Skip to main content

المساعدات الممنوعة عن غزة

بتقييد دخول المساعدات إلى غزة، تُخفّض إسرائيل إمدادات الغذاء والوقود إلى مستوى أقل بكثير من "الحد الأدنى الإنساني" الذي حدده المسؤولون الإسرائيليون منذ سنوات.

رجل يُفرِغ حمولة مساعدات إنسانية من قافلة شاحنات دخلت إلى قطاع غزة من مصر عبر معبر رفح في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023. © 2023 إياد البابا/وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيمدجز

الغذاء في غزة ليس كافيا. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قطعت الحكومة الإسرائيلية المياه والكهرباء التي كانت تزود بها القطاع من أراضيها، وأغلقت معبر الشاحنات إلى غزة، وعرقلت وصول إمدادات الإغاثة إلى 2.2 مليون شخص يسكنون القطاع، ونصفهم أطفال تقريبا. نقص مياه الشرب النظيفة تحديدا يُشكّل خطرا. رفضت إسرائيل السماح بإدخال الوقود بواسطة شاحنات المساعدات القليلة عبر مصر، رغم الحاجة إليه لتشغيل مولدات المستشفيات وسيارات الإسعاف ومضخات المياه. أعلن المسؤولون الإسرائيليون أن ما من مساعدات ستدخل إلى غزة من إسرائيل، وبرّروا منع شحنات الوقود، حتى عبر مصر، بحجة أن الوقود "سيُمكّن حماس من مواصلة هجماتها على المواطنين الإسرائيليين". في 15 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت إسرائيل عن إعادة إمدادات المياه جزئيا إلى جنوب غزة، لكن دون وقود لضخها، فإن التوصيل محدود، وما زال شمال القطاع دون مياه.

تستمر الحكومة الإسرائيلية في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية الضرورية للغاية، رغم استمرارها بالقصف الجوي وتوسيع عملياتها البرية في غزة. أبلغ الجيش أكثر من مليون شخص أن يخلوا النصف الشمالي من القطاع، لكن لا يوجد مكان آمن للذهاب إليه ولا طريقة آمنة للتنقّل. تستخدم القوات الإسرائيلية الأسلحة المتفجرة في مناطق مكتظة بالسكان، وهي ممارسة يُتوقع أن تتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين. وقّعت 83 دولة، منها الولايات المتحدة، على التزام سياسي بعدم استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة، بما يشمل المدفعية الثقيلة والقنابل الجوية، في هكذا مناطق بسبب ارتفاع احتمالية تسببها في قتل وإصابة المدنيين عشوائيا. يؤدي القصف الإسرائيلي المستمر لغزة، وهجمات الجماعات الفلسطينية المسلحة الصاروخية العشوائية على المجتمعات الإسرائيلية، إلى زيادة هذا القلق أضعافا مضاعفة. استخدمت إسرائيل الفسفور الأبيض، وهو مادة حارقة تحرق اللحم البشري ويمكن أن تُسبب معاناة مدى الحياة، في المناطق المأهولة بالسكان في غزة، وهو عمل ينتهك الحظر الذي تفرضه قوانين الحرب على تعريض المدنيين لخطر غير ضروري.

أدّى القصف العنيف إلى تعطيل الاتصالات، ما أعاق خدمات الطوارئ. رغم أنها مُلزمة بحماية جميع المدنيين في غزة، حذّرت إسرائيل العديد من المدنيين الذين لا يستطيعون أو لا يريدون إخلاء شمال غزة، بمن فيهم الأطباء والمرضى في المستشفيات، من أنهم يعرضون أنفسهم لخطر أن يُعتبروا "متواطئين مع منظمة إرهابية" إذا بقوا. وفقا لوزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 8 آلاف فلسطيني، منهم أكثر من 3,300 طفل. وفقا لـ "الأمم المتحدة"، تدمرت أو تضررت نصف الوحدات السكنية في غزة تقريبا.

ما من شيء يُبرر المجازر التي قادتها حماس في حق المدنيين الإسرائيليين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهي جريمة حرب. وكذلك ما من شيء يُبرّر جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بما يشمل عبر حرمان المدنيين من المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة. تتطلب قوانين الحرب من الأطراف تسهيل الوصول السريع لإمدادات الإغاثة، مع مراعاة التفتيش والمراقبة لمنع تحويلها أو تسليم الأسلحة. بعبارة أخرى، يمكن لإسرائيل مراقبة الشحنات التي تنظمها الأمم المتحدة، لكن لا يمكنها منع الإمدادات المنقذة للحياة، وهذا ما يمثله الوقود بالنسبة إلى غزة الآن.

تحد القيود الحالية على المساعدات من حجم إمدادات الغذاء والوقود إلى مستوى أقل بكثير من "الحد الأدنى الإنساني" الذي حدده المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم من جانب واحد لغزة قبل سنوات. في 2007، بعد تولي حماس السلطة في غزة، أطلقت الحكومة الإسرائيلية سياسة تعمُّد تقليص الإمدادات الإنسانية إلى القطاع، بحجة أنها تشن "حربا اقتصادية" ضد حماس وأن التزاماتها تجاه المدنيين في غزة تقتصر على تجنب "أزمة إنسانية". حينها، كما هو الحال الآن، كانت غزة، المحاطة بالجدران والأسيجة وبالدوريات الإسرائيلية قبالة شواطئها، تعتمد على إسرائيل في الحصول على الإمدادات. حتى أن الحكومة الإسرائيلية، كجزء من هذه السياسة، حسبت عدد السعرات الحرارية التي، كما تقول، يحتاجها سكان غزة للبقاء أحياء، على أساس الجندر والعمر. قالت إسرائيل إنها ملزمة بالسماح بدخول هذه الكمية، لكن ليس أكثر. في 2007، طعنْتُ، إلى جانب محامين حقوقيين آخرين من "مركز للدفاع عن حريّة التنقل" (’چيشاة-مسلك‘) و"عدالة"، بهذه السياسة التي اختزلت الكرامة الإنسانية بمعادلات رياضية وقيّدت عمدا وصول إمدادات الغذاء والوقود إلى المدنيين الفلسطينيين. قبلت "المحكمة العليا الإسرائيلية" الحجة بأن الحد الأدنى من التزامات الجيش الإسرائيلي سيمنع حدوث "أزمة إنسانية" ورفضت التماسنا.

قبل 15 عاما، كان عدد سكان غزة أقل؛ وكانت الأحزمة الناقلة تنقل الحبوب إلى القطاع؛ وكانت الكهرباء ومياه الشرب تتدفق من إسرائيل؛ وكان المزارعون والصيادون وغيرهم ينتجون الغذاء؛ ولم تكن المستشفيات تكافح لمعالجة 20 ألف جريح. حينها، قال الجيش الإسرائيلي إن غزة تحتاج إلى 106 شاحنات يوميا لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الإنسانية، بما في ذلك مئات الآلاف من اللترات من الوقود. في الأيام الـ 23 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، دخل ما مجموعه 117 شاحنة إلى غزة، ولم تحمل أي منها الوقود.

يدّعي الجيش الإسرائيلي أن شحنات الوقود والغذاء ليست ضرورية لأن غزة لديها ما يكفي. قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية لدبلوماسيين هذا الأسبوع في وثائق إحاطة حصلت عليها "هيومن رايتس ووتش" إن حماس "تخلق تصورا عاما عن نقص الوقود". هذا ليس ما تنبأت به الحسابات الرياضية الإسرائيلية، وليس ما يقوله عمال الإغاثة. يوم الجمعة، حذّر فيليب لازاريني، المفوض العام لـ "الأونروا"، أكبر منظمة إغاثة في غزة، من أن "آخر الخدمات العامة المتبقية تنهار، وعمليات المساعدات التي نقدمها تتداعى". ذكّر الحكومة الإسرائيلية بما تعرفه تمام المعرفة: لدى الأونروا آليات لمراقبة الشحنات لمنع تحويلها، ووكالات الإغاثة ملتزمة بضمان وصول مساعداتها إلى المستفيدين المدنيين المستهدفين. هؤلاء المتلقون يزدادون يأسا. يوم السبت، اقتحم آلاف الأشخاص مستودعات الأونروا للحصول على الدقيق ومستلزمات النظافة.

يفرض القانون الإنساني الدولي على إسرائيل، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال في غزة، اتخاذ خطوات إيجابية لضمان رفاه المدنيين. في الأعمال العدائية السابقة، رغم وحشيتها، اعترفت الحكومة الإسرائيلية بهذه الالتزامات ولو جزئيا. في كل من حروبها الأربع في غزة منذ 2008، حافظت على تدفق مياه الشرب والكهرباء إلى غزة، تسليما منها بأن المدنيين في القطاع يعتمدون على شبكات وأنابيب المياه الممتدة بين غزة وإسرائيل، ووجدت سبلا لفتح المعابر الإسرائيلية لإدخال المساعدات الإنسانية.

خلال التصعيد الحالي، تتمادى الحكومة الإسرائيلية بالقدر الذي تسمح به أقوى داعميها، الولايات المتحدة. (تفاوض الرئيس جو بايدن شخصيا على القدر الضئيل من الإمدادات الإنسانية التي تصل الآن عبر مصر). يتعين على صناع السياسات الأميركيين، الذين غضبوا عن وجه حق إزاء جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس بحق الإسرائيليين، ألا يقفوا مكتوفي الأيدي بينما ترتكب الحكومة الإسرائيلية جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين. ينبغي للولايات المتحدة الإصرار على أن تسمح إسرائيل فورا بدخول الوقود وغيره من الإمدادات الخاضعة للمراقبة إلى غزة عبر مصر وأراضيها، وأن تعيد المياه والكهرباء إلى كافة أنحاء غزة، وأن تفي بالتزاماتها بحماية المدنيين في غزة أينما كانوا.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة