مُلخّص
كانت ر. م. (31 عاما) حاملا في شهرها الثاني عندما بدأت إسرائيل حملتها العسكريّة في قطاع غزة، بعد الهجوم الذي قادته "حماس" على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، وكانت أسرتها تكافح للحصول على بعض الطعام. قالت لـ "هيومن رايتس ووتش": "كنت أتضوّر جوعا، وكنا جميعا نعيش مجاعة في شمال غزة. لم يكن لدينا غاز للطهي، وكنا نتناول وجبة واحدة في اليوم لنوفّر الحطب... كان الدقيق باهظا جدّا جدّا. لا طعام. لا دجاج. لا لحم. فقدت الكثير من الوزن".
كانت لديها أيضا مشاكل صحيّة: "كان لدي أصلا انخفاض في ضغط الدم، ويُغمى عليّ كثيرا. كنت أدوخ. كنت بلا طاقة، ولا أستطيع الوقوف بمفردي". ذهبت الأسرة إلى رفح، وراجعت طبيبا في عيادة خاصّة لإجراء فحوصات، لكّنه لم يتمكن من إجراء أي فحص باستثناء الموجات فوق الصوتية (أو ما يعرف بـ "الصورة الصوتية")، أو إعطائها أي فيتامينات أو كالسيوم. كما كانت ر. م. تعاني من التهابات متعدّدة في المسالك البولية، لكنّها لم تذهب إلى العيادة لأنها كانت قد سمعت أنه لا توجد أي أدوية.
تسبّب القتال في تعقيد عمليّة الولادة الصّعبة التي عاشتها ر. م. في 5 مايو/أيّار. قالت: "جاءني المخاض الساعة 2 صباحا. شعرت بألم شديد، وكنا نبحث عن طريقة للوصول إلى المستشفى". كما قالت إنّها لم تتلقَّ أي دواء أو حقنة تخدير نصفي في المستشفى. وبعد الولادة، اضطرّت إلى تغيير الفُوط التي كانت ترتديها بنفسها. قالت: "ذهبت إلى الحمام بمفردي، كان الأمر مروّعا وصعبا للغاية. لم يعتن بي أيّ أحد، ولم تأت أيّ ممرضة لفحصي أو مراقبتي أو السّؤال عن حالي".
غادرت ر. م. المستشفى الساعة 6 صباحا، بعد أربع ساعات فقط من ولادة طفلتها. قالت: "كنت منهكة وغير قادرة على المشي. كنت أحمل مولودتي الجديدة، ومعي زوجي وأطفالي الثلاثة الآخرين، بحثنا عن شخص يوصلنا [إلى منزل والديّ]. استغرق الأمر ساعات حتى توقفت سيارة. أخبر زوجي السائق أنّنا سنعطيه أي شيء [إذا أوصلنا]".
بعد أيّام قليلة، اضطرّت عائلة ر. م. إلى إخلاء رفح والتوجّه إلى خان يونس، حيث عاشوا في خيمة في ظلّ ظروف قاسية. وسُرعان ما أصيبت مولودتها الجديدة بإسهال، يُمكن أن يعرّض حياتها للخطر.
ما تعرّضت له ر. م. من صعوبات في الحمل والإنجاب يعكس التحديّات الهائلة بوجه الكثير من النساء والفتيات الفلسطينيّات في قطاع غزة منذ بداية الأعمال العدائيّة. في كل أنحاء غزة، لم تتوفر للنساء أماكن آمنة للولادة، حتى وإن كُنّ في وضعيّات ولادة عالية المخاطر.
منذ بدء الأعمال العدائية في غزّة، فرضت إسرائيل حصارا غير قانوني على قطاع غزة، ووضعت العديد من القيود على المساعدات الإنسانية، وهاجمت المرافق الطبية والعاملين فيها. في منتصف يناير/كانون الثاني، وافقت السلطات الإسرائيلية وحماس على وقف إطلاق النار متعدد المراحل يشمل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإعادة رهائن إسرائيليين محتجزين في غزة، والإفراج عن سجناء فلسطينيين.
حتى يناير/كانون الثاني 2025، كانت الرعاية الطارئة للتوليد وحديثي الولادة متوفرة فقط في سبعة من أصل 18 مستشفىً عاملا بشكل جزئي في مختلف أنحاء غزة، وأربعة من أصل 11 مستشفى ميدانيا، ومركز صحي مجتمعي واحد، مقارنةً بـ 20 مؤسسة تشمل مستشفيات ومرافق صحّية صغيرة أخرى كانت تعمل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023. أطلعت "منظمة الصحة العالمية" مع هيومن رايتس ووتش على تقييم للاحتياجات حدد 19 نوعا من المعدات الطبية و24 نوعا من الأدوية لرعاية ما قبل الولادة، والولادة، وما بعد الولادة والتي كانت غير متوفرة بشكل كاف وكانت هناك حاجة ماسة إليها حتى ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما انخفضت كثيرا جودة الرعاية الصحيّة التي تقدّمها المرافق الطبية ومقدّمو الخدمات القليلون الذين ظلوا يعملون. فالنساء مثل ر. م. يُجبرْن على الإسراع في مغادرة المستشفيات، التي تكون أحيانا مكتظة، بعد ساعات قليلة من الإنجاب لترك أماكنهنّ لمرضى آخرين، الذين يكون كثيرون منهم مصابي حرب. تواجه جميع المرافق الطبية العاملة في غزة ظروفا غير صحية، وازدحاما، ونقصا خطيرا في المواد الصحيّة الأساسيّة، بما يشمل الأدوية واللقاحات. يحاول العاملون الطبيّون، الذين يعانون من الجوع والإرهاق، ويعملون تحت وطأة الهجمات العسكريّة، فرز الكثير من ضحايا الهجمات والعناية بهم، وفي الوقت نفسه يعالجون حالات متزايدة من الأمراض المنقولة عبر الماء، وغيرها من الأمراض المعدية.
تسبّب الهجوم العسكريّ للسلطات الإسرائيليّة في تهجير قسري لأكثر من 90% من سكّان غزة – 1.9 مليون فلسطيني – وكان التهجير متكرّرا في كثير من الأحيان، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة. ونتيجة لذلك، عادة ما يستحيل إعلام النساء بالأماكن التي يمكنهنّ التوجه إليها للحصول على خدمات صحيّة بشكل آمن، وكثيرا ما يصعب عليهنّ الوصول إلى الخدمات القليلة المتاحة. التهجير المستمرّ للسكان في ظل تغيير ما يسمى بـ"المناطق الآمنة"، وبسبب أوامر الإخلاء العسكرية المتكرّرة، جعل من شبه المستحيل على الشبكات المجتمعية أن تقوم بدورها وعلى العاملين والمتطوعين في الرعاية الصحية متابعة حالات الحمل واحتياجات الأسر بشكل فردي. ونتيجة لذلك، نادرا ما تمكنّت النساء والمواليد الجدد من الحصول على خدمات المتابعة ورعاية ما بعد الولادة.
ليس هناك معلومات كثيرة متاحة عن معدّل بقاء المواليد الجدد على قيد الحياة، أو عدد النساء اللواتي لديهن أمراض خطيرة أو يمتن أثناء الحمل، أو أثناء الولادة وبعدها. لكن في يوليو/تموز، أفاد خبراء في صحة الأمومة أنّ معدّل الإجهاض التلقائي في غزة ارتفع بنسبة وصلت إلى 300% منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
من مارس/آذار إلى أبريل/نيسان 2024، أجرت "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" مسحا لـ 305 نساء في محافظات غزّة أو مناطقها الخمس، شمل 37 امرأة حاملا.[1] من هؤلاء النساء الحوامل، تعرّضت 68% منهنّ لمضاعفات طبية. ومن بين هؤلاء أيضا، قالت 92% إنّه كانت لديهن التهابات في المسالك البولية، و76% فقر الدم، و44 % اضطرابات ارتفاع ضغط الدم، و28% مخاض مبكر. ومن المخاوف الأخرى التي عبّرن عنها النزيف (20%)، والنزيف الحاد (16%)، ووضع ﻁفل ميت (12%). قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت معدلات هذه المضاعفات الطبية أقل بكثير.[2]
تسبّب الحصار الإسرائيلي لغزة في انتهاك للقانون الإنساني الدولي واستخدام التجويع أسلوبَ حرب في انعدام حاد للأمن الغذائي لمعظم الذين يعيشون في غزة. حتى 17 أكتوبر/تشرين 2024، كان حوالي 133 ألف شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي بمستويات كارثية أو بمستويات المجاعة، و664 ألف شخص يواجهون مستويات طارئة من نقص الغذاء، وفقا "للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي".[3] كما أفاد التصنيف المرحلي بوجود ما يقدّر بنحو 60 ألف حالة سوء تغذية حادّة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهرا، و16,500 حالة من النساء الحوامل والمرضعات اللواتي يحتجن إلى علاج لسوء التغذية الحاد. أفاد "صندوق الأمم المتحدة للسكان" أنه في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت هناك أكثر من 48 ألف امرأة حامل تعيش انعدام الأمن الغذائي الطارئ والكارثي. في مثل هذه الظروف، لا تستطيع النساء الحوامل في غزة الاستمرار في الحصول على تغذية جيّدة ونظام غذائي صحّي ضروري لصحتهن أثناء الحمل وبعد الولادة، ولنموّ الجنين.
من المشاكل الكبرى أمام النساء الحوامل في غزة عدم توفر المياه الآمنة بشكل كاف. إذ قالت كثيرات منهنّ إنهنّ تعرّضن للجفاف، وأكّدت بعضهن أنّهنّ يستطعن فقط الحصول على ماء شديد الملوحة. كما تحدثت أخريات عن عدم تمكنّهن من الاغتسال طوال فترة الحمل. هذا الافتقار إلى ما يكفي من التغذية، والمياه، والصرف الصحي له عواقب صحيّة خطيرة، وخاصة على النساء والفتيات الحوامل وأطفالهن. قد يتسبب هذا الحرمان في الكثير من الأمراض أو مفاقمتها بشكل كبير، مثل فقر الدم، والارتعاج، والنزيف، وتعفّن الدم، وجميعها قد تؤدي إلى الوفاة في غياب العلاج الطبي المناسب، وهو ما يصعب جدا نيله في بعض أجزاء غزة.
كما تحدّثت النساء الحوامل في غزة عن الضغط الهائل الذي تعرّضت له صحّتهنّ النفسيّة، مثل الكثير غيرهنّ من النساء في غزة، منذ بداية الأعمال العدائيّة.
أمام النساء الحوامل في غزة خيارات محدودة للغاية للحصول على ظروف أفضل خارج غزة. بحسب منظمة الصحة العالمية، من أصل 12 ألف شخص يحتاجون إلى إجلاء طبي، تمت الموافقة والتنفيذ في حالة 5,383
طلب. منذ إغلاق إسرائيل معبر رفح بين غزة ومصر بين مايو/أيار 2024 ويناير/كانون الثاني 2025، لم يشمل الإجلاء الطبي من غزة إلا 436 مريضا.
النزاع المسلّح بين إسرائيل وحماس والفصائل الفلسطينية المسلّحة في غزة يحكمه القانون الإنساني الدولي. باعتبارها سلطة الاحتلال في غزة، فإن إسرائيل مُلزمة بموجب "اتفاقية جنيف الرابعة" بضمان حصول السكّان المدنيّين على الغذاء والماء والإمدادات الطبية بأقصى ما تسمح به الوسائل المتاحة لها. على إسرائيل توفير مستوى معقول من الظروف المادية التي يعيش في ظلها سكان الأراضي المحتلة. إضافة إلى ذلك، تنصّ اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة توفير حماية واحترام خاصّين للأمهات الحوامل. كما أنّ إسرائيل مُلزمة بالسماح بالمرور الحر لجميع شحنات المواد الطبيّة والمواد الغذائية الأساسية والملابس والإمدادات الطبية المخصّصة للأطفال دون سن 15 عاما، والأمهات الحوامل، وحالات الأمومة.
وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ القوّات الإسرائيلية في غزة فرضت حظرا شبه كامل على المياه والغذاء والكهرباء، واستخدمت التجويع أسلوبَ حرب، وهي جرائم حرب، وارتكبت جرائم ضد الإنسانية من خلال عمليات التهجير القسري المتكرّرة للسكّان. كما عرقلت بشكل غير قانوني تسليم المساعدات الإنسانية، وهاجمت المرافق الطبيّة والعاملين في الرعاية الصحية. كان لهذه السياسات تأثير مباشر على النساء والفتيات أثناء الحمل والولادة وبعدها.
منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، تعمّدت السلطات الإسرائيلية عرقلة حصول الفلسطينيين على المياه. بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويوليو/تموز 2024، كان أكثر من مليونَيْ فلسطيني في غزة يحصلون على معدّل يتراوح بين 2 و9 لترات من المياه يوميا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للمعايير الإنسانية الطارئة التي تُقدّر بـ 15 لترا للفرد يوميا، بحسبما توصي منظمة الصحة العالمية. كما تعمّدت السلطات الإسرائيلية حرمان المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة ممّا يكفي من المياه منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، وهي مسؤولة عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، وأفعال الإبادة الجماعية، وقد تكون مسؤولة عن جريمة الإبادة الجماعية، والتي تتطلب أن تُرتكب أفعال الإبادة الجماعية مع قصد الإبادة الجماعية.
عرقل الجيش الإسرائيلي دخول المساعدات الإنسانيّة إلى غزة، أولا من خلال حظرها بشكل صريح ثم من خلال فرض قيود مرهقة عليها. وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)، منذ مايو/أيار، انخفضت المساعدات الإنسانيّة الداخلة إلى غزة بشكل كبير. ساء الوضع جدا في أكتوبر/تشرين الأوّل 2024، حيث تم رفض وصول حوالي 43% من جميع التنقلات الإنسانية التي تم تنسيقها مع السلطات الإسرائيلية للوصول إلى المحتاجين في جميع أنحاء قطاع غزة، ما يمثل أعلى معدل لرفض الدخول تمّ تسجيله منذ بدء الأعمال العدائية في أكتوبر/تشرين الأوّل 2023.
إسرائيل طرف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، الذي يظل ساري المفعول أثناء النزاع المسلّح في المناطق التي تمارس فيها إسرائيل سيطرة فعليّة. انتهكت السلطات الإسرائيلية الحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، وغيره من الحقوق، للنساء والفتيات الحوامل، بما يشمل الحق في الرعاية الصحيّة الكريمة والمحترمة طوال فترة الحمل، والولادة، والرعاية بعد الولادة، ورعاية الأطفال حديثي الولادة، فضلا عن الحق في الغذاء، والمياه، والسكن اللائق.
على إسرائيل أن تضمن أنّ سلوكها مُلتزم بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فضلا عن الأوامر الملزمة قانونا الصادرة عن "محكمة العدل الدولية" في قضية التي رفعتها جنوب أفريقيا وادّعت فيها أنّ إسرائيل تنتهك "اتفاقية الإبادة الجماعية" لعام 1948. أصدرت هذه المحكمة تدابير مؤقتة تتضمن إلزام إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وتمكينهم من الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ومنع التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية ومعاقبته.
على إسرائيل وقف جميع الهجمات غير القانونية فورا، بما فيها الهجمات التي تستهدف المرافق ووسائل النقل الطبية والموظفين الطبيين؛ والبنية الأساسيّة المدنيّة الضروريّة لإعمال الحق في الغذاء والمياه والسكن؛ وعمّال الإغاثة. عليها أيضا الكفّ عن عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، ووقف الاحتجاز التعسفي للعاملين في الرعاية الصحية في غزة. وعند إصدار أوامر الإخلاء، على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار احتياجات النساء الحوامل، فضلا عن المدنيين ذوي الإعاقة والمرضى أو المصابين، وأن تتأكّد من قدرة مناطق الإخلاء على توفير احتياجاتهم.
إسرائيل ملزمة أيضا باستخدام كافة الموارد المتاحة لها لضمان تمكين جميع سكّان غزة، بمن فيهم النساء والفتيات الحوامل وأطفالهن، من التمتع بحقهم الإنساني في الصحّة. وهذا يشمل ضمان استعادة نظام الرعاية الصحية في غزة بالكامل حتى يتمكن جميع المرضى، بمن فيهم النساء الحوامل والأطفال، من الحصول على رعاية طبية جيّدة.
وفقا لقانون حقوق الإنسان، فإنّ جميع المدنيين يتمتّعون بالحق في مغادرة بلادهم، لأسباب تشمل الدواعي الطبية، فضلا عن حقهم في العودة. على إسرائيل رفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح بتنقل المدنيين من قطاع غزة وإليه بحريّة، مع القيام بعمليّات فردية للفحص والتفتيش الجسدي لأغراض أمنية عند الضرورة فقط، مع مراعاة متطلبات الشفافيّة.
المنهجية
مُنعت هيومن رايتس ووتش من دخول قطاع غزة على الرغم من الطلبات المتكررة التي قدمتها إلى السلطات الإسرائيلية والمصرية. من أجل إعداد هذا التقرير، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 17 شخصا بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2024، بينهم ثماني نساء فلسطينيات كنّ حوامل أثناء إقامتهن في غزة خلال الأعمال العدائية. أجريت المقابلات إما عن بعد أو شخصيا في الدوحة، قطر. وفقدت امرأتان من هؤلاء النساء جنينيهما بسبب هجمات بأسلحة متفجرة أدت إلى إصابتهما. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ستة عاملين طبيين من غزة لديهم معرفة مباشرة بالوضع الذي تواجهه النساء الحوامل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات بشأن تقديم الرعاية إلى الحوامل مع موظفين طبيين دوليين يعملون في ثلاث منظمات ووكالات إنسانية دولية تعمل في غزة.
أطلع الباحثون جميع من أجريت معهم المقابلات على الغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعية، والطرق التي ستستخدم بها هيومن رايتس ووتش المعلومات. وقد حصلنا على موافقة جميع من أجريت معهم المقابلات، والذين فهموا أنهم لن يحصلوا على أي تعويض مقابل مشاركتهم.
يستند هذا التقرير إلى أبحاث إضافية أجرتها هيومن رايتس ووتش حول الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما يشمل استخدام الأسلحة المتفجرة في الهجمات، والحصول على العناصر الأساسية للبقاء على قيد الحياة بما في ذلك الغذاء والماء، والتهجير القسري، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، والهجمات غير القانونية على مواقع معروفة لعمال الإغاثة، والاحتجاز التعسفي بحق للعاملين الطبيين الفلسطينيين وتعذيبهم.[4]
وفي حين تواجه النساء والفتيات في غزة العديد من المصاعب، بما فيها تلك المتعلقة بصحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، مثل وسائل منع الحمل والرعاية الآمنة للإجهاض، فإن هذا التقرير يقتصر على صحة الأمهات والمواليد الجدد.
I. أثر العمليات العسكرية الإسرائيلية على النساء الحوامل وصحة الأمهات
أدى حصار إسرائيل على قطاع غزة وشن الجيش الإسرائيلي أعمال قتالية إلى وقوع وفيات وإصابات في صفوف النساء والفتيات الحوامل وحرمانهن من الرعاية الصحية بشكل مستمر. وفرضت القوات الإسرائيلية التهجير القسري الذي أضر بالنساء الحوامل بشكل خاص. كما هاجمت القوات الإسرائيلية البنية التحتية للاتصالات ودمرتها، ما قيد استفادة النساء من مرافق الرعاية الصحية العاملة والأدوية وغيرها من السلع الضرورية لصحتهن أثناء الحمل وبعده. كما منع الحصار الإسرائيلي إلى حد كبير النساء الحوامل المحتاجات إلى الرعاية الطبية في الخارج من مغادرة غزة بأمان.
الوفيات والإصابات
حتى 9 يناير/كانون الثاني، أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 46 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 100 ألف آخرين، وفقا لوزارة الصحة في غزة. ويشمل ذلك ما لا يقل عن 14,555 طفلا، بينهم 793 طفلا دون سن الواحدة.[5]
وبسبب غياب البيانات الكافية وتدمير قدرات الرصد الصحي في غزة، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تقييم العدد الإجمالي للحوادث التي أصيبت أو توفيت فيها النساء والفتيات الحوامل، أو عدد الحالات التي تسببت فيها هذه الهجمات في وفاة جنين امرأة حامل. إلا أن هيومن رايتس ووتش أفادت عن هجمات إسرائيلية في سياق الأعمال العدائية قُتلت أو أصيبت فيها نساء حوامل.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلا في مدينة غزة وفتحت النار على غرفة كانت تحتمي فيها عائلة في أحد المنازل، فقتلت سبعة أشخاص بينهم امرأة حامل.[6] وصف حسن أبو عبيد، وهو من سكان غزة، الهجوم الذي وقع في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل 30 من أفراد أسرته، بمن فيهم زوجته واثنين من أطفالهما. كانت زوجته حاملا في شهرها السادس، وكان الزوجان ينتظران صبيا كانا ينويان تسميته آدم.[7]
في هذا التقرير، تحدث الباحثون أيضا مع امرأتين فقدتا حملهما بسبب الإصابات التي لحقت بهما أثناء الهجمات بالأسلحة المتفجرة.
التهجير القسري
هجّرت العمليات العسكرية الإسرائيلية قسرا أكثر من 90% من سكان غزة – 1.9 مليون فلسطيني – وغالبا ما تكرر التهجير.[8] وقد تعرض معظمهم للتهجير مرة واحدة على الأقل، مع نزوح العديد منهم لما يصل إلى 10 مرات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.[9]
وأدى النزوح المستمر للسكان إلى انقطاع النساء الحوامل عن الرعاية الصحية الكافية. إذ من الصعب للغاية حصولهن على المعلومات الصحية المناسبة، واتباع توصيات مقدمي الرعاية الصحية، والحصول على الخدمات الضرورية قبل الولادة مثل الفحوصات ومواعيد الفحص الطبي. حتى 8 يناير/كانون الثاني 2025، أفادت اليونيسف بوفاة ثمانية أطفال رضّع وحديثي الولادة جرّاء انخفاض حرارة الجسم منذ 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، بسبب استمرار الافتقار إلى المأوى الأساسي إلى جانب درجات حرارة الشتاء.[10]
قال مسؤول إغاثي كبير إنه بسبب عمليات النزوح المستمرة، وجد العاملون في الرعاية الصحية والعاملون والمتطوعون في المجال الإنساني أنه من المستحيل متابعة النساء وأطفالهنّ بشأن نتائجهن الصحية ومعرفة ما إذا كانت المرأة أو طفلها قد توفيت أثناء الولادة أو بعدها مباشرة.[11]
غياب آليات التواصل
كما أعاق تدهور البنية التحتية للاتصالات في غزة بشكل كبير الجهود الإنسانية لتنسيق المساعدات ونشر المعلومات المحدثة. وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش انقطاع الاتصالات الهاتفية والإنترنت في غزة نتيجة الغارات الجوية العديدة التي شنها الجيش الإسرائيلي.[12] وشملت إجراءات السلطات الإسرائيلية إلحاق الضرر بالبنية التحتية الأساسية للاتصالات، وقطع الكهرباء، ومنع دخول الوقود، وما يبدو أنه تعطيل متعمد من خلال إجراءات تقنية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أفادت أوتشا أن قطع الاتصالات تسبب في وقف عمليات تقديم المساعدات الإنسانية بالكامل بعد أن كانت تواجه أصلا تحديات، ويحرم الناس من معلومات منقذة للحياة.[13] كما أدى انقطاع خدمات الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية إلى تعذر الاتصال بالخطوط الساخنة التي تدعم النساء اللواتي يلدن في المنزل، ما فاقم المخاطر التي تتعرض لها النساء، وفقا لـ"اللجنة الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وفي إسرائيل" (لجنة التحقيق).[14] قالت ممثلة عن "صندوق الأمم المتحدة للسكان" إنه بسبب عدم توفر طابعات لفرق الأمم المتحدة وفرق مقدمي الخدمات في غزة، لم تتمكن هذه الفرق من طباعة منشورات لتوزيعها على النساء لإخبارهن بأماكن توفر الخدمات – وهي معلومات كانت بالغة الأهمية لأن مقدمي الخدمات يضطرون إلى تغيير أماكن عملهم باستمرار. كما قللت هذه العوامل قدرة مقدمي الرعاية الصحية على التواصل مع شبكات القابلات والجهات الشريكة في إيصال المساعدات.[15]
الحصار الإسرائيلي والقيود التي يفرضها
تحتل الحكومة الإسرائيلية قطاع غزة منذ يونيو/حزيران 1967.[16] وعلى مدى السنوات الـ 17 الماضية، فرضت إغلاقا على قطاع غزة، ومنعت الفلسطينيين من مغادرة القطاع باستثناء حالات قائمة على أسس ضيقة.[17] كما فرضت السلطات الإسرائيلية قيودا كاسحة على دخول مختلف السلع، منها المواد الغذائية وغيرها من المستلزمات الأساسية الضرورية لإعمال الحقوق الاقتصادية.[18]
على الرغم من آثار الحصار على غزة، كان لدى القطاع نظام رعاية صحية للأمهات قوي نسبيا قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023.[19] فقد كان السكان يحصلون بانتظام على الرعاية الصحية للأمهات في المراكز والمستشفيات التي تديرها "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في الشرق الأدنى (الأونروا) أو وزارة الصحة في غزة، أو في المؤسسات الخاصة.
مباشرة بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي قادتها حماس في جنوب إسرائيل، قطعت السلطات الإسرائيلية الخدمات العامة الأساسية، بما فيها المياه والكهرباء، عن سكان غزة، ومنعت دخول جميع أنواع الوقود والمساعدات الإنسانية باستثناء القليل منها، وهي أفعال ترقى إلى جرائم الحرب.[20]
وقال العاملون الطبيون إنه نتيجة لهذه القيود، كان هناك نقص مزمن وحاد في الأدوية الأساسية، منها الإنسولين، والمضادات الحيوية، والمسكنات، وأدوية التخدير.[21] كما قيّد الحصار بشدة توافر موارد الرعاية الصحية الأخرى الضرورية للحق في الصحة، بما فيها اللقاحات والأجهزة والمعدات الطبية.
وقد استخدمت إسرائيل التجويع سلاحَ حرب في غزة، ما يشكّل جريمة حرب.[22] فقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات الإسرائيلية تعمدت منع وصول المياه والغذاء والوقود، بينما تعمدت إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وتعمدت على ما يبدو تجريف المناطق الزراعية، وحرمت السكان المدنيين من السلع والخدمات التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة.
منذ يناير/كانون الثاني 2024، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل ثلاث مرات بالسماح بتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية في غزة. لكن أبحاث هيومن رايتس ووتش توصلت إلى أن إسرائيل خالفت أوامر المحكمة الملزمة قانونيا من خلال الاستمرار في عرقلة دخول المساعدات والخدمات المنقذة للحياة إلى غزة.[23]
إجلاءات طبية محدودة
قبل الأعمال العدائية وأثناءها، منعت إسرائيل ومصر معظم الأشخاص في غزة من المغادرة، حتى أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية طبية منقذة للحياة غير متوفرة في غزة. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، من أصل أكثر من 12 ألف شخص يحتاجون إلى إجلاء طبي، تمت الموافقة على 5,383 طلب وتنفيذه.[24] هناك حوالي 25 ألف مريض وجريح بحاجة إلى علاج طبي لا يمكنهم الحصول عليه إلا في الخارج، منهم 12,500 مريض بالسرطان، وفقا لوزارة الصحة في غزة.[25] ومنذ إغلاق إسرائيل معبر رفح بين غزة ومصر بين مايو/أيار 2024 ويناير/كانون الثاني 2025، لم يتمكن سوى 436 مريضا من مغادرة غزة لأسباب ﻄبية، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.[26]
يطبق النظام الطبي في غزة معايير صارمة للفرز، حيث لا تطلب وزارة الصحة الإجلاء الطبي إلا لمن هم في أمس الحاجة إلى الرعاية العاجلة التي لا يمكن للمرافق الصحية في غزة توفيرها، وذلك بناء على قوائم يقدمها جميع مديري المستشفيات بشكل منتظم. وتشارك وزارة الصحة قائمتها الموحدة مع السلطات الصحية المصرية، التي بدورها تشارك القائمة مع "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق"، التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية. وتقرر وحدة التنسيق من هم الأشخاص المدرجة أسماؤهم في القائمة الذين سيحصلون على تصريح أمني، وبالتالي الإذن بالإجلاء إلى مصر.[27] وقال الدكتور خالد أبو سمرة، أخصائي الطب الباطني في غزة، إن المستشفيات لا تطلب إذن إجلاء النساء الحوامل إلا إذا كانت الحامل مصابة بتسمم الحمل أو لديها تاريخ مرضي مناعي أو سرطان حاد.[28] كانت شقيقة الدكتور أبو سمرة، وهي ناجية من سرطان البلعوم الأنفي، المرأة الوحيدة التي تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديدها والتي تم إجلاؤها لأسباب طبية من غزة أثناء الحمل بسبب تاريخها الطبي.
II. شبه انهيار نظام الرعاية الصحية للأمهات في غزة
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انهار تقريبا نظام الرعاية الصحية في غزة، بما في ذلك نظام الرعاية الصحية للأمومة، وتراجعت بشكل كبير قدرته على توفير الرعاية لنحو 50 ألف امرأة حامل.[29]
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد وقع 591 هجوما على مرافق الرعاية الصحية في غزة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و4 ديسمبر/كانون الأول 2024، ما أدى إلى إلحاق الضرر بـ 33 مستشفى ومقتل 854 شخصا وإصابة 1,262 آخرين. وكان من بين المتضررين موظفون طبيون، ومرضى، ونازحون فلسطينيون يحتمون في المستشفيات وحولها.[30] وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، شنّت إسرائيل هجوما أدى إلى تدمير أكبر عيادة إخصاب في غزة ومعها أكثر من 3 آلاف جنين.[31]
وأفادت وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 1,054 من العاملين في المجال الصحي والموظفين الطبيين قُتلوا خلال الأعمال العدائية، منهم على الأقل ستة أطباء أطفال وخمسة أطباء نسائية وتوليد، وأن القوات الإسرائيلية احتجزت أكثر من 330 عاملا في الرعاية الصحية.[32] وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش التعذيب والمعاملة المهينة للعاملين الصحيين الفلسطينيين المحتجزين، بما في ذلك وفاة طبيبين أثناء احتجازهما.[33] كما قُتل 369 عاملا في الإغاثة، بينهم بعض العاملين في منظمات طبية.[34]
حتى يناير/كانون الثاني 2025، كانت الرعاية الطارئة للتوليد وحديثي الولادة متوفرة فقط في سبعة من أصل 18 مستشفىً عاملا بشكل جزئي في مختلف أنحاء غزة، وأربعة من أصل 11 مستشفى ميدانيا، ومركز صحي مجتمعي واحد، مقارنةً بما مجموعه 20 مستشفى ومراكز صحّية أصغر أخرى كانت تعمل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023.[35]
كان "مجمع الصحابة الطبي" في مدينة غزة المستشفى الوحيد المخصص للولادة في شمال غزة الذي يعمل في أواخر سبتمبر/أيلول 2024، وكان يضم 20 سريرا للولادة و20 سريرا للجراحة، وفقا لمديره الطبي والإداري الدكتور نعيم أيوب.[36] وقال إن بين مستشفاه و"مستشفى كمال عدوان"، وهو المستشفى العام الوحيد في الشمال الذي يضم وحدة عناية مركزة لحديثي الولادة وقسما للولادة والأطفال، كان لديهما ما مجموعه 16 حاضنة متبقية قيد العمل. ووفقا لـ "اليونيسف"، كانت هناك 105 حاضنات في شمال غزة قبل الحرب.[37]
بشكل أعمّ فيما يخص ظروف مرافق الرعاية الصحية، ما تزال أعداد المصابين في الهجمات العسكرية ممن يحتاجون إلى رعاية طارئة أو حرجة مرتفعة، ما يعني أن مرافق الرعاية الصحية التي ما تزال تعمل لديها قدرة محدودة للغاية على علاج الحالات غير الطارئة.[38]
كما أجبرت الأعمال العدائية بعض العاملين في الرعاية الصحية على التوقف عن العمل لرعاية أسرهم، منهم قابلة وطبيب أطفال أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهما.
من مارس/آذار إلى أبريل/نيسان 2024، أجرت "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" استطلاعا شمل 305 نساء في محافظات غزة الخمس، أو مناطقها، بينهن 37 امرأة حاملا.[39] ومن بين النساء الحوامل اللواتي شملهن الاستطلاع، مرّت 68% منهن بمضاعفات طبية. ومن نسبة الـ 68% هذه، أفادت 92% منهن عن إصابتهن بالتهابات المسالك البولية، و76% منهن بفقر الدم، و44% منهن باضطرابات ارتفاع ضغط الدم، و28% منهن بالمخاض المبكر. وشملت المخاوف الأخرى النزيف (20%) والنزيف الحاد (16%) وولادة جنين ميت (12%). وقد كانت معدلات هذه المضاعفات الطبية أقل بكثير قبل الأعمال العدائية.[40]
تدهور جودة الرعاية
يعيق الحصار الخانق المفروض على إدخال البضائع إلى غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الحصول على الرعاية الصحية الكافية، ما أدى إلى نقص حاد في الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل المرافق والمعدات الطبية؛ وجميع الأدوية والمكمّلات الغذائية؛ وجميع المستلزمات الطبية، بما فيها المواد اللازمة لإجراء الفحوصات الضرورية وقطع الغيار للمعدات الطبية ومعدات توليد الطاقة.[41] وتتفاقم هذه المشاكل بسبب اكتظاظ المراكز الطبية (انظر أدناه). أطلعت منظمة الصحة العالمية هيومن رايتس ووتش على تقييم للاحتياجات حدد 19 نوعا من المعدات الطبية و24 نوعا من الأدوية اللازمة للرعاية قبل الولادة وأثناء الولادة وبعدها، والتي كان ثمة نقص في مخزونها، وكانت هناك حاجة ماسة إليها حتى ديسمبر/كانون الأول 2024.[42]
قالت الدكتورة نائلة المصري، من "مجمّع ناصر الطبي" في خان يونس، في أواخر سبتمبر/أيلول:
بصراحة، جميع إمكانيات تقديم خدمات الأمومة ضعيفة. فمعظم المعدات مثل أجهزة الموجات فوق الصوتية وأدوات تجهيز غرف الجراحة غير متوفرة. تلد النساء دون أي خصوصية. لا توجد بطانيات لتغطيتهن. ... لا توجد مواد صحية ومواد تعقيم، مثل الكلور وصابون اليدين، والتي لم تعد متوفرة منذ وقت طويل.
قال الدكتور عدنان راضي، طبيب الأمراض النسائية والتوليد في شمال غزة، في أواخر سبتمبر/أيلول إن مستشفاه لديه نقص في جميع الأدوية، بما فيها أدوية التخدير فوق الجراحي، ومعظم أدوية التخدير، والمادة الخافضة للتوتر السطحي للمساعدة في تنفس الأطفال الخدج الذين لديهم نقص في نمو الرئتين، وأدوية منع الحمل، وهي عنصر أساسي في الصحة الإنجابية. كما كان لدى المستشفى نقص في قطع غيار المعدات الطبية.[43]
وفي رسالة إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2024، قال عاملون أمريكيون في الرعاية الصحية تطوعوا في غزة إنهم شهدوا نساء خضعن لعمليات ولادة مهبلية وحتى قيصرية دون تخدير، ولم تُعطَ هؤلاء النساء سوى مسكنات الألم "تايلينول" بعد الولادة لعدم توفر مسكنات أخرى.[44]
وقالت هبة الناشف، وهي قابلة عمرها 37 عاما كانت ضمن وفد من الأمم المتحدة إلى غزة في يونيو/حزيران لمجلة "ماري كلير"، إن "مستشفى العودة" في شمال غزة "لم تكن لديه الخيوط الجراحية المناسبة للنساء في بعض الأحيان، أو ما يكفي من أجهزة الضغط الإيجابي المستمر في مجرى الهواء لدعم التنفس، أو مشابك الحبل السري الآمنة للأطفال. كانت بعض القابلات يستخدمن رباط الكمامات المنقوعة في الكحول لربط الحبل السري لإيقاف نزيفه".[45] هذه الممارسة آمنة فقط في الظروف المعقمة. وقالت الناشف إنه بمجرد ولادة الطفل، لم تكن هناك أغطية لامتصاص السائل الأميني أو تجفيف الطفل، لذا استخدم الطاقم الطبي الحفاضات بدلا من ذلك.
قالت الدكتورة نوال الصليح، وهي طبيبة أطفال عمرها 58 عاما، إنه بعد هجوم وقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أسفر عن مقتل أحد أبنائها وإصابة اثنين آخرين، رافقت ابنها إلى "مستشفى شهداء الأقصى" لتلقي العلاج.[46] وأثناء وجودها هناك، قدمت المساعدة الطبية إلى المستشفى، وقالت إنها رأت كيف أن المستشفى ليس فيه إلا القليل جدا من المعدات الطبية التي تعمل ولا توجد وسيلة لتعقيم الأدوات والجروح.
وقالت ممثلة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان إنها لاحظت ضعف أنظمة التعقيم، بما في ذلك تعقيم الأدوات الطبية بالكحول والنار.[47]
قالت آية أبو خاطر، وهي قابلة عمرها 29 عاما، إن فريقها الطبي في مخيم الأونروا في النصيرات نفد منه في وقت مبكر من الحرب مكملات الحديد وحمض الفوليك، التي يوصى بها أثناء الحمل. كما وصفت خاطر أيضا نقص الأدوية اللازمة لعلاج التهابات المسالك البولية، التي أصيب بها عدد من النساء الحوامل اللواتي تمت مقابلتهن، والتي يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة للحوامل إذا لم تُعالَج بشكل كافٍ.[48] وأدى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي إلى تأخير إجراء الفحوصات بالموجات فوق الصوتية، ولم تجرَ فحوصات الدم والبول لعدم وجود كهرباء لتشغيل أجهزة الفحص. وقالت أبو خاطر إن كل ما استطاع الفريق القيام به هو قياس وزن النساء ومعدل ضربات القلب وضغط الدم.
يمكن أن تؤدي الحالات الطبية الموجودة مسبقا أو الحالات التي يمكن أن تحدث أو تتفاقم بسبب الحمل، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم والسكري والصرع وفقر الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، إلى مضاعفات صحية خطيرة للنساء الحوامل والحوامل حديثا. ويمكن أن تكون بعض الحالات الصحية الحادة التي تحدث أثناء الحمل أو بعده قاتلة إذا لم تُعالَج بشكل مناسب، بما في ذلك الالتهابات والإنتان، والنزيف، وتسمم الحمل، والمخاض المبكر.[49] كما يزيد فقر الدم خطر الولادة المبكرة وفقر الدم عند الرضع، ما قد يؤدي إلى إعاقات في النمو.
قال الدكتور راضي إن مستشفى العودة الخاص الذي يعمل به لم يتمكن من تقديم أي خدمات لرعاية ما قبل الولادة، وهي خدمات ضرورية للوقاية من هذه الحالات وعلاجها من خلال تحديد حالات الحمل عالية الخطورة وإجراء التشخيص المبكر وتوفير الرعاية المناسبة.
الاكتظاظ
روت إسراء مازن دياب الغول (30 عاما)، التي كانت حاملا عندما اندلعت الحرب، كيف اضطرت شقيقة زوجها الحامل، هيام الماشي، إلى ركوب عربة بحصان للوصول إلى المستشفى عندما جاءها المخاض في فبراير/شباط.[50] وبعد ساعة من الولادة، طلب موظفو المستشفى منها المغادرة لاستيعاب المرضى الآخرين. عادت هي ومولودها الجديد إلى غرفة مع 25 شخصا آخر في منزل في النصيرات كانت عائلتها تحتمي فيه.[51]
يساهم الاكتظاظ في مرافق الرعاية الصحية التي ما تزال تعمل في غزة في تدهور كبير في جودة الرعاية الطبية لجميع المرضى، بمن فيهم النساء الحوامل والمواليد الجدد.[52] في فبراير/شباط، قالت سميرة حسني قشطة، وهي قابلة تعمل في "مستشفى الهلال الإماراتي" للولادة في رفح، وهي منطقة أفرغت من السكان منذ ذلك الحين إثر أوامر إخلاء عسكرية إسرائيلية، إنه لم تكن هناك سوى خمسة أسرّة للولادة: "كان الأمر مرهقا. تعاملنا مع 78 حالة في ليلة واحدة".[53] قالت "أطباء بلا حدود" في يوليو/تموز إن مجمع ناصر الطبي وفريقه الطبي كان يتعامل مع ما بين 25 و30 حالة ولادة يوميا، باعتباره آخر مستشفى يقدم رعاية الأمومة في خان يونس.[54]
يتم إخراج المرضى على عجل من المستشفى بعد فترة وجيزة من علاجهم لإفساح المجال لغيرهم. وقال الدكتور أيوب من مجمع الصحابة الطبي إنه بسبب الازدحام الشديد، كان المستشفى يسرّح النساء في غضون أربع ساعات من ولادتهن، باستثناء النساء اللواتي خضعن لعمليات قيصرية. كانت مواعيد عملياتهن في الصباح، وكان عليهن المغادرة في مساء اليوم نفسه.[55]
وقد قدمت سميرة حسني قشطة، وهي قابلة تعمل في مستشفى الهلال الإماراتي للولادة في رفح، شهادة إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان عن آثار الازدحام الشديد: "بينما تلد واحدة، نحضر حالة أخرى، ولا يوجد سرير. نقول 'قومي، اجلسي على الكرسي' وهي قد أنجبت للتو. لا توجد نظافة، ولا خصوصية [...] إنه وضع مزر".[56]
قالت هبة الناشف، وهي قابلة عمرها 37 عاما، لمجلة ماري كلير في يونيو/حزيران في مستشفى العودة: "درجة الحرارة 35، ورائحة المجاري قوية، ولا توجد مياه جارية نظيفة".[57] قالت إنه لا يتم إحضار النساء إلى غرفة الولادة إلا "عندما تدفع المرأة ونرى رأس المولود".
تسريح الأمهات ومواليدهن بهذه السرعة بعد الولادة يعني أنه لا يمكن مراقبة الأمهات ومواليدهن تحسبا لأي مشاكل صحية قد تهدد حياتهن. قالت ريتا بوتيليو دا كوستا، مديرة نشاط القابلات في أطباء بلا حدود: "الساعات الـ24 الأولى بعد الولادة هي الأكثر خطورة من حيث المضاعفات، ولأن الناس يعيشون في ظروف صعبة، فمن المهم إبقاء المريضة في المستشفى لأطول فترة ممكنة".[58]
وقال الدكتور راضي إن أما واحدة على الأقل توفيت بعد الولادة بفترة وجيزة بسبب الإنتان ونقص المضادات الحيوية في أواخر سبتمبر/أيلول.[59]
لا تستطيع جميع النساء الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب للولادة بسبب الأعمال العدائية.[60] قالت طبيبة الأطفال الدكتورة نوال الصليح إنه أثناء تقديم الدعم الطبي في مستشفى شهداء الأقصى في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حضرت بعض النساء إلى المستشفى بعد أن وضعن مواليدهن لأنهن واجهن تحديات كبيرة في القدوم إلى المستشفى، ما أدى إلى مخاطر في الولادة.[61]
شاركت منظمة "مشروع هوب"، وهي منظمة دولية غير حكومية تعمل في مجال الصحة والمساعدات الإنسانية العالمية، شهادة شيماء، وهي قابلة تعمل في مجمع الصحابة الطبي في شمال غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024:
واقع النساء الحوامل في شمال غزة قاتم. نرى النساء والأطفال حديثي الولادة يموتون لأسباب يمكن الوقاية منها. أرى كل يوم تقريبا امرأة لديها نزيف ما بعد الولادة، وهو السبب الرئيسي لوفاة النساء الحوامل. معظم هؤلاء النساء كنّ قد أنجبن في المنزل أو في خيمة وتم نقلهن إلى المستشفى بسبب النزيف. هذا الأسبوع، جاءت امرأة إلى المستشفى وطفلها عالق في قناة الولادة. ظل رأس الطفل خارجا لمدة نصف ساعة. توفي الطفل فيما بعد. كثيرا ما تعاني النساء الحوامل هنا من سوء التغذية ولا يحصلن على فيتامينات ما قبل الولادة أو التغذية السليمة. سنستمر في رؤية المزيد من الناس يموتون ما لم تكن هناك إمكانية أكبر للحصول على الرعاية الصحية.[62]
الحصول على الرعاية الطبية
قالت جميع النساء الحوامل والعاملين في الرعاية الصحية الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات إن حجم القتال يعني أن المدنيين في المناطق التي تتعرض للهجوم لا يستطيعون التنقل بأمان داخل قطاع غزة، لأسباب منها الوصول إلى مقدمي الرعاية الصحية. وقالت أطباء بلا حدود إن الطرق غير الآمنة التي اضطرت النساء للتنقل عبرها وسط القتال وبدون وسائل نقل آمنة غالبا ما كانت تؤخر حصولهن على الرعاية الصحية وتعرضهن لخطر الإصابة بمضاعفات.[63]
وبالإضافة إلى ذلك، فرضت السلطات الإسرائيلية قيودا صارمة على التنقل، ما منع العديد من المدنيين من التنقل بين مختلف مناطق غزة في المركبات وأجبروا بدلا من ذلك على التنقل سيرا على الأقدام، وغالبا لمسافات طويلة. وقد اضطروا إلى التعامل مع القيود على الأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها والانتظار لفترات طويلة عند نقاط التفتيش الإسرائيلية.[64] كانت رندة زقوت (24 عاما) حاملا في شهرها السابع عندما أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين بالإخلاء جنوبا، حيث اضطرت للسير على الأقدام ست ساعات للوصول إلى رفح.[65]
كانت ريدانا زخرا في "مستشفى الشفاء" في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني عندما حاصرته القوات الإسرائيلية وأمرت الناس في الداخل بمغادرته. كانت حاملا في شهرها السادس في ذلك الوقت. غادرت زخرا وشقيقها الذي كان مصابا بجرح في يده جراء غارة كبيرة على أحد المباني، وطفلاها البالغان من العمر ثلاث وخمس سنوات، حاملين أعلاما بيضاء. وقالت إن دبابة أطلقت النار عليهم بعد ذلك، ما أدى إلى إصابة ابنتها غزل البالغة من العمر خمس سنوات بجروح بالغة في ساقها اليسرى. هربت زخرا وشقيقها وأطفالها وقريبتها وطبيب كان خلفهم إلى مبنى قريب حيث مكثوا خمسة أيام خوفا من استهدافهم مرة أخرى. خلال تلك الأيام الخمسة، فاحت رائحة كريهة من جرح غزل وأصيبت بالغرغرينا. عالج الطبيب غزل دون أي دواء أو ضمادات، وبتر ساقها اليسرى دون مخدر وأغلق الجرح بسكين ساخن.[66]
لم يكن لدى العائلة أي طعام أو ماء تقريبا. كانت قريبة زخرا حاملا أيضا في ذلك الوقت. في نهاية المطاف، فروا جنوبا، وانتظروا أربع ساعات عند نقطة تفتيش إسرائيلية قبل أن يصلوا إلى مجمع ناصر الطبي، حيث قال الأطباء إن غزل لديها تسمم في الدم وإن ساقها بحاجة إلى بتر أعلى. في النهاية تم إجلاء غزل طبيا مع زخرا، لكن زوجها وشقيقها وابنها – الذين أصيبوا مؤخرا بالتهاب الكبد الوبائي أ – لم يُسمح بإجلائهم معهما.[67]
III. أثر سوء التغذية والمياه والصرف الصحي
تشمل الرعاية الصحية الكافية قبل الولادة للنساء الحوامل نظاما غذائيا يوفر العناصر الغذائية المناسبة لدعم الحمل والصحة، والمياه النظيفة للشرب والصرف الصحي، والخدمات الطبية، بما فيها الفحوصات والتحاليل قبل الولادة. وبسبب الأعمال العدائية في غزة، لم تتمكن النساء الحوامل من الحصول على هذه العناصر الأساسية للرعاية الصحية قبل الولادة.
ووجدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تقريرها المستند إلى مقابلات مع 305 امرأة من غزة من مارس/آذار إلى أبريل/نيسان 2024 أن 99% من المشاركات في الاستطلاع اللواتي كن حوامل حديثا أو كان لديهن نساء حوامل في أسرهن مررن بتحديات تتعلق بالتغذية، وقالت 78% منهن إنهن لم يتمكنّ من الحصول على فحوصات لتقييم حالتهن الغذائية والصحية.[68] وقالت جميع النساء الحوامل اللواتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش إن نقص الرعاية السابقة للولادة كانت له آثار ملموسة عليهن.
التغذية
الحفاظ على التغذية الجيدة والنظام الغذائي الصحي أثناء الحمل أمر بالغ الأهمية لصحة الشخص الحامل والجنين.[69] ولكن ذلك شبه مستحيل في غزة منذ بداية الأعمال العدائية.
بعد خمسة أشهر على بدء الأعمال العدائية، في فبراير/شباط، أفادت "مجموعة التغذية العالمية"، وهي آلية تقودها الأمم المتحدة لدعم حالات الطوارئ الإنسانية بما يشمل غزة، عن ارتفاع حاد في سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات في قطاع غزة، حيث أصبح الغذاء والمياه الصالحة للشرب شحيحا أكثر فأكثر وانتشرت الأمراض.[70]
وحتى 17 أكتوبر /تشرين الأول 2024، واجه قرابة 133 ألف شخص انعدام الأمن الغذائي بمستوى الكارثة أو المجاعة و664 ألف شخص واجهوا النقص الغذائي بمستويات الطوارئ، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.[71]
وقالت منظمة الصحة العالمية إنه كانت هناك حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث تلد 180 امرأة على الأقل يوميا.[72] وأشار التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى وجود ما يقدر بـ 16,500 حالة نساء حوامل ومرضعات سيحتجن إلى علاج بسبب سوء التغذية الحاد في أكتوبر/تشرين الأول 2024.[73] وأفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان أنه بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت هناك أكثر من 48 ألف امرأة حامل يعشن انعدام الأمن الغذائي الطارئ والكارثي.[74]
تؤثر الصحة الغذائية للشخص الحامل تأثيرا كبيرا على نمو الجنين وكذلك على نمو الطفل وعافيته على المدى الطويل.[75]
ويؤثر عدم الحصول على التغذية الكافية في غزة تأثيرا شديدا على الأطفال الصغار. فقد أفادت مجموعة التغذية العالمية في فبراير/شباط 2024 أن واحدا من بين كل ستة أطفال دون سن الثانية، أو 16%، ممن تم فحصهم في الملاجئ والمراكز الصحية في شمال غزة في يناير/كانون الثاني 2024، تبين أنهم يعانون من سوء التغذية الحاد.[76] ومن بين هؤلاء، عانى قرابة 3% من الهزال الحاد، وهو أكثر أشكال سوء التغذية تهديدا للحياة. وأبلغ التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن نحو 60 ألف حالة سوء تغذية حاد بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرا حتى أكتوبر/تشرين الأول 2024.[77] قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان 0.8% فقط من الأطفال دون سن الخامسة في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد. سوء التغذية قد يكون له تأثيرات جسدية وإدراكية خطيرة على الأطفال يمكن أن تؤدي إلى إعاقة.[78]
المياه والصرف الصحي
قالت إسراء مازن دياب الغول (30 عاما) إن الحصول على المياه النظيفة كان التحدي الأكبر الذي واجهته أثناء حملها بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأبريل/نيسان 2024.[79] وقالت إن زوجها كان يقضي ساعات كل يوم محاولا العثور على مياه نظيفة، لكنه كان يفشل أحيانا. وقالت إنه كان على الأسرة أن تشرب مياه البحر لمدة 48 ساعة في أوائل عام 2024: "كنت أتقيأ، وكنت قلقة من أن يقتل ذلك الطفل. كنت أدعو الله أن تنتهي الحرب قبل أن ألد. ثم بدأت أدعو الله أن يأخذ الطفل، حتى لا أضطر للولادة خلال هذه الحرب".
يمكن أن يكون لقلة المياه والصرف الصحي وسوء نوعيتهما آثار خطيرة بشكل خاص على الفئات الضعيفة، بما يشمل النساء الحوامل والأطفال الصغار، وذلك لأسباب منها انتشار الأمراض المنقولة بالمياه والفيروسات والعدوى من المرافق غير الصحية مثل المراحيض.[80] تحدثت جميع النساء الحوامل اللواتي تمت مقابلتهن عن التحديات التي تواجههن في الحصول على المياه للشرب والصرف الصحي.[81]
قالت الدكتورة نائلة المصري في خان يونس إن العديد من مريضاتها الحوامل أصبن بالتهاب الكبد الوبائي أ بسبب سوء الصرف الصحي.[82] وقالت إن أعراض المرض ظهرت عليهن، بما في ذلك القيء الشديد، والتي تشتبه أنه أدى إلى الإجهاض في بعض الحالات.
قالت سميرة حسني قشطة، القابلة في مستشفى الهلال الإماراتي للولادة في رفح، لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "معظم النساء يأتين مصابات بعدوى، الحمامات مشتركة والعدوى تنتقل بسهولة. لا يمكنهن حتى تغيير الملابس الداخلية، وكل ذلك يساهم في الإصابة بالعدوى".[83] وقالت امرأة حامل لإحدى وسائل الإعلام الكندية إنها أصيبت بالعدوى من المراحيض غير الصحية في المنطقة التي نزحت إليها.[84]
وكحال مئات آلاف المدنيين في غزة، فرّت شيماء سهيل أبو جزر من منزلها بحثا عن مأوى في مكان أكثر أمانا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.[85] وقد أمضت 120 يوما وهي حامل في مدرسة في مخيم تل السلطان للاجئين. خلال تلك الفترة، قالت إنها عاشت في غرفة صف مع ما لا يقل عن 50 شخصا آخرين، في مدرسة كانت تؤوي الآلاف، وكان هناك حمام واحد فقط لكل من في المدرسة. وخلال تلك الأيام الـ120، لم تستطع الاغتسال بتاتا. وقالت إنه كل أربعة أو خمسة أيام، كانت تأتي إلى المدرسة سيارة تحمل خزانا من المياه غير الصالحة للشرب، وكان الناس يشترون ما تبقى من المياه في الخزان. قالت شيماء إن هذه المياه كانت في كثير من الأحيان هي المياه الوحيدة التي يشربونها، ما أدى إلى إصابة الكثيرين، بمن فيهم هي، بالإسهال والقيء.
قالت ريدانا زخرا (25 عاما) إنها في معظم الأيام خلال الحرب في غزة أثناء حملها لم تكن تستطيع الحصول على الماء لتستحم أو حتى تغسل يديها.[86] قضت حوالي شهر في مستشفى الشفاء حيث كانت ترعى والدتها الجريحة التي كانت تتعالج هناك. وقالت إن المياه المحدودة في المستشفى كانت تقتصر على الحاجات الطبية وعلى الموظفين الطبيّين والمرضى. وقالت إنها غالبا ما كانت تقضي ساعتين أو أكثر يوميا مشيا على الأقدام في محاولة للعثور على الماء.
IV. مشاكل الرعاية الصحية
منذ بداية الأعمال العدائية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواجه الحوامل والنساء والفتيات اللواتي أنجبن حديثا في غزة مجموعة من مشاكل الرعاية الصحية التي تشكل تحديا في معالجتها حتى في غير ظروف الحرب. وتشمل هذه المشاكل الإجهاض والولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة، وسوء الرعاية والمتابعة بعد الولادة، وعدم كفاية تغذية الأطفال، والآثار النفسية الحادة.
الإجهاض التلقائي
حالات الإجهاض التلقائي شائعة في الظروف العادية، إلا أن خطر حدوثه يكون أعلى بكثير بين من يتعرضن لصدمة جسدية وضغط نفسي.[87] تسببت الهجمات العسكرية الإسرائيلية في إصابات جسدية خطيرة وإجهاد شديد للنساء الحوامل، حيث عاشت النساء والفتيات الحوامل في خوف دائم من الهجوم، بينما يعانين من التهجير والحرمان المادي وصدمة فقدان الأحبة.[88] في يوليو/تموز، أفاد خبراء في صحة الأمهات أن معدل الإجهاض التلقائي في غزة قد ارتفع بنسبة تصل إلى 300% منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.[89]
وقد تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى امرأتين أصيبتا بجروح أثناء الهجمات الإسرائيلية وتعرضتا بعد ذلك للإجهاض وولادة جنين ميت، وعزتا ذلك إلى إصابتهما. كانت شهد القطيطي (23 عاما) حاملا في شهرها السابع عندما بدأت الحرب. كانت في منزلها عندما أصابت قذيفة المبنى الذي تسكن فيه في مدينة غزة دون سابق إنذار في 11 أكتوبر/تشرين الأول.[90] قالت:
فجأة أصابني شيء قوي. أصبح كل شيء أسود وشعرت كأنني أطير. قُذِفت. ثم توقفت عن الحركة، ورأيت السماء والشارع والركام في كل مكان. كنت مستلقية في منتصف الشارع. صرخت [إلى زوجي علي]: "أين أنت؟" فسمعني وصاح: "شهد!"
ورأيت أنه لم يعد لدي ساق يسرى، ورأيت أن زوجي فقد ساقيه وذراعه اليسرى. نظر كل منا إلى الآخر. كان على قيد الحياة في تلك اللحظة. نظر إلى ذراعه وسألني: "أين يدي، أين يدي؟" لم أجب، لم أعتقد أنني أستطيع الكلام. نظرنا إلى بعضنا البعض، ثم جاءت سيارة الإسعاف، ونقلونا إلى مستشفى الشفاء، وكان ذلك وداعنا الأخير. لم أرَه بعد ذلك. كانت تلك أصعب أيام حياتي.
أجهضت شهد بعد الهجوم مباشرة. كما أصيبت بكسور وحروق متعددة في ساقها اليمنى، وأصيب ذراعها الأيسر بجرح عميق كشف عظمها. كان لا بد من إجراء عملية جراحية لذراعها عدة مرات، لكن المستشفى الذي كان يعالجها لم يتمكن من تزويدها بأي مسكنات بسبب نقص الأدوية الناجم عن الحصار.
كانت شيماء سهيل أبو جزر (33 عاما) حاملا في شهرها التاسع عندما أصيبت عمارتها السكنية في رفح بقنبلة دون سابق إنذار حوالي الساعة 2 صباحا يوم 12 فبراير/شباط 2024.[91] قتل الهجوم زوجها، وابنها البالغ من العمر 16 عاما، وابنتها البالغة من العمر 11 عاما. وقد أصيبت أبو جزر بجروح بالغة في الهجوم، حيث أصيبت بحروق وكسور كبيرة في ساقيها وقدميها وبطنها. أحضرها والدها إلى "مستشفى النجار" القريب، لكن لم يكن هناك غرفة لعلاجها. وبعد أن بقيت تنتظر في خيمة في الخارج ثلاث ساعات، أخذها والدها إلى "المستشفى الأوروبي"، حيث انتظرت ثلاث ساعات أخرى قبل أن تخضع للجراحة. قالت أبو جزر إنها شعرت بحركة الجنين لمدة يومين بعد الهجوم، لكنها في صباح اليوم الثالث لم تعد تشعر بأي حركة. وقالت: "كنت أتوسل إلى الأطباء لإجراء عملية قيصرية لإخراج الجنين. ولكن بسبب حالتي وفقدان الدم قالوا لي لا. ثم توقف الطفل عن الحركة. وجعلوني ألد ولادة طبيعية". وضعَتْ طفلا ميتا.
قال الدكتور أيوب من مجمع الصحابة الطبي إن مستشفاه لم يكن يجمع الإحصائيات، لكن فرقه كانت تشهد حالات إجهاض وولادة جنين ميت بمعدل أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الحرب.[92] وقال إنه في أواخر سبتمبر/أيلول، أُحضرت جثة امرأة حامل في شهرها التاسع، لكي يحاول الأطباء إنقاذ الجنين، ولكن بحلول الوقت الذي أجروا فيه العملية القيصرية، كان الجنين قد توفي لأن الأم كانت قد توفيت منذ أكثر من ساعتين آنذاك.
الولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور على إحصاءات عن عدد حالات الولادة المبكرة وولادات الأجنة الميتة أثناء الأعمال العدائية وقبلها، ولم تتعرض أي من النساء اللواتي تمت مقابلتهن للولادة المبكرة، لكن جميع مقدمي الرعاية الصحية الذين تمت مقابلتهم قالوا فيما يبدو أن الحالات قد ازدادت.[93] الولادات المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة من المؤشرات الشائعة لسوء التغذية الحاد، ويمكن أن تتفاقم بسبب الإجهاد والخوف والإرهاق، وكلها عوامل مرتبطة بالأعمال العدائية.[94]
من المعروف جيدا أن إجهاد الأمهات عامل خطر في الولادة المبكرة.[95] بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر الإجهاد سلبا على الجهاز المناعي، ما يزيد التعرض للعدوى التي يمكن أن تؤدي أيضا إلى الولادة المبكرة.[96] كما يمكن للتوتر والقلق والاكتئاب الذي تعاني منه المرأة أثناء الحمل أن يضر بالجنين ويزيد خطر التأثيرات المعرفية والسلوكية والعاطفية على الأطفال.[97]
كانت رندة زقوت (24 عاما) حاملا في شهرها السابع عندما أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين في شمال قطاع غزة بالإخلاء إلى الجنوب. وقالت إنها اضطرت للسير على الأقدام ست ساعات للوصول إلى رفح.[98] وقد أنجبت ابنتها وردة بعد وقت قصير من وصولها إلى الدوحة، قطر، حيث تم إجلاؤها هي وابنها بسبب الإصابات التي لحقت بهما بعد غارة على منزلهما.[99] كان وزن وردة عند الولادة أقل من المتوسط، وقالت زقوت إنها ووردة كان لديهما نقص في الحديد والكالسيوم.
قالت الدكتورة نائلة المصري، رئيسة قسم التمريض والرعاية الأولية في مجمع ناصر الطبي في خان يونس، في سبتمبر/أيلول إن العديد من الأطفال الذين يولدون في مستشفاها لديهم نقص الوزن: "يولد العديد من الأطفال نحيفين للغاية ووزنهم منخفض. ... [لدينا الكثير من هؤلاء الأطفال] الأصغر من عمرهم الحملي حاليا. كنا نرى في بعض الأحيان أطفالا يولدون بوزن يزيد عن أربعة كيلوغرامات [أكثر من متوسط الوزن عند الولادة]. أما الآن، وبعد بدء الحرب، لم نعد نرى هذه الحالات على الإطلاق".
وقال الدكتور أيوب من مجمع الصحابة الطبي إنه في حين أن المستشفى لا يملك القدرة على جمع الإحصاءات الحالية، إلا أنه قدّر أن من بين كل عشرة أطفال كانوا يولدون في أواخر سبتمبر/أيلول كان أربعة يولدون قبل الأوان، وهو معدل أعلى بكثير مما كان عليه قبل الأعمال العدائية.
ويحتاج بعض الأطفال المولودين مبكرا إلى قضاء بعض الوقت في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة وفي الحاضنات للبقاء على قيد الحياة والنمو.
وقال الدكتور أحمد الشاعر في مستشفى الهلال الإماراتي للولادة في رفح إن لديهم عددا قليلا جدا من الحاضنات وعددا كبيرا جدا من الأطفال الخدج لدرجة أنه "علينا وضع أربعة أو خمسة أطفال في حاضنة واحدة … معظمهم لا ينجو".[100] حذّر خبراء طبيون من أن خطر انتشار العدوى عندما يتشارك الأطفال الحاضنات يكون مرتفعا، خاصة عندما لا تستطيع المستشفيات تنظيف الحاضنات وتعقيمها بشكل كافٍ كما هو الحال في غزة.[101] قال الدكتور أيوب من مجمع الصحابة الطبي إنه ليس لديهم خيار سوى الاستمرار في وضع طفلين وأحيانا أكثر في نفس الحاضنة: "نعلم أننا نخاطر بقتلهما كلاهما، ولكن في الوقت نفسه، إذا لم نضعهما في الحاضنة معا، سيموت كلاهما".[102]
في سبتمبر/أيلول، قال الدكتور عدنان راضي إن مستشفى العودة كان قد أجرى 200 عملية ولادة خلال الشهر السابق، منها 50 عملية قيصرية. وقال إن المستشفى لم يتوفر فيه سرير واحد أو حاضنة واحدة لرعاية الأطفال حديثي الولادة على الرغم من ارتفاع عدد الولادات المبكرة، ولا أي سرير متاح في وحدة العناية المركزة للأمهات اللواتي يحتجن إلى رعاية حرجة. وقال الدكتور راضي إن ذلك كان يؤدي إلى وفيات:
يموت معظم الأطفال الذين نولّدهم بوزن منخفض للغاية عند الولادة بسبب الاختناق الوليدي أمامنا ولا يمكننا فعل أي شيء. نحاول تنبيب الأطفال. وقد ساعدنا ذلك في بعض الأحيان، لكن الصورة قاتمة للغاية. ... لم نجمع إحصائيات، ولكن في الشهر الماضي يمكنني أن أتذكر أكثر من ستة أطفال ولدوا منخفضي الوزن ماتوا أمامي.
كان الدكتور خالد أبو سمرة، أخصائي الطب الباطني، في مستشفى الشفاء عندما حاصرته القوات الإسرائيلية واحتلته ابتداء من 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أجلى موظفو الأونروا 31 طفلا خدجا. وقال إن خمسة أطفال كانوا قد توفوا في الأيام السابقة بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود والحليب.[103]
ويتعرض الأطفال الخدج لخطر الإصابة بمضاعفات صحية وإعاقات في النمو، خاصة عندما لا تتوافر لهم الرعاية الصحية الكافية وبرامج التدخل المبكر، والتي يكاد يكون من المستحيل حاليا توفيرها أو الحصول عليها في غزة.[104]
ضعف الرعاية والمتابعة بعد الولادة
عندما تخرج النساء والمواليد الجدد مباشرة بعد الولادة من المستشفيات المكتظة أو عندما يعلقون في المنزل بسبب انعدام الأمن والخوف أو يُجبرون على النزوح قسرا، لا يتمكنَّ من الحصول على الرعاية الصحية الكافية بعد الولادة، بما يشمل فحوصات المتابعة وإرشادات رعاية المواليد الجدد. في أبريل/نيسان، قالت أطباء بلا حدود إنه على الرغم من أنها كانت تقدم الرعاية الصحية ما بعد الولادة في ثلاثة مراكز للرعاية الصحية الأولية، إلا أنه كان من المستحيل تقريبا دعم الأمهات ومتابعة صحتهن وصحة أطفالهن في الأسابيع التالية للولادة بسبب الوضع السائد.[105]
كما تزيد الرعاية الصحية المتدنية قبل الولادة التي تتلقاها النساء الحوامل في غزة – أو غياب الرعاية بالكامل – خطر حدوث مضاعفات بعد الولادة. وقال محمد شحادة، المشرف على فريق التمريض في أطباء بلا حدود الذي يعمل في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة التابعة للمنظمة في مجمّع ناصر الطبي في يوليو/تموز: "تلد بعض النساء قبل الأوان، وغالبا ما تتفاقم مضاعفات ما بعد الولادة بسبب ظروفهن المعيشية".[106] في سبتمبر/أيلول، قالت أطباء بلا حدود إن 25% من النساء اللواتي خضعن لعمليات قيصرية في المرافق الطبية الثلاثة التي يعمل فيها طاقمها أصبن بالتهابات بعد الولادة.
وقالت عاملة طبية دولية إنه بسبب تسريح النساء من المستشفى بعد الولادة بوقت قصير جدا لإفساح المجال لمرضى آخرين، فإنهن لا يتلقين الدعم والمشورة المعتادة بعد الولادة من مقدمي الرعاية الصحية. ويشمل هذا الدعم تقديم المشورة للأمهات حول كيفية العناية بأنفسهن وأطفالهن الرضع؛ وكيفية المحافظة على النظافة الصحية وتعزيز الشفاء في الظروف الصعبة؛ وكيفية الارتباط بأطفالهن الرضع، وهو أمر مهم لنمو الرضيع؛ وكيفية دعم الرضاعة الطبيعية.[107]
التغذية غير الكافية للأطفال الرضع
شكلت تغذية الرضع في غزة خلال الأعمال العدائية تحديا خاصا. قالت النساء الحوامل والأمهات الجدد والطاقم الطبي إن الرضاعة الطبيعية كانت معقدة بسبب الإجهاد وصدمات الولادة ونقص التغذية الملائمة والمياه للأمهات الجدد، وانعدام الخصوصية في أوضاع النزوح.[108]
واجهت بعض الأسر صعوبات في الحصول على الحليب الصناعي في الحالات التي لا ترضع فيها الأمهات أو عندما يحتاج الرضع إلى تغذية تكميلية. وقال البعض إنهن لم يتمكنّ من الحصول على مياه الشرب الكافية للحليب الصناعي. قال عبد الحفيظ الخالدي إنه قبل إجلائه من غزة في مارس/آذار، كان الأطفال الرضع في عائلته وأصدقائه يعانون بانتظام من الحمى ومشاكل في الجهاز الهضمي. وقال إن المياه التي كانوا يحصلون عليها كانت ملوثة للغاية، لدرجة أنه عند إضافتها إلى مسحوق الحليب الصناعي، فإنها ببساطة لم تختلط.[109] في رسالة إلى إدارة بايدن في يوليو/تموز، قال العاملون الأمريكيون في مجال الرعاية الصحية الذين تطوعوا في غزة: "شاهدنا أمهات لديهن سوء التغذية يطعمن أطفالهن حديثي الوالدة الذين لديهن نقص الوزن حليب الأطفال المحضّر بالماء السام".[110]
كما أفادت أطباء بلا حدود في أبريل/نيسان أنه "لا يتوفر الحليب الصناعي بسهولة، ولا يمكن
استخدام هذه المياه لخلطه في زجاجات الإرضاع أو لتنظيف هذه الزجاجات بشكل صحيح".[111] وقال عامل طبي دولي إن نقص المياه النظيفة في غزة بالإضافة إلى ندرة حليب الأطفال الصناعي يعني أن إطعام الأطفال الرضع حليب الأطفال "مهدد للغاية".[112]
وقد تسببت هذه الظروف في إصابة الأطفال بالمرض. ارتفعت حالات الإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة من 48 ألف إلى 71 ألف في أسبوع واحد فقط منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، ما يعادل 3,200 حالة إسهال جديدة يوميا، وفقا لليونيسف.[113] وتمثل الحالات الـ 3,200 الجديدة يوميا في ديسمبر/كانون الأول زيادة بنسبة 2000% عن متوسط معدل الحالات قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.[114]
في يوليو/تموز، أفاد موظفو أطباء بلا حدود عن رؤية أطفال مصابين بالجفاف والتهاب الكبد الوبائي أ والتهابات الجلد.[115]
وقال أشخاص عدة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم على علم بإصابة أطفال، منهم أطفالهم، بالتهاب الكبد الوبائي أ ومعاناتهم من الإسهال والقيء.
ووصفت أسماء طه، وهي ممرضة أطفال، في رسالة إلى إدارة بايدن، رؤية الأطفال يموتون "يوميا". وقالت: "وُلدوا بصحة جيدة"، لكن "كانت أمهاتهن لديهن سوء التغذية لدرجة أنهن لم تكن قادرات على الرضاعة الطبيعية، وكن يفتقرن إلى الحليب الصناعي أو المياه النظيفة لإطعامهم، لذا فقد تضوروا جوعا".[116]
الآثار النفسية
أحدثت الأضرار المادية الناجمة عن الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي لا هوادة فيه ندوبا نفسية عميقة للعديد من الفلسطينيين في غزة الذين فقدوا منازلهم وشعورهم بالأمن والمجتمع.
وتحدثت جميع النساء الحوامل الذين تمت مقابلتهن عن الإجهاد النفسي الشديد نتيجة العيش في خوف دائم على حياتهن وحملهن أثناء وجودهن في غزة، ما أدى إلى الإجهاد والتعب والقلق. ووصفن مشقة عدم الاستقرار والتوتر، وإجبارهن على الانتقال المتكرر للبحث عن الأمان والمأوى بعد أوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية. وقلن جميعهن إنهن شعرن بأن عليهن تدبير كل شيء بمفردهن.
وقالت ر. م.: "كنت قلقة باستمرار. ظللت أفكر في الولادة أثناء الحرب، ليلا ونهارا. ... أقسم أنها كانت أسوأ أيام حياتي، أيام الحمل أثناء الحرب. ... لقد تعبت من القول بأنني تعبت".
تصف ريدانا زخرا ولادتها بعد أن أُجليت إلى مصر:
كانت ولادتي صعبة. لم يستطع جسمي التعامل مع النزوح والإرهاق. كنت أعاني. عندما أنجبت، كانت الولادة صعبة للغاية. بقيت لساعات في المخاض، ولساعات لم أستطع الدفع من الإرهاق. ... أنجبت، وكان جسمي بحاجة إلى الراحة، لكنني لم أستطع الراحة. حملت طفلتي الرضيعة وابنتي المصابة [بساقها المبتورة]، واحدة على كلا الجانبين. وقلت لنفسي إن عليّ التعامل مع كل هذا بمفردي. ... تمشي ابنتي الآن بطرف اصطناعي.
من بين 305 نساء شملهن الاستطلاع الذي أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2024، قالت 75% منهن إنهن يشعرن بالاكتئاب بانتظام، و65% منهن يشعرن بالتوتر ولديهن كوابيس بشكل متكرر، و62% منهن لا يستطعن النوم في كثير من الأحيان.[117]
كما أدت هجمات إسرائيل، وحصارها غير القانوني، والقيود التي تفرضها على المساعدات الإنسانية إلى جعل خدمات الصحة النفسية محدودة جدا.[118] وقد ازدادت ندرة خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي، التي كان من الصعب الوصول إليها أصلا قبل الأعمال العدائية، منذ بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة.[119]
V. الحمل أثناء النزاع المسلح
الارتباط بين النزاعات المسلحة ومؤشرات محددة لصحة الأم والطفل، مثل معدلات الولادة المبكرة أو الإجهاض أو المخرَجات المتعلقة بصحة الأم، غير موثّق بشكل جيد. ومع ذلك، تشير الأبحاث المتوفرة إلى أن النزاعات المسلحة لها آثار مضرة بشكل خاص على صحة الأمهات والمواليد الجدد.
وخلصت دراسة عالمية حول صحة الأم والطفل، والتي حللت 20 عاما من البيانات من "برنامج أوبسالا لبيانات النزاعات" و"البنك الدولي"، إلى أن "النزاعات المسلحة ترتبط بزيادة كبيرة ومستمرة في وفيات الأمهات والأطفال على مستوى العالم، وبتراجع في التدابير الرئيسية التي تشير إلى انخفاض توافر الرعاية الصحية المنظمة".[120] كما خلص مقال نُشر في مجلة "لانسيت" الطبية إلى أن "النساء في سن الإنجاب اللواتي يعشن قرب النزاعات العنيفة يتعرضن لوفيات أعلى بثلاث مرات من النساء في البيئات السلمية" و"يزيد النزاع المسلح الوفيات غير المباشرة بين الأطفال والنساء".[121] ووجدت دراسة أجريت العام 2020 تغطي ثلاثة عقود في 53 دولة أن التعرض للنزاعات مرتبط بالإجهاض التلقائي وولادة جنين ميت.[122]
ويبدو أن التعرض للنزاع المسلح له آثار سلبية على نتائج الولادة.[123] كما أنّ عدم كفاية تغذية الأمهات وعدم حصولهن على الرعاية الصحية الكافية، وهي غالبا ما تكون من عواقب النزاع، قد تؤدي إلى زيادة احتمال نتائج سلبية على صحة الأمهات والولادة.[124]
وتقول منظمة الصحة العالمية إن النزاع عامل يزيد خطر الاضطرابات النفسية أثناء الحمل وفي السنة الأولى بعد الولادة.[125] كما تقول أيضا إن سوء الصحة النفسية قبل الولادة قد تكون له مجموعة آثار سلبية على كل من الأم، والرضيع، والأسرة على نطاق أوسع من زيادة معدلات الإصابة بأمراض صحية خطيرة لدى الأمهات، فتتعدى ذلك لتشمل نتائج سلبية عند الولادة مثل انخفاض الوزن عند الولادة، وزيادة خطر سوء الصحة البدنية والمشاكل العاطفية والسلوكية للطفل.[126]
VI. أحكام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان ذات الصلة
يخضع النزاع المسلح بين إسرائيل وحماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى في غزة للقانون الإنساني الدولي، المعروف أيضا باسم قوانين الحرب. ويشمل هذا القانون "اتفاقيات جنيف" لعام 1949، ولا سيما المادة 3 المشتركة وقانون الاحتلال، وكذلك القانون الإنساني الدولي العرفي. وينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان على إسرائيل حيثما كان لها سيطرة فعلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
القانون الإنساني الدولي
بصفتها سلطة الاحتلال في غزة، فإن إسرائيل ملزمة بموجب المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة بضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والمياه والإمدادات الطبية "بأقصى ما تسمح به وسائلھا"،[127] وينص تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر لعام 1958 على اتفاقية جنيف الرابعة على أن "مسؤولية دولة الاحتلال عن توفير المستلزمات للسكان تضع تلك الدولة تحت التزام محدد بالحفاظ على الظروف المادية التي يعيش في ظلها سكان الأرض المحتلة عند مستوى مقبول".[128] ويوضح التعليق أنه "من الضروري" أن تتخذ السلطة القائمة بالاحتلال التدابير اللازمة لتوفير الإمدادات الغذائية والطبية الضرورية التي يحتاج إليها سكان الأرض المحتلة.[129]
توفر اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الإنساني الدولي العرفي حماية خاصة للنساء والأطفال. وتنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن تكون الأمهات الحوامل "موضع حماية واحترام خاصين".[130] وينص تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أن الاحتياجات الخاصة بالنساء الحوامل وأمهات الأطفال الصغار يجب أن تعامل بعناية خاصة فيما يتعلق بتوفير الغذاء، والكساء، والمساعدة الطبية، والإجلاء، والنقل. ويحق للأمهات الحوامل الحصول على الرعاية الطبية الكافية والأولوية في العلاج على أسس طبية.[131]
على الأطراف المتحاربة السماح بمرور الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين وتسهيل مرورها بسرعة ودون عوائق. ولا يجوز لها أن ترفض تعسفا السماح بإيصال المساعدات الإنسانية. وهي ملزمة تحديدا بالسماح بالمرور الحر لجميع شحنات المخازن الطبية ومخازن المستشفيات والمواد الغذائية الأساسية والملابس والإمدادات الطبية المخصصة للأطفال دون سن 15 سنة والأمهات الحوامل وحالات الولادة.[132]
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الحصار الإسرائيلي الفعلي على غزة يشكل عقابا جماعيا للسكان المدنيين، ويستخدم التجويع أسلوبا حربيا.[133] وهذه انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني العرفي، وترقى إلى جرائم الحرب.
كما توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن السلطات الإسرائيلية حرمت الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 من كميات المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك قطع المياه والوقود عن قطاع غزة ثم تقييدها لاحقا، وقطع الكهرباء، والتدمير المتعمد للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والمواد المستخدمة لإصلاح البنية التحتية للمياه.[134] وقد بلغت أفعال السلطات الإسرائيلية حد الخلق المتعمد لظروف الحياة المصممة لتدمير جزء من السكان المدنيين في غزة. وكان هذا جزءًا من عملية قتل جماعي لأفراد من السكان المدنيين، وكسياسة دولة فهو يرقى إلى مستوى هجوم واسع النطاق وممنهج موجه ضد السكان المدنيين.
الرسميون الإسرائيليون يتحملون المسؤولية عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، وهي جريمة مستمرة. كما أنهم مسؤولون أيضا عن ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، كما تعرّفها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وقد يكونون مسؤولين عن جريمة الإبادة الجماعية، التي تتطلب ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية بقصد الإبادة الجماعية.
القانون الدولي لحقوق الإنسان
ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان على التزامات إسرائيل كسلطة الاحتلال بموجب القانون الإنساني الدولي بتوفير الرعاية للسكان المدنيين. فإسرائيل طرف في "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، والذي يظل ساريا خلال النزاعات المسلحة.
تجادل إسرائيل بأن التزاماتها الحقوقية لا تمتد إلى الأراضي المحتلة. غير أن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي الهيئة المكلفة بتفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجدت مرارا وتكرارا أن الدول ملزمة باحترام معاهدات حقوق الإنسان التي صادقت عليها خارج حدود دولتها، وأن الأحكام الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك معاهدات حقوق الإنسان الأخرى، "تنطبق على جميع الأراضي والسكان الخاضعين لسيطرتها الفعلية".[135] وقد أيدت محكمة العدل الدولية هذا الرأي في رأيها الاستشاري الصادر عام 2004 بشأن الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل، وصرّحت أن إسرائيل "ملزمة بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" في الأراضي التي تحتلها، بما في ذلك غزة.[136]
وتقع على إسرائيل التزامات باحترام جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحمايتها وإعمالها، بما في ذلك الحق في الغذاء، والمياه، والسكن، والصحة.
وقد أكدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقاتها العامة التي تفسر التزامات الدول فيما يتعلق بالحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على وجوب امتثال الدول لالتزامات أساسية معينة تمثل المستويات الأساسية الدنيا لهذه الحقوق، والتي لا يمكن تبرير عدم الامتثال لها حتى في أوقات النزاع، لأنها غير قابلة للانتقاص.
وتعترف المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية. وتحدد اللجنة، في تعليقها العام على الحق في الصحة، الالتزامات الأساسية الفورية للحق في الصحة التي يجب الامتثال لها، بغض النظر عن الظروف.[137] وتشمل هذه الالتزامات:
· تأمين حق الاستفادة من المرافق الصحية والحصول على السلع والخدمات الصحية على أساس غير تمييزي، خصوصا للفئات الضعيفة والمهمشة؛
· كفالة الحصول على الحد الأدنى الأساسي من الأغذية الذي يضمن الكفاية والسلامة من حيث التغذية، بغية تأمين التحرر من الجوع لكل الناس؛
· كفالة الحصول على الحد الأساسي من المأوى، والسكن، والصرف الصحي، وإمدادات كافية من المياه النظيفة الصالحة للشرب؛
· توفير العقاقير الأساسية كما ينص على ذلك إطار برنامج عمل منظمة الصحة العالمية المتعلق بالعقاقير الأساسية؛
· تأمين التوزيع العادل لجميع المرافق والسلع والخدمات الصحية.[138]
كما أكدت اللجنة أيضا على "التزامات ذات أولوية مماثلة" إضافية لهذه الالتزامات الأساسية الدنيا غير القابلة للانتقاص، منها:
· كفالة الرعاية الصحية الإنجابية، والرعاية الصحية للأمومة (أثناء الحمل وبعد الولادة) وللطفولة؛
· توفير التحصين ضد الأمراض المعدية الرئيسية التي تحدث في المجتمع المحلي؛
· اتخاذ تدابير للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة ومعالجتها والسيطرة عليها؛
· توفير التعليم وإتاحة الحصول على المعلومات المتعلقة بالمشاكل الصحية الرئيسية في المجتمع، بما في ذلك طرق الوقاية والمكافحة؛
· توفير التدريب الملائم للموظفين الصحيين، بما في ذلك التثقيف في مجال الصحة وحقوق الإنسان.[139]
وفي حالات النزاع المسلح، توجه "اتفاقية حقوق الطفل"، وإسرائيل طرف فيها، الدول بالتعهد "بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد وأن تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح".[140] وقد أشارت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل إلى الأحكام الأساسية في الاتفاقية لإعمال حقوق الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح. وتشمل هذه الأحكام، في جزء منها: حماية الأطفال داخل البيئة الأسرية؛ وضمان توفير الرعاية والمساعدة الأساسية؛ والحصول على الغذاء والرعاية الصحية والتعليم؛ وضمان وصول المساعدة الإنسانية والإغاثة ووصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال.[141]
التوصيات
للحكومة الإسرائيليّة
تماشيا مع التزاماتها بصفتها سلطة الاحتلال بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في ما يتعلّق بالحق في الصحّة لجميع الناس في غزّة، لا سيما النساء والفتيات الحوامل وأطفالهنّ، يتعيّن على الحكومة الإسرائيليّة:
· وقف الهجمات غير القانونيّة على المدنيين والأعيان المدنيّة، بما في ذلك الأعيان الأساسيّة لبقاء سكّان غزّة على قيد الحياة، مثل المرافق الطبيّة والبنية التحتيّة للمياه والصرف الصحّي؛
· إعادة خدمات الكهرباء والماء والاتصالات للسكّان المدنيّين؛
· تسهيل إرجاع نظام الرعاية الصحيّة في غزّة بشكل عاجل حتى يتمكّن جميع المرضى، بمن فيهم النساء الحوامل والرُضّع، من الحصول على رعاية طبيّة جيّدة.
· اتخاذ جميع التدابير لضمان حصول المدنيين على الغذاء والمياه والإمدادات الطبيّة بأقصى حدّ من الوسائل المتاحة لهم، مع التركيز بشكل خاص على الحوامل والأطفال حديثي الولادة من خلال:
o الكف عن عرقلة المساعدات الإنسانيّة – وخاصة الغذاء، بما في ذلك المواد التي يحتاج إليها الأطفال الذين يتبعون أنظمة غذائيّة خاصّة، والمياه والأجهزة المساعدة والوقود – من دخول غزة من خلال فتح المعابر بالكامل، وفتح معابر إضافيّة بشكل عاجل، وعدم فرض قيود غير مبرّرة تمنع دخول المواد الإنسانية إلى غزة؛
o ضمان وصول المساعدات الإنسانيّة إلى جميع أنحاء قطاع غزّة، وحصول المدنيين عليها؛
o رفع الحصار عن غزّة، والسماح بحريّة تنقل المدنيين والبضائع من غزّة وإليها، مع اعتماد عمليات فرديّة للفحص والتفتيش الجسدي لأغراض أمنية عند الضرورة فقط، مع مراعاة متطلّبات الشفافيّة؛ ونشر قوائم بالمواد المحظورة بما يتفق مع المعايير الدّولية بشأن المواد "ذات الاستخدام المزدوج"، وتقديم مبرّرات مكتوبة لأيّ رفض، مع إمكانية الاستئناف؛
o إزالة تصنيف "الاستخدام المزدوج" عن الإمدادات الطبيّة، والوسائل المساعِدة، والأدوات التقنية ذات الاستخدام الميسَّر، مثل النظارات والكراسي المتحرّكة والعكازات وأجهزة السمع، وغيرها من الأجهزة المساعِدة التي يحتاج إليها الأشخاص ذوو الإعاقة وذوو الأمراض المزمنة، والتي دائما ما يتسبّب تقييدها في تأثير سلبي غير متناسب على المدنيين، مقارنة بأي ميزة عسكريّة؛
· السماح للمدنيين الفلسطينيين في غزة الذين يختارون ممارسة حقهم في مغادرتها، لأسباب تشمل العلاج الطبي، بالسفر إلى الخارج عبر إسرائيل؛ وإعادة فتح الجانب الإسرائيلي من معبر رفح الحدودي مع مصر لضمان عدم منع المدنيين الفلسطينيين الذين يختارون مغادرة غزة، لأسباب تشمل العلاج الطبي، من ممارسة حقهم في الخروج بدون مبرّر قانوني، مع ضمان حقهم في العودة إليها؛
· أثناء الأعمال العدائيّة، وعندما يكون الإخلاء لا بدّ منه، اعتماد نظام إخلاء يوفر للسكّان المدنيين معلومات دقيقة ومحدَّثة، مع تعليمات حول كيفيّة الوصول إلى مناطق الإخلاء بشكل آمن، مع ضمان سلامتهم وحصولهم على مأوى مناسب وتلبية متطلباتهم الإنسانيّة الأخرى؛
· عند إصدار أوامر الإخلاء، يجب مراعاة احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، والمرضى أو المصابين، والذين لا يستطيع الكثير منهم المغادرة دون مساعدة. ويجب ضمان قدرة المناطق التي يتم الإخلاء نحوها على تلبية احتياجات الحوامل وذوي الإعاقة والمرضى والجرحى؛
· دعم توفير خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي للأمهات الحوامل والنساء حديثات الولادة.
للحكومة المصريّة
· إبقاء الجانب المصري من معبر رفح مفتوحا أمام المدنيين الفلسطينيين الراغبين في ممارسة حقهم في مغادرة غزة، بما يتماشى مع الالتزام بعدم الإعادة القسريّة المكفول في القانون العرفي الدولي، أي عدم طرد أو إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطر الاضطهاد أو التعذيب أو أيّ ضرر جسيم آخر؛
· ضمان توفير الخدمات الأساسيّة والدعم للفلسطينيين الفارّين من غزّة، بما يشمل الحصول على الرعاية الطبيّة والتعليم والحماية، والمساعدة على انتقال فلسطينيي غزة الذين لديهم مسارات قانونيّة في بلدان أخرى.
لجميع الحكومات
· الإدانة العلنيّة لانتهاكات القانون الإنساني الدولي من قبل جميع أطراف النزاع في غزة، بما في ذلك التهجير القسري للسكّان المدنيين في غزة من جانب إسرائيل، باعتبارها جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية؛
· الإدانة العلنيّة لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي لحقوق الإنسان ضدّ السكان المدنيين في غزة، بما في ذلك ما يتصل بالحق في كل من الغذاء والمياه والمأوى والصحة وغيرها من الحقوق الأساسيّة؛
· دعوة السلطات الإسرائيليّة إلى الكف عن الانتهاكات والتعاون مع الهيئات القضائيّة وهيئات التحقيق الدوليّة فورا؛
· مواصلة دعم جهود "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا) في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، وعلى نطاق أوسع من خلال توفير التمويل الكافي لـ:
o الاستجابة الإنسانيّة في غزة، بما يشمل الموارد اللازمة لخدمات الصحّة الجنسيّة والانجابيّة؛
o تعزيز شبكات المعلومات لضمان معرفة النساء وغيرهنّ من الفئات الضعيفة بالأماكن التي يتعين عليهم التوجه إليها، وكيف يحصلن على المساعدات الإنسانيّة والخدمات الطبية؛
o إنشاء فضاءات آمنة للأمّ والطفل في المراكز الجماعيّة لزيادة الخصوصيّة والخدمات المتخصّصة للنساء الحوامل والفتيات المراهقات والأطفال؛
o دعم إعادة إمداد المستشفيات والعيادات الصحيّة بالأدوية والمواد الطبية الأساسيّة والكهرباء/الوقود على وجه السرعة، مع التركيز على احتياجات النساء والفتيات بشكل خاص (بما في ذلك المكمّلات الغذائية للحوامل والرُضع، والموارد الخاصة بالأمهات الوالدات)؛
o خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي للناس في غزة، وخاصة الحوامل والأطفال، وكذلك للمسعفين الإنسانيين والعاملين في مجال الصحة – بما في ذلك من خلال خطوط المساعدة المتاحة، وتحسين الوصول إلى معلومات الإحالة المحدَّثة عبر القطاعات؛
· الضغط على إسرائيل لضمان دخول المتخصّصين في الطبّ الإنجابي والصحّة النفسيّة إلى غزة دون قيود؛
· التقيّد بالأوامر الملزمة والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدوليّة؛ والنظر في مراجعة وتعليق الاتفاقات الثنائيّة مع إسرائيل، مثل "اتفاقيّة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل" و"اتفاقية التجارة الحرّة بين الولايات المتحدة وإسرائيل"؛
· تعليق المساعدات العسكريّة ومبيعات الأسلحة لإسرائيل طالما أنّ قواتها ترتكب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي دون عقاب؛
· تفعيل التشريعات المحليّة التي تقيّد نقل الأسلحة والمساعدات العسكريّة في حال انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي؛
· الإقدام علنا على دعم "المحكمة الجنائيّة الدوليّة"، ودعم استقلاليتها، وإدانة الجهود الرامية إلى ترهيبها أو التدخل في عملها وعمل مسؤوليها والمتعاونين معها؛
· حث إسرائيل على منح حق الوصول للمراقبين الدوليين المستقلين، بمن فيهم أعضاء "لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة" و"الإجراءات الخاصّة"؛
· فرض عقوبات موجَّهة، تشمل منع السفر وتجميد الأصول، على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين بشكل موثوق في الانتهاكات الخطيرة المستمرّة، بهدف وضع حدّ لها؛
· معالجة الإفلات طويل الأمد من العقاب للسلطات الإسرائيليّة والفصائل الفلسطينيّة المسلّحة عن الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي، ودعم التعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان؛
· دعم إنشاء سجلّ للأضرار الناجمة عن الأفعال الإسرائيليّة غير القانونيّة التي لحقت بالأشخاص في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة بهدف احتساب التعويضات.
شكر وتنويه
أجرت البحث لهذا التقرير وكتبته بلقيس والي، المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات والأسلحة. وقدمت دعما بحثيا كل من سكاي ويلر، باحثة أولى في قسم حقوق المرأة؛ وميلينا أنصاري، باحثة مساعدة في شؤون إسرائيل وفلسطين.
حررت التقرير كل من أناغا نيلاكانتان، محررة أولى في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة، وآيدا سوير، مديرة قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة. قدم جيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات، المراجعة القانونية. قدم توم بورتيوس، نائب مديرة البرنامج، المراجعة البرمجية.
قدم مراجعات متخصصة كل من ميلينا أنصاري؛ وهيذر بار، المديرة المشاركة لقسم حقوق المرأة؛ وإمينا تشيريموفيتش، المديرة المشاركة لقسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ ولما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ونيكو جعفرنيا، باحثة في شؤون البحرين واليمن؛ وبلقيس جراح، مديرة مشاركة لبرنامج العدالة الدولية؛ ومات ماكونيل، باحث في قسم العدالة الاقتصادية والحقوق؛ وسكاي ويلر؛ ومارغريت وورث، باحثة أولى في قسم حقوق الطفل.
أعد التقرير للنشر المنسقتان المشاركتان في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة نيا نايتون ومنة عبد الوهاب؛ ومنسق المنشورات الأول ترافيس كار؛ والمدير الإداري الأول فيتزروي هيبكينز.
نود أن نشكر الأفراد الذين جعلوا هذا التقرير ممكنا من خلال مشاركة تجاربهم معنا على الرغم من الصدمات الشديدة والصعوبات التي كانوا يمرون بها هم ومجتمعاتهم وقت إجراء المقابلات.