين أن الصور المُلتَقَطة الساعة 10:36 من صباح يوم 15 مايو/أيار تظهر تدمير مبنى أبو حطب. كما تُظهر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة المُلتَقَطة في 20 مايو/أيار أن المباني الأربعة المحيطة بها تضررت بشدة مع ظهور الأنقاض في مكان قريب.

بناء على مراجعة مخلفات الذخيرة التي وجدتها هيومن رايتس ووتش يوم 23 مايو/أيار تأكدنا من تعرّض المبنى لضربة مباشرة من قنبلة موجهة ألقيت جوا ومجهزة بصمام تأخير التفعيل الذي سمح بتفجير الذخيرة لاحقا وتدمير دعامات المبنى وهدمه. القنبلة "جي بي يو 39" (GBU-39) ذات القطر الصغير تصنعها شركة "بوينغ" وتصدّرها الولايات المتحدة إلى إسرائيل.

قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف مبنى في مخيم الشاطئ ليلة 15 مايو/أيار لأن "عددا من كبار مسؤولي منظمة حماس الإرهابية [كانوا] في شقة تستخدم كبنية تحتية للإرهاب"، وإن الهجوم قتل عشرة أشخاص. كما قال إن هجومه على المخبأ أدى إلى انهيار المبنى.

كل من قابلته هيومن رايتس ووتش بشأن الهجوم قال إنه لم يعلم بوجود أي مسلحين في المبنى أو بالقرب منه وقت الهجوم. لم نعثر على أي دليل آخر على وجود مجموعات مسلحة فلسطينية في المبنى وقت الهجوم، أو أي دليل على وجود مخبأ تحت المبنى. قال محمد السيد، أحد جيران أبو حطب صاحب المبنى الذي استأجر مساحة في الطابق الأرضي من المبنى لمدة 14 عاما، إن أبو حطب لا صلة له بأي جماعة مسلحة.

لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري في موقع الغارة أو بالقرب منه. الهجوم غير الموجه إلى هدف عسكري محدد يعتبر غير قانوني. لم يقدم الجيش الإسرائيلي معلومات تبرر الهجوم. التحقيق في الهجوم يجب أن يؤدي إلى التأكد من استهداف القوات الإسرائيلية لهدف عسكري، وإن كان هناك هدف عسكري مشروع، فهل اتُخذت جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر بالمدنيين، وما إذا فاقت المكاسب العسكرية المتوقعة الخسائر المتوقعة في أرواح المدنيين. أي هجوم غير قانوني يُنفّذ بنية إجرامية - عمدا أو بتهور - يعد جريمة حرب.

هجوم 11 مايو/أيار

بعد الساعة 4:30 صباحا بقليل في يوم 11 مايو/أيار أصابت قنبلة ملقاة جوا مبنى طيبة المكون من سبعة طوابق على بعد 50 مترا من مبنى أبو حطب الذي أصيب بعد أربعة أيام. أفادت تقارير بمقُتل مدنيين وإصابة اثنين آخرين.

رائد بارود الذي يعيش في الطابق الخامس من المبنى والذي تضرر سقفه قال إنه كان يستعد لأداء صلاة الفجر عندما وقع الهجوم. قال إنه لم يسمع دوي انفجار، بل امتلأت شقته بالدخان الأسود والغبار فجأة.

أحمد صلاح الذي يسكن بالقرب من مبنى طيبة سمع دوي انفجار أثناء أداء صلاة الفجر في مسجد السوسي القريب. هرع إلى المبنى وصعد مع السكان المحليين الآخرين وأفراد الدفاع المدني إلى الطابق السادس للبحث عن ناجين:

وجدنا أم صُبح في الحمام وكانت تغتسل استعدادا لصلاة الفجر. كان نصف جسدها داخل حوض الاستحمام والنصف الآخر مُتدليا خارجه. كانت هناك شظايا في جميع أنحاء جسدها. غطينا جسدها بستارة الحمام ثم بحثنا مُطوّلا عن ابنها عبود. وجدتُ بطانية ثم كعب قدمه وكان باردا. كان تحت الأنقاض ملقى على بطنه ورأسه مكسور.

قتل الهجوم أميرة عبد الفتاح صبح (58 عاما) وابنها عبد الرحمن يوسف صبح (19 عاما) الذي كان لديه شلل دماغي.

أثناء زيارات للموقع في 23 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران لاحظت هيومن رايتس ووتش أن الركن الجنوبي الشرقي من الطابق السابع من المبنى مدمر بالكامل ونفس الركن في الطابق السادس متضرر جزئيا. كما زارت هيومن رايتس ووتش شقة في الطابق الخامس تضررت وظهر جزء من الذخيرة المستخدمة في الهجوم في السقف. يمكن كذلك رؤية الأضرار التي لحقت بالمبنى في صور الأقمار الصناعية عالية الدقة الملتقطة في 14 مايو/أيار.

الضرر المرصود وصور البقايا التي حللتها هيومن رايتس ووتش وعدم حدوث انفجار عند الاصطدام يشير إلى أن السلاح المستخدم كان قنبلة موجهة من الجو ومجهزة بصمام تأخر التفعيل الذي يسمح لها باختراق الهيكل بدلا من الانفجار مباشرة عند الاصطدام. كثيرا ما يستخدم الجيش الإسرائيلي هذا النوع من الذخيرة.

أخبر مدني هيومن رايتس ووتش، وهو يقيم في المنطقة المجاورة للهجوم ولم يشأ الكشف عن هويته، بأن أحد أعضاء "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، كان في المبنى وقت الهجوم. لم يذكر أي شخص تحدثت إليه هيومن رايتس ووتش بشأن الهجوم أنه من بين الضحايا.

لم تقدم السلطات الإسرائيلية ​​أي معلومات عن هجوم 11 مايو/أيار علنا بما في ذلك الهدف المقصود والاحتياطات التي اتخذتها لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين.

شارع الوحدة بمدينة غزة

قبيل الساعة 1 من صباح يوم 16 مايو/أيار، شن الجيش الإسرائيلي سلسلة من الغارات استغرقت أربع دقائق وسط مدينة غزة.

كان عمر أبو العوف الناجي الوحيد من عائلته بعد انهيار المبنى المكون من أربعة طوابق الذي كانوا يعيشون فيه. قُتل والده أيمن مدير قسم الطب الباطني في "مستشفى الشفاء" بغزة ووالدته وشقيقاه. قال:

حوالي الساعة 1 صباحا كنت جالسا مع عائلتي في غرفة المعيشة. كان والدي طبيبا، وقد عاد لتوه من عمله في مستشفى الشفاء. ثم سمعنا دوي انفجارات. بعد الانفجار الأول أرادت والدتي الفرار من المبنى، لكن والدي رفض وقال إنه لا يُمكن أن نكون من بين المستهدفين لأننا نعيش في منطقة مدنية.

ثم هزت أربعة انفجارات منزلنا. حدث كل ذلك في غضون خمس ثوان. اهتز المنزل وظننت أنه سينهار. بعد الانفجار الثاني بدأ المنزل يهتز. أمسكت بيد أختي وسحبتها إلى الممر وعانقتها في محاولة لحمايتها. ثم سمعت صاروخ آخر ورأيت نيرانا خارج النافذة وانهار جدار الممر وفجأة اختفت الأرضية وبدأ كل شيء يتساقط علينا، ثم جاءت القنبلة الأخيرة. لقد دمرتنا.

بقيت أختي تحت ذراعي تتنفس لمدة 15 دقيقة. طلبت منها أن تردد الشهادتين ثم استشهدت [ماتت]. لم أكن أعرف مكان والدي. سمعت أمي تردد الشهادتين ثم صمتت. كان أخي ما يزال على قيد الحياة.

قال إنه ظل تحت الأنقاض لمدة 12 ساعة:

سمعت أفراد الدفاع المدني وسيارات الإسعاف. صرخت لكنهم لم يسمعوني. شعرت أنني ميت. لكنهم وجدوني أخيرا.

لماذا قتلوا عائلتي ويتموني؟ حتى ذلك اليوم كان لدينا منزل. كان لدي عائلة. كان لكل فرد من أفراد الأسرة حلم. اختفى كل شيء في ثانية واحدة.

عاش عزام القولق مع عائلته في الطابق الثالث من مبنى على الجانب الشرقي من مجمع القولق. قال:

سمعت دوي انفجار شديد وشعرت بالمبنى يهتز. بعد دقيقة أو نحو ذلك حدث انفجار ثان وانقطعت الكهرباء وبدأت الجدران تتصدع وتساقط الغبار على رؤوسنا. بعد ثوان قليلة ألقى بنا انفجار ثالث على الأرض. أصيبت الأرضيات والجدران بأضرار بالغة وكُسرت الأبواب وكنا نميل نحو الشارع. سمعت أبناء عمي وجيراني في الخارج يقولون "اخرج من هنا!"، فأمسكت أنا وزوجتي الأطفال وساعدنا عناصر الدفاع المدني على الخروج.

ظلت شقة عائلته سليمة إلى حد كبير بينما انهار الطابقان الأدنى منه مما أسفر عن مقتل شقيقيه وزوجة أحدهما وخمسة من أطفالهم:

عندها وقعت الصدمة. هبطت شقتنا [في الطابق الثالث] إلى مستوى الشارع وأتذكر فقط أنني كنت أفكر "أين هو باقي المبنى؟" عندما عثروا على جثة أخي عزت بعد حوالي أربع ساعات وجدوا أيضا ابنه عزيز (11 عاما) حيّا بين ذراعيه.  رحم الله  أخي ,لقد حماه.

راجعت هيومن رايتس ووتش صورا جوية نشرها الجيش الإسرائيلي على الإنترنت وصورا ومقاطع فيديو منشورة على الإنترنت جمعها باحثون مستقلون زاروا المكان وصورا للأقمار الصناعية ملتقطة في 20 مايو/أيار. تُظهر المواد أن الهجوم الذي استمر أربع دقائق شمل ما بين 18 و34 غارة أصابت نقاطا مختلفة على طول حوالي 1030 مترا من خمسة شوارع داخل منطقة بمساحة 0.7 كيلومتر مربع. وقعت 11 غارة على الأقل على امتداد 400 متر من شارع الوحدة.

قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف أنفاقا ومركز قيادة تحت الأرض تستخدمه جماعات مسلحة. طبقا لوزارة الصحة في غزة والأقارب الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، تسببت الغارات في مقتل 44 مدنيا: 18 طفلا و14 امرأة و12 رجلا، وإصابة 50 آخرين بعد انهيار ثلاثة مبان. بين القتلى 22 فردا من عائلة القولق. من بين 22 شخصا قُتلوا في الأجزاء المدمرة من مبنى أبو العوف 11 فردا من عائلة أبو العوف وخمسة أفراد من عائلة اشكنتنا وأربعة أفراد من عائلة الفرنجي. كما دمرت الغارات عددا من المباني المجاورة.

44 شخص قتلوا في الهجوم على شارع الوحدة، 16 مايو/أيار 2021

أشخاص قتلوا في مبنى عائلة القولق الشرقي

أشخاص قتلوا في مبنى عائلة القولق الغربي

أشخاص قتلوا في الجزء الشرقي من مبنى عائلة أبو العوف

أشخاص قنلوا في الجزء الغربي من مبنى عائلة أبو العوف

عزت معين القولق  (44 عاما)  

سعدية يوسف القولق  (86 عاما)  

صبحية اسماعيل أبو العوف (68 عاما)

توفيق إسماعيل أبو العوف (80 عاما)   

دعاء عمرالقولق (39 عاما)  

فواز أمينالقولق  (63 عاما)   

ديانا أبو العوف (46 عاما)   

مجدية أبو العوف (82 عاما)   

محمد معين القولق  (39 عاما)

بهاء أمينالقولق  (50 عاما)  

شيماء علاء أبو العوف (21 عاما)  

أيمن توفيق أبو العوف (50 عاما)   

حلا محمد القولق  (13 عاما)  

أمل جميل القولق  (42 عاما)

روان علاء أبو العوف (18 عاما)  

ريم أبو العوف (40 عاما)   

يارا محمدالقولق  (10 أعوام)  

رهام فواز القولق  (32 عاما)

رجاء صبحي أبو العوف (41 عاما)  

توفيق أيمن أبو العوف (17 عاما)   

زيد عزت القولق  (8 أعوام)

سامح فوازالقولق  (29 عاما)  

ديما رامي الافرنجي (16 عاما)  

تالا أيمن أبو العوف (13 عاما)  

رولا محمد القولق (6 أعوام)

طاهر شكري القولق  (24 عاما)  

يزن رامي الافرنجي (14 عاما)   

عبير نمر اشكنتنا (30 عاما)   

آدم عزت القولق  (4 أعوام)

عبد الحميد فواز القولق  (23 عاما)  

ميرا رامي الافرنجي (12 عاما)   

دانا رياض اشكنتنا (9 أعوام)   

 

آيات ابراهيمالقولق  (19 عاما)

أمير رامي الافرنجي  (10 أعوام)  

يحيى رياض اشكنتنا (5 أعوام)  

 

أحمد شكري القولق  (16 عاما)  

محمد أحمد أكي (40 عاما)   

لانا رياض اشكنتنا (6 أعوام)   

 

هناء شكري القولق  (15 عاما)  

 

زين رياض اشكنتنا (عامان)   

 

أمين محمدالقولق  (93 عاما)

 

حازم عادل القمع (48 عاما)   

 

ختام سليم القولق  (50 عاما)

 

 

 

قصي سامح القولق (عام واحد)  

 

 

زارت هيومن رايتس ووتش الموقع في 27 مايو/أيار، و12 يونيو/حزيران و6 يوليو/تموز وتحدثت إلى عشرة شهود عيان على الضربات وما تلاها ممن كانوا يعيشون بالقرب من المباني المتضررة، وحللت صور الأقمار الصناعية وصوّرت موقع الغارات والمباني المدمرة وحللت صورا ومقاطع فيديو لما بعد الهجوم، وكذلك صورا ومقاطع فيديو منشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 20 مايو/أيار تُظهر عدة مناطق متأثرة على طول شارع الوحدة والشوارع المجاورة. تقع الأبنية الثلاثة المدمَرة على امتداد طريق بطول 150 مترا في شارع الوحدة بين طريقين متعامدين يتقاطعان معه: شارع عبد القادر الحسيني وشارع سعيد العاص. قال شاهدان على الحادثة لـ هيومن رايتس ووتش إنهما شاهدا حفرا في الشارع أمام مبنى أبو العوف.

قال من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن جميع القتلى الـ 44 كانوا داخل المباني الثلاثة وقت وقوع الهجمات.

امتلكت عائلة القولق مبنيَين من المباني الثلاثة المدمرة. قال عزام القولق أحد الناجين من مبنَيَي القولق إن مبناه لم يُقصف مباشرة، لكنه مع ذلك انهار. قال عمر أبو العوف (17 عاما) إن عائلته امتلكت بناية من ثلاثة أقسام وإن الناس ماتوا في قسمين منها. طبقا لوصف ناج من هجوم آخر تحدثت إليه هيومن رايتس ووتش وخبراء استشارتهم "نيويورك تايمز" فإن جزء على الأقل لم يُقصف مباشرة، بل انهار إثر قصف الشارع أو الرصيف المجاور.

في 9 يونيو/حزيران، أخبر مسؤول عسكري إسرائيلي صحيفة "ذا إندبندنت" أن الغارات على شارع الوحدة تضمنت استهداف بُنى تحتية تحت الأرض عبر إصابة الطريق في زاوية "بنوع قياسي من الذخيرة" انفجرت "بضعة أمتار" تحت الأرض لضمان "الحد الأدنى من الأضرار الجانبية لأي شيء فوق السطح". كما قال إن سلاح الجو الإسرائيلي يعتقد - لكنه لم يعثر على أدلة بعد – باحتمال وجود متفجرات أو ذخائر مخزنة تحت الأرض، وأن ذلك تسبب في انهيار المباني. كما قال الجيش الإسرائيلي لـ نيويورك تايمز إنه برمج الفتيل بحيث يسمح بانفجار القنابل في أعماق الأرض لزيادة التأثير على الأنفاق وتقليل الضرر أعلاه.

في 2 يونيو/حزيران، أخبر الجيش الإسرائيلي نيويورك تايمز أنه استهدف خلال الهجوم على شارع الوحدة مركز قيادة تحت الأرض، دون أن يحدد ما يعنيه بذلك. كما اعترف بعدم معرفة حجمه أو موقعه بالضبط وقت الهجوم. لو استهدف الجيش "مركز قيادة تحت الأرض" فعلا، فإن مدى الضربات على شارع الوحدة والشوارع الأربعة الأخرى، التي تشمل حوالي ألف متر من الطريق، يوحي باعتقاده أن المركز موجود في مكان ما على طول تلك الأجزاء من الشوارع.

وفقا لمقاطع فيديو عسكرية إسرائيلية للهجوم وصور لمخلفات ذخيرة قالت الشرطة الفلسطينية في غزة إنها جمعتها من شارع الوحدة في 16 مايو/أيار وعرضتها على نيويورك تايمز، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن غارات شارع الوحدة شملت استخدام ألف كيلوغرام من قنابل "جي بي يو-31" (GBU-31) أُسقِطت جوا وبها مجموعة توجيه قنابل الهجوم المباشر المشترك التي تنتجها شركة بوينغ وتصدّرها الولايات المتحدة إلى إسرائيل.

لم يقل أي من الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنه تلقى أو سمع أي تحذير أصدرته السلطات الإسرائيلية لإخلاء مبانيهم قبل الضربات الإسرائيلية.

لم يقدم الجيش الإسرائيلي أي معلومات تثبت وجود أنفاق أو مركز قيادة تحت الأرض في هذه المنطقة ولم يظهر أن المكاسب العسكرية المتوقعة من الهجمات تجاوزت الضرر المتوقع للمدنيين والممتلكات المدنية. كما لم يذكر الجيش سبب عدم سماح الظروف بتقديم تحذير مسبق فعال لسكان شارع الوحدة لإخلاء منازلهم قبل الهجوم.

استخدام الذخائر المتفجرة ذات التأثير الواسع مثل قنابل جي بي يو-31 في هذه المنطقة المكتظة بالسكان تسبب في أضرار متوقعة للمدنيين والأعيان المدنية.

لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري في موقع الغارات الجوية أو بالقرب منه، بما في ذلك أنفاق أو مركز قيادة تحت الأرض أسفل شارع الوحدة أو المباني المجاورة له. الهجوم غير الموجه إلى هدف عسكري محدد يعتبر غير قانوني. يجب أن يؤدي التحقيق في الهجوم إلى التأكد من استهداف القوات الإسرائيلية لهدف عسكري، وإن كان هناك هدف عسكري مشروع، فهل فاقت المكاسب العسكرية المتوقعة الخسائر المتوقعة في أرواح المدنيين. كما ينبغي التأكد من اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين، بما في ذلك احتمال أن تتسبب الهجمات على الطريق في انهيار مبان متجاورة متعددة الطوابق يسكنها المئات. أي هجوم غير قانوني يُنفّذ بنية إجرامية - عمدا أو بتهور – يشكل جريمة حرب.

 

 

 

 

Correction

27/7/2021:

تم تصحيح اسم عائلة عدد من الضحايا ليصبح "أبو حطب". 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد