صورة عائلية معلقة على جدار داخل منزل محترق في كيبوتس بئيري في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي شنته الفصائل الفلسطينية المسلحة على جنوب إسرائيل، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

"لا أستطيع محو كل تلك الدماء من ذهني"

هجوم الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول

صورة عائلية معلقة على جدار داخل منزل محترق في كيبوتس بئيري في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي شنته الفصائل الفلسطينية المسلحة على جنوب إسرائيل، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023. © 2023 ماركوس يام/لوس أنجلس تايمز


 

الملخص

في وقت مبكر من صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استيقظ ساغي شيفروني (41 عاما)، مثل العديد من الإسرائيليين الذين يعيشون قرب قطاع غزة في ذلك اليوم، على صفارات الإنذار. عندما بدأ الهجوم على كيبوتس بئيري، هرع بملابس النوم مع ابنته البالغة من العمر خمس سنوات إلى "الغرفة الآمنة"، أو "المامد"، في منزله. كانت زوجته قد أقنعته قبل سنوات بإزالة المقبض الخارجي للباب، لذلك عندما اقتحم المقاتلون الفلسطينيون منزله حوالي الساعة 11 صباحا، لم يتمكنوا من فتح باب الغرفة الآمنة. قال شفروني لـ هيومن رايتس ووتش:

سمعت صوت تحطم زجاج وبعد ثوانٍ قليلة سمعت طلقات نارية على باب الغرفة الآمنة. الباب لم يكن مضادا للرصاص، لذا فإن الرصاصات اخترقته. امتلأت الغرفة كلها برائحة البارود والإسمنت المكسور. ... سألتني ابنتي إن كانوا يحاولون قتلنا، فقلت لها: "نعم، لكنهم لن يتمكنوا من ذلك". حاولوا خلع الباب لبضع دقائق لكنهم لم يستطيعوا. حاولوا إطلاق النار على المفصّلات.

قال شيفروني إن الدخان بدأ يتسرب عبر الباب:

كان من الواضح أنه لا يمكننا البقاء هنا. إذا بقينا، سنكون في عداد الموتى. عندها قررت الخروج، كان الأمر أشبه بالغريزة. فتحت باب الغرفة الآمنة قليلا ورأيت المنزل بأكمله يحترق، فاتجهت إلى النافذة وفتحتها. رأيت أن الفناء الخارجي بأكمله كان يحترق أيضا.

حطم شيفروني زجاج النافذة ودفع المصراع المعدني لفتحه. لف ابنته ببطانية وطلب منها أن تضع وسادة على أنفها وفمها وتتنفس من خلالها. ثم قفز خارجا وهو يحملها بين ذراعيه. أصيب بحروق شديدة في ذراعيه، وكتفيه، وظهره، ووجهه. ولم يتمكن من الوصول إلى المستشفى لعلاج حروقه إلا في منتصف الليل.

لمحة عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول

صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنت فصائل فلسطينية مسلحة العديد من الهجمات المنسقة على مساكن وتجمعات إسرائيلية مدنية وقواعد عسكرية فيما يسمى بـ"غلاف غزة"، وهي المنطقة المأهولة بالسكان في جنوب إسرائيل المتاخمة لقطاع غزة. وهاجمت الفصائل المسلحة ما لا يقل عن 19 كيبوتس، وخمسة موشافات (تجمعات تعاونية)، ومدينتَي سديروت وأوفاكيم، ومهرجانَيْن موسيقيَّيْن، وحفلة على الشاطئ. حاولت فرق الأمن المحلية التي تسمى "كيتوت كونينوت"، أو فرق الاستجابة السريعة، والشرطة المحلية مقاومة المهاجمين إلى أن وصلت القوات العسكرية الإسرائيلية، وغالبا ما كان ذلك بعد ساعات عدة من بدء الهجوم. استمر القتال معظم ذلك اليوم، وفي بعض الحالات لفترة أطول.

وقع الهجوم يوم عيد "سمحات توراه" اليهودي، عندما كان العديد من الجنود في إجازة. بدأت الفصائل الفلسطينية المسلحة الهجوم بوابل من الصواريخ والقذائف العشوائية باتجاه إسرائيل. واخترق المقاتلون الحاجز الفاصل بين غزة وإسرائيل، ثم هاجموا التجمعات السكانية القريبة. وفي وقت مبكر من الهجمات، قام المقاتلون بتعطيل وتدمير معدات الاتصالات والمراقبة، ما جعل القوات الإسرائيلية عاجزة عن تكوين صورة دقيقة للوضع.

وقع العدد الأكبر من الوفيات خلال الهجوم على مهرجان "سوبر نوفا" الموسيقي، حيث قُتل 364 مدنيا على الأقل. وفي العديد من مواقع الهجوم، أطلق المقاتلون النار مباشرة على المدنيين، غالبا من مسافة قريبة، أثناء محاولتهم الفرار، وعلى الأشخاص الذين صودف أنهم كانوا يقودون سيارات في المنطقة. كما ألقوا القنابل اليدوية وأطلقوا الرصاص على الغرف الآمنة والملاجئ الأخرى وأطلقوا قذائف صاروخية (آر بي جي) على المنازل. كذلك أضرموا النار في بعض المنازل، ما أدى إلى حرق الناس واختناقهم حتى الموت، وأجبروا آخرين على الخروج، ثم أسروهم أو قتلوهم. وأخذوا المئات رهائن لنقلهم إلى غزة أو قتلوهم بإجراءات موجزة.

قدرت "وكالة فرانس برس"، التي أجرت تقاطعا للعديد من مصادر البيانات للتحقق من عدد القتلى، أن 815 من أصل 1,195 قتيلا كانوا مدنيين، بينهم 79 مواطنا أجنبيا. وكان بينهم ما لا يقل عن 282 امرأة و36 طفلا. احتجزت الفصائل الفلسطينية المسلحة 251 من المدنيين وأفراد قوات الأمن الإسرائيلية رهائن وعادت بهم إلى غزة عقب الهجوم.[1] ولا يزال المخطوفون إما رهائن في غزة أو أُطلق سراحهم أو قتلوا أو لقوا حتفهم في القتال الذي أعقب ذلك. وهؤلاء مشمولون في العدد الإجمالي للقتلى.

تناولت وسائل الإعلام المحلية والدولية بالتفصيل العديد من الفظائع التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد قللت بعض التقارير من حجم الانتهاكات، بينما تضمنت تقارير أخرى ادعاءات بوقوع انتهاكات ثبت عدم صحتها فيما بعد.

صرّحت "حماس"، وهي الحركة الفلسطينية التي تحكم منذ 2007 قطاع غزة الذي تحتله إسرائيل، أن جناحها المسلح، "كتائب عز الدين القسام" (كتائب القسام)، قاد الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول. تُظهر روايات الناجين والمواد الرقمية المتاحة للجمهور من ذلك اليوم أن العديد من المقاتلين كانوا يرتدون خليطا من بزات سوداء أو خضراء أو مموهة، يشبه بعضها الزي العسكري الإسرائيلي. وكان بعضهم يرتدي عصابات رأس أو شارات مميزة تحدد هويتهم كعناصر في حماس أو فصائل مسلحة أخرى. وارتدى أفراد آخرون من الفصائل المسلحة ملابس مدنية، رغم أن بعضهم ربما كانوا مدنيين من غزة انضموا إلى الهجوم.

وكان معظم ضحايا الهجمات من الإسرائيليين اليهود. إلا أن المقاتلين قتلوا أو جرحوا أو أخذوا رهائن إسرائيليين مزدوجي الجنسية، وفلسطينيين من مواطني إسرائيل، وفلسطينيين من غزة، وعمالا أجانب، بينهم  مواطنون تايلنديون، وسريلانكيون، وصينيون، وفلبينيون، ونيباليون ومواطن واحد على الأقل من كل من إريتريا، وألمانيا، وبريطانيا، وتنزانيا، والسودان، وكمبوديا، وكندا، والمكسيك.

يهدف هذا التقرير إلى رصد طبيعة ومدى انتهاكات القانون الإنساني الدولي، المعروف بقوانين الحرب، والجرائم الدولية الجسيمة التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية المسلحة في العديد من مواقع الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول. كما يبحث التقرير في دور مختلف الفصائل الفلسطينية المسلحة الضالعة في هذه الهجمات، والتنسيق فيما بينها قبل الهجمات وأثنائها.

وقد أعدت هيومن رايتس ووتش تقارير مستفيضة منفصلة عن انتهاكات قوانين الحرب من قبل القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وعن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والأوضاع في غزة، منها تلك المرتكبة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.[2]

المنهجية       

أجرت هيومن رايتس ووتش أبحاثا في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 في إسرائيل، وأبحاثا عن بعد حتى يونيو/حزيران 2024. شملت الأبحاث مقابلات شخصية وعن بُعد مع 144 شخصا منهم: 94 ناجيا من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ وأفراد عائلات الناجين والرهائن والقتلى؛ والمستجيبين الأوائل الذين جمعوا الرفات البشرية من مواقع الهجمات؛ والخبراء الطبيين الذين فحصوا الرفات البشرية وقدموا المشورة في الطب الشرعي للسلطات الإسرائيلية؛ ومسؤولين من التجمعات المتضررة من الهجمات؛ وصحفيين زاروا مواقع الهجمات بعد أن أمنت القوات الإسرائيلية المناطق؛ ومحللين في شؤون الفصائل السياسية والمسلحة الفلسطينية؛ ومحققين دوليين. وتحققت هيومن رايتس ووتش من أكثر من 280 صورة وفيديو نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي أو تم تزويد هيومن رايتس ووتش بها مباشرة، منها تلك التي سجلتها الكاميرات المثبتة على أجساد المقاتلين، وكاميرات الهواتف المحمولة، وكاميرات السيارات، وكاميرات المراقبة من مواقع الهجمات. كما راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية وحللت عشرات التسجيلات الصوتية، التي نُشر معظمها على قنوات الفصائل المسلحة على تطبيق "تلغرام".

انتهاكات القانون الإنساني الدولي   

يتناول هذا التقرير بالتفصيل العديد من حوادث انتهاكات القانون الدولي الإنساني – قوانين الحرب – التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا يشمل الانتهاكات التي وقعت منذ حينها. وتشمل هذه الانتهاكات الهجمات المتعمدة والعشوائية ضد المدنيين والأعيان المدنية؛ والقتل العمد بحق المحتجزين؛ والمعاملة القاسية وغيرها من المعاملة اللاإنسانية؛ والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي؛ وأخذ الرهائن؛ والتمثيل بالجثث وسلبها؛ واستخدام الدروع البشرية؛ والسلب والنهب.

يعترف القانون الإنساني الدولي بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة كنزاع مسلح مستمر. وتخضع الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى للقانون الإنساني الدولي الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية، استنادا إلى قانون المعاهدات الدولية، وبالأخص "المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف لعام 1949"، والقانون الإنساني الدولي العرفي. وتتعلق هذه القواعد بأساليب ووسائل القتال والحماية الأساسية للمدنيين والمقاتلين الذين لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية، وتنطبق على الدول والجماعات المسلحة من غير الدول على حد سواء.

والمبدأ الأبرز في القانون الإنساني الدولي هو أنه على أطراف النزاع التمييز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. ولا يجوز أبدا أن يكون المدنيون هدفا للهجوم. وتُحظر الهجمات التي تستهدف المدنيين عمدا أو لا تميّز بين المقاتلين والمدنيين، أو التي من شأنها أن تلحق ضررا غير متناسب بالسكان المدنيين مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوخاة.

يجوز استهداف أفراد القوات المقاتلة المنظمة التابعة لطرف غير حكومي أثناء النزاع المسلح. ولا يشترط أن يرتدي أفراد الجماعات المسلحة من غير الدول زيا عسكريا أو أي شارات أخرى تحدد هويتهم.

ويفقد المدنيون حصانتهم من الهجوم عندما يشاركون مباشرةً في الأعمال العدائية وفقط خلال هذه المشاركة. وينص "الدليل التفسيري للجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية" على أن المدنيين الذين يشاركون في "الدفاع الفردي عن النفس" هم غير مشاركين مباشرةً في الأعمال العدائية. أي أن المدنيين الذين يستخدمون القوة الضرورية والمتناسبة للدفاع عن أنفسهم ضد هجوم غير مشروع لا يصبحون أهدافا عسكرية مشروعة. وإلا، كما يقول الدليل، فإن "هذا من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة غير منطقية تتمثل في إضفاء الشرعية على هجوم غير مشروع من الأساس".[3]

تنص المادة الثالثة المشتركة على عدد من أوجه الحماية الأساسية للمدنيين والمقاتلين الأسرى أو العاجزين. ويُحظر العنف ضد هؤلاء الأشخاص – لا سيما القتل والمعاملة القاسية والتعذيب – وكذلك الاعتداء على كرامتهم الشخصية والمعاملة المهينة أو المذلة، وأخذ الرهائن.

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية

الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب التي تُرتكب بقصد جنائي – عمدا أو باستهتار – هي جرائم حرب. وتشمل جرائم الحرب، المدرجة في أحكام "المخالفات الجسيمة" في اتفاقيات جنيف وفي القانون العرفي، مجموعة واسعة من الجرائم، بما في ذلك الهجمات المتعمدة والعشوائية وغير المتناسبة التي تضر بالمدنيين والأعيان المدنية، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وأخذ الرهائن، واستخدام الدروع البشرية، وغيرها. كما يمكن اعتبار الأفراد مسؤولين جنائيا عن الشروع في ارتكاب جريمة حرب (محاولة ارتكابها)، فضلا عن المساعدة في ارتكاب جريمة حرب أو تسهيلها أو تقديم العون فيها أو الحض على ارتكابها.

يمكن أن ترقى بعض الجرائم، مثل القتل، إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، عندما تُرتكب كجزء من "هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين". يعرّف "نظام روما الأساسي" لـ "المحكمة الجنائية الدولية" مثل هذا "الهجوم" بأنه نهج سلوكي ينطوي على ارتكاب متكرر لجرائم ضد الإنسانية، عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب مثل هذا "الهجوم" – أي الأفعال الإجرامية المتعددة المرتكبة – أو تعزيزا لهذه السياسة. وتشمل هذه السياسة قيام الدولة أو المنظمة بالترويج النشط لمثل هذا الهجوم أو التشجيع عليه، أو في حالات معينة، امتناعها المتعمد عن اتخاذ إجراء.

قد تقع المسؤولية الجنائية على الأشخاص المسؤولين عن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، بمن فيهم أولئك الذين يخططون لارتكاب الجرائم أو يحرضون عليه أو يقدمون العون فيه. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن محاكمة القادة العسكريين والمدنيين على جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية من باب مسؤولية القيادة عندما يكونون على علم أو كان ينبغي لهم أن يعلموا بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من قبل أشخاص ضمن التسلسل القيادي الخاضع لهم ولم يتخذوا التدابير الكافية لمنعها أو معاقبة المسؤولين عنها.

ويقع على الدول التزام بالتحقيق مع الأفراد الضالعين في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية داخل أراضيها ومحاكمتهم محاكمة عادلة.

التجاوزات في 7 أكتوبر/تشرين الأول

تجاوزات القانون الإنساني الدولي وجرائم الحرب

القتل

تحظر قوانين الحرب الهجمات المتعمدة أو العشوائية على المدنيين وقتل المدنيين أو المقاتلين الأسرى المحتجزين لديهم، وهي أفعال تشكل جرائم حرب.

وقد هاجم المقاتلون الفلسطينيون المدنيين مرارا وأعدموا بإجراءات موجزة أفرادا محتجزين لديهم. وتبدو عمليات قتل المدنيين مخططا لها بسبب أوجه التشابه العديدة في كيفية تنفيذ عمليات القتل في مختلف مواقع الهجوم: فقد وجهت الفصائل المسلحة العديد من هجماتها إلى مناطق سكنية، وبدأ المقاتلون بإطلاق النار على المدنيين فور بدء الهجوم في الساعة 6:30 صباحا، كما أن التسجيلات الصوتية والفيديوهات التي نشرتها الفصائل المسلحة عن الهجوم على قنواتها على تطبيق تلغرام كانت تدل على أسلوب العمل الذي اتبعته الفصائل المسلحة في تنفيذ الهجوم. وأصدرت قيادة حماس بعض البيانات بعد الهجوم قالت فيها إن مقاتليها تلقوا تعليمات بتجنب النساء والأطفال والمسنين، وهو أمر تناقضه الأحداث. كما أن بعض البيانات لم تأت على ذكر الرجال، الذين إذا كانوا مدنيين فهم محميون من الهجوم أيضا.

كما قام المقاتلون في كثير من الأحيان بإلحاق أضرار جسيمة بممتلكات الناس، بما فيها التحطيم والتخريب، وكذلك حرق بعض المباني كليا، ما عرّض المدنيين داخلها لخطر جسيم.

التعذيب وسوء المعاملة

ارتكب المقاتلون الفلسطينيون أعمال تعذيب وسوء معاملة بحق الأفراد الذين أسروهم، ومنهم أولئك الذين أُخذوا رهائن. ارتكاب التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة يشكّل انتهاكا لقوانين الحرب وجريمة حرب.

تُظهر فيديوهات تم التحقق منها مقاتلين يضربون من احتجزوهم ويركلونهم. وفي أحد الفيديوهات، يظهر أحد مقاتل وهو يسحب امرأة من شعرها. ويصور فيديو آخر رهينة أنثى لديها إصابات ظاهرة يتم سحبها من صندوق سيارة بواسطة مقاتل يسحبها من شعرها ويجبرها هو ورجل آخر، بينما هي تقاوم، على الجلوس في المقعد الخلفي للمركبة. يُظهر فيديو تم التحقق منه ومنشور على قناة تلغرام التابعة لـ مسعفي الجنوب (ساوث ريسبوندرز) رجالا يرتدون عصابات رأس تابعة لكتائب القسام يقتادون رجلا من ملجأ في محطة حافلات قرب كيسوفيم.[4] يوجّه المقاتلون الرجل نحو سيارة متوقفة بجانب موقف الحافلات ويضربه أحدهم مرارا بعقب بندقية. ويقترب مقاتل ثانٍ وهو يحمل رباطا بلاستيكيا ويشرع بركل الرجل مرتين في رأسه قبل أن يوقفه عن ذلك مقاتل آخر.

جرائم تنطوي على أفعال العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي

يشكّل الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الخطيرة جرائم بموجب القانون الدولي. قد تشكل أفعال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أيضا جريمة حرب تتمثل في الاعتداء على الكرامة الشخصية. وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي من قبل المقاتلين، بما فيها التعرية القسرية، ونشر صور أضفي عليه الطابع الجنسي على وسائل التواصل الاجتماعي دون الحصول على موافقة. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من جمع معلومات يمكن التحقق منها من خلال مقابلات مع ضحايا الاغتصاب أو شهود عليه أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. طلبت هيومن رايتس ووتش الوصول إلى معلومات حول العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي بحوزة الحكومة الإسرائيلية، لكن لم تتم الموافقة على هذا الطلب.

زار مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع إسرائيل بدعوة من الحكومة. أجرى الفريق مقابلات مع أشخاص أفادوا بأنهم شهدوا حالات اغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، وخلص إلى أن هناك "أسباب معقولة للاعتقاد بوقوع عنف جنسي مرتبط بالنزاع أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في مواقع متعددة في غلاف غزة، شمل الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، في ثلاثة مواقع على الأقل".[5]

أجرت "لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل" (لجنة تحقيق الأمم المتحدة) تحقيقا في الجرائم، بما فيها تلك التي ارتكبت خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. في تقرير اللجنة الصادر في يونيو/حزيران 2024، كتبت أنها "وثقت حالات تشير إلى عنف جنسي ارتكب ضد النساء والرجال في موقع مهرجان نوفا وما حوله، بالإضافة إلى موقع ناحل عوز العسكري والعديد من الكيبوتسات، بما فيها كفر عزة، ورعيم، ونير عوز"[6]، و"وجدت مؤشرات على أن أعضاء في الجناح العسكري لحركة حماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى ارتكبوا أعمال عنف على أساس النوع الاجتماعي في عدة مواقع في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول".[7]

 من المحتمل ألا يُعرف أبدا نطاق ارتكاب أفعال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول: فقد يكون العديد من الضحايا قد قُتلوا؛ وغالبا ما تثني وصمة العار والصدمة الناجيات والناجين عن الإبلاغ عن الاعتداءات؛ ولم تقم قوات الأمن الإسرائيلية وغيرها من الجهات المستجيبة إلى حد كبير بجمع الأدلة الجنائية ذات الصلة من مواقع الهجمات أو الجثث المنتشلة.[8]

أخذ الرهائن

تعرّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر أخذ الرهائن بأنه "إلقاء القبض على شخص (الرهينة) أو احتجازه، مع التهديد بقتله أو بإلحاق الأذى به أو بالاستمرار باحتجازه، من أجل إكراه طرف ثالث على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به كشرط واضح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة". قد يكون الرهائن مدنيين أو أسرى عسكريين. أخذ الرهائن يشكّل انتهاكا لقوانين الحرب وجريمة حرب.

وقد أعلنت قيادة حماس أن أخذ الرهائن كان جزءا جوهريا من خططها الهجومية. وكانت كتائب القسام ومجموعات مسلحة أخرى قد احتجزت 251 شخصا كرهائن في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بينهم 40 شخصا اختُطفوا من مهرجان سوبر نوفا الموسيقي، و39 طفلا. وحتى 1 يوليو/تموز، كان 116 رهينة لا يزالون في غزة، منهم 42 شخصا على الأقل لقوا حتفهم.

بثت كتائب القسام وفصائل مسلحة أخرى العديد من الفيديوهات التي تظهر الرهائن وهم يطلبون الإفراج عنهم ويطالبون الحكومة الإسرائيلية بالتحرك للإفراج عنهم. بث هذه الفيديوهات التي تظهر أشخاصا في الأسر هو أحد أشكال المعاملة اللاإنسانية التي تشكل جريمة الحرب المتمثلة في "الاعتداء على الكرامة الشخصية".

السلب والنهب وتدمير الممتلكات

يعرّف النهب بأنه الاستيلاء بالقوة على الممتلكات الخاصة. يشكل النهب وتدمير الممتلكات دون مبرر جرائم الحرب.

وقد قام مقاتلون فلسطينيون وأشخاص غير مسلحين، ربما كان بعضهم مدنيون من غزة، بالسرقة من المنازل خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وفي بعض الحالات، طالبوا بأموال وممتلكات أخرى من المدنيين الذين كانوا يحتمون داخل منازلهم.

جرائم ضد الإنسانية

 وجدت هيومن رايتس ووتش أن الفصائل الفلسطينية المسلحة المشاركة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ارتكبت هجوما واسع النطاق موجها ضد مجموعة من السكان المدنيين، بحسب التعريف المطلوب للجرائم ضد الإنسانية. يستند ذلك إلى المواقع المدنية العديدة التي استُهدفت لارتكاب الجرائم. الهجوم الموجه ضد السكان المدنيين كان أيضا منهجيا، استنادا إلى التخطيط الذي تضمنه ارتكاب الجرائم. ووجدت هيومن رايتس ووتش كذلك أن الأفعال الجرمية المتمثلة في قتل المدنيين وأخذ الرهائن كانت كلها أهدافا مركزية للهجوم المخطط له، وليست أفعالا طرأت لاحقا، أو نتائج خطة انحرفت عن مسارها، أو أعمالا معزولة، مثلا من خلال أفعال قام بها حصرا فلسطينيون من غزة غير تابعين لأي تنظيم، وبالتالي هناك أدلة قوية على وجود سياسة تنظيمية لارتكاب أفعال متعددة من الجرائم ضد الإنسانية.

نظرا إلى أنه في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وقع هجوم موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وأن القتل العمد بحق المدنيين وأخذ الرهائن – أي السَّجن في انتهاك للقواعد الأساسية للقانون الدولي – كانا جزءا منه، فإن هاذين الفعلين يرقيان إلى جريمتين ضد الإنسانية.

بناء على الأدلة المعروضة في هذا التقرير، تدعو هيومن رايتس ووتش إلى التحقيق بشأن جرائم أخرى ضد الإنسانية، منها الاضطهاد ضد أي جماعة محددة على أسس عرقية أو قومية أو إثنية أو دينية؛ والاغتصاب أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على قدر مشابه من الخطورة؛ والإبادة. ومن شأن هذه الأفعال أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية إذا كانت الأفعال الجرمية تلبي التعريفات الخاصة بكل من الجرائم المرتكبة، وارتُكبت هذه الجرائم ضمن "هجوم" موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.  

الفصائل الفلسطينية المسلحة المسؤولة عن الانتهاكات

تبرهن الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش وحللتها، بما فيها إفادات الشهود، وتصريحات مسؤولي حماس، وما تم التحقق منه من فيديوهات ومحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول كان منظما ومخططا له منذ زمن. كما تشير الأنماط المتسقة لسلوك المقاتلين أثناء الهجمات، وأسلحتهم، ومركباتهم، وملابسهم إلى درجة عالية من التخطيط والتنظيم.

وتمكنت هيومن رايتس ووتش من تأكيد مشاركة عدد من الفصائل الفلسطينية المسلحة استنادا إلى عصابات الرأس التي كان المقاتلون يرتدونها للإشارة إلى انتمائهم، واستنادا إلى المنشورات التي نشرتها الفصائل المسلحة على قنواتها على تلغرام والتي تعلن فيها مسؤوليتها عن أعمالها، بما فيها الانتهاكات.

وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة قوية على مشاركة ما لا يقل عن خمس فصائل فلسطينية مسلحة من غزة في الهجمات وهي: كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس؛ و"سرايا القدس"، الجناح المسلح لـ"حركة الجهاد الإسلامي"؛ و"كتائب المقاومة الوطنية" أو "قوات الشهيد عمر القاسم"، الجناح المسلح لـ "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"؛ و"كتائب الشهيد أبو علي مصطفى"، الجناح المسلح لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"؛ و"كتائب شهداء الأقصى"، التي كانت مرتبطة سابقا بـ"حركة فتح".

وتم التأكد من مشاركة هذه الجماعات إلى حد كبير من خلال تحليل مفصّل للمهاجمين الذين ظهروا في الفيديوهات التي التقطت أثناء الهجمات، بما فيها لقطات كاميرات المراقبة والكاميرات المثبتة على الجسم، حيث كان بعضهم يرتدي عصابات رأس ملونة مرتبطة بفصائل مسلحة محددة، بالإضافة إلى تحديد قنوات التواصل الاجتماعي على تطبيق تلغرام التابعة لفصائل مسلحة محددة نُشرت عليها فديوهات الانتهاكات، مع وصف مكتوب يعلن مسؤوليتها عن الأفعال المصوّرة.

وكانت جميع هذه المجموعات أعضاء في "غرفة العمليات المشتركة" في غزة، التي كانت خلال تصاعد القتال تشارك في التدريب والتخطيط وتنفيذ العمليات المسلحة ضد إسرائيل.

قادت كتائب القسام الهجوم وكانت أكثر المجموعات المسلحة نشاطا في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ونفذت هذه المجموعة 10 من الاختراقات الـ 13 للحاجز الفاصل بين غزة وإسرائيل التي وثقتها هيومن رايتس ووتش. ويظهر وجودها في 14 موقعا مختلفا على الأقل في مختلف أنحاء جنوب إسرائيل، حيث تظهر فيديوهات تم التحقق منها مقاتلي كتائب القسام وهم يحتجزون رهائن ويقتلون مدنيين وأفرادا من قوات الأمن الإسرائيلية.

كما تُظهر الفيديوهات التي تم تحليلها أن كتائب القسام والمجموعات المسلحة الأخرى المشاركة في الهجوم نسّقت ودمجت فيها بعض الأفراد الذين يبدو أنهم مدنيون فلسطينيون من غزة ارتكبوا انتهاكات بالاشتراك مع هذه القوات.

ردّ حركة حماس على مزاعم الانتهاكات

ردت حماس في 14 أبريل/نيسان 2024 برسالة من تسع صفحات مرفقة كملحق ومشار إليها في هذا التقرير على الأسئلة التي قدمتها هيومن رايتس ووتش في 28 فبراير/شباط. التأكيدات الرئيسية التي وردت في الرسالة هي: أن جناحها المسلح، كتائب القسام، هو الذي خطط للعملية التي أطلقت عليها اسم "عملية طوفان الأقصى"، وقاد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ وأن "حماس ملتزمة باحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني"؛ وأن "كتائب القسام كانت واضحة في توجيه عناصرها ومقاتليها بعدم استهداف المدنيين"؛ وأن "العقيدة القتالية للقسام... لا تستهدف المدنيين".

واتهمت الحركة فلسطينيين من غزة غير منتمين إليها، قالت إنهم اغتنموا الفرصة ليعبروا الحدود المخترقة، بارتكاب بعض الانتهاكات: "اندفع الناس ومعها فصائل فلسطينية غير مشاركة في العملية العسكرية، أدى إلى حدوث فوضى في الميدان، مما عمل على تغيير من الخطة التي كانت تذهب نحو تنفيذ عملية تجاه أهداف عسكرية". وأضافت أنه بعد وقوع الهجوم الأولي المخطط له، "المرحلة التالية التي اندفع فيها الأهالي في قطاع غزة وكذلك قوى مسلحة بدون تنسيق مع حماس، أدى إلى وقوع العديد من الأخطاء".

وقد تحدّث العديد من قادة حماس علنا عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وشمل ذلك الإشادة بالعملية بشكل عام في ذلك اليوم، ولكنهم نأوا بالحركة عن الانتهاكات المرتكبة. جاء في وثيقة باللغة الإنغليزية بعنوان "روايتنا... عملية طوفان الأقصى" صادرة عن المكتب الإعلامي لحماس بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2024، أن الهجمات استهدفت فقط المواقع العسكرية الإسرائيلية وتجنب المقاتلون إلحاق الأذى بالمدنيين، واستشهدت بالفوضى التي عمت مناطق السياج المخترقة.

وجدت هيومن رايتس ووتش أنه استنادا إلى المعلومات الواردة في هذا التقرير، فإن قول حماس إن قواتها لم تسعَ في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى إلحاق الضرر بالمدنيين الإسرائيليين هو ادعاء غير صحيح – فقد كان جزءا من الخطة منذ البداية. وتُظهر شهادات الناجين إلى جانب صور فوتوغرافية وفيديوهات تم التحقق منها من مواقع الهجمات أن المقاتلين الفلسطينيين بحثوا عن المدنيين وقتلوهم في مواقع الهجوم منذ اللحظات الأولى لبدئه، ما يشير إلى أن القتل المتعمد بحق المدنيين واحتجازهم كرهائن كان مخططا له وعلى درجة عالية من التنسيق.

مقتل مدنيين في تبادل إطلاق النار

وقع عدد من الضحايا المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول أثناء القتال بين القوات المسلحة الإسرائيلية والمقاتلين الفلسطينيين.[9] ويبدو أن بعض القتلى والجرحى قُتلوا أو جرحوا أثناء احتجازهم لدى القوات الفلسطينية، التي كانت تحتجزهم كرهائن.

وكانت هناك تحقيقات حكومية إسرائيلية في دور القوات المسلحة الإسرائيلية في المساهمة في عدد القتلى المدنيين حتى وقت كتابة هذا التقرير.

وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن القوات الإسرائيلية التي ردت على الهجوم أصابت بعض المدنيين أو قتلتهم أثناء الهجمات على المقاتلين الفلسطينيين داخل السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل وحوله.[10] وفي إحدى الحالات التي حقق فيها الجيش الإسرائيلي، خلص إلى أن قواته قتلت مدنيا إسرائيليا كان قد أُخذ رهينة قرب الحدود بين غزة وإسرائيل.[11]

هيومن رايتس ووتش على علم بحادثتين على الأقل يبدو أن المقاتلين الفلسطينيين استخدموا فيهما المدنيين دروعا بشرية. استخدام الدروع البشرية هو انتهاك لقوانين الحرب وجريمة حرب.

انتشال الجثث

أدى حجم هجمات الفصائل الفلسطينية المسلحة ونطاقه والقتال الذي أعقبها، وأخذ عشرات الرهائن إلى غزة، وعدد الجثث والجرحى المنتشرين في منطقة واسعة إلى تعقيد مهمة السلطات الإسرائيلية في انتشال الجثث والتعرف على الضحايا على وجه السرعة. وقد تم تخفيض العدد الأولي للمدنيين الذين أُعلن عن مقتلهم في وقت لاحق، وهو ما تعزوه السلطات الإسرائيلية إلى الارتباك في التعرف على الأشلاء البشرية التي تم انتشالها وتحديد ما إذا كانوا ضحايا أم مهاجمين.

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم تعط السلطات الإسرائيلية الأولوية لجمع الأدلة الجنائية. وقد زاد ذلك صعوبة معرفة حجم الانتهاكات المرتكبة وطبيعتها بدقة. وقد وصل أعضاء منظمة "زاكا"، وهي مجموعة من فرق الطوارئ التطوعية المجتمعية في إسرائيل، إلى المواقع بعد وقت قصير من وقوع الهجمات، وفي بعض الحالات أثناء وقوعها وبعد وصول الجيش. جمع أعضاء زاكا العديد من الجثث من مواقع الهجمات. وكانت أولويتهم، وفقا للشريعة اليهودية، الحفاظ على رفات الموتى اليهود، والتعرف على هوية الموتى والسماح للعائلات بدفن أحبائهم بسرعة وبكرامة. وضعت الرفات في أكياس الجثث ونقلت إلى "قاعدة شورا" العسكرية، وبعد ذلك سلمتها السلطات للعائلات لدفنها.

آثار الهجوم

في غضون أيام من هجمات الفصائل الفلسطينية المسلحة، قطعت السلطات الإسرائيلية الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه والكهرباء، عن سكان غزة ومنعت دخول جميع أنواع الوقود والمساعدات الإنسانية باستثناء القليل منها، وهي أعمال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.[12] وفَور وقوع الهجمات في جنوب إسرائيل، بدأت القوات الإسرائيلية قصفا جويا مكثفا ثم توغلا بريا في وقت لاحق، ويستمر ذلك حتى الوقت الحاضر، مما أدى إلى تحويل أجزاء كبيرة من غزة إلى ركام.[13] وقد كانت القوات الإسرائيلية مسؤولة عن عدد غير محدد من الهجمات العشوائية غير القانونية التي شنتها القوات الإسرائيلية وهجرت الغالبية العظمى من سكان غزة. وقد قُتل أكثر من 37,900 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و1 يوليو/تموز، وفقا لوزارة الصحة في غزة.[14] لا يمكن لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول أن يبرر الفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة، كما لا يمكن لأي فعل أو سياسة أو جريمة منسوبة للسلطات الإسرائيلية أن تبرر القتل غير المشروع وسوء المعاملة واحتجاز الرهائن وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها كتائب القسام وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة في إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وبالنسبة للناجين من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن مجتمعاتهم لا تزال في حالة يرثى لها. تصف روتم هولين من كفر عزة، التي انتقلت مع طفليها الصغيرين إلى فندق تم تحويله إلى مأوى مؤقت، تأثير الهجوم على الكيبوتس التي كانت تقطنه في أواخر أكتوبر/تشرين الأول:

عشنا جحيما وقضينا 32 ساعة دون أن نعرف ما يحدث لعائلاتنا وأصدقائنا وجيراننا. والآن علينا بناء منازل جديدة لأنفسنا – لم يتبق شيء. لا يمكنني حتى التفكير في العيش قرب غزة لأنني لا أستطيع تخيل عيش هذه الظروف مرة أخرى. لم نعتقد قط أن ذلك سيحدث. كل شخص تراه [في الفندق] محطم. جميعهم على الأرجح فقدوا أحد أعز أصدقائهم أو أحد أفراد عائلتهم. الجميع يتنقلون من جنازة إلى جنازة، وينظرون إلى اسم تلو الآخر لأشخاص قُتلوا، واسم تلو الآخر لأشخاص أُخذوا إلى غزة. لم تستوعب أدمغتنا هذه الخسارة بالكامل. علينا أن نخبر أطفالنا أن لديهم أصدقاء ومعلمين لن يعودوا أبدا. أخبرني ابني مؤخرا أن والد أحد أصدقائه قد قُتل بالرصاص، ووالدة صديق آخر حدث لها الشيء نفسه.[15]

         

على جميع أطراف النزاع المسلح في غزة وإسرائيل الالتزام التام بالقانون الإنساني الدولي. وعلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة الإفراج الفوري وغير المشروط عن المدنيين المحتجزين رهائن. عليها اتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة ضد أفراد الفصائل المسلحة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب، وأن تنقل أي أفراد صدرت بحقهم مذكرات من المحكمة الجنائية الدولية ليواجهوا المحاكمة.

كما على إيران، وتركيا، وقطر وغيرها من الدول التي لها علاقات بحماس، وجناحها المسلح، والفصائل المسلحة الأخرى المشاركة في الهجوم أن تسعى إلى الإفراج الفوري عن بقية الرهائن المدنيين. وعلى الدول التي تزود الفصائل الفلسطينية المسلحة التي شاركت في الهجوم بالأسلحة، بما فيها إيران، أن تعلق نقل الأسلحة طالما استمرت هذه الجماعات في ارتكاب انتهاكات لقوانين الحرب دون عقاب.

ولتسهيل التوثيق المستقل للانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف، على السلطات الإسرائيلية والفلسطينية والفصائل المسلحة أن تتعاون مع لجنة تحقيق الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، والإجراءات الخاصة ذات الصلة التابعة للأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة، وأن تتيح لها الوصول دون عوائق إلى جميع أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

خلال تكريم الأشخاص الذين قُتلوا أو أُخِذوا رهائن خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي شنته الفصائل الفلسطينية المسلحة، يضع رجل صورة أحد رواد مهرجان "سوبر نوفا" الموسيقي في موقع المهرجان في رعيم، جنوب إسرائيل، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. © 2023 رويترز/أمير كوهين


 

التوصيات

منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة، أصدرت هيومن رايتس ووتش العديد من التقارير التي تتضمن توصيات للسلطات الإسرائيلية والمجتمع الدولي.[16] التوصيات التي يتضمنها هذا التقرير نابعة من أبحاث هيومن رايتس ووتش حول هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وانتهاكات القانون الدولي.

إلى حماس وكتائب القسام الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى التي شاركت في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول

·      نشر قائمة كاملة بجميع الرهائن لديها والجثث التي تحتجزها؛

·      الإفراج الفوري عن جميع المدنيين المحتجزين كرهائن؛

·      طوال فترة احتجازها رهائن، ضمان معاملة جميع الرهائن بإنسانية؛ واحتجازهم في ظروف إنسانية مع إمكانية الحصول على الرعاية الطبية والغذاء والمأوى المناسب؛ والسماح لهم بالتواصل مع عائلاتهم على انفراد وتلقي زيارات من وكالة إنسانية محايدة؛

·      ضمان أن يتم فورا منح أي رهائن معرضين للخطر بشكل خاص، بمن فيهم المسنون، وأي ضحايا للعنف الجنسي، والمصابون أو الذين يحتاجون إلى أشكال أخرى من العلاج الطبي، إمكانية الحصول على العلاج والخدمات الكافية والمناسبة، وإعطائهم الأولوية في الإفراج عنهم لتسهيل حصولهم على خدمات الدعم الطبي والنفسي-الاجتماعي والرعاية الصحية النفسية؛

·      الوقف الفوري للهجمات غير القانونية، بما في ذلك الهجمات العشوائية والهجمات التي تستهدف المدنيين وتشمل الصواريخ والقذائف غير الموجهة التي تُطلق نحو المراكز السكانية الإسرائيلية؛

·      اتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة ضد الأعضاء المسؤولين عن إصدار الأوامر أو تنفيذ الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي؛

·      التعاون مع السلطات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وغيرها من آليات الأمم المتحدة وخبرائها المعنيين، من أجل ضمان تحقيق العدالة وجبر الضرر للضحايا عن الجرائم التي ارتكبت خلال عدوان 7 أكتوبر/تشرين الأول من بين أهداف أخرى؛

·      تقديم تعويضات فورية ومناسبة للضحايا وعائلاتهم عن الوفيات، والإصابات، وأعمال العنف الجنسي، والأضرار التي لحقت بالممتلكات الناجمة عن الهجمات غير القانونية.

إلى السلطات الفلسطينية

·      توجيه دعوة علنية إلى جميع الفصائل التي تحتجز رهائن مدنيين في غزة إلى إطلاق سراحهم؛

·      إجراء تحقيقات شفافة، وذات مصداقية، ونزيهة في المزاعم ذات المصداقية بشأن انتهاكات قوانين الحرب التي ارتكبها أشخاص خاضعون لولايتها القضائية، بما في ذلك الانتهاكات المفصلة في هذا التقرير، وملاحقة الضالعين في الانتهاكات على كافة المستويات في إجراءات عادلة وشفافة؛

·      الإعلان عن نتائج التحقيقات، بما يشمل الأهداف العسكرية المقصودة من الهجمات، إن وجدت، التي أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، والهجمات التي ألحقت أضرارا مباشرة أو غير مباشرة بالبنية التحتية المدنية وغيرها من الأعيان المحمية؛

·      التعاون مع السلطات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وغيرها من آليات الأمم المتحدة وخبرائها المعنيين، من أجل ضمان العدالة وجبر الضرر للضحايا عن الجرائم المرتكبة خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك أعمال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وغيرها؛

·      عدم التعاون، أو التنسيق مع، أو دعم، الفصائل المسلحة التي يثبت بشكل موثوق أنها ترتكب انتهاكات منهجية ضد المدنيين، لا سيما كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب المقاومة الوطنية أو قوات عمر القاسم، وكتائب أبو علي مصطفى، وكتائب شهداء الأقصى؛

·      الإدانة العلنية لجميع الهجمات ضد المدنيين التي تكون موجَّهة أو عشوائية أو تخرق القانون بأشكال أخرى.

إلى الحكومة الإسرائيلية

·      ضمان إجراء جميع التحقيقات في الانتهاكات التي ارتكبت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا سيما العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بطريقة تركّز على الضحايا، وتستند إلى أفضل الممارسات وتحترم استقلالية الضحايا وأسرهم وخصوصيتهم، وتربط الناجين بخدمات الدعم والمساعدة الشاملة؛[17]

·      مشاركة الهيئات الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أي أدلة تم جمعها حول الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية المسلحة على صلة بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، بما يتماشى مع حقوق الضحايا، ومنها الحق في الخصوصية، بغرض السعي إلى تحقيق المساءلة؛

·      التعاون الفوري مع المحكمة الجنائية الدولية، ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وآليات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة وخبرائها، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة، وتمكين هذه الجهات من الوصول دون عوائق إلى جميع أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة؛

·      الاستمرار في ضمان حصول أي ناجية أو ناج من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول أو من الانتهاكات اللاحقة التي ارتكبت أثناء احتجاز هذا الشخص رهينة، ولا سيما الأطفال وأي ضحية للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، على خدمات شاملة ومناسبة وفورية ومستمرة، بما في ذلك الدعم النفسي-الاجتماعي والرعاية الصحية وجمع الأدلة وحفظها، وأن يتم تقديم الخدمات بطريقة تتمحور حول الضحايا وبسرية تحترم استقلاليتهم وخصوصيتهم؛

·      معاملة جميع الفلسطينيين المحتجزين للاشتباه في مشاركتهم في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وفقا للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك الامتناع عن أي شكل من أشكال سوء المعاملة أثناء الاستجواب، وتزويد العائلات بمعلومات محدّثة عن مكان أقاربهم أثناء احتجازهم والسماح لهم بالتواصل المباشر، ومنحهم جميع ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة.

إلى مجلس الأمن الدولي

·      المطالبة بالسماح للمحكمة الجنائية الدولية، ولجنة تحقيق الأمم المتحدة، ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، وآليات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة وخبرائها، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة التي تحقق في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها من أعمال عدائية بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة بالوصول دون عوائق إلى جميع أنحاء إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.

إلى جميع الدول

·      فرض، أو الإبقاء على، العقوبات الموجّهة، بما في ذلك تجميد الأصول ومنع السفر، ضد المسؤولين والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة المستمرة، مع ضمان ألا تلحق هذه التدابير الضرر بالمدنيين والمنظمات غير الحكومية التي تقوم بأنشطة محمية دوليا في غزة وأماكن أخرى في فلسطين. ويتعيّن أن تتاح الفرصة لجميع المستهدفين بالعقوبات للطعن في مثل هذه القرارات في إجراءات عادلة وسريعة من قبل محاكم مستقلة وقضاة مستقلين؛

·      تعليق الأسلحة والمساعدات العسكرية المقدمة إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة الضالعة بشكل موثوق في انتهاكات جسيمة، طالما أنها ترتكب منهجيا انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية مع الإفلات من العقاب؛

·      التحقيق مع أولئك الذين يثبت ضلوعهم بشكل موثوق في الجرائم الدولية المرتكبة في إطار هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ومقاضاتهم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية وفي إجراءات عادلة وشفافة وفقا للمعايير الدولية للإجراءات القانونية الواجبة؛

·      دعم تحقيقات الأمم المتحدة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وحث الفصائل الفلسطينية المسلحة الضالعة وإسرائيل على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ولجنة تحقيق الأمم المتحدة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وآليات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة وخبرائها، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة؛

·      حماية استقلالية المحكمة الجنائية الدولية والإدانة العلنية للجهود الرامية إلى ترهيب المحكمة ومسؤوليها والمتعاونين معها أو التدخل في عملهم؛

·      التعبير عن دعم أي مذكرات اعتقال قد تصدرها المحكمة الجنائية الدولية، والالتزام بالعمل على ضمان تنفيذ هذه المذكرات، والضغط على السلطات الفلسطينية والإسرائيلية للتعاون مع المحكمة؛

·      دعم آليات العدالة المستقلة؛

·      المطالبة بإتاحة وصول آليات العدالة الأممية والدولية والمحققين المستقلين في مجال حقوق الإنسان دون عوائق إلى جميع أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة للتحقيق في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها من أعمال عدائية بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة.

إلى حكومات مصر وإيران وتركيا وقطر ودول الخليج الأخرى التي لها علاقات مع كتائب القسام والفصائل المسلحة الأخرى في غزة التي شاركت في الهجوم أو لها تأثير عليها

·      استخدام النفوذ على الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تحتجز رهائن مدنيين للضغط من أجل الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.

·      استخدام النفوذ على الفصائل المسلحة الفلسطينية التي شاركت في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وغيرها من الهجمات على المدنيين من أجل احترام القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وذلك وفقا لالتزاماتها بموجب المادة الأولى المشتركة.

المنهجية

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 144 شخصا لإعداد هذا التقرير، كانت معظمها مقابلات شخصية في إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. وأُجريت مقابلات مع أشخاص آخرين عن بُعد بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويونيو/حزيران 2024. وشملت المقابلات 94 ناجيا وشاهدا من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى سبعة من أفراد عائلات الضحايا والناجين، الذين ذهب بعضهم إلى مواقع الهجوم أثناء عمليات الإجلاء أو بعدها مباشرة.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى خبيرين طبيين استأجرتهما الحكومة الإسرائيلية لفحص الرفات التي جمعتها منظمة زاكا (انظر أدناه) وتقديم المشورة في الطب الشرعي. وأجرينا أيضا مقابلات مع 17 من مقدمي الخدمات والمحققين والمناصرين الذين كانوا يجمعون معلومات عن أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي التي أفيد أنها ارتُكبت أثناء الهجمات.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع عضو سابق في الجيش الإسرائيلي كان قد شارك في القتال في 7 أكتوبر/تشرين الأول. كما تحدثنا إلى تسعة صحفيين زاروا مواقع الهجمات بعد القتال مباشرة.

ونظرا لدورهم في جمع جثث الضحايا من مواقع الهجوم، تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 10 متطوعين من أوائل المستجيبين المتطوعين من فريق منظمة زاكا للبحث والإنقاذ (المعروف أيضا باسم فريق التعرف على ضحايا الكوارث). وزاكا هي منظمة جامعة لفرق طوارئ مجتمعية تطوعية في إسرائيل، تمولها جزئيا الحكومة الإسرائيلية وتشمل مهمتها المساعدة في التعرف على ضحايا الهجمات وجمع الرفات لدفنها في مقابر اليهود. أعضاء زاكا الذين تحدثت معهم هيومن رايتس ووتش كانوا جميعا من أوائل المستجيبين لمواقع الهجمات. وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، قدم بعض أعضاء زاكا معلومات لوسائل الإعلام ثبت أنه لا أساس لها من الصحة.[18] في تقييمنا لمزاعم الانتهاكات، اعتمدنا فقط على المعلومات التي قدموها والتي تمكنا من تأكيدها بشكل مستقل من خلال معلومات إضافية، بما في ذلك روايات متعددة، وصور فوتوغرافية وفيديوهات شاركتها زاكا ومصادر أخرى وحللتها هيومن رايتس ووتش.

كان معظم الذين تمت مقابلتهم من الإسرائيليين اليهود، ولكننا قابلنا أيضا فلسطينيين من غزة، وفلسطينيين من مواطني إسرائيل، وعمال أجانب من نيبال، وتايلاند، والفلبين.

أجريت المقابلات في المقام الأول باللغة العبرية بمساعدة مترجمين فوريين، وباللغات العربية، والإنغليزية والإسبانية، والتايلاندية.

أبلغ الباحثون جميع الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات بالغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعية، والطرق التي ستستخدم بها هيومن رايتس ووتش المعلومات. حصلنا على موافقة جميع الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، الذين فهموا أنهم لن يحصلوا على أي تعويض عن مشاركتهم. تم تغيير أسماء بعض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في هذا التقرير بناء على طلبهم لحماية خصوصيتهم. فقد أعطيت أسماء مستعارة للأشخاص الذين تمت الإشارة إليهم بالاسم الأول وحروف اسم العائلة، في حين أن أولئك الذين ذكرت أسماؤهم الأولى وأسماؤهم العائلية لم تُغَيَّر أسماؤهم.

حاولت هيومن رايتس ووتش إجراء مقابلات مع الناجين من جميع المواقع المدنية التي تعرضت للهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنها لم تتمكن في نهاية المطاف من مقابلة الناجين من الهجمات على موشاف بري غان، وموشاف ياشيني، ومهرجان "سايداك" الموسيقي.

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، زارت هيومن رايتس ووتش كيبوتس بئيري. وعلى الرغم من الطلبات العديدة التي قدمتها، لم تمنح السلطات الإسرائيلية هيومن رايتس ووتش الإذن بزيارة أي من مواقع الهجمات الأخرى.

وتحققت هيومن رايتس ووتش من أكثر من 280 فيديو وصورة فوتوغرافية التقطت أثناء أو بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول مباشرة، بما في ذلك 157 فيديو رُفعت على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية و123 فيديو تمت مشاركتها مباشرة مع الباحثين. كما حضر باحث عرضا لفيديو مدته 45 دقيقة تقريبا من لقطات مختلفة من 7 أكتوبر/تشرين الأول، بدعوة من القنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلس.

ووفق منهجيتنا المعتادة، فإن كل فيديو وصورة فوتوغرافية تحقق منها باحثون في المصادر المفتوحة في هيومن رايتس ووتش تمت مراجعتها من قبل موظفين لديهم خبرة في مجال التحقق البصري. لتحديد موقع كل فيديو وصورة فوتوغرافية، طابق الباحثون المعالم مع صور الأقمار الصناعية المتاحة، والصور الفوتوغرافية على مستوى الشارع، أو غيرها من المواد البصرية. وحيثما أمكن، استخدمت هيومن رايتس ووتش موقع الشمس وأي ظلال تظهر في الفيديوهات والصور الفوتوغرافية لتقدير وقت تسجيل المحتوى. كما تأكد الباحثون أيضا من أن جميع أجزاء المحتوى لم تظهر على الإنترنت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك باستخدام مختلف محركات البحث العكسية للصور.

اعتمدت هيومن رايتس ووتش مصطلحات محددة للتمييز بين المحتوى السمعي البصري الذي حللناه والمحتوى السمعي البصري الذي تحققنا منه أيضا. في هذا التقرير، تستخدم هيومن رايتس ووتش مصطلح "التحليل" للمحتوى الذي تمت مراجعته ويبدو أنه حقيقي، لكننا لم نتمكن من التأكد من جميع الجوانب الزمنية أو الجغرافية أو السياقية. ونستخدم عبارة "تم التحقق منه" لمقاطع الفيديو أو الصور الفوتوغرافية التي تمكنا من التأكد من الموقع والإطار الزمني والسياق الذي التقطت فيه.

عند مراجعة لقطات كاميرات المراقبة وكاميرات لوحات قيادة السيارات، لم يفترض الباحثون أن التوقيت الظاهر في الفيديوهات دقيق؛ فقد تكون أخطاء البرمجة، واختلاف المناطق الزمنية، والتوقيت الصيفي، وعوامل أخرى قد تسببت في حدوث اختلافات. ومع ذلك، تم تضمين هذه الطوابع الزمنية في وصف الفيديوهات حيثما كان ذلك مناسبا. راجعت هيومن رايتس ووتش الفيديوهات لقطة بلقطة لتوثيق كيفية مقتل الأشخاص أو إصابتهم أو تعرضهم للأذى بأي شكل آخر.

جزء كبير من المواد المرئية التي حللتها هيومن رايتس ووتش تم تسجيلها وإخضاعها للمونتاج من قبل فصائل فلسطينية مسلحة أو لقطات من كاميرات المراقبة وكاميرات لوحات قيادة السيارات أعيد توزيعها من قبل مجموعة مجهولة على تطبيق تلغرام يصفون أنفسهم بأنهم أوائل المستجيبين الإسرائيليين ويطلق عليهم اسم "مسعفو الجنوب" (ساوث فيرست رسبوندرز). وفي حين أن هيومن رايتس ووتش تحققت من الأحداث التي تظهر في المحتوى الذي شاركته هذه المجموعات، إلا أن الفصائل المسلحة ومنظمة مسعفي الجنوب هي أعدّت المحتوى الذي نشرته. لا يعرف الباحثون كمية اللقطات التي اختارت هذه الأطراف عدم نشرها. بالإضافة إلى ذلك، تم قص الكثير من اللقطات وتعديلها في مقاطع مونتاجية. يتضمن التقرير الادعاءات التي قدمتها منظمة مسعفي الجنوب في التعليقات المصاحبة لمقاطع الفيديو التي نشرتها، مع ملاحظة تشير إلى ما إذا كانت هيومن رايتس ووتش قد تمكنت من التحقق منها. عندما يتم إيراد مثل هذه الادعاءات، يذكر التقرير مصدرها على أنها مأخوذة من التعليقات المصاحبة لقناة مسعفي الجنوب.  

جاء بعض المحتوى الذي تم تحليله من قنوات تلغرام أنشأتها فصائل مسلحة تم تحديدها على أنها شاركت في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. أثبتت هيومن رايتس ووتش أن هذه القنوات تعود للجماعات المسلحة بوسائل شملت مراجعة تاريخ إنشائها وما إذا كانت نشطة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول بفترة طويلة. تأكدنا من تطابق صور الحسابات الشخصية وأسمائها مع صور وأسماء الفصائل المسلحة، وأن كل قناة كانت تنشر لقطات خاصة بالجماعة. كان لدى جميع القنوات أعداد كبيرة من المتابعين.[19] 

نشرت كل قناة رئيسية لكل مجموعة مسلحة على تلغرام فيديوهات تتبنى صراحة الأعمال التي تحدث في الفيديو. تبدأ العديد من اللقطات التي تظهر الانتهاكات بعنوان يظهر فيه على سبيل المثال "مشاهد من اقتحام سرايا القدس لعدد من المواقع العسكرية ومستوطنات غلاف غزة ضمن معركة "طوفان الأقصى"". في يوم الهجوم، وفي الأيام التالية، لم يتمكن الباحثون من تحديد أي محتوى تم نشره عبر قنوات متعددة، ما يعطي درجة عالية من الثقة بأن المحتوى المنشور هو من إنتاج المجموعة التي تدير القناة ويُظهر أعمالا قامت بها تلك المجموعة.

عند تحليل الفيديوهات، لاحظ الباحثون اتساقا بين عصابات الرأس الملونة أو عصابات الذراعين التي تحمل شاراتٍ محددة يرتديها العديد من المقاتلين، والتي تتطابق مع شعارات مجموعات مسلحة معينة، وقنوات تلغرام التي تظهر فيها. لم تشارك أي من قنوات المجموعات المسلحة فيديوهات لأشخاص يرتدون ألوانا أو شاراتٍ من مجموعات مختلفة.

من خلال تحديد الألوان والشارات التي يرتديها المقاتلون وتحديد الفيديوهات التي تظهرهم وهم يرتدون ملابس مميزة، تمكنت هيومن رايتس ووتش من الحصول على بعض المعلومات حول مستوى مشاركة مختلف الجماعات الفلسطينية المسلحة في الهجمات. وقد راجعت هيومن رايتس ووتش الفيديوهات التي تم التحقق منها للتأكد مما قاله المهاجمون وما إذا كانت الجماعات المسلحة قد أشارت إلى نواياها أو نسقت هجماتها أو توقيت أو كيفية قيامها بذلك. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما إذا كان الأفراد الذين لا يحملون شارات أو ملابس مميزة ينتمون إلى الجماعات المعنية.

ولحماية خصوصية الضحايا والناجين وكرامتهم، لم تدرج هيومن رايتس ووتش روابط مباشرة للفيديوهات والصور الفوتوغرافية الموجودة على الإنترنت. ومع ذلك، ولغرض الشفافية وللسماح بإجراء تحليل مستقل، قدمنا اقتباسات من الفيديوهات التي حللناها وتاريخ نشرها على الإنترنت. تتوافق تواريخ الفيديوهات المدرجة في الاقتباسات مع التوقيت المحلي للنشر في إسرائيل. حفظت هيومن رايتس ووتش الفيديوهات والصور المستخدمة في تحليل هذا التقرير في حال تمت إزالتها من المصادر الموجودة على الإنترنت.

راجع خبيران مستقلان في الطب الشرعي 12 صورة فوتوغرافية وفيديو لرفات بشرية حللتها هيومن رايتس ووتش وقدما تقييمهما المهني.

يوثق التقرير الهجمات على المواقع المدنية والضحايا المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وهو لا يغطي الهجمات على المواقع العسكرية أو القوات العسكرية باستثناء الحوادث التي تساعد في توفير السياق. وقد أفادت هيومن رايتس ووتش في تقارير منفصلة عن انتهاكات قوانين الحرب من قبل القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة في أعقاب هذه الهجمات.[20]

وفي جميع الحالات التي نقدم فيها أعداد القتلى في مختلف المواقع، فإننا نقدم مصدر هذه الأرقام. تستند العديد من الأرقام الواردة في هذا التقرير بشأن عدد القتلى أثناء العدوان وفي أعقابه مباشرة إلى إحصاء الضحايا الذي وضعته وكالة فرانس برس. ولحساب أرقامها، أجرت فرانس برس تقاطعا بين البيانات التي نشرها بشكل منفصل كل من مؤسسة الضمان الاجتماعي الإسرائيلية، والقوات المسلحة، والشرطة، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الإسرائيليين الذين قتلوا في مواقع الهجوم بين 7 و10 أكتوبر/تشرين الأول، ومصادر أخرى بما في ذلك تقاريرها الخاصة لتحديد الضحايا غير الإسرائيليين. غير أن هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن فرانس برس لم تحتسب الجنود أو الشرطة أو أعضاء فرق التدخل السريع كمدنيين، رغم أن الشرطة وأعضاء فرق التدخل السريع الذين لا يضطلعون بدور قتالي دائم عادة ما يكونون مدنيين بموجب قوانين الحرب. وقد أعادت هيومن رايتس ووتش نشر الأرقام الإجمالية لوكالة فرانس برس بسبب المنهجية الدقيقة التي استخدمتها الوكالة للتحقق من أرقامها، والتي شاركتها مع هيومن رايتس ووتش.   

وانسجاما مع منهجنا العالمي في التعامل مع النزاعات المسلحة، تطبق هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير القانون الإنساني الدولي الملزم للدول والجماعات المسلحة من غير الدول على حد سواء في إدارة الأعمال العدائية، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي المعمول بهما.

ليس من اختصاص هيومن رايتس ووتش تناول ما إذا كان هناك ما يبرر لجوء أي طرف إلى القوة المسلحة. وتحتفظ هيومن رايتس ووتش بموقف الحياد في قضايا قانون مسوغات الحرب (القانون الذي يحكم مبررات اللجوء إلى الحرب) من أجل تشجيع جميع الأطراف في النزاعات المسلحة على احترام قانون وقت الحرب (القانون الذي يحكم السلوك المقبول في الحرب)، بما في ذلك وخاصة حماية المدنيين. في تقاريرنا على الصعيد العالمي، لا تستعمل هيومن رايتس ووتش مصطلح "الإرهابيين" أو "الإرهاب" لجهات أو أعمال محددة لأنه لا يوجد تعريف متفق عليه دوليا، ولأن هذه التسمية لا تؤثر على الالتزامات القانونية الدولية للأطراف المتحاربة. لم نغير الاقتباسات عندما تم استخدام المصطلحين من قبل الناجين أو الشهود.

وتماشيا مع ممارسات هيومن رايتس ووتش في النزاعات المسلحة التي تشمل جماعات مسلحة غير تابعة للدول، فإننا عادة ما نشير إلى الأعضاء في تلك الجماعات المنخرطة في الأعمال العدائية بـ "المقاتلين"، بغض النظر عن المصطلحات التي قد يستخدمونها هم أو غيرهم. أما أفراد الجيوش الوطنية، وهي في هذه الحالة القوات المسلحة الإسرائيلية، فيشار إليهم عادة بـ"الجنود".

في مارس/آذار، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسائل تتضمن ملخصا للنتائج التي توصلت إليها وأسئلة إلى ممثلين كبار عن حماس والجهاد الإسلامي. وفي 14 أبريل/نيسان، استجابت حماس بردود (يشار إليها من الآن فصاعدا برسالة حماس بتاريخ 14 أبريل/نيسان) تم تضمينها في التقرير حيث يلزم. الرد منشور بالكامل في ملحق التقرير. وقد أكدت حركة الجهاد الإسلامي استلامها الرسالة، ولكنها لم تكن قد قدمت أي رد جوهري حتى وقت كتابة التقرير.

من يناير/كانون الثاني حتى مارس/آذار، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى مختلف السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء، والقوات المسلحة الإسرائيلية، والشرطة الإسرائيلية، و"وحدة لاهاف 433" التابعة للشرطة، ووزارة الصحة، والنيابة العامة للدولة تطلب فيها معلومات عن تحقيقات الحكومة في الجرائم التي ارتكبت خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

تلقت هيومن رايتس ووتش ردودا من الشرطة الإسرائيلية، والنيابة العامة للدولة، والقوات المسلحة الإسرائيلية بين 1 فبراير/شباط و23 مايو/أيار. لم يتضمن أي من الردود أي معلومات جوهرية عن تحقيقات الحكومة أو أدلة على الانتهاكات المرتكبة. وقال ممثل عن الشرطة الإسرائيلية إن الشرطة غير ملزمة بموجب القانون الإسرائيلي بتقديم هذه المعلومات. وقالت النيابة العامة للدولة إنها لا تملك هذه المعلومات وأحالتنا إلى سلطات أخرى. وطلب مكتب رئيس الوزراء تمديدا للرد على رسالتنا، متعهدا بالقيام بذلك بحلول 17 يوليو/تموز 2024.

نشرت السلطات الإسرائيلية عدة فيديو لاستجوابات فلسطينيين اعتقلتهم وتقول إنهم شاركوا في اعتداء 7 أكتوبر/تشرين الأول. بحسب المعايير التي تحكم ممارساتنا، لم نستخدم الروايات المسجلة في هذه الفيديوهات وغيرها من فيديوهات المعتقلين بسبب عدم موثوقية مثل هذه الفيديوهات بطبيعتها. يجب معاملة جميع السجناء بكرامة وعدم تعريضهم لفضول الجمهور، وغالبا ما تستخدم مثل هذه الفيديوهات التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة أو تشجع على ذلك.[21]

لم تحاول هيومن رايتس ووتش التطرق بشكل مباشر للمعلومات المضللة الكثيرة التي انتشرت حول أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومع ذلك، فقد قمنا بالرد على الادعاءات غير الدقيقة التي وردت في رسالة حماس بتاريخ 14 أبريل/نيسان.


 

مسرد الفصائل الفلسطينية المسلحة المشاركة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول

شاركت خمس جماعات فلسطينية مسلحة على الأقل في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما تزعم مجموعتان أخرتان أنهما شاركتا، وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى احتمال مشاركة فصيل ثامن.

 كتائب عز الدين القسام: الذراع العسكري لحماس وشُكِّلت في 1992، وفقا للجماعة، وهي أكبر الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وأقواها وأحسنها تنظيما.[22] قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان الفصيل بحسب تقارير يضم 20 ألف عضو على الأقل ينضوون في سبع ألوية.[23] لدى كتائب القسام مخيمات تدريب ومعسكرات في مختلف أنحاء قطاع غزة وغالبا ما تطلق الصواريخ عشوائيا على المراكز السكانية في إسرائيل منذ 2001.[24] محمد دياب ابراهيم المصري، المعروف بـ محمد الضيف، هو القائد العام لكتائب القسام، ومروان عيسى، الذي زعمت القوات الإسرائيلية أنها قتلته في مارس/آذار 2024، كان قائد قوات القسام في غزة.[25] يرتدي أعضاء كتائب القسام غالبا عصابات رأس بيضاء وخضراء مع كتابة باللون الآخر  للتعريف عن أنفسهم. 

سرايا القدس: الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، التي لا يُعرف عدد أعضائها، تأسس في 1987.[26] أطلقت سرايا القدس أيضا الصواريخ بشكل عشوائي نحو إسرائيل وتُشغّل خلايا في الضفة الغربية المحتلة.[27] في مايو/أيار 2023، قتلت القوات الإسرائيلية خليل البهتيني، قائد كتائب هذا الفصيل في شمال غزة؛ وجهاد شاكر الغنام، الأمين العام للمجلس العسكري؛ وطارق محمد عز الدين، قائد عسكري آخر في سرايا القدس.[28] منذ ذلك الحين، توقفت سرايا القدس عن الكشف عن أسماء قادتها. في يناير/كانون الثاني 2024، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها قتلت في شمال غزة ممدوح اللولو، الذي يُزعم أنه قائد رفيع لسرايا القدس.[29] يميّز أعضاء سرايا القدس أنفسهم بارتداء عصبة رأس سوداء تحمل كتابات الأصفر.

كتائب المقاومة الوطنية التي تُعرف أيضا بـ قوات الشهيد عمر القاسم: هي الذراع العسكري لـ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهي فصيل من "منظمة التحرير الفلسطينية". تأسست الجماعة في عام 2000 عند بداية "الانتفاضة الثانية".[30] تفيد تقارير بأنها تتألف من خلايا صغيرة تعمل في غزة والصفة الغربية. عديد قواتها غير معروف. يُزعم أن هذا الفصيل أطلق صواريخ وقذائف هاون بشكل عشوائي على إسرائيل.[31] يرتدي مقاتلو كتائب المقاومة الوطنية غالبا عصابة رأس حمراء للتعريف عن أنفسهم. 

كتائب الشهيد أبو علي مصطفى: هي الذراع العسكري لـ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تأسست العام 2000، وهي أيضا فصيل من منظمة التحرير الفلسطينية، ولديها بحسب تقارير مئات الأعضاء الذين يعملون في غزة والضفة الغربية.[32] يرتدي مقاتلو كتائب أبو علي مصطفى غالبا عصابة رأس حمراء عليها كتابة باللون الأبيض للتعريف عن أنفسهم. 

كتائب شهداء الأقصى: تشكّلت في بداية الانتفاضة الثانية في عام 2000 وعندما انضمت إلى حركة فتح، أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية، وشنّت هجمات ضد المدنييين الإسرائيليين في الضفة الغربية وغزة وداخل إسرائيل.[33] بعد استيلاء حماس على غزة في 2007، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوما بتفكيك بعض الفصائل المسلحة، منها كتائب شهداء الأقصى.[34] في غزة، قمعت حماس عمل هذا الفصيل ضمن حملة أوسع ضد الفصائل التابعة لـ فتح.[35] مع ذلك، وبحسب تقارير، منحت حماس مؤخرا كتائب شهداء الأقصى بعض المساحة للعمل.[36] ليس لدى هذه الكتائب، التي تعمل في غزة والضفة الغربية، قيادة موحدة مركزية وتتكوّن من مجموعات موزعة جغرافيا من ضمنها "لواء الشهيد نضال العامودي" و"مجموعات الشهيد أيمن جودة" في غزة. في مايو/أيار 2022، انتخب أعضاء كتائب شهداء الأقصى بحسب تقارير سالم ثابت قائدا عسكريا لهم.[37] يرتدي مقاتلو كتائب شهداء الأقصى عصابة رأس صفراء أو بيضاء مكتوب عليها بالأسود للتعريف عن أنفسهم. 

ألوية الناصر صلاح الدين: هي الذراع العسكري لـ"لجان المقاومة الشعبية"، وهي مجموعة تشكلت في عام 2000 في بداية الانتفاضة الثانية وبحسب تقارير، أسستها كتائب شهداء الأقصى؛ نفذت ألوية صلاح الدين عمليات مشتركة مع كتائب عز الدين القسام.[38] في 2006، انضم الفصيل إلى حماس في خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط داخل إسرائيل.[39] في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صرّحت الحكومة الإسرائيلية أنها قتلت رأفت أبو هلال الذي زعمت أنه قائد الفصيل.[40]

 

كتائب المجاهدين: كان هذا الفصيل أساسا وحدة ضمن كتائب شهداء الأقصى وتأسس في 2007. وعدد مقاتليها غير معروف.[41] قائد كتائب المجاهدين بحسب تقارير هو أسعد أبو شريعة.[42]

كتائب الأنصار: هي الذراع العسكري لـ"حركة الأحرار"، وهي حزب سياسي انفصل عن حركة فتح في 2007.[43] عدد مقاتلي الفصيل غير معروف.

غرفة العمليات المشتركة في قطاع غزة: في 2018، أسست الفصائل الفلسطينية الملسحة التي تعمل في قطاع غزة "غرفة عمليات مشتركة"، تعرف رسميا بـ "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية"، لتنسيق أنشطتها العسكرية ضد إسرائيل.[44] وفقا لأيمن نوفل، وهو قائد رفيع في كتائب القسام، "تتصدى الغرفة المشتركة لقرار المواجهة وتنعقد قبل وأثناء المعركة أيا كان سببها، وتباشر في نظم إيقاع المواجهة بالتشاور والتنسيق على أعلى المستويات، من حيث حجم تفعيل القوة، والتوقيتات ومَديات الرماية وأحجامها، وطبيعة المشاركة من الفصائل المختلفة، وفق اعتبارات تحددها قيادة الغرفة بالتنسيق والتشاور والتوافق، وكذلك تبادل المعلومات وتقديرات الموقف أولا بأول، إلى كافة تفصيلات العمل العسكري".[45] ساعدت غرفة العمليات المشتركة أيضا في تنظيم دورات تدريبية وكانت مسؤولة عن تنظيم وإجراء مناورات كبرى بين الفصال منذ عام 2020.[46] حتى سبتمبر/أيلول 2023، كانت غرفة العمليات المشتركة تتألف من 10 فصائل فلسطينية ، هي: كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وكتائب المقاومة الوطنية، وألوية الناصر صلاح الدين، وكتائب المجاهدين، وكتائب شهداء الأقصى، وكتائب شهداء الأقصى- لواء الشهيد نضال العامودي، وكتائب الشهيد جهاد جبريل، بالإضافة إلى كتائب الأنصار.[47]


 

الخلفية

يخضع قطاع غزة للاحتلال الإسرائيلي منذ يونيو/حزيران 1967، حسبما حددته "الأمم المتحدة" و"اللجنة الدولية للصليب الأحمر".[48] رغم أن إسرائيل ليس لديها جيوش بشكل دائم في غزة منذ 2005، إلا أنها ما تزال قوة الاحتلال بموجب القانون الإنساني الدولي، ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في ضوء السيطرة الفعلية المستمرة التي تمارسها على حياة ورفاه سكان غزة.[49]

في التسعينيات، أنجزت إسرائيل بناء حاجز بين غزة وإسرائيل، وفي منتصف 2006، استكملت بناء نظام أمني معزز يتحكم في الحركة بين غزة وإسرائيل، وأرست "سياسة فصل" رسمية بين غزة والضفة الغربية.[50] يتألف الحاجز من جدار مجهز بأجهزة استشعار، وأسلحة آلية يتم التحكم بها عن بعد وأسلاك شائكة في ثلاث مناطق حيث تكون الحدود محاذية لمستوطنات إسرائيلية.[51] يخضع الجدار لحراسة من الجو وعلى الأرض.[52]

تقع عشرات التجمعات الصغيرة، معظمها محاط بأسيجة أمنية، شمال وشرق قطاع غزة في منطقة من إسرائيل تُعرف بـ "غلاف غزة". تُشغّل هذه التجمعات، وبعضها كيبوتسات، مزارع ومصانع صغيرة. يُشكل اليهود الإسرائيليون غالبية سكان هذه التجمعات. العديد منها تستضيف عمالا أجانب وطلاب يعيشون ويعملون فيها. كما يعمل غالبا في هذه التجمعات فلسطينيون من مواطني إسرائيل ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في 2007، تولّت حماس السيطرة الداخلية في غزة بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.[53] اتسم الحكم في غزة بقيادة حماس بانتهاكات حقوقية منهجية ضد السكان، منها الاعتقالات التعسفية والتعذيب، وهي أعمال بسبب طبيعتها المنهجية قد ترقى إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية.[54]

عملت كتائب القسام، الذراع العسكري لـ حماس، بحرية وارتكبت أيضا انتهاكات جسمية، منها إعدام المتهمين بالتجسس لصالح إسرائيل.[55] أطلقت حماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى آلاف الصواريخ عشوائيا نحو التجمعات السكانية الإسرائيلية في هجمات تنتهك قوانين الحرب وقد ترقى إلى جرائم حرب بما أنها لا تُميّز بين المدنيين والمقاتلين.[56] قتلت الهجمات الصاروخية وأصابت إسرائيلين ومدنيين آخرين، وألحقت أضرار كبيرة بمجتمعات غلاف غزة.[57] قانونيا، ينبغي لجميع المنازل التي بنيت منذ 1992 في إسرائيل أن تكون مزودة بغرف آمنة (مامد) في داخلها تكون مصممة لتحمل القصف الصاروخي.[58]

تحتجز كتائب القسام كلا من أفيرا منغستو وهشام السيد، وهما مواطنان إسرائيليان لديهما إعاقات نفسية-اجتماعية، بشكل غير قانوني بمعزل عن العالم الخارجي منذ أكثر من تسع سنوات.[59]

لا تعترف حماس بإسرائيل وتعتبر كامل الأراضي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط على أنها "وحدة إقليمية لا تتجزأ" لفلسطين وتؤمن بـ"مقاومة الاحتلال [الإسرائيلي] بالوسائل والأساليب كافة"، على النحو المنصوص عليه في ميثاقها المعدل لعام 2017. أعلنت حماس منذ سنوات مسؤوليتها عن هجمات ضد المدنيين الإسرائيليين وأشادت بها.[60]

منذ 2007، فرضت الحكومة الإسرائيلية إغلاقا على غزة، ومنعت، مع استثناءات قليلة، الفلسطينين من المغادرة عبر معبر إيرز، وهو معبر المسافرين من غزة إلى إسرائيل والذي يمكنهم من خلاله الوصول إلى الضفة الغربية والسفر إلى الخارج عبر الأردن.[61]

قيدت السلطات الإسرائيلية أيضا بشكل كاسح دخول السلع عبر نقطة عبور ثانية في الجدار، وهي معبر كرم أبو سالم في الجنوب الشرقي.[62] أرست الحكومة الإسرائيلية "سياسة فصل" رسمية بين غزة والضفة الغربية، رغم التوافق الدولي على أن هذين الجزئين من الأراضي الفلسطينية المحتلة يشكلان "وحدة إقليمية واحدة".[63] تمنع السلطات الإسرائيلية أيضا أكثر من 80% من سكان غزة الذين هم لاجئون، وهم الأشخاص التي طردوا أو هربوا في 1948 مما يشكل الآن إسرائيل، وذريتهم، من العودة إلى المناطق التي ينحدرون منها.[64] قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان نحو 18,500 عامل من غزة لديهم تصاريح للعمل في إسرائيل.[65]

وجدت هيومن رايتس ووتش أن إغلاق إسرائيل المطوّل لقطاع غزة هو أحد أشكال العقاب الجماعي وجزء من الفصل العنصري والاضطهاد، الجريمتان ضد الإنسانية اللتان ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلطسينيين.[66]

الحكومة المصرية بدورها قيّدت على مدى سنوات حركة سكان غزة عبر معبر رفح.[67]

على مدى السنوات الـ16 الماضية، انخرطت كتائب القسائم وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى موجودة الآن في قطاع غزة، والسلطات الإسرائيلية في جولات عدة من الأعمال العدائية، منها تلك في 2008-2009، و2012، و2014، و2018، و2019، و2021.[68] وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضا انتهاكات جسيمة متعددة لقوانين الحرب، يرقى الكثير منها إلى جرائم حرب، ارتكبتها القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة خلال الأعمال العدائية.[69]

أحد أسباب العدد المرتفع للانتهاكات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 هو الإفلات من العقاب على الانتهاكات خلال الأعمال العدائية السابقة.[70] بالإضافة إلى الفظائع التي حصلت في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول التي هي موضوع هذا التقرير، قطعت السلطات الإسرائيلية الخدمات الأساسية، بما فيها المياه والكهرباء، عن سكان غزة ومنعت دخول الوقود والمساعدات الإنسانية الحيوية باستثناء قدر صغير، وهي أعمال عقاب جماعي تشكّل انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وترقى إلى جرائم حرب، وتشمل استخدام التجويع وسيلةَ حرب.[71]

شنت القوات المسلحة الإسرائيلية ضربات جوية وهجمات أرضية غير قانونية واستخدمت بشكل مشروع الفسفور الأبيض في مناطق مكتظة بالسكان.[72] وحوّلت أجزاء كبيرة من غزة إلى ركام ودمرت أو ألحقت أضرارا بالكثير من منازل غزة ومدارسها ومستشفياتها وبنيتها التحتية المدنية.[73] أمرت السلطات الإسرائيلة بإجلاء جميع الموجودين في شمال غزة في 13 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى مغادرة الغالبية العظمى من سكان غزة منازلهم، وهو فعل قد يشكّل نزوحا قسريا، أي جريمة حرب.[74]

بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و1 يوليو/تموز 2024، أسفرت الأعمال العدائية عن مقتل 37,900 فلسطيني على الأقل، وجرح 80,060 آخرين وفقا لوزارة الصحة في غزة.[75] تشمل هذه الأرقام عددا غير معلن من مقاتلي الفصائل الفلسطينية المسلحة.

كما صرّح الأمين العام للمتحدة أنطونيو غويتيريش في ديسمبر/كانون الأول الأول 2023، "لا يمكن تطبيق القانون الدولي الإنساني بشكل انتقائي. فهو مُلزم لجميع الأطراف بنفس القدر وفي جميع الأوقات، والالتزام بمراعاته لا يعتمد على مبدأ المعاملة بالمثل".[76]

مبدأ عدم المعاملة بالمثل هو ركن أساسي من القانون الدولي الإنساني: الانتهاكات التي يُقدم عليها أحد أطراف النزاع ليست مبرراً للانتهاكات التي يقوم بها الطرف الآخر. لا شيء – ما من فعل أو سياسة أو جريمة تُعزى مسؤوليتها إلى السلطات الإسرائيلية – يمكن أن يُبرر القتل، والتشويه، وأخذ الرهائن، والجرائم الأخرى التي ارتكبتها القوات بقيادة كتائب القسام داخل إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تماما كما أن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول لا يمكنه تبرير جرائم الحرب التي تركتبها القوات الإسرائيلية في غزة.

في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، أجلت الحكومة الإسرائيلية العديد من التجمعات السكانية في غلاف غزة. لم يكن معظم سكان هذه التجمعات قد عادوا إلى منازلهم حتى وقت كتابة هذا التقرير.

انتهاكات أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول

في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنّت "كتائب القسام"، الجناح المسلّح لـ "حركة حماس"، هجوما بريّا وبحريّا وجويّا مخطّطا ومنسّقا على إسرائيل من غزّة. بدأ الهجوم بموجة من الهجمات الصاروخيّة العشوائيّة التي أطلقت من غزّة على جنوب إسرائيل، ووصلت شمالا حتى تلّ أبيب. أطلقت كتائب القسام أكثر من 2,200 صاروخ وقذيفة من غزة في اتجاه إسرائيل خلال الهجوم.[77]

هذه الهجمات الصاروخيّة التي شنتها كتائب القسّام ذلك الصباح كانت محوريّة في استراتيجيتها. تحدّث أشخاص قابلناهم وكانوا في "غلاف غزّة" بشكل متناسق عن سماع صفارات الإنذار نتيجة إطلاق الصواريخ حوالي الساعة 6:30 صباحا، ما دفع الكثيرين إلى الالتحاق بغرفهم الآمنة أو الملاجئ الجماعيّة بالنسبة للذين كانوا خارج منازلهم.

ثم اخترق مقاتلون من القسّام وفصائل فلسطينيّة مسلّحة أخرى السياج الذي كانت أقامته إسرائيل حول قطاع غزّة في عدّة مواقع، ودخلوا إسرائيل بالسيارات والدراجات النارية وعلى الأقدام وبالطائرات الشراعيّة ذات المحرك. أتى بعض المقاتلين على متن قوارب عن طريق البحر. بدأ المقاتلون بمهاجمة قواعد عسكريّة وبلدات وتجمّعات سكنيّة ومهرجانات موسيقيّة.

ارتكب المقاتلون بقيادة كتائب القسّام العديد من انتهاكات قوانين الحرب خلال هجماتهم على ما لا يقلّ عن 19 كيبوتس وخمسة موشافات (تجمعات تعاونيّة)، ومدينتين، ومهرجانين موسيقيين، وحفلة على الشاطئ، فضلا عن قواعد عسكريّة متعدّدة، كلها داخل غلاف غزّة. لم تنجح جميع محاولات الفصائل الفلسطينية المسلحة لدخول التجمعات السكانية أو المواقع الأخرى.

وفقا للأشخاص الذين قابلتهم "هيومن رايتس ووتش"، باستثناء روّاد المهرجانين وأولئك الذين كانوا على الشاطئ فإنّ أغلب المدنيين كانوا مختبئين في غرفهم الآمنة حين دخل المقاتلون إلى تجمّعاتهم. قال بعض سكّان الكيبوتسات إنّهم علموا لأوّل مرّة بوجود المقاتلين من خلال رسائل من سكّان آخرين في مجموعات الدردشة على "واتساب" ومنصّات التراسل الأخرى تفيد بأن رجالا يتكلمون العربيّة دخلوا إلى منازلهم. يتذكر أفي دبوش، أحد سكان كيبوتس نيريم، أنّه تلقى رسائل في مجموعة دردشة خاصة بالكيبوتس الذي يعيش فيه، تقول: "يحاولون دخول الملجأ. النجدة، النجدة، النجدة".[78]

طوال فترة الهجوم، استمرّت القذائف بإصابة المباني والحقول القريبة من أماكن التجاء المدنيين.[79] كما ألحقت أضرارا بأبراج الاتصالات والمراقبة، ما أعاق ردّ قوات الأمن الإسرائيليّة.

في رسالتها بتاريخ 14 أبريل/نيسان التي تجيب عن الأسئلة المبنية على نتائج هيومن رايتس ووتش، أكّدت حماس أنّ الهجمات الصاروخيّة، وعمليات اختراق السياج، والهجمات على معدّات المراقبة كانت كلها عناصر منسّقة ضمن الهجوم.

وقعت عمليّة "طوفان الأقصى"، كما أسمتها حماس، في عطلة "سمحات توراه" اليهوديّة، وأسفرت عن مقتل 1,195 شخصا، معظمهم مواطنون إسرائيليون، وفقا لـ "وكالة فرانس برس" للأنباء. قالت فرانس برس إنها توصلت إلى مقتل 815 مدنيا في الهجمات وبعدها، بينهم 79 أجنبيا. كان بين القتلى ما لا يقلّ عن 282 امرأة و36 طفلا.[80] واحتجزت الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة 251 شخصا آخرين كرهائن خلال الهجوم، بحسب فرانس برس. من هؤلاء، بقي في غزة 116، منهم 42 أموات على الأقل حتى 1 يوليو/تموز 2024. قُتل 35 شخصا آخرين وأعيدت جثثهم إلى إسرائيل. الرهائن الذين ماتوا مشمولون في العدد الإجمالي للوفيات. وجدت "واللا"، وهي وسيلة إعلام إسرائيلية نشرت بيانات حسب العمر والنوع الاجتماعي لـ 756 من المدنيين الذين قتلوا، أنّ 421 ضحيّة مدنيّة من أصل 756 تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما؛ و161 بين 41 و64؛ ومائة بين 65 و80؛ و25 تجاوزوا سنّ 80 عاما. إجمالا، كان معظم القتلى من الرجال والصبية، رغم أنّه، ضمن القتلى في سن 65-80 عاما، كان عدد النساء أكثر من ضعف عدد الرجال.[81]

العدد الأكبر من ضحايا الهجمات كانوا من اليهود الإسرائيليين، لكنّ المقاتلين أيضا قتلوا أو أصابوا أو اتخذوا رهائن أشخاصا مزدوجي الجنسيّة، وفلسطينيين من مواطني إسرائيل، وفلسطينيين من غزّة، وأجانب، منهم تايلنديون وسريلانكيون وصينيون وفلبينيون ونيباليون، ومواطن واحد على الأقل من كل من إريتريا وألمانيا وتانزانيا والسودان وكمبوديا وكندا والمملكة المتحدة، وكان بعضهم يهودا. في بعض الحالات، سمح المقاتلون لبعض الأشخاص الذين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم فلسطينيين بالفرار من المنطقة دون أن يصابوا بأذى.

تسببت الهجمات في إصابة وقتل مقدّمي الرعاية الصحيّة وتدمير البنية التحتية الصحيّة. وثقت المنظمة غير الحكومية "أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل" مقتل موظفَيْن طبيَّيْن أثناء الهجوم، كما أصيب آخران بالرصاص لكنهما نجيا.[82] ووثّقت المنظمة إطلاق النار من قبل المهاجمين على ثلاث سيارات إسعاف، وهجوما على مركز طبّي في بئيري.[83] كما وثقت هيومن رايتس ووتش إطلاق النار من قبل المقاتلين على إطار سيارة إسعاف أخرى كانت مركونة في كيبوتس صوفا.[84]

استغرق الأمر القوات المسلّحة الإسرائيلية وقتا طويلا للتعبئة بسبب العطلة المستمرّة، والأضرار الجزئية التي لحقت بخطوط الاتصالات، ونقص الاستعداد، والاستهانة الأوليّة بحجم الهجوم.[85] ونتيجة لذلك، في حين انخرطت بعض القوات الإسرائيليّة على الفور في بعض المناطق، ظلت الكثير من التجمعات السكّانية دون حماية لساعات. تحدّث بعض المدنيين لـ هيومن رايتس ووتش عن شعورهم بأنّ الجيش تخلّى عنهم، وقال أغلب من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنّ الجنود لم يصلوا إلى مناطقهم إلا بعد الظهر أو في المساء. وبعد وصول القوات المسلّحة، اشتبكت في بعض المناطق لساعات في قتال مع المهاجمين، قبل أن يتمّ إجلاء المدنيين بأمان. لم يتمكّن العديد من المدنيين من الفرار أو الإخلاء إلا في 8 أكتوبر/تشرين الأول.

بعد إجلاء المدنيين، استمرّت القوات المسلّحة الإسرائيلية في مواجهة المقاتلين الفلسطينيين الذين ظلّوا نشطين في بعض المناطق الإسرائيلية لأيام.

في أوائل العام 2024، فتح الجيش الإسرائيلي تحقيقا في الأحداث التي سبقت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والآثار التي تبعته مباشرة، بما في ذلك تحقيقات فردية متعددة في تصرفات الجيش أثناء هجمات الفصائل الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى 10 أكتوبر/تشرين الأول.[86] فتح مراقب الدولة أيضا تحقيقا منفصلا لكن، في يونيو/حزيران، أوقفت المحكمة العليا الإسرائيلية التحقيقات بشأن الجيش وأجهزة الاستخبارات المحلية استجابة لدعاوى قضائية التي قدمتها منظمة غير حكومية مقرها القدس زعمت أن التحقيقات ستقوض الجيش وثقة الجمهور.[87]

وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ المقاتلين بقيادة كتائب القسام التابعة لـ حماس ارتكبوا العديد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. تشمل الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، والعديد منها قد يرقى إلى جرائم حرب، هجمات على مدنيين وأعيان مدنيّة، وعمليات قتل غير قانونيّة، ومعاملة قاسية ولاإنسانيّة، وعنف جنسي أو قائم على النوع الاجتماعي، وتشويه، واحتجاز رهائن، وتدمير ممتلكات، واستخدام دروع بشريّة، ونهب. كما يبيّن هذا التقرير، فإنّ بعض هذه الأفعال الإجراميّة تمّت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ووفقا لسياسة منظمة، وترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانيّة.

جاء في رسالة حماس بتاريخ 14 أبريل/نيسان أنّ قوات كتائب القسام جاءتها تعليمات بعدم استهداف المدنيين، نقلا عن خطاب بهذا المعنى لقائدها. وذكرت الرسالة في موضع آخر أنّ حماس تُحدّد المقاتلين والمدنيين بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي، لكنها تضيف في الفقرة نفس أنّ معظم الذين اعتقلتهم أثناء الهجوم "تبيّن لنا أنهم يعملون في مهام ذات طابع عسكريّ حتى لو كان غير قتالي بشكل مباشر لصالح الجيش الإسرائيلي"، ما يثير تساؤلات حول تعريف حماس للمدنيين.

كما جاء في رسالة 14 أبريل/نيسان أنّ كتائب القسّام كانت تسعى إلى استهداف القوات المسلّحة الإسرائيليّة وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، وألقت باللوم على الانهيار السريع لدفاعات الجيش الإسرائيلي، ومشاركة جماعات مسلّحة وأشخاص آخرين، ما أدى إلى "حدوث فوضى في الميدان، مما عمل على تغيير من الخطّة التي كانت تذهب نحو تنفيذ عمليّة تجاه أهداف عسكريّة". وذكرت الرسالة لاحقا أنه كانت توجد أهداف عسكريّة إسرائيليّة في المواقع المدنية، بما في ذلك الكيبوتسات، قائلة إنّ وجودها "يُشير إلى استخدام إسرائيل لهذه الأعيان المدنيّة كدروع بشريّة". وفي محاولة على ما يبدو لتقديم دليل على ادعاءاتها بأنّ كتائب القسّام لم تستهدف المدنيين، قالت الرسالة إنّ القوات تجاوزت بعض المدنيين الذين كانوا أقرب إلى قطاع غزة من الناس الذين هاجمتهم.

قالت الرسالة إنّ الجزء الأوّل من الهجوم كان مخططا له إلى حدّ كبير، لكن المراحل اللاحقة "أدت إلى وقوع العديد من الأخطاء، وهذه العمليّة وكل ما يترتب عليها يحتاج إلى فحص دقيق من طرفنا، ولكن لا يُمكن اجراؤه في الوقت الحالي". غير أنّ الرسالة أشارت أيضا إلى أنّ "عدم امتلاك أسلحة دقيقة أو موجهة يأتي في إطار شرح الظروف التي تؤدي إلى إصابة مدنيين خلال هجمات الحركة والمقاومة". وتضيف الرسالة أنّ "الجيش الإسرائيلي يتحمّل المسؤوليّة بشكل كبير عن مقتل عدد واسع من المستوطنين كما أشارت التقارير العبريّة ذاتها سواء من خلال استهداف مهرجان الربيع بالطائرات والقذائف المدفعيّة، أو قصف منازل داخلها مدنيون إسرائيليون للاشتباه باحتمالية وجود مقاومين فيها". قالت الرسالة إنّ مقاتلي حماس كانوا يحملون "معدّات عسكريّة خفيفة" فقط، وإنّ الكثير من العنف والدمار سببه "أسلحة لم تكن مملوكة لمقاتلي المقاومة الفلسطينية، بل للجيش الإسرائيلي".

خلافا لهذه المزاعم الصادرة عن حماس، وبغض النظر عن نتائج التحقيقات الإسرائيلية الحكومية بشأن دور القوات المسلحة الإسرائيلية في المساهمة في حصيلة القتلى المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن الأدلّة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أنّ عددا قليلا نسبيّا من المدنيين لقوا حتفهم أثناء القتال بين القوات المسلّحة الإسرائيليّة والفصائل المسلّحة الفلسطينية. لم تجد هيومن رايتس ووتش أيّ أدلّة تدعم الإدعاء أنّ أغلبية الوفيات كانت ناجمة عن الأسلحة الثقيلة التي استخدمتها القوات الإسرائيليّة فقط وليس الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة.

تستعرض الأقسام التالية تخطيط الهجوم وتفاصيل الهجمات التي شُنت على مواقع مدنيّة على مدار يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والانتهاكات التي وقعت. لا يُشكّل نقل الأحداث وصفا شاملا للانتهاكات المرتكبة. المواقع مدرجة بالترتيب من أعلى إلى أدنى عدد للضحايا المدنيين، حيث أن أكبر عدد للمدنيين الذين قتلوا واحتجزوا كرهائن كان في مهرجان الموسيقى "سوبرنوفا" وفي كيبوتس بئيري وكيبوتس كفر عزة.

التخطيط للهجوم

هناك أدلّة كثيرة تبرهن أن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول كان بالإجمال مخططا له، بما في ذلك تعقيد الهجوم، وعدد الجماعات المسلّحة المشاركة، واتساق الأساليب المستخدمة خلال الهجوم. من الجوانب الأساسيّة للهجوم التي تطلّبت تخطيطا كبيرا هو اختراق السياج الفاصل بين قطاع غزة وجنوب إسرائيل.

بدأ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بوابل منسّق من الهجمات الصاروخيّة العشوائيّة (غير موجهة بدقة) التي وفرت غطاءً للمهاجمين الفلسطينيين لاختراق السياج المحيط بغزة ودخول إسرائيل. أكد تحليل لصور وفيديوهات تم تحميلها يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والأيام التالية، وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، حصول 13 اختراقا للحواجز الحدوديّة، كلها تقريبا قادتها قوات كتائب القسام.[88]

تُظهر اللقطات حدوث ما لا يقلّ عن 10 اختراقات في وقت مبكّر من الصباح. تحققت هيومن رايتس ووتش من ثمانية من هذه الحوادث من خلال فيديوهات نُشرت على قنوات تابعة لـ حماس وكتائب القسّام. وفي اختراقين آخرين، رصدت هيومن رايتس ووتش حمل المهاجمين إما شارات أو عصابات رأس عليها رموز وعبارات تُظهر انتمائهم إلى كتائب القسام. لكن في حادثة واحدة قرب كيبوتس صوفا إلى الشمال، لوحظ شخص يرتدي عصابة رأس حمراء، لا ترتبط عادة بكتائب القسام. هناك قوّتان من القوات التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش، وشاركت في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت تحمل عصبات رأس حمراء، "كتائب أبو علي مصطفى" و"كتائب المقاومة الوطنيّة". لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من وجود أي كتائب أخرى مشاركة في الاختراقات التي حصلت في ساعات الصباح الأولى يوم الهجوم.

استخدم المقاتلون أساليب مختلفة لاختراق الحواجز. أظهر فيديو مكوّن من عدّة مقاطع وتمّ تحميله على قناة كتائب القسّام على "تلغرام" مقاتلين يستخدمون جرارا لاختراق السياج الأول قرب مخيم المغازي للاجئين وسط غزة ورعيم في إسرائيل، قبل استخدام المتفجرات لاختراق السياج الثاني.[89] بعد ذلك، اتجهت ستّ دراجات ناريّة على الأقل، معظمها يحمل شخصين، نحو الثغرة المستحدثة. معظم عمليات الاختراق نُفذت شكلا من أشكال المتفجرات. يُظهر فيديو تمّ حميله على قناة "مسعفو الجنوب" على تلغرام ثغرة في جنوب الفخاري ومباشرة شمال كيبوتس صوفا تظهر المقاتلين يُسهّلون عبور شاحنات "بيك آب" والدراجات النارية العتبة الخرسانية. كان ثلاثة من المقاتلين على الأقل يرتدون عصابات رأس خضراء مرتبطة بكتائب القسام.[90] في اختراقين منفصلين، أحدهما قرب جحر الديك وكيبوتس بئيري والآخر قرب مصدّر وكيبوتس كيسوفيم، اختار المقاتلون خرق بوابة كبيرة في السياج. قرب جحر الديك وكيبوتس بئيري، يبدو أن المقاتلين فتحوا أولا ثغرة صغيرة بجوار البوابة، ثم استخدموا وحدة ذخيرة أخرى لفتح ثغرة أكبر.[91] وبالمثل، قرب مصدّر وكيسوفيم، يُمكن رؤية ثغرة صغيرة بجوار البوابة الكبيرة.[92] في كلتا الحالتين، تسمح الثغرات بمرور شاحنات بيك آب، رغم أن الفيديو لا يُظهر فعل الاختراق بحد ذاته في حالة كيسوفيم.

في ساعات الصباح الباكر، وبطريقة منسّقة على ما يبدو، حاول المقاتلون تعطيل أو تدمير عدّة أبراج اتصالات عسكريّة، بالإضافة إلى أبراج صغيرة لإطلاق النار يتمّ التحكّم فيها عن بعد قرب الحدود مع غزة وقرب منشآت عسكريّة. تحليل الفيديوهات التي حُمّلت على قناة كتائب القسام وقناة مسعفو الجنوب وقناة "فلسطين تقاوم" على تلغرام والتحقق منها يظهران أن المقاتلين استخدموا طائرات مسيّرة وقذائف "آر بي جي" وغيرها من الذخائر المتفجرة لتدمير ما لا يقلّ عن ثلاثة أبراج اتصالات وثلاثة أبراج صغرى لإطلاق النار يتم التحكم بها عن بعد.[93] تُظهر صور بالأقمار الصناعية التُقطت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وحللتها هيومن رايتس ووتش، دخانا متصاعدا من برجين إضافيين للاتصالات.

تعرّض برج صغير لإطلاق النار يتمّ التحكم فيه عن بعد قرب خزان إلى الشمال الغربي من كفر عزة للقصف مرتين بمتفجرات أسقطتها طائرات مسيّرة، وفقا لمقطعَي فيديو نُشرا على قناتين مختلفتين على تلغرام، إحداهما لكتائب القسام.[94] يُظهر فيديو تم التحقق منه نشرته هذه القناة طائرة مسيّرة تُلقي متفجرة على برج اتصالات غرب بئيري وعلى بعد حوالي 500 متر من الحاجز مع غزة، ويبدو أنها انفجرت فوق مستوى الأرض. كما تصوّر لقطة ثانية في نفس الفيديو البرج وهو يحترق. في الفيديو، يبدو المقاتلون وكأنهم يستهدفون بنية تحتية عسكرية وبنية تحتية للمراقبة عند اقترابهم من القواعد العسكرية.[95] وفي فيديو آخر منشور على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، يتجمع المقاتلون على مشارف مدينة صوفا، فيُطلق شخص قذيفة آر بي جي فتصيب برج اتصالات في القاعدة العسكرية المجاورة.[96]

تُشير طبيعة هذه المرحلة الأولية من الهجوم، بما في ذلك أنواع الأهداف، وتنفيذ الهجمات الفردية بشكل متزامن أو بطريقة متتابعة وسريعة، إلى درجة عالية من التخطيط والتنسيق والتواصل بين المجموعات المسلّحة المشاركة.

بينما تشير تقارير إعلامية إلى أنّ عددا قليلا فقط من قادة القسام كانوا على علم بالمخطط، ولم يتم إخطار المشاركين في الهجوم إلا قبل ساعات من بدايته، فإنّ التقارير نفسها تشير إلى أنّ المقاتلين قد تدرّبوا على هجوم ذي طبيعة مماثلة لعدة سنوات قبل وقوعه.[97] كشف تحقيق أجرته "بي بي سي" عن وجود أدلّة على تلغرام قالت إنها أظهرت أنّ جماعات في غزّة شاركت في أربعة تدريبات خاصة سُميت "الركن الشديد" أجريت الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2020 والأخيرة في سبتمبر/أيلول 2023، تدرّبت فيها القوات على أخذ الرهائن، ومداهمة المجمعات، وتنفيذ هجمات برمائية، وتدمير أبراج اتصالات، واختراق السياج الحدودي الإسرائيلي، بما في ذلك نسخة عن كيبوتس .[98] وفقا للتحقيق، شاركت على الأقل 10 فصائل في التدريبات الخاصة، واستنادا إلى عصابات الرأس التي كانوا يرتدونها فوق الخوذات فإن هذه الفصائل هي: كتائب القسام؛ و"سرايا القدس"؛ وكتائب المقاومة الوطنية أو "قوات عمر القاسم"؛ و"ألوية الناصر صلاح الدين"؛ و"كتائب الأنصار"؛ و"كتائب أيمن جودة"؛ و"كتائب جهاد جبريل"؛ و"كتائب أبو علي مصطفى"؛ و"كتائب المجاهدين"؛ و"كتائب عبد القادر الحسيني".[99]

سلّط تقرير منفصل لـ بي بي سي الضوء على العديد من الملاحظات التي أبدتها القوات المسلّحة الإسرائيلية المتمركزة قرب غزّة في الأشهر التي سبقت الهجوم، بما في ذلك مشاهدة مداهمات تدريبية، واحتجاز وهمي للرهائن، وتصرفات "غريبة" لمزارعين من خلال تغيير روتين حياتهم والاقتراب من الجدار قرب المكان الذي حصلت فيه الاختراقات.[100]

أفادت صحيفة "الشرق الأوسط"، التي تملكها جهة سعودية، في يناير/كانون الثاني 2024 أن كتائب القسام كانت تخطط لهجوم لاقتحام تجمعات محيطة بقطاع غزة منذ ما قبل 2024، نقلا عن مصادر قريبة من قيادة كتائب القسام.[101] وفقا للمقال، خمسة أفراد من كتائب القسام هم من وافق في الأخير على شنّ الهجوم وقرّروا توقيته.

وفقا لصحيفة "الغارديان"، التي اعتمدت على "مصادر متعددة، منها اجتماعات مع مسؤولي استخبارات إسرائيليين، وخبراء، ومصادر ذوي اطلاع مباشر على محاضر استجواب مقاتلين أُسروا في الهجمات، ومواد نشرتها حماس والجيش الإسرائيلي"، فإن "أوامر صدرت" قبل الساعة 4 فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول بأن يذهب الذين حضروا التدريبات للصلاة.[102] وبعد ساعة، "صدرت تعليمات جديدة" شفهية للآلاف من "مسلّحي حماس" بإحضار أسلحتهم وأي ذخائر لديهم والتجمع في المكان المحدد.[103] وهناك، سلّم قادة حماس المزيد من الذخائر والأسلحة الأكثر قوّة.[104] وعند الساعة 6 صباحا، أفادت تقارير أنّ الأوامر النهائية صدرت: على الرجال الاندفاع عبر الفجوات في السياج المحيط بغزة التي ستُفتح بالتفجير أو التحطيم، و"مهاجمة الجنود والمدنيين الإسرائيليين على الجانب الآخر".[105] أفادت الغارديان أن دفعة أولى من 400 مقاتل عبروا الحدود نحو إسرائيل في 15 نقطة تم فيها خرق الجدار الأمني.[106]

طوال فترة الهجوم، لاحظ شهود أن بعض المقاتلين يتواصلون عبر أجهزة اللاسلكي ويتنقلون في أرجاء التجمعات السكنية بطريقة منسّقة. في منطقتَيْن على الأقل، يبدو أنّ السلطات الإسرائيلية عثرت على وثائق معدّة جيدا ومفصّلة تعرض التكتيكات والتقنيات والإجراءات والأهداف المحددة. وجود غرفة عمليات مشتركة تضمّ ما لا يقل عن عشر فصائل فلسطينيّة مسلّحة تعمل في غزّة، منها من تم تحديد مشاركته في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، لتنسيق عملياتها المسلحة ضدّ إسرائيل، واستخدام اللاسلكي والتحركات المنسقة، وإصدار وحمل وثائق تخطيط، إن ثبتت صحتها، كلها تدعم بشدّة أدلة متاحة أخرى على أنّ هجوما على التجمعات المحيطة بغزة جنوب إسرائيل قد تم التخطيط له قبل وقت طويل من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[107]

وثائق تخطيط مزعومة

راجعت هيومن رايتس ووتش 26 صفحة من عدد غير محدّد من وثائق تخطيط مزعومة لكتائب القسام، زُعم أن السلطات الإسرائيلية حصلت عليها ونشرتها السلطات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومحطة "إن بي سي" الأمريكية التلفزيونية، وقناة مسعفي الجنوب على تلغرام.[108] صفحتان على الأقل على ما يبدو هي صفحتا غلاف، وثلاث صفحات تحتوي على خرائط، وتحتوي 21 صفحة على جداول أو رسومات مع نصوص مصاحبة.[109] من صفحات بعض الوثائق، يبدو أنّ الصفحات مأخوذة من ثلاث وثائق تخطيط منفصلة مزعومة على الأقل: خطة لاحتجاز الرهائن، وخطة لمهاجمة كيبوتس ساعد، وخطة لمهاجمة كيبوتس ميفلسيم.

في محاولة للتثبت من صحّة الوثائق، قارنت هيومن رايتس ووتش هذه الصفحات التسع بوثائق تخطيط أخرى غير متصلة بهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ظهرت في ثلاثة فيديوهات ترويجية على قناة "غرفة العمليات المشتركة" على تلغرام، وهي قناة تلغرام أنشئت لنشر معلومات حول التعاون بين مختلف الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة.[110] كانت القناة تعمل من 2020 إلى 2023. تحمل الوثائق الموجودة في هذه الفيديوهات بعض التدوينات وعلامات التصميم نفسها التي تظهر الفيديوهات التي نشرت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول بوقت قصير. تضمّنت الوثائق التي نشرت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول نسخة مختلفة من شعار كتائب القسام مقارنة بالشعار المعتاد في الاتصالات الرسميّة. والخرائط الواردة في الوثائق تحتوي بعض الاختلافات وبعض أوجه التشابه. تتوافق الصياغة المستخدمة في الوثائق مع الصياغة التي يتوقع المرء أن يجدها في دليل من هذا النوع صادر عن فلسطينيين من غزة.

إلا أن تحليل هيومن رايتس ووتش لم يتمكن من التحقق من أن الوثائق أصلية. بالإضافة إلى ذلك، لم نتمكن من التحقق من تسلسل الجهات التي امتلكت هذه الوثائق. شارك صحفيان دوليَّان سُمح لهما بالاطلاع الأولي على الوثائق تفاصيل أفادت بها السلطات الإسرائيلية عن كيفية حصولها على الوثائق. راسلت هيومن رايتس ووتش ممثلا لحماس طارحة أسئلة بشأن ما إذا كانت الوثائق أصلية، لكنها لم تتلق ردّا.

الشعار

في 12 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، التي يديرها أشخاص لا يكشفون عن هويتهم، خمس صور فوتوغرافية لصفحات من الوثائق. يوجد شعار لكتائب القسّام مطبوع على صفحة الغلاف لإحدى هذه الوثائق. يحتوي هذا الشعار على بعض الاختلافات، منها موضع النصّ والمسجد الأقصى في الخلفيّة، عن الشعار الذي تستخدمه كتائب القسام بشكل أكثر شيوعا في قنوات التواصل الرسميّة، مثل موقعها الإلكتروني وقناة تلغرام، وفي فيديوهات حللتها هيومن رايتس ووتش. لكن هيومن رايتس ووتش وجدت أنّ الشعار الذي يظهر على وثائق التخطيط قد استُخدم في مواضع أخرى، مثل بعض عصابات الرأس التي يستخدمها مقاتلو القسام وعلى رسومات إنفوغرافيك أقدم على موقع القسام الإلكتروني.[111]

تنسيق النص

قارنت هيومن رايتس ووتش 12 صفحة تحتوي على جداول ونصوص مع وثائق يمكن رؤيتها في فيديوهات منشورة على قناة غرفة العمليات المشتركة على تلغرام يوم 12 و13 سبتمبر/أيلول 2023 وظهرت فيها وثائق تتضمن جداول ونصوصا.[112] تنسيق النص ونظام الألوان في الوثائق هما نفسهما: الجدول مرسوم بتطبيق "وورد" ونظام الألوان الأصفر والأزرق والأخضر.

الخرائط

عُرضت خريطتان في الصور والفيديوهات المنشورة على قنوات غرفة العمليات المشتركة على تلغرام في سبتمبر/أيلول 2023. تشترك هاتان الخريطتان في ميزات مشابهة مع الخرائط الموجودة في وثائق التخطيط المزعومة التي نشرتها إن بي سي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، مثل شريط مقياس الرسم الأحمر والأبيض وغيرها من العلامات الأخرى، رغم أنّ الأرقام كُتبت فوق المفتاح في وثيقة وتحته في الأخرى. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق مما إذا استخدمت نفس البرمجيّة لرسم الخرائط. صور الأقمار الصناعية المستخدمة كخلفيّة في الخرائط التي نشرتها إن بي سي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول مُتاحة للجمهور وتم التقاطها في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2021. يُظهر فيديوهان نُشرا على قناة غرفة العمليات المشتركة على تلغرام يوم 12 سبتمبر/أيلول 2023 مسلحين يتفحصون خريطة عليها خطّ أزرق فيه صلبان زرقاء متكررة.[113] هذه العلامات تتطابق مع العلامات التي تشير إلى السياج الفاصل على خريطة كيبوتس ساعد التي عُثر عليها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول ونشرتها إن بي سي.[114] رغم أن المسافة بين الصلبان مختلفة، لا تستخدم الخريطتين نفس المقياس والتنسيق – قد يفسر ذلك الفوارق في المسافة الفاصلة بين الصلبان. 

اللغة

حلّلت هيومن رايتس ووتش اللغة العربية التي يمكن قراءتها في 19 صفحة من وثائق التخطيط المزعومة وكلّفت فريق ترجمة مستقل بتحليل اللغة الموجودة في الوثائق. توصلت هيومن رايتس ووتش والفريق المستقل في تقييمها إلى أنّ الوثائق بدت في الأصل مكتوبة باللغة العربيّة استنادا إلى الأخطاء البشرية الواردة بها، وبعضها شائع، غير الناشئة عن ترجمة آلية من لغة أخرى. تشمل أخطاء تهجئة غير متسقة، وتطبيق غير متسق للقواعد النحوية، وصياغات معتادة في اللهجة واللغة المنطوقة. كما احتوت الوثائق على مفردات متخصصة واختيارات غير اعتيادية للكلمات تتوافق مع تلك المستخدمة في غزة، تتلاءم مع دليل عسكري من هذا النوع. يظهر في وثائق التخطيط المزعومة مصطلح "رهائن". رغم أنّ ممثلي حماس رفضوا استخدام هذا المصطلح في مراسلاتهم الرسمية للإشارة إلى من يحتجزونهم، إلا أنّ المقاتلين كرروا هذا المصطلح في فيديو واحد على الأقل صوره مقاتلون أثناء الهجوم.

القوات المحلية التي قاتلت لصد الهجوم – كيتوت كونينوت ("فرق الاستجابة السريعة")

جميع التجمعات التعاونية في جنوب إسرائيل التي تعرضت للهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت بها "كيتوت كونينوت" ("فرق الاستجابة السريعة"). هؤلاء هم سكان منظمون من المجتمع المحلي يخدمون في دور تطوعي بدوام جزئي لتوفير الاستجابة الأولى للتهديدات الأمنية وبمتناولهم بنادق حربية ومعدات الحماية الشخصية.[115] عندما هاجمت الفصائل الفلسطينية المسلحة مجتمعاتهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم تنشيط أعضاء كيتوت كونوت بسرعة، وغالبا ما انخرطوا في معارك بالأسلحة النارية مع المهاجمين. قُتل أو جُرح العديد منهم.

وبموجب القانون الإنساني الدولي، يتمتع المدنيون بالحصانة من الهجوم ما لم يشاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية وفي ما يستثني فترة المشاركة هذه.[116] عادةً ما تعني المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية الانخراط في القتال أو مساعدة المقاتلين بشكل مباشر، مثل توفير الذخيرة. تحدد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في "التوجيهات التفسيرية بشأن المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية" الصادرة عنها، معايير "الدفاع الفردي عن النفس أو الدفاع عن النفس عن الآخرين". يسمح هذا للمدنيين باستخدام القوة الضرورية للغاية (أي الحد الأدنى من القوة اللازمة، والأسلحة النارية كملاذ أخير)، والقوة المتناسبة (أي بما يتناسب مع خطورة الفعل غير القانوني) للدفاع ضد هجوم غير قانوني أو انتهاكات أخرى دون أن يصبحوا هم أنفسهم هدفا مشروعا للهجوم.

تنص التوجيهات التفسيرية للجنة الدولية على ما يلي:

على الرغم من أن استخدام القوة من قبل المدنيين للدفاع عن أنفسهم ضد الهجوم غير القانوني أو النهب والاغتصاب والقتل على يد جنود مارقين قد يسبب الحد المطلوب من الضرر، فمن الواضح أن الغرض منه ليس دعم طرف في النزاع ضد طرف آخر. فإذا كان الدفاع الفردي عن النفس ضد العنف المحظور يستلزم فقدان الحماية ضد الهجوم المباشر، فإن ذلك سيكون له نتيجة غير منطقية تتمثل في إضفاء الشرعية على هجوم غير قانوني في السابق. ولذلك، فإن استخدام القوة الضرورية والمتناسبة في مثل هذه الحالات لا يمكن اعتباره مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية.[117]

ومن ثم فإن أعضاء "فريق الاستجابة السريعة" الذين استخدموا القوة اللازمة والمتناسبة ردا على الهجمات غير القانونية أو غيرها من الانتهاكات ليسوا هدفا مشروعا للهجمات باعتبارهم مدنيين يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية. إلا أن مثل هؤلاء الأعضاء الذين تصرفوا خارج هذه الحدود القانونية، مثل الانضمام إلى القوات العسكرية النظامية في الهجمات المضادة أو العمليات ذات الصلة بالنزاع على نطاق أوسع، سيكونون مدنيين مشاركين بشكل مباشر في الأعمال العدائية. علاوة على ذلك، فإن فرق الاستجابة السريعة في المجتمعات المحلية الواقعة في "غلاف غزة" تختلف ومتميزة عن مجموعات المستوطنين المسلحين في الضفة الغربية التي شاركت بشكل متكرر في هجمات غير قانونية ضد المدنيين الفلسطينيين.[118]

مهرجان سوبرنوفا الموسيقي

كان تجمّع "سوبرنوفا ساكوت" مهرجان موسيقي للنشوة في الهواء الطلق بدأ الساعة 9 من مساء 6 أكتوبر/تشرين الأول في حقل قريب جدا من كيبوتس رعيم في منطقة أشكول، على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من الحدود مع غزة. وكان قد أقيم مهرجان موسيقي آخر في اليوم السابق في نفس الموقع. وُصف تجمع سوبرنوفا ساكوت على أنه احتفال بـ "الأصدقاء والحب والحرية اللامحدودة"، ويتكون من ثلاثة مسارح، ومنطقة للتخييم، وأخرى للمشروبات والطعام.[119] بحسب المنظمين، حضر هذا الحدث ما بين 3,500 و4 آلاف شخص.[120] قالوا إنّه تمّ الإعلان عن المهرجان في البداية دون تحديد المكان، واختاروا الموقع فقط قبل أسبوعين أو ثلاثة. بدأت فِرقهم في إعداد المكان قبل أسبوع تقريبا من 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب ما قالوا.

قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة أشخاص حضروا المهرجان الموسيقي كضيوف، وثلاثة كانوا ضمن فريق التنظيم والأمن.[121] كما تحدث الباحثون إلى سائق حافلة وشاب، قاد كلاهما مركبته إلى مكان المهرجان للمساعدة في إنقاذ الناس بعد بداية الهجوم.[122] أفادت تقارير أنّ 364 مدنيا – حوالي 45% من مجموع المدنيين الذين قتلوا في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وحوالي 10% من الذين حضروا المهرجان – قتلوا في الموقع.[123] كما أصيب 200 آخرون، واحتجز المهاجمون 40 شخصا كرهائن.[124]

روايات الناجين

قال أشخاص حضروا المهرجان إنهم يتذكرون موجة من الصواريخ حوالي الساعة 6:30 صباحا. كان ألموغ سينيور (30 عاما) في المهرجان مع أربعة أصدقاء.[125] تحدث عن لحظة بداية الهجوم، قائلا: "كنا نرقص فوق المسرح الرئيسي عند شروق الشمس. ثم بدأنا نلاحظ دخانا في السماء، وبعد دقائق قليلة توقفت الموسيقى. وبعدها شاهدنا القبة الحديدية [منظومة اعتراض الصواريخ الإسرائيلية] تعترض صواريخ".[126]

قال أبراهام س.، الذي كان يعمل في المهرجان، إنه ومنظمون آخرون طلبوا من الجميع التوجه إلى مكان آمن، ثم ذهبوا إلى موقف السيارات للتأكد من أنهم غادروا.[127] اتجه أبراهام إلى سيارته وبدأ بالقيادة إلى الطريق الرئيسي حوالي الساعة 7 صباحا. وصف ما حدث قائلا:

تلقيت مكالمة من أحد أصدقائي يخبرني أنه ذهب إلى الطريق الرئيسي وشاهد إرهابيين أطلقوا النار على السيارة التي أمامه، ثم ركض نحو مكان المهرجان. أدركت ما كان يحصل، لكني لم أفهم حجم الهجوم. افترضت أن الأمر يتعلق بإرهابيين اثنين، وعرفتُ أننا نستطيع تحييدهما. اتصلت برئيس الشرطة المكلّف بالمهرجان، لكنه لم يردّ. كما اتصلت بشريكي في تنظيم الحفل، لكنه هو الآخر لم يردّ.[128]

قاد أبراهام سيارته باتجاه الشمال الشرقي، بعيدا عن غزة. حاول الوصول إلى مركز للشرطة، لكنه في وقت ما سار في منعطف خاطئ فرأى مسلّحَيْن يرتديان ما قال إنها بدت كبزّات شرطة وسترات واقية من الرصاص ويحملان بنادق "كلاشنيكوف" ومسدّسات، يغلقان الطريق عند تقاطع قريب.[129]

قال روي ج.، وهو من منظمي المهرجان ومسؤول عن إدارة الأمن فيه، إنّ نصف فريقه بدأ الساعة 6:45 صباحا في مساعدة الناس على إخلاء موقف السيارات، بينما نقل النصف الآخر الناس إلى خارج مكان الحفل.[130] وبينما كانوا يحاولون إخراج الناس، دخل العديد من المسلّحين إلى الحفل، وحوالي الساعة 8 صباحا أطلقوا النار على روي وزملائه الستة، بأسلحة منها ما وصفه بقذائف آر بي جي ورشاشات، فقتلوا أربعة من زملاء روي.

فرّ روي وزميلاه الناجيان مع أربعة من رواد المهرجان عبر الحقول، حيث وجدوا سيارة مهجورة ساروا بها إلى مستوطنة قريبة لم تتعرض للهجوم. وبعدها عاد روي إلى موقع المهرجان لإنقاذ المزيد من الأصدقاء الذين قال إنهم اتصلوا به خوفا على حياتهم. سمع صراخا باللغة العربيّة في الخلفيّة.[131]

كان ساغي ب.، وهو أيضا من فريق الأمن، قرب المسرح عندما اتصل به صديقه بار كوبرشتاين عبر اللاسلكي ليعلمه بوجود شخص مصاب على مسافة حوالي 300 متر من مكان المهرجان في الحقل القريب من الطريق الرئيسي:

قدت عربة غولف إلى بار والرجل [المصاب]، [الذي] قال إنه كان يقود سيارته على الطريق، وفجأة بدأ إرهابيان يطلقان النار على السيارة في تقاطع رعيم. استمرّ في القيادة إلى أن رأى بار على الطريق فتوقف. عندها أدركت أنّ هناك إرهابيين، لكنني لم أفهم حجم ما يحصل. قدّمنا له الإسعافات الأوليّة، وأبلغنا قوات الدفاع والشرطة على الفور. وفي غضون 10 دقائق، توقفت إلى جوارنا 10 سيارات أخرى لأشخاص كانوا يسيرون في الطريق، كلهم مصابين. كُنّا في ذلك الوقت سبعة رجال شرطة وثمانية عناصر أمن في الميدان.[132]

كان ساغي قد بدأ بنقل المصابين في سيارة الغولف إلى سيارتَيْ إسعاف موجودتين في موقع المهرجان قبل أن يتصل به عناصر أمن آخرون يخبرونه بأن سيارات جيب تقترب منهم. بحلول عودته إلى المكان الذي وجد فيه الرجل المصاب، "كان هناك شرطي واحد فقط لا يزال على قيد الحياة، وكانت النيران مشتعلة في السيارات". وأضاف: "كان هناك إطلاق نار وقذائف آر بي جي في كل مكان". اختبأ ساغي، الذي كان مسلّحا، خلف المركبات، وقال إنه رأى حوالي 20 مسلحا يرتدون سراويل خضراء وقمصانا سوداء أو خضراء، ويرتدون دروعا واقية، باستثناء رجل واحد بدا أنه القائد، وكان يرتدي بزة مموَّهة تشبه خطوطها خطوط النمر. كان المقاتلون يحملون ما قال إنها رشاشات وقذائف آر بي جي وبنادق حربية كلاشنيكوف وأخرى من طراز "إم 4" (M4). شاهد ساغي مسلّحين يطلقون النار على الناس، ثم يتفحصون جثثهم ليتأكدوا من أنهم ماتوا، ثم يطلقون عليهم المزيد من الرصاص. وقال إنّ بعد فترة وجيزة وصلت مدرّعة حدد نوعها على أنها دبابة وبداخلها جنود إسرائيليون مصابون. أعطاه أحد الجنود في الدبابة سلاحا، وتم إطلاق النار عليه فقُتل على الفور. كما تعرّض الشرطي المتبقي لإطلاق النار، ما ترك ساغي ليطلق النار على المسلحين بمفرده. قال:

كنتُ محاصرا ووحيدا. استمروا في إطلاق النار عليّ، بأسلحة منها قذيفة آر بي جي. أصابتني رصاصة في فخذي الأيمن. أدركت أنني لن أستطيع مواصلة القتال لأنني مصاب ونفذت ذخيرتي. ولذلك اضطررت إلى الجري مسافة 450 متر في حقل مفتوح بينما كانوا يطلقون عليّ النار. وصلت بأعجوبة إلى خطّ الأشجار على قيد الحياة. وضعت ضمّادة مرتجلة وبقيت هناك حتى الساعة 2 بعد الظهر عندما تمّ إجلائي من قبل مجموعة من الجنود ورجل كانت قد اتصلت به زوجته من الحفل لإنقاذها.

يوسف الزيادنة (47 عاما)، وهو بدوي فلسطيني ويعمل سائق حافلة في شركة خاصة، كان قد استؤجر لنقل رواد المهرجان إلى مدينة بئر السبع في نهاية الأسبوع.[133] الساعة 6 صباحا، تلقى مكالمة من شخص في المهرجان يطلب أن تقلّ الحافلة بعض الأشخاص. بينما كان يقترب من موقع المهرجان في حافلته الصغيرة حوالي الساعة 6:30 تقريبا، رأى إطلاق صواريخ. وعندها، أشار إليه رجل على قارعة الطريق بيده وطلب منه العودة، قائلا إنّ "إرهابيين" يهاجمون كيبوتس بئيري القريب. خرج الزيادنة من الحافلة لينظر حوله فتعرّض لإطلاق نار من اتجاه الكيبوتس. قال: "كنت أستطيع قيادة الحافلة إلى مكان بعيد، لكنني قلت إنه عليّ الوصول إلى المهرجان لإخراج الناس". وصل الزيادنة إلى موقف سيارات المهرجان تحت إطلاق النار. قال: "لا يمكنك أن تتخيّل المشهد. كان مروّعا". رغم أن حافلته تتسع لـ 14 راكبا، إلا أنه نقل فيها 30، منهم مصابان، وقام بإجلائهم. منذ تلك الأحداث، قال إنه تلقى تهديدات بالقتل وتهديدات أخرى من متصلين مجهولين بالعربيّة يلومونه على "إنقاذ 30 يهوديا".

ذهب دان ليبرزون (22 عاما) إلى المهرجان مع تسعة أصدقاء، وشقيقه، وأحد أقربائه.[134] ولمّا تعرّض المكان لهجوم بالصواريخ، فرّ إلى سيارته مع شقيقه وأحد أصدقائه. وبسبب الازدحام المروري في موقف السيارات، خرجوا من السيارة وبدأوا بالركض. ثم سمعوا إطلاق نار يقترب منهم، وأعقبه إطلاق نار آلي. قال: "بدأت الشرطة بالصراخ عبر مكبّر الصوت تُحذرنا من البقاء في الازدحام المروري لأننا سنقتل في مذبحة، ووجهونا نحو الحقول. كنا بالمئات نركض معا". انفصل ليبرزون عن أخيه وصديقه. قال: "شعرت وكأنني فقدت الوعي، لكنني واصلت الركض". انتهى به الأمر مختبئا خلف شجيرة لمدّة ساعتين أو ثلاثة. قال: "كان الرصاص يتطاير فوق رأسي، وكانت الفوضى تعمّ المكان". كما قال إنه سمع امرأة تصرخ بالعبريّة في مكان غير بعيد لما كان مختبئا "أتركوني وشأني، أتوسل إليكم". قال إنّ أحد المسلحين كان يأمرها بأن تصمت، لكنه لم يتمكن من رِؤية ما حدث لها.

انتظر ألموغ سينيور وصديق له في موقف السيارات حتى يخف الازدحام، وتمكنا من الوصول إلى الطريق الرئيسي. وعلى طول الطريق، كان سينيور يسمع طلقات نارية، وتوقف ليحمل معه امرأتين تبكيان.[135] ثم توجهوا بالسيارة على طريق ترابي حتى وصلوا إلى الطريق الرئيسي، حيث وجدوا شرطيا فسألوه عما يحدث. قال سينيور:

كان مرتبكا مثلنا، لذلك قرّرنا محاولة الخروج بأنفسنا... لكن الطريق الرئيسي بدا وكأنه طريق الموت. رأينا سيارات متوقفة بطريقة غريبة على قارعة الطريق. ثم شاهدنا بيك آب أبيض مركونا في التقاطع بين الطريق الترابي والطريق الرئيسي ورأينا رجلا يرتدي سترة واقية من الرصاص ويحمل بندقية واقفا قرب الشاحنة... تساءلنا ما إذا كان جنديا أم إرهابيا، ثم قلنا من المستحيل أن يكون إرهابي واقفا هكذا.

قادوا السيارة نحوه. قال سينيور: "لما رآنا، ذهب إلى الجزء الخلفي من شاحنته وأخرج رشاشا ووجّهه نحونا". أطلق النار، فأصابت السيارة رصاصة واحدة، ويعتقد سينيور أنّ الرشاش ربما يكون علق بعد ذلك. هرب سينيور وصديقه والامرأتان بعيدا. لم تكن هناك أي إشارة للشبكة في هواتفهم، فاستخدموا موضع الشمس ليحددوا اتجاه الشرق، للابتعاد عن غزة. وبينما كانوا متجهين بالسيارة، مرّوا بعمّال تايلنديين في حقل. صرخ سينيور عليهم ليهربوا لأنّ المهاجمين قادمين إلى هناك، لكنهم "ظلّوا جالسين هناك ينظرون إلى الصواريخ تمرّ فوق رؤوسهم وهم يرفعون الإبهام، وكأنهم لم يفهمونا". تمكن سينيور وصديقه والامرأتان من الوصول إلى منزل سينيور في بئر السبع بأمان. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من معرفة ما حدث للعمال التايلنديين.

ذهبت يائيل زئيفي (35 عاما) إلى مهرجان سوبرنوفا مع زوجها وصديقين.[136] ولما بدأ الهجوم، حاولت هي وزوجها الفرار، لكنّ محاولاتهما الثلاث فشلت بسبب الازدحام المروري وإطلاق النار، فعادا إلى مكان المهرجان. اختبأوا في البداية في الحمامات ثم تحت المسرح، لكنهم استمروا في التحرك مع اقتراب المسلحين. قالت زئيفي: "بعد ثلاث ساعات، لجأنا إلى [أنبوب تصريف المياه]... كان هناك إطلاق نار كثيف فوق رؤوسنا، فلم نجرؤ على التحرك". جاءت امرأة أخرى للاختباء في أنبوب الصرف مع زئيفي وزوجها. وفجأة وضع أحد المهاجمين بندقيته في الأنبوب وأطلق النار. أصيبت المرأة بعدّة طلقات، لكن جسدها حمى زئيفي وزوجها، رغم أن كلاهما أصيب، هي في ذراعها اليمنى وهو في اليسرى. زحفت زئيفي وزوجها خارج الأنبوب وركضا نحو أنبوب آخر. ومن هناك، نظرت خلفها إلى مكان المهرجان للمرة الأولى وقالت إنها شاهدت "نارا ودخانا كما في الأفلام". وفي الأخير، نقلهم بعض الأشخاص في سيارة إلى برّ الأمان. قالت زئيفي إنها علمت لاحقا من آخرين كانوا في المهرجان أن المرأة التي كانت معهما في أنبوب الصرف أصيبت بست رصاصات لكن نجت.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الحصول على معلومات كافية حول الردّ العسكري الإسرائيلي على الهجوم على مهرجان سوبرنوفا الموسيقي حتى تتمكن من تقديم تقرير دقيق عما جرى ما إن وصل الجنود إلى المنطقة.

فيديوهات تصوّر انتهاكات

تُظهر فيديوهات تمّ التحقق منها مقاتلين يُطلقون النار على مدنيين يحاولون الهرب من المهرجان في سيارات. يُظهر فيديو نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام صوّره أحد عناصر كتائب القسّام صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول مقاتلين يطلقون النار من بنادق هجوميّة على سيارة على الجانب الشرقي من الطريق 232، على بعد حوالي 3.3 كيلومتر من المهرجان. وبعدها أطلق المهاجمون النار على ثلاثة أشخاص بلباس مدني داخل السيارة وبجانبها.[137]

كما يُظهر فيديو مصور بكاميرا نُشر على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام تمّ تصويره قرب نفس المكان بعد هذا الهجوم في الساعة 7:39 سيارة تسير بعيدا عن مكان المهرجان على الطريق 232. ومع اقتراب السيارة من تقاطع مع الطريق 242، يطلق عدد من المقاتلين عليها النار من بنادق هجوميّة، ما يؤدي إلى تحطيم الزجاج الأمامي واصطدام السيارة بالجزء الخلفي لسيارة كانت متوقفة.[138] يُظهر مقطع آخر من نفس الكاميرا بعد لحظات مقاتلين يرتدون عصبات كتائب القسّام على أذرعهم وهم يطلقون النار على السيارة عدّة مرات.[139] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من نجاة أيّ من ركّاب السيّارة.

قُتل بعض روّاد المهرجان في مناطق أخرى فرّوا إليها. في فيديو نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، وتحققت منه هيومن رايتس ووتش، تُظهر لقطات التُقطت حوالي الساعة 8 صباحا بكاميرا السيارة سبعة مقاتلين، العديد منهم يصرخون باللغة العربيّة وهم يركلون رجلا عاري الصدر أمام ملجأ متصل بمحطة حافلات تقاطع رعيم، على مسافة حوالي 1.5 كيلومتر جنوب غرب مهرجان سوبرنوفا الموسيقي.[140] ويصرخ أحد المقاتلين: "يا شباب، بالداخل، هنا"، وبدا الرجال وكأنهم يتجادلون لفترة وجيزة، قبل أن يلقي مقاتل آخر شيئا ما في الملجأ.[141] وبعدها خرج رجل بدا غير مسلّح ويرتدي ملابس مدنية، فصرخ عليه الرجال وصوبوا بنادقهم نحوه، وأطلقوا عليه النار من الخلف لما حاول الفرار. وهم يُطلقون النار، يُمكن سماع ومشاهدة انفجار داخل الملجأ.

يُظهر فيديو آخر تمّ التحقق منه منشور على موقع "إكس" (تويتر سابقا) نفس المقاتلين ينقلون ثلاثة رجال وامرأة من الملجأ ويضعونهم في بيك آب.[142] كان اثنان من الرجال ينزفان، وأحدهم فقد يده اليسرى بسبب جرح غير متساوٍ تبرز منه عظام وأنسجة بشريّة أخرى، بشكل يتفق مع إصابة ناجمة عن انفجار. رجّحت هيومن رايتس ووتش أن يكون الرجل المصاب هيرش غولدبيرغ-بولين (23 عاما)، الذي أخذ كرهينة في المهرجان الموسيقي.[143] تمّ سحب أحد الرجال من شعره إلى خارج الملجأ، ثم تمّ صفعه من قبل مقاتلين اثنين ونُقل إلى بيك آب. وعندما أخرج أحد المسلّحين، في ملابس مدنية، امرأة من الملجأ، يبدو كأن شخصا خارج نطاق الكاميرا يقول: "لا، لا، سبية، سيبوها. أرجعها، أرجعها. عودي إلى مكانك".[144] وقبل لحظات من نهاية الفيديو، دفعها الرجل الذي كان يمسكها نحو الملجأ، ثم ينتهي الفيديو فجأة بصوت عال يتفق مع طلق ناري.

في فيديو آخر تم التحقق منه لنفس المشهد نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، تُظهر لقطات كاميرا في سيارة التُقطت حوالي الساعة 8 صباحا نفس البيك آب يغادر المكان مع احتجاز ثلاثة رجال أُخذوا رهائن. يحاول أحد الرجال الخروج من العربة، لكن المقاتلين يمسكون به بسرعة قبل أن يطلقوا عليه سلسلة من الطلقات عن قرب.[145] من غير الواضح ما إذا كان أيّ من الرجال الثلاثة قد نجا. زارت "سي إن إن" الملجأ يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول، وأفادت أن داخله كان "ملطخا بالدماء".[146]

في فيديو تمّ التحقق منه منشور على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، تُظهر لقطات بدون صوت صوّرتها كاميرا سيارة على الساعة 9:23 صباحا موقف سيارات بجوار مكان المهرجان والدخان يتصاعد في الخلفيّة. يعمد مقاتل يرتدي صدريّة عليها شعار كتائب القسّام إلى إطلاق النار على رجل ملطخ بالدماء يرتدي ملابس مدنية جالس قرب سيارة، ثم يقتاده خارج نطاق الكاميرا. كما يظهر رجل آخر ينظر إلى أعلى لفترة وجيزة، ثم يحرّك ساقه قبل أن يهمد خلف سيارة. يسرع نحوه مقاتل، ويصوّب بندقية نحو رأسه، ويطلق عليه النار من مسافة قريبة.[147] يرتعش جسده من الإصابة ثم يرتخي. وفي فيديو آخر تم التحقق منه ونُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام وصوّرته نفس الكاميرا الموجودة في السيارة، عند الساعة 12.09 ظهرا ما يزال الرجل ملقى على الأرض في نفس الوضع بلا حراك، ويظهر رجال يأخذون أشياء من جيبه. سلب الأموات هو سلب، في انتهاك لقوانين الحرب. ثم ينقطع الفيديو، وبعد دقيقتين تقريبا، يظهر المقاتلون وهم ينهبون السيارة. يجدون امرأة مختبئة داخلها، فيقتادونها خارج مجال الكاميرا. وبعد دقائق تعود المرأة إلى نطاق الكاميرا وهي ترفع يديها. وبعد ثوانٍ قليلة، تقرفص بينما تصيب رصاصات الأرض قربها. لا يُعرف ما حدث لها.[148]

أعقاب الهجوم

قال مدير أمن المهرجان روي ج. إنّه مسح منطقة المهرجان بعد تأمينها، وعند الظهر تقريبا، أحصى ما لا يقلّ عن 300 جثة على الأرض.[149] الكثير منها كانت محترقة، والبعض منها كانت على قارعة الطرقات التي هاجمها المسلحون، فضلا عن العديد من السيارات المحترقة. قال العضو في "زاكا" ناخمان ديكشتاين إنه قاد السيارة مع زملائه نحو موقع المهرجان مساء 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووضعوا الجثث التي وجدوها على امتداد الطريق في أكياس جثث ووضعوها جانبا.[150] العديد من الجثث كانت ما تزال مشتعلة بشكل خافت – قال ديكشتاين إنّ قفازاته البلاستيكيّة وأكياس الجثث بدأت في الذوبان أثناء لف بعض الجثث. من غير الواضح ما الذي أدّى إلى اشتعال السيارات.

استغرق الأمر أياما حتى عرفت عائلات بعض روّاد المهرجان مصيرهم. قال أوهاد هاريل إنّ زوجة أخيه شارونا شمونيس هاريل، وهي أم لطفلين صغيرين، ذهبت إلى المهرجان للاحتفال بعيد ميلادها الـ40.[151] في الصباح، بحسب ما قال أوهاد، بعثت شارونا برسالة نصيّة إلى زوجها، شقيقه، قالت فيها: "إنهم يطلقون النار علينا، وأنا مختبئة". قالت إحدى صديقاتها، التي كانت معها عند بداية إطلاق النار، في وقت لاحق، للأخ إنهما هربتا إلى السيارة، لكن بسبب الازدحام المروري لم تتمكنا من المغادرة بالسيارة، ولذا هربتا كل واحدة في اتجاه مختلف.[152] ذهب أوهاد وشقيقه بالسيارة إلى مكان المهرجان عند الظهر تقريبا، ووصف ما شاهداه عند مرورهما بالتجمعات في غلاف غزة:

كان هناك دخان وإطلاق نار وصواريخ. شاهدنا الكثير من رواد المهرجان يحاولون الهروب إلى برّ الأمان. مع اقترابنا، أوقفتنا الشرطة لأنها كانت قد أغلقت الطريق الرئيسي، فذهبنا إلى المستشفيات بحثا عن [شارونا]. كما ذهبنا إلى عدّة مراكز شرطة، وعرضنا صورها على كل من قابلناهم وكانوا [في المهرجان].

بعد حوالي 12 يوما، أخبرت السلطات الأسرة أنها عثرت على رفات شارونا وحدّدت هويتها في حقل قرب المهرجان.[153] قال أوهاد بعد أسبوع من الهجوم، قبل أن تتعرف السلطات على رفاتها: "لا أترك أخي للحظة، فهو مكسور ومثل وصار كالزومبي. ميّت لكن على قيد الحياة".[154]

العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي

أخذ المقاتلون شاني لوك (22 عاما)، وهي مواطنة إسرائيلية-ألمانيّة، من مهرجان سوبرنوفا الموسيقي. كانت شاني هناك مع حبيبها وبعض الأصدقاء. نُشر فيديو على منصّة إكس صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول وصًوّر على بعد 4.1 كيلومتر جنوب غرب معبر إيرز، نقطة عبور المسافرين من شمال غزة إلى إسرائيل والتي يصل من خلاله سكان غزة إلى الضفة الغربيّة والخارج عبر الأردن، ظهرت فيه صور لشاني لوك لا تتحرّك وقد جُرّدت من ملابسها وبقيت بملابسها الداخليّة في الجزء الخلفي من بيك آب وهي محاطة بالرجال. ومع ابتعاد السيارة، يبصق عليها أحد المارّة.[155] بناءً على هذه اللقطات، اعتقدت عائلتها في البداية أنها تعرّضت فقط لإصابة خطيرة في الرأس.[156] لكن في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، أكّدت السلطات وفاتها، التي تكون ربما حصلت قبل نقلها إلى غزة.[157]

إضافة إلى تسليط الضوء على الظروف المروّعة لمقتل لوك، والمعاملة التي لقيتها جثتها، فإنّ الفيديو يُثير تساؤلات أيضا عن الظروف التي تمت فيها نزع بعض ملابسها أو إزاحتها، والتي تضمّنت التقاط صور أضفي عليها الطابع الجنسي وعراء جزئي بدون رضا ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.[158]

راجعت هيومن رايتس ووتش صورة لشابة وصورة وفيديو لشابة أخرى، وكُلها تصوّر جسديهما بعد أن قتلتا أثناء الهجوم، على الأرجح في موقع سوبرنوفا، بناءً على الملابس التي كانتا ترديانها، والمواقع التي يبدو أنه عُثر فيها على الجثتين. تحمل الجثتان بقع دماء مرئية قرب المنطقية التناسليّة للضحيتين، وفي إحدى الحالتين حول كل من الذراعين أيضا. كانت الصور جزءا من مجموعة صور أطلع صحفيٌ هيومن رايتس ووتش عليها، وقال إنه حصل عليها من الشرطة الإسرائيلية. كان من الممكن التعرف على بعض الصور الموجودة في المجموعة لأنه سبق أن شاركتها منظمة زاكا مع هيومن رايتس ووتش. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من مكان وتوقيت التقاط صور الشابتين أو أي معلومات محدّدة عن إصابتيهما.[159]

نشرت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية مقابلة مع امرأة دون الكشف عن اسمها تحدثت عن تعرضها للاغتصاب من قبل مقاتلين في مهرجان سوبرنوفا، وقالت إنّ عرّابتها، التي كانت معها، تعرّضت هي الأخرى للاغتصاب.[160] لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذه الرواية بشكل مستقلّ.

قابلت وسائل إعلام العديد من الأشخاص الذين قالوا إنهم شاهدوا حادثة اغتصاب جماعي واحدة أو أكثر في موقع المهرجان، بما في ذلك رواية واحدة وصفت الجناة على أنهم يرتدون "زيا عسكريا".[161] نقلت وسيلة إعلامية عن رجل قوله إنه شاهد اغتصابا جماعيا لامرأة أو فتاة، وإجبار أخرى على التعرّي أثناء الهجوم على موقع المهرجان. قال ذلك الشاهد لوسائل الإعلام إن كلتا الضحيتين قتلتا على يد المهاجمين.[162]

في الأمم المتحدة بنيويورك، عرض أحد عناصر الشرطة الإسرائيلية يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 2023 فيديو لامرأة لم يذكر اسمها كانت حاضرة في مهرجان الموسيقى وهي تروي أنها شاهدت حادثة اغتصاب جماعي وتشويه في ذلك الموقع.[163]

وفي فيلم وثائقي، قالت امرأة كانت حاضرة في المهرجان إنها سمعت من مخبئها حوادث عدة تعتقد أنها أعمال اعتداء جنسي.[164] بعض هذه الروايات قد تتحدث عن نفس الحادثة أو الحوادث. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذه الروايات بشكل مستقل.

جاء في تقرير الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النـزاع في نقاشها بشأن موقع سوبرنوفا:

هناك روايات أخرى عن أفراد شهدوا حادثتين على أقل من حوادث اغتصاب جثث النساء. وصفت مصادر أخرى موثوقة في موقع مهرجان الموسيقى سوبرنوفا رؤية عدّة أفراد مقتولين، معظمهم من النساء، وقد عُثر على جثثهنّ عارية من الخصر إلى الأسفل، وبعضها عار تماما، مع طلقات في الرأس و/أو تعرضهنّ للتقييد، بما في ذلك تقييد اليدين خلف ظهورهنّ، وربطهنّ بهياكل، مثل الأشجار والأعمدة.[165]

مع فرار الأشخاص الذين حضروا المهرجان، إحدى الطرقات الكثيرة التي سلكها العديد منهم هي الطريق رقم 232، الشريان الرئيسي الذي يمتدّ من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، عبر العديد من مواقع الهجوم. وجدت الممثلة الخاصة في ما يتعلّق بروّاد المهرجان الهاربين في ذلك الموقع:

هناك معلومات ذات مصداقية تستند إلى روايات متسقة لشهود تتحدث عن حادثة تم فيها اغتصاب امرأتين. وتلقى فريق البعثة روايات عن حالات اغتصاب أخرى، شملت الاغتصاب الجماعي، لم يمكن التحقق منها في الوقت المحدّد، وتتطلّب المزيد من التحقيق. على طول هذه الطريق، عثر على جثث عدّة مصابة بجروح في أعضائها التناسليّة، بالإضافة إلى إصابات في أجزاء أخرى من الجسم. لا يمكن التحقق من أي أنماط واضحة لتشويه الأعضاء التناسليّة في هذا الوقت، لكنها تستدعي تحقيقات مستقبلية... تمكن فريق البعثة أيضا من تأكيد العثور على جثث متعددة لنساء وعدد قليل من الرجال عراة كليا أو جزئيا أو ملابسهم ممزقة، بعضهم مقيد و/أو مربوط إلى هياكل، وهذا – رغم أنه ظرفي – قد يؤشر على بعض أشكال العنف الجنسي.[166]

وكتبت لجنة تحقيق الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2024 أنها وثقت خمس حالات في موقع المهرجان "حيث ظهرت على جثث الضحايا علامات شكل من أشكال العنف الجنسي. في جميع الحالات، تم تجريد الضحايا من ملابسهم جزئيا".[167] كما وثق التقرير تجربة امرأة أخذت رهينة في المهرجان وتم تصويرها هناك وهي تتعرض للتهديد والسخرية من قبل مجموعة من الرجال، بما في ذلك شتائمها بما في ذلك وصفها بأنها كلبة يهودية؛ ويشير التقرير إلى أن الفيديو تم تحميله لاحقًا على الإنترنت من قبل أعضاء مجموعة مسلحة.[168]

كيبوتس بئيري

يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في كيبوتس بئيري، قُتل 97 مدنيا، وأخذوا مقاتلون 30 رهينة، منهم 10 أطفال.[169]

حتى عام 2022، كان عدد سكان كيبوتس بئيري، الواقع في منطقة أشكول على بعد حوالي 4.4 كيلومتر من الحدود مع غزة، 1,071 شخصا.[170] قال السكان إنّ الكيبوتس كان يستضيف في معظم عطلات نهاية الأسبوع عشرات الزوار.

قابلت هيومن رايتس ووتش 18 من سكان الكيبوتس ممن شهدوا الهجوم، وموظفا في الكيبوتس، وأحد روّاد المهرجان الذين فرّوا إلى بئيري ولجأوا إليها. زار باحثو هيومن رايتس ووتش الكيبوتس يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، لكنهم لم من الوصول إلى الموقع دون قيود.

روايات من الناجين

عوفر غيتاي (40 عاما)، أحد سكان بئيري، كان يتواصل بشكل نشط مع أعضاء من الكيبوتس كامل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[171] عند الساعة 6:30 صباحا، بعد أن سمع انفجارات قوية وإطلاق نار، بعث برسالة إلى فريق الاستجابة السريعة للتأكد مما إذا كان إطلاق النار قادما من الجانب الإسرائيلي أو من المهاجمين. ولما صار واضحا أنّه من هؤلاء، أرسل غيتاي رسالة إلى السكان ليذهبوا إلى غرفهم الآمنة. قال غيتاي إنّ المواجهات الأولى بين فريق الاستجابة السريعة والمسلحين حصلت عند البوابة الرئيسيّة.[172] كما قال إنّ المسلحين دخلوا من البوابات الرئيسية والغربية.[173]

قال غيتاي إنه، أكثر من مرة، كان في ذلك اليوم يتحدث عبر الهاتف مع أشخاص من الكيبوتس حين تعرضوا لإطلاق نار، وفي بعض الحالات أصيبوا بجروح قاتلة.[174]

غادرت أيا ميدان (39 عاما)، وهي معالجة ورياضيّة ترياثلون، منزلها في الكيبوتس الساعة 6:15 صباحا للقاء ليور وايزمان، وهو صديق من سديروت، لركوب الدراجة. كانت تستعد لمسابقة "نصف الرجل الحديدي".[175] ولما وصلت بدراجتها إلى الجهة الداخلية من البوابة الرئيسية لكيبوتس بئيري، شاهدت سيارة بيضاء تتجه نحو البوابة من الطريق الرئيسي. لم تفتح البوابة للسيارة، وبدلا من ذلك خرجت من باب جانبي يؤدي إلى الطريق الرئيسي. وعلى بعد حوالي 300 متر من هذا الباب، شاهدت انفجارات تملأ السماء، فنزلت من فوق دراجتها واستلقت على الأرض. اتصلت بوايزمان، واتفقا على إلغاء خططهما والعودة إلى المنزل. لجأت لفترة وجيزة في ملجأ خرساني على جانب الطريق يسمى "ميغونيت". وهناك وجدت مجموعة من رواد المهرجان الذين غادروا بعد انطلاق صفارات الإنذار، ومنهم ياسمين بورات وشريكها، الذين انتهى بهما الأمر بالالتجاء داخل منزل في بئيري أثناء الهجوم.[176]

أرسل أحد أعضاء فريق الاستجابة السريعة إلى ميدان رسالة تخبرها بضرورة العودة إلى منزلها، لكن عندما وصلت إلى البوابة الرئيسية التي صارت مفتوحة، رأت ثلاثة رجال بملابس مدنيّة سوداء، وهم بدو فلسطينيون يعملون في مطبخ الكيبوتس، يركضون خارجين وهم يصرخون.[177] توقف أحدهم، ويُدعى هشام، وقال لها: "هناك إرهابيون في الكيبوتس يقتلون أي شخص يرونه، منهم الأطفال. علينا الفرار". قال لميدان إنّ المسلحين أوقفوا العمال في سياراتهم وصادروا هواتفهم، لكنهم أطلقوا سراحهم لأنهم فلسطينيون. خلعت ميدان حذاء الدراجة وهربت مع هشام إلى الطريق الرئيسي، ملوحة للسيارات المارة لكن لم يتوقف أحد. وفجأة، سمعا صوت إطلاق نار يقترب، فركضا نحو أشجار تؤمن تغطية. 

ومن مسافة بعيدة، رأت ميدان ثلاثة مسلحين يركبون سيارة ويتجهون نحو الأشجار. قالت: "أدركت أننا محاصرون. رأينا ثلاث حاويات ضخمة تُستخدم لجمع الفاكهة في الحقول. قال هشام ربما يتعين علينا الاختباء داخلها، لكنني قلت مستحيل لأنهم إذا وجدونا هناك فسيلقون علينا قنبلة يدوية ويقتلوننا. فقررنا التوغل في الشجيرات".[178]

اتصل هشام بوالده من هاتف ميدان. قالت ميدان إنّ الأب أمضى الساعات القليلة التالية في محاولة العثور على مجموعة من الأشخاص تستطيع إنقاذهم. وبينما كانوا مستلقين في الشجيران، سقط صاروخ بالقرب منهم. قالت ميدان إنها تتذكر سماع صوت مروحيات في السماء، وأصوات سيارات، ودراجات نارية، وجرارات. كما سمعت مسلحين يهاجمون الملجأ الخرساني على جانب الطريق الذي كانت قد اختبأت فيه.[179] وفي نفس الوقت، كانت تراسل زوجها الذي طمأنها أنه وأطفالهما الثلاثة لم يُصابوا بأذى، وهم في غرفتهم الآمنة داخل الكيبوتس. وفي الأخير، تمكّن والد هشام من القدوم في سيارة لإنقاذهم. وعندما خرجا من المنطقة، مرّا بسيارات يمكن رؤية الزجاج المهشم والدم عليها، فأدركت ميدان الحجم الحقيقي للهجوم.[180] بعد أسبوعين من الهجوم، قالت ميدان: "طوال هذا الوقت ما زلت أسمع الصراخ. حتى وأنا أستحم، أسمع الصراخ".

تحدّث الباحثون إلى ميدان في اليوم الذي حضرت فيه جنازة زوجة أخيها وابن أخيها البالغ من العمر 15 عاما، اللذان قتلا في الهجوم. كما فقد شقيقها ساقه بسبب هجوم بقنبلة يدوية. وقُتل أيضا صديقها من سديروت، ليور ويزمان، لما كان في طريقه إلى منزله بعد مكالمتهما.[181]

استيقظت نيريت هونوالد (38 عاما)، وهي ممرضة تعيش في الكيبوتس، مع شريكها وطفلهما الوليد في منزلهما على صوت الصواريخ.[182] ولما ذهبت لإحضار بعض الماء لطفلها، ظنّت أنها سمعت طلقات نارية. وبعد بضع دقائق، اتصل بها مديرها وطلب منها مساعدة شخص مصاب قرب عيادة الأسنان وسط الكيبوتس، فأسرعت إلى العيادة، التي تبعد حوالي مئة متر عن منزلها:

لم أسمع أي شيء. ذهبت مع فريق الاستجابة السريعة، فدلّوني إلى مكان [الرجل المصاب]. كان هناك إرهابي كان قد أطلق عليه النار وضربه بكعب بندقيته. كان فاقدا الوعي لكنه يتنفس. بدأت بعلاجه وأدركت أن الأمر صعب جدا عليّ، فاتصلت بالمسعفة. لم أستطع علاجه لوحدي. أعطيتها توجيهات حول كيفية الوصول إلي، فوصلت بعد دقيقتين. عالجناه خارج العيادة.[183]

كافحت أميت مان، المسعفة، وهونوالد في علاج الرجل المصاب، ويُدعى جيل بويوم، وهو من فريق الاستجابة السريعة. قالت هونوالد إنّ شاحار زيماخ، وهو عنصر آخر في فريق الاستجابة السريعة، وصل بعد بضع دقائق. سحبوا بويوم إلى داخل المبنى. قالت: "كان ثقيلا جدا وكان هناك الكثير من الدم كان هناك مسار من الدماء. لا أستطيع محو ذلك من ذهني، كل تلك الدماء".

استمرت نداءات الاستغاثة في الوصول، وكانت هونوالد تطلب من كل مصاب أن يأتي إليهم. اتصلت هونوالد بالطبيب دانييل ليفي ليساعدهم. الذين تمكنوا من الوصول إلى العيادة كانوا من فريق الاستجابة السريعة. تلقى بعضهم، مثل يوئيل فريدمان، علاجا سريعا وعادوا إلى مواجهة المهاجمين. أصيب عنصر آخر في فريق الاستجابة السريعة، هو يائير أفيتال، بجروح خطيرة، فأخذ زميله في الفريق إيتان حداد درعه الواقي وبندقية وبدأ بإطلاق النار على المقاتلين في محيط العيادة.

قالت هونوالد إن حوالي الساعة 2 بعد الظهر، نفذت ذخيرتهم، فاجتمع المهاجمون على العيادة وأطلقوا النار على مان، الذي كان أعزل. اختبأوا في العيادة، لكن المهاجمين ألقوا ثلاث أو أربع قنابل يدوية داخلها، فقتل كل من مان زيماخ وحداد. قالت هونوالد: "مازلت أسمع أميت [مان] يصرخ، 'النجدة ! النجدة !أطلقوا عليّ النار ولا أريد أن أموت!'".

اختبأت هونوالد وأفيتال في العيادة بينما كان المسلحون يتجولون داخلها ويخربونها. التجأت هونوالد في الحمام. قالت: "لم يأتوا إلى الحمام، لكني سمعتهم لساعتين يدخلون ويخرجون ويطلقون النار ويلقون القنابل اليدوية. أحرقوا الكثير من المنازل القريبة". قالت هونوالد إنّ المسلحين أنشأوا ما يشبه مركز القيادة قبالة العيادة، في روضة الأطفال.

زارت هيومن رايتس ووتش عيادة الأسنان في 5 نوفمبر/تشرين الثاني ولاحظت أضرارا تتفق مع شظايا القنابل اليدوية في العيادة، فضلا عن نيران أسلحة صغيرة، بما في ذلك أغلفة تتطابق مع الأسلحة التي كان يحملها فريق الاستجابة السريعة والمهاجمون. كما وجدت هيومن رايتس ووتش أغلفة تتطابق مع عيار بنادق الكلاشنيكوف التي يستخدمها العديد من المقاتلين الفلسطينيين، وأضرارا تتفق مع إطلاق نيران أسلحة صغيرة وصواريخ في مدرسة الأطفال المقابلة لعيادة الأسنان.

قالت هونوالد إنّ المهاجمين كانوا يتحدثون إلى بعضهم البعض عبر أجهزة اللاسلكي المحمولة: "كنت أرى أجهزة اللاسلكي واللاسلكي اليدوي التي كانوا يحملونها. كنت أسمع خشخشة اللاسكي". كما قالت إنها سمعتهم يقولون "اذبح اليهود" بالعربية وهم يتجولون: "كانوا يضحكون ويتحدثون كما لو كان يوما عاديا".

كانت الساعة 4 بعد الظهر، حين وصل الجيش الإسرائيلي لإنقاذ هونوالد وأفيتال. كان الأخير ما يزال في وضع حرج وظلّ يفقد وعيه، بحسب هونوالد. تمكن الجيش الإسرائيلي أخيرا من إخراج هونوالد وعائلتها وأفيتال وحوالي 20 مدنيا آخرين، منهم أطفال، إلى حقل مجاور للكيبوتس. ومن هناك، تمّ إجلاؤهم بالحافلة إلى خارج غلاف غزة.

ذهب ساغي شيفروني (41 عاما) إلى الغرفة الآمنة في منزله في بئيري مع ابنته البالغة من العمر خمسة أعوام.[184] قال: "قررت الزحف تحت السرير مع ابنتي. سألتني لماذا علينا الذهاب تحت السرير، فأخبرتها أنّ الوضع أكثر أمانا هناك". قبل سنوات، طلبت زوجته منه فكّ المقبض الخارجي للغرفة لتعطيل استخدامه.[185] ونتيجة لذلك، عندما دخل المقاتلون منزله حوالي الساعة 11 صباحا، لم يتمكنوا من فتح الباب:

سمعت صوت تحطم زجاج وبعد ثوانٍ قليلة سمعت طلقات نارية على باب الغرفة الآمنة. الباب لم يكن مضادا للرصاص، لذا فإن الرصاصات اخترقته. امتلأت الغرفة كلها برائحة البارود والإسمنت المكسور. ... سألتني ابنتي إن كانوا يحاولون قتلنا، فقلت لها: "نعم، لكنهم لن يتمكنوا من ذلك". حاولوا خلع الباب لبضع دقائق لكنهم لم يستطيعوا. حاولوا إطلاق النار على المفصّلات.

... وبعدها سمعت أصواتا وكأن أشياء تتهشم وتتكسّر، لكنهم في الواقع كانوا يشعلون النار في المنزل.[186]

قال شيفروني إنّ الدخان بدأ يتسرّب عبر الباب:

كان من الواضح أنه لا يمكننا البقاء هنا. إذا بقينا، سنكون في عداد الموتى. عندها قررت الخروج، كان الأمر أشبه بالغريزة. فتحت باب الغرفة الآمنة قليلا ورأيت المنزل بأكمله يحترق، فاتجهت إلى النافذة وفتحتها. رأيت أن الفناء الخارجي بأكمله كان يحترق أيضا.[187]

حطّم النافذة وفتح المصاريع المعدنيّة. ارتدى سروالا، لكنه لم يكن يرتدي قميصا أو حذاء. لفّ ابنته ببطانية وطلب منها أن تضع وسادة على أنفها وفمها وتتنفس منها. ثم قفز إلى الخارج حاملا ابنته بين ذراعيه. قال إنه فقد الذاكرة لمدة 10 ثوان تقريبا، ولم يستعدها إلا وهو على العشب، وجلدة قدميه تتقشر. وضع ابنته في منزل الجيران وبحث عن الماء ليسكبه على رجليه، وكذلك على ذراعيه وكتفيه وظهره ووجهه، حيث انتشرت حروق من الدرجتين الثانية والثالثة، وعن شيء يضمّد به قدميه.[188]

قال أفيف أزولاي (30 عاما) إنه رأى مسلحا من خلال نافذته يرتدي عصابة رأس سوداء أو حمراء، يضع إطارا بجانب منزل شيفروني ويشعل فيه النار. امتدت النيران إلى المنزل. قال: "بعد دقائق، رأيت ساغي يخرج من المنزل حاملا ابنته. كان يحترق ويصرخ 'ساعدوني، ساعدوني'، فحاولت الذهاب إليه".[189]

بدأ شيفروني يسمع إطلاق نار وصيحات بالعربيّة تقترب، فأخذ دراجة أحد جيرانه وركبها مع ابنته إلى الجانب الآخر من الكيبوتس، حيث يوجد منزل والده، وحيث كانت توجد زوجته وابنه. وفي الطريق إلى هناك، كانت ابنته تحذّره كلما رأت مهاجمين من بعيد. التحق شيفروني بزوجته وابنه وعائلة شقيقه في الغرفة الآمنة بمنزل أبيه، وابتكروا طريقة لغلق الباب.

وعند الساعة 2 بعد الظهر تقريبا، دخل المسلحون منزل والده أيضا. قال شيفروني: "كدّسنا الأطفال فوق بعضهم البعض وغطيناهم بأجسادنا. بدأ ابني يبكي ويقول قال إنه من الظلم أن يموت صغيرا – كان قد بلغ للتوّ 8 أعوام. قلت له 'لن يموت أحد اليوم'". بدأ المسلحون بإطلاق النار على الباب، لكن في تلك اللحظة كان الجيش الإسرائيلي يصل إلى الكيبوتس ففرّوا. وأخيرا، عند الساعة 7:30 مساءً، أخرج الجنود العائلة من منزلها، ونقلوا شيفروني إلى المستشفى عند منتصف الليل.

أمضى تساحي غاد (67 عاما) 13 ساعة في غرفته الآمنة مع زوجته وابنه، معظم الوقت دون كهرباء.[190] وفي تلك الفترة، استخدم المسلحون الطابق الثاني من بيته قاعدةً للعمليات. فقد سمع أصوات جرّ ثقيلة وظنّ أنها مهاجمين يجلبون قاذفات آر بي جي ورشاشات، لأنه سمعهم لاحقا يطلقون النار من نافذة الطابق العلوي. قال إن المنزل بأكمله كان يهتزّ في أوقات مختلفة من ذلك اليوم. كما قال إنه سمع في وقت ما المسلحين يسيرون على السطح. وأخيرا، الساعة 8 مساءً، أجلاه الجنود الإسرائيليون هو وعائلته عبر نافذة الغرفة الآمنة. قال غاد إنّ المسلحين استمروا بإطلاق النار من الطابق الثاني، وكانت هناك سيارات مشتعلة في الشارع.[191] لم يكن غاد يرتدي حذاءً لما تم إجلاؤه، وفي الظلام لم يكن يدري ما الذي كان يدوس عليه، لكن زوجته قالت له في وقت لاحق إنه داس على جثث ممددة في الشارع.[192]

عمليات القتل

يتذكّر إيال بن تسفي (42 عاما) تلقي رسالة من المجلس البلدي حوالي الساعة 6:45 تأمر الناس بالاختباء وغلق الأبواب بسبب توغل محتمل.[193] وبعد الساعة 7 بدقائق، تلقى مجموعة من الدردشات الأخرى تقول إنّ أشخاصا في الكيبوتس يسمعون صراخا بالعربيّة وإطلاق نار.[194] يتذكر بن تسفي:

في الرسائل، قال بعض الأشخاص إنه يوجد شخص على شرفاتهم. أحدهم قال إنه في شرفة الطابق الثاني ولديه بندقية، وينتظر الإرهابيين. ثم حصل إطلاق نار كثيف. وبدأ الناس يقولون إنّ هناك إرهابيين في منازلهم. أدركنا أنهم في كلّ مكان. كنت أتحدث إلى الناس عبر الهاتف، أحدهم كان منزله مشتعلا، وآخر أصيب بطلق ناري بينما كان في مدخل منزله. وحوالي الساعة 11 صباحا، قالت امرأة إن رضيعتها البالغة من العمر تسعة شهر قتلت بين ذراعيها لما أطلق الإرهابيون النار عبر باب الغرفة الآمنة. نجت الأم وابناها، لكن الرضيعة والأب قتلا بالرصاص.[195]

قال بن تسفي إنّه حين قدم المسلحون إلى منزل جارته غاليت كربوني (66 عاما)، سمع ما بدا وكأنه منشار آلي على نافذة منزل كربوني.[196] وبعدها جاء المسلحون إلى منزله لكنهم لم يتمكنوا من الدخول من الباب الأمامي لأنّ زوجته أوصدته بالكثير من الأثاث. ثم سمع زجاجا ينكسر وبعض الحديث بالعربية. ثم غادر المسلحون المكان. قال بن تسفي إنّه عند الساعة 3 بعد الظهر تقريبا، سمع المزيد من الزجاج ينكسر واشتباكا كبيرا بالرصاص خارج منزله مباشرة.[197] وبعد ساعة، تمكّن الجيش الإسرائيلي من إخراجهم من منزلهم، واحتجز مسلحَيْن، بحسب ما قال. كما قال إنه أرسل الجنود إلى منزل كربوني للاطمئنان عليها، "فوجدوها ميتة في سريرها".[198] يذكر بن تسفي أنه شاهد جثثا عدة ممدّدة عند بوابة مدخل الكيبوتس.[199]

قال بن تسفي إنه رأى معظم الأضرار التي لحقت بالجانب الغربي من الكيبوتس.[200] كما قال إنه شاهد العديد من السيارات المشتعلة على طول الطريق أثناء إجلائه من بئيري حوالي الساعة 4 بعد الظهر.[201]

كان والد بن تسفي، يوري بن تسفي (71 عاما)، وزوجته على وشك المغادرة إلى المطار للسفر في عطلة إلى صقلية عندما انطلقت صفارات الإنذار.[202] ركضا إلى الطابق الثاني الذي لا يُمكن الوصول إليه إلا من الخارج وكان له باب أمامي مغلق بإحكام. أخذا معهما كيسا من الطعام وماءً وبطاريات لهاتفيهما. وبعد دقائق، سمع بن تسفي أصواتا من الطابق السفلي من خلال فتحة. قال إنّ مسلحين ظلوا في منزله أربع ساعات، وسمعهم يهشمون ممتلكاتهم ويحركون الكراسي.[203] وفي الساعة 8 مساءً، جاء الجنود الإسرائيليون لإنقاذهما وأخرجاهما إلى منزل أحد الجيران، حيت لجآ هناك مع حوالي 13 مدنيا آخرين. قال إنّ امرأة هناك كانت مصابة برصاصة في صدرها: نوا ليفي (76 عاما)، قالت له إنّ المهاجمين أطلقوا عليها النار وقتلوا زوجها روني ليفي.[204] قالت لبن تسفي إنها اضطرّت إلى البقاء بجانب جثته في الغرفة الآمنة كامل اليوم.[205]

السلب والنهب

كان هدار غلبارد (65 عاما) يحتمي بمفرده في غرفته الآمنة عندما وصلت مجموعة أولى من المسلحين إلى منزله حوالي الساعة 9:30 صباحا. سمعهم يصعدون إلى الطابق العلوي ويطلقون النار على الشارع لمدة ساعة تقريبا. لاحقا ذلك اليوم، دخلت مجموعة ثانية وجمعت أشياء لتسرقها. وبينما كانوا ذلك يحدث، سمع غلبارد المزيد من الرجال يدخلون ويصعدون إلى الطابق العلوي، ويطلقون النار مرة أخرى من الشباك. حاول بعض المسلحين دخول الغرفة الآمنة، لكنه تمكّن من التمسك بالمقبض. ظلوا في منزله حتى الساعة 9:30 مساءً تقريبا، وفي الأخير غادروا. قال إنّ منزله كان مليئا بالرصاص عندما غادره هو.[206]

قال يوري بن تسفي إنّ المهاجمين أخذوا ما يلي من ممتلكاته: جهاز تلفزيون، وحاسوب محمول، ومحفظة، وأموال.[207] تحققت هيومن رايتس ووتش من لقطات كاميرا مراقبة منشورة على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام يظهر فيها شخص على دراجة نارية على الطريق الدائري الشمالي في بئيري مع جهاز تلفزيون مربوط في الجزء الخلفي، رغم أنه من غير الواضح ما إن كان هو تلفزيون بن تسفي.[208]

أخذ الرهائن

 قالت نيرا هيرمان شرابي (54 عاما) إنها كانت في المنزل مع زوجها يوسي شرابي (53 عاما)، وأطفالهما الثلاثة: يوفال (17 عاما)، وعوفر (14 عاما)، وأورين (13 عاما)، وصديق ابنتهما يوفال أوفير إنغل (18 عاما)، عندما انطلقت صفارات الإنذار حوالي الساعة 6:30 صباحا.[209] كان منزلهم في الطابق العلوي من مبنى مكون من طابقين في الجزء الأوسط من الكيبوتس. قالت إنهم ذهبوا إلى الغرفة الآمنة وكانوا يتابعون الأخبار على هواتفهم لمعرفة ما يحدث. وسرعان ما تلقوا رسالة بالبقاء في الغرفة الآمنة وبأن الكيبوتس تم اختراقه. قالت إنّ يوسي كان يدخل ويخرج من الغرفة الآمنة، حتى سمعوا فجأة إطلاق نار وأشخاصا يتحدثون العربيّة. قالت شرابي إنّ مجموعات التراسل المجتمعيّة كانت مليئة بالرسائل المحمومة من أعضاء الكيبوتس.

عند الظهر تقريبا، بحسب ما قالت شرابي: "سمعناهم [المهاجمين] في الطابق السفلي يصرخون ويتحدثون العربيّة ويضحكون". كما قالت إنّ العائلة سرعان ما سمعت المسلحين في بيتها يقتربون من الغرفة الآمنة. ورغم أن زوجها حاول الإمساك بالمقبض، إلا أنهم دخلوا عنوة. "دخلوا علينا بأسلحتهم. كانوا ثلاثة. أطلقوا النار على كلبنا. كنا نتوسل إليهم. رفعنا أيدينا وقلنا لهم 'نرجوكم لا تقتلونا، نرجوكم لا تفعلوا أي شيء بنا'". قالت إنهم سألوهم إن كانت هناك أي بنادق أو أسلحة في المنزل، فأجابت العائلة بأنها ليس لديها أي شيء. ثم أخرجهم المسلحون من المنزل تحت تهديد السلاح: "لم نحاول المقاومة. أخذونا إلى [المنازل المجاورة] وأجلسونا في حديقة بين منزلين. ولما وصلنا إلى الطابق السفلي، أخذوا منا هواتفنا. رأيت جارتنا تال وأطفالها الثلاثة. تركونا نجلس بالقرب منهم. أخذوا صورة سلفي معنا، وقيّدوا يدي زوجي بحبل". كما قالت إنّ المهاجمين أعطوا لابنتها وصديقها قمصانا، لأنهما لم يكونا يرتديان ملابسهما بالكامل عندما أجبرا على الخروج من الغرفة الآمنة.

قالت شرابي، التي تفهم بعض اللغة العربية، إنّ المسلحين داسوا أيضا على العلم الإسرائيلي وقالوا بالعربية: "هذه ليست إسرائيل، هذه فلسطين". كما قالت إنها سمعتهم يقولون "اقتلوا كل اليهود".

قالت شرابي إنّه بعد أن أجلسهم المسلحون لحوالي 10 أو 15 دقيقة، أمروهم بالوقوف مجددا: "نقلونا إلى الطريق، حيث كانت هناك سيارة سوداء صغيرة في انتظارنا". قالت إنّ السيارة كان فيها مسلحان، فأمرا زوجها وإنغل وابن جيرانها أميت شاني (15 عاما) بالصعود إلى السيارة، وتركوا بقية عائلة شرابي وعائلة الجيران في الطريق. ومع غياب المسلحين، ابتعدت شرابي والآخرون في المجموعة عن الطريق، وبعد حوالي 15 دقيقة، قرّرت هي وحوالي تسعة أشخاص آخرين ممن كانوا يتجمعون هناك الالتجاء في منزل أحد الجيران. وانتظروا هناك حتى الساعة 8 مساءً تقريبا، عندما أنقذهم الجيش الإسرائيلي. أُفرِج عن إنغل وأميت شاني من الأسر يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني.[210]خلص تحقيق أجراه الجيش الإسرائيلي إلى أن يوسي شرابي قُتل على الأرجح عندما هاجم الجيش الإسرائيلي مبنى في غزة أدى إلى انهيار مبنى مجاور.[211]

فيديوهات الانتهاكات

تحققت هيومن رايتس ووتش من 12 فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تُصوّر أعمال قتل، وأخذ رهائن، ونهب، وإتلاف ممتلكات في كيبوتس بئيري يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

هناك سلسلة من فيديوهات المنشورة على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، اقتطعت من تسجيلات من عدّة كاميرات مراقبة عند المدخل الشمالي الشرقي لكيبوتس بئيري، توثق كيف دخل المقاتلون الفلسطينيون إلى الكيبوتس. في أحد هذه المقاطع، حوالي 7 صباحا، يحاول رجلان يرتديان عصبتَيْ رأس تنسبان إلى كتائب القسام دخول كيبوتس بئيري.[212] ومع اقتراب سيارة "مازدا" من البوابة الرئيسيّة، وفيها ثلاثة ركّاب، يختبئان.[213] وبعد فتح البوابة بقليل، يفتح الرجلان النار على السيارة، ويقتلان الأشخاص الموجودين بداخلها على ما يبدو. وبعد ساعة تقريبا يقترب ثمانية مقاتلين، بعضهم يرتدي عصبة حمراء على الساعد أو الساق، من سيارة المازدا ويبدأون بسحب جثة من باب الراكب الأمامي ويزيلون محتويات السيارة.[214] أحد المقاتلين يركب على دراجة نارية مع شخص آخر ويحمل صاروخا من طراز PG-7VR لقاذفة آر بي جي. في نفس الفيديو، حوالي الساعة 10 صباحا، يقترب رجلان من نفس السيارة داخل البوابة مباشرة، ويشرعان في سحب الجثتين المتبقيتين، قبل السير بعيدا بالمازدا. وفي فيديو آخر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، يُظهر فيديو آخر  صُوِّر حوالي الساعة 10:40 صباحا رجلين بملابس مدنيّة، أحدهما مسلح ببندقية هجومية، يقتربان من الجثث، في سيارة تحمل لوحة تسجيل فلسطينية. يرفع الرجلان إحدى الجثث ويضعانها في صندوق السيارة، ثم يعودان ليلتقطا ما بدا أنه هاتف من المكان حيث كانت الجثة ممددة، فبل أن يغادرا بئيري ويسلكا طريقا يتجه غربا نحو غزة.[215]

يُصوّر فيديو نُشر على قناة "غزة الآن" على تلغرام يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول مقاتلين، بعضهم يرتدي عصابات رأس مرتبطة بكتائب القسام وآخرين بملابس مدنية، يقتادون خمسة أشخاص، منهم على الأقل امرأة مسنة وامرأتان أخريان، بدت أيديهم مقيّدة خلف ظهورهم، نحو الطرف الشمالي الغربي لمدينة بئيري.[216] ويُظهر فيديو ثان حُمّل على تلغرام يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول ما لا يقل عن أربعة أشخاص من نفس المجموعة مستلقين على الأرض بلا حراك في نفس الموقع.[217] تبدو أيدي ثلاثة منهم ما تزال مقيّدة خلف ظهورهم.

يُظهر فيديو نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، من كاميرا مراقبة موضوعة في بوابة في الجزء الشمالي الغربي من الكيبوتس، رجلَيْن على دراجة ناريّة، أحدهما على الأقل مسلح، وما لا يقل عن 10 شاحنات بيك آب تحمل مقاتلين يرتدون أنواعا مختلفة من أزياء التمويه والسترات، ويحملون أسلحة صغيرة وخفيفة، منها قاذفات آر بي جي، ورشاش ثقيل واحد على الأقل. يتجهون نحو المدخل الشمالي الشرقي آتين من جهة غزة على الطريق خارج الكيبوتس، وتتبعهم دراجتان ناريتان على كل واحدة منهما رجلان بأزياء عسكرية على طريق موازية ولكن داخل بئيري.[218] وبعد ساعات قليلة، الساعة 10:41، يصل شخص في ملابس مدنية إلى البوابة داخل بئيري من جهة الغرب وهو يحمل جهاز تلفزيون في الجزء الخلفي لدراجته النارية.[219] يقترب من البوابة المغلقة، ثم يستدير ببطء نحو الاتجاه الذي جاء منه. في فيديو نُشر على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام من نفس كاميرا المراقبة، تم تصويره في الساعة 12:15 ظهرا، بوابة المشاة هي الآن مفتوحة. ثم تصل خمس سيارات ودراجة نارية تقلّ ثلاثة أشخاص إلى البوابة. يدخل الكيبوتس 12 رجلا يرتدون ملابس مدنية.[220] كان اثنان منهما يحملان بنادق هجومية بينما يحمل آخر سكينا على ما يبدو. يُمكن رؤية أربعة أشخاص على دراجات هوائية داخل الكيبوتس.

أعقاب الهجوم

لم يتمكن عناصر مجموعة الاستجابة الطارئة زاكا من الوصول إلى بئيري إلا يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول بسبب المخاطر الأمنيّة، سواء تلك الناجمة عن استمرار القتال أو المرتبطة بالمتفجرات. بدأوا عمليّة انتشال الجثث بتوجيه من الجيش، الذي عمل على تطهير المباني من المتفجرات أولا ثم سمح لفرق مكونة من أعضاء زاكا ببدء عملية رفع الجثث. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع سبعة أعضاء من انتشلوا الجثث من الكيبوتس، خمسة منهم عملوا بشكل فردي واثنين عملوا بشكل جماعي.[221]

أظهر العضو في زاكا ناخمان ديكشتاين للباحثين صورتين وفيديو التقطتها زاكا. تُظهر هذه السلسة جثة عارية وملتوية وُجدت في بئيري، مع ما يبدو أنه حبل حول الرسغ الأيسر، حيث تبدو اليد مشوهة بإصابة عميقة أو ناتجة عن انفجار.[222] الفم مكمم بقطعة قماش مربوطة حول الرأس. لهذا الشخص شعر أسود طويل، لكن الجنس غير واضح. قال ديكشتاين إنّ ذلك الشخص كان مصابا بطلق ناري واحد على الأقل. تشير الصور إلى أنّ الجثة عُثر عليها بين أنقاض منزل منهار وقال ديكشتاين إنّها الجثة الوحيدة لمدني التي عثر عليها زملاؤه في ذلك المنزل، لكن كانت هناك أيضا جثث "إرهابيين في كل مكان". لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التعرف على الجثة أو سبب وفاتها، لكن طبيبا شرعيا مستقلا درس الصور ولاحظ وجود ما يبدو أنها إصابتان على الأقل بالرصاص في الجزء العلوي من الذراع الأيمن. الصور لا تظهر الساقين، لكن عضو آخر في زاكا وصف رؤية نفس الجثة، وهي جثة امرأة على ما يعتقد. قال إنه وجد إحدى ساقيها مقطوعة على بعد خمسة إلى سبعة أمتار من الجثة: "عرفت أن ساقها كانت بسبب الحذاء. كان الأمر مروعا".[223]

أطلع ديكشتاين الباحثين على صورة لجثة أخرى وجدها خارج منزل في بئيري يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول. كانت الجثة محترقة بشدّة ومقطوعة الرأس، ويبدو أن أطرافها السفليّة مبتورة نتيجة صدمة.[224] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التعرف على الجثة أو تحديد سبب وفاتها.

قال ديكشتاين إنه عثر في منزل آخر منهار ومدمّر على جثة امرأة عارية مستلقية على صدرها بجوار فرشة ملطخة بالدماء.[225] وأضاف أن سبب الوفاة لم يكن واضحا. وأطلع باحثي هيومن رايتس ووتش على عدّة صور من مكان الحادث.[226] كانت المرأة تحمل سلكا أسود رفيعا حول كاحلها قال ديكشتاين إنه حبل، على الرغم من أنه يمكن أن يكون خلخالا. وكانت هناك مادة داكنة حول منطقة الشرج، يُمكن رؤيتها من الخلف في إحدى الصور، قال ديكشتاين إنه دم. قال طبيب شرعي مستقل إنها قد يكون دما أو سوائل داخلية متحللة.[227]

قال ديكشتاين إنّه وزملاؤه قلبوا الجثة فوجدوا ما قال إنه سكين مغروس في منطقة الأعضاء التناسليّة بجانب مهبلها. أطلع ديكشتاين باحثَي هيومن رايتس ووتش على صورة تُظهر على ما يبدو جسما عالقا قرب مهبل المرأة، لكن دون أي دم يمكن رؤيته حوله. راجع طبيبان شرعيان مستقلان الصورة لكنهما قالا إنه من المستحيل معرفة ماهية الجسم من الصورة وحدها. لاحظ أحدهما أنّ الجثة تبدو وكأنها تحمل جروحا قبل الوفاة وبعدها. كانت جثتها تحمل علامات تبدو أنها جروح متعددة. قال ديكشتاين إنّه قدّر عمرها بـ20 عاما استنادا إلى وجهها.[228]

تمكنت هيومن رايتس ووتش من تأكيد هوية المرأة المقتولة بناءً على ملامح يمكن تحديدها على جسدها، لكنها لم تنشر هذه المعلومات احتراما للضحية ولحماية خصوصية عائلتها. وبعد نقل الجثة والفرشة، عثر ديكشتاين وزملاؤه على جزء من جثة عارية أخرى. كانت الجثة ينقصها الرأس والساقين وأحد الذراعين.[229] كانت المرأة المذكورة تعيش مع صديقها.

وُجدت الجثتان قرب "جثث الكثير من المقاتلين"، بحسب ديكشتاين. 

زارت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع وفريقها بئيري. جاء في تقريرها:

تلقى فريق البعثة معلومات موثوقة عن الجثث التي تم العثور عليها عارية و/أو مقيدة، وفي إحدى الحالات مكمّمة، في بعض منازل الكيبوتس المدمرة والمناطق المحيطة بها. رغم أنه لم يكن من الممكن التحقق من حصول عنف جنسي ضدّ هؤلاء الضحايا، إلا أنّ الأدلّة الظرفيّة، لا سيما نمط الضحايا الإناث اللواتي عُثر عليهن عاريات ومقيدات – قد تكون مؤشرا على بعض أشكال العنف الجنسي. بشكل عام، لم يتمكن فريق البعثة من تأكيد حصول عنف جنسي في بئيري. إجراء المزيد من التحقيقات قد يحدد ما إذا وقعت حوادث عنف جنسي.[230]

هناك صورة أخرى التقطها زميل ديكشتاين فيها جثة رجل بجانب دراجة هوائية في حقل خارج بئيري مباشرة. كان قد تعرّض لإطلاق نار ويبدو أنه ظلّ ينزف حتى مات.[231] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد هوية الرجل.

تحدث عضوان في زاكا عن العثور على امرأة وصبي ممسكين ببعضهما البعض على أرضية إحدى الغرف الآمنة.[232] كانت الجثتان مليئة بالرصاص. قال أحدهما: "لم يُرميا برصاصة واحدة فقط. لقد كان رأساهما وأرجلهما مليئة بالطلقات النارية". كما قال إنّ المنزل تعرض لأضرار كبيرة جرّاء إطلاق النار.

زار ديكشتاين الملجأ الذي احتمت به أيا ميدان، مباشرة خارج بوابة الكيبوتس. أطلع ديكشتاين الباحثين على صور التقطها للملجأ، الذي يُمكن التعرف عليه من خلال لوحة على الجدار لوجه فتاة وشعرها، تحيطه بها فقاعات، حيث يمكن رؤية ثلاث جثث على الأقل بداخله. قال ديكشتاين إنه رأى المزيد من الجثث بالداخل، لكنه لا يعرف عددها الدقيق. كان الجزء الداخلي من الملجأ قد اسودّ، وكان هناك ما يُشبه الرذاذ من الحفر الصغيرة على الجدران الاسمنتية الداخلية. قال ديكشتاين إنه، بناءً على نوع الإصابات، إنّ الذين كانوا بالداخل أصيبوا بطلقات في الرأس وبدت جثثهم مشوهة جراء انفجار. أطلع ديكشتاين الباحثين على صورتين لرجل يرقد في وضع الجنين خارج الملجأ مباشرة، لديه جرح رصاصة في رأسه، ومحاطا ببركة من الدماء. هناك سيارة بيضاء واقفة بجانبه، وقد اخترقت زجاجها الأمامي رصاصة. صارت جثته وملابسه سوداء، وكانت المنطقة المحيطة بأعضائه التناسلية وجانب صدره معظمها داكنة. من غير الواضح ما إذا كان قد تعرّض هؤلاء لإطلاق الرصاص قبل احتراقهم. حصلت سي إن إن على فيديو صُوِّر في الملجأ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول يُظهر جنودا إسرائيليين ينقلون جثة بعيدا عن الملجأ، وما بدت أنها جثة ثانية على الأرض عند مدخل الملجأ.[233] تحققت هيومن رايتس ووتش من موقع الفيديو وتأكدت من أنه قريب من بئيري.

واستشهدت لجنة تحقيق الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2024 بتعليقات امرأة لجأت إلى هناك وقالت إن المقاتلين ألقوا قنبلة يدوية إلى داخل الملجأ وأطلقوا عدة رصاصات بداخله، بينما كان عشرات الأشخاص يختبئون هناك، ولم ينج سوى 12 منهم.[234]

ردّ القوات المسلّحة الإسرائيلية

قد يكون القتال بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين أدّى إلى مقتل مدنيين إسرائيليين محتجزين كرهائن في أحد البيوت خلال تبادل إطلاق النار، وفقا لناجيَيْن، وتقارير إعلامية، وصحفي وتحقيق عسكري إسرائيلي.[235] بحسب بعض الروايات، يعود سبب وفاة بعض الأشخاص الـ 12 المحتجزين إلى إطلاق نار من المقاتلين الذين يحتجزون الرهائن. يُظهر فيديو صوّرته مروحيّة عسكريّة إسرائيلية، تحققت منه هيومن رايتس ووتش وحدّدت موقعه الجغرافي على أنه في بئيري، دخانا متصاعدا من عدّة منازل ودبّابة داخل الكيبوتس. في الساعة 5:33 مساءً، تطلق دبابة طلقة واحدة النار على منزل آل كوهين الذي أفادت تقارير أن المقاتلين كانوا يحتجزون فيه رهائن.[236] قابلت القناة الإخبارية الإسرائيلية "إن 12" عضوين من "وحدة مفاوضات هيئة الأركان المشتركة للجيش الإسرائيلي" كانا في بئيري للتعامل مع الوضع. قال الجنديان إن دبابة أطلقت طلقتين تحذيريتين بالقرب من منزل عائلة كوهين، قبل أن تطلق النار على الفناء ثم على سطح المنزل.[237] في مطلع يناير/كانون الثاني 2024، راسلت عائلات القتلى السلطات الإسرائيلية مطالبة بالتحقيق في الحادثة، فوافق الجيش على إجرائه في فبراير/شباط.[238] أفادت القناة الإخبارية إن 12 في أبريل/نيسان، استنادا إلى تقرير عسكري داخلي أصدره "سلاح المدرعات"، والذي لم يُنشر، بأن الرهائن لم يُقتلوا جميعها بنيران الدبابات.[239] أفادت هآرتس أيضا بأن تحقيقا أجراه علماء آثار من "هيئة الآثار الإسرائيلية" الذين تطوعوا للمساعدة في التحقيق، وجد أن شظايا نيران الدبابات لم تخترق مطبخ المنزل، وهي إحدى المنطقتين اللتين يقولان إن الرهائن المدنيين يتركزون فيهما.[240] وبحسب صحيفة "هآرتس"، يقول التقرير أيضا إنه عُثِر على "أغلفة مقذوفات" من بنادق كلاشنيكوف في كلا المنطقتين، وإن "إطلاق النار تم من داخل المبنى"، فضلا عن أن "المنطقة التي عُثر فيها على رفات بشرية لم تتضرر بنيران خارجية".[241] في 11 يوليو/تموز، نشر الجيش الإسرائيلي النتائج التي توصل إليها بشأن سلوك الجيش في بئيري ووجد أن مدنيين اثنين فقط أصيبا بنيران دبابة خارج المبنى، وأنه بينما "من الضروري إجراء مزيد من التحقيقات والمراجعات للنتائج الإضافية"، فمن المرجح أن المقاتلين هم قتل الرهائن الآخرين.[242]

في حادثة منفصلة، قال أفيف أزولاي، الذي شهد قفز شيفروني من نافذته، إنه رأى مشهدا فوضويا عبر النافذة. ويعتقد أنّ أحد العوامل يتمثل في ارتداء المقاتلين ملابس تبدو كأنها زيّ الجيش الإسرائيلي – هذا انتهاك لقوانين الحرب. [243] وفي حالة أخرى، قال أزولاي إنه شاهد مجموعتين من الجنود الإسرائيليين تطلقان النار على بعضهما البعض. لم يعلم ما إذا كانت هناك خسائر بشريّة.

كيبوتس كفر عزة

قتل الهجوم على كيبوتس كفر عزة مدنيين (56 بحسب تقارير)، وجرح مدنيين (أربعة بحسب تقارير)، وأخذ المقاتلون رهائن مدنيين (ثمانية بحسب تقارير، منهم سبعة أطفال).[244]

يقع كيبوتس كفر عزة في منطقة شعار هنيغف على بعد حوالي كيلومترين من الحدود مع غزة. كان فيه حوالي 900 عضو وطالب حتى 2022.[245]

قابلت هيومن رايتس ووتش 18 عضوا في كيبوتس كفر عزة، 17 منهم كانوا في منازلهم وقت الهجوم، وقريب أحد الأعضاء.

قال سكان كفر عزة إنّ الهجوم بدأ الساعة 6:30 صباحا، عندما سمعوا صفارات الإنذار ثم إطلاق نار في الكيبوتس. قال أحدهم إنه نظر من النافذة فرأى ثلاثة رجال ينزلون في الكيبوتس باستخدام ما بدت وكأنها مظلات.[246]

روايات الناجين

مكثت دورين كوهين (30 عاما) في غرفتها الآمنة في كفر عزة 28 ساعة مع زوجها وابنيها الصغيرين البالغين من العمر ثلاثة أعوام وأربعة أشهر. قالت إن المسلحين سيطروا على منزلها على ما يبدو لاستخدامه كقاعدة، وتتذكّر أنه بعد دقائق فقط من سماع صفارات الإنذار، سمعت إطلاق نار وصراخا وأصواتا بالعربية.[247]

قالت كوهين: "هكذا فهمنا أنه كان هناك إرهابي في الكيبوتس، لكننا لم نفهم عددهم".[248] كما قالت إنّه على مر النهار، تسبب الإجهاد والجفاف في جفاف حليب ثدييها فبدأ طفلها في الصراخ، ما عرضهم لخطر أكبر: "كان لدينا القليل من الماء فقط، فاضطررت لادخاره لابني الأكبر، وكلما احتاج ابني الرضيع لشيء يشربه، كنت أغمس مصاصته في الماء لترطيبها وأضعها في فمه". قالت كوهين إنّ الملجأ أصبح خانقا.

وبعد ذلك، تعرّض منزلها لهجوم من الجيش الإسرائيلي، الذي فجّر بعض الثقوب في الجدران. أدى هذا إلى تهوئة الغرفة، ولكنه جلب الدخان أيضا، وحين أُنقِذت عائلتها أخيرا، بحسب ما قالت، كانوا جميعا لديهم رمادا أسود مجمعا حول فتحات أنوفهم.

كان يفتاح يعقوبي (21 عاما) في غرفته الآمنة في كفر عزة مع والديه وجدته التي تستخدم كرسيا متحركا حين دخل المقاتلون منزلهم:

صرخوا قائلين "افتحوا الباب، أخرجوا". كانوا يطرقون الباب ويحاولون برم المقبض بينما كنت أنا وأبي نرفعه إلى أعلى. ثم أطلقوا النار على الباب ثلاث أو أربع مرات. اخترقت الرصاصة الأولى صدري وأصابت الثانية معصمي الأيمن. لحسن الحظ لم يُصب أبي.[249]

قال يعقوبي إنه استخدم قميصا كضمادة وجلست والدته على الجرح لوقف النزيف، بينما استمر والده في الإمساك بمقبض الباب. من خلال ثقوب الرصاص في الباب، قال يعقوبي إنه شاهد خمسة مسلحين في أزياء سوداء. كما قال إن الرجال ظلوا في منزلهم ثلاث ساعات، يأكلون طعامهم ويُحطمون ممتلكاتهم. لم يتلقّ يعقوبي علاجا طبيا إلا بعد إجلائه صباح 8 أكتوبر/تشرين الأول. كانت يده ما تزال تحمل جبيرة عندما التقى الباحثين.[250] لم تُصب والدته وجدته بأذى.

كان ليور تسومان (38 عاما) وحده في المنزل في كفر عزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[251] وبين الساعة 7:30 و8 صباحا، تلقى رسالة من جاره وصديقه ياهاف وينر، يقول فيها إنّ مسلحين يقفون مباشرة عند نافذة المنزل الذي كان يتقاسمه مع زوجته شايلي أتاري. قال: "لم أعلم إلا لاحقا أنّ بعد ذلك بلحظات حاول المسلحون الدخول إلى غرفتهم الآمنة من النافذة".[252]

بحسب ما قالته أتاري لصحفيين لاحقا، فقد خرجت هي من الغرفة الآمنة والمنزل مع رضيعتهما البالغة من العمر شهرا واحدا، بينما قال وينر إنه سيبقى هناك ويمنع المقاتلين من الدخول عبر النافذة. اختبأت في الشجيرات وخلف الأبواب وأخيرا في غرفة آمنة في منزل آخر.[253]

قال عيلام س.، وهو جار يعيش على بعد 70 مترا من منزل وينر، إنه سمع المهاجمين يصلون إلى منطقته في الكيبوتس، المعروفة باسم "حي الجدة"، حوالي الساعة 7:20 صباحا، وبدأوا يتنقلون بين المنازل.[254] وحوالي الساعة 8:30 صباحا، شاهد عيلام فريقا من ستة مسلحين، أغلبهم في أزياء تمويه تشبه خطوط النمر، ويضعون عصابات رأس خضراء، وهم يتحدثون ويضحكون. كانوا يحملون حقائب سوداء كبيرة ومسلّحين جيّدا. وبدا رجل يرتدي تيشرت أحمر هو الذي يعطي الأوامر ويتحدث عبر جهاز لاسلكي مزدوج المسار. كما رآهم عيلام يُلقون عدة قنابل يدوية من خلال نافذة منزل وينر، الذي سرعان ما اشتعلت فيه النيران.[255] وُجد وينر في وقت لاحق ميتا في الغرفة الآمنة.[256]

أفادت وسائل إعلام أنّ ليتال ديشون، التي تعيش في كفر عزة مع عدد من أفراد العائلة، تلقت رسالة من شقيقتها هدار برديتشفسكي (30 عاما) الساعة 6:54 صباحا تقول فيها: "الأمر الأكثر متعة هو البقاء في الغرفة الآمنة مع كيس براز".[257] هدار وزوجها إيتاي برديتشفسكي (30 عاما) كان لديهما توأمان في سن عشرة أشهر: غي وروي. طلبت شقيقة ديشون الأخرى من عضو في فريق الاستجابة السريعة الاطمئنان عليهما. مرّ هذا العضو بالقرب من منزلهم وقال لعائلة ديشون إنه سمع التوأم يبكيان ورأى غلاف رصاصة كلاشنيكوف عند المدخل. وقال إنه لم يتمكن من دخول المنزل للاطمئنان عليهما لأن الوضع كان خطيرا جدا. وفي الليل حين وصل الجيش، ذهب أحد الجيران إلى منزل برديتشفسكي وأخبر العائلة أنه وجد جثة هدار في المطبخ تحمل إصابة رصاصة في الرأس، بينما كان إيتاي مقتولا في الغرفة الآمنة، وتحمل رصاصات في الصدر والرأس. كان التوأمان على قيد الحياة – أحدهما كان يرتدي ملابس وهو على سرير في الغرفة الآمنة، بينما كان الآخر عاريا. قال الجار إنّ إيتاي ربما كان يغيّر ملابس الطفل. كان باب الغرفة الآمنة فيه ثقوب بسبب الرصاص. رغم أنّ بعض المقالات اللاحقة ذكرت أن هدار وإيتاي قاوما، إلا أن ليتال قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن مسدس إيتاي كان ا يزال في صندوقه الآمن، وكلاهما كانا غير مسلحين حين قتلا.[258] ظلّ التوأمان بلا غذاء أو حليب كامل اليوم.

كان غال ك. في غرفته الآمنة مع زوجته الساعة 8 صباحا حين استلما رسائل من ابنهما يوفال، الذي كان يعيش أيضا في كفر عزة، يخبرهم فيها أنّ منزله يتعرض لهجوم. قال غال:

الساعة 8 صباحا تقريبا، قال ابني إنّ بعض الإرهابيين يهاجمون. ولذلك خرج بسكين وطعن واحدا منهم في الرأس، وركل آخر. وأطلقوا عليه النار وجرحوه. قلت له أن يربط شيئا على ساقه، مثل الضمادة. وفي الأثناء كتب لي أحفادي: "تعال وأنقذنا يا جدي! الإرهابيون هنا!". كانت هناك مراسلات طويلة على واتساب. حاولتُ تهدئتهم. وحوالي الساعة 10:30، قال يوفال، الذي أصيب سابقا، إنّ إرهابيين كثيرون يدخلون وسيخرج لمقاتلتهم ولا يدري إن كان سيعود، وقال إنه يحبنا. وبعد أسبوع تلقينا رسالة تعلمنا أنه قُتل.

أثناء الهجوم، انقطعت الكهرباء عن حوالي نصف الكيبوتس، على الأرجح بسبب تأثر كابلات الكهرباء بالهجوم، وعدم اشتغال أحد المولدات الاحتياطية. أدى ذلك إلى تفاقم الوضع المزري الذي كان يواجهه البعض في غرفهم الآمنة.[259]

قال سيرغي ينكلفيتش، من فريق الاستجابة السريعة، إنه شاهد حوالي 60 مسلحا أثناء الهجوم. قال ليور تزومان إنه سمع رجالا يتحدثون العربيّة خارج نافذته.[260] نظر إلى الخارج فوجد أربعة مسلحين، واحد منهم على الأقل يرتدي عصابة رأس بيضاء وآخر عصابة حمراء، وهم يسرقون سيارة جاره عوفر لبشتيان (50 عاما)، رئيس المجلس الإقليمي لشاعر هنيغف، الذي قتل في وقت سابق ذلك اليوم.[261] وفي الأخير لم يأخذوا السيارة بعد أن بدأ شخص ما بطلاق النار عليهم.

تحدثت عائلتان من كفر عزة عن التعامل مع المقاتلين الفلسطينيين. قال غال ك. إنّ ابنه روني ك. أخبره أنه اقترب من مقاتلين يدخلون منزله وعرض عليهم القهوة والبسكويت.[262] ذهب أحدهم، وكان مصابا، إلى الحمام ليعالج إصابته. كما قال روني لغال إنه تمكّن، لما كان المقاتلون مشتتين، من إخراج أطفاله وزوجته من نافذة الغرفة الآمنة دون علمهم. وبعدها، ظلّ روني في المنزل مع المقاتلين، الذين لم يؤذوه.

كانت روتيم هولين (44 عاما) في المنزل مع أطفالها (خمسة وسبعة أعوام) في غرفتهم الآمنة، وعند الظهر دخل المنزل ستة مسلحين ببزات سوداء وأطلقوا النار مرة واحدة على الغرفة الآمنة. مسحت الرصاصة يدها، وفُتح الباب. قال:

وقفت أمامهم وأخبرتهم أنّ معي طفلين. تغيّر شيء ما لأنهم تناقشوا فيما بينهم ثم قال واحد، بدا المسؤول، باللغة الإنغليزية: "أنا مسلم. لن نؤذيك".[263]

ثمّ سألها المسلحون عن مكان وجود "الجنود"، متوقعين تواجد الجيش الإسرائيلي. وسألها أحدهم عما إذا كانوا موجودين حاليا في كفر عزة أو في كيبوتس ساعد. وخلال الساعتين التاليتين، ظل أحد المقاتلين جالسا في الغرفة الآمنة يراقبها هي وأطفالها، بينما أكل الآخرون وشربوا واستخدموا الحمّام، قبل أن يغادروا في الأخير.

تسجيلات فيديو من الهجوم

تحققت هيومن رايتس ووتش من لقطات نُشرها مسعفو الجنوب على قناتهم على تلغرام. هذه المشاهد، التي تم الحصول عليها من كاميرات على جثث مقاتلين فلسطينيين، توثق مسلحين وهم يسيرون في كفر عزة حوالي الساعة 10:30 صباحا.[264] تُظهر الفيديوهات مقاتلين مسلحين ببنادق كلاشنيكوف يتنقلون بين المنازل في قسم جنوبي من الكيبوتس بينما تُسمع أصوات إطلاق نار في الخلفية. بينما كان بعضهم يرتدون أزياء تمويه أو أزياء سوداء بالكامل، كان معظمهم في ملابس مدنية، وبعضهم يرتدون دروعا واقية. كان هناك مقاتل واحد على الأقل يرتدي عصابة رأس خضراء مرتبطة بكتائب القسام. إضافة إلى بنادق كلاشنيكوف، كان بعض المقاتلين يحملون قاذفات آر بي جي ورشاشات.

يظهر مقطعا فيديو، نُشرا على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام وصُوّرا في كفر عزة بعد الهجمات، جثثا بجانب سيارات تعرضت لإطلاق النار. في المنشور، قال مسعفو الجنوب إن الجثث التي ظهرت هي لمدنيين كانوا يفرون. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ذلك. يُظهر الفيديو الأول ثلاث جثث – واحدة في ملابس مدنية، وواحدة مجردة جزئيا من الملابس، وأخرى في سترة سوداء محمّلة الذخيرة – ممدة بجانب سيارة من نوع "كيا فورتي" تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية على الطرف الغربي من الكيبوتس.[265] ويُظهر الفيديو الآخر في مكان غير بعيد رجلا بوجه متفحم ممدد على الأرض قرب سيارتين متوقفتين.[266]

أخذ الرهائن

قُبَيْل الساعة 7 صباحا، ركضت أفيغيل إيدان، البالغة من العمر الآن أربعة أعوام، إلى منزل الجيران بعد أن قتل المهاجمون أمها وأبيها.[267] بقي شقيق أفيغيل (تسعة أعوام) وشقيقتها (ستة أعوام) في المنزل، واختبآ في خزانة لمدة 14 ساعة بحسب ما أفيد.[268] حين وصلت أفيغيل إلى منزل أفيحاي برودتش (42 عاما) وعائلته، كان هذا الأخير، وهو عضو في فريق الاستجابة السريعة، قد يهمّ بمغادرة منزله لحماية سكان الكيبوتس.[269] أرسلت إليه زوجته هاغار (40 عاما) رسالة حوالي الساعة 11 صباحا تقول فيها: "إنهم قادمون". ولا عاد إلى المنزل، وجد أن أفيغيل، وزوجته، وأطفاله عوفري (10 أعوام) ويوفال (ثمانية أعوام) وأوريا (أربعة أعوام)، قد رحلوا.[270] كانوا ضمن الرهائن الذين أخذوا إلى غزة. أُطلق سراحهم جميعا في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.

كان يوري ليفين على وشك أن يؤخذ رهينةً من كفر عزة.[271] قال في مقابلة إعلامية إنّ رجلا يحمل سكينا وآخر يحمل فأسا حاولا إخراجه من الكيبوتس، لكنه تمكّن من الفرار. لم يكن أيّ من المهاجمين يحمل سلاحا ناريا.

يُظهر مقطع فيديو من كاميرات مراقبة نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام مهاجمين يسحبون امرأة في حقل قرب كفر عزة الساعة 10:59 صباحا. المرأة، التي حددت هيومن رايتس ووتش هويتها على أنها أميت سوسانا، تصارع خاطفيها وفي الأخير تسقط على الأرض، حيث يضربها المقاتلون.[272] أُخذِت رهينة إلى غزة وأطلق سراحها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

رد فريق الاستجابة السريعة

قال أعضاء في فريق الاستجابة السريعة التابع للتجمع إنّ فريقا كبيرا من المسلحين كانوا ينتظرون قرب مستودع أسلحة الكيبوتس عندما وصلت فرق الاستجابة السريعة إلى هناك لأخذ أسلحتهم قُبيل الساعة 7 صباحا.[273]

كان إنبار روزنفلد، وعائلته من كفر عزة لكنه يعيش في تلّ أبيب، يجمع المعلومات ويمررها إلى السلطات خلال الهجوم. قال روزنفلد إنّ رئيس فريق الاستجابة السريعة تال إيلون وزميله أوري روسو هرعا إلى المستودع لأخذ الأسلحة في بداية الهجوم. أطلقا النار على المسلحين، لكنهما قُتلا بين الساعة 7 و7:20 صباحا قرب بركة السباحة في الكيبوتس.[274] أكدت مازي، زوجة إيلون، أنه غادر المنزل الساعة 6:30 نحو مستودع الأسلحة. قالت إنه بعث إليها برسالة الساعة 7:04، ثم أجرى مكالمة أخيرة مع رئيس الأمن في فريق الاستجابة السريعة في كيبوتس ساعد الساعة 7:15 يقول فيه إنه أصيب ويحتاج إلى مساعدة.[275] وُجدت جثته لاحقا في الكيبوتس.[276]

قال يوسي سوسنا، أحد سكان الكيبوتس، إنه رأى عضوا آخر في فريق الاستجابة السريعة، عوفر لبشتاين، وجاره وعضو فريق الطوارئ التابع للبلدية أومير تساديكيفيتش، يتجهان إلى مستودع الأسلحة حوالي الساعة 6:30 دقيقة. وقال إن آخرين شاهدوا الرجلين يغادران المستودع في اتجاه منزليهما، لكنّ كلاهما لم ينجُ من الهجوم. قال سوسنا، وهو صديق مقرّب لكلا العائلتين، إنّ ابن ليبشتاين عثر في النهاية على جثة والده ملقاة على بعد أمتار قليلة من منزلهم، بعدما استخدم ميزة “Find My” على هاتفه الـ "آيفون". عُثر على جثة تساديكيفيتش بجوار سيارته، خارج منزله.

قالت باتيا كوهين (83 عاما)، والدة زوجة تساديكيفيتش، إن كلا صهريها عومير وشاحار أفياني (50 عاما) قتلا أثناء الهجوم على كفر عزة، تاركَيْن أحفادها الثمانية بلا أب.[277] قاد أفياني فريق الاستجابة السريعة وكان مسلحا حين قُتل.[278]

قال بار إليشا (41 عاما)، وهو عضو آخر في فريق الاستجابة السريعة، إنه حين كان هو وبعض أصدقائه يتجولون في الكيبوتس أثناء الهجوم، وجدوا خريطة للكيبوتس على الأرض، عليها كتابات بالعربية.[279] قال سيرغي يانكيليفيتش، وهو أيضا من فريق الاستجابة السريعة، إنّ مسلحين استخدموا قاعة الطعام في الكيبوتس كقاعدة عمليات لبعض الوقت على الأقل.[280] أصيب يانكيليفيتش في ساقه اليمنى ووركه الأيسر الساعة 8:45 صباحا.[281]

وقال سكان إن مسلحين قتلوا سبعة من فريق الاستجابة السريعة المكون من 14 عضوا في الكيبوتس خلال الهجوم.

ردّ القوات المسلّحة الإسرائيلية

قالت راشيل ستلمان، وهي رئيسة وحدة الطوارئ الخاصة بالكيبوتس، سإنها تلقت رسائل من ابن صديق وزميل قال فيها إنّ والديه قتلا في وقت مبكّر من 7 أكتوبر/تشرين الأول.[282] حينها، كما تقول ستلمان، بدأت تتصل بأكبر عدد ممكن من معارفها العسكريين لإنقاذ الكيبوتس، وفي نفس الوقت أجرت اتصالات مع السكان. قالت: "لم يردّ عليّ أحد. شعرت بالإحباط لأنني لم أتمكن من الردّ على الناس الذين كانوا يتساءلون 'متى سيصل الجيش؟'"

قال السكان إنّ بعض القوات وصلت أخيرا بعد ظهر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنّها لم تتمكن من تأمين المنطقة وإجلاء المدنيين. قال بار إليش، وهو عضو في فريق الاستجابة السريعة، إنه كان يحاول مع زملائه، وكذلك أعضاء من فريق الاستجابة السريعة لكيبوتس ساعد الذين جاؤوا لدعمهم، مواجهة المسلحين، فجاء جنود إسرائيليون في مركبة عسكريّة. لكن المسلحين أطلقوا قذيفة آر بي جي على المركبة، فقتلوا الجنود بداخلها.[283] تعطّلت بندقية إليش، فلم يتمكن من الاستمرار في القتال. قال إنه كان مختبئا ويشاهد ما يجري "لما بدأوا يدخلون إلى المنازل. سمعتُ صراخا وإطلاق نار وقصف. كان الأمر مرعبا".

عندما تمّ إجلاء ستلمان وابنتها وصديق ابنتها جميعا من منزلها من قبل الجيش الساعة 8 مساءً يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أخبرهم الجنود أنهم قتلوا مسلحا في منزلها. لم يتمكن الجيش من البدء في إخلاء معظم الناس من منازلهم إلا في صباح 8 أكتوبر/تشرين الأول، وغادر أفراد المجتمع الكيبوتس كمجموعة واحدة حوالي الساعة 4 بعد الظهر. وأثناء الإجلاء، تعرّض الناس لمزيد من إطلاق النار. قال السكان إنّ القتال في كفر عزة استمرّ حتى 11 أكتوبر/تشرين الأول.[284]

قال سيرغي يانكيليفيتش، من فريق الاستجابة السريعة لكفر عزة، إنّه عندما تمّ إجلاؤه من الكيبوتس على متن مروحيّة، أجلى الجنود أيضا صديقا له قال إنّه فقد كلتا يديه لأنّ المسلّحين استخدموا متفجرات في محاولة لفتح باب غرفته الآمنة.[285]

لم تكن ميتار يعقوبي (30 عاما)، شقيقة يفتاح يعقوبي، في كفر عزة وقت الهجوم.[286] قالت إنّ يفتاح اتصل بها الساعة 10:30 صباحا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من كفر عزة ليخبرها أنّه ووالديه على قيد الحياة. وفي تلك الليلة، ذهب الجيش الإسرائيلي إلى منزلهم. قال يفتاح ووالداه إنّ الجيش تحدث بمكبّر الصوت خارج منزلهم بالعبرية والعربية، يأمرهم بالخروج من غرفتهم الآمنة.[287] ولأن العائلة سمعت العربية، فقدت ثقتها بالجنود. الشيء التالي الذي يتذكرونه هو أنّ منزلهم اهتزّ بالكامل – فالجيش كان يهزّ المنزل بحفارة. قال جنود لميتار إنهم فعلوا ذلك لاختبار ردّ فعل أي مسلّحين بالداخل. وبما أنه لم يحصل ردّ فعل، قرّر الجيش المضيّ قدما، وقالوا إنهم خافوا من أن يكون المنزل مفخخا، وافترضا أن يفتاح ووالديه قد قتلوا.[288] نجت العائلة وتم إجلاؤها صباح 8 أكتوبر/تشرين الأول.

كانت دورين كوهين (35 عاما) في الغرفة الآمنة بمنزلها في كفر عزة مع زوجها وابنيها الصغيرين حين دخل المسلحون المنزل عند منتصف الليل.[289] كان زوجها قد عطّل المقبض الخارجي للغرفة الآمنة، ما منع المهاجمين من فتحها. وبعدها استخدم المقاتلون المنزل قاعدةً على امتداد الساعات الـ 10 التالية، بينما كان الجيش الإسرائيلي يطلق ما قالت إنها ذخائر مختلفة على المنزل، مستهدفا المسلحين. تحدثت كوهين إلى معارف في الجيش والشرطة عدّة مرات ليلة 7 أكتوبر/تشرين الأول، لتخبرهم أنّ عائلتها كانت على قيد الحياة وتعطيهم رقم المنزل. ولما بدأت الهجمات تستهدف المنزل، أرسلت العديد من الرسائل إلى سكان الكيبوتس، قبل أن تنفذ بطارية هاتفها، لتخبرهم أن عائلتها على قيد الحياة.

قال جار كوهين، ليور تسومان، إنّ ما لا يقلّ عن 10 جنود إسرائيليين قدموا إلى منزله حوالي الساعة 10 أو 11 ليلا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبدأوا يستخدمونه كقاعدة عمليات.[290] قال إنهم كانوا يقاتلون المسلحين من هناك، وأخبروه أن اثنين منهم كانا داخل منزل قريب:

في لحظة معينة، فتحوا نافذتي الخلفيّة، فشاهدت منزل دورين يحترق. دُمّر بالكامل تقريبا. قلت لهم: "هل هذا هو المنزل؟ هذا منزل عائلة!" فقالوا لي إنّ هناك إرهابيَّيْن هناك، والمنزل محاصر. ولذلك افترضت أن العائلة قتلت، لكنني قلت لهم عليكم الدخول ومعرفة ما حصل لهذه العائلة، فلديهم طفلان صغيران. فأخبرني الجنود أنهم حاولوا ولكنهم لم يُفلحوا. فافترضت أنهم صاروا أمواتا. ولما رأيت والدي زوج دورين عندما تمّ إجلائي، استدرت إلى الناحية الأخرى، ولم أكن أرغب في مقابلتهما، فعرفوا من ردّة فعلي أنّ شيئا ما ليس على ما يرام.[291]

قالت كوهين لـ هيومن رايتس ووتش:

أخبرتني جارتنا التي تمّ إنقاذها أنّها رأت الجنود يطلقون النار على منزلنا فقالت لهم: "هناك عائلة بالداخل، ماذا تفعلون؟" فردّ عليها جندي "لا أحد يُمكنه أن ينجوا مما حصل في هذا المنزل. إن كانت هناك عائلة، فهي في عداد الموتى".

وعند الساعة 7 من صباح 8 أكتوبر/تشرين الأول، سمعت كوهين مركبة عسكريّة مارّة، ففتحت النافذة بهدوء وحاولت الإشارة إليها بأنهم في الداخل: "لوّحتُ للجنود، لكنّهم ظنوا أننا الإرهابيون، وبدأوا يطلقون النار على النافذة". وأخيرا، حوالي الساعة 10، صرخت على الجنود من النافذة، فرأوها وتمكنوا من إنقاذها هي وعائلتها، بينما كان المسلحون لا يزالون في المنزل. ولما غادروا منزلهم، رأوا أنّ أجزاء منه قد دمّرت بالكامل.

قال تسومان إنّ والده روفين تسومان (77 عاما) أصيب برصاص القوات الإسرائيلية. كما قال إنّ والده لا يريد التحدث عن تجربته، لكن تسومان روى ما قالته والدته، التي كانت هناك:

كان جيش الدفاع الإسرائيلي يطرق بعض الأبواب. طرقوا على بابه وفتحوه. كان والدي يحمل مسدسا. فظنّ أنهم من حماس وأطلق النار. أطلقوا هم بدورهم عليه النار، فأطلق هو الآخر، ثم أطلقوا هم. أصيب برصاصة في يده وأخرى في بطنه وأخرى في ساقه.[292]

أشار إلى أنّ بعض المسلحين كانوا يرتدون أزياء القوات المسلّحة الإسرائيلية، ما تسبب في ارتباك كبير. إضافة إلى ذلك، قالت سيغال يعقوبي، والدة يفتاح، إنه في وقت ما من الهجوم، مرّت دبابة بالقرب من المكان. قال لها جنود لاحقا إنّ الدبابة كان قد استولى عليها مهاجمون فلسطينيون.[293]

لم تُبلغ السلطات الإسرائيلية عن عدد المدنيين الإسرائيليين الذين قتلوا عن غير قصد على يد القوات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

العنف الجنسي

كتبت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع:

جمع فريق البعثة معلومات من مسعفين أبلغوا عن اكتشاف جثث لنساء عاريات وأيديهنّ مقيّدة خلف ظهورهنّ ومصابات بأعيرة ناريّة في رؤوسهن. رغم أن التأكد من وقوع عنف جنسي ضدّ هؤلاء الضحايا لم يكن ممكنا في هذه المرحلة، إلا أنّ المعلومات السياقية المتاحة – لا سيما النمط المتكرر للضحايا الإناث اللاتي يتم العثور عليها عاريات ومقيدات ومصابات بأعيرة نارية – تشير إلى إمكانية حصول عنف جنسي، بما في ذلك احتمال التعذيب الجنسي والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة.[294]

كتبت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2024 أنها وثقت "حالات تشير إلى عنف جنسي" في كفر عزة وبالقرب منها، بما في ذلك جثتا امرأتين يبدو أن ثيابهما نُزعت أو أزيحت ما ترك أعضائهما التناسلية مكشوفة.[295]

أوفاكيم

قتل الهجوم المسلّح على أوفاكيم مدنيين، أفادت تقارير بأن عددهم 40.[296]

أوفاكيم مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 35 ألفا، في منطقة مرحافيم، على بعد حوالي 20 كيلومتر من الحدود مع غزة.[297]

قابلت هيومن رايتس ووتش أحد الناجين من الهجوم، وتحققت من 11 فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وتصوّر ارتكاب الهجوم وآثاره اللاحقة مباشرة.[298]

تركّز الهجوم في الغالب على منطقة شعاعها 200 متر تقريبا في غرب المدينة، قرب إحدى الطرق الرئيسية التي تمرّ عبر وسط المدينة. تُظهر الفيديوهات إطلاق نار على مدني، وتوثق جثتَي شخصين آخرين على الأقل قتلا في المدينة.[299]

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت ميكال تسابار بيليا (30 عاما) تزور حماتها، وهي الأخرى اسمها ميكال بيليا، في أوفاكيم. كان هناك 11 شخصا في المنزل، بينهم المرأتان، وزوج بيليا الصغرى وأطفالها الأربعة، وصهرها وزوجته وطفلاهما.[300]

قالت بيليا إنهم لم يقلقوا عندما انطلقت صفارات الإنذار الساعة 6:30 صباحا لأنهم كانوا متعودين على صوتها. وبما أنّ منزل حماتها في أوفاكيم قديم، فليس فيه غرفة آمنة.[301] لكن بدل ذلك، احتمت العائلة تحت الدرج. وبعد دقائق، بدأوا يسمعون أصواتا غير مألوفة، فخرجت بيليا وبعض أفراد العائلة وأدركوا أنهم سمعوا إطلاق نار. ركضوا عائدين، وصعدوا إلى غرفة في الطابق الثاني.[302]

قالت بيليا إنها رأت من الطابق الثاني ما بدا أنهم ثلاثة جنود إسرائيليين في الزي الرسمي.[303] ثم رأت شرطيا على الجانب الآخر من الطريق، ويبدو أنه اعتقد هو الآخر أن الرجال من القوات الإسرائيلية فذهب للانضمام إليهم. قالت بيليا: "لكن بعدها رأينا المهاجمين يطلقون عليه النار، فصاح زوجي 'لا تطلقوا النار، إنه منّا!'. لكنهم استمروا في التحرك. لم نفهم لماذا يطلقون النار على جندي. فكرنا أنه ربما كان ارهابيا".[304]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو صور بكاميرا مراقبة ونُشر على منصّة إكس وبثته قناة "كان 11" الحكومية الإسرائيلية، يظهر فيه مقاتلان يقفزان فوق السياج الساعة 6:41 صباحا ويدخلان الفناء الجانبي للمنزل الواقع شمال منزل حماة بيليا مباشرة.[305] الرجلان مسلحان ببنادق كلاشنيكوف ويرتديان دروعا واقية. أحدهما يرتدي ملابس سوداء بالكامل، ويبدو الآخر في ملابس مدنية تحت معدّاته. يُظهر فيديو آخر لكاميرات مراقبة نُشر على موقع إكس من قبل نفس القناة مقاتلا آخر وهو يقفز فوق السياج ويسير نحو باب يربط الفناء الجانبي بمنزل حماة بيليا الساعة 6:44 صباحا.[306]

روت بيليا، التي تفهم العربية بعض الشيء، ما حصل بعد ذلك:

طلبت من زوجي أن يغلق النافذة. قبل أن يفعل ذلك سمعهم يتحدثون العربية. كانوا يقولون أشياء مثل "اذهب هناك"، واستخدموا اسما، أعتقد أنه أحمد، "اذهب وتحقق من هذا"، أو "محمد"، وأوامر قصيرة... لا أدري إن كانوا رأوا زوجي حين  صرخ. كانوا منشغلين بقتل الشرطي، وربما لم يكترثوا.

طلبنا من الأطفال أن يلتزموا الصمت، ثم سمعنا [أشخاصا] يحاولون دخول المنزل... حاولوا الدخول من الباب، لكننا كنا قد أغلقناه قبل الصعود إلى الطابق العلوي. ثم أدركنا أنهم داخلون إلى المنزل. ليس لدينا قضبان على النوافذ. وبعدها سمعنا أصواتا [كما لو] أنهم دخلوا إلى الداخل. كنا نسمعهم بوضوح لكننا لم نكن متأكدين من أنهم بالداخل أو الخارج. أدركنا أن علينا الهروب.[307]

وقف أرييل بيليا (28 عاما)، صهر بيليا، وأمسك بقضيب حديدي كبير قرب الباب بينما فتحت زوجته الباب وزحفت العائلة نحو السطح. قالت بيليا: "من هناك، صعدنا إلى سطح الجيران واختبأنا تحت الألواح الشمسية على سطح". ظنت العائلة أنّ أرييل ظلّ مختبئا في المنزل ولم تُدرك إلا لاحقا أنه أصيب بالرصاص وقتل.[308]

وثق فيديو من كاميرا مراقبة نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام وتحققت منه هيومن رايتس ووتش لحظة إطلاق النار على أرييل.[309] يظهر تسعة أفراد من عائلته، منهم أربعة أطفال على الأقل، يتسلقون نافذة تواجه الشمال في الطابق الثاني، ثم أرييل وهو يحاول أن يفعل الشيء نفسه. ينجح في إخراج ساقه اليمنى من النافذة قبل أن يتوقف فجأة مع انطلاق وابل من الرصاص. يصبح جسم  أرييل رخوا ثم يسقط ببطء على السطح.

قالت بيليا: "بقينا على سطح الجيران أربع أو خمس ساعات مع أطفالنا، وسمعنا الحرب بأكملها من حولنا"، مضيفة أنه كان هناك مسلحون على سطح قريب يلقون قنابل يدوية ويطلقون قذائف آر بي جي. في لحظة معينة، بحسب ما قالت، سمعوا إطلاق نيران مضادة:

خرج أناس عاديون يملكون أسلحة وبدأوا بالمقاومة. في شارعنا، قتل اثنان منهم. سمعنا أحدهم يصرخ "قنبلة يدوية" بالعبرية، ثم دوي انفجار، ثم سكون... سمعت انفجارا كهذا أربع أو خمس مرات على الأقل. وإطلاق نار بلا انقطاع، من أسلحة آلية.[310]

في وقت ما، بينما كانوا على سطح جيرانهم، شاهدت بيليا وعائلتها دخانا يتصاعد من تحت سطح منزلهم. قيل لهم لاحقا إن بيت حماتها أصيب بقنبلة يدوية أو قذيفة آر بي جي. كان منزلها أكثر منزل تعرض لأضرار في ذلك الشارع، لكن كانت هناك أضرار أصابت منازل وسيارات أخرى، وكان الحطام في كل مكان.[311]

يُظهر فيديو نُشر على إكس وصُوّر بكاميرا مراقبة بين الساعة 8:30 والساعة 10 صباحا، وبُث خلال برامج القناة كان 11، الجيش الإسرائيلي يُنسق مع أعضاء مفترضين في فريق الاستجابة السريعة لمحاربة المهاجمين قرب منزل حماة بيليا.[312] يُطلق الجنود النار باتجاه الواجهة الشمالية للمنزل، ويُلقون على ما يبدو قنابل يدوية على الفناء الجانبي الذي دخله المقاتلون سابقا ذلك الصباح. كما يظهر أعضاء مفترضين في فريق الاستجابة السريعة، يحملون مسدسات إلى جانب القوات المسلحة. تُظهر ثلاثة فيديوهات صُورت بطائرة مسيّرة حوالي الساعة 9 صباحا ونُشرت على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام جنودا وسكانا يتقدمون عبر الشوارع والأسطح نحو بيت حماة بيليا.[313] في واحد من هذه الفيديوهات، يُطلق شرطي النار من بندقية على هدف داخل المنزل. يرقد أرييل ميتا في نفس الوضع الذي أصيب فيه بالرصاص وكان قد سقط من النافذة في وقت سابق ذلك الصباح.[314]

بعد نحو خمس ساعات من إطلاق النار، سيطرت القوات المسلحة الإسرائيليّة على الشارع وبدأت بتمشيط الأسطح بحثا عن مسلحين. كان زوج بيليا يرفع طفلهم الصغير و"كيبّا"، وهي طاقية يرتديها الرجال اليهود تقليديا، والقوات تفحصهم عبر طائرة مسيّرة لتحدد هويتهم، قبل أن يصعد جندي إلى السطح وينقذهم.[315]

لما أخبر زوج بيليا الجندي عن اختباء شقيقه في المنزل، أطلعهم الجندي على جثته. قالت بيليا: "كان قد سقط من النافذة إلى الجزء السفلي من السطح، وكان ممددا هناك. كان قد أصيب في الرأس. لم يكن لدينا الوقت للنظر حولنا، فقد أنزلونا ودفعونا إلى منزل الجيران، لأنه كان لا يزال هناك إرهابيون في الشارع".[316]

تحققت هيومن رايتس ووتش من أربعة فيديوهات إضافية منشورة على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، سجلها المقاتلون، وتُظهر دخولهم إلى أوفاكيم.[317] كان المقاتلون في هذه الفيديوهات، التي صورت جميعها حوالي الساعة 7:15 صباحا، يسيرون على الأقدام في أنحاء المدينة وهم يرتدون سترات فوق الملابس المدنية ويحملون بنادق كلاشنيكوف. يُظهر أحد الفيديوهات مهاجما يسير بجوار جثة ملطخة بالدماء يبدو أنها لمدني، على بعد حوالي 120 متر جنوب شرق منزل حماة بيليا.[318] كما يُظهر فيديو آخر نُشر على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام وصُوّر على بعد 110 أمتار تقريبا إلى الجنوب، جثة أخرى، بلا حراك، وملطخة بالدماء، تبدو ميتة وممددة على الرصيف.[319]

كيبوتس نير عوز

في الهجوم على كيبوتس نير عوز، قُتل ما لا يقل عن 38 مدنيا وأخذ المقاتلون 75 رهينة، منهم 15 طفلا على الأقل، وهو أكبر عدد من الرهائن المأخوذين من موقع هجوم واحد.[320]

كان كيبوتس نير عوز، التابع لمنطقة إشكول، على مسافة 2.4 كيلومتر من غزة تقريبا، يسكنه 380 شخصا حتى 2022.[321]

من بين ثلاثة أفراد من المجتمع المحلي قابلتهم هيومن رايتس ووتش، كان هناك رجل أُخذ والده رهينة وقُتل شقيقه في الهجوم؛ وامرأة أُخذت جدتها وعمها رهينتين؛ ورجل نجا والداه من الهجوم ولم يُصبهما أذى.[322] كما تحدث الباحثان إلى امرأة ذهبت إلى نير عوز بعد يوم من مقتل والدها في الهجوم، وهو عضو في الكيبوتس.[323]

يُظهر فيديو صُوِّر الساعة 7 صباحا تقريبا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ونُشر على قناة كتاب القسام على تلغرام، مقاتلين مباشرة داخل السياج الإسرائيلي الفاصل مع غزة. كانت نير عوز أقرب كيبوتس إلى المنطقة في الفيديو، التي كانت أحد المواقع الـ 12 التي اخترقها المقاتلون في السياج الفاصل.

في الفيديو، يُخرج المقاتلون جنودا من مدرّعة إسرائيلية تشتعل بها النيران، ثم يركلون واحدا منهم ويسحبونه بعيدا، بينما يرقد جنديان آخران على الأرض بلا حراك.[324] يُظهر فيديوهان نُشرا على إكس، وصُوّرا في نفس المكان بعد ساعتين تقريبا، وتم تحديد موقعهما باستخدام أدوات تحقق مفتوحة المصدر وتأكدت منهما هيومن رايتس ووتش، رجالا بملابس مدنية يتجمعون قرب المدرّعة داخل السياج، ويتقدمون نحو نير عوز.[325]

تضمّن تقرير لقناة تلفزيونية إسرائيلية لقطات مأخوذة بكاميرا مراقبة، تحققت منها هيومن رايتس ووتش، تظهر مقاتلين يخترقون بوابات الكيبوتس حوالي الساعة 6:49 صباحا. سجّل مقطع من التقرير تم تصويره بعد لحظات ما لا يقلّ عن ثلاثة مقاتلين، يرتدون ملابس تمويه ويحملون بنادق كلاشنيكوف، يعبرون البوابة الشمالية بعد إطلاق النار على نقطة حراسة قريبة. ويُظهر مقطع آخر تم تسجيله في الساعة 7:57 دقيقة صباحا، خمسة مقاتلين يحملون بنادق كلاشنيكوف ورشاشا يستقلّون مركبة لجميع التضاريس (ATV) داخل البوابة الجنوبية لنير عوز على الطريق نحو الغرب باتجاه الكيبوتس. الساعة 8:21، يُظهر الفيديو نفس العربة، أو واحدة مماثلة لها، عليها ستة مقاتلين ومتجهة من غرب الكيبوتس إلى شماله.[326]

تعامل فريق الاستجابة السريعة

قال إران سميلانسكي (28 عاما) إنه لما استيقظ من النوم، كان المسلحين متواجدين أصلا في الكيبوتس.[327] كعضو في فريق الاستجابة السريعة المحلي، فقد كان مسلحا ويُراقب مجموعة الواتساب، حيث بدأ الناس في تبادل الرسائل عن الوضع منذ 6:45 صباحا. قال: "كنت مختبئا وأنتظر التعليمات بشأن ما يتعين فعله". وبعد ذلك بعث قائد الوحدة برسالة إلى الفريق أخبرهم فيها أنه أصيب وهو في غرفته الآمنة.

قال سميلانسكي إنه بدأ بحلول الساعة 8 يرى مهاجمين في الكيبوتس، بعضهم بأزياء مدنية والكثير منهم يحملون أسلحة نارية.[328] ومنذ  الساعة 9 تقريبا من منزله، كان يرى من منزله شاحنتين، و"فان" أبيض، والعديد من الدراجات النارية. كان بعض المسلحين يحملون قاذفات آر بي جي، ورأى ما لا يقل عن شاحنة واحدة عليها رشاش ثقيل. قال إنه في لحظة ما تجمّع حوالي مئة رجل مسلح قرب منزله. كما قال إن المسلحين كانوا على ما يبدو يتلقون أوامر ويتحدثون عبر أجهزة لاسلكية.

قال سميلانسكي إنّ ما لا يقل عن ثمانية رجال يرتدون زيّ جنود إسرائيليين دخلوا إلى منزله. ولما تأكد أنهم ليسوا من القوات الإسرائيلية، فتح عليهم النار وأصاب العديد منهم بينما كانوا يهاجمون منزله بشكل متكرر، حتى غادروا المنزل.[329] ولما تمكن سميلانسكي في الأخير من مغادرة منزله حوالي الساعة 1:30 ظهرا، حاول الذهاب لمساعدة جيرانه الذين كانوا يرسلون رسائل محمومة ويطلبون المساعدة. اكتشف أنّ العديد من جيرانه وأصدقائه قد قتلوا:

كان الكيبوتس بأكمله فيه دخان. شيء لا يمكن رؤيته حتى في الأحلام. فأدركت أن الأمر لا يتعلق فقط بالذين قالوا لي إنهم يحتاجون إلى إنقاذ، بل بالكيبوتس بأكمله. وبعد ذلك، بدأت الدخول إلى المنازل، ورأيت العديد والعديد من الجثث، والعديد العديد من الأصدقاء الموتى.[330]

من الأماكن الأولى التي ذهب إليها سميلانسكي منزل والدته، حيث رأى أنّ جيرانها كانوا قد قتلوا بالرصاص. وبعد حوالي ساعة، وصل الجيش الإسرائيلي فبدأ سميلانسكي يفتش الكيبوتس معهم بحثا عن ناجين والتعرف على القتلى.[331] عمل مع الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يتنقلون من منزل إلى آخر حتى منتصف الليل تقريبا. قال إنهم ذهبوا إلى ما مجموعه أكثر من مئة منزل وعثروا على حوالي 30 جثة للسكان. قال سميلانسكي إن جميع الغرف الآمنة التي رآها كانت مليئة بثقوب الرصاص، وإن العديد من الرصاصات اخترقت الأبواب.

ذهب سميلانسكي إلى بيت صديقه يوناتان ("جوني") وتمار كيديم-سيمان توف، الذي كان لديه ثلاثة أطفال. قال: "سمعت من أصدقاء آخرين أنهم يعتقدون أن جوني يواجه مشكلة. ولما وصلت إلى هناك، كانوا سبق أن ماتوا". قال إنّ الوالدين قتلا بالرصاص، لكن يبدو أن الأطفال ماتوا اختناقا داخل الملجأ بسبب حرق منزلهم. ولما عاد سميلانسكي إلى نير عوز في 27 أكتوبر/تشرين الأول، التقط صورا من الملجأ، أظهرت أرضيّة الغرفة مغطاة بالدماء، وأطلع عليها هيومن رايتس ووتش.

قال سميلانسكي إنّ المسلحين فرّوا من نير عوز قبل وصول القوات الإسرائيلية، ولذلك لم يكن هناك قتال في الكيبوتس بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية المسلّحة.[332]

قال شاي يوحنان (37 عاما)، وهو عضو آخر في فريق الاستجابة السريعة المحلّي، إنه أدخل عائلته إلى الغرفة الآمنة بعد انطلاق صفارات الإنذار.[333] وعندما بدأ يسمع إطلاق نار من أسلحة صغيرة، أخذ بندقيته الـ إم16 وخرج، حيث قال إنه رأى مسلحَّيْن على بعد حوالي مئة متر، ورجلا كان على ما يبدو يُصدر أوامر للآخرين. كان رجل يرتدي ملابس مدنية وسترة مضادة للرصاص ويحمل بندقية يصرخ ويبدو أنه يعطي توجيهات إلى الآخرين خلفه. وقال إنّ الرجل الآخر كان يرتدي ملابس خضراء بالكامل "تماما مثل أيّ جندي".[334] قال يوحنان إنه بعد أن ابتعد مسافة 30 متر أخرى، تعرّض لإطلاق نار من الجانبين، فردّ بإطلاق النار أيضا في محاولة لصدّ المهاجمين.[335] وأضاف أنه بعد 40 دقيقة، تمكّن من العودة إلى منزله وغرفته الآمنة مع عائلته. لاحقا، دخل أشخاص يتحدثون العربية إلى منزلهم. قال يوحنان إنهم أمضوا حوالي ثلاث ساعات ونصف في منزله. سرقوا أشياء، لكنّهم لم يحاولوا اقتحام الغرفة الآمنة. قال:

تناولوا الغذاء في مطبخي. أخذوا الطعام الذي أحضرته لعائلتي أثناء العطلة، وأكلوه. طبخوه في الميكروويف الخاص بي. أخذوا كل ما تمكنوا من أخذه. أخذوا المال، أخذوا أجهزة تلفزيون. وكسروا ما لا قيمة مالية له. أخذوا الملابس الداخلية لزوجتي. أخذوا نظارات شمسية. أخذوا جهاز "إكس بوكس" الخاص بابني.[336]

روايات الناجين

يذكر يام كوهين (23 عاما) تلقيه رسائل واتساب حوالي الساعة 7 صباحا مفادها أن مسلحين دخلوا الكيبوتس من البوابتين الأمامية والخلفية، وهم الآن بداخله.[337] ثم سمع أشخاصا يقتربون من منزله يتحدثون العربية ويُطلقون النار من أسلحتهم، ورأى حوالي 15 مسلحا  يرتدون ملابس سوداء، معظمهم يرتدون عصابات رأس خضراء. قال إنه اختبأ في الغرفة الآمنة مع صديقته، لكن المسلحين دخلوا منزلهم وهشموا ممتلكاتهما:

وصلوا إلى باب الغرفة الآمنة. أمسكنا بالمقبض بأيدينا لنثبته في مكانه حتى لا يُفتح. كل مرة حاولوا برم المقبض، رفعنا إلى أعلى. حاولوا فتحه خمس مرات. وفي الأخير هربوا. بقينا نحن في الغرفة الآمنة تسع ساعات. لم يكن لدينا طعام، كان معنا فقط كوبا واحدا من الماء.[338]

قالت يائيل بن عزرا (48 عاما)، التي يعيش والداها في نير عوز، وتعيش هي في مكان آخر، إنّ والديها اتصلا بها الساعة 7 صباحا ليخبراها بوجود "إرهابيين" في الكيبوتس. ثم لم تسمع منهما أي أخبار أخرى في ذلك اليوم. وفي صباح اليوم التالي، ذهبت بسيارتها إلى نير عوز لتجدهما. وصفت المشهد الذي وجدته عند وصولها، قائلة: "بدا وكأنه شيء من فيلم. كان هناك الكثير من السيارات والدراجات النارية المحترقة والحقول والمنازل المشتعلة. احترق كل الحيّ الذي يعيش فيه والداي".

في منزل والديها، اكتشفت بن عزرا أنّ الكثير من ممتلكاتهما مفقودة، لكنها عثرت على هاتف والدتها، أدينا موشيه (72 عاما)، الذي يحتوي على رسائل كانت أدينا قد أرستها إلى صديق الساعة 9:31 و9:44 صباحا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وتقول فيها إن مسلحين أطلقوا النار على المنزل وأصابوا زوجها، والد بن عزرا، سعيد موشيه (75 عاما) بجروح خطيرة. وجدت بن عزرا جثته على الأرض. قالت: "كان أبي يرتدي قميصا أبيض، وبحلول يوم الأحد صار كله بنيّ، بنيّ كالدم المجفف. كان ممددا كما لو كان يمسك بالباب".

رأت بن عزرا ثقوب رصاص في الجدران والنوافذ. وقالت إن المهاجمين استخدموا على ما يبدو متفجرات لتفجير القضبان المعدنية على نوافذ الغرفة الآمنة، ويبدو أنهم دخلوا بهذه الطريقة. كان باب المنزل لا يزالا مغلقا من الداخل حين وصلت بن عزرا.

علمت بن عزرا فيما بعد أن والدتها أخذت رهينة. أطلق سراحها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.[339]

قالت بن عزرا إنّ المهاجمين نهبوا أيضا منزل شقيقها في نير عوز: "أخذوا ملابس الأطفال، بما في ذلك قميص ليونيل ميسي، ومجوهرات، وأموال، وأربع حقائب، وأجهزة تلفزيون".[340]

قال ليور بيري إنّ والده حاييم بيري (79 عاما) اختُطف من منزله في نير عوز، حيث كان يعيش منذ 60 عاما.[341] علم ليور بالظروف المحيطة باختطاف والده من زوجة حاييم، أوسنات بيري (71 عاما)، التي كانت معه وقت الهجوم، لكن لم يتم اختطافها. روى ليور بناءً على محادثته مع أوسنات بيري:

يوم السبت [7 أكتوبر/تشرين الأول]... بدأوا يتلقون رسائل على واتساب من فريق الأمن في الكيبوتس تقول [أغلقوا] غرفكم الآمنة وابقوا داخلها لأنه قد يكون هناك اختراق. ثم وصل الإرهابيون... حاولوا اقتحام الغرفة الآمنة، لكن والدي كان قد حصّن الباب. كان يساعد زوجته على الاختباء خلف أريكة صغيرة في الغرفة الآمنة. وعندما عادوا مرة ثانية، خرج من الغرفة الآمنة حتى لا يقتحموها ويجدوها.

قال ليور إنّ أوسنات سمعت المسلحين يدخلون مرّة أخرى ويُدمّرون المنزل. أخبرته أنّ الجيش الإسرائيلي لم يصل إلا بعد حوالي أربع ساعات ليؤمّن المنطقة. قُتل حاييم بيري في غزة.[342]

قال ليور إنّ شقيقه داني دارلنغتون (34 عاما)، وهو مواطن بريطاني، كان ضمن الذين قتلوا في نير عوز، مع كارولين بول، وهي صديقة ألمانية له كانت في زيارة.[343] عُثر على دارلنغتون وبول ميتين في منزل أحد الأصدقاء، حيث كانا نائمين. آخر اتصال بين بيري وشقيقه كان يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على الساعة 7 صباحا لما أرسل له رسالة نصها "تبا، هناك فوضى كبيرة في الكيبوتس".[344] أحد سكان نير عوز الآخرين، ويُدعى شاحار فاهاب، قال لساكن آخر في وقت لاحق إنه رأى جثتي دارلنغتون وبول مليئتين بالرصاص ملقاتين مباشرة داخل مدخل المنزل، مع وجود ثقوب رصاص في الباب الأمامي أيضا.[345]

أوريان أدار كان لها 12 قريبا يعيشون في نير عوز وقت الهجوم.[346] قالت إن المسلحين دخلوا منزل جدّها يورام أدار (87 عاما) وزوجته بيسيا بوكر (80 عاما). وبعد أن عجزوا عن دخول الغرفة الآمنة، حيث كانا يختبئان، أشعل المسلحون النار في المنزل والسيارة. لكن جاءت القوات المسلحة بعد فترة وجيزة وأجلت الزوجين، اللذين أصيبا بحروق. كما تعرّضت يورام لتلف في الرئة وظلت في المستشفى عدة أيام بعد الهجوم.

كما أشعل المسلحون النار في منزل أحد أقرباء أوريان، فيريد أدار (50 عاما)، وابنة فيريد، وزوهار أدار (17 عاما).[347] قالت زوهار لأوريان إنها ظلت ممسكة بمقبض الغرفة الآمنة ثلاث ساعات لمنع المهاجمين من الدخول. في لحظة معينة أصبح المقبض ساخنا جدا. لذلك قفزت هي ووالدتها من النافذة، واختبأتا بين الشجيرات، ثم هربتا إلى ملجأ. وصل الجنود الإسرائيليون بعد فترة وجيزة وأجلتهما.

أخذ المسلحون جدة أوريان، يافا أدار (85 عاما)، وعمه، تامير أدار (38 عاما) رهائن.[348] قالت إنّ زوجة تامير وأطفاله ظلوا في الغرفة الآمنة أثناء الهجوم، بينما كان تامير في الخارج يحاول حمايتهم. آخر رسالة من تامير إلى زوجته كانت الساعة 9 صباحا وطلب منها ألا تفتح الغرفة الآمنة لأيّ كان، بما في ذلك له هو. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، أطلق سراح يافا. أعلن عن وفاة تامير في يناير/كانون الثاني 2024، وتم العثور على جثته داخل إسرائيل في أعقاب الهجوم، لكن لم يكن قد تم التعرف عليها إلى ذلك الحين.[349]

قال بيان عسكري إسرائيلي صدر في 5 أبريل/نيسان 2024 إنّ تحقيقا داخليا خلص إلى أنّ مروحية عسكرية قتلت على ما يبدو إيفرت كاتس (68 عاما)، بينما كان المقاتلون يحاولون أخذها مع ابنتها، دورون كاتس-آشر، وحفيدتيها من نير عوز إلى غزة على متن جرار. جرحت دورون كاتس-آشر وابنتها البالغة من العمر سنتين خلال الحادث.[350] احتجزت الفصائل الفلسطينية المسلّحة ابنتها وحفيداتها في غزة كرهائن حتى نوفمبر/تشرين الثاني، حين أطلقت سراحهن.[351]

فيديوهات الانتهاكات

يُظهر فيديو نشرته "كان" (هيئة البث العامة الإسرائيلية) على إكس يوم 17 أبريل/نيسان 2024، ويتكون من مقطعين، ويزعم أنه من 7 أكتوبر/تشرين الأول، مجموعة أشخاص في ملابس مدنية مع ياردن بيباس، الذي أُخذ أيضا رهينةً من نير عوز. كان بيباس على دراجة نارية، محاطا بأشخاص، بينما يلوّح السائق بمسدسه لفترة وجيزة قبل أن يضعه جانبا.[352] يُظهر المقطع الثاني مشهدا جديدا فيه عدد أكبر بكثير من الأشخاص يتجمعون حول الدراجة النارية، ومجموعة من الرجال يهاجمون بيباس، ثم يتوقفون عن ذلك بعدما يمكن سماع ثلاث طلقات، ما أدى على ما يبدو إلى تفرق الحشد. يبدو بيباس مصابا، والدماء تلطخ يديه ووجهه. وفي الوقت نفسه يمكن سماع شخص يقول بالعربية "لا أحد يتعرض له [لا أحد يؤذيه]... لا أحد يطلق النار" ويُشير إلى الحشد ليبتعدوا عن بيباس. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد موقع المقطعين أو زمانهما بسبب نقص معلومات جغرافية في الفيديو.

في أحد الفيديوهات المنشورة على موقع "مذبحة حماس" (Hamas Massacre)، يظهر شخصان على دراجة نارية ينقلان جثة مرتخية عبر إحدى ثغرات السياج قرب نير عوز نحو غزة.[353] أفادت وسائل إعلام أن مقاتلين نقلوا على جثتَيْ مدنيَّيْن قتلوا في الهجوم على نير عوز إلى غزة.[354]

يُظهر فيديو تحققت منه هيومن رايتس ووتش مجموعات عديدة من الأشخاص، مسلحين وغير مسلحين، وهم يدخلون نير عوز طوال الصباح. كما تُظهر اللقطات أشخاصا مسلحين وغير مسلحين في ملابس مدنية يعملون جنبا إلى جنب مع مقاتلين في أزياء عسكرية، ويلعبون دورا كبيرا في أعمال العنف والاختطاف والنهب. يُظهر مقطع فيديو صوّر بكاميرا مراقبة واستُخدم في تقرير تلفزيوني إسرائيلي، وتحققت منه هيومن رايتس ووتش، أشخاصا يرتدون ملابس مدنية، وغير مسلحين على ما يبدو، يسيرون في الجهة الداخلية من البوابة الجنوبية لنير عوز حوالي الساعة 8:28 صباحا. وبعد 12 دقيقة، يُمكن مشاهدة عدد أكبر من الأشخاص في ملابس مدنية، ويبدو أنهم غير مسلحين، داخل نفس البوابة، إلى جانب مقاتلين مسلّحين. يُمكن رؤية عدة دراجات نارية متوقفة بجوار البوابة.[355] ويُظهر مقطع آخر من البث مقاتلا يرتدي ملابس تمويه ويحمل قذيفة آر بي جي وهو يسير بالقرب من نقطة لحراسة عند البوابة الشمالية للكيبوتس عند الساعة 6:50 صباحا بحسب التوقيت المسجل.[356]

تُظهر مقاطع نُشرت مجددا من فيديو صُوّر حوالي الساعة 8:30 صباحا رجلين يركبان دراجة نارية ويتجهان شمالا نحو نير عوز. ثم ينزل الرجلان من الدراجة ويسيران نحو مبنى صغير مسيّج.[357] ويُظهر فيديو نُشر على قناة كتائب القسام على تلغرام، بتوقيت 8:53 صباحا، ما لا يقل عن سبعة أشخاص يرتدون ملابس مدنية، ويبدو أنهم قتلى ممددين على أرضية المبنى، الذي كانت جدرانه الداخلية ملطخة بالدماء. وبعد مرور ثماني ثوان، تتجمد الصورة لثانيتين تقريبا. وعندما تعود الصورة، تتحرّك ذراع أحد الأشخاص المستلقين على الأرض، فيطلق رجل يرتدي ملابس سوداء النار من بندقية كلاشنيكوف على الضحية، ثم يستمر في إطلاق النار إلى داخل الغرفة. بسبب انقطاع الفيديو، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما إذا كانت حركة الذراع قبل إطلاق النار أم نتيجة لها.[358]

نشرت سرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، فيديو على قناتها الرسمية على تلغرام يظهر ما يبدو أنهم مقاتلون من السرايا يحملون بنادق كلاشنيكوف يركبون بيك آب أبيض باتجاه البوابة الجنوبية للكيبوتس حوالي الساعة 9 صباحا. ويظهر أعضاء السرايا لاحقا يكسرون نوافذ المنازل ويأخذون ديتسا هايمان (84 عاما) رهينة.[359] نشرت سرايا القدس فيديو آخر سُجل في نفس الوقت تقريبا، ويُظهر رجالا في ملابس مدنية ويرتدون سترات واقية يقتحمون منزلا ويأخذون رجلا وامرأة رهينتين، قال أقاربهما إنهما يائير ياكوف وميراف تال.[360] كانت وجوه الرجال المسلحين مموهة في الفيديو، لكنّ وجهي ياكوف وميراف غير مموّهين.

سجل صحفي فلسطيني مقيم في غزة عدّة مشاهد للهجمات في ذلك اليوم في فيديو تحققت منه هيومن رايتس ووتش.[361] سُجلت المقاطع حوالي الساعة 9:30 صباحا، وتُظهر أكثر من عشرة أشخاص في ملابس مدنية، وبعضهم مسلح ببنادق هجومية ورشاشات، داخل البوابة الغربية للكيبوتس بجوار دراجات نارية متوقفة. تم تصوير الأشخاص وهم يأخذون أشياء من حاويات التخزين. وفي مكان قريب، تظهر سيارات تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية وأبوابها مفتوحة، والنيران تشتعل في منزلين وسيارتين. تُظهر مقاطع أخرى في الفيديو المسجل داخل الكيبوتس رجالا يرتدون ملابس مدنية ويحملون بنادق كلاشنيكوف يحاولون اقتحام المنازل. يحاول رجلان فتح أقفال الأبواب وحاجز النوافذ بالقوة باستخدام مثقاب كهربائي ومطرقة.[362]

يُظهر الفيديو الذي صوّره الصحفي الفلسطيني رجالا مسلحين يأخذون عدّة رهائن من نير عوز. يظهر رجل في ملابس مدنية ويبدو غير مسلح، ويرافقه رجل يحمل بندقية بمنظار، وهو يُسيّر صبيا حافي القدمين بعيدا عن الكيبوتس قرب البوابة الغربية. في أحد المشاهد، تطوق مجموعة من الرجال، بعضهم يرتدي زيا عسكريا وبعضهم يحمل بنادق حربية، امرأة مسنّة وضعت على عربة غولف، وفي مشهد آخر شيري بيباس، زوجة ياردن بيباس، تحمل طفليها كفير (تسعة أشهر) وأرييل (أربعة أعوام).[363]

تُظهر ثلاثة فيديوهات تم التحقق منها مسجلة بكاميرات مراقبة ونُشرت على موقع قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، وسُجلت حوالي الساعة 10 صباحا في الجزء الشمالي الشرقي من نير عوز، أشخاصا في ملابس مدنية يركبون دراجات هوائية، ويبدو أنهم يسرقون دراجة نارية وجرارات.[364]

لم يتم إجلاء سكان الكيبوتس إلا مساء 8 أكتوبر/تشرين الأول.[365]

سديروت

قتل الهجوم المسلح على سديروت مدنيين – 35 بحسب تقارير.[366] قالت القوات الإسرائيلية المسلّحة إنّ خمسة عسكريين وستّ عناصر من شرطة سديروت لقوا حتفهم أيضا.[367]

تبعد مدينة سديروت، في شمال غرب منطقة النقب، حوالي 1.3 كيلومتر من الحدود مع غزة، وكان يسكنها 33,002 شخصا حتى عام 2022.[368]

قابلت هيومن رايتس ووتش خمسة من سكان سديروت وتحققت من 36 صورة و53 فيديو من 7 أكتوبر/تشرين الأول.[369] تُظهر الفيديوهات والصور جثث 33 مدنيا على الأقل.[370] كما تظهر ثلاثة من الفيديوهات أربعة أشخاص آخرين يبدو أنهم مصابون بالرصاص أو جروح خطيرة. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ما إذا كانوا قد ماتوا متأثرين بجروحهم أم نجوا.[371]

هجمات الصباح الباكر

كانت ميراف دينينو (50 عاما)، وهي معلمة في روضة أطفال، تعيش في شقة بالطابق الثالث. وعندما بدأ إطلاق الصواريخ الساعة 6:38 صباحا، ذهبت دينينو إلى غرفتها الآمنة مع ابنها البالغ من العمر 20 عاما، الذي كانت تتقاسم معه الشقة. قالت إنهما سمعا بعد ذلك إطلاق نار كثيف، فشعرت بقلق تجاه الجيران الذين لهم أطفال صغار. قالت إنها كانت تتواصل مع آخرين للاطمئنان على بعضهم البعض عبر الرسائل النصية بدلا من المكالمات. قالت: "كان الجميع صامتين. لا تسمع حتى قطة في الشارع".[372]

قالت دينينو إنها شاهدت بعد دقائق 15 مسلحا من النافذة:

أغلبهم كانوا يرتدون أزياء سوداء، مثل الجيش أو العسكر. وكلهم كانوا يحملون بندقية طويلة، كلاشنيكوف على ما أعتقد. وكان اثنان يحملان قذائف آر بي جي. كانوا جميعا يرتدون سترات واقية من الرصاص، وثلاثة يضعون عصابات رأس خضراء. كانوا يصرخون. التقت مجموعة تتكون من عشرة أشخاص، ثم انقسمت عند الدوّار، وساروا في اتجاهات مختلفة، ثم جاء خمسة آخرون.

راجعت هيومن رايتس ووتش ثمانية فيديوهات من كاميرات مراقبة من طريق مناحيم بيغن: سُجل ثلاثة منها حوالي الساعة 6:55 صباحا، استنادا إلى ضوء النهار الظاهر، وفي الدوارين الثاني والثالث شرق الطريق السريع 34، وسُجل خمسة بين الساعة 7:01 و7:13، شرقا عند تقاطع طريق مناحيم بيغن وطريق القدس.[373]

تُظهر مقاطع فيديو من أحد دوارات سديروت ما لا يقل عن 18 مقاتلا، معظمهم في أزياء تمويه ويضعون عصابات رأس بيضاء، في شاحنتين بيضاوين محملتين بمدافع رشاشة على سطحيهما.[374] يُظهر أحد الفيديوهات على الأقل مهاجما يرتدي عصابة رأس بيضاء عليها نصّ أخضر وشعار كتائب القسّام.[375]

حاولت دينينو الاتصال بالشرطة وآخرين، بما في ذلك ابن عمها، الذي طلب منها التزام الصمت. قالت إنها لم تشأ البقاء في الغرفة الآمنة لأنّ ابنها كان متضايقا هناك. تحدثت عما رأته عبر الستائر:

هناك فيلات صغيرة خلف منزلي، وكانت المجموعة الأولى المكوّنة من 10 [مسلحين] تحاول فتح كل منزل، وإذا سمعوا صوتا، أطلقوا النار في اتجاهه. تمكّن اثنان منهم من اختراق بوابة منزل خلف منزلي. انزعجوا من وجود قضبان على الشباك، فوضعوا أسلحتهم بين القضبان وأطلقوا النار. لا أعرف إن كان هناك أحد بالداخل.

قالت إنّ المجموعة الثانية المكوّنة من خمسة أشخاص دخلت شقة أمام منزلها:

حاولوا فتح الأبواب فرأوا مدنيَّيْن [إسرائيليَّيْن] يحملان أسلحة ويحاولان حماية المبنى. ثم جاء شرطيان وكادا أن يطلقا النار على المدنيين بالخطأ. لا أعرف ما الذي حلّ بهم جميعا... كنت أراقب لأتأكد أنهم لا يقتربون من منزلنا. استمروا في الانتقال من منزل إلى آخر. ثم خيّم الصمت لفترة.

نزلت دينينو إلى الطابق السفلي لتغلق الباب الرئيسي للمبنى وأوصدته ببعض الألواح الخشبية. ثم جلبت عائلة أخرى تعيش في نفس المبنى إلى شقتها وحاولت تهدئو الجميع.

قالت نوميكا تسيون، التي تعيش في كيبوتس ميغفام الحضري داخل سديروت، إنه عند الساعة 6:30 صباحا "سقطت مجموعة من الصواريخ فجأة. لم يكن أحد مستعدا لها. استمرّ هذا الأمر لوقت طويل جدا... حوالي 15 دقيقة... ففهمنا أن الأمر غير معتاد... فركضنا إلى الغرف الآمنة في ملابس النوم". وفي الساعة 7:30 أو 8 صباحا، بدأت تسيون تتلقى فيديوهات من أشخاص في سديروت، صُوّرت في أماكن تعرفها: "بعض الناس كانوا يقولون 'انظروا، يوجد أفراد من حماس هنا، انظروا إلى ألياتهم، فيها رشاشات'. كان ذلك قريبا جدا منا، على بعد بضعة شوارع. [وصلتني] صور مروّعة عن أشخاص قتلوا. يُمكنك رؤية النساء والأطفال في الشوارع ودماء.[376]

قالت إلينور خزان (38 عاما) إنّ عائلتها استيقظت على صفارات الإنذار الساعة 6:30 صباحا، فذهبت إلى الغرفة الآمنة.[377] ولما خرجت هي وزوجها وأطفالهما الثلاثة لاستنشاق بعض الهواء النقي في الشرفة حوالي الساعة 9، سمعوا إطلاق نار. قالت: "قلت لزوجي: 'هناك إطلاق نار في المدينة'. فقال زوجي إن الصوت ربما كان صدى. ثم أدركنا أن الصوت قادم من اتجاهات مختلفة".

قالت خزان:

أغلقنا جميع النوافذ والمصاريع فصار المكان مظلما. وضعنا خزانة أمام الباب لمنع فتحه، وذهبنا إلى الغرفة الآمنة. كان هناك إطلاق نار في كل مكان، وصفارات الإنذار طوال الوقت. [قريبتي] الشرطية كانت تتصل بنا وتقول 'لا تتحركوا، الوضع خطير جدا'. كان زوجها في الطريق إلى سديروت وتعرض لإطلاق نار في سيارته. كانت السيارة مليئة بالزجاج، لكنه تمكن بشكل ما من القيادة في اتجاه آخر.

كان نير أوهانا (41 عاما)، من سكان سديروت، يقود سيارته إلى بئيري ليركب الدراجة الهوائية في الغابة هناك مع أصدقائه وشقيقه الأصغر صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. الساعة 6:37 صباحا، بدأ إطلاق الصواريخ، فتوقف أوهانا في محطة البنزين في كفر عزة واختبأ بالغرفة الآمنة.[378] قال: "بدأ أصدقائي يقولون 'زوجاتنا بعثن إلينا رسائل يقلن إن علينا العودة'، ولذلك أدركنا أنه يتعيّن علينا العودة إلى المنزل". تحدث أوهانا عن رحلة العودة من كفر عزة الساعة 6:45 صباحا:

كان صديق يقود سيارة تويوتا بيضاء أمامنا. كنت في السيارة مع صديق [آخر]، وشقيقي الصغير كان في السيارة التي خلفنا، وهي تويوتا "راف 4". وفجأة توقفت التويوتا، واستدارت تماما، وفي الأثناء أصيبت بالرصاص. صرخت في صديقي ليستدير هو الآخر، لكن أخي استمر في القيادة في نفس الاتجاه فتم إطلاق النار على سيارته بالكامل. كان الرصاص يأتينا من الخلف.

أطلع أوهانا هيومن رايتس ووتش على فيديو صوّره إلى الجنوب من كفر عزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، على بعد حوالي 10.3 كيلومتر عن سديروت، لسيارة شقيقه رباعية الدفع المتضررة، مع وجود عدة ثقوب رصاص في مقدّمة السيارة، منها ثقب في الزجاج الأمامي على جهة السائق. لم يُصب شقيقه.[379]

في عودة المجموعة إلى سديروت، شاهدوا من بعيد مسلحين يحملون بنادق حربية في شاحنات بيضاء. تمكن أوهانا من الوصول إلى منزله وإلى غرفته الآمنة مع عائلته. ومن هناك تمكن من مشاهدة البث الحي لكاميرا المراقبة التي ركّبها في واجهة من منزله.

قال أوهانا إنه رأى في البث مسلحين يُطلقون النار على جاره يوسي، الذي كان يسير في الشارع نحو الكنيس. قال أوهانا لـ هيومن رايتس ووتش في رسالة في أبريل/نيسان 2024 إن يوسي دخل في غيبوبة لكنه تعافى في الأخير. قال أيضا إنّ المسلحين أطلقوا النار على جار آخر، أكبر سنا، كان على مصطبة منزله، وإنّ صديقا له يعيش في شقة تمكّن من تعطيل المصعد لحماية الذين يعيشون في الطابق العلوي من المهاجمين.

يُظهر فيديو صوّر بكاميرات مراقبة ونشرته قناة مسعفو الجنوب على تلغرام وتحققت منه هيومن رايتس ووتش مقاتلين يطلقون النار من بنادق حربية على سيارة مدنيّة مارة في سديروت حوالي الساعة 6:50 صباحا.[380] تتوقف السيارة على جانب الطريق ويخرج منها شخصان بالغان من الأمام. تم تحديد هويتيهما على أنهما دوليف وأودايا سويسا في تقرير متلفز لقناة "كان" الإسرائيلية العامة.[381] يلتقط كل منهما واحدا من طفليهما (ستة وثلاثة أعوام) من المقعد الخلفي ويركضان في اتجاهين مختلفين. يطلق المهاجمون النار على دوليف سويسا، فيسقط على الأرض. أفادت قناة كان أنه توفي متأثرا بجراحه.[382]

في فيديو آخر صورته كاميرا مراقبة خارج مركز للشرطة ونُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام، وسُجل بعد دقائق، يُطلق المقاتلون النار على سيارة رباعية الدفع سوداء صغيرة. وفقا لقناة كان، كان في السيارة سويسا وطفلاها وعمار عودة أبو سبيلة، وهو عامل بناء بدوي فلسطيني جاء لإنقاذ العائلة بعد مقتل دوليف سويسا وحاول نقلهم إلى برّ الأمان.[383] وبحسب القناة، قتلت سويسا وأبو سبيلة أيضا.[384] وبعد لحظات، يُظهر الفيديو مقاتلين يطلقون النار على سائق سيارة رباعية الدفع كانت مارة.[385] من غير المعروف ما إذا كان السائق قد نجا.

في فيديو نُشر على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام وتم تصويره بعد دقائق، يقترب عناصر شرطة وآخرون يرتدون ملابس مدنية من المركز، ولا يظهر أي مقاتلين. يهرع أحد عناصر الشرطة إلى السيارة السوداء ويُخرج الطفلين من المقعد الخلفي.[386]

الهجوم على مركز الشرطة

كان مركز شرطة المدينة والمنطقة المحيطة به مسرحا لاشتباك طويل، حيث استولى المقاتلون الفلسطينيون على المركز ثم شنّ عليهم الجيش الإسرائيلي هجوما مضادا. تحققت هيومن رايتس ووتش من 10 فيديوهات نُشرت على قناة مسعفو الجنوب على تلغرام وفيسبوك وتلغرام وإكس، وصورت من نقاط مراقبة مختلفة، تُظهر مقاتلين يسيطرون على المركز صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول، وست فيديوهات تُظهر الشرطة والجيش الإسرائيليين يشتبكان لاحقا مع المقاتلين على امتداد النهار حتى الليل.[387]

مع سيطرة المقاتلين على المركز، يظهر في مقطعَيْ فيديو، تم تسجيلهما حوالي الساعة 7 صباحا، المقاتلون وهم يطلقون النار على ثلاث مركبات مارة بجوار المركز، منها سيارة الدفع الرباعي السوداء الصغيرة، ما أدى إلى مقتل أودايا سويسا وعمار عودة أبو سبيلة. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من مقتل أو إصابة آخرين في هذه الهجمات.[388]

في فيديو تم رفعه على إكس، وصُوّر من أحد الأسطح حوالي الساعة 6:50 صباحا، أوقف ثمانية مقاتلين على الأقل شاحنة بيضاء كانوا على متنها وأطلقوا النار على سيارة شرطة مارة على بعد حوالي 170 متر من المركز. يُمكن رؤية ثلاثة عناصر شرطة على سطح المركز.[389] يظهر فيديو، سُجل بكاميرا مراقبة ونُشر على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، بعد دقائق شاحنة بيضاء مختلفة تحمل ما لا يقل عن 11 مقاتلا تصل إلى مركز الشرطة. يركن المقاتلون الشاحنة، ويوقفون سيارة مدنية، ويطلقون النار على السائق بداخلها. ثم يطلق أحد المهاجمين قذيفة آر بي جي على الطابق الثاني من المركز. ثم يتحرك ثمانية مقاتلين نحو المبنى، وآخر إلى السيارة ويبدو وكأنه يطلق النار على المقعد الخلفي. ما يزال مصير الموجودين في السيارة غير واضح.[390] وفي فيديو آخر صُوّر من شقة قريبة ونُشر على إكس، يحاول المقاتلون الدخول عبر السياج الجنوبي للمركز مع سماع دوي إطلاق نار.[391]

يُظهر فيديو نُشر على فيسبوك، وسُجل حوالي الساعة 7:15 صباحا وفقا لسلسلة الأحداث التي يظهرها، بعد سيطرة المقاتلين على المركز، ثلاثة عناصر شرطة يطلقون النار من بندقية حربية ومسدس على المبنى.[392] يُظهر مقطع فيديو نُشر على تلغرام وصُوّر حوالي الساعة 10:45 جنديا إسرائيليا يُطلق صاروخا محمولا على الكتف باتجاه المركز.[393]

يُظهر فيديو نُشر على تلغرام وصُوّر بين الساعة 1:30 والساعة 2:30 بعد الظهر جنودا إسرائيليين يُطلقون النار من بنادق هجومية على المدخل الجنوبي للمركز ثم يرمون جسما إلى داخل المركز. بعدها يقع انفجار يتوافق مع قنبلة يدويّة.[394] سجل مقطعا فيديو نُشرا على إكس وصُوِّرا من شباك شقة ليلة 7 أكتوبر/تشرين الأول جرافة تهدم الجزء الجنوبي من المركز، ويُظهر مقطع آخر، يُسمع فيه إطلاق نار، دخانا ونيرانا تتصاعد من المركز.[395] تزعم أربع صور إعلامية التُقطت يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول أنها تظهر جثث مقاتلين قتلوا داخل المركز أو بالقرب منه.[396] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد ذلك.

تُظهر لقطات نشرتها "رويترز" و"فرانس برس" أيام 7 و8 و11 أكتوبر/تشرين الأول مركز الشرطة مدمّرا بشكل كبير، وحفارات تحفر بين الأنقاض لإخراج الجثث.[397] قال قائد القطاع الجنوبي في الشرطة الإسرائيلية أمير كوهين إن ثمانية عناصر شرطة على الأقل قتلوا في الهجوم على المركز يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[398] أفادت تقارير أن شرطيين قتلا أثناء محاولة القوات الإسرائيلية استعادة سطح المركز، بينما قتل ثالث خارج المركز.[399]

تُظهر صورتان ومقطع فيديو صورتهم رويترز قرب المركز في الأيام التالية لهدمه عمال إنقاذ ينقلون أكياس جثث بيضاء وسط الأنقاض.[400] وتُظهر صور أخرى التقطتها "غيتي إيمجز" جثث مقاتلين مجردين من ملابسهم متناثرة على العشب مقابل مركز الشرطة.[401]

عمليات قتل على تقاطع الطريق السريع 34 والطريق 232

يبدو أن تقاطع الطريق السريع 34 والطريق 232 في سديروت كان موقعا لعدد كبير من عمليات القتل التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية المسلحة. من خلال لقطات نشرت على الإنترنت، وثقت هيومن رايتس ووتش مقتل 16 مدنيا على الأقل. يظهر فيديو من كاميرا لسيارة نُشر على تلغرام صُوِّر حوالي الساعة 6:50 صباحا سيارة تخفف سرعتها عند وصولها إلى التقاطع. يقترب مقاتل وتتطاير شظايا الزجاج أمام عدسة الكاميرا، بينما يبدو أن المسلح يطلق النار من خلال النافذة على السيارة أثناء ابتعادها. ويبدو أن السائق نجا من الحادثة.[402] عند نفس التقاطع بعد أكثر من ساعة بقليل، يظهر مقطعا فيديو من كاميرات مراقبة نُشرا على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام ما لا يقل عن 11 مركبة مدنية ومركبة شرطة متوقفة على الطريق، واشتعال النيران في واحدة على الأقل من السيارات.[403] تُظهر الفيديوهات مقاتلين يطلقون النار على سيارتين عدة مرات، وفي كلتا الحالتين يسحبون جثتَيْ السائقَيْن المرتختين، وكلاهما في ملابس مدنية، من مقعديهما. تظهر جثة رجل بالغ مائلة داخل "ميني فان". ويظهر فيديو سُجل لاحقا ذلك اليوم ونشر على قناة "مجموعة كودكود الإخبارية" على تلغرام نفس الرجل ميتا إلى جانب أربع جثث أخرى بملابس مدنية داخل الميني فان وبجوارها مباشرة. كما تظهر أربع جثث إضافية على الأرض في مكان قريب، بجوار مركبات أصابتها طلقات نارية.[404] وتُظهر صور وفيديوهات نشرتها رويترز وتحققت منها هيومن رايتس ووتش والتقطت في وقت لاحق من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ما لا يقل عن خمس جثث أخرى بملابس مدنية، فضلا عن سيارات متوقفة أخرى مليئة بثقوب الرصاص، على الطريق السريع 34.[405]

عمليات قتل على تقاطع طريقَيْ مناحيم بيغن والقدس

تحققت هيومن رايتس ووتش من خمسة فيديوهات من كاميرات مراقبة نُشرت على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام تحمل علامة التوقيت من 7:01 صباحا إلى 7:13 صباحا، سُجلت عند تقاطع طريقَيْ مناحيم بيغن والقدس. في مقطعَيْن صُوّرا في الموقع نفسه الساعة 7:01 صباحا و7:06 صباحا، بحسب العلامة الظاهرة في الفيديو، مقاتلين يطلقون النار على سيارة تقترب من تقاطع طريقَيْ ميناحيم بيغن والقدس. يخرج السائق، الذي يرتدي ملابس مدنية، ويهرب.[406]

ويُظهِر فيديو سُجِّل الساعة 7:09 صباحا ومقاتلا يرتدي عصابة رأس بيضاء عليها كتابة بالأخضر مرتبطة بكتائب القسام، وهو يطلق قذيفة آر بي جي، ويصيب مقدمة سيارة تقترب بضوء أحمر وامض، فيدمر غطاء المحرك ويوقف السيارة. يَخرج السائق من السيارة ويبدو أنه يدفع السيارة إلى الأمام ولكن يتم إطلاق النار عليه وقتله أثناء محاولته الفرار. ثم يطلق المقاتلون النار على رجل يرتدي ملابس مدنية يركب دراجة نارية على بعد حوالي 50 متر شرق الضحية الأولى.[407]

تُظهر صورتان ومقطعا فيديو صُوِّرت لاحقا في 7 أكتوبر/تشرين الأول ونشرت على الإنترنت من قبل رويترز و"غيتي إيمجز" وقناة تلغرام لم تعد متوفرة، جثث ما لا يقل عن 10 مدنيين آخرين قرب هذا التقاطع بما في ذلك جثتا امرأتين على الأقل. جميعهم بجوار مركبات أصيبت بالرصاص.[408]

وفي أماكن أخرى من سديروت، بقي العديد من السكان في غرفهم الآمنة. قالت تسيون: "قضينا حوالي 30 ساعة في الغرفة الآمنة. كان مجرد الذهاب إلى الحمام مخيفا للغاية. لم تكن الأضواء مضاءة وكنا طوال الوقت نتواصل عبر الرسائل على العديد من المجموعات".[409]

تلقى أوهانا رسالة من صديق يقول فيها إن هناك مسلحين في بنايتهم. "ثم كنا نتلقى كل ساعة رسائل حول معارك في الشوارع وإطلاق النار والجيش يقاتلهم. في الساعة 6 مساء، قررت فتح الغرفة الآمنة وجلب الطعام. ثم أغلقت الباب وسديته بالأثاث. بقينا في الداخل حتى صباح اليوم التالي ثم فررنا من سديروت".[410]

وقالت ميراف دينينو، التي بقيت في سديروت مع ابنها لمدة أسبوع آخر، إن القتال هناك استمر لأيام.[411]

كيبوتس عالوميم

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس عالوميم 22 مدنيا على الأقل – 10 رجال نيباليين و21 رجلا تايلانديا – بينما وأخذ المقاتلون رجلا تايلانديا ورجلا نيباليا.[412] كما جرح المقاتلون أربعة أفراد من فريق الاستجابة السريعة المجتمعي، وشخصين آخرين من سكان الكيبوتس، وأربعة رجال نيباليين.[413]

بلغ عدد سكان كيبوتس عالوميم، وهو مجتمع زراعي في منطقة سدوت النقب على بعد حوالي 3.7 كيلومتر من الحدود مع غزة، 531 شخصا في 2022.[414]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة من أعضاء الكيبوتس، وثلاثة نيباليين واثنين تايلنديين هم إما عمال أو طلبة عاملون في إسرائيل يعيشون في الكيبوتس. وتحققت هيومن رايتس ووتش من ثمانية فيديوهات تُظهر الهجوم على عالوميم وتداعياته، وتحدثت إلى شخص أجرى مقابلات مع ناجين تايلانديين آخرين من الهجوم.[415]

وشمل سكان الكيبوتس 26 تايلانديا، 25 منهم كانوا يعملون في الأراضي الزراعية وقت الهجوم، و17 نيباليا وصلوا إلى الكيبوتس قبل ثلاثة أسابيع للعمل في الأرض ودراسة الزراعة كجزء من برنامج حكومي إسرائيلي يسمى "تعلم واكسب"، وفقا لتايلانديين ونيباليين تمت مقابلتهم.[416]

وقال شهود عيان إن الهجوم بدأ الساعة 6:30 صباحا، عندما سمعوا صفارة إنذار ثم إطلاق نار في الكيبوتس.[417] ودخل عشرات المقاتلين الكيبوتس عبر البوابات الأمامية والخلفية على دراجات نارية.[418] وفي حين تمكن فريق الاستجابة السريعة من صدهم ومنعهم من دخول الجزء الرئيسي من الكيبوتس، كان للمقاتلين حرية نسبية في الوصول إلى المنطقة المحيطة بمجموعة من المصانع الزراعية في الجزء الجنوبي من الكيبوتس، فضلا عن المبنيين اللذين كانا يأويان العمال التايلانديين والنيباليين. وأدى هذا إلى ارتفاع عدد الضحايا والرهائن بين العمال والطلاب الأجانب.[419] وتُظهِر صور الأقمار الصناعية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أن العديد من المباني الزراعية تضررت أو دمرت أثناء الهجوم. وهدأ القتال حوالي الساعة 6 مساء، عندما تمكن مسعفو الطوارئ من إجلاء الجرحى.[420]

تجارب العمال والطلاب النيباليين والتايلانديين

على عكس أعضاء الكيبوتس، لم يكن لدى الطلاب والعمال المهاجرين النيباليين والتايلانديين غرف آمنة أو ملاجئ مخصصة داخل أماكن إقامتهم. كان للنيباليين مبنى صغير على بعد أمتار قليلة من المبنى الذي ينامون فيه للاحتماء فيه، بدون باب أو نوافذ. وقال النيباليون الثلاثة الذين تمت مقابلتهم إن النيباليين الـ 17 ركضوا إلى الملجأ عندما انطلقت صفارة الإنذار حوالي الساعة 6:30 صباحا.[421] وحوالي الساعة 8 صباحا، سمعوا أصوات رجال، وافترضوا أنهم إسرائيليون. قال أحدهم: "سمعنا صراخا. خرج اثنان من أصدقائي، معتقدين أنهم جاؤوا لإنقاذنا".[422] بدلا من ذلك، فتح المقاتلون النار، فقتلوا ديبيش راج بيستا وغانيش نيبالي، وكلاهما يبلغان من العمر حوالي 25 عاما، بحسب الثلاثة الذين تمت مقابلتهم. ثم ألقى المقاتلون قنبلتين يدويتين داخل الملجأ. أمسك أحد النيباليين، بيبين جوشي، بإحدى القنبلتين وألقاها خارجا، لكن الثانية انفجرت، ما أدى إلى إصابة خمسة رجال – فقد نارايان نيوبان أصابع إحدى قدميه؛ وأصيبت ساق لوكيندرا سينغ دامي؛ وأصيبت ساقا أناند شاه، وتمزقت عضلة الساق اليمنى لبيدهان سيجوال؛ وأصيب دان بهادور تشوداري بشظايا معدنية في فخذه الأيمن وكاحله الأيسر.[423]

وبعد حوالي 15 دقيقة، بحسب شهود عدة، وصل اثنين من أفراد فريق الاستجابة السريعة في الكيبوتس، وهما جلعاد هونوالد وأميحاي شاحام، وقالا للنيباليين العشرة الذين لم يصابوا بجروح أن ينتقلوا إلى منطقة المطبخ القريبة، والاحتماء مع بعض الرجال التايلانديين.[424] وقالا للخمسة الذين أصيبوا بأن يبقوا في الملجأ بينما اتصلوا بسيارة إسعاف. وقال تشوداري إنه قرر مغادرة الملجأ والاختباء في غرفة نومه في حوالي الساعة 10 صباحا. وبعد فترة وجيزة، انضم إليه نيوبان ودامي.[425] وقال تشوداري إن نيوبان سمع بعد ذلك بوقت قصير سيارة في الخارج، واعتقد أنها سيارة إسعاف فركض للخارج، وحينها أطلق المقاتلون بالخارج النار عليه مرتين في صدره. وتوفي نيوبان ودامي متأثرين بجراحهما.

ذهب برابين دانغي وهيمانشال كاتل إلى المطبخ مع الثمانية الآخرين الذين لم يصابوا حتى تلك اللحظة: بيبين جوشي، وبرامود ك. س.، وبيريندرا تشوداري، وراجان بولارا، وبادام تابا، وأشيش تشوداري، وراجيش سوورناكار، وبرابيش بانداري.[426] هناك، وجدوا ما لا يقل عن ستة رجال تايلانديين، واختبأ الجميع هناك معا.  حوالي الساعة 10:30 صباحا، اقتحم أربعة أو خمسة مقاتلين المطبخ وفتحوا النار. قال دانغي:

أصيب بعض أصدقائي برصاصة في الرأس، وآخرون في الرقبة أو الصدر. قُتل اثنان على الأقل على الفور. ثم سمعت توقفا وإعادة تذخير سلاح، وأطلق [المقاتل] النار عليّ في أعلى فخذي اليمنى. ثم وجه السلاح إلى رأسي. وبفضل الله، تحركت ولم تخدش الرصاصة سوى جانب رأسي. ... ثم سمعت بعض التايلانديين يقولون "نحن من تايلاند" [باللغة الإنغليزية] وهم يرفعون أيديهم. أمسك المسلح ببعضهم وأخرجهم. ثم ألقوا قنبلتين دخانيتين في الغرفة وأغلقوا الباب... قضيت اليوم مغطى بدماء الجميع. كان الدم يتدفق إلى زاوية الغرفة التي كنا فيها... بدأ الأصدقاء يموتون واحدا تلو الآخر.[427]

صوّر دانغي نفسه في الظلام وأرسل الفيديو إلى مجموعة من زملائه الطلاب وهو يقول، "سأموت".[428] انتشر الفيديو فيما بعد على نطاق واسع.

عندما أخذ المقاتلون مجموعة الرجال التايلانديين، أخذوا أيضا النيبالي بيبين جوشي. نزف خمسة من النيباليين المصابين حتى الموت على مدار الساعات التالية. قال كاتل إنه بعد أول رشقة من النيران، تحرك قليلا أشيش تشوداري، الذي كان قد أصيب أيضا، فأطلق مسلحٌ النار عليه مرة أخرى وقتله. أصيب كاتل برصاصتين في كتفيه ويده وكُسرت أربعة من ضلوعه. أمضى الساعات الست التالية ممسكا بسترة فوق جروحه، محاولا وقف النزيف.

أصيب دانغي برصاصات في ساقه اليسرى وفخذه الأيمن. وكان قد خضع لخمس عمليات في الوقت الذي سبق حديثه مع الباحثَيْن. وكان العديد من الطلاب العمال أصدقاء مقربين لسنوات. وبعد شهر من الهجوم، قال دانغي إن الهجوم "أخذ مني كل شيء، أملي وأحلامي وسعادتي. كل شيء ذهب، كل شيء دمر... فقدت أي أمل". وقال إنه لم يعد بإمكانه النوم، لأنه كان يسمع صوت إطلاق النار. وقال إنه على الرغم من نجاته من الهجوم، إلا أنه تمنى لو لم ينجُ، حتى يتمكن من أن يكون "مع أصدقائي الذين أحبوني والذين أحببتهم".[429]

كان برامود ك. س.، الطالب النيبالي الوحيد الذي لم يصب بأذى أثناء الهجوم، مختبئا في خزانة المطبخ. أما بيريندرا تشودري، الذي اختبأ داخل الفرن، فلم يصب إلا بجروح طفيفة.

كان كوراويت كايوكويد (36 عاما)، من تايلاند، يعمل في مزرعة في عالوميم ذلك الصباح.[430] وكان يعمل في إسرائيل منذ أربع سنوات. كان كايوكويد قد انتهى من حلب الأبقار الساعة 6 صباحا ويواصل عمله عندما بدأ إطلاق الصواريخ. ذهب هو وثلاثة من أصدقائه إلى ملجأ مشترك على بعد أمتار قليلة من المكان الذي كان النيباليون يحتمون فيه. اعتقد كايوكويد أنه سمع صوت سقوط صاروخ، ثم خرج لمعرفة ما حدث:

عندما خرجنا لنرى، لم تكن قنبلة في الواقع، بل كان مسلحا من غزة يداهم المخيم من البوابة الخلفية. في البدء، زملائي رأوهم [المسلحين] وسألوا ما إذا كانوا جنودا إسرائيليين. ثم عندما رأيتهم، قلت، "لا، هؤلاء من غزة. علينا أن نختبئ".... رأينا دراجتين ناريتين تقتربان، وكان على متنهما أربعة أشخاص. وبدأوا بإطلاق النار.[431]

قال إن المسلحين كانوا يرتدون زيا عسكريا وعصابات رأس خضراء، ويحملون بنادق كلاشينكوف وقاذفة آر بي جي.

ركض كايوكويد واختبأ في غرفة الحلب، بينما عاد أصدقاؤه إلى الملجأ.[432] وقال إنه بعد أن قتل المسلحون اثنين من النيباليين، تحدث إلى اثنين من أفراد فريق الاستجابة السريعة اللذين جاءا إلى منطقة سكنهم لمساعدتهم. "طلبت منهم وضع بعض الرجال هناك لحراسة العمال التايلانديين، لأن المكان غير آمن. [قالوا] إننا يجب أن نختبئ في مسكننا، في غرف نومنا. لكنني قلت إن غرفة النوم ليست آمنة لأنه لا يمكن إغلاقها كما يجب". ذهب أصدقاء كايوكويد إلى المسكن، لكنه ذهب للاختباء في الغرفة المستخدمة لتخزين الأدوية للماشية.[433] وبعد فترة وجيزة، سمع جولة أخرى من إطلاق النار، والصراخ، وأشخاصا يتحدثون على اللاسلكي، رغم أنه لم يستطع فهم ما كانوا يقولون. ثم سمعهم يمسكون أحد أصدقائه:

سألوه من أين هو. وقال الرجل إنه ليس المدير، ومجرد عامل تايلاندي. ... عندما قال الرجل إنه تايلاندي وليس المدير، بدأ الجنود بإطلاق النار بلا توقف وهم يهتفون "الله أكبر!"

قتلوا الرجل. ثم أدرك كايوكويد أن الغرفة المجاورة لغرفته كانت تحترق:

اعتقدت أنني لن أتمكن من النجاة، لذا أرسلت رسالة إلى شريكتي [في تايلند]، أخبرتها فيها أنني لن أعود إلى الوطن وأن هناك غارة شنها مسلحون من غزة، وأنهم قتلوا الكثير من التايلانديين والنيباليين. كنت أفقد أعصابي. كما أرسلت رسالة إلى صديق عربي وطلبت منه إبلاغ المدير.

لم تنتشر النيران إلى غرفته، وظل مختبئا هناك لبقية اليوم. وقال: "في حوالي الساعة 3 بعد الظهر، انقطع الإرسال [عن الهاتف المحمول]، لذا لم أكن أعرف من نجا ومن لم ينجُ".

قال شخص أجرى مقابلات مع العديد من التايلانديين الناجين من الهجوم إنهم أخبروهم أنه من بين التايلانديين الـ24 في عالوميم في ذلك اليوم، قُتل 12، وأصيب 11 لكنهم نجوا، وأُخذ واحد رهينة.[434] وبينما لجأ البعض إلى المطبخ، اختبأ آخرون في أماكن سكنهم. وقال أحد الناجين للشخص الذي أجرى المقابلات إن المقاتلين أطلقوا عليه النار ثلاث مرات أثناء محاولته الهروب من نافذة المسكن بعد أن ألقى المقاتلون قنبلة يدوية داخلها. وقال لهم إنه قبل أن يلقي المقاتل القنبلة، صاح، "هالو تايلاند" (مرحبا تايلندا)، ثم بالعبرية، "تحب العمل بجد، الآن ستموت". واختبأ ناجٍ آخر هرب أيضا من النافذة في الإسطبلات تحت أكوام روث الأبقار لساعات لإنقاذ نفسه.[435]

تحققت هيومن رايتس ووتش من مقطعي فيديو من كاميرات المراقبة من 7 أكتوبر/تشرين الأول نُشرا على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، يظهر فيهما رجال يرتدون ملابس مدنية وهم يجمعون ما يصل إلى خمسة أشخاص ويقتادونهم إلى مبنى في عالوميم بين 10:20 صباحا و10:33 صباحا.[436] يتصاعد الدخان في الخلفية. يمكن رؤية اثنين من الأشخاص مصابَيْن، أحدهما يقفز إلى المبنى والآخر يعرج. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما حدث للمجموعة المحتجزة. تُظهر ثلاث صور نُشرت على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام في 9 أكتوبر/تشرين الأول مسعفين يحملون ما لا يقل عن 14 كيسا للجثث في الجزء الخلفي من مركبة خارج نفس المبنى الذي ظهر في لقطات كاميرا المراقبة.[437]

ويظهر فيديو تمت مشاركته مباشرة مع هيومن رايتس ووتش ستة أشخاص على الأقل في غرفة صغيرة.[438] الأرضية مغطاة بالدماء، ويمكن سماع أنين الألم، وهناك رنين إنذار في الخارج. اثنان من الأشخاص مستلقيان بلا حراك بينما الشخص الذي يصور الفيديو يوجه الكاميرا إليهما ويروي بالإنغليزية أنهما قد توفيا. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من الفيديو، لكن العامل في عالوميم شاكريت تيتكراتوك، الذي لم يكن موجودا يوم الهجوم، أكد صحة الفيديو وقال إنه تعرف على أربعة من الأشخاص في الفيديو – ثلاثة عمال تايلانديين وعامل-طالب نيبالي.[439]

بينما تم اكتشاف رفات معظم المواطنين التايلانديين في موقع الهجوم لاحقا، أُخِذ مواطن تايلاندي واحد على الأقل رهينةً إلى غزة. أُطلِق سراحه في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.[440] في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر الجيش الإسرائيلي مقطعَيْ فيديو من كاميرات مراقبة، فضلا عن ستة صور ثابتة من كاميرات مراقبة إضافية قيل إنها من "مستشفى الشفاء" في غزة، تظهر ما قالوا إنهم رهائن تايلانديين ونيباليين نُقِلوا إلى المستشفى في ساعات الصباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[441] ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد جنسياتهم أو هوياتهم أو ما إذا كانوا رهائن أُخِذوا من إسرائيل، رغم أن هيمانشال كاتل قال إنه بناء على طول أحد الرجال ووضعية جسمه وملابسه، فإنه يعتقد أنه بيبين جوشي.[442] يظهر الفيديو الأول رجال يرتدون ملابس مدنية يجرّون شخصا بالقوة عبر ممر. ويظهر الفيديو الثاني نفس الرجال وهم يحركون ما يبدو أنه رهينة مصابا بجروح بالغة على سرير المستشفى، بينما ما يزالون يجرّون الرهينة الثاني، ربما جوشي، الذي أصبح وجهه مغطى الآن. وتحققت هيومن رايتس ووتش من إحدى الصور الثابتة من كاميرات المراقبة في مستشفى الشفاء التي تظهر الرجال الذين شوهدوا لاحقا داخل أحد مباني المستشفى.[443]

قُتل في محيط الكيبوتس أشخاص آخرون لا يعيشون أو يعملون في الكيبوتس. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، تم تحميل مجموعة من مقاطع الفيديو التي التقطتها كاميرات المراقبة على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، والتي تم التحقق منها من قبل هيومن رايتس ووتش، والتي تظهر لحظة وصول مجموعة من الرجال والنساء الإسرائيليين بملابس مدنية إلى المدخل الشرقي لعالوميم حوالي الساعة 7 صباحا. بعد وقت قصير من وصولهم، يركض ثلاثة مقاتلين يرتدون عصابات الرأس والذراع الخاصة بكتائب القسام نحو المدنيين من داخل الكيبوتس، ويوجهون بنادقهم نحوهم ويشيرون بأيديهم. تنفتح البوابة بسرعة، ويبدأ المدنيون بالركض عائدين نحو الطريق السريع. يلحق أحد المسلحين بامرأتين ويقتلهما عن قرب – إحداهما بعد حوالي 20 ثانية من توقفها عن الجري وقرفصتها على الأرض.[444]

رد القوات المسلحة الإسرائيلية

أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مقتل أوفيك أتون البالغ من العمر 24 عاما، والذي قُتل عن طريق الخطأ على يد جندي إسرائيلي أثناء اختبائه مع صديقته تامار كام في منزل في عالوميم بعد الهرب من موقع مهرجان سوبر نوفا الموسيقي.[445] يبدو أن الجندي أخطأ في اعتباره مهاجما، وأطلق النار عليه وعلى كام، التي نجت من الهجوم.

موشاف نتيف هعسراه

هجوم الفصائل المسلحة على السريعة في موشاف (مجتمع زراعي تعاوني) نتيف هعسراه مقاتلون بقيادة حماس 20 شخصا قتل مدنيين – 20، بحسب تقارير – بينهم أربعة أعضاء من فريق الاستجابة.[446] كما قُتل اثنان من سكان الموشاف ذلك اليوم في زيكيم، في الهجوم المذكور أدناه.

كان نتيف هعسراه، في منطقة حوف عسقلان، موطنا لـ 944 شخصا في 2022.[447] يقع الموشاف بمحاذاة الحاجز الشمالي مع غزة وبجوار معبر إيرز.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد المقيمين في الموشاف واستعرضت تقارير إعلامية.[448] قال المقيم، غي رابابورت، بالإضافة إلى تقارير إعلامية نقلا عن سكان آخرين وفيديو تحققت منه هيومن رايتس ووتش، إن بعض المقاتلين وصلوا بمظلات تعمل بمحركات أو طائرات شراعية أو "طائرات شراعية آلية".[449]

سمع رابابورت (58 عاما) وزوجته نافا (55 عاما) وابنتاهما صواريخ ثم إطلاق نار بدأ حوالي الساعة 6:30 صباحا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[450] وقال رابابورت إن الأسرة دخلت غرفتها الآمنة، وبعد خمس دقائق، سقط صاروخ على منزل يبعد 10 إلى 15 متر عن منزلهم. وكان الشخص الذي يعيش هناك في غرفته الآمنة ولم يصب بأذى. وعندما أصابت شظايا معدنية النوافذ الزجاجية في ملجأ عائلة رابابورت، أغلقوا المصاريع المعدنية. ثم سمعوا طلقات نارية. وبقوا في الغرفة الآمنة لمدة 11 ساعة. لم يدخل المقاتلون منزلهم.[451] لم تجمع هيومن رايتس ووتش معلومات مفصلة بشأن الوفيات التي حدثت خلال الهجوم.

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو منشور على يوتيوب سُجِّل بالقرب من "مرصد نير برس" في نتيف هعسراه حوالي الساعة 6:45 صباحا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، يظهر مهاجمين يهبطون بطائرتين شراعيتين قرب نتيف هعسراه.[452]

شاطئ زيكيم

تمتد منطقة شاطئ زيكيم، وهو شاطئ رملي واسع به كثبان رملية، شمالا لعدة كيلومترات من الحدود مع غزة. وعلى بعد كيلومترين فقط شمال غزة توجد مقصورات استراحة ومراحيض وموقف سيارات كبير. كما توجد قاعدة عسكرية إسرائيلية كبيرة على بعد أقل من كيلومترين إلى الشمال من غزة وحوالي 400 متر إلى الشرق من حافة المياه.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، هاجم مقاتلون قدموا على متن قوارب من البحر ومن البر وقتلوا مدنيين –19 بحسب تقارير 19— على الشاطئ، سواء في المنطقة المنظَّمة التي تحوي موقف سيارات أو إلى الجنوب أقرب إلى غزة.[453] كما هاجموا قاعدة زيكيم العسكرية.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة ناجين من الهجوم على منطقة شاطئ زيكيم واستعرضت التقارير الإعلامية عن الهجوم بالإضافة إلى ثلاثة فيديوهات تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي وثلاثة صورها شهود عيان.[454]

تجمعت مجموعة تضم أكثر من 20 إسرائيليا يعملون في مطعم على الشاطئ ليلة 6 أكتوبر/تشرين الأول لحفلة للموظفين. وقال أحياد بن يتسحاق (29 عاما)، وهو طالب كان يعمل طباخا، إنه وصل وهو امرأة أولا وحاولا اختيار مكان للحفل بعيدا عن الشاطئ الرئيسي والناس الآخرين.[455] "توجهنا 500 إلى 600 متر جنوبا وأقرب إلى غزة. أردنا أن نكون بمفردنا لأننا كنا نمتلك الكثير من المعدات – مكبرات الصوت والطعام وخيمة. كان هناك حوالي 25 إلى 30 شخصا في المجموع".

وجدوا مكانا على بعد حوالي 800 متر من بوابة مغلقة منعتهم من القيادة جنوبا وألزمتهم بركن سياراتهم بجوار القاعدة العسكرية مباشرة. قالت ليور ألوش (24 عاما)، وهي طالبة ونادلة في المطعم، إنها وصلت تلك الليلة وركنت سيارتها قرب قاعدة زيكيم. قالت ألوش وبن يتسحاق إنهما احتفلا حتى الصباح الباكر. في وقت ما بين الساعة 4 و5:30 صباحا، ذهب الناس للنوم. قال بن يتسحاق: "كان الجميع ينامون معا تحت السماء. 15 شخصا مستلقين بجانب بعضهم البعض". ثم تغير كل شيء. يتذكر بن يتسحاق أنه استيقظ مرتبكا:

أتذكر في الصباح – لا أتذكر أي وقت – كانت هناك طبقة رقيقة من اللون الأزرق في السماء وكل شيء آخر [كان] أسود. استيقظت بسبب صوت انفجار قوي. فكرت في نفسي أنها مزحة، ربما وضع الرجال صوت انفجار على مكبرات الصوت. اعتقدت أن الأمر ليس مضحكا، ثم سمعت القبة الحديدية وفهمت أنها ليست مزحة. استيقظ الجميع والتجأنا بين حاويتين للشحن. الجميع جلسوا معا واحتضنوا بعضهم البعض.

يظهر مقطعان فيديو سجلهما ين يتسحاق وتحققت منهما هيومن رايتس ووتش المجموعة بين حاويتَي الشحن بينما كان صدى الانفجارات وإطلاق النار تتردد في الأرجاء.[456]

انتظرت المجموعة عند الحاويات حتى بدأوا بسماع إطلاق النار. قال بن يتسحاق: "يمكنك رؤية الكثير من الزجاجات تنفجر بجانبنا. ثم تدرك أنها مسألة شخصية. أنت هدف". قالت ألوش وبن يتسحاق أنهما رأيا قوارب مطاطية صغيرة تتجه نحوهما من الجنوب، من اتجاه غزة. وقالت ألوش إنها شاهدت ثلاثة قوارب، وفي كل قارب بدا أن هناك ما بين ستة إلى ثمانية أشخاص. ويظهر فيديو سجله أحد أفراد المجموعة زورق دورية إسرائيلي يطلق النار على أحد القوارب.[457]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو من كاميرات مراقبة نُشر على تلغرام من قبل مسعفي الجنوب لمهاجمين يهبطون بقارب صغير على شاطئ زيكيم حوالي الساعة 6:45 صباحا.[458] ينزل خمسة مقاتلين ويركضون شرقا نحو مبنى الحمامات ومواقف السيارات على الشاطئ، على بعد حوالي 600 متر شمال من المكان الذي كان ألوش وبن يستحاق يحتميان فيه. يظهر فيديو ثان تم التحقق منه ونشره على إكس ما لا يقل عن خمسة أشخاص بملابس مدنية داخل حمام الشاطئ بينما يبدو أن جنديا إسرائيليا يرتدي زيا عسكريا يصوّب منظار بندقية حربية إسرائيلية من طراز "تافور" أثناء حماية المدنيين في الحمام.[459] مع سماع إطلاق النار في الخارج، يخرج الجندي من الحمام. في مقطعين، تحققت منهما هيومن رايتس ووتش، من فيديو أطول مركّب من مقاطع أطول نشرته قناة كتائب القسام الرسمية على تلغرام، وسجله أحد المقاتلين، تظهر جثث خمسة مدنيين على الأقل مغطاة بالدماء على أرض حمام الشاطئ. وفي وقت لاحق يظهر في الفيديو مقاتلان على الأقل، أحدهما يحمل قاذفة آر بي جي والآخر يحمل بندقيتين حربيتين، إحداهما تبدو بندقية تافور، وهما يدخلان ساحة انتظار السيارات. ويبدو أنهما يستقلان فان أبيض ويقودان شرقا.[460]

بعد وقت قصير من بدء إطلاق النار، قررت مجموعة ألوش وبن يتسحاق العودة إلى سياراتهم والقاعدة العسكرية. وقال بن يتسحاق: "كان الأمر مروعا عندما هرب الناس للنجاة بحياتهم، كانوا يتساقطون ويصرخون. إنه شعور فظيع لا أستطيع وصفه". وقال بن يتسحاق إنه سمع أزيز الرصاص، الذي كان قادما من اتجاه البحر.

وصل نحو 20 شخصا من المجموعة إلى بوابة القاعدة العسكرية. وهناك توسلوا إلى الجنود عند البوابة للسماح لهم بالدخول حتى يتمكنوا من الاحتماء. وفي النهاية سمح لهم الجنود بالدخول. وقال بن يتسحاق كان يسمع الفوضى تتكشف على أجهزة اللاسلكي الخاصة بالجنود. قال بن يتسحاق: "نسمع على اللاسلكي أناس يموتون، يصرخون، يطلقون النار، يريدون ذخيرة، يريدون الدعم. لا تعرف ماذا تفعل في هكذا موقف. كان بعض الناس يتصلون بعائلاتهم ويخبرونهم أنهم يحبونهم وأنهم آسفون".

ومع اقتراب إطلاق النار، قرر البعض الفرار بسياراتهم. قال بن يتسحاق إنه كان في أول سيارة تغادر. لم يكن معه مفاتيحه، لذا ركب سيارة شخص آخر. وانضم إليهم رجل آخر وامرأة.

تمكن الأربعة من الوصول إلى الطريق السريع 4 والابتعاد بسرعة عن الشاطئ لمدة دقيقة أو دقيقتين قبل أن يقول بن يتسحاق إنهم واجهوا فان أبيض متوقف ورجلا ممددا على بطنه على الأرض. قال بن يتسحاق إنه في تلك اللحظة تعرضوا لإطلاق النار من اتجاهات متعددة، بما في ذلك من الحقول على طول الطريق ومن الفان الأبيض. خوفا من أن يُقتلوا بالتأكيد إذا عادوا أدراجهم، انطلقوا بسرعة نحو السيارة. قال بن يتسحاق إنهم جميعا قرفصوا على أدنى مستوى ممكن واندفعوا بسرعة نحو السيارة في محاولة لتجاوزها. أصيب بن يتسحاق والسائق بالرصاص، إذ أصيب بن يتسحاق في أسفل ساقه اليسرى. وواصلوا القيادة لعدة دقائق، لكن السيارة تعطلت واضطروا إلى تركها.

اختبأ الأربعة بين الشجيرات حتى رأوا شاحنة عسكرية إسرائيلية. لوحوا لها فتوقفت لنجدتهم. وقال بن يتسحاق إن الجنود وضعوا عصابة على ساقه وكتبوا الوقت 8:50 عليه.

لاحقا حاول بعض الموجودين في القاعدة الفرار، لكن أصدقاءهم الذين حاولوا الفرار أيضا قالوا لهم أن يعودوا. وقالت ألوش إن جنديا في القاعدة ساعد في الدفاع عن تسعة من رواد الحفلة الذين بقوا خارج القاعدة حتى وصلت المدرعات الإسرائيلية إلى القاعدة حوالي الساعة 2:30 بعد الظهر لمرافقتهم إلى الخارج.

وتمكنت ألوش من قيادة سيارتها خارج منطقة الشاطئ ووصفت مشاهد مروعة: "رأيت جثثا طول الطريق إلى المنزل. شعرت كأنني أقوم باختبار قيادة لكنني أتنقل بين الجثث... أعتقد أنني رأيت خمس جثث لإرهابيين على الشاطئ. وعندما ابتعدت عن الشاطئ، رأيت جثث ثلاثة مدنيين في طريق العودة".

كيبوتس حوليت

قتل الهجوم المسلح على حوليت مدنيين – 15 بحسب تقارير – بينهم أربعة أجانب، وأخذ المقاتلون أربعة رهائن على الأقل.[461]

كان يبلغ عدد سكان كيبوتس حوليت، في منطقة إشكول، على بعد كيلومترين تقريبا من الحدود مع غزة، 210 نسمات عام 2022.[462]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد الناجين من الهجوم على كيبوتس حوليت، فضلا عن رجل بدوي فلسطيني أُخِذ أربعة من أقاربه رهائن من الكيبوتس، وراجعت مصادر إعلامية تتعلق بالهجوم.[463]

قالت شير أزولاي، وهي من سكان حوليت عمرها 32 عاما، إنها خرجت لتصوير ما حدث بعد سماع صواريخ قادمة، ورأت على مسافة بعيدة أشخاصا يرتدون ملابس الجنود، بعضهم يرتدي عصابات رأس خضراء.[464] ركضت إلى الداخل إلى غرفتها الآمنة، حيث جلست مسلحة بسكين مطبخ. سمعت أزولاي طلقات نارية ثم صراخ. وقالت إنها سمعت المسلحين يمرون بمنزلها مرتين، لكنهم لم يحاولوا الدخول إلى الغرفة الآمنة.[465]

وبعد فترة اتصل أحد الجيران بأزولاي وأخبرها بأن عليها الخروج لأن منزلها يحترق. كانت أزولاي تغادر منزلها حافية القدمين وتحمل سكينين عندما تلقت رسالة من جارتها الواقعة في محنة تقول إن منزلها أيض يحترق وإنها تختنق. ذهبت أزولاي إلى منزل الجارة وحطمت النافذة وأنقذتها مع جارة أخرى كانت فاقدة للوعي ومغطاة بالرماد. تمكنت أزولاي من إنعاش المرأة فررن جميعا إلى منزل آخر، بينما كان المسلحون يقتربون ويطلقون النار.[466]

مكثن في ذلك المنزل لساعات، وسمعن إطلاق النار والمسلحون يصرخون "من هذا؟" باللغة العبرية. لم يصدقن الرسائل التي تلقينها والتي تقول إن القوات الإسرائيلية كانت في حوليت حتى أرسل لهم شخص صورة لوحدة خاصة وجاءت نساء من الوحدة إلى بابهن.

قالت أزولاي إن سيارتها كانت الوحيدة في الكيبوتس التي نجت من الهجوم دون أضرار. في تلك الليلة، قادتها إلى كيبوتس جفولوت القريب. "شاهدنا فيلم رعب على الطريق... رأيت جثثا وسيارات محترقة... عندما وصلنا إلى كيبوتس غفولوت، بدا الأمر وكأنه مخيم حوليت للاجئين".

من حوليت، أخذ المقاتلون رهائن هم يوسف الزيادنة (53 عاما) وابنَيْ يوسف، حمزة (22 عاما) وبلال (19 عاما)، وابنته عائشة (17 عاما)، بحسب ما قال دحام، ابن عم يوسف.[467] يعيش آل الزيادنة في قرية بدوية فلسطينية في منطقة النقب. كان يوسف وابناه عمالا يوميين في المزرعة في كيبوتس حوليت. في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ذهبت عائشة أيضا هناك مع والدها وإخوتها لحصاد الزيتون. بعد الهجوم على الكيبوتس، لم تتمكن الأسرة من الوصول إلى يوسف، أو حمزة، أو بلال، أو عائشة، وقال دحام إنه حوالي الساعة 10 صباحا، رأوا صورة منشورة على الإنترنت لبلال وحمزة على الأرض، والمقاتلون يوجهون البنادق نحوهما.[468]

وأضاف دحام أن المسؤول عن مزرعة الكيبوتس اتصل به بعد أيام ليخبره أن لقطات كاميرات المراقبة من مدخل المزرعة أظهرت صورا لمقاتلين يأخذون يوسف وعائشة.[469] ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الوصول إلى هذه اللقطات أو مراجعتها. أُطلِق سراح عائشة وبلال في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن حتى وقت كتابة هذا التقرير، قد يكون يوسف وحمزة ما يزالان رهينتين، على حد علم العائلة.[470]

وقال دحام إن قريبا فلسطينيا بدويا آخر، يعمل أيضا في حوليت، أخبره أن المهاجمين أوقفوه أثناء محاولته الفرار بسيارته. وقال الرجل لدحام: "قلت لهم، أنا مسلم مثلكم. قالوا، لا، أنت كافر، أنت يهودي، يجب أن نقتلك". وقال القريب إنه بينما كان هذا يحدث، كان الجيش يطلق النار على المهاجمين، وإنه في خضم الفوضى، تمكن من الفرار.

كيبوتس كيسوفيم

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس كيسوفيم مدنيين – 13 بحسب تقارير – وأخذ المقاتلون أربعة آخرين رهائن.[471]

كيبوتس كيسوفيم، في منطقة إشكول على بعد حوالي 2.3 كيلومتر من الحدود مع غزة، كان موطنا لـ 294 شخصا حتى العام 2022.[472]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد الناجين من الهجوم على كيبوتس كيسوفيم وراجعت تقارير إعلامية حول الهجوم.

وشملت الوفيات المدنية ساغي زاك (15 عاما)، ووالديه إيتاي وإيتي، بالإضافة إلى ستة عمال تايلانديين. ومن بين المختطفين ثلاثة من سكان الكيبوتس، اثنان منهم زوجان، بحسب الشخص الناجي. أطلق المقاتلون النار على السكان وأحرقوا في المنازل. بالإضافة إلى ذلك، وردت أنباء عن مقتل ثمانية جنود من "الكتيبة 51" من "لواء غولاني"، الذين قاتلوا المهاجمين لعدة ساعات.[473] وتم إجلاء السكان في نفس الليلة.

استيقظت د. ييلا رعنان، وهي إحدى السكان، على صوت صفارة الإنذار الساعة 6:30 صباحا. ركضت إلى غرفة ابنتها البالغة من العمر 12 عاما، والتي كانت أيضا بمثابة غرفة آمنة، حيث سمعت خلال الساعة الأولى إطلاق نار وانفجارات.[474] قالت: "لكنني لم أربط الأمور ببعضها".

لم تتمكن رعنان من مغادرة الغرفة الآمنة لاستعادة هاتفها، حيث تسببت قوة بعض الانفجارات الواردة في كسر مقبض الباب. استخدمت هاتف ابنتها للاتصال بالناس. قالت: "كنت أحاول إقناع شخص ما بالمجيء إلى المنزل لفتح [الباب] من الخارج، لكن لم يأتِ أحد".[475]

من النافذة، رأت سيارة مسرعة تمر بها رجل يرتدي زيا رسميا يحمل بندقية في مقعد الراكب. لاحقا، عندما هربت رعنان من خلال النافذة مع ابنتها وفرت إلى ملجأ مجتمعي، سمعت أشخاصا يتحدثون العربية في المنطقة. قالت: "كان الناس يرسلون رسائل نصية، ’هناك إرهابيون في منزلنا، هل يمكن لأحد أن يأتي؟‘"[476] علمت الدكتورة رعنان لاحقا أن المهاجمين دخلوا منزلها، وأطلقوا النار على النوافذ، ودمروا الباب، وسرقوا المنزل.[477] "فتشوا الأدراج والخزائن، وأخذوا حقيبة ابنتي التي تحتوي على جهاز آيباد، والمال من محفظتها، لكنهم لم يلمسوا أغراضي. أخذوا سيارتي الكهربائية. يمكنني تتبّعها وأرى أنها في غزة الآن. وأخذوا مفاتيح دراجتي النارية، لكنهم لم يأخذوا الدراجة النارية نفسها".[478]

قالت رعنان إن الكهرباء انقطعت في وقت مبكر من الصباح ودُمر المولد، الذي كان يعمل، بين الساعة 11 صباحا و1 بعد الظهر، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات في المنطقة، التي تعتمد بشكل كبير على الإنترنت اللاسلكي.[479]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو سجله على عضو مفترض في كتائب القسام. ونشر مسعفو الجنوب الفيديو على تلغرام، وهو يظهر عناصر من القسام بالقرب من كيسوفيم صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول. ويظهر الفيديو، الذي سُجِّل حوالي الساعة 7 صباحا، ما لا يقل عن 20 مقاتلا يرتدون زيا عسكريا أخضر مموها وما يشبه إلى حد كبير الزي العسكري الإسرائيلي، بالإضافة إلى عصابات رأس كتائب القسام الخضراء، ويركبون دراجات نارية ويسيرون على الأقدام متجهين شرقا على طريق 242.[480] يتوقفون على بعد 750 مترا جنوب كيسوفيم، حيث يضربون رجلا يقف داخل ملجأ قريب وسيارته في مكان قريب. ويجبر أحد المقاتلين الرجل على الخروج من الملجأ والعودة إلى سيارته، ويضربه مقاتل ثان على كتفيه عدة مرات بعقب البندقية بينما الشخص الذي يسجل الفيديو يبحث عن أشياء ثمينة قبل أن يأخذ قلادة قدمها إليه الضحية. وبينما كان ذلك يحدث، يصاب أحد المقاتلين برصاصة في ساقه اليمنى إما من قبله هو أو من قبل مقاتل آخر قريب. لحظة إطلاق النار عليه محجوبة بسبب الرجل الذي يمر أمام الكاميرا. ثم يقوم مهاجم آخر بركل الرجل من الملجأ في رأسه قبل أن يحركه مقاتل على الأرض ويربط يديه وقدميه معا برباطات بلاستيكية بيضاء.

يطلق المقاتلون النار من بنادق كلاشينكوف على سيارة أخرى مسرعة. وفي الساعة 7:14 صباحا، وفقا للقطة مقربة لساعة يد المهاجم، ينتهي الفيديو بقيام الشخص الذي يصور الفيديو بتعليق لافتة خضراء لكتائب القسام على النافذة الخلفية للسيارة البيضاء ويقودها بعيدا.[481]

قالت رعنان إن الجنود الإسرائيليين وصلوا في وقت متأخر من بعد الظهر أو في وقت مبكر من المساء وأخبروا الناس بالبقاء في الملجأ، وعادوا في وقت مبكر صباح اليوم التالي لإجلائهم.

كيبوتس ناحل عوز

قتل الهجوم المسلح على ناحل عوز مدنيين – 12 بحسب تقارير – وأخذ المقاتلون خمسةً آخرين رهائن.[482]

كان كيبوتس ناحل عوز، في منطقة شاعر هنيغف على بعد حوالي 1.2 كيلومتر من الحدود مع غزة، موطنا لـ 479 شخصا، حتى 2022.[483]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة ناجين من الهجوم على كيبوتس ناحل عوز وراجعت تقارير إعلامية.[484]

قال الناجون إن الهجوم بدأ بصوت الصواريخ، تلاه إطلاق النار والقنابل اليدوية وقذائف آر بي جي. لم يكن لدى بعض السكان كهرباء في منازلهم أو ملاجئهم من الساعة 9 صباحا حتى 6 مساء، ويبدو أيضا أن الإنترنت والهواتف لم تعمل إلا بشكل متقطع.

استيقظ ناداف تساباري (34 عاما)، وهو مدرس للصف السادس، وشريكه روتيم، الذي كان المسؤول عن إدارة الأزمات والطوارئ في ناحل عوز، على أصوات الصواريخ والصافرات وإشعارات الهاتف.[485] أخذ تساباري وروتيم كلبهما إلى الغرفة الآمنة. قال تساباري: "نتعرض [للصواريخ] لسنوات، لقد اعتدنا عليها. اعتقدت أنني سأعود إلى النوم لأن الأمر ليس جديدا وكنا في الغرفة الآمنة". وقال إنه بعد حوالي 20 دقيقة، فهما أن الوضع ليس طبيعيا، نظرا لقصف الصواريخ بلا هوادة. حوالي الساعة 7 صباحا، بدأوا يسمعون العديد من طلقات الرصاص في مكان قريب.[486]

قالت هدار شومان (40 عاما)، إن صوت القصف بدا مختلفا منذ البداية – فقد استيقظوا على صوت صفير قبل انطلاق صفارات الإنذار.[487] وبقيت هي وأبناؤها الستة، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و15 عاما، وطفل آخر كان يزورهم، محبوسين في الغرفة الآمنة 14 ساعة، بينما ظل زوجها يحرسهم بالخارج، حاملا سلاح.

وقال تساباري إن روتيم بدأ في الاتصال بالناس وبدأ الزوجان بتلقي رسائل تفيد بأن "الإرهابيين يتسللون إلى الكيبوتس". وأضاف: "كان الشعور الأول هو الرعب ... لأنك تدرك في الواقع أن الخطر لا يأتي من الصواريخ. هؤلاء في الواقع أشخاص ينوون قتلك".[488]

أرسل روتيم رسالة إلى سكان الكيبوتس لإغلاق أبوابهم والبقاء في الغرف الآمنة والتزام الهدوء. قال تساباري: "أوضحت له [شريكي] أن الغرفة الآمنة تهدف إلى حمايتنا من الصواريخ ... وليس من الأشخاص الذين يريدون فتح الغرفة الآمنة، وهو أمر سهل ... أخبرته بخطتي: يجب أن نهرب".[489]

ظل تساباري يحرس وهو يحمل سكينا، متنقلا بين غرفة المعيشة والمطبخ لمدة ساعتين. قال: "كنا نسمع كل شيء [اشتباكات بالأسلحة النارية، صراخ، قنابل يدوية، صواريخ مضادة للدبابات، قاذفات آر بي جي]. كان الأمر أشبه بفيلم حربي". نظر من النوافذ، فرأى رجالا يرتدون ملابس "تشبه إلى حد كبير زي جيش الدفاع الإسرائيلي" ويحملون بنادق كلاشينكوف.[490]

ركض تساباري إلى كوخ الحديقة وجلب أداة يمكنه استخدامها لإعطاب مقبض الغرفة الآمنة لمنع فتحها من الخارج. قام هو وروتيم بتحصين المدخل الخلفي بأثاث الحديقة وعادا إلى الغرفة الآمنة مع بعض الماء وقليل من الطعام.[491]

قضيا بقية اليوم هناك، وكانا يطّلعان على الأهوال التي حلت بأصدقائهما وجيرانهما من خلال المكالمات الهاتفية والرسائل الصوتية والصور. قال تساباري: "الأمر الأكثر رعبا هو أن الأشخاص الذين تحبهم ويهمك أمرهم يطلبون المساعدة وليس هناك ما يمكنك فعله لمساعدتهم".[492] بدأ بوضع علامات على جميع المنازل التي كان روتيم يتلقى منها مكالمات طلبا للمساعدة على خرائط غوغل وأرسل هذه المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي.

أدرك تساباري أثناء احتمائه وتصفحه فيسبوك بحثا عن معلومات، "أن الإرهابيين تسللوا بالفعل إلى بعض الغرف الآمنة واستولوا على الهواتف الذكية لأصدقائي وجيراني ونشروا صور فيديو على فيسبوك لايف".[493] أزال فيسبوك لاحقا البث المباشر من ناحل عوز الذي نشره المهاجمون على صفحات السكان. ومع ذلك، تم الاحتفاظ بمقاطع من بثَّيْن مباشرَيْن وإعادة تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.[494]

وقالت أييليت سيلا إن المقاتلين اختطفوا قريبتا جوديث رعنان (59 عاما)، مع ابنتها ناتالي رعنان (17 عاما)، وكانت قد تخرجت حديثا المدرسة الثانوية، وكلتاهما تحملان الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية. كانتا في زيارة إلى ناحل عوز من الولايات المتحدة للاحتفال بعيد ميلاد والدة جوديث، تامي، وهي مقيمة في الكيبوتس.[495] أطلق سراحهما في إجراء فريد من نوعه لا علاقة له بمفاوضات وقف إطلاق النار الأوسع في أواخر أكتوبر/تشرين الأول.[496]

تحققت هيومن رايتس ووتش من مقطع واحد، في الأصل من مقطع فيديو أطول تم بثه مباشرة حوالي الساعة 10 صباحا، وفقا للظلال المرئية عندما يتحرك المهاجمون بين المنازل، في 7 أكتوبر/تشرين الأول على صفحة فيسبوك لأحد سكان ناحل عوز، ديكلا أرافا. يبدأ الفيلم بإظهار مقاتلين يرتدون زيا عسكريا مموها وأسود بالكامل وهم يحتجزون أرافا وابنها تومر البالغ من العمر 17 عاما وشريكها نعوم إلياكيم وابنتي إلياكيم دافنا وإيلا في منزل أرافا.[497] يطلب المهاجمون من الأسرة بطاقات الهوية بينما ينزف نعوم بغزارة من ساقه اليسرى. بعد أربع دقائق، يأمر مسلح تومر باللغة الإنغليزية بأن يأتي معه وأن يقول لجيرانه أن يفتحوا أبوابهم. يقتاد تومر خارج المنزل نحو منازل أخرى في حيهم، تقع في القسم الشمالي من الكيبوتس، بينما يسأل تومر عن مكان اختباء الناس. يجبر المقاتل تومر على طرق باب منزل قريب. يظهر مقاتل آخر، موجود أصلا داخل منزل مختلف، عند النافذة، مرتديا سترة عليها شعار كتائب القسام.[498]

وفي مقطع من فيديو آخر، كان أساسا قد بُثَّ مباشرة على فيسبوك بعد فترة وجيزة وتحققت منه هيومن رايتس ووتش، يظهر تومر جالسا على أرضية منزل مختلف بجوار غالي شليزنغر إيدان وزوجها تساحي وابنيهما الأصغرين، يائيل وشاحار. ويظهر الفيديو، الذي بثه المهاجمون على صفحة إيدان على فيسبوك، الأسرة على الأرض بينما يأمرهم المقاتلون الذين يرتدون الجينز والأحذية الرياضية بعدم التحرك ويُسمَع إطلاق النار. يحاول تساحي مواساة ابنه لكن يديه ملطختان بالدماء.[499] وقالت إيدان لـ"بي بي سي" إن هذا الدم جاء من ابنة إيدان البالغة من العمر 18 عاما مايان، التي أطلق عليها المهاجمون النار وقتلوها داخل منزلهم في وقت سابق من ذلك اليوم.[500] ويذكر التقرير أن المقاتلين قيّدوا يدَيْ تساحي واقتادوه خارج الكيبوتس، تاركين إيدان وأطفالها في المنزل.

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو نشرته قناة تلغرام الرسمية لسرايا القدس يظهر عناصر من سرايا القدس وهم ينقلون نعوم إلياكيم خارج ناحل عوز، ويأخذونه رهينة على ما يبدو.[501] ولكن بعد 10 أيام ظهرت تقارير تفيد بالعثور على إلياكيم، وديكلا أرافا، وتومر أرافا مقتولين في إسرائيل.[502] ما تزال ظروف وفاتهم غير واضحة. وقد اجتمعت ابنتا إلياكيم، دافنا وإيلا، اللتان تبلغان من العمر 15 و8 سنوات، بوالدتهما في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أخذهما رهينتين في غزة لمدة 51 يوما.[503] وما يزال تساحي إيدان رهينة.

تظهر ثلاثة فيديوهات، اثنان منها نشرتهما قناة مسعفي الجنوب على تلغرام وواحد نشرته قناة سرايا القدس على تلغرام، عناصر من كتائب شهداء الأقصى وكتائب المقاومة الوطنية وهم يطلقون النار ويقتلون شخصا. أحد المقاتلين يرتدي عصبة الرأس الصفراء تابعة لـ كتائب شهداء الأقصى ويرتدي آخر شارة حمراء تابعة لـ كتائب المقاومة الوطنية.[504] الوصف المكتوب لفيديو قناة مسعفي الجنوب تحدد هوية الشخص، التي أكدتها الحكومة التنزانية، على أنه جوشوا موليل، "طالب يبلغ من العمر 21 عاما من تنزانيا"، خارج السياج الجنوبي الغربي لناحل عوز حوالي الظهر.[505] في الفيديو الأول، يمسك المقاتلون بقميص موليل، ويدفعونه ذهابا وإيابا وهم يصرخون عليه. ينزف موليل من الجانب الأيمن من وجهه، ويقف ساكنا ولا يقاوم. يبدأ الفيديو الثاني وموليل على الأرض، ملقى بلا حراك مع جرحين مفتوحين في بطنه ودماء على رقبته. ويظهر شخص يرتدي ملابس مدنية وهو يحمل سكينا ملطخا بالدماء فوق جسده، ما يشير إلى أنه طعن موليل للتو. ويدعس أحد المقاتلين على صدر موليل ثم يطلق النار من بندقية على رأسه ثماني مرات.[506] ويظهر الفيديو الأخير، الذي نشرته قناة كتائب شهداء الأقصى على تلغرام، أحد أعضائها يرتدي عصابة الرأس الصفراء يقف على رأس موليل الملطخ بالدماء في نفس المكان.[507] جسد موليل مغطى بالجروح والدماء.

كما تشير الفيديوهات إلى أن مهاجمي جوشوا موليل جردوه من ملابسه. في الفيديو الأول، يظهر حيا ومرتديا ملابسه، وفي الثاني ميتا ومرتديا ملابسه، وفي الثالث ميتا وقد تم رفع قميصه بالقرب من رأسه وتم خلع سرواله بشكل شبه كامل بينما يدعس المسلح على جثته.[508] ويظهر فيديو رابع تمت مشاركته على تلغرام جثة موليل، ملطخة بالدماء وبدون سروال، في مؤخرة شاحنة متحركة.[509] ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد مكان السيارة أو وجهتها. وأفادت قناة "إيه بي سي" في 14 ديسمبر/كانون الأول 2023 أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تعتقد أن جثة موليل محتجزة في غزة.[510]

وقالت هدار شومان، وهي أم لستة أطفال سمعت صافرات الإنذار قبل بدء الهجمات: "لم يتوقف صوت إطلاق النار... أطلقوا النار على منزلنا، محاولين اختراق النوافذ والأبواب. سمعناهم طوال الوقت حول منزلنا، يتحدثون العربية. كان الجيران يرسلون رسائل تقول: "ساعدونا، لماذا لا يأتي أحد؟"[511]

وقال تساباري إنه وروتيم سمعا نوافذهما وستائرهما تتأرجح ذهابا وإيابا طوال اليوم لكنهما لا يعرفان ما إذا كان ذلك بسبب الانفجارات أو بسبب شخص يدخل منزلهما ويخرج منه.[512]

وقالت شومان: "عندما كان [المسلحون] حول منزلنا، كنا هادئين حقا... عادة ما تنبح كلبتنا على أي شخص يقترب من المنزل، لكن هذه المرة لم تصدر أي ضوضاء. "في كل مرة كان الهدوء يعم منزلنا، كان شريكي يحضر لنا الماء ويفتح الباب حتى نتمكن من التنفس".[513]

كان داني رحاميم وزوجته على اتصال دائم بابنتهما وعائلتها، الذين كانوا يعيشون على بعد 150 متر. كان من الصعب الوصول إلى ابنهما، الذي كان في منزله على بعد 500 متر مع أولاده الثلاثة.[514] لم تصل رسائلهم النصية إلا مرتين، ولم يتمكنوا من الاتصال أو استخدام واتساب. "عندما أرسلنا له رسالة الساعة 9 صباحا، استغرق الأمر 45 دقيقة حتى تلقى الرسائل. ... في جميع أنحاء حيه، [كان هناك] الكثير من الحوادث وناس يُخطفون. أرسلت زوجتي شيفون رسالة تطلب من ابننا تهجئة اسمها باللغة الإنغليزية، للتأكد من أنه هو الذي يرسل الرسالة النصية، وأجاب بشكل صحيح. ولكن هذا كان كل شيء، حتى جاء الجيش لأخذنا". نجا رحاميم وعائلته بالكامل في نهاية المطاف دون أن يصابوا بأذى.

أُجلِي تساباري وروتيم، مع آخرين في الكيبوتس، حوالي الساعة 10 ليلا، عندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى الكيبوتس وبدأت تأمين المنطقة منزلا تلو الآخر. قال تساباري إنه قبل أن يسمح للجنود بالدخول إلى منزلهم حوالي الساعة 1:30 صباحا، تحدث إليهم باللغة العبرية وسألهم عن تفاصيل وحداتهم العسكرية للتحقق من هوياتهم. قال تساباري إنهم بالكاد كان لديهم الوقت لجمع بعض الأشياء قبل أن يتم نقلهم إلى حافلة أجلت السكان من طريق جانبي.[515]

سُمح لشومان وعائلتها بالعودة لزيارة منزلهم في ناحل عوز لساعة ونصف في نوفمبر/تشرين الثاني. قالت إنها أدركت حينها "كم كانت كبيرة معجزة" هروبهم، بعد رؤية آثار إطلاق النار على واجهة المبنى والشرفة. قالت شومان: "قال لي ابني البالغ من العمر ثماني سنوات بالأمس – تماما كما فعل عندما كنا نستعد في الصباح – ’أمي، تعلمين أنهم لو كانوا دخلوا منزلنا، لكانوا قد قتلوا والدي، وكانوا قد اختطفونا، مثل أصدقائي‘".[516] وأضافت أنهم كمجتمع كانوا يعتقدون أن كل شيء آمن. لكنها قالت إنه فيما يتعلق بتجربة الهجمات، "هذا الشعور، الجزء الأصعب في الأمر هو أننا لا نستطيع أن نثق [أننا آمنون] مرة أخرى".

كيبوتس مفلسيم

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس مفلسيم ما لا يقل عن 10 مدنيين عند بوابة المدخل أو بالقرب منها.[517]

يقع كيبوتس مفلسيم، وهو في منطقة شاعر هنيغف، على بعد حوالي 1.2 كيلومتر من الحدود مع غزة، وبلغ عدد سكانه 1,057 شخصا في 2022.[518]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد الناجين من الهجوم على كيبوتس مفلسيم وناجٍ من نير عوز تعرض شقيقه للهجوم بالقرب من مفلسيم، وتحققت من فيديوهات وراجعت تقارير إعلامية تتعلق بالهجوم.

تُظهر الفيديوهات الهجوم الجاري وكذلك آثاره المباشرة، منها قيام مقاتلين بإطلاق النار على ثلاثة مدنيين وقتلهم. كما تُظهر جثث ما لا يقل عن ثمانية مدنيين آخرين ممددة على الطريق على طول حدود الكيبوتس، معظمهم على بعد 100 متر من السياج، بجوار سيارات محترقة أصابتها طلقات نارية.[519]

أفاد شاهد عيان على دراية بالأسلحة والمعدات العسكرية أنه رأى مقاتلين يحملون قذائف آر بي جي وبنادق كلاشنيكوف ورشاشات ميدان من طراز "بي كي" وكميات كبيرة من الذخيرة والقنابل اليدوية وعبوات تستخدم لفتح الأبواب ومدكّا لكسر الأبواب المغلقة وربطات بلاستيكية.[520] كان المقاتلون يرتدون ملابس عسكرية ومدنية.

نشرت قناة مسعفي الجنوب على تلغرام صورا لغلاف وثيقة وأربع صفحات منها – مؤرخة أكتوبر/تشرين الأول 2022، مكتوبة باللغة العربية ومختومة بشعار كتائب القسام – يُزعم أنه عُثر عليها على جثة مقاتل بالقرب من كيسوفيم.[521] تعرض الوثيقة المجموعات التي من المفترض أن تشارك في السيطرة على مفلسيم والطريق إلى الكيبوتس والذي يعبره، بالإضافة إلى الحقائق الأساسية حول المجتمع، بما في ذلك عدد السكان والموقع ووجود كاميرات أمنية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من صحة الوثيقة.[522]

في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، ناقش أعضاء فريق الاستجابة السريعة في مفلسيم وثيقة يُزعم أنه عُثر عليها على جثة مقاتل حددت على ما يبدو خطة لمهاجمة مفلسيم. ليس من الواضح ما إذا كانت هذه هي الوثيقة نفسها التي نشرتها قناة مسعفي الجنوب. الوثيقة، التي يبدو أنها تُرجمت إلى الإنغليزية ومؤرخة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، تعطي المهاجمين تعليمات بشأن الأماكن التي يجب دخولها والشوارع التي يجب استهدافها، وتعليمات بأن يأخذوا رهائن، بحسب الزعم. كما تزعم أنها تتضمن خريطة مشروحة مع "مسار وصول" مرسوم من الحاجز مع غزة باتجاه بوابة المدخل الشمالي مفلسيم.[523]

استيقظ سيمحا ل.، أحد أعضاء فريق الاستجابة السريعة، وزوجته على أصوات صفارات الإنذار الساعة 6:30 صباحا، "وابل كبير"، جعلهما يذهبان إلى غرفة بناتهما، والتي كانت أيضا الغرفة الآمنة.[524] وبعد بضع دقائق، سمعوا طلقات نارية وانفجارات، وتلقى سيمحا رسالة من فريق الاستجابة السريعة تفيد بوجود إطلاق نار عند البوابة الرئيسية للكيبوتس. قال: "ارتديت معداتي وأخرجت مسدسي وقبّلت زوجتي" قبل المغادرة. في ذلك اليوم، كان ثمانية من أصل 15 إلى 18 عضوا من فريق الاستجابة السريعة في الكيبوتس.[525]

وعندما وصل سيمحا إلى أحد مواقف السيارات في الكيبوتس، رأى ثلاثة رجال يرتدون ملابس سوداء على تلة خارج الكيبوتس.[526] ولم يكن سيمحا متأكدا من هوياتهم حتى استدار أحدهم، فرأى الرجل يحمل بندقية كلاشنيكوف. وأطلق سيمحا النار عليهم، فسقط رجل وركض الآخران نحو البوابة. وعندما وصل سيمحا بالقرب من البوابة، رأى ما لا يقل عن 12 مسلحا. وقال: "كانوا يصرخون، ويتعانقون، وفرحون، ويصرخون الأوامر".[527]

بدأ سيمحا بإطلاق النار على الرجال وكان قد أفرغ مخزنه بالكامل تقريبا عندما بدأ المسلحون بإطلاق النار، لذا تراجع حتى انضم إليه رجلان من الكيبوتس مسلحان بمسدسات.[528] بدأ الرجال الثلاثة بالقيام بدوريات ورأوا أنه مع أن المهاجمين بدا وأنهم كسروا البوابة، إلا أنهم لم يدخلوا وبدا أنهم يسدون البوابة بسياراتهم.

كما أطلق سكان آخرون من الكيبوتس النار على المهاجمين. في مرحلة ما، أطلق سيمحا والرجلان اللذان كانا معه النار على ثلاثة مهاجمين رأوهم يتجولون، وكان أحدهم يحمل أشياء يبدو أنه أخذها من منازل الكيبوتس، بما في ذلك دراجة هوائية. وقال إن أحدهم أصيب وهرب الآخرون.[529]

قال سيمحا: "بدأ الأمر يتضح أنهم كانوا يفعلون شيئا أكبر بكثير مما توقعنا. كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها الكثير من الأعداء في وقت واحد، ليس واحدا أو اثنين".[530]

قال سيمحا: "بمجرد النظر إلى جثث الإرهابيين، [يمكن رؤية] أنهم كانوا رجالا ضخاما. كانوا يحملون معدات جيدة أو الكثير من المعدات". وقال إن بعضهم كانوا يرتدون ملابس قتالية سوداء، وآخرون يرتدون ملابس شبه عسكرية أو أفرولات رمادية، وأن بعضهم كانوا يرتدون ملابس مدنية. وقال إنه إلى أن سمع رجالا مسلحين لهجاتهم عبرية، وسأله أشخاص بعض الأسئلة، لم يكن يثق في أن أي شخص كان جنديا إسرائيليا.[531]

خرج سيمحا من البوابة في وقت ما، وقال إنه بدا وكأنه في مشهد من "فيلم زومبي لنهاية العالم":

كانت السيارات مدمرة. محترقة. وكانت هناك جثث ممددة على طول الطريق. ما أثار غضبي هو أنه كان من الواضح [بالنسبة لي] أن معظم [القتلى] من المدنيين... كانت هناك سيارات على مدّ النظر. شاهدت جثثا... ممددة في خنادق، جثثا تحترق داخل السيارات. كانت هناك ثقوب رصاص تغطي جميع أجزاء السيارات. كانت هناك عشرات الجثث على يمين البوابة. إلى اليسار، نفس الشيء.

قال سيمحا إنه كان هناك 10 مدنيين قتلى عند البوابة وإن فريق الكيبوتس استعاد في مرحلة ما السيطرة على البوابة. "كان من الواضح [لي] أنهم لم يكونوا مقاتلين، كانوا يرتدون أطواقا وكانوا قد خرجوا للتو من المهرجان. حاولنا أن نفهم ما إذا كان هناك شيء يمكننا فعله من أجلهم. وكان الشيء الوحيد الذي يمكن فعله هو تغطيتهم لكي لا يراهم الناس".

تظهر أربعة فيديوهات من كاميرات المراقبة وفيديو من كاميرا سيارة تم تسجيله بالقرب من المدخل الشمالي لمفلسيم، ونشر على قناة ساوث فيرست رسبوندرز على تلغرام وتم التحقق منه من قبل هيومن رايتس ووتش، المهاجمين وهم يصلون إلى الكيبوتس. الأول، الذي سُجِل حوالي الساعة 6:52 صباحا، وفقا للضوء في الفيديو، يظهر رجلا يرتدي ملابس مدنية يسقط على الأرض بعد إطلاق النار عليه أثناء الركض نحو بوابة الكيبوتس.[532] بينما يرقد الرجل هامدا في بركة من الدماء، يتحرك ما لا يقل عن 13 مقاتلا نحو المدخل الشمالي لمفلسيم من الغرب سيرا على الأقدام. تسير شاحنتان صغيرتان بيضاوان ودراجة نارية نحو المدخل.

يطلق مقاتلان النار على جثة الرجل الذي كان قد أصيب برصاصة سابقا. ويظهر فيديو من كاميرا لوحة قيادة سيارة ومقطعي فيديو من كاميرات المراقبة تم تصويرهما قرب من نفس الموقع بعد حوالي ساعة،، المهاجمين يطلقون النار على امرأة من الخلف أثناء محاولتها الهرب إلى الغرب.[533] ويظهر الفيديو الأخير من كاميرات المراقبة، والذي صُوِّر من نفس الكاميرا عند المدخل الرئيسي للكيبوتس حوالي الساعة 7:42 صباحا، المقاتلين في تبادل لإطلاق النار مع أعضاء فريق الاستجابة السريعة التابع لمفلسيم.[534] ويطلق أحد المقاتلين قذيفة آر بي جي باتجاه البوابة بينما يبدو أن مقاتلا ثانيا يلقي قنبلة يدوية إلى داخل ملجأ قريب. بعد 15 ثانية، يقع انفجار. يدخل المقاتل الملجأ ويسحب شخصا نحو الشارع، ويطلق النار عليه من مسافة قريبة، ثم يضرب الجثة بسلاحه قبل أن يختفي خلف ساتر.[535]

بالإضافة إلى اللقطات من بوابة مفلسيم، تحققت هيومن رايتس ووتش من أربعة فيديوهات تُظهر هجمات على أشخاص على الطريق 232 قرب مفلسيم. في الفيديو الأول المنشور على قناة تلغرام تسمى "طولكرم-أحرار فرعون" (Farounnn)، والذي سجله مقاتل حوالي الساعة 8:45 صباحا، وفقا لتحليل ظلال السيارات، على بعد أقل من كيلومتر من المدخل الشمالي للكيبوتس، يسير مهاجمان بين سيارتين متوقفتين. يمكن رؤية ثلاث جثث، اثنتان على الطريق وواحدة ما تزال داخل سيارة. إحدى الجثث على الطريق يمكن رؤيتها مشتعلة.[536] يظهر فيديو آخر نُشر على إكس وسُجل في نفس الموقع في وقت لاحق من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول جثة أخرى على الأقل على الطريق بجوار المركبات المتوقفة.[537] يُظهر مقطعي الفيديو الأخيرين اللذين نُشرا على إكس وعلى قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، والمسجلان من مركبات على الطريق 232 باتجاه بوابة المدخل الشمالي لمفلسيم، ما لا يقل عن ثلاث جثث أخرى على الطريق بجانب مركبات محترقة ومُصابة بطلقات نارية.[538]

قال يام كوهين (23 عاما) وهو ناجٍ من نير عوز، إن شقيقه إيتاي كوهين (14 عاما) تعرض لهجوم قرب مفلسيم.[539] وكان إيتاي يركب دراجته الهوائية عندما بدأت الهجمات الصاروخية. صعد هو وصديقه زوهار شاحار إلى سيارة آفي، والد شاحار. وفجأة ظهر مسلحون وفتحوا النار على السيارة. وأصيب شاحار في كتفه وأصيب والده في يده. وفقد إيتاي البصر في عينه اليمنى وأصيب بجروح في وجهه. وقال يام: "هناك بقايا رصاصة في مؤخرة رأسه، وكان محظوظا لأنها لم تخترقه".[540]

وقال سيمحا إنه علم أن قنبلتين يدويتين ألقيتا في ملجأ خارج بوابة الكيبوتس وأن ثلاث إناث قُتلن.[541] سُحِب رجل من هناك وأطلقت عليه النار من مسافة قريبة. وقال سيمحا: "لم أدخل الملجأ، لم أكن أريد أن تكون هذه الصورة في ذهني. أردت أن أكون مسيطرا قدر الإمكان. ذهب أحد الرجال وألقى نظرة". أضاف سيمحا إنه مع حلول المساء، بدأ فريق الاستجابة السريعة يتساءل عما إذا كان ينبغي لهم إخراج الجثث من الملجأ. "ثم ألقيت نظرة خاطفة، ساعدتني على فهم ما كان علينا فعله. تمكنت من رؤية ثلاث جثث إناث. يمكنك أن تتخيل كيف بدت بعد انفجار قنبلة يدوية في الداخل".[542]

حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت مفلسيم تعاني من مشاكل في الكهرباء والاتصالات لأن بنيتها التحتية لم تواكب نمو الكيبوتس، وفقا لسيمحا. بعد 10 دقائق من بدء الهجوم، تفاقمت المشاكل، ما جعل التواصل والتنسيق أكثر صعوبة على المهددين. "أصاب [المقاتلون] مولدا، فانقطعت [التغطية]، حتى بالنسبة للخطوط الأرضية".

وقال سيمحا إن سكان الكيبوتس عثروا على أجهزة لاسلكي على جثث المسلحين.

أضاف سيمحا أن المسلحين في مفلسيم يبدو أنهم جاؤوا في ثلاث مجموعات. وشرح أن المجموعة الأولى بدت وكأنها "مجموعة كوماندوس":

"كانوا مجهزين عسكريا، أعني، بالملابس والقفازات، وكل ما يحتاجون إليه". وقال إنهم هاجموا البوابة ثم التفوا إلى جانب آخر من الكيبوتس لمهاجمتهم أيضا. وقال إن المجموعة الثانية كانت "أقل احترافا بعض الشيء" ثم هاجمت المجموعة الأخيرة من الجانب الجنوبي. وقال إنهم تمكنوا من صدهم جميعا، مع أنهم جميعا كانوا يرتدون سترات ويحملون أسلحة.[543]

تذكر سيمحا أنه عند البوابة، اتضح له عند البوابةأن هذا الهجوم "كان شيئا مختلفا ... شيئا كبيرا. كانوا يستهدفون الجميع. ... كان شعور بأنها مذبحة".[544]

قال سيمحا إن أحد أصعب الأشياء التي يمكن رؤيتها هو مدى سعادة المهاجمين: "رأيتهم يضربون كفّا بكفّ في الهواء... ويهتفون ويشجعون بعضهم البعض. كانوا في غاية السعادة. لا يمكنني حتى تخيل هذه الحالة الذهنية".[545] تحدث العديد من الناجين الآخرين من الهجمات في مختلف المواقع عن رؤية المقاتلين مبتهجين ويضحكون ويصرخون بفرح.[546]

كيبوتس نير عام

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس نير عام على الأقل تسعة مدنيين في الكيبوتس وثمانية على تقاطع قريب.

كان عدد سكان كيبوتس نير عام، الواقع في منطقة شاعر هنيغف وعلى بعد حوالي كيلومترين من الحدود مع غزة، 726 شخصا حتى عام 2022.[547]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ناجيَيْن من الهجوم على كيبوتس نير عام وراجعت التغطية الإعلامية.[548] قال الناجون إن ثمانية فلسطينيين، سبعة منهم عمال زراعيين من غزة وسائق حافلة بدوي فلسطيني قُتلوا، وأصيب أربعة آخرون. كما قُتل أحد سكان الكيبوتس الذي كان في المهرجان الموسيقي.[549]

وقال عوفر ليبرمان إنه بعد انطلاق صفارات الإنذار، ألغى ركوب دراجته الهوائية كما كان ينوي. وفي حوالي الساعة 7 صباحا، قال إنه وابنته إنبال (25 عاما)، رئيسة الأمن في فريق الاستجابة السريعة المؤلف من 12 عضوا، "أدركا حجم الحدث وأن هناك العديد من الإرهابيين".[550] وقال إن إنبال استيقظت عندما سمعت صافرة الإنذار:

طُلب منها ببساطة أن توقظ فريق الاستجابة السريعة. قررت إنبال أن تستدعيهم إلى مستودع الأسلحة لأخذ الأسلحة. بعد فترة وجيزة، انقطعت الكهرباء. طلبت إنبال عدم تشغيل المولد الكهربائي، حتى لا يعود بالإمكان فتح بوابة الكيبوتس [الكهربائية]، كان ذلك تصرفا شديد الذكاء منها. تمكنت من فهم ما كان يحدث بسرعة كبيرة.[551]

قال ليبرمان إنه في حوالي الساعة 10:30 صباحا، وصلت قوات الجيش الإسرائيلي لمساعدة فريق الاستجابة السريعة، و"كان هناك قتال كبير بالقرب من مفرخ الدجاج أمام الكيبوتس من جهة الغرب". لاحقا، شاهد بالقرب من المفرخ سيارة بيضاء محطمة بعد أن صدمتها دبابة، بالإضافة إلى دراجة نارية وسيارة قديمة.[552]

                    

قال نبيل البيراوي، وهو فلسطيني من غزة كان يعمل لدى ليبرمان مسؤولا عن بستان ليمون وغريب فروت في نير عام، إنه في حوالي الساعة 6:15 صباحا، قام سائق حافلة بدوي فلسطيني بإنزاله وثلاثة من زملائه في المزرعة في نير عام ثم أنزل سبعة عمال فلسطينيين آخرين في كيبوتس ياد مردخاي القريب، حيث كانوا يعملون أيضا في الزراعة. وبسبب الهجمات الصاروخية، اتصلت ياعيل، صاحبة العمل في ياد مردخاي، بنبيل وأخبرته أن على السائق أن يقلهم جميعا إلى رهط، المدينة القريبة حيث يقيم العمال. وبينما كان نبيل وزملاؤه الـ 10 والسائق يغادرون نير عام، أطلق عليهم شخص في سيارة جيب بيضاء عشرات الرصاصات قبل مواصلة الطريق. وقال نبيل إن السائق وثلاثة من زملائه أصيبوا بجروح طفيفة في الهجوم. ثم عادوا بالسيارة إلى البستان حيث لجأوا حتى حوالي الساعة 6 مساء، عندما جاء ليبرمان والجيش وأجلوهم.

كان شقيق نبيل، هاشم، يدير مجموعة ثانية تضم فلسطينيين من غزة يعملون في مزرعة موز وأفوكادو، على بعد حوالي 500 متر من مزرعة الليمون والغريب فروت. وقال نبيل إنه سمع خلال الهجوم صوت إطلاق نار قادم من ناحية مجموعة شقيقه، لكنه لم يكتشف إلا لاحقا أن المقاتلين عثروا على شقيقه هاشم وزملائه الستة وسائق المجموعة وقتلوهم. لم يكن يعرف بالضبط أين عُثِر على جثثهم، لكن ليبرمان قال إنهم كانوا في حافلتهم التي فيها طلقات نارية، عند مفترق طرق بين نير عام وبساتين الموز.[553]

وقال ليبرمان إنه كانت توجد ثلاث نقاط اشتباك بين أعضاء فريق الاستجابة السريعة الذين كانوا داخل الكيبوتس والمقاتلين الذين كانوا في الخارج: عند البوابة الخلفية للكيبوتس، حيث قُتل أحد المقاتلين؛ وبالقرب من السياج، حيث قُتل مقاتل آخر؛ وفي مزرعة الأفوكادو إلى الجنوب من الكيبوتس، حيث أصيب مقاتل واعتُقِل.[554]

موشاف يشع وموشاف مفتاحيم

هاجمت نفس المجموعة من المقاتلين موشاف يشع وموشاف مفتاحيم أثناء فرار الناس من الهجمات على مهرجان سوبر نوفا الموسيقي إلى الموشافَيْن. وقُتل ثلاثة من أعضاء فريق الاستجابة السريعة من موشاف يشع واثنان من أعضاء فريق الاستجابة السريعة من مفتاحيم في اشتباكات مع المقاتلين في المنطقة.[555] كما قُتل خمسة عمال تايلنديين خلال الهجوم، وقُتل أربعة أو خمسة آخرين أثناء الهجوم، وأُخِذ أربعة أو خمسة آخرين رهائن.[556]

كان يوفال ونعوم رابيا، وهما اثنان من الأشخاص الـ17 الذين، بحسب تقارير، قتلهم المقاتلون في مهرجان "سايداك"، وهو مهرجان موسيقي صغير للموسيقى ترانس أقيم في سهل قرب كيبوتس نيريم، من موشاف يشع.[557]

يبعد موشاف (مجتمع زراعي) يشع في منطقة إشكول، حوالي 5.5 كيلومترات عن الحدود مع غزة، وكان يقطنه 426 شخصا حتى 2022.[558] أما موشاف مفتاحيم المجاور فكان يقطنه 455 شخصا حتى 2022.[559]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع أحد الناجين من موشاف يشع الذي تابع التطورات في مفتاحيم عن كثب، ورجل آخر تعرض للهجوم عند تقاطع قريب، وراجعت التغطية الإعلامية.[560]

قال يوري باتكين (54 عاما)، الذي كان يعيش مع زوجته وأبنائه الثلاثة في يشع، إنهم عندما سمعوا الصواريخ الساعة 6:30 صباحا، ذهبوا إلى غرفتهم الآمنة وبقوا هناك.[561] عندما بدأت الأخبار تتسرب بأن هناك مقاتلين على المفترق الذي يفصل الطريق الرئيسي بين يشع ومفتاحيم، توجهت فرق الاستجابة السريعة من كلا الموشافين إلى هناك.

قال باتكين:

جاء الناس من المهرجان من ذلك الطريق فقتل الإرهابيون بعضهم، لكن الإرهابيين لم ينجحوا في الوصول من المفترق إلينا، رغم أن بعضهم وصل إلى موشاف مفتاحيم من الطرق الجانبية، الطرق الزراعية. بعد ذلك انسحبت فرق الاستجابة السريعة إلى ميفتاهيم لأنها تلقت اتصالات تفيد بوصول الإرهابيين إلى هناك.[562]

وقال باتكين إن خمسة من أفراد فرق الاستجابة السريعة قُتلوا أثناء اشتباكهم مع 20 إلى 30 مسلحا.[563] وحوالي الساعة 1 أو 2 بعد الظهر، وصلت القوات العسكرية الإسرائيلية إلى يشع وإلى قاعدة عسكرية قريبة تعرضت للهجوم. وقال إنه أثناء طرد المسلحين من مفتاحيم، انسحبوا عبر مصنع كبير لتعبئة الفاكهة. وكان يعمل في المصنع عمال أجانب، من بينهم عمال من تايلاند، كانوا موجودين وقت الهجوم.[564] وقال باتكين إن المسلحين "قتلوا خمسة عمال تايلانديين أثناء انسحابهم وأخذوا أربع أو خمس رهائن على الأقل". أُطلِق سراح واحد على الأقل من العمال التايلانديين في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.[565]

وقال باتكين إنه تم إجلاء معظم سكان الموشاف الساعة 3 بعد ظهر يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول أُجلِيَ العمال التايلانديون الذين نجوا في حافلات.[566] وقال باتكين في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني إن مزارعي التجمع اضطروا إلى التخلي عن 70 إلى 80% من أراضيهم الزراعية بسبب الوضع الأمني في أعقاب الهجمات، وبسبب عدم توفر عمال زراعيين.

كيبوتس رعيم

قتل الهجوم المسلح على رعيم مدنيين – تسعة بحسب تقارير – وأخذ المقاتلون شخصا واحدا رهينةً.[567]

بلغ عدد سكان كيبوتس رعيم، الواقع في منطقة إشكول، 422 نسمة حتى 2022.[568] يقع كيبوتس رعيم على بعد حوالي 3 كيلومترات من الحدود مع غزة، وبالقرب من قاعدة عسكرية تحمل الاسم نفسه، والتي تعرضت أيضا لهجوم عنيف في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أدايا كوهين (53 عاما)، وهي من سكان الكيبوتس وكانت حاضرة أثناء الهجوم، وتحققت من 14 فيديو على صلة بالهجوم نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.[569]

قالت كوهين إنها وزوجها وطفليها بقوا في غرفتهم الآمنة وبابها مغلق لمدة 26 ساعة. كانوا يتابعون الأخبار على الكمبيوتر وسمعوا أيضا إطلاق نار وصراخا بالعربية في الخارج.

وفي لحظة معينة، دخل أحد منزلهم. ثم، الساعة 10 أو 11 صباحا، طرق أحدهم باب غرفتهما الآمنة. قالت كوهين: "قالوا إنهم جنود. سألت أي وحدة، فقالوا اسم وحدة باللغة العبرية. قلت: من هو الشخص الذي تتواصلون معه في الكيبوتس؟ ولم يعرفوا الاسم. حاولوا فتح الباب بالقوة، لكننا أبقينا الباب مغلقا وغادروا".

قالت كوهين إنه في وقت ما في المساء، سقطت قذيفة وألحقت أضرارا بسقف الغرفة الآمنة وسخان المياه في الأعلى.

وقالت إنها اكتشفت فيما بعد من قُتلوا أثناء الهجوم، بما في ذلك فاردا حرماتي البالغة من العمر 80 عاما التي قالت إنها وجدت في السرير مصابة برصاصة في الرأس.[570] وقالت إن مقاتلين أطلقوا النار على رجل وصديقته أمام طفليه الصغيرين بعد أن حاولا التصدي للمهاجمين. وقد استخدم طفلهما البالغ من العمر 10 سنوات هاتفه للاتصال بوالدتهما ليخبرها أن والدهما قد قُتل.[571]

تُظهر لقطات كاميرات المراقبة التي تم رفعها على قناة ساوث فيرست رسبوندرز على تلغرام كيف تمكن المقاتلون من دخول رعيم. الساعة 7:54 صباحا، يصل 12 مقاتلا على الأقل إلى المدخل الشمالي للكيبوتس.[572] يجلس رجل في شاحنة بيك آب سوداء أمام البوابة مباشرة، عندما تنعطف ثلاث شاحنات بيك آب بيضاء عند الزاوية ويشرع من بداخلها بإطلاق خمس طلقات على الأقل على الشاحنة السوداء أثناء خروج السائق من المركبة.[573] في فيديو آخر من كاميرا مراقبة نشره مسعفو الجنوب، مسجل بعد بضع دقائق، يسيطر مقاتلون يرتدون ملابس سوداء ومموهة على شاحنة البيك آب السوداء. يتمكنون من فتح البوابة وتدخل أربع مركبات تحمل 16 مقاتلا على الأقل، منها اشاحنة البيك آب السوداء التي تعرضت لإطلاق عليها، إلى الكيبوتس بينما يسير شخصان بجوار المركبات.[574] حوالي الساعة 8:15 صباحا، تُظهر لقطات من كاميرات المراقبة المنشورة على قناة ساوث فيرست رسبوندرز على تلغرام مقاتلين يقتادون ستة أشخاص شمالا كرهائن على ما يبدو، باتجاه بوابة مدخل الكيبوتس.[575]

تحقّقت هيومن رايتس ووتش من خمسة فيديوهات نُشرت على قناة ساوث فيرست رسبوندرز على تلغرام في رعيم. حوالي الساعة 7:30 صباحا، على بعد حوالي 800 متر غرب رعيم وعلى بعد بضع دقائق سيرا على الأقدام جنوب موقع مهرجان سوبر نوفا الموسيقي، شوهد أكثر من 20 مقاتلا على دراجات نارية مموهة ويرتدون زيا عسكريا إسرائيليا على ما يبدو، ويرتدي العديد منهم عصابات الرأس الخضراء المرتبطة بكتائب القسام. وكان المقاتلون قد تجمعوا بين محطتي حافلات على الطريق رقم 242، تفصل بينهما مسافة 120 متر، ولكل محطة ملجأ خاص بها. يُظهر فيديو تحققت منه هيومن رايتس ووتش وتم تسجيله بجوار محطة الحافلات الأقرب إلى الجنوب عدة سيارات متضررة وأربع جثث ممددة على الطريق. تظهر جثة أخرى بين محطتي الحافلات على الجانب الشرقي من الطريق.[576] تُظهر سلسلة فيديوهات تم التحقق منها وتم وصفها سابقا في قسم مهرجان سوبر نوفا الموسيقي مقاتلين في محطة الحافلات الشمالية يلقون قنابل يدوية على الملجأ الذي يحتمي فيه الناس. كما يُظهر فيديو إضافي سُجِّل على بعد 385 متر غرب موقفي الحافلات أفرادا من نفس مجموعة المهاجمين وهم يسحبون جثة امرأة من سيارة على الجانب الجنوبي من الطريق 242.[577]

وخلصت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع إلى ما يلي:

هناك أسباب معقولة للاعتقاد بوقوع عنف جنسي في كيبوتس رعيم، بما في ذلك الاغتصاب. وشمل ذلك اغتصاب امرأة خارج ملجأ القنابل عند مدخل كيبوتس رعيم، وهو ما دعمته شهادات الشهود والمواد الرقمية. داخل الكيبوتس نفسه، في منطقة واحدة قريبة من المدخل، عُثر على جثتي امرأتين على الأقل داخل منزل، على الأرض وعاريتين ومصابتين بطلقات نارية في رأسيهما. تتفق إفادات الشهود التي جُمعت في هذه المنطقة مع احتمال وجود عنف جنسي، ومع ذلك، لم يكن بالإمكان التحقق من ذلك في الوقت المتاح، ويتطلب الأمر مزيدا من التحقيق.[578]

كيبوتس نير يتسحاق

قتل الهجوم المسلح على نير يستحاق مدنيين – سبعة بحسب تقارير – وثلاثةٌ أُخذوا رهائنَ بحسب تقارير.[579]  

كان عدد سكان كيبوتس نير يتسحاق، الواقع في منطقة إشكول على بعد حوالي 3.8 كيلومتر من الحدود مع غزة، 633 شخصا في 2022.[580]

قابلت هيومن رايتس ووتش خمسة ناجين من الهجوم.[581]

قال موشيه روزين (72 عاما)، الذي كان يعيش في نير يتسحاق منذ 1972، إنه في حوالي الساعة 8 صباحا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أدرك هو وزوجته ديانا أن "الأمر مختلف" عمّا اعتادا عليه.[582] وقالت جانيت سويرزنسكي، وهي ساكنة أخرى: "كان الأمر [كما] الألعاب النارية في الرابع من يوليو/تموز [عيد يوم الاستقلال الأمريكي]".[583]

حوالي الساعة 9:30 صباحا، سمعت سويرزنسكي عبر مجموعة واتساب أن هناك "إرهابيين" في الكيبوتس. كان السكان يرسلون رسائل يقولون فيها إنهم يسمعون حديثا بالعربية في الخارج وإن المنازل تتعرض للتخريب.[584] قالت سويرزنسكي: "كان الناس يقولون إنهم يتعرضون للهجوم في منازلهم. كان [المسلحون] يحاولون الدخول إلى الغرف الآمنة. ... كان الأمر مخيفا، كنا نعرف مكان تواجدهم، لأننا نعرف كل منزل [ويمكننا] أن نعرف أنهم كانوا يقتربون، ويمكن أن يدخلوا منزلنا في أي وقت".[585]

حوالي الساعة 10:30 صباحا، سمعت فيفي رويتمان (63 عاما) وشريكها، وقد كانا في غرفتهما الآمنة وكانا قد بدآ أيضا بتلقي رسائل عن اجتياح، أصوات أشخاص يتكلمون العربية وصوت تكسير أشياء في منزلهما.[586] أغلقا باب الغرفة الآمنة بسلسلة. وغادر المهاجمون المنزل عندما لم يتمكنوا من فتحه.

كان موشيه روزين وزوجته أيضا في غرفتهما الآمنة الساعة 11 صباحا، عندما "دخل أشخاص غرباء إلى منزلنا وبدأوا يعبثون بممتلكاتنا". أمسك الزوجان بمقبض الباب بينما كانا يسمعان أشخاصا يتحدثون بالعربية في الخارج.[587]

         

الساعة 11:25 صباحا، أطلق شخص ما النار عبر باب منزل عائلة روزين. اخترقت إحدى الرصاصات يد موشيه اليسرى وخدشت ذراع ديانا اليمنى. قال موشيه: "فتح [المسلحون] الباب... ورأوني مصابا وقالوا: ’سنأخذك إلى غزة‘. قالوا بضع كلمات بالعربية".[588] وتذكر أنه كان هناك خمسة أشخاص يرتدون زيا عسكريا فيه نقشة جلد النمر.[589]

اقتاد مقاتل عائلة روزين إلى فتحة في السياج عند طرف نير يتسحاق، وقالوا للزوجين المصابين بأن يعبروا مع بعض الرجال. قال موشيه:

ظلّ يقول "غزة، غزة" وظللت أنا أقول "مستشفى، إسعاف". كنت مصابا بجروح بليغة وأنزف بغزارة، ثم قلت بلغتي الإنغليزية الرديئة: "نذهب إلى البيت، نذهب إلى البيت". استدرنا ومضينا مبتعدين. كنا متأكدين أنهم سيطلقون النار علينا من الخلف. أعتقد لأننا كنّا مسنان، ربما كانوا قلقين من أن نسقط ونموت متأثرين بجراحنا، أو ربما لم يرغبوا في الكشف عن موقعهم لقواتنا، ولذلك لم ... يطلقوا النار حتى لا يعرف أحد مكانهم.[590]

عاد الزوجان روزين ليجدا منزلهما في حالة من الفوضى والغرفة الآمنة متضررة من الرصاص. تم إجلاؤهما ونقلهما إلى "مستشفى سوروكا" حوالي الساعة 4:30 أو 5 بعد الظهر. وسمعا الكثير من إطلاق النار أثناء مغادرتهما.[591]

خرجت رويتمان في نهاية المطاف من الغرفة الآمنة حوالي الساعة 8 أو 8:30 مساء، بعد أن رفضت التصديق لبضع ساعات أن زوجها، الذي خرج حوالي الساعة 4:30 بعد الظهر، قد عاد برفقة أفراد الجيش الإسرائيلي وليس المسلحين. وقالت إن المسلحين فتشوا غرفة النوم أثناء النهار بحثا عن أشياء لسرقتها على ما يبدو، وحطموا النوافذ والأبواب الزجاجية. أما في الخارج، فقالت: "سُرقت بعض السيارات [ومن المفترض أنها نُقلت] إلى غزة، وتضررت سيارات أخرى. كانوا ينتقلون من منزل إلى منزل مثل الصيادين. إما قتلوا الناس أو أخذوهم إلى غزة، بغض النظر عن أعمارهم".[592]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو من كاميرا مراقبة مؤلف من مقطعين تمت مشاركته على قناة ساوث فيرست رسبوندرز على تطبيق تلغرام. يظهر المقطع الأول مجموعة مكونة من تسعة مقاتلين على الأقل، معظمهم يرتدون زيا مموها ويحملون بنادق حربية، يدخلون البوابة الشرقية لنير يتسحاق الساعة 7:34 صباحا. يبدو أن المقاتلين قد انتقلوا على متن دراجات نارية، حيث تظهر عدة دراجات نارية متوقفة بجانب البوابة. يحاول رجل مسلح بزي مدني دخول مركز حراسة قريب، ويركل بابه مرارا وتكرارا. يُظهر المقطع الثاني من هذا الفيديو، الذي سُجِّل من نفس الموقع بعد ساعة ونصف، الساعة 9:07 صباحا، ما يبدو أنه مجموعة ثانية أكبر من المقاتلين الذين وصلوا إلى نير يتسحاق. بعضهم على دراجات نارية، والبعض الآخر في شاحنة بيك آب بيضاء تظهر خارج البوابة مباشرة.[593]

يُظهر مقطعا فيديو إضافيان من كاميرات المراقبة نُشرا على قناة على تلغرام تدعى710  Slaughter  The وتحققت هيومن رايتس ووتش من صحتهما، هذه المجموعة الثانية من المقاتلين وهم يخوضون معركة بالأسلحة النارية، على ما يبدو مع أفراد من فريق الاستجابة السريعة في الكيبوتس حوالي الساعة 9:10 صباحا. في أحد المقطعين، يظهر شخص ينهار على الأرض، بينما يتصاعد الدخان من حريق قريب. يستمر الشخص بإطلاق النار من سلاحه باتجاه المهاجمين قبل انفجار متفجرة بالقرب منه، وبعد ذلك لا يبدو أنه يتحرك لبقية الفيديو.[594] يُظهر الفيديو الآخر الذي التقطته كاميرا المراقبة، والذي سُجِّل في نفس الوقت من زاوية مختلفة، مقاتلين يرتدون ملابس مموهة ومدنية على حد سواء يطلقون النار من بنادق حربية باتجاه الشخص. وفي النهاية يلقون ما يبدو أنها قنابل يدوية عليه.[595] يدخل سبعة مقاتلين عبر بوابة الكيبوتس بعد 15 دقيقة.[596]

يُظهر فيديو أخير التقط من كاميرات المراقبة ونشرته مجموعة مسعفي الجنوب وسُجل في الساعة 11:21 صباحا، عند البوابة الشرقية للكيبوتس، مقاتلين يقتادون غابرييلا ليمبيرغ وابنتها ميا خارج نير يتسحاق، بحسب تم تحديده من خلال تقارير إعلامية.[597] كانت ليمبيرغ وابنتها رهينتين في غزة حتى 28 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أطلق سراحهما.[598]

وقال مدنيان من نير يتسحاق إن المقاتلين نهبوا المنازل. قال موشيه روزين إنه عندما اقتاده المسلحون هو وزوجته إلى خارج منزلهما، رأى "عربيا يرتدي زيا مدنيا كان ينهب المنزل ويسرق الأشياء".[599] وقالت فيفي رويتمان إنها سمعت من غرفتها الآمنة صوت مسلحين يفتشون في غرفة النوم بحثا عن أشياء لسرقتها، كما قالت إن بعض السيارات قد سُرقت.[600]

كيبوتس نيريم

قتل الهجوم المسلح على نيريم ثلاثة أعضاء من الكيبوتس وزائرَيْن، وأخذ المقاتلون خمسة أشخاص رهائن، بينهم زائر.[601]

ويقع كيبوتس نيريم في منطقة إشكول على بعد نحو كيلومترين من الحدود مع غزة، وكان عدد سكانه 416 حتى 2022.[602] قال السكان إن المقاتلين استهدفوا على وجه الخصوص حيّا بالقرب من السياج الغربي يسكنه في الغالب شباب في منازل قديمة.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات بشأن الهجوم مع سبعة من سكان الكيبوتس وامرأة تعتني بعضو ثامن.

وقد بقي معظم السكان في غرفهم الآمنة أثناء الهجوم، بحسب من أجريت معهم المقابلات. وقال آفي دابوش: "طلبت من الجميع إغلاق مكيف الهواء وإطفاء الأنوار وأن يبقوا صامتين تماما. لم أكن أريدهم أن يعرفوا أننا كنا داخل الغرفة الآمنة. أبقيت قبضتي على مقبض الباب لمدة ثماني ساعات".[603] قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إنه حوالي الساعة 10 صباحا، حلقت مروحية عسكرية إسرائيلية فوق نيريم لكنها لم تبق في المنطقة لفترة طويلة.[604] وصعد أحد أعضاء فريق الاستجابة السريعة إلى إحدى الصوامع في الكيبوتس وساعد المروحية في تحديد الأهداف قبل أن تحلق بعيدا.[605]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو سُجِّل في 7 أكتوبر/تشرين الأول حوالي الساعة 9:20 صباحا، يظهر فيه تسعة مقاتلين على الأقل يرتدون زيا أسود بالكامل ويرتدون ملابس مدنية يتحركون في القسم الشرقي من نيريم. ويحاولون دخول المنازل، ويطرقون الأبواب، وفي إحدى اللحظات، يطلقون النار من بندقية حربية قرب نافذة. يتصاعد عمود كبير من الدخان في الشمال.[606]

كان ألون أنكر في الغرفة الآمنة في منزله مع بناته البالغات من العمر سنتين وست وثماني سنوات.[607] وقال إنه في حوالي الساعة 10:30 صباحا، دخل مسلحون منزلهم وسرقوا محفظته وأشياء ثمينة أخرى، وحطموا العديد من ممتلكات الأسرة، وأخذوا الطعام من البراد. وبعد مرور بعض الوقت، فتحوا باب الملجأ. قال أنكر إنه أطلق النار من سلاحه عندما دخلوا وقتل رجلا أعزل يرتدي سروالا مموها وقميصا أسود. استدار رجلان مسلحان كانا معه وهربا. أراد أنكر مطاردتهما، ولكن عندما ذهب إلى المدخل، رأى أربعة رجال آخرين يرتدون ملابس عسكرية وسترات واقية من الرصاص من بعيد. كان اثنان منهم يحملان بنادق كلاشنيكوف واثنان يحملان قذائف آر بي جي، وهي أسلحة تعرف عليها أنكر. عاد إلى الغرفة الآمنة:

كانت أذناي تطنان بسبب الطلقات النارية، لذلك اضطررت أن أطلب من ابنتي أن تتنبه لصوت أي شخص يعود بينما بقيت طوال الوقت راكعا أمام باب الغرفة الآمنة والسلاح مصوب نحوه. في الوقت نفسه، كنت أرى رسائل من الأصدقاء تقول: "هناك إرهابيون في منزلنا". حاولت إرسال رسائل تحذيرية لأصدقائي في الجانب الآخر من حينا، ولكن [على هاتفي] لم أرَ سوى علامة واحدة بجانب رسائلي [تظهر أن الرسالة قد أُرسلت ولكن لم تُفتح]، لذا افترضتُ أنهم قد أُخذوا أو قُتلوا.

قال إيلي أوزان، وهو أحد أفراد فريق الاستجابة السريعة في نيريم، إنه عندما نظر من النافذة لأول مرة ورأى رجالا يرتدون الزي العسكري على بعد 100 متر من منزله، لم يفهم ما يحدث، إلى أن رأى أن أحدهم يحمل ما قال إنها قذيفة آر بي جي.[608] نبّه أفرادا آخرين من القوة عن طريق رسالة نصية، إلى أن رأى من النافذة ما بين 30 إلى 40 مسلحا يقتربون، معظمهم بلباس مدني. دخلوا إلى منزل جاره. خرج أوزان للقتال إلى جانب أعضاء آخرين من فريق الاستجابة السريعة، وقال إنه رأى جثثا في الشارع، وبقايا متناثرة من القنابل اليدوية المنفجرة، وأضرارا ناجمة عن نيران الأسلحة الصغيرة، وجميع السيارات إما متضررة أو مقتَحَمة أو مشتعلة. ذهب أوزان إلى منزل روي بوبليويل – ابن حانا بيري (79 عاما) وشقيق ناداف بوبليويل (51 عاما)، وكلاهما أخذهما المقاتلون رهينة إلى غزة في ذلك اليوم – ووجده مقتولا بطلق ناري في الرأس.

نظر نمرود حيفيتس من نافذته الساعة 9:20 صباحا فرأى ستة مسلحين يرتدون زيا يحمل علامات النسر يقتادون جارته حانا بيري وابنها ناداف بوبلويل.[609] لدى سلاح الجو في كتائب القسام شعار فيه صقر. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، أُطلق سراح بيري، لكن نداف بوبلويل قُتل في غزة.[610]

وقال أوزان إنه رأى أحد المقاتلين يلقي قنبلة يدوية وسمع صوت انفجارها. عندما كان أوزان وأعضاء فريق الأمن الآخرون يقومون بدورية في الكيبوتس، رأوا حفرا صغيرة على شكل نقاط اعتبرها أوزان متناسبة مع آثار انفجر قنابل يدوية: "لقد أحدثت حفرة في الأرض وكانت هناك جزيئات في كل مكان، وانتشرت مثل سحابة فطر".[611]

يتذكر آفي دابوش من نيريم أنه سمع عبر مجموعة واتساب جماعية من جيرانه إيمي وأورييل لبّان، واللذين كان يبلغ عمر طفلهما الرضيع تسعة أيام، أن "الإرهابي أشعل النار في منزلهما أثناء وجودهما في الملجأ وأنهما كانا يختنقان. كان بعض الأشخاص يخبرونهما أنه لا بأس من فتح النافذة والهروب، لكن آخرين كانوا يقولون إن هناك إرهابيين في كل مكان".[612] بقيت عائلة لبّان في غرفتهم الآمنة، وحملا طفلهما بجوار النافذة ونجوا.[613] وقال دابوش إن المسلحين نهبوا مجوهرات وهواتف وحواسيب محمولة وسيارة جاره في نيريم.[614] كما قال سكان آخرون في نيريم إن المسلحين اقتحموا سيارات وسرقوا أغراضا منها.[615]

وقال سكان من نيريم إن العديد من السيارات وحوالي 27 منزلا في أحد أحياء الكيبوتس أُحرِقت أثناء الهجوم.[616]

كانت ميخال راهاف في غرفتها الآمنة مع أطفالها الثلاثة.[617] وعندما دخل أحد المقاتلين إلى منزلهم، فتح زوجها، وهو شرطي كان يحرس الباب بسلاحه، النار وقتل أحد المهاجمين قبل أن ينسحب إلى الغرفة الآمنة. ثم، "بدأوا بإطلاق النار على الباب، ثم أطلق أحدهم قذيفة آر بي جي على المنزل"، كما قالت. "كان هناك انفجار كبير وامتلأت الغرفة بأكملها بالدخان والبارود. كانت آذاننا ترن، وفقدنا توازننا. ثم سمعنا طلقات نارية تصيب الصفيحة الحديدية على النافذة". تابع المقاتلون طريقهم بعد ذلك. وعندما غادرت راهاف الغرفة الآمنة رأت أن قذيفة الآر بي جي قد دمرت منزلهم، ولم يتبق سوى الغرفة الآمنة سليمة.

تعيش المواطنة الفلبينية كاميل جيسالفا (31 عاما) مع نيتسا حيفتس (95 عاما)، التي لديها مرض "ألزهايمر"، وتقدم لها الرعاية. قالت جيسالفا إنها حوالي الساعة 8 صباحا، بدأت تسمع أصوات أشخاص يقتربون من منزلهم، وهو أحد أقرب المنازل إلى غزة داخل نيريم.[618] في البداية، قالت جيسالفا إنها اعتقدت أن الأشخاص كانوا من القوات المسلحة الإسرائيلية، لكنها ارتبكت عندما أدركت أنهم يتحدثون العربية.

قامت جيسالفا بإحضار حيفتس إلى الغرفة الآمنة، لكن الباب لم يغلق بشكل صحيح – وهو أمر قالت جيسالفا إنها أبلغت به موظفي الصيانة في الكيبوتس قبل عام. وبسبب حالتها، لم تدرك حيفتس الخطر الذي كانتا فيه واستمرت في التحدث بصوت عالٍ طالبة شيئا لتأكله. وخوفا من أن تنزعج حيفتس إذا لم تحضر لها شيئا لتأكله، ركضت جيسالفا إلى المطبخ وسط إطلاق النار لتحضر بعض البسكويت. بعد فترة وجيزة، طلبت حيفتس جهازا طبيا، ومرة أخرى ركضت جيسالفا لإحضاره لها، خوفا من أن تنفعل حيفتس وتلفت الانتباه إذا لم تفعل ذلك.

خلال الساعات القليلة التالية، سمعت جيسالفا مجموعتين من الناس يدخلون ويغادرون المنزل. ثم جاءت مجموعة ثالثة وسمعت أشخاصا يفتحون الخزائن ويحطمون الأشياء. بعد فترة، فتح رجل نحيف يرتدي ملابس مدنية ولا يحمل سلاحا ظاهرا باب الغرفة الآمنة. وصفت جيسالفا ما حدث:

شغّل مصباح هاتفه. استيقظت نيتسا وبدأت تصرخ في وجهه بالعبرية، "لماذا أنت هنا؟ لماذا لا تغلقين الباب يا كاميل. لماذا لا تخرج من هنا!". طلبتُ منها أن تصمت. لو كانت قادرة على المشي لكانت هاجمته. فرفعت يديَّ وقلت: "آسفة يا سيدي، إنها عجوز، لا تعرف شيئا، أرجوك اصبر". هدأ وسألني عن مكان المال، ثم رأى هاتفي. أخذ هاتفي ورأى صورة لي أنا مع ابني. سأل مرة أخرى، "أين المال؟ فتحت محفظتي وسلمته كل نقودي، وقلت له: "هذا كل شيء، لكن أرجوك لا تأخذ جواز سفري وبطاقة إقامتي". كنت هادئة لكنني كنت أرتجف. ثم أدار لي ظهره وسألني بالعبرية: "ماذا لديك هنا؟" وهو ينظر إلى الخزائن. وانتهى به الأمر بالمغادرة. تبعته وقلت: "شكرا لك سيدي، سأغلق الباب الآن". فأومأ برأسه. أغلقتُ الباب، وعانقتُ نيتسا. أحسَّت بخوفي.

أخيرا في الساعة 2 أو 3 بعد الظهر، جاء الجيش الإسرائيلي لإجلاء سكان الكيبوتس تحت إطلاق نار كثيف. دخل الجنود إلى الكيبوتس وانتقلوا من منزل إلى منزل، وتفقدوا الناجين.[619] وبعد حوالي ثلاث ساعات، جمعوا معظمهم ونقلوهم إلى الملجأ في المركز المجتمعيوسط الكيبوتس، حيث ظلوا هناك حتى حوالي الساعة 3 بعد ظهر يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أُجلِي السكان أخيرا من نيريم.[620]

وتحدث السكان عن وفاة دورون ماير (58 عاما) وابنته مور ماير (16 عاما). ووفقا لزوجته وابنته الأخرى، اللتين نجتا من الهجوم وتحدثتا إلى وسائل الإعلام، فقد بقي دورون في غرفة المعيشة في منزلهما يحمل سلاحا لحمايتهما، بينما اختبأت زوجته وابنتاه في الغرفة الآمنة.[621] وقالا إنه قتل العديد من المهاجمين قبل أن يطلق المسلحون النار عليه. ركضت مور لمساعدته فقُتلت أيضا.

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو نُشر على إكس مسجل بعد ظهر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، يُظهر مجموعة من الأشخاص بملابس مدنية. اثنان من الرجال على الأقل يقفان على جثة جندي إسرائيلي ممدد على الأرض بجوار مركبة في نيريم. تتدلى جثة جندي آخر على الأقل من المركبة، ويبدأ الرجال بالزي المدني بسحب الجثة على الطريق. وبالقرب منها رجلان يرتديان زيا مموها. أحدهما يرتدي عصابة رأس خضراء مرتبطة بكتائب القسام.[622]

كيبوتس عين هشلوشا

قتل الهجوم المسلح ما لا يقل عن أربعة أشخاص في كيبوتس عين هشلوشا، بينهم أحد أفراد فريق الاستجابة السريعة.[623] أُحرِق منزلان على الأقل خلال الهجوم، أحدهما منزل قتلت فيه امرأة، وألقى المقاتلون قنابل يدوية إلى داخل المنازل والملاجئ، وفقا للسكان.[624]

بلغ عدد سكان كيبوتس عين هشلوشا، في منطقة إشكول، 353 نسمة حتى 2022.[625] ويبعد نحو 3 كيلومترات عن الحدود مع غزة وكيلومترين عن خان يونس في غزة، وتفصل حقولٌ بين سياج الكيبوتس والجدار الفاصل مع غزة.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع اثنين من سكان الكيبوتس من أعضاء فريق الاستجابة السريعة حول الهجوم الذي استمر ساعات على كيبوتس عين هشلوشا.[626]

قال يوغيف ناثان (37 عاما)، وهو عضو في فريق الاستجابة السريعة، إن الهجمات بدأت حوالي الساعة 6:30 أو 6:45 صباحا. قال: "سمعنا طلقات نارية وصراخا بالعربية، وأدركنا على الفور أننا في خطر".[627] وعندما اتصل بزميل له ليطلب منه الدعم، قال ناثان: "سمعت صوت قتال... شيء ما ينفجر، قذائف آر بي جي وقنابل يدوية، وطلقات متعددة، ثم صمت. أدركنا لاحقا أن تلك كانت لحظة وفاة [عضو آخر في فريق الاستجابة السريعة]".[628]

قال كلاهما إن المهاجمين كانوا يرتدون ملابس مختلفة. وقال ناثان إن العديد من المسلحين، الذين كانوا يرتدون بزات مؤلفة من سراويل وقمصان زيتية، وكان من الممكن أن يظنوهم جنودا إسرائيليين. وقال ساكن آخر وعضو في فريق الاستجابة السريعة إنه رأى المهاجمين يرتدون ملابس سوداء وخوذات وعصابات رأس خضراء. وقال كلاهما إن آخرين كانوا يرتدون ملابس مدنية غير رسمية، حتى أنهم كانوا يرتدون شباشب وبناطيل رياضية. وقال كلاهما إن معظمهم كانوا يحملون أسلحة شملت بنادق كلاشنيكوف وقاذفات آر بي جي. كان ناثان مع عضو آخر من فريق الاستجابة السريعة الذي قال لناثان إنه رأى "ما لا يقل عن 12 رجلا يرتدون زي قوات الدفاع الإسرائيلية وعصابات الرأس ويحملون قذائف آر بي جي وقنابل يدوية وعبوات ناسفة وأسلحة، مسلحين من الرأس إلى القدمين".[629]

أضرم المقاتلون النار في المنازل. وقال ناثان: "كانت المنازل المحترقة هي الأقرب إلى الفتحة في السياج [في الجنوب، والتي دخل منها المهاجمون]. ألقى المهاجمون قنابل يدوية في ثلاثة منازل على الأقل وفي كل ملجأ تحت الأرض. [وجدنا قنابل يدوية غير منفجرة... [بدون] مسامير وبكراتها مفكوكة".

قال ساكن آخر وعضو في فريق الاستجابة السريعة، وقد احتمى بمنزله لأنه لم يكن معه سوى مسدس، إن المسلحين دخلوا حيه في الجنوب وبدأوا بإطلاق النار في كل مكان. ثم بدأوا بإلقاء القنابل اليدوية، بما في ذلك داخل منزله. "كسروا إحدى النوافذ وألقوا متفجرة داخل منزلي. سمعت ذلك وانبطحت على الأرض".[630] لم يصب بالأذى، وشاهد وسمع المسلحين يلقون المزيد من المتفجرات. ثم رأى المنزل المقابل تماما لمنزله، وهو بيت سيلفيا ميرينسكي (80 عاما)، يحترق.[631] فركض إلى منزلها في محاولة لإخراجها من غرفتها الآمنة، لكنه تعرض لإطلاق النار واضطر للعودة إلى منزله. قال ناثان إنه رأى عمال الإنقاذ ينقلون سيلفيا المحترقة بعد انتهاء الهجوم.[632] وقال إنه رأى أيضا امرأة تهرب من منزلها المحترق بالقفز من غرفتها الآمنة والركض حافية القدمين بعد أن سكب المسلحون سائلا قابلا للاشتعال وأشعلوا النار في المنزل.[633]

وقال ناثان إنه رأى أيضا أربعة أكوام من قوارير غاز البروبان الكبيرة في الطرف الجنوبي من الكيبوتس الذي يسكنه. "حاول [المسلحون] وضعها في المنازل. وجدنا [قوارير] موضوعة بجوار المنازل. أطلقوا النار على قوارير البروبان، وبعضها لم ينفجر. وفي بعض الأحيان رموا قنبلة يدوية لتفجير القوارير".

قال ساكن آخر من فريق الاستجابة السريعة إن مسلحين دخلوا منزله خمس مرات. وقال إنه اختبأ في غرفة مختلفة عن أفراد عائلته الذين كانوا في غرفتهم الآمنة. وقال إنه في المرة الخامسة التي دخل فيها المهاجمون منزله، تناولوا الطعام وتحدثوا قبل أن يقرروا المغادرة. وقال إنه أطلق النار وقتل مقاتلا كان يحمل بندقية حربية حاول دخول الغرفة التي كان يختبئ فيها.[634]

وقالت جاكلين غليكسمان، وهي ناجية من عين هشلوشا، لوسائل الإعلام إن مسلحا دخل غرفتها الآمنة وطلب منها أن تصمت ثم أخذ هاتفها وجهازها اللوحي.[635]

وصل الجيش الإسرائيلي إلى عين هشلوشا حوالي الساعة 12:30 أو 1 ظهرا. ألقوا القبض على مقاتل واحد كان يحاول الدخول إلى غرفة آمنة في أحد المنازل. في اليوم التالي بعد الظهر أو في المساء، أُجليت قافلة كبيرة من المدنيين من عين هشلوشا، ترافقها أربع مركبات مسلحة وهليكوبتر. قال ناثان: "كان لدى الناس ساعة واحدة لجمع كل ما يخطر ببالهم. كان لديهم حقيبتين أو حقيبة واحدة وهي لا تكفي. غادروا خلال مهلة قصيرة".[636]

كما أُجلِي في 9 أكتوبر/تشرين الأول 30 شخصا آخرين – 16 إسرائيليا و14 تايلانديا – كانوا قد اختبؤوا في مختلف أنحاء الكيبوتس.[637]

كيبوتس صوفا

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس صوفا ثلاثة مدنيين، بينهم أحد أعضاء فريق الاستجابة السريعة، خلال معارك بالأسلحة النارية استمرت ساعات.

كيبوتس صوفا، وهو في منطقة إشكول، يقع على بعد نحو 2.5 كيلومتر من الحدود مع غزة، وكان يقطنه 223 شخصا حتى عام 2022.[638] بالإضافة إلى ذلك، كان هناك 40 شخصا آخرين في 7 أكتوبر/تشرين الأول في دورة تدريبية للمسعفين.[639]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع رئيس الأمن في فريق الاستجابة السريعة في صوفا وشخص آخر من سكان الكيبوتس، وراجعت تقارير إعلامية حول الهجوم على الكيبوتس.[640]

استيقظ إيليا ناتان ليلينتال، رئيس الأمن في فريق الاستجابة السريعة في الكيبوتس والبالغ من العمر 25 عاما، على صوت صفارات الإنذار الساعة 6:30 صباحا و"أدرك أن الأمر غير عادي". وبعد 15 دقيقة، عندما "تلقى رسالة من غرفة الحرب تقول إن إسرائيل تعرضت للاختراق"، اتصل بأعضاء القوة الثلاثة الآخرين.[641] وبعد فترة وجيزة، سمعوا إطلاق نار. كان ليلينتال على اتصال مع قائد عسكري إسرائيلي أخبره أنه لن تصل أي قوات لدعم فريقه. قال المسؤولون الإقليميون في إشكول ليلينتال ألا يخرج "بسبب الصواريخ".[642]

تُظهر ثلاثة فيديوهات من كاميرا مثبتة على الرأس، تم رفعها على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، مقاتلين على دراجات نارية وفي شاحنات بيك آب يتنقلون من خان يونس إلى صوفا. يُظهر أحد المقاطع مقاتلين، بينهم اثنان يرتديان عصبتَيْ رأس مرتبطتين بكتائب القسام، يخترقون الحاجز شمال صوفا، مستخدمين منحدرات لقيادة مركبات فوق الجزء الإسمنتي من السياج الحدودي.[643] ويظهر في مقطع آخر مهاجمون يصلون إلى الكيبوتس، وشخص يطلق قذيفة آر بي جي على برج اتصالات على بعد بضع مئات الأمتار من صوفا.[644] يدخل ثلاثة مقاتلين، أحدهم يرتدي عصابة رأس خضراء، حوالي الساعة 7 صباحا، ويبدؤون بإطلاق النار.[645]

وقال ليلينتال إنه عندما خرج من منزله، رآه أربعة مسلحين ورفعوا أسلحتهم. وبعد دقائق من ركضه إلى الداخل، سمع صوت إطلاق النار وشاهد مسلحَيْن بجوار سيارة جاره وتبادل إطلاق النار معهما، فقتلهما.[646] كان موتي هاي يسكن بالقرب من المكان، وقال إنه شاهد من النافذة إطلاق النار الذي قتل المسلحين بجوار السيارة، رغم أنه لم يرَ في ذلك الوقت من أطلق النار عليهما.[647]

ثم ارتدى ليلينتال سترته الواقية من الرصاص وخوذته وأعطى جاره سترة احتياطية. قال أعضاء فريق الاستجابة السريعة إنهم سمعوا حوالي الساعة 10 صباحا كلاما بالعربية من بستان خارج الكيبوتس. وعندما اقترب الفريق، رأوا 15 مسلحا.[648] وقال ليلينتال إن ثلاثة منهم ألقوا عليه قنابل يدوية.[649]

استمر إطلاق النار لفترة من الوقت، حيث عاد ليلينتال وآخرون إلى داخل الكيبوتس وأطلقوا النار من الصف الأول من المنازل. وقال ليلينتال: "كان هناك إطلاق نار بلا توقف، وأصيب أحد [أعضاء الفريق] في رأسه وتوفي على الفور. كان والده سائق سيارة الإسعاف، لكن الإرهابيين أطلقوا النار على إطار سيارة الإسعاف".[650]

وتظهر فيديوهات تحققت منها هيومن رايتس ووتش مقاتلين، أحدهم يرتدي عصابة رأس خضراء مرتبطة بكتائب القسام، يتجولون في صوفا ويطلقون النار على المنازل، وعلى إطار سيارة إسعاف فارغة مركونة.[651] يُظهر فيديو مقاتلَيْن يطلقان النار على كلب خارج منزل تم تحديد موقعه الجغرافي على أنه في صوفا.[652] ثم ينقطع الفيديو ليظهر نفس المقاتل ثانية وهو يسرق محتويات براد ويحاول إضرام النار في منزل. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من موقع المنزل، إلا أن ليلينتال تعرف على المنزل وأكد أن الفيديو تم تصويره في صوفا.[653]

من الطابق الثاني من أحد المباني، تبادل ليلينتال وأفراد فريقه إطلاق النار مع مسلحَيْن في الخارج. وقال إنه في الساعة 1 بعد الظهر، وصل ستة جنود إسرائيليين من وحدة لمكافحة الإرهاب، وبعد ساعة وصلت مروحية قام بتوجيهها إلى البستان، حيث "أجهزت على 40 إرهابيا".[654] وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن "الجيش الإسرائيلي أفاد بأنه قتل عشرات المهاجمين في مكان قريب".[655]

وقد تمكن الفريق من المساعدة في إجلاء السكان بعد وصول دبابة إسرائيلية لتأمين مدخل الكيبوتس مدعومة بمروحية.[656]

ومن بين ضحايا الهجوم الثلاثة عوفر إيرز (57 عاما)، الذي قال هاي إنه كان يغادر الكيبوتس عبر البوابة الرئيسية لحظة دخول المسلحين.[657] أطلقوا النار عليه وقتلوه.[658] يوثق فيديو تم التحقق من صحته، سبق وصفهفي هذا القسم، ونُشر على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، اللحظة التي يقتحم فيها مقاتلٌ الكيبوتس حوالي الساعة 7 صباحا. يدخل المقاتل، الذي يصور بكاميرا مثبتة على الرأس، الكيبوتس مع مقاتلَيْن آخرَيْن من القسام، تم التعرف عليهم من خلال عصبة الرأس الخضراء المرتبطة بكتائب القسام. ومع اندلاع تبادل لإطلاق النار، يطلق المقاتلون النار على سيارة تخرج عبر البوابة الرئيسية مع وجود ثقوب في الزجاج الأمامي قبل أن تتوقف.[659] لم تستطع هيومن رايتس ووتش التأكد مما إذا كان إيرز في السيارة.

وقال هاي إن المسلحين أطلقوا النار أيضا على برنارد كووان (57 عاما) وقتلوه.[660] كان يجلس في غرفة المعيشة في ذلك الوقت بينما كانت زوجته في الغرفة الآمنة. يصور مقطع فيديو تم التحقق منه التقطه نفس مقاتل القسام كما في الحالة السابقة، والذي تم التعرف عليه من بندقية الكلاشنيكوف والساعة التي كان يرتديها في معصمه، لحظة إطلاق المقاتل النار مرتين من خلال نافذة على شكل شخص يبدو جالسا على كرسي. يسقط الشخص على الأرض.[661] وقالت هاي إن زوجة كوان كانت ترسل رسائل إلى مجموعة واتساب للكيبوتس تسأل عما إذا كان أي شخص يعرف مكانه، وكانت خائفة جدا من فتح باب الغرفة الآمنة، ولكن لأنه توقف عن الرد عليها، اعتقدت أنه غادر المنزل. ولم تدرك أنه قُتل إلا عندما خرجت من الغرفة الآمنة.

وقال هاي إن الرجل الثالث الذي قُتل هو إيدو هوبارا (36 عاما)، وهو أب لثلاثة أطفال صغار.[662] شرح أن أحد أعضاء فريق الاستجابة السريعة، الذي كان طريح الفراش في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان قد طلب من هوبارا، الذي لديه خلفية عسكرية، أن يحل محله لحماية المجتمع، وأن هوبارا وافق. وقال إن هوبارا قُتل أثناء تبادل لإطلاق النار مع المسلحين وقع في الجزء الشمالي من الكيبوتس في وقت مبكر من اليوم.

كيبوتس كيرم شالوم

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس كيرم شالوم عضوَيْن من فريق الاستجابة السريعة في الكيبوتس، كما أصيب شخص آخر من سكان الكيبوتس بجروح خطيرة.[663]

يبلغ عدد سكان كيبوتس كيرم شالوم، الواقع على الحدود بين إسرائيل ومصر في منطقة إشكول، وعلى بعد 100 متر فقط من غزة، 220 نسمة حتى عام 2022.[664]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع ناجٍ وتحققت من تسعة فيديوهات للهجوم على كيرم شالوم وفيديو لهجوم على قاعدة عسكرية قريبة، كما راجعت تقارير إعلامية.[665]

قال ماتان ج.، وهو من سكان كيرم شالوم وعمره 26 عاما، وإيليا بن شيمول، رئيس فريق الاستجابة السريعة الذي أجرى مقابلة إعلامية، إنهما استيقظا في وقت مبكر من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على أصوات صفارات الإنذار والانفجارات.[666] وقال ماتان ج. إن مجموعة واتساب الخاصة بالسكان سرعان ما ضجت بالرسائل التي تقول: "ابقوا في غرفكم الآمنة، أغلقوا منازلكم، أغلقوا نوافذكم".[667]

وقال بن شيمول لوسائل الإعلام إن مجموعة كبيرة من المسلحين اخترقت جدار الكيبوتس على دراجات نارية، وإن فريقه قتل سبعة منهم. وقال إن المسلحين تجمعوا بعد ذلك في مزرعة للطاقة الشمسية في كيرم شالوم حيث رآهم يحملون قاذفات آر بي جي ورشاشات ميدان وكمية كبيرة من الذخيرة. وتمكن فريق الاستجابة السريعة المكون من ثمانية أفراد، بمساعدة مروحية عسكرية، من صد المسلحين وتفريقهم. وقال في المقابلة إن اثنين من أفراد الفريق قُتلا بالرصاص أثناء محاولتهما إنقاذ عائلة كان المهاجمون يحاولون تفجير غرفتهم الآمنة بعد فشلهم في دخولها.[668]

وقال ماتان ج. إنه أدرك مدى قرب القتال منه حوالي الساعة 10 صباحا، عندما انتقل من الغرفة الآمنة إلى غرفة المعيشة. سمع طلقات بدت له وكأنها صادرة من بنادق إم16 وبنادق كلاشنيكوف. وقال ماتان ج. إنه آوى مسعفا كان يحاول الاستجابة لنداء من فريق الاستجابة السريعة.[669]

حوالي الظهر، بناء على تعليمات من بن شيمول، خرج ماتان ج. والمسعف إلى مركبة لاستعادة جثة أميحاي ويتسن، وهو عضو آخر في فريق الاستجابة السريعة كان قد قُتل.[670] وقال بن شيمول لوسائل الإعلام: "بالطبع، لم نكن نعرف أنه مات حتى تحققنا. كانت لدي بعض المعدات الطبية في سيارتي، على بعد حوالي 20 متر من منزلي. ... إنها منطقة مفتوحة، يمكنك رؤية كل شيء حولها لمسافة 150 متر. كان الوضع مخيفا. كنت أبحث لمعرفة ما إذا كان هناك أي شخص".[671]

تُظهر أربعة فيديوهات نُشرت على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام سجلتها كاميرات يرتديها المقاتلون وتحققت منها هيومن رايتس ووتش مسلحين يرتدون مزيجا من الملابس العسكرية والملابس المدنية يتجمعون عند الفجر ويركبون دراجات نارية من جنوب غزة باتجاه حدود غزة وإسرائيل، ثم الهجوم على الكيبوتس.[672] تُظهر الفيديوهات مقاتلَيْن على الأقل مصابَيْن. ومن المرجح أن هذه المقاطع عُثر عليها على جثث المهاجمين القتلى.[673] وتُظهِر الفيديوهات ما لا يقل عن 24 مقاتلا يمرون عبر حاجز غزة-إسرائيل، عشرة منهم سيرا على الأقدام و13 على متن دراجات نارية. ويظهر 14 مقاتلا وهم يدخلون معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم) سيرا على الأقدام عبر الجزء الغربي من الحاجز الخرساني.[674]

كيبوتس إيرز

أسفر الهجوم المسلح على كيبوتس إيرز عن مقتل أحد أفراد فريق الاستجابة السريعة التابع للكيبوتس وإصابة ثلاثة آخرين على الأقل.[675] وقاد المقاتلون مركباتهم إلى الكيبوتس، وبمجرد دخولهم أطلقوا قذائف آر بي جي وقنابل يدوية.

بلغ عدد سكان كيبوتس إيرز، الواقع في منطقة شاعر هنيغف، على بعد كيلومتر تقريبا من الحدود مع غزة وبالقرب من معبر إيرز، حوالي 616 نسمة في 2022.[676]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع اثنين من أفراد فريق الاستجابة السريعة حول الهجوم على كيبوتس إيرز.

وقال يوسي حداد (44 عاما)، وهو أحد أعضاء فريق الاستجابة السريعة، إنه استيقظ على صوت انفجارات "غير اعتيادية أبدا".[677] وقال أورين ه. (46 عاما) إنه استيقظ على صفارات الإنذار الساعة 6:30 صباحا. واتصل به رئيس فريق الاستجابة السريعة في الكيبوتس ليطلب منه تولي الاستجابة. ثم نظم فريق الاستجابة السريعة نفسه وتفرق على طول سياج الكيبوتس. وبمجرد وصوله إلى مشارف الكيبوتس، رأى أورين ه. سيارتين على متنهما أربعة أشخاص تقتربان. فاتصل بالجيش ليسأله عما إذا كانت هذه قواتهم، فأجابوه "بالتأكيد إنهم إرهابيون".[678]

وكان حداد وصديقه أوري، الذي كان أيضا مسلحا وهوعضو في فريق الاستجابة السريعة، يقتربان من البوابة الخلفية للكيبوتس، عندما سمعا عبر أجهزة اللاسلكي الخاصة بهما أن مركبات تقترب من الكيبوتس. ثم رأوا المسلحين، قال حداد: "رأيت مجموعة من المركبات التي كانوا يتحدثون عنها. فهمت على الفور أن هذه ليست مركبات عادية بها مزارعون أو أشخاص تايلانديين وبدأت بإطلاق النار. اعتقد [أوري] أنها جيشنا، جيش الدفاع الإسرائيلي، وطلب مني التوقف. فتوقفت".[679]

أدرك حداد لاحقا أنه عندما توقف عن إطلاق النار، ترك المسلحون مركباتهم وتوجهوا إلى الكيبوتس عبر البساتين والشجيرات. ثم شن المسلحون هجوما بالأسلحة الصغيرة والقنابل اليدوية، وما قال إنه صاروخ آر بي جي واحد على الأقل، ووضعوا متفجرات على سياج.[680] قال أورين ه. وحداد إن منزلا واحدا على الأقل أصيب بقذيفة آر بي جي.[681]

أثناء الهجوم على إيرز، أصيب صديق حداد، أوري، بجروح في الرأس والساق من شظايا قنبلة يدوية.[682] بعد ذلك، وجد حداد نفسه عالقا في الوقت نفسه بين الاشتباك مع المسلحين وإنعاش أوري، الذي كان ينزف، واستدعاء الإنقاذ.[683]

أنقذ أعضاء آخرون من فريق الاستجابة السريعة حداد وأوري وأخذوهما إلى منزل حوالي الساعة 10 صباحا. ثم أطلق المسلحون قذيفة آر بي جي على المنزل الذي كان يحتمي فيه حداد وأوري وعضوان آخران من فريق الاستجابة السريعة وعائلة مكونة من أربعة أفراد، ما أدى إلى إصابة حداد في العينين والأذنين.[684]

وقال حداد إنه مع استمرار الهجوم، نفدت ذخيرة فريق أمن الكيبوتس ولجأ إلى جمع الرصاص العشوائي الذي سقط واستخدامه.[685]

وقال حداد وأورين ه. إن ثلاثة أشخاص أصيبوا: أوري، وحداد، ورجل يدعى داني.[686] توفي أحد أفراد فريق الاستجبة السريعة الذي أصيب سابقا، أمير نعيم (27 عاما).[687] وقال حداد: "كان أصعب شيء بالنسبة لي في ذلك اليوم هو المرور بجوار جثة أمير".[688]

وقال حداد إن الجيش الإسرائيلي وصل حوالي الساعة 2 أو 3 بعد الظهر ثم قاد بنفسه إلى المستشفى.[689]

وقد تحققت هيومن رايتس ووتش من ثلاثة فيديوهات، اثنان منها حُمّلا في 7 أكتوبر/تشرين الأول على قناة كتائب القسام على تلغرام وواحد على قناة "Palestine Resist" على تلغرام، وهي قناة فلسطينية شهيرة تنشر باللغة الإنغليزية إلى حد كبير، تظهر مقاتلين يخترقون الجدار عند معبر إيرز.[690] ويظهر فيديو مركب من عشرات المقاطع مرفوع على قناة كتائب القسام على تلغرام، كيف هاجم المقاتلون معبر إيرز، واخترقو السياج الفاصل بين إسرائيل وغزة في مواقع متعددة في ساعات الصباح الباكر.[691] يُظهر المقطع الأول انفجارا كبيرا وقع على جدار الحاجز، الواقع إلى الغرب من معبر إيرز. ويُظهر مقطع آخر ثغرة في الجدار، تقع إلى الشرق مباشرة من المعبر. ويُظهر مقطع ثالث مسلحين يتحركون عبر المدخل الرئيسي. وفي مقطع آخر، أسر المقاتلون ثلاثة رجال يرتدون شورتات وتيشرتات. وفي المقطع الأخير، يُقتاد أحد هؤلاء الرجال عبر ثغرة في السياج الفاصل. وفي فيديو شاركته قناة كتائب القسام على تلغرام، يتم اقتياد اثنين من هؤلاء الأشخاص الذين شوهدوا في الفيديو السابق بعيدا. يطلق المقاتلون النار مرتين على رجل ثالث يرتدي شورت ويرقد على الأرض بلا حراك.

كيبوتس ماغن

قتل الهجوم المسلح على كيبوتس ماغن اثنين من أفراد فريق الاستجابة السريعة. أخذ المقاتلون شخصا واحدا رهينةً أثناء الهجوم عُثر عليه ميتا لاحقا بالقرب من نير عوز.[692] كما قتل المقاتلون العديد من المدنيين الآخرين خارج الكيبوتس مباشرة.

بلغ عدد سكان كيبوتس ماغن، وهو في منطقة إشكول على بعد حوالي 4.8 كيلومترا من الحدود مع غزة، 540 نسمة حتى 2022.[693]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ناجيَيْن من الهجوم على كيبوتس ماغن، أحدهما مصاب، والآخر ناج من حادث قريب.[694]

كان باروخ كوهين (72 عاما) مسؤولا عن الأمن في كيبوتس ماغن، وشارك فريق الاستجابة السريعة الذي ينتمي إليه في القتال لسبع ساعات.[695] بعد سماع الكثير من الانفجارات منذ الساعة 6:30 صباحا، كما قال كوهين، صعد إلى تلة بجوار منزله:

رأيت السماء مليئة بالدخان. لم أرَ أشخاصا يركضون أو سيارات. اتصلت بأعضاء فريقي، وارتدينا ملابسنا، وأخذنا أسلحتنا، ثم قاتلنا لمدة سبع ساعات لإبعاد الناس عن كيبوتس ماغن. قتلنا [المسلحين]. كنا نعلم أنه يتعين علينا إبقاء الناس في الكيبوتس على قيد الحياة. لم يدخل أحد كيبوتس ماغن.[696]

أثناء المعركة أصيب برصاصة في ساقه اليمنى، والتي بُتِرت لاحقا.[697]

قال إزي شيمش (64 عاما)، وهو أيضا عضو في فريق الاستجابة السريعة، إن أربعة مهاجمين قُتلوا وأصيب اثنان.[698]

تُظهر لقطات كاميرات المراقبة المنشورة على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام والتي تم تسجيلها على بعد كيلومتر واحد شمال ماغن حوالي الساعة 7 صباحا، مقاتلين يركبون ست دراجات نارية باتجاه الشمال على الطريق 232. يتجهون شرقا بعيدا عن ماغن. وبينما يفعلون ذلك، يطلقون النار مرارا وتكرارا على سيارة عابرة، والتي تبطئ حتى تتوقف بينما تدخل سيارة ثانية في نطاق الكاميرا وتتابع مسيرها.[699] تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى الرجل الذي كان في السيارة الأولى، حمد أبو عرار، وهو بدوي فلسطيني. قال إنه تعرض لإطلاق النار عند التقاطع بينما كانت زوجته فاطمة توصله إلى العمل في موشاف مفتاحيم.[700] وكان ابنهما وعامل من غزة في السيارة أيضا. كان المقاتلون على ست دراجات نارية يقودون على طريق 232 بينما كانت سيارة عرار تنتظر عند التقاطع. أطلقوا النار على سيارته والسيارة التي خلفه. ثم واصل المسلحون السير على الطريق. شارك عرار لقطات من كاميرات المراقبة المنشورة على قناة ساوث فيرست رسبوندرز على تلغرام للتقاطع في الوقت الذي أطلق فيه المسلحون النار على كلتا المركبتين.[701]

أدرك عرار أن إطلاق النار أدى إلى مقتل زوجته والرجل الآخر في السيارة، بالإضافة إلى سائق السيارة الثانية. أخذ ابنه البالغ من العمر ثمانية أشهر، إلياس، الذي كان في المقعد الخلفي واختبأ معه في صندوق توصيل الكهرباء على جانب الطريق. ثم اتصل بالشرطة والجيش، مناشدا إياهم إنقاذه.

على مدار الساعات الخمس التالية تقريبا، وهو ينظر من خلال ثقوب الرصاص في الأبواب المعدنية، قال عرار إنه رأى المقاتلين يستخدمون التقاطع كنقطة انطلاق، حيث كانت مجموعات مختلفة من المسلحين تمر في شاحنات متجهة شمالا، واحدة على الأقل تحمل سلاحا كبيرا مثبتا على ظهرها، ثم تعود بعد ذلك بوقت قصير، وكان هناك رجال على دراجات نارية يحملون ما حدده على أنه بنادق كلاشنيكوف وقاذفات آر بي جي متجهين في اتجاهات مختلفة. ورأى عرار أربعة مقاتلين يحرسون التقاطع وهم يطلقون النار على جندي إسرائيلي وحيد في سيارة ويقتلونه. وقال إنهم أوقفوا رجلين يقودان سيارة أجرة وكانا يصرخان أنهما عربيان. وقال إن اثنين من المقاتلين اقتربا منهما على جانبي السيارة وأطلقا النار على رأسيهما.

وبقي في الصندوق ست ساعات تقريبا، قبل أن تقترب القوات العسكرية الإسرائيلية من التقاطع. وبينما كانت تفعل ذلك، كان أربعة مقاتلين يختبئون خلف صندوق التقاطع، وينتظرون في كمين. ورغم أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على صندوق الكهرباء، إلا أن عرار وابنه نجيا.

تحققت هيومن رايتس ووتش من لقطات إضافية من كاميرات المراقبة، نُشرت على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، سُجِّلت في محطة وقود في جنوب ماغن الساعة 7:50 صباحا. تتكون الفيديوهات من مقاطع من كاميرات المراقبة من داخل وخارج محطة الوقود، وتُظهر على الأقل 14 مقاتلا، بزي مدني وزي مموه، يقتحمون المتجر ويطلقون النار وينهبونه. يرى رجلان، يُشار إليهما في الوصف المكتوب للفيديو أنهما موظفان، المقاتلين يقتربان، ويركضان عبر متجر محطة الوقود ويفتحان غرفة خلفية بمفتاح. ووفقا للوصف المكتوب للفيديو، الذي لم تتحقق منه هيومن رايتس ووتش، اختبأ الموظفان المفترضان في ثلاجة في محطة الوقود حتى وصول المساعدة.[702]

كيبوتس ساعد

لم يسفر الهجوم على كيبوتس ساعد عن أي وفيات أو إصابات بين السكان.[703]

بلغ عدد سكان كيبوتس ساعد، وهو في منطقة سدوت النقب بجوار كفر عزة على بعد حوالي 3.6 كيلومتر من الحدود مع غزة، 838 شخصا حتى 2022.[704]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع الدكتورة جيلي زيفان، وهي من سكان ساعد، عالجت مصابين من تجمعات أخرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول. اعتقدت في البداية أن إطلاق النار الذي سمعته في الساعة 6:30 صباحا هو صوت صواريخ، لكنها قالت إن السكان تلقوا بعد ذلك رسائل لإغلاق منازلهم والبقاء فيها.[705]

قالت زيفان:

نحن كيبوتس متدين. كان يوم السبت، وكان الجميع مشغولين بالاحتفال وقراءة التوراة. ... كان شريكي في فريق الاستجابة السريعة، وغادر في الصباح الباكر. كنا في الغرفة الآمنة مع حفيدَيَّ وأعمارهما سبعة أشهر وثماني سنوات. في مرحلة ما، شغّلنا هواتفنا فبدأنا نتلقى رسائل من بئيري وكفر عزة ورعيم.[706]

لاحقا، تمكنت زيفان من تجميع ما حدث في ذلك اليوم مما قاله شريكها وآخرين في الكيبوتس. قالت إن المسلحين حاولوا دخول الكيبوتس أثناء مهاجمتهم كفر عزة، لكن فرق الاستجابة السريعة صدتهم.[707] ثم في وقت مبكر من بعد الظهر، عاد المسلحون مرة أخرى وصدتهم فرق الاستجابة السريعة مع مجموعة من القوات العسكرية الإسرائيلية مرة أخرى، وشمل ذلك مساعدة من دبابة جاءت من بئيري. وقالت زيفان أن بعض رواد المهرجان وبعض سكان كفر عزة، بما في ذلك بعض المصابين الذين احتاجوا إلى علاج طبي، لجأوا أثناء الهجوم، إلى الكيبوتس. وقالت زيفان إن السكان قدموا الإسعافات الأولية لأولئك الذين لجأوا إلى ساعد، لكن لم يُقتل أو يُصب أحد من داخل الكيبوتس.[708]

زوّد صحفيان هيومن رايتس ووتش بوثيقة باللغة العربية قالوا إن مسؤولين إسرائيليين أخبروهم بأنها تُركت داخل سيارة استخدمها المقاتلون، وهي تحدد خطط الهجوم.[709] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من صحة الوثيقة.[710]

وإن صحت هذه الوثيقة، فإنها تشير إلى أن المهاجمين كانت لديهم معلومات عن الوحدة المسؤولة عن حماية الكيبوتس وكيف كانت تتم حراسته. وتحدد الوثيقة بعض المناطق المهمة في الكيبوتس، مثل السكرتارية، التي تقول إنها "حلقة الاتصال والتواصل بين الجهات الداخلية في الكيبوتس وكذلك مع الجهات الخارجية" و"مصدر معلومات مهم لقواتنا". وتحدد الوثيقة المطبخ و"مكان محصن" بأنها "صاللحة لاحتجاز الرهائن". وتوجه الوثيقة بضرورة "تحييد" الحراس داخل "غرفة الحراسة".

وتفصّل الوثيقة طريقة تنفيذ الهجوم. حيث كان من المقرر أن تسير مجموعتان قتاليتان – أو ما تسميهما  "فصيل مخفض" – يتكون كل منهما من سيارة جيب ذات دفع رباعي وأربع دراجات نارية، في قافلة بطول 125 متر في تشكيل من دراجتين ناريتين يتبعها جيب ثم دراجتان ناريتان. يوضح رسمان توضيحيان التكوين والمسافة بين المركبات، أحدهما للدراجات النارية والآخر لسيارات الجيب، ويشير إلى أنه "سيتم استكمال عدد الجيب بأفراد التخصصات".

تحدد المذكرة المسار، وتسمي الشوارع التي يجب أن يسلكها المقاتلون وأين يخترقون سياج الكيبوتس. وبمجرد دخولهم، تقول الوثيقة، "تقوم المجموعة الأولى بالسيطرة على القاطع الشرقي من الكيبوتس، والمجموعة الثانية بالسيطرة على القاطع الغربي من الكيبوتس وإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية واحتجاز الرهائن (وترحيل جزء لقطاع غزة بسيارات مختلفة)".

كيبوتس ياد مردخاي

لم يسفر الهجوم على كيبوتس ياد مردخاي عن مقتل أو إصابة أي من السكان.[711]

كان ياد مردخاي، في منطقة حوف عسقلان على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من الحدود مع غزة، موطنا لـ 830 شخصا في 2022.[712]

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع إحدى سكان الكيبوتس التي كانت حاضرة أثناء الهجوم.

ولدت رايا باسي (69 عاما)، في الكيبوتس، الذي وصفته بأنه كبير، و"مجتمع مختلط ... فيه الكثير من العائلات الشابة". استيقظت باسي الساعة 6:30 صباحا. قالت، "سمعت إطلاق نار بالقرب من منزلي. أعيش بجوار السياج [و]سمعت قتالا على الطريق رقم 4. كان ذلك حوالي الساعة 8 صباحا. كنت جالسة على شرفتي أشرب القهوة. في البداية، لم أدرك مدى خطورة [الأمر]. كنت في المنزل بينما كان عشرات الفلسطينيين يخرقون السياج".[713]

وقالت باسي، التي كانت تعيش بمفردها وكانت ضمن فريق الأمن، إنها ذهبت بعد ذلك إلى الغرفة الآمنة وبقيت هناك، واتصلت بآخرين حتى يتمكنوا من تنبيه السكان. "لم نكن نعرف بالضبط ما الذي كان يحدث. سمعت أن الإرهابيين كانوا يحاولون الدخول وافترضت أن الجيش سيكون هناك. ولكن بعد ذلك أدركنا أنه كان شيئا مختلفا تماما".

تجمّع سكان الكيبوتس في الملجأ الجماعي الكبير، وذهب فريق الاستجابة السريعة إلى السياج حيث قالت باسي إنه كان هناك حوالي ثماني دراجات نارية. "هناك قاعدة عسكرية عند مدخل الكيبوتس مباشرة. تمكنوا من الاشتباك فورا [مع المسلحين] وهذا ما حمى الكيبوتس. قاتلوا على الطريق بجوار البوابة الرئيسية وبجوار حظيرة الأبقار بجوار البوابة الجنوبية. كان هذا حوالي الساعة 9 أو 10 صباحا".

واصلت باسي مشاركة المعلومات مع السكان الآخرين حتى الساعة 10 ليلا، وبعد ذلك تم إجلاؤهم.

العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي

في إطار الأبحاث لهذا التقرير، حققت هيومن رايتس ووتش في مزاعم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. تم تعريف العنف القائم على النوع الاجتماعي بأنه "العنف الموجه ضد شخص ما بسبب جنسه أو العنف الذي يؤثر على أشخاص من جنس معين بشكل غير متناسب".[714] يؤثر العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل غير متناسب، ولكن ليس حصريا، على الفتيات والنساء.

العنف الجنسي هو نوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد عرّفت منظمة الصحة العالمية "العنف الجنسي" بأنه "أي فعل جنسي، أو محاولة الحصول على فعل جنسي، أو أي فعل آخر موجه ضد الحياة الجنسية لشخص ما باستخدام الإكراه، من قبل أي شخص، بغض النظر عن علاقته بالضحية، تحت أي ظرف كان. وهو يشمل الاغتصاب، الذي يُعرف بأنه الإيلاج القسري جسدا أو بالإكراه بطريقة أخرى في الفرج أو فتحة الشرج بالقضيب أو أي جزء أو جسم آخر من الجسم".[715]

 لم توثق هيومن رايتس ووتش أي حالات اغتصاب، ولكن نظرا للتحديات المنهجية والأخلاقية الموضحة أدناه، فإنها لا تفسر ذلك بأن مثل هذه الحالات لم تحدث.

أسفر بحث هيومن رايتس ووتش عن أدلة على أن أعضاء الجماعات المسلحة الفلسطينية ارتكبوا أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي أثناء الهجمات، بما في ذلك أعمال التعرية القسرية، ونشر صور أضفي عليها الطابع الجنسي على وسائل التواصل الاجتماعي بدون موافقة. ووصف المستجيبون الأوائل والأشخاص الذين يعتنون بجثث القتلى لـ هيومن رايتس ووتش رؤية الجثث في ظروف وملابسات يعتقدون أنها تشير إلى أن المتوفين كانوا ضحايا للعنف الجنسي. وذكر تقرير صادر عن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع أن هذه "أسباب معقولة للاعتقاد بوقوع عنف جنسي مرتبط بالنزاع أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في مواقع متعددة في غلاف غزة، شمل الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، في ثلاثة مواقع على الأقل".

ولم يسمح البحث لـ هيومن رايتس ووتش باستخلاص استنتاجات بشأن الهوية المحددة لمرتكبي هذه الجرائم، أو ما إذا كانت هذه الجرائم قد جرى التخطيط لها من جانب أولئك الذين أمروا بالهجمات.[716] ليس لدينا سوى فهم محدود للنطاق الإجمالي للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتكب أثناء الهجمات. ولأسباب سيتم مناقشتها أدناه، فإن المعلومات المتعلقة بجرائم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتكبة أثناء الهجمات غير كاملة، ومن المرجح أن تظل كذلك. ولكن بغض النظر عن هذه القيود، فإن الضحايا والناجين من هذه الجرائم لهم الحق في العدالة والمساءلة والتعويضات؛ وينبغي للسلطات الفلسطينية والإسرائيلية أن تتعاون مع تحقيق دولي مستقل كامل في هذه الجرائم من جانب الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

يحتوي هذا القسم من التقرير على معلومات تتعلق بالقضية الإجمالية للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء الهجمات ومعلومات بشأن حوادث لم يسبق الإشارة إليها في مناقشة مواقع الهجوم المحددة أعلاه.

وقد حققت هيومن رايتس ووتش في مزاعم العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي، أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من خلال إجراء مقابلات مع المستجيبين الأوائل، والخبراء في العنف الجنسي الذين قدموا معلومات حول السياق، ومراجعة الصور الملتقطة أثناء الهجوم. كما حاولت هيومن رايتس ووتش الاتصال بأشخاص تعرضوا لأعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي أثناء الهجمات أو شهدوها. وقد فعلنا ذلك وفقا لمبادئنا الأخلاقية الداخلية بشأن الموافقة المستنيرة وتجنب إعادة الصدمة.

وعلى الرغم من بذل جهد كبير، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من جمع معلومات قابلة للتحقق من خلال مقابلة أشخاص تعرضوا للاغتصاب أو شهدوا عليه أثناء الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهناك فقط رواية علنية واحدة من شخص تعرض للاغتصاب. ووصف بعض المستجيبين الأوائل الذين قابلناهم العثور على جثث مجردة جزئيا من الملابس أو ملابسها ممزقة، وفي حالة واحدة بقع دم بدت بشمل محتمل متسقة مع جروح في المنطقة التناسلية.[717] وقد استشهدنا بنتائج الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، ولجنة تحقيق الأمم المتحدة، وبعض التقارير الإعلامية.

صرّحت الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع في تقريرها أنه في "التقييم الطبي القانوني" الذي أجراه فريقها للصور التي توثق الهجمات:

تم ملاحظة عدد قليل من الجثث أرجلها متباعدة بشكل واضح. لا يمكن تفسير هذه الوضعيات بشكل كافٍ، على سبيل المثال، بـ "وضعيات ما بعد الوفاة" بسبب الأضرار التي أحدثتها الحروق. وكشفت الصور ومقاطع الفيديو التي تمت مراجعتها عن وجود ما لا يقل عن 20 جثة كشف عن أجزائها الحميمة من الجسم جزئيا أو كليا، مثل الثديين والأعضاء التناسلية، نتيجة لغياب الملابس أو خلعها أو تمزيقها. كما أظهرت ما لا يقل عن 10 جثث مختلفة علامات على تقييد المعصمين و/أو ربط الساقين.

وكتبت الممثلة الخاصة أن "مثل هذا النمط من خلع ملابس الضحايا وتقييدهم، على الرغم من كونه ظرفيا، قد يكون مؤشرا على بعض أشكال العنف الجنسي".

كما وجدت الممثلة الخاصة "معلومات واضحة ومقنعة... استنادا إلى روايات مباشرة من الرهائن المفرج عنهم... بأن العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب الذي أضفي عليه الطابع الجنسي والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، حدث ضد بعض النساء والأطفال أثناء فترة احتجازهم، ولديها أسباب معقولة للاعتقاد بأن هذا العنف قد يكون مستمرا".

تصريحات الحكومة الإسرائيلية وردودها

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ناقش المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية التحقيق الجاري في العنف الجنسي في 7 أكتوبر/تشرين الأول وقال إن التحقيق قد يستغرق ستة إلى ثمانية أشهر.[718] وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، نقلت صحيفة هآرتس عن متحدث آخر باسم الشرطة الإسرائيلية قوله إن الشرطة عَلِمت بـ "عشرات" حالات الاغتصاب التي ارتُكبت ضد النساء والرجال أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[719] وفي يناير/كانون الثاني 2024، نقلت هآرتس عن وحدة التحقيقات العليا في الشرطة الإسرائيلية، "لاهاف 433"، قولها إنها "غير قادرة على تحديد عدد النساء والفتيات اللواتي تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي".[720]

وفي يناير/كانون الثاني 2024 أيضا، أفادت هآرتس أن الشرطة كانت تواجه صعوبة في إيجاد ضحايا الاعتداء الجنسي المرتكب خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وربط روايات الشهود بضحايا محددين. وقالت هآرتس إن الشرطة ناشدت أي شخص لديه معلومات ذات صلة بالموضوع أن يتقدم بها.[721] وفي أبريل/نيسان 2024، أفادت هآرتس أنه لم يتم تقديم أي تهم بالعنف الجنسي خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى المحكمة حتى الآن.[722] ونقلت هآرتس عن وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي في يناير/كانون الثاني 2024 قولها إن خمس نساء ورجلا واحدا "تقدموا بطلب المساعدة بشأن الاعتداء الجنسي خلال الأشهر القليلة الماضية" فيما يتعلق بهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.

أصبحت القضية مسيسة بشكل متزايد، حيث انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول 2023 الاستجابة الدولية، قائلا: "أقول لمنظمات حقوق المرأة، ومنظمات حقوق الإنسان – لقد سمعتم عن اغتصاب النساء الإسرائيليات، والفظائع المروعة، والتشويه الجنسي. أين أنتم بحق الجحيم؟ أتوقع من جميع القادة المتحضرين والحكومات والشعوب أن يرفعوا أصواتهم ضد هذه الفظائع".[723]

وفي فعالية عقدتها البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في نيويورك في ديسمبر/كانون الأول 2023، وصفت امرأة من قوات الاحتياط العسكرية الإسرائيلية مسؤولة عن تجهيز جثث المجندات وعضو في منظمة زاكا تشويها جنسيا لجثث نساء شهدا عليها. وفي نفس الفعالية، عرض مسؤول في الشرطة الإسرائيلية فيديو لمسعف يصف فيه التشويه الجنسي للنساء والرجال على حد سواء.[724]

ردود الأفعال الدولية

بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت لجنة تحقيق الأمم المتحدة ستة طلبات إلى الحكومة الإسرائيلية للحصول على معلومات ودخول إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. قدمت اللجنة هذه الطلبات لتسهيل تحقيقاتها في خروقات القانون الإنساني الدولي وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان المزعومة، بما فيها تلك التي ارتكبت في 7 أكتوبر/تشرين الأول.[725] وفي مارس/آذار 2024، أرسلت اللجنة طلب معلومات آخر تحديدا حول موضوع أفعال الاغتصاب والانتهاكات وأعمال عنف جنسية أخرى تم تنفيذها خلال اعتداء 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك طلب "دليل على أي تعليمات مقدمة إلى الجناة المسؤولين مباشرة عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لتنفيذ مثل هذه الأعمال".[726] لم تستجب الحكومة الإسرائيلية لأي من هذه الطلبات.[727]

في ديسمبر/كانون الأول 2023، أصدرت الهيئة دعوة عامة لتقديم مذكرات بشأن الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي التي ارتكبتها أطراف مسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أو بعده.[728]

وعلى الرغم من عدم قدرتها على دخول البلاد، ورفض المسؤولين الإسرائيليين التعاون مع تحقيق اللجنة وعرقلتهم إياه، بما في ذلك عن طريق منع الموظفين الطبيين وغيرهم من الرد على استفسارات اللجنة، نشرت اللجنة في 10 يونيو/حزيران 2024 تقريرا يشمل النتائج المتعلقة باعتداء 7 أكتوبر/تشرين الأول.[729] يحتوي هذا التقرير على نتائج تتعلق بأعمال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتكبة ضمن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وفيما يتعلق بالعنف الجنسي، يصرّح التقرير: "وثقت اللجنة حالات تشير إلى العنف الجنسي المرتكب ضد النساء والرجال في موقع مهرجان نوفا وما حوله، بالإضافة إلى موقع ناحل عوز العسكري والعديد من الكيبوتسات، بما في ذلك كفر عزة ورعيم ونير عوز".[730] ووفقا للبيان الصحفي للجنة، فإن "اللجنة حددت أنماطا تشير إلى العنف الجنسي وخلصت إلى أن هذه لم تكن حوادث معزولة ولكنها ارتكبت بطرق مماثلة في عدة مواقع ضد النساء الإسرائيليات في المقام الأول".[731]

وفيما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، يقول التقرير: "وجدت اللجنة دلائل تشير إلى أن أعضاء في الجناح العسكري لحركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة ارتكبوا أعمال عنف على أساس النوع الاجتماعي في عدة مواقع في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. لم تكن هذه حوادث معزولة، بل تم ارتكابها بطرق مماثلة في عدة مواقع وعلى يد العديد من الجناة الفلسطينيين".[732]

وكتبت اللجنة أنها "أخذت في الاعتبار عدة مؤشرات للعنف الجنسي عند التوصل إلى نتائجها، مثل تجريد الضحية من ملابسها جزئيا أو كليا، وغياب الملابس الداخلية وكشف الأعضاء التناسلية، بالإضافة إلى تقييد القدمين والمعصمين واليدين، ووضعية الجثة، وعزل الضحية، و/أو ظهور علامات العنف أو القوة على جثة الضحية و/أو المنطقة التناسلية".[733] صاغت اللجنة مناقشتها للعنف القائم على النوع الاجتماعي على أنها تشمل الأفعال التي "تعكس إساءة استخدام واضحة للسلطة من قبل الجناة الذكور وتجاهل الاعتبارات الخاصة وحماية سلامة المرأة واستقلاليتها التي يمنحها القانون الدولي".[734]

قامت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، السيدة براميلا باتن، بزيارة إسرائيل لمدة أسبوع من يناير/كانون الثاني إلى فبراير/شباط 2024 لجمع معلومات حول العنف الجنسي المرتكب في سياق هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[735] ورافقها فريق من الخبراء الذين مكثوا لمدة أسبوع ونصف إضافيين.[736] وفي مارس/آذار 2024، أصدرت تقريرا يتضمن تفاصيل نتائج بعثتها.[737]

في 8 يناير/كانون الثاني 2024، أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا بيانا بشأن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، داعية إلى المساءلة الكاملة والتعاون مع المحققين، مع الإشارة بشكل خاص إلى العنف الجنسي.[738]

معلومات إضافية بشأن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي

تم تضمين المعلومات المتعلقة بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أعلاه في أقسام هذا التقرير التي تناقش الهجمات في موقع سوبر نوفا، وكيبوتس بئيري، وكيبوتس كفر عزة، وكيبوتس ناحل عوز، وكيبوتس رعيم. بينما تم تضمين المعلومات أدناه هنا لأنها غير مرتبطة بأي من المواقع المحددة التي تمت مناقشتها في الأقسام السابقة من هذا التقرير.

يُظهر فيديو نُشر على إكس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وسُجِّل ذلك اليوم حوالي الساعة 10 صباحا، وفقا لتحليل موضع وطول الظلال المرئية في الفيديو، على بعد 150 متر شمال غرب شارع صلاح الدين في شارع مركز شرطة الشجاعية في شمال غزة، المهاجمين يعاملون رهينة أنثى بعنف ويعرضونها علنا. يصور الفيديو سيارة جيب بأربعة أبواب مع العديد من الركاب الذكور. ويظهر أحد الرجال وهو يسحب امرأة من صندوق السيارة، ويجرها من شعرها إلى المقعد الخلفي، ومعه رجل آخر، يجبرها جسديا على الجلوس في المقعد الخلفي للسيارة وهي تقاوم. يحشر الرجل الثاني نفسه بقوة على المقعد بجوارها. يدا المرأة مقيّدتان خلف ظهرها برباط بلاستيكي، ولديها جروح مرئية متعددة في وجهها وذراعها وركبتها وكاحلها. ولديها بقعة دم كبيرة على بنطالها وظهرها. بينما قد يكون ذلك مؤشرا على وقوع عنف جنسي، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد مصدر بقعة الدم.[739]

تحققت هيومن رايتس ووتش من تسعة فيديوهات وخمس صور من غزة وناحل عوز ونير عوز ورعيم وسديروت، نُشرت عبر قنوات مختلفة على تلغرام وعلى موقع "غيتي إمجز"، تصور أشخاصا متعددين قُتلوا أو أُخذوا رهائن ويبدو أنهم جُردوا من ملابسهم. ويشمل ذلك أشخاصا في أماكن عامة عراة جزئيا، بينهم نساء ورجال.[740] وتحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو نُشر على قناة مسعفي الجنوب على تلغرام حيث أجبر الخاطفون أحد الرهائن على خلع قميصه وآخر يُضرب فيه رهينة يرتدي سروالا داخليا فقط.[741] وفي فيديو آخر، يظهر خمسة رهائن في مكان مظلم، وقد مُزِّق قميصا اثنين من الرجال وسحبا فوق أكتافهما أو خُلعا جزئيا.[742] ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من زمان أو مكان تصوير الفيديو بسبب غياب معلومات سياقية.

قد تكون التعرية القسرية – لأي شخص – شكلا من أشكال العنف الجنسي عندما يتم ذلك بهدف الإذلال.[743] هناك تفسيرات أخرى محتملة لكون الضحايا عراة جزئيا أو كليا، بما في ذلك أن الهجمات بدأت حين كان كثيرون نيام؛ أو إجبارهم على خلع ملابسهم لإثبات لمن يحتجزونهم أنهم غير مسلحين؛ أو لأنهم كانوا في مبان مشتعلة وخلعوا ملابسهم بسبب الحرارة أو لتجنب اشتعال ملابسهم.

كما وصفت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها الصادر في يونيو/حزيران 2024، بالإضافة إلى النتائج الخاصة بالموقع التي تمت مناقشتها سابقا في هذا التقرير، نتائج إضافية ذات صلة. وكتبت اللجنة أنه في موقع ناحل عوز المتقدم، "وثّقت معلومات تشير إلى تعرض النساء في الموقع للعنف الجنسي. ويشمل ذلك العثور على الجثث عارية ومعزولة في غرف منفصلة، وتظهر عليها علامات الاعتداء الجسدي والعنف الجنسي".[744] ناقشت اللجنة أيضا جثث النساء التي يتم عرضها كغنيمة بطرق جندرية، والرهائن الإناث اللاتي تعرضن للاعتداء واللمس والتقييد والإجبار على أوضاع حميمة قسرية من قبل المختطفين الذكور.[745]

أصدرت "رابطة مراكز أزمات الاغتصاب في إسرائيل"، وهي شبكة من تسعة مراكز أزمات تعمل في جميع أنحاء البلاد، تقريرا في فبراير/شباط 2024 بعنوان "الجرائم الجنسية في حرب 7 أكتوبر" يوثق أعمال العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.[746] لا يذكر التقرير ما إذا كانت المراكز التابعة لشبكة الرابطة أو ما زالت على اتصال بناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتكب أثناء الهجمات في 7 أكتوبر/تشرين الأول. تذكر مقدمة التقرير أنه وفقا للمبادئ الأخلاقية للمنظمة، فإنهم "يعطون الأولوية لتفضيلات واختيارات الناجين. ... وبالتالي، لا يمكننا أن نقدم في هذه الوثيقة جميع المعلومات والروايات التي وصلتنا بشكل سري".[747]

استشهد مقال لـ هآرتس في أبريل/نيسان 2024 بمعلومات قدمتها منظمتان كانتا تقدمان الدعم النفسي للناجين من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.[748] أفادت إحدى هاتين المنظمتين أنها كانت على اتصال بما لا يقل عن عشرة ناجين قالوا إنهم شهدوا عنفا جنسيا أثناء الهجمات لكن لم يكشفوا عن هذه المعلومات علنا. وقالت المنظمة الأخرى إنه لديها معلومات عن 13 فردا شاهدوا أو سمعوا أعمال عنف جنسي أثناء الهجمات. أوضح المقال أن هآرتس ليس لديها معلومات حول ما إذا كان هناك تداخل بين هاتين المجموعتين من الشهود.[749]

نشرت وسائل الإعلام روايات متعددة حول ملاحظة المستجيبين الأوائل لجثث يعتقدون أنها تحمل آثار اغتصاب وأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي.[750] وجاء في مقال نشرته وكالة رويترز إنه "تم العثور على حالات اغتصاب متعددة من خلال فحص الطب الشرعي للجثث"، نقلا عن ضابط صف احتياطي يعمل في قاعدة عسكرية في الرملة حيث أُحضِرت جثث.[751]

في مارس/آذار 2024، قالت امرأة احتُجزت رهينةً خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول لإحدى وسائل الإعلام إنها تعرضت لاعتداء جنسي أثناء احتجازها.[752] وأبلغت رهينة أخرى، أُفرج عنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لجنة برلمانية إسرائيلية أنها قامت أثناء احتجازها في الأسر بمواساة رهينة أصغر منها سنا أخبرتها أنها تعرضت لاعتداء جنسي من قبل أحد الخاطفين.[753] وتحدثت أم وابنتها كانتا رهينتين معا لوسائل الإعلام عن عدة روايات عن العنف الجنسي قالتا إن رهائن أخريات تعرّضن له قد أخبرنهما بها.[754] وقالت طبيبتان كانتا تعالجان الرهائن المفرج عنهن للصحفيين إن "العديد" من الرهائن من النساء تعرضن للاعتداء الجنسي أثناء احتجازهن من قبل حماس في غزة.[755] كما ذكر أعلاه، فقد وصفت الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع أنها تلقت معلومات تشير إلى تعرض الرهائن للعنف الجنسي بما فيه الاغتصاب.[756] ووصفت إحدى الرهائن المفرج عنهن إصرار أحد الخاطفين الذكور على القول إنه يريد الزواج منها.[757]

وصفت امرأة محتجزة كرهينة لوسائل الإعلام كيف تم نزع ملابسها – البيجامة التي كانت ترتديها وقت الهجوم – عن غير قصد أثناء جرها بعيدا من قبل خاطفيها وخوفها من أن يدفعهم هذا إلى اغتصابها؛ وقالت إنها لم تتعرض للاغتصاب. ووصفت احتجازها بدون رهائن آخرين وحراستها من قبل خاطفين من الذكور فقط "على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع، منذ لحظة وصولي إلى غزة إلى لحظة مغادرتي. ... لا يمكنك الاعتراض على أي شيء – يمكن لذلك أن يكلفك حياتك". وقالت إنها أعطيت حجابا لارتدائه، وهو ما شعرت أنه "حمايتها الوحيدة. ... كنت مُراقَبة ومشاهَدة في جميع الأوقات. لم أكن مختبئة، ولا للحظة واحدة. كان بإمكانهم أن يفعلوا بي أي شيء. كنت عاجزة".[758]

لم تتحقق هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل من الروايات المقدمة إلى وسائل الإعلام.

العقبات التي تحول دون توثيق العنف الجنسي

غالبا ما يكون توثيق العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي، مهمة صعبة. وغالبا ما يواجه الضحايا صدمة عميقة وقد لا يشعرون بأن مناقشة تجاربهم ستؤدي إلى رفاههم. كما تكون غالبا الخدمات المصممة لدعم الضحايا أثناء تعاملهم مع تأثير الاغتصاب غير موجودة أو يصعب الوصول إليها. وغالبا ما تكون استجابات الشرطة لا تأخذ احتياجات ضحايا الاغتصاب بعين الاعتبار وقد يكون من غير المرجح أن تؤدي إلى العدالة.[759]

قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

ما يزال العنف الجنسي ظاهرة غير مرئية، حيث لا يتقدم سوى عدد قليل من الضحايا للحصول على المساعدة أو الرعاية أو العدالة بسبب الشعور بالذنب أو العار أو الخوف من الانتقام أو المحظورات. وفي الحالات التي يقترن فيها العنف الجنسي بالقتل (أو وفاة الشخص)، يمكن التغاضي عن العنف الجنسي أو عدم توثيقه و/أو الإبلاغ عنه بشكل صحيح في إحصاءات الوفيات أو التوثيق الطبي القانوني؛ وغالبا ما تكون الأنظمة الطبية القانونية وخدمات الطب الشرعي ضعيفة أو يتم إضعافها في السياقات الإنسانية.[760]

كما يخشى الناجون غالبا – ويواجهون – وصمة عار عميقة.[761] يشير دليل حول منع وصمة العار المتعلقة بالعنف الجنسي في النزاعات إلى أنه "لا يوجد حد زمني للوصمة وقد يستغرق الأمر سنوات أو عقودا حتى يتقدم شخص ما للإفصاح عما حدث بسبب قضايا مثل الصدمة والخوف".[762]

تساهم هذه العوامل في انخفاض معدلات ضحايا العنف الجنسي الذين يبلغون الشرطة عن الجرائم المرتكبة ضدهم. يمكن للعديد من هذه العوامل أن تؤثر على ما إذا كان ضحايا العنف الجنسي في 7 أكتوبر/تشرين الأول قد تحدثوا أو سيتحدثون عن تجاربهم. لكن الصعوبات المتمثلة في توثيق جرائم العنف الجنسي المرتكبة أثناء الاعتداء في 7 أكتوبر/تشرين الأول تتفاقم أيضا بسبب التعقيدات الإضافية الخاصة بهذا الوضع.

غالبا ما ارتُكبت عمليات القتل بطرق عنيفة للغاية. فالعديد من الجثث التي تم انتشالها كانت محترقة أو مقطعة أطرافها أو ظهرت عليها علامات سوء المعاملة، وبعضها لم يكن من الممكن التعرف عليها.[763] تصف بعض روايات العنف الجنسي تعرض ضحايا الاغتصاب للقتل في ذلك اليوم، وهو ما يجعل الضحايا بالطبع غير قادرين على رواية قصصهم؛ ومن المرجح أن جرائم العنف الجنسي المرتكبة ضد الضحايا الذين توفوا لن تُعرف إلا إذا رآها الشهود وأبلغوا عنها، نظرا لعدم وجود أدلة مادية مذكورة أدناه. كما أن الأشخاص الذين عاشوا العنف الذي ارتُكب في 7 أكتوبر/تشرين الأول غالبا ما يختبرون صدمة عميقة؛ فقد شهد العديد منهم أعمال عنف ارتُكبت ضد أحبائهم، أو فقدوا شركاءهم أو أطفالهم أو والديهم، أو ينتظرون إطلاق سراح الرهائن.

من بين الأشخاص الذين أُخذوا رهائن أيضا أشخاصا شهدوا أو تعرضوا للعنف الجنسي أثناء هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذين لم تتوفر رواياتهم أيضا أثناء أسرهم. بالنسبة للرهائن، قد تكون صدمة الاختطاف والتجارب التي مروا بها أثناء الأسر قد خلقت عوائق إضافية أمامهم لسرد ما مروا به أو شاهدوه في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

جمع الأدلة

خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفي أعقابه مباشرة، كان تركيز المستجيبين للطوارئ على استعادة الأمن، والبحث عن المفقودين، وتحديد هوية الجثث، وتوفير معاملة كريمة لجثث الأشخاص الذين قُتلوا.[764] ولم يجمع المستجيبون الأوائل الأدلة بشكل منهجي لغرض المساءلة المستقبلية، بما في ذلك جمع الأدلة المادية على العنف الجنسي، كما أن الكثير من الأدلة المادية التي ربما كانت موجودة كانت ستتلف بسرعة نظرا لسرعة تحلل الجثث في طقس كان دافئا.[765] وقد أدى التأخير في تمكن المستجيبين من الوصول إلى بعض الجثث بسبب استمرار القتال إلى تفاقم الصعوبات.[766] وأكد متحدث باسم الشرطة في معرض حديثه مع وسائل الإعلام عن العنف الجنسي، أن عدد عمليات التي أجرتها الحكومة كان "صفر".[767] وبالتالي فإن الأدلة التي اعتمدت عليها سلطات الطب الشرعي كانت في معظمها أدلة ظرفية، تستند إلى جثث عُثر عليها بدون ملابس، أو بملابس ممزقة، وفي أوضاع أو إصابات يعتقد البعض أنها تشير إلى إمكانية وقوع العنف الجنسي.[768]

وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع طبيب شرعي مستقل زار موقعين من مواقع الهجمات و"المركز الوطني الإسرائيلي للطب الشرعي" في الأيام التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وأكد أنه لم يتم إجراء أي تحقيقات في مسارح جرائم العنف الجنسي المحتملة، كما لم تُجمع أدلة جنائية من تلك المواقع أو جثث ضحايا العنف الجنسي المحتملين (انظر الفصل "تعامل السلطات الإسرائيلية مع الأدلة في مواقع الهجمات" لمزيد من التفاصيل حول كيفية التعامل مع مسارح الجرائم وجثث الضحايا).[769]

وكان خمسة خبراء في الطب الشرعي حاضرين، وفحصوا الجثث، في قاعدة شورا، حيث تم نقل الكثير من جثث ضحايا الهجمات.[770] ووفقا لـ هآرتس، قام هؤلاء الخبراء بفحص بعض الجثث التي وصلت عارية تماما أو جزئيا بحثا عن علامات اغتصاب؛ ولم تسفر هذه الفحوصات عن نتائج تشير إلى وجود أدلة على العنف الجنسي، ولكن بسبب القدرة المحدودة، دفنت حوالي 75% من الجثث دون أي فحص مختص.[771] وقد أفاد مقال هآرتس نفسه أن فرق الطب الشرعي التابعة للشرطة الإسرائيلية – ستة فرق في كل منها عنصران – أجرت تحقيقات ليلة 7 أكتوبر/تشرين الأول في موقع سوبر نوفا إلى جانب أعضاء زاكا، ولكنها فعلت ذلك في الظلام وفي ظل ظروف أمنية صعبة أدت إلى إجبارهم على إنهاء عملهم قبل الأوان. ولم تقدم هذه الفرق توثيق لحالات العنف الجنسي.[772]

تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الأدلة في مواقع الهجمات

بسبب عدد الضحايا الكبير، لم تجرِ السلطات الإسرائيلية تحليل الطب الشرعي بشكل منهجي لمسرح الجريمة أو فحوصات الطب الشرعي للذين قتلوا في الهجمات. رغم أن هذا الأمر مفهوم نظرا إلى حجم الهجوم، وعدد الضحايا، والرغبة في التعرف على الضحايا وإعادتهم إلى عائلاتهم، إلا أن هذا يشكل عائقا كبيرا أمام المحققين الذين يحاولون تحديد النطاق الكامل وطبيعة مجموعة الانتهاكات التي ارتكبت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والسياق الذي حدثت فيه.

في بعض مواقع الهجوم، اشتبكت القوات المسلحة الإسرائيلية مع مقاتلين فلسطينيين لساعات، وفي بعض الحالات لأيام. وصف أعضاء منظمة زاكا جمع وإزالة رفات ضحايا الهجوم بعد الهجوم مباشرة، قبل إجراء أي تحقيق طب شرعي.

قال آفي درعي (55 عاما) إنه عندما بدأ هو وأعضاء آخرون في زاكا بجمع جثث المدنيين والجنود، تحركوا مع الشرطة والجنود الذين وفّروا الأمن.[773]

قال ناخمان ديكشتاين، وهو عضو آخر في زاكا، إنه وزملاؤه مروا بعشرات الجثث على طول الطريق في رحلتهم بالسيارة من المستشفى في عسقلان، حيث أحضِرت حوالي 200 جثة من موقع مهرجان سوبر نوفا الموسيقي مساء 7 أكتوبر/تشرين الأول. حيثما استطاعوا، وضعوا الجثث في أكياس جثث ونقلوها إلى جانب الطريق. قال إن الأكياس نفدت بسرعة، بعد استخدام الأكياس الـ 60 تقريبا التي أحضروها معهم. قال ديكشتاين إنهم بدأوا بتغليف الجثث ونقلها دون أن يدركوا حجم الهجوم وعدد الضحايا.[774]

انتقل أعضاء زاكا إلى التجمعات في منطقة "غلاف غزة" التي أخليت بشكل كبير من المهاجمين والتهديدات الأخرى ابتداء من 8 أكتوبر/تشرين الأول. أخلى الجنود أولا المباني بفرق التخلص من الذخائر المتفجرة، ثم دخلت زاكا المنازل لإزالة الجثث. خلال الأيام القليلة الأولى، قال أعضاء زاكا إنهم لم يلتقطوا صور.[775] في بعض الحالات، استُدعي مدير الإعلام في زاكا لالتقاط الصور.

قال أحد أعضاء زاكا:

كانت هناك جثث كالرماد في الشواية: عندما تلمس الرماد يتفتت، مثل العظام الجالسة على كرسي، وعندما تأتي لتأخذها تنهار. ما بقي فقط أشياء مثل خاتم أو قلادة. … التقطتُ صورا للوشوم المختلفة والمجوهرات الخاصة لمساعدتنا لاحقا في معرفة صاحب هذا الجثة.[776]

في البداية ركز جمع الجثث على الضحايا. لم تُجمع رفات المهاجمين إلا في وقت لاحق.

أخذت زاكا رفات الضحايا إلى قاعدة للجيش الإسرائيلي استُخدمت كمشرحة.[777] شوِّهت عديد من الجثث أو حُرقت بحيث تعذّر التعرف عليها. استغرق الأمر الأطباء الشرعيين أسابيع للتعرف على بعضهم.[778] أكد طبيب شرعي زار موقعين من مواقع الهجمات و"المركز الوطني للطب الشرعي" الإسرائيلي بعد الهجمات أن أخصائيي الطب الشرعي لم يسافروا إلى مواقع الهجمات لأغراض التحقيق، بسبب ارتفاع عدد الجثث التي تحتاج إلى الفحص خلال فترة زمنية قصيرة جدا، والوضع الأمني ​​الهش في مواقع الهجوم، من بين أسباب أخرى.[779] بدلا من ذلك، أمّن الجيش في البداية مواقع الهجوم، وجمع أعضاء زاكا الرفات البشرية.[780]

قال الطبيب إن المركز الوطني للطب الشرعي أعاد فورا جثث نحو ثلث القتلى إلى عائلاتهم وكانت في حالة جيدة نسبيا. نتيجة لذلك، لم يكن لديهم الوقت في هذه الحالات لإجراء تحقيقات كاملة في أسباب الوفاة والمجموعة الكاملة للإصابات المحتملة التي تعرض لها الذين ماتوا. بالنسبة للجثث المتبقية، أجرى الأطباء في المركز الوطني للطب الشرعي فحوصات طب شرعي محدودة، وهو ما أكده مقال في هآرتس.[781]

بعد الهجوم، بدأت الشرطة الإسرائيلية، والشاباك، والجيش الإسرائيلي بجمع الأدلة، وأخذ إفادات الشهود، واستجواب المقاتلين الأسرى. وفقا لمقال نشرته صحيفة الغارديان أواخر يناير/كانون الثاني 2024، كانت وحدة التحقيقات في الشرطة الإسرائيلية، لاهاف 433، ما تزال تفحص 50 ألف دليل مرئي، و1,500 شهادة شهود.[782]


 

الفصائل المسلحة الفلسطينية المشاركة في الهجوم

قادت كتائب القسام، الجناح المسلح لـ "حركة حماس"، الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول. إلا أن فصائل فلسطينية مسلحة أخرى من غزة شاركت في الهجوم. من خلال تحديد الموقع الجغرافي لـ 47 فيديو وتحليل الشعارات وعصابات الرأس الملونة التي يرتديها المهاجمون فيها وقنوات تلغرام التي نُشر فيها المحتوى، حددت هيومن رايتس ووتش أربع مجموعات مسلحة أخرى على الأقل ضالعة في الهجوم. ادعت مجموعتان إضافيتان عبر قناتهما الرسمية في تلغرام مشاركتهما في الهجوم، رغم أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من مشاركتهما.

الفصائل الفلسطينية المسلحة الخمس التي أكدت هيومن رايتس ووتش مشاركتها في الهجمات هي: كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس؛ و سرايا القدس، الجناح المسلح لـ حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين؛ وكتائب المقاومة الوطنية أو قوات عمر القاسم، الجناح المسلح لـ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين؛ وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح المسلح لـ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ وكتائب شهداء الأقصى المرتبطة سابقا بالفصيل السياسي حركة فتح.

أكدنا مشاركة هذه المجموعات إلى حد كبير من خلال تحليل المهاجمين الظاهرين في الفيديوهات التي التُقطت أثناء الهجمات، بما فيها لقطات كاميرات المراقبة والكاميرات المحمولة على الجسم. شمل ذلك لقطات لبعض المقاتلين وهم يرتدون عصابات رأس ملونة مرتبطة بفصائل مسلحة محددة. كما تضمنت لقطات منشورة في قنوات التواصل الاجتماعي في تلغرام تابعة لفصائل مسلحة محددة تظهر فيها أدلة على الانتهاكات، مع وصف مكتوب يعلن المسؤولية عن أعمال الانتهاكات المصورة.

شاركت كتائب المقاومة الوطنية، وكتائب شهداء الأقصى، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى عددا أقل من مقاطع الفيديو لأفعال أعضائها في قنواتها في تلغرام، ونادرا ما ظهرت في فيديوهات أخرى للهجوم. سُجّل العدد المحدود من الفيديوهات لهذه المجموعات التي حللتها هيومن رايتس ووتش بعد ساعات من بدء الهجوم.

زعمت مجموعتان إضافيتان أنهما شاركتا في الهجوم. نشرت "كتائب المجاهدين" بيانا في قناتها في تلغرام قالت فيه إن مقاتليها قاتلوا إلى جانب كتائب القسام.[783] كما نشرت القناة لقطات يبدو أنها التقطت في 7 أكتوبر/تشرين الأول.[784] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد عصابات الرأس أو الشارات التي تؤكد بشكل مستقل مشاركة المجموعة. نشرت "ألوية الناصر صلاح الدين" في قناتها في تلغرام بيانا يفيد بأن مقاتليها شاركوا في اشتباكات عنيفة داخل إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.[785] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد مشاركتها بشكل مستقل.

من المحتمل أيضا مشاركة مجموعة ثامنة في الهجمات، هي "كتائب الأنصار". يُظهر أحد الفيديوهات التي حللتها هيومن رايتس ووتش رهائن يُنقلون في مقطورة، ويُسمع شخص قرب الكاميرا وهو يصرخ "كتائب الأنصار".[786] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي عصابات رأس أو شارات في الفيديو تؤكد مشاركة المجموعة، كما لم تصدر المجموعة بيانا في وسائل التواصل الاجتماعي يؤكد مشاركتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

مجرد المشاركة في الهجوم على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول لا يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، لكن المقاتلين الذين يمكن تحديدهم على أنهم ينتمون إلى كتائب القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى وكتائب المقاومة الوطنية، جميعهم ارتكبوا انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب، وكذلك الأفراد الذين لم يكن انتماؤهم واضحا، أو المدنيين من غزة الذين شاركوا مباشرة في الأعمال العدائية.

كتائب القسام

كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، هي أكبر الجماعات المسلحة في غزة. جاء في رسالة حماس بتاريخ 14 أبريل/نيسان أن كتائب القسام كانت مسؤولة عن تخطيط وتنفيذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. بالإضافة إلى ذلك، في 12 أكتوبر/تشرين الأول، أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، الذي قُتل في يناير/كانون الثاني 2024، أن كتائب القسام قادت الهجوم وشاركت فيه: "كانت عملية مرتبة، منضبطة، التعليمات فيها من قبل قيادة القسام للإخوة الذين شاركوا في العملية بالهجوم على فرقة غزة [من الجيش الإسرائيلي]". [787]

العلاقة الدقيقة لصنع القرار بين الفروع السياسية الداخلية والخارجية لحماس وكتائب القسام محل نقاش. مع ذلك، لدى كتائب القسام علاقة وثيقة مع الجناح السياسي لحركة حماس، داخل قطاع غزة وخارجه، وهي الجناح العسكري الذي كان تاريخيا مسؤولا عن تخطيط وتنفيذ عمليات محددة، واتخاذ القرارات بشأن التكتيكات التي ستُستخدم لتحقيق استراتيجية أوسع متفق عليها، بالإضافة إلى قيادة قواتها والسيطرة عليها.[788] رغم أن الجناح السياسي يشكل الاستراتيجية الشاملة من خلال عملية تشاورية مع دوائر الجماعة، بما فيها كتائب القسام، فإن الجناح السياسي ليس بالضرورة على علم بالتفاصيل التكتيكية أو العملياتية لأي عملية محددة ستنفذها كتائب القسام.[789] نظرا لحجم العملية، بعض أعضاء القيادة السياسية، وخاصة في قطاع غزة، كان من الممكن أن يكونوا على علم بخطط هجوم واسع النطاق، إن لم يكن على علم بتفاصيل العملية.[790]

تواجد الفصائل المسلحة أثناء الهجوم

يؤكد المحتوى المتداول في قنوات تلغرام التابعة للفصائل المسلحة وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي أن كتائب القسام كانت الفصيل الأكثر نشاطا. تعرفت هيومن رايتس ووتش على مقاتلين يرتدون ملابس مرتبطة بكتائب القسام في 39 فيديو في 14 موقعا، بما فيها: بئيري، صوفا، معبر إيرز، عين هشلوشا، كيرم شالوم، رعيم، مهرجان سوبر نوفا الموسيقي، سديروت، ألوميم، كيسوفيم، نيريم، ناحل عوز، كفر عزة، وقاعدة بيغا العسكرية. يُظهر المحتوى مقاتلي كتائب القسام وهم يقتلون المدنيين عمدا، ويأخذون رهائن، ويشعلون النار في المنازل، معظمها في الصباح الباكر من 7 أكتوبر/تشرين الأول. تُظهر تسعة فيديوهات أيضا كتائب القسام تقود الهجمات التي تخترق السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، وتستهدف مواقع عسكرية قرب كيرم شالوم وصوفا ونيريم ومعبر إيرز وقاعدة بيغا العسكرية، وتهاجم قوات الأمن الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، تحققت هيومن رايتس ووتش من أربعة فيديوهات تشير إلى مشاركة مقاتلي كتائب القسام في الهجمات على نير عوز، وقاعدة ناحل عوز العسكرية، وشاطئ زيكيم. لا تُظهر هذه الفيديوهات بوضوح المهاجمين وهم يرتدون زي الفصيل، ولكنها نُشرت في قناة تلغرام الرسمية لكتائب القسام، ما يشير إلى ضلوع المجموعة في تلك الحوادث. تُظهر مقاطع الفيديو الأربعة جميعها مهاجمين يخترقون الدفاعات الإسرائيلية، أو يهاجمون القواعد العسكرية الإسرائيلية، أو في حالة شاطئ زيكيم، ينزلون قوارب على الساحل الإسرائيلي.

يبدو أن سرايا القدس ضالعة في الاختراق قرب ناحل عوز. تحققت هيومن رايتس ووتش من مقطعَيْ فيديو نُشرا في قناة تلغرام التابعة للجماعة المسلحة، يظهران مقاتلين يرتدون ملابس مدنية مع عصابات رأس تحمل إشارة سرايا القدس يطلقون صاروخا موجها مضادا للدبابات باتجاه السياج الحدودي ويدخلون القاعدة العسكرية الإسرائيلية قرب ناحل عوز حوالي الساعة 9:30 صباحا، وفقا لـ للظلال الظاهرة في الفيديو.[791] يظهر مقطعا فيديو آخران سُجِّلا لاحقا في ذلك الصباح ونُشرا في قناة تلغرام نفسها، مقاتلي سرايا القدس وهم يأخذون ثلاثة رهائن مدنيين من نير عوز، بالإضافة إلى رهينة أخرى من ناحل عوز.[792]

اعترفت بعض الجماعات المسلحة صراحة بوجود قواتها في مواقع هجمات معينة بنشر رسائل في قنواتها الرسمية في تلغرام. في هذه الحالات بالذات، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد هذه الادعاءات، لأننا لم نر أي لقطات تدعم ذلك. أصدرت كتائب القسام بيانات تربط قواتها بالهجمات على أوفاكيم وحوليت.[793] نشرت سرايا القدس رسائل في قناتها في تلغرام حول ضلوعها في الهجمات على سديروت وكفر عزة وكيسوفيم.[794] زعمت كتائب شهداء الأقصى في قناتها في تلغرام أن مقاتليها اقتحموا كيسوفيم وصادروا أسلحة. [795] كتبت كتائب المقاومة الوطنية في قناتها في تلغرام أن مقاتليها اشتبكوا في مواجهات في بئيري وكيرم شالوم وكفر عزة وكيسوفيم.[796]

حددت "بي بي سي" الفصائل المسلحة الخمس ذاتها على أنها شاركت في الهجوم، استنادا إلى عصابات الرأس التي كان يرتديها عناصرها وعلى محتوى القنوات التابعة للفصائل في تلغرام يوم الهجوم: كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وكتائب المجاهدين، وكتائب المقاومة الوطنية أو قوات عمر القاسم.[797]

حددت بي بي سي مجموعة سادسة هي كتائب المجاهدين، والتي شاركت مقطع فيديو في قناتها الرسمية في تلغرام يُظهر الدمار في معبر إيرز، وقاعدة عسكرية على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب غرب ناحل عوز.[798] مع ذلك، لا يُظهر هذا الفيديو المهاجمين وهم يرتدون زي كتائب المجاهدين. مثل الفيديوهات التي نشرتها كتائب المقاومة الوطنية وكتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، سُجِّلت المقاطع التي شاركتها كتائب المجاهدين بعد ساعات من بدء الهجوم.

التنسيق بين الفصائل المسلحة

انضم المقاتلون إلى الهجوم في موجات. وفقا لصحيفة "الشرق الأوسط" العربية ومقرها لندن، نقلا عن مصادر لم تسمها، بعد دخول موجة أولى من مقاتلي كتائب القسام المدربين تدريبا عاليا إلى إسرائيل، أصدر قائد كتائب القسام تعليمات إلى الفصائل المسلحة الأخرى بالمشاركة، وكلف كل مجموعة بمهام محددة.[799] بالإضافة إلى ذلك، 10 فصائل فلسطينية مسلحة، منها تلك التي وثقت هيومن رايتس ووتش مشاركتها في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، هي أعضاء في "غرفة العمليات المشتركة". بحسب أيمن نوفل، وهو قائد في كتائب القسام تحدثت معه "الجزيرة نت" في يونيو/حزيران 2023، فإن غرفة العمليات المشتركة تتشاور مع الجماعات المسلحة وتنسق معها قبل الهجمات وأثنائها بشأن كافة تفاصيل العمل العسكري.[800]

في حالتين، حددت هيومن رايتس ووتش أفرادا يرتدون عصابات رأس ذات ألوان مختلفة، بالإضافة إلى شارات على الذراعين، في ساعات الصباح الباكر من 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما يشير إلى أنه ربما كان هناك بعض التنسيق بين الفصائل المسلحة منذ بداية الهجمات ذلك اليوم. في فيديو تم التحقق منه ونشرته "القناة 12"، يظهر مقاتلون من كتائب القسام، يرتدون عصابات رأس خضراء، يمرون عبر ثغرة قرب صوفا في مركبات، وعلى الأقدام خلال الساعة الأولى من الهجوم، بحسب ضوء الصباح الباكر في الفيديو.[801] يمكن رؤية شخص يرتدي عصابة رأس حمراء وهو يسير بجوار أحد مقاتلي القسام. بالمثل، تُظهر حالة ثانية مقاتلي القسام قرب المدخل الرئيسي في بئيري حوالي الساعة 7 صباحا وفقا للطابع الزمني في لقطات كاميرات المراقبة.[802] يمكن رؤية شخص يرتدي عصابة ذراع حمراء، إلا أنه لا توجد علامات تعريف محددة مرئية لتأكيد الانتماء إلى أي فصيل. من بين الكتائب السبع التي شاركت على ما يبدو في الهجمات، كتائب الشهيد أبو علي مصطفى وكتائب المقاومة الوطنية هما الفصيلان الوحيدان المعروفان بارتداء عصابات الرأس ذات اللون الأحمر. إلا أنه في كلتا الحالتين، لم تسمح جودة الفيديو أو موقع الفرد بالنسبة للكاميرا بتأكيد أي علامات تعريف محددة للتأكد من الانتماء إلى أي فصيل.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد حجم التنسيق بين الفصائل من خلال المعلومات المرئية، قبل وأثناء الهجمات التي أعلنت جماعات مسلحة مختلفة مسؤوليتها عنها. إلا أن القنوات الرسمية في تلغرام التابعة لسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وكتائب المجاهدين، وكتائب المقاومة الوطنية تداولت رسائل تفيد بأن أعضاءها عملوا إلى جانب كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول.[803] كما أن مجموعة أخرى لم تظهر في المحتوى الذي يعرض الهجمات، وهي ألوية الناصر صلاح الدين، قالت إن أعضاءها عملوا مع كتائب القسام.[804]

زي المقاتلين وأسلحتهم وعتادهم

قال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن المشاركين في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول كانوا يرتدون مزيجا من الزي المموه، أو الزي الأسود أو الزيتي، أو الزي العسكري الإسرائيلي أو نسخة منه. قال معظمهم إن المقاتلين كانوا يرتدون سترات سوداء تستخدم لحمل الذخيرة والمعدات، التي افترض كثيرون أنها دروع واقية. تُظهر مقاطع الفيديو التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش مهاجمين يرتدون أنماطا مموهة مختلفة باللون الأخضر والبني والأسود، أو زيا بلون واحد هو الأخضر أو البني أو الأسود، وسترات خضراء أو بنية أو سوداء. وكان عديد من المقاتلين يرتدون ملابس مدنية وسترات ويحملون حقائب ظهر. تنوعت الملابس داخل المواقع وفيما بينها.

تحققت هيومن رايتس ووتش من خمسة فيديوهات تُظهر مقاتلين يرتدون الزي العسكري الإسرائيلي قرب كيسوفيم ورعيم.[805] لا تحظر قوانين الحرب ارتداء زي الخصم إلا أثناء المشاركة في الهجمات أو لحماية أو إعاقة العمليات العسكرية، وهو ما من شأنه أن يحدث أثناء الهجمات التي شنتها الفصائل المسلحة.[806]

قال جميع الذين تمت مقابلتهم إن المقاتلين كانوا يحملون بنادق كلاشنيكوف وقنابل يدوية. قالوا إن الفصائل المسلحة استخدمت مركبات مختلفة، وقال معظمهم إنهم رأوا شاحنات بيضاء أو دراجات نارية. قال بعضهم إنهم رأوا مركبات فيها رشاشات ثقيلة مثبّتة في الخلف.[807] يدعم تحليل هيومن رايتس ووتش للفيديوهات التي تظهر أسلحة المقاتلين ووسائل النقل هذه الشهادات. طراز السلاح الأكثر ظهورا في الفيديوهات هو بنادق كلاشنيكوف. شوهد المقاتلون وهم يستخدمون القنابل اليدوية وقذائف الآر بي جي. تُظهر عديد من الفيديوهات أيضا أسلحة رشاشة محمولة أو مثبتة على مركبات المهاجمين. تظهر الفيديوهات المقاتلين وهم يتنقلون في شاحنات بيضاء وعلى دراجات نارية. كما نفّذ المقاتلون هجمات في قوارب متجهة من ساحل غزة إلى الساحل الإسرائيلي، وكذلك بالطائرات الشراعية الآلية.

ملخص الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول

وجدت هيومن رايتس ووتش أنه في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكبت كتائب القسام وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة عديدا من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي – قوانين الحرب – أثناء الهجمات على المدنيين في إسرائيل. نفذت الفصائل هجمات متعمدة وعشوائية على المدنيين والأعيان المدنية، وعمليات قتل غير مشروع، وتعذيبا ومعاملة قاسية، وعنفا جنسيا وعنفا على أساس النوع الاجتماعي، وتشويه الجثث ونهبها، واحتجاز الرهائن، وتدمير ممتلكات المدنيين، والنهب.

كما كانت الفصائل الفلسطينية المسلحة مسؤولة أيضا عن مهاجمة وسائل النقل الطبية، واستخدام الدروع البشرية.

أولئك الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات الجسيمة بقصد إجرامي مسؤولون عن جرائم حرب. خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الفصائل الفلسطينية المسلحة ارتكبت الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في القتل العمد والسَّجن بحق مدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، في انتهاك للقواعد الأساسية للقانون الدولي. ارتُكبت جريمتَي القتل العمد والسَّجن غير القانوني "في سياق هجوم منهجي وواسع النطاق ضد مجموعة من السكان المدنيين"، تنفيذا لسياسة تنظيمية تقضي بالتخطيط لأعمال إجرامية متعددة وارتكابها، وتشمل القتل العمد والسَّجن غير القانوني.

بناء على الأدلة المبينة في هذا التقرير، تدعو هيومن رايتس ووتش إلى التحقيق في جرائم أخرى ضد الإنسانية، بما فيها الإبادة، والاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي، والاضطهاد. مثل هذه الأعمال الإجرامية المرتكبة في 7 أكتوبر/تشرين الأول ستشكل جرائم ضد الإنسانية في حال كانت جزءا من هجوم موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.

المسؤولية الجنائية

يبدو أن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها مقاتلو كتائب القسام وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت بتوجيهات إن لم تكن بأوامر من قادة كبار. خطط كبار قادة كتائب القسام لأخذ رهائن وقتل المدنيين وإساءة معاملتهم – وفعل المقاتلون ذلك.

يمكن أن يكون ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أساسا للمسؤولية الجنائية الفردية ليس فقط في المحاكم المحلية في البلد الذي وقعت فيه الجرائم، ولكن أيضا في المحاكم والهيئات القضائية الدولية، وكذلك في محاكم الدول الأخرى بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.[808] تتجاوز المسؤولية الجنائية الفردية الذين ينفذون الأفعال لتشمل الذين يأمرون بالجريمة، ويساعدون عليها، ويسهلونها، ويعينون عليها، ويحرضون عليها. بموجب مبدأ القيادة أو مسؤولية الرئيس، يمكن تحميل المسؤولين العسكريين والمدنيين حتى قمة التسلسل القيادي المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم عندما يكونون على علم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بارتكاب مثل هذه الجرائم ولكن لم يتخذوا إجراءات معقولة لمنع ارتكاب الجرائم أو معاقبة المسؤولين عنها.

أكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه، منذ مارس/آذار 2021، يُجري مكتبه تحقيقا في جرائم الفظائع المزعومة المرتكبة في غزة والضفة الغربية منذ العام 2014، وأن لمكتبه الولاية القضائية على الجرائم المرتكبة في الأعمال العدائية الحالية بين إسرائيل والفصائل المسلحة الفلسطينية التي تشمل السلوك غير القانوني من قبل جميع الأطراف.[809]

في 20 مايو/أيار 2024، أعلن خان أنه يسعى إلى استصدار أوامر اعتقال ثلاثة من قادة حماس، هم قائد حماس في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد دياب إبراهيم المصري، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، واثنين من القادة الإسرائيليين، هما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت.

فيما يتعلق بقادة حماس الثلاثة، قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه على أساس الأدلة التي جمعها مكتبه وفحصها، لديه أسباب معقولة للاعتقاد بأنهم يتحملون مسؤولية جنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت على أراضي إسرائيل وفلسطين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على الأقل.[810]

إطار الجرائم ضد الإنسانية

الجرائم ضد الإنسانية جزء من القانون الدولي العرفي، ودُوِّنت في ميثاق "محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية" عام 1945. كان الغرض ذلك حظر الجرائم "التي إما بسبب حجمها ووحشيتها، أو بسبب عددها الكبير، أو بسبب تطبيق نمط مماثل ... عرضت المجتمع الدولي للخطر أو صدمت ضمير البشرية".[811] منذ ذلك الحين، دُمج هذا المفهوم في عدد من المعاهدات الدولية والأنظمة الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية، بما فيها "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية". التعريف الموجود في نظام روما الأساسي، والذي ينطبق على الجرائم المرتكبة في فلسطين وعلى أيدي مواطنين من فلسطين، يشمل مجموعة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عن علم بالهجوم.[812]

يُعرّف نظام روما الأساسي "الهجوم الموجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين" بأنه نهج سلوكي يتضمن الارتكاب المتكرر لأفعال متعددة تُعرف بأنها جرائم ضد الإنسانية (مثل القتل) ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب مثل هذا الهجوم، أو تعزيزا لهذه السياسة.[813] ليس بالضرورة أن تشكل الأفعال هجوما عسكريا. يتطلب عنصر السياسة أن تبادر الدولة أو المنظمة إلى تعزيز أو تشجيع مثل هذا الهجوم ضد السكان المدنيين، أو، في ظروف استثنائية، أن تتعمد عدم اتخاذ إجراءات بهدف تشجيع الهجوم.[814]

لا تشمل الجرائم ضد الإنسانية إلا الانتهاكات المرتكبة كجزء من هجوم موجه ضد السكان المدنيين. طالما أن السكان المستهدفين هم من ذوي الطبيعة المدنية في الغالب، فإن وجود بعض المقاتلين لا يغير تصنيفهم على أنهم "سكان مدنيون" من الناحية القانونية.[815] بل من الضروري فقط أن تكون مجموعة من السكان المدنيين الهدف الرئيسي للهجوم.

يجب أن يكون الهجوم على السكان المدنيين الذي يشكل جرائم ضد الإنسانية إما واسع النطاق أو منهجيا؛ لا يلزم أن يكون كلاهما.[816] يشير مصطلح "واسع النطاق" إلى حجم الأفعال أو عدد الضحايا. تعتبر هيومن رايتس ووتش الانتهاكات الجسيمة العديدة التي ارتكبها مقاتلو كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول "واسعة النطاق" وجزءا من عمليات أوسع تشكل جرائم ضد الإنسانية. وقوع حادثة واحدة من عمليات القتل واسعة النطاق، مثل المجازر التي تعرض لها المدنيون في 7 أكتوبر/تشرين الأول، يمكن اعتباره في حد ذاته هجوما واسع النطاق.

عند تحديد إذا كانت الأعمال الإجرامية ارتكبت "في سياق هجوم" موجه ضد سكان مدنيين، أشارت المحكمة الجنائية الدولية إلى أن الاعتبارات ذات الصلة تشمل خصائص الأعمال وأهدافها وطبيعتها وعواقبها، وقربها الزمني والجغرافي. الأعمال المعزولة أو العشوائية التي لا تشكل جزءا من الهجوم لا ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

طبيعة الانتهاكات، وطابعها الواسع النطاق، وتواترها (ولا تنحصر بتصرفات أفراد قوات الأمن) تشكل العوامل ذات الصلة لتقييم ما إذا كانت الأفعال تعكس سياسة ما.

المعلومات حول التخطيط لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والجرائم المرتكبة ذلك اليوم، والطريقة التي شُنَّ بها الهجوم، وإعلان النوايا في ذلك اليوم وفي الأسابيع التي تلت، كلها تبلور وجود تخطيط منهجي للهجمات وبعض الانتهاكات اللاحقة. الأدلة التي تظهر التخطيط لأعمال إجرامية من شأنها أن تكون أدلة واضحة – ولكن ليس الأدلة الوحيدة – على وجود سياسة منظمة لارتكاب هجوم موجه ضد سكان مدنيين.

التخطيط

كان محور هذه الخطط هو احتجاز رهائن، كما أوضحت التصريحات العديدة التي صدرت عن قيادة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول وبعده.

رغم أن الهدف الأكثر وضوحا لهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول فيما يتعلق بالمدنيين هو أخذ الرهائن، يبدو أن قتل المدنيين كان أيضا جزءا من الخطة، كما يتضح من دراسة طبيعة الهجمات في مختلف المواقع المدنية. توصلت هيومن رايتس ووتش إلى هذا الاستنتاج بسبب أوجه التشابه العديدة في سلوك عمليات القتل في جميع مواقع الهجوم. وقع عديد منها بمجرد دخول المقاتلين إلى المواقع المدنية. تشير التسجيلات الصوتية للمهاجمين ومقاطع الفيديو للاعتداء المنشورة على قنوات تلغرام للجماعات التي شاركت في الاعتداء إلى أسلوب مُعتَمد. أصدرت قيادة حماس بيانات بعد الهجوم أشارت إلى الجهود الرامية إلى عدم إيذاء النساء والأطفال والمسنين، وهي تصريحات لا تتعارض مع النمط الفعلي للهجمات فحسب، بل أيضا لم تذكر الرجال المدنيين. أفادت مصادر إعلامية أيضا عن وثائق تخطيط مزعومة عُثر عليها على ما يبدو في موقع هجوم ونشرت في وسائل التواصل الاجتماعي تدعو القوات إلى قتل من يشكلون أي تهديد أو مقاومة أو إزعاج، رغم أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من صحتها.[817]

تصريحات التخطيط والتنظيم والتوضيح

أدلى قادة حماس بتصريحات مضللة وأحيانا متناقضة لصرف المسؤولية عن الهجمات ضد المدنيين، كما هو مذكور أدناه. إلا أنّ التصريحات أُدلِيَ بها أثناء الهجوم وسجلتها الكاميرات، وكذلك في وثائق التخطيط المزعومة، تكشف بوضوح أن ثمة جوانب من ارتكاب الانتهاكات كانت جزءا لا يتجزأ من الهجوم، منها أخذ الرهائن واحتجازهم، وقتل المدنيين، واستخدام أساليب ترقى إلى التعذيب والمعاملة القاسية.

تحدث عديد من قادة حماس علنا عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. رغم أنهم جميعا أشادوا بالعملية بشكل عام في ذلك اليوم، إلا أن البعض سعى إلى إبعاد حماس عن بعض الانتهاكات.[818]

بينما كانت الهجمات تتكشف في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أقرّ نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، الذي قُتل بعد ثلاثة أشهر، بهدف احتجاز الناس كرهائن، في ظهور له على "الجزيرة"، لكنه حاول إبعاد المجموعة المسلحة عن جوانب أخرى من الهجوم:

الخطة نُفذِّت كما رسمت... يعني السيطرة على هذه المستوطنات وعلى هذه المعسكرات، بمن فيها من السكان، موجود ضمن الخطة، جزء من الخطة. ونحن لا نستهدف مدنيين، لا بالقتل، ولا بالإيذاء. أنتم ربما شاهدتم فيديوهات، يتم التعامل مع الذين استسلموا للمقاومة بشكل إنساني.[819]

بعد خمسة أيام، قال العاروري لـ الجزيرة إن الهجوم كان عملية مرتبة ومنضبطة، وإنه تم شنها لاستباق خطة إسرائيلية مزعومة لمهاجمة حماس بعد عطلة عيد سوكوت.[820] قال في المقابلة إن الـ 1,200 عضو من كتائب القسام الذين دخلوا الكيبوتسات وسيطروا عليها تلقوا تعليمات من قيادتهم "بعدم قتل الأطفال أو النساء أو كبار السن... نحن جهة مسؤولة، نتصرف أولا حسب ديننا الذي يحظر علينا أن نمس بالمدنيين أو بالحياة المدنية، ونتصرف حسب قوانين الحرب الدولية... حماس لا يمكنها استهداف المدنيين أو الأسرى، ونحن نتصرف وفقا لقوانين الحرب الدولية". اعترف العاروري بأن الهجوم شمل خططا للسيطرة على الكيبوتسات والمستوطنات الأخرى "لمنع التدخل" ضد قوات حماس. ثم قال: "ثم في الكيبوتسات والمستوطنات، بعض حراس الأمن هناك والجنود والمستوطنين اشتبكوا داخل هذه الكيبوتسات والمستوطنات مع شباب القسام، مما أدى إلى وقوع مدنيين ضحايا... نحن لا نقول إنه لم يقتل مدنيين، لكن 100% لم يكن من خطة القسام المس بالمدنيين أو قتلهم".

زعم العاروري أن عديدا من الفلسطينيين العاديين في غزة، مسلحين وغير مسلحين، انضموا إلى هذه العملية، ما أدى إلى "الفوضى"، وأنهم هم الذين اختطفوا المدنيين الإسرائيليين، في حين أن عناصر كتائب القسام اختطفوا الجنود فقط.[821] إلا أن هيومن رايتس ووتش حلّلت لقطات تظهر فصائل مسلحة ضالعة في احتجاز الرهائن والجرائم ذات الصلة. كانت قوات كتائب القسام هي المجموعة الأكثر ضلوعا في احتجاز الرهائن بحسب ما يمكن رؤيته في الفيديوهات.[822]

في 24 أكتوبر/تشرين الأول، أجرى المتحدث باسم الحكومة التي تقودها حماس في غزة غازي حمد مقابلة مع قناة "إل بي سي" التلفزيونية اللبنانية كرر فيها هذه الادعاءات، مشيرا إلى أن الهجوم كان موجّها إلى أهداف عسكرية فقط، وليس المدنيين، ولكن أثناء الهجوم دخل بعض المدنيين من غزة إلى إسرائيل، ملمحا إلى أن الانتهاكات ربما ارتكبوها هم وليس قوات كتائب القسام.[823]

في مقابلة أجريت مع غازي حمد في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، قال: "نحن لا نريد أن نمس بالمدنيين ولا أن نلحق الأذى بهم لكن [حدثت] تعقيدات بالميدان، وكان هناك احتفال... وكان [هناك] سكان".[824]

وجاء في وثيقة باللغة الإنغليزية بعنوان "روايتنا.. عملية فيضان الأقصى"، أصدرها المكتب الإعلامي لحماس في 21 يناير/كانون الثاني 2024، أن الهجمات استهدفت "مواقع عسكرية إسرائيلية متمركزة قرب المستوطنات الإسرائيلية حول غزة"،[825] وتقول إن مقاتلي كتائب القسام تجنبوا إلحاق الأذى بالمدنيين، وخاصة الأطفال والنساء والمسنين، كواجب ديني وأخلاقي. كما تقول إن المقاتلين الفلسطينيين استهدفوا فقط الجنود ومن يحملون أسلحة "ضد شعبنا".

تدَّعي الوثيقة أن عديدا من الأشخاص الذين قتلوا أثناء الهجوم قتلوا على يد القوات المسلحة الإسرائيلية، نقلا عن بعض التغطية الإعلامية للهجمات.[826] بشكل منفصل، يقول التقرير إن بعض سكان الكيبوتسات كانوا "رجال مسلحين يقاتلون إلى جانب الجيش الإسرائيلي" وأن جميع النساء والرجال فوق 18 عاما يخضعون للتجنيد الإجباري، ما يشير، بشكل غير صحيح، إلى أن كثيرا من البالغين الذين قتلوا أو أصيبوا خلال الهجمات كانوا أهدافا عسكرية مشروعة بموجب القانون الدولي، أو أن الخضوع للتجنيد الإجباري يجعل الفرد هدفا مشروع.[827]

عبّر القيادي الذي شارك في تأسيس حماس محمود الزهار عن هذا الرأي سابقا، في اجتماع عقدته هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول 2016، عندما قال: "لا يوجد مدنيون في إسرائيل" لأنهم جميعا يخدمون في الجيش.[828]

في رسالة بتاريخ أغسطس/آب 2021 إلى هيومن رايتس ووتش، قالت الدائرة القانونية لحماس إن "جميع الأراضي الفلسطينية تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرة إلى "أن مقاومة الاحتلال هو حق"، وأشارت إلى أن "للمقاونة الفلسطينية سوابق عديدة تؤكد عدم رغبتها في استهداف المدنيين وكذلك الأعيان المدنية".[829] ردا على رسالة متابعة أرسلتها هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول وتساءلت عما إذا كانت تصريحات الزهار تمثل الموقف الرسمي لحماس، قالت الدائرة القانونية لحماس في أكتوبر/تشرين الأول 2021:

من المعروف أن كل إسرائيلي ملزم بالخدمة العسكرية الإلزامية ويتم استدعاؤهم عند اللزوم باستثناء أصحاب الإعاقات؛ وقد أعلنت الحركة في العديد من البيانات الرسمية المنشورة عبر موقعها أنها لا تستهدف المدنيين، وتعمل دائماً على استهداف الأهداف العسكرية المشروعة فقط؛ تقر الحركة بشكل واضح أن أي شخص إسرائيلي غير منخرط بالأعمال العسكرية ولا يعتدي على الشعب الفلسطيني ومقدراته وأراضيه هو شخص مدني تعمل المقاومة على تفادي إيذائه المدنيين أو إصابته بأي ضرر.[830]

رغم هذه الادعاءات، قتلت كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول عديدا من المدنيين بشكل غير قانوني، كما وثقت هيومن رايتس ووتش.

إطار جرائم الحرب

يعترف القانون الإنساني الدولي بالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة كنزاع مسلح مستمر. تخضع الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى للقانون الإنساني الدولي الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية، الراسخة في قانون المعاهدات الدولية، وأبرزها المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949، والقانون الإنساني الدولي العرفي. تتعلق هذه القواعد بأساليب ووسائل القتال والحماية الأساسية للمدنيين والمقاتلين الذين يكفّون عن المشاركة في الأعمال العدائية، وتنطبق على الدول والجماعات المسلحة من غير الدول.

أهم مبدأ في القانون الإنساني الدولي هو أن أطراف النزاع يجب أن تميز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. لا يجوز أبدا أن يكون المدنيون هدفا للهجوم. تُحظر الهجمات التي تستهدف المدنيين عمدا أو التي لا تميز بين المقاتلين والمدنيين، أو التي تسبب ضررا غير متناسب للسكان المدنيين مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة.

تنص المادة 3 المشتركة على عدد من وسائل الحماية الأساسية للمدنيين، والمقاتلين الأسرى أو العاجزين. يُحظر العنف ضد هؤلاء الأشخاص – ولا سيما القتل والمعاملة القاسية والتعذيب – وكذلك الاعتداء على كرامتهم الشخصية والمعاملة المهينة، وأخذ الرهائن.

الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب التي تُرتكب بقصد إجرامي – عمدا أو عن تهور – هي جرائم حرب. تشمل جرائم الحرب، المدرجة في أحكام "الانتهاكات الجسيمة" في اتفاقيات جنيف وفي القانون العرفي، مجموعة واسعة من الجرائم، بما فيها الهجمات المتعمدة والعشوائية وغير المتناسبة التي تلحق الضرر بالمدنيين والأعيان المدنية، والتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، واحتجاز الرهائن، وأخذ واستخدام الدروع البشرية، من بين أمور أخرى. قد يتم أيضا تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية عن محاولة ارتكاب جريمة حرب، فضلا عن المساعدة في ارتكاب جريمة حرب أو تسهيلها أو الإعانة عليها أو التحريض عليها.

قد تقع المسؤولية الجنائية أيضا على الأشخاص الذين يخططون لارتكاب جريمة حرب أو يحرضون عليه. بالإضافة إلى ذلك، قد تتم محاكمة القادة العسكريين والمدنيين بتهمة جرائم الحرب بموجب مبدأ مسؤولية القيادة عندما يكونون على علم أو كان من المفترض أن يكونوا على علم بارتكاب جرائم حرب ولم يتخذوا إجراءات كافية لمنعها أو معاقبة المسؤولين عنها.

يقع على الدول التزام بالتحقيق مع الأفراد المتورطين في جرائم حرب داخل أراضيها ومحاكمتهم بشكل مناسب. لا يلزم القانون الإنساني الدولي الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة بمحاكمة منتهكي جرائم الحرب. مع ذلك، عليها اتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة لضمان الالتزام بقوانين الحرب داخل صفوفها. عندما تجري هذه الجماعات محاكمات، عليها فعل ذلك وفقا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

لم تعترف حماس علنا بأن أي شخص تحت قيادتها مسؤول عن ارتكاب أي مخالفات. بدلا من ذلك، ألقوا باللوم على المدنيين الذين قالوا إنهم دخلوا إسرائيل أثناء الهجوم بسبب "الفوضى" التي "أدت إلى وقوع عديد من الأخطاء".[831] توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن المسؤولية النهائية عن الانتهاكات أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول تقع على عاتق الفصائل الفلسطينية المسلحة، وليس على عاتق أي مدنيين قد يكونوا شاركوا في الهجمات.

بحسب تقارير، تحتجز الحكومة الإسرائيلية عشرات المقاتلين الفلسطينيين الذين يُزعم أنهم شاركوا في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.[832] لم تقدم الحكومة أي معلومات حول عدد الأشخاص المحتجزين وأين وعلى أي أساس، كما أُفيد أنها حرمتهم من التمثيل القانوني، رغم الطعون القانونية التي قدمتها منظمات حقوقية إسرائيلية.[833] احتجاز الأفراد بمعزل عن العالم الخارجي هو انتهاك للإجراءات القانونية الواجبة الأساسية، ويقوّض إمكانية وصول الضحايا الإسرائيليين إلى العدالة. الأشخاص المشتبه بإصدارهم أوامر بارتكاب أفعال انتهاكات أو التخطيط لها أو تنفيذها يجب أن يحاكَموا بما يتوافق مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

جرائم الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول

الهجمات ضد المدنيين والأعيان المدنية

على أطراف النزاع اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لضمان أن يكون هدف الهجوم عسكريا وليس عينا مدنية. تُحظر الهجمات التي تستهدف المدنيين أو الأعيان المدنية عمدا. حتى في حالة وجود هدف عسكري مشروع، يجب أن تميّز الهجمات بشكل مناسب بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، ويجب ألا تكون غير متناسبة – أي أن الضرر المتوقع الذي تلحقه بالمدنيين يجب ألا يكون مفرطا مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. الأفراد الذين يأمرون بشن هجمات غير قانونية أو ينفذونها بقصد إجرامي – أي عن عمد أو بتهور – مسؤولون عن جرائم حرب.

بدأ الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول بوابل من الصواريخ العشوائية التي أطلِقت من غزة باتجاه المناطق المأهولة بالسكان التي هاجمها المقاتلون الفلسطينيون بعد ذلك. أدى استخدام صواريخ هي غير قانونية بطبيعتها في المناطق المأهولة إلى مقتل 19 مدنيا، وفقا لوكالة فرانس برس.[834]

تحققت هيومن رايتس ووتش من 19 فيديو وتسع صور توثق الأضرار والدمار الذي لحق بالممتلكات الخاصة والذي يبدو أنه تم تنفيذه عمدا وليس كجزء من عمليات موجهة إلى أهداف عسكرية. ألحقت الفصائل المسلحة أضرارا بالمنازل ودمرتها باستخدام الحرق العمد، وهجمات الآر بي جي، والهجمات بالقنابل اليدوية، وإطلاق النار.

استهدفت عديد من الهجمات مراكز سكانية مدنية، والكيبوتسات والموشافات، ومدينتين، ومهرجانات موسيقية لا تشكل أهدافا عسكرية مشروعة. مثلا، قال ناداف تساباري إن المهاجمين في ناحل عوز، أخذوا الإطارات الاحتياطية من السيارات، وأشعلوا فيها النيران، ودحرجوها إلى داخل المنازل، ما أجبر العائلات على الفرار من النار والدخان.[835]

عمليات القتل المتعمد

تحظر قوانين الحرب الهجمات المتعمدة على المدنيين وقتل المدنيين أو المقاتلين الأسرى أثناء الاحتجاز، وهي جرائم حرب.[836]

بحسب وكالة فرانس برس الدولية للأنباء، التي نفذت عملية تفصيلية للتحقق من الأرقام، قُتل 815 مدنيا أثناء وبعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، بمن فيهم 79 أجنبيا. شمل العدد ما لا يقل عن 282 امرأة و36 طفلا.[837] كما أفادت فرانس برس بمقتل 60 عنصر شرطة، وهم يحملون الصفة المدنية ما لم يكن لهم دور قتالي. قُتل 10 من أعضاء وكالة الأمن الإسرائيلية الشاباك، و306 جنود إسرائيليين في ذلك اليوم أو الأيام الثلاثة اللاحقة، وفقا لـ فرانس برس.

وثقت هيومن رايتس ووتش عشرات عمليات قتل للمدنيين اعتمادا على إفادات الشهود ومحتوى الصور والفيديو الذي راجعته. أطلق المقاتلون الفلسطينيون النار على المدنيين من مسافة قريبة أو أثناء محاولتهم الفرار إلى الغرف الآمنة أو حين كانوا أصلا داخلها – هذه الغرف كانت مصممة لتوفير الحماية من الهجمات الصاروخية، وليس الهجمات البرية – وأماكن أخرى كان الناس يحتمون بها، وعلى السائقين غير المنتبهين. كما ألقوا قنابل يدوية داخل الملاجئ وأطلقوا قذائف آر بي جي على المنازل، وأشعلوا النار في المنازل ما أدى إلى حرق مدنيين حتى الموت، وأجبروا آخرين على الخروج من المنازل حيث قتلوهم أو أسروهم.

مثلا، يُظهر فيديو نُشر على إكس مقاتلا يستخدم ولاعة سجائر لإشعال النار في بعض الأقمشة المعلقة على نافذة المنزل.[838] بينما لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من مكان تسجيل هذا الفيديو، أكد أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش أن الحادث تم تصويره في كيبوتس صوفا بينما كانت عائلة تحتمي بالداخل.[839]

قاد كل من ميتار يعقوبي ويائيل بن عزرا، وهما قريبا سكان في كفر عزة ونير عوز، سيارته إلى المنطقة لمحاولة العثور على عائلاتهما صباح 8 أكتوبر/تشرين الأول، وقالا إن الطرق المؤدية إلى الكيبوتسات كانت مليئة بالجثث.[840]

شارك 10 أعضاء من زاكا تفاصيل حول الجثث التي انتشلوها من مواقع الهجوم. أظهر أحد أعضاء زاكا للباحثين صورة لشاحنة مليئة بأجزاء من الرفات البشرية التي جمعها الفريق مساء 7 أكتوبر/تشرين الأول. قال إن فريقه أرسل أربع شاحنات على الأقل في 7 أكتوبر/تشرين الأول من مواقع الهجوم.[841]

كان أكبر عدد من المدنيين الذين قتلوا في 7 أكتوبر/تشرين الأول من رواد المهرجانات. قتل المقاتلون الفلسطينيون عديدا منهم بإطلاق النار في أرض المهرجان أو أثناء فرارهم. أطلقت النار على آخرين في الكيبوتس الذين يعيشون فيه، وغالبا كانوا داخل منازلهم حيث كانوا يحتمون في غرف آمنة. قتل المقاتلون وجرحوا كثيرين بإطلاق النار عبر أبواب الغرف الآمنة، أو استخدموا المتفجرات لفتح الأبواب، أو ألقوا قنابل يدوية على المنازل. في بعض الحالات، أطلق المقاتلون قذائف آر بي جي مباشرة على منازل الناس بينما كان المدنيون يحتمون في الداخل. قتل المقاتلون مدنيين كانوا يحاولون الهروب أو حاولوا الفرار بالسيارات.

في محتوى الفيديوهات الذي تحققت منه هيومن رايتس ووتش وحللته، يبدو أن عديدا من المقاتلين الذين شوهدوا وهم يقتلون المدنيين هم أعضاء في كتائب القسام. يستند هذا الاستنتاج إلى عصابات الرأس التي كان المقاتلون يرتدونها في الفيديوهات أو بسبب ظهور الفيديوهات في قناة تلغرام التابعة لكتائب القسام والتي أعلنت فيها مسؤوليتها عن الأعمال المصوَّرة.

ثمة وثيقتان تخطيطيتان لكتائب عز الدين القسام، إذا ثبتت صحتهما، تبرهنان أن قتل المدنيين كان جزءا من خطة الفصائل المسلحة وليس مجرد نتيجة لمجموعة فوضوية من الهجمات، رغم بعض التصريحات الصادرة عن المتحدثين باسم حماس بعد الهجوم التي تزعم أن الهجمات كانت تستهدف فقط أفراد الجيش الإسرائيلي واحتجاز الرهائن.

فحصت هيومن رايتس ووتش وثيقتين ورد أن السلطات الإسرائيلية عثرت عليهما في موقع الهجمات، بما فيه في سيارة يستخدمها المقاتلون. أحداهما تحمل عنوان "خطة احتجاز الرهائن"، مع علامة مائية كدليل عمليات لكتائب عز الدين القسام. تنص على أنه ينبغي للقوات: "قتل أي شخص ممكن يشكل تهديد أو إزعاج"؛ "تحقيق الصدمة عبر استخدام الرصاص - القنابل الصوتية – التهديد الغير مباشر - الصدمات الكهربائية –  العنف والإرهاب في تعامل – القتل عند الضرورة القصوى"؛ وقتل المتوقع أن يقاوموا والذين يشكلوا تهديد".

الوثيقة الثانية تتضمن تفاصيل خطة لمهاجمة كيبوتس ساعد (انظر قسم كيبوتس ساعد). تنص على أن أحد أهداف مجموعة واحدة من المقاتلين هو "السيطرة على القاطع الشرقي والمجموعة الثانية بالسيطرة على القاطع الغربي من الكيبوتس بينما يسيطر الآخر على الجزء الغربي، وإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية واحتجاز الرهائن".[842] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من صحة الوثيقتين.[843]

بالإضافة إلى هاتين الوثيقتين التخطيطيتين المزعومتين، في مقطع فيديو نشرته إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية، يقول مقاتل في سيارة مع آخرين يتجهون عبر الحاجز إلى إسرائيل للمجموعة: "هيا يا وحوش، هيا يا أسود، يا شباب. أي شيء، أطلقوا النار… إسماعيل، أطلق النار على الموقع وعلى السيارات وعلى كل مكان".[844] عندما يقتربون من مجتمع سكني يقول الرجل: "هيا ندخل عليهم، يا إخوان، هذه سيارات، جيبات، هناك بشر هنا، يبدو أنهم مدنيين، هذه مستوطنة يا إخوان، نعم مستوطنة، فلندخل عليهم، فلنذهب يا أخوان، مستوطنين". تشير لغة الرجل بقوة إلى أن المجموعة كانت تنوي استهداف المدنيين وكذلك الأهداف العسكرية.

التعذيب والمعاملة القاسية

يحظر القانون الإنساني الدولي التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، التي تشكل جرائم حرب.[845] تُعرَّف المعاملة اللاإنسانية بأنها إلحاق "ألم أو معاناة جسدية أو عقلية شديدة".[846]

عذَّب المقاتلون الفلسطينيون الأشخاص المحتجزين لديهم أو عاملوهم بقسوة، بحسب شهادات الشهود ومقاطع الفيديو التي تم التحقق منها.

في أحد الفيديوهات، يضرب أشخاص يرتدون ملابس مدنية صدر رجل ملقى على الأرض، ولا يزال على قيد الحياة، وقميصه ملطخا بالدماء ومكتوب عليه بالعبرية.[847] يحرك الرجل، وهو على ما يبدو عامل تايلاندي، ذراعه، ويردّ الناس من حوله بركل رأسه. يبدأ الرجل بالتحرك ولكنه يهمد بعد ذلك. يضرب أحد الرجال بمجرفة حديقة على رقبة الرجل المصاب قبل أن يسلم المجرفة إلى رجل بجانبه، فيضربه ثماني مرات، محاولا على ما يبدو قطع رأسه. يقول الرجل ذو المعزقة: "فليشهد التاريخ، أنه أول قتيل أنا أقتله، أول قتيل لي... فليشهد التاريخ". مهاجم آخر يصرخ في الخلفية أن هذا الرجل "يهودي". ينتهي الفيديو برجل آخر يرتدي ملابس مدنية يرفع المعزقة ليضرب مرة أخرى. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من مكان وزمان التقاط الفيديو، الذي نُشر في تلغرام في 8 أكتوبر/تشرين الأول، لكنها لم تجد أي دليل على انتشاره في الإنترنت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.

أخذ الرهائن

احتجاز الرهائن محظور بموجب القانون الإنساني الدولي ويشكل جريمة حرب.[848] يعرُّف تعليق "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" على المادة 3 المشتركة أخذ الرهائن على أنه "إلقاء القبض على شخص (الرهينة) أو احتجازه، مع التهديد بقتله أو بإلحاق الأذى به أو بالاستمرار باحتجازه، من أجل إكراه طرف ثالث على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به كشرط واضح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة أو سلامتها".

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أشار صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك، على قناة الجزيرة إلى أن احتجاز الرهائن كان محوريا لأهداف الهجوم المخطط له، مشيرا إلى أن "ما بين أيدينا سيحرر كل أسرانا".[849]

احتجزت كتائب القسام وجماعات مسلحة أخرى 251 شخصا كرهائن في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بينهم 40 اختُطفوا من مهرجان سوبر نوفا الموسيقي.[850] أخذوا آخرين، بينهم أطفال، من التجمعات السكانية المختلفة التي تعرضت للهجوم في "غلاف غزة". يبدو أن المقاتلين قتلوا بعض الرهائن أثناء وجودهم في إسرائيل وأخذوا جثثهم إلى غزة. كما تحققت هيومن رايتس ووتش من ثلاثة فيديوهات لثلاث حالات في بئيري، ونير عوز، وعند ثغرة على الحدود قرب نير عوز، حيث حمّل المقاتلون جثث المدنيين على مركبات وأخذوها معهم. أشارت تقارير أخرى إلى انتشال جثث الضحايا من المواقع التي قتلوا فيها.[851]

كان معظم الذين احتجزوا كرهائن مواطنين إسرائيليين أو مواطنين مزدوجي الجنسية من إسرائيل ودول أخرى، بما فيها الأرجنتين، وألمانيا، وروسيا، وفرنسا، والولايات المتحدة. كان بعضهم مواطنين فلسطينيين من إسرائيل. كان أيضا من بين الرهائن الذين احتُجزوا مواطنون من تايلاند، وتنزانيا، وسريلانكا، والصين، والفليبين، ونيبال.[852]

أطلقت حماس سراح رهينتين أمريكيتين، إحداهما طفلة، في 20 أكتوبر/تشرين الأول.[853] أدى وقف إطلاق النار الذي دام عدة أيام بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، مقابل زيادة المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة والإفراج عن 240 محتجزا فلسطينيا، إلى إطلاق سراح 105 رهائن، هم 81 إسرائيليا و24 أجنبي.[854] ما يزال بعض الأجانب محتجزين كرهائن حتى وقت النشر.[855] حتى 1 يوليو/تموز، كان ما يزال 116 رهينة محتجزين في غزة، توفي 42 منهم، بحسب وكالة فرانس برس. أعيدت جثث 35 آخرين إلى إسرائيل.

بالإضافة إلى كتائب القسام، أشارت فيديوهات وأدلة أخرى إلى مشاركة مجموعات أخرى في احتجاز الرهائن، منها كتائب الأنصار، وكتائب المجاهدين، وألوية الناصر صلاح الدين، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى.[856]

لا تؤكد رسالة حماس بتاريخ 14 أبريل/نيسان إلى هيومن رايتس ووتش عدد الأشخاص الذين احتجزتهم حماس كرهائن ولا عدد الأشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة. ترفض حماس إطلاق مصطلح "الرهائن" على المحتجزين في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قائلة، "أكدنا عدم رغبتنا الاستمرار في احتجاز" المدنيين الذين تم احتجازهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأنها مستعدة لإطلاق سراحهم في الأيام القليلة الأولى بعد الهجوم. تلقي حماس باللوم على "العدوان الإسرائيلي"، ورفض الوفاء بشروط معينة، وأن "إسرائيل تماطل" في ذلك. لا يبرر أي من هذه التأكيدات احتجاز الرهائن بموجب القانون الدولي.

ورد في رسالة حماس أنه حتى 10 مارس/آذار، توفي 70 رهينة، تشير إليهم باسم "المحتجزين"، نتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وقالت إن مزيدا قد يموتون بسبب الجوع ونقص خدمات الرعاية الصحية. تدعي الرسالة أن حماس تبذل جهودا كبيرة لضمان حصول الأشخاص الذين تحتجزهم على الغذاء والماء والرعاية الطبية، لحالات تشمل الأمراض المزمنة، وأنهم محتجزون في ظروف إنسانية. تعترف الرسالة بأن جماعات مسلحة أخرى تحتجز أشخاصا في غزة، لكنها لم تقدم عددا.

سوء معاملة الرهائن في 7 أكتوبر/تشرين الأول

يقضي القانون الإنساني الدولي بمعاملة أي شخص يتم احتجازه معاملة إنسانية.  تقول وثيقة "خطة احتجاز الرهائن" التي تحمل علامة مائية، كما نقلت مصادر إعلامية، للمهاجمين: "إبعاد الرهائن عن أدوات المقاومة والانتحار"، و"التقييد والإعماء" والفرز والعزل (نساء وأطفال – رجال)"، و"ربط بعض الرهائن حول المكان واستخدامهم كدروع بشرية بشرط يكونوا ظاهرين بشكل واضح".

تنص وثيقة أخرى، تهدف إلى تفصيل خطة مهاجمة كيبوتس ساعد، على أن هدف مجموعة معينة من المقاتلين هو أخذ الرهائن.[857] بحسب ما ورد، وثيقة التخطيط المزعومة التي عثِر عليها قرب كيسوفيم وفيما يتعلق بمفلسيم تدعو القوات إلى مواجهة قوة الدفاع الإقليمية والقوات الأخرى في الكيبوتس والسيطرة عليها، وتقول للمقاتلين إن عليهم أسر الجنود والمدنيين واحتجاز الرهائن والتفاوض عليهم.[858] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من صحة هذه الوثائق.[859]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديوهات تظهر مقاتلين ومدنيين على ما يبدو، يسيئون معاملة الأشخاص الذين احتُجزوا كرهائن في 7 أكتوبر/تشرين الأول. يضربون ويركلون رهائن ويجرُّون امرأة من شعرها.[860] يُظهر فيديو تم التحقق منه، ونشر في قناة مسعفي الجنوب على تلغرام، رجالا يرتدون عصابات رأس كتائب القسام وهم يأخذون رجلا من ملجأ في محطة للحافلات قرب كيسوفيم.[861] يوجَّه المقاتلون الرجل نحو سيارة متوقفة بجوار محطة الحافلات، ويضربه أحدهم بشكل متكرر بعقب البندقية. يقترب مقاتل ثان معه شريط ربط بلاستيكي، ويبدأ بركل الرجل مرتين في رأسه قبل أن يوقفه مقاتل آخر.

يظهر فيديو آخر تم التحقق منه، ونشر على إكس في 7 أكتوبر/تشرين الأول وسُجِّل في غزة، مقاتلا يسحب امرأة من شعرها من سيارة وبنطالها ملطخا بالدماء. ثم يجبرها المقاتل على الجلوس في المقعد الخلفي للسيارة.[862] المسلحون في هذا الفيديو لا يرتدون عصابات الرأس أو الشارات التي تربطهم بجماعة معينة.

يُظهر فيديو تم التحقق منه، ونشر في تلغرام مقاتلي كتائب القسام وهم ينقلون ثلاث رهائن في بيك آب عبر ثغرة في السياج إلى غزة.[863] يقترب شخص من السيارة وهو يصور ويبدأ بضرب أحد الرهائن الذي كان يرتدي ملابس داخلية فقط. يبدو أن الرهينة الثانية أصيبت في ظهره.

يُظهر فيديو آخر تم التحقق منه، ونشر في قناة مسعفي الجنوب، أحد أعضاء القسام وهو يجبر رهينة على المشي على الطريق 232 قرب من أرض مهرجان موسيقى سوبر نوفا بينما كان يشدّ شعر هذا الشخص.[864]

نشرت عائلات الرهائن في موقع ناحل عوز العسكري في 22 مايو/أيار فيديو منفصل مكون من عدة مقاطع فيديو تم تصويرها من داخل مبنى مجهول، أمام مبنى حددت هيومن رايتس ووتش موقعه الجغرافي في موقع ناحل عوز العسكري؛ وداخل شاحنة.[865] تظهر المقاطع خمس رهائن إناث، جميعهن من أفراد القوات المسلحة الإسرائيلية بحسب عائلاتهن، وتنزف الدماء من جروح في الوجه والجسم لبعضهن. يظهرن محاطات بخاطفين ذكور تصدر عنهم إساءات لفظية ويهددونهن ويجبرونهن على ركوب السيارة. في مرحلة ما، يشير أحد الآسرين إلى النساء بـ "السبايا"، وهو مصطلح قد تكون له دلالات جنسية.[866] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد مكان تصوير مقاطع الفيديو. ظهرت الرهائن الخمسة ذاتهن في فيديو منفصل نشرته قناة كتائب القسام في تلغرام بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يظهر نفس المشاهد من داخل المبنى وإجبار النساء على الصعود في مركبة.[867]

وردت تقارير عديدة عن سوء معاملة الرهائن بعد نقلهم إلى غزة، منها شهادات من الرهائن الذين أطلق سراحهم منذ ذلك الحين. يقتصر هذا التقرير على الأحداث والانتهاكات التي وقعت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

جرائم مرتبطة بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي

ارتكب المقاتلون الفلسطينيون أعمال عنف جنسي وعنف على أساس النوع الاجتماعي خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. ذكرت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، والتي أجرت مقابلات مع أشخاص أفادوا أنهم شهدوا اغتصابا وغيره من أشكال العنف الجنسي، أن هناك "أسباب معقولة للاعتقاد بأن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع وقع خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في مواقع متعددة في غلاف غزة، شمل الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، في ثلاثة مواقع على الأقل".[868]

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من جمع معلومات يمكن التحقق منها من خلال المقابلات مع الأشخاص الذين تعرضوا للاغتصاب أو كانوا شهودا عليه أثناء الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهناك شهادة علنية واحدة فقط من ضحية اغتصاب.[869] وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على أعمال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما فيها التعرية القسرية والتقاط ونشر صور أضفي عليها الطابع الجنسي في وسائل التواصل الاجتماعي دون موافقة.

يحظر القانون الإنساني الدولي العرفي الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي.[870] في حين لا تحظر المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 الاغتصاب بالتحديد، إلا أنها تحظر "لاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،"، و"الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة" بحق أي شخص غير مشارك في النزاع. يحظر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي باعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.

قد لا يُعرف أبدا نطاق أعمال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتكبة خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول: ربما قُتل عديد من الضحايا؛ وكثيرا ما تمنع الوصمة والصدمة الناجيات/الناجين من الإبلاغ؛ ولم تقم قوات الأمن الإسرائيلية وغيرها من الجهات المستجيبة إلى حد كبير بجمع أدلة الطب الشرعي ذات الصلة من مواقع الهجمات أو الجثث التي تم انتشالها.[871] نفى مسؤولو حماس أن يكون مقاتلوهم ارتكبوا أعمال عنف جنسي.[872]

التمثيل بالجثث وسلبها

حددت هيومن رايتس ووتش خمس حالات على الأقل مثّل فيها مقاتلون فلسطينيون أو مدنيون مرافقون لهم بجثث الموتى. كانت هناك حالات إضافية أقدم فيها المقاتلون على سلب الموتى.

التمثيل بجثث الموتى محظور بموجب المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والقانون الدولي العرفي لأنه يشكل اعتداء على الكرامة الشخصية.[873] تشمل عناصر الجرائم التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية، والتي تحظر الاعتداء على الكرامة الشخصية، ولا سيما المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، تلك المرتكبة ضد الموتى.[874]

تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو من كيبوتس نيريم (انظر قسم نيريم) يُظهر مجموعة من الأشخاص يرتدون ملابس مدنية يتناوبون على الوقوف على جثة جندي إسرائيلي ممدد على الأرض بجوار سيارة في نيريم. تتدلى جثة جندي آخر من السيارة، ويبدأ الرجال الذين يرتدون ملابس مدنية بسحب الجثة إلى الطريق. في مكان قريب يوجد رجلان يرتديان زيا مموها، أحدهما يرتدي العصابة الخضراء المرتبطة بكتائب القسام.[875]

حللت هيومن رايتس ووتش مقطعي فيديو يظهران التمثيل بجثتين أخريين في 7 أكتوبر/تشرين الأول. نُشر مقطع فيديو في قناة تلغرام الرسمية لكتائب المجاهدين في 8 أكتوبر/تشرين الأول، ويُظهر مقاتلين يدخلون قاعدة عسكرية إسرائيلية قرب نير عوز ثم ينتقل الفيديو إلى صورة فوتوغرافية لجثتَي رجلين يرتديان الزي العسكري الإسرائيلي، أحدهما مقطوع الرأس. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من موقع هاتين الجثتين بسبب عدم وجود معلومات جغرافية في الصورة. يُظهر فيديو آخر نُشر في قناة تلغرام رجلين يقفان أمام لافتة سرايا القدس ويرتديان عصابات رأس سرايا القدس ويرفعان رأس رجل. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بالضبط من مكان وزمان تسجيل هذا الفيديو.[876]

بعد مقتل جوشوا مويل، الطالب التنزاني البالغ من العمر 21 عاما، في ناحل عوز على يد أعضاء كتائب شهداء الأقصى وكتائب المقاومة الوطنية، يقف شخص واضعا إحدى رجليه على بطنه ويطلق ثماني رصاصات من بندقية كلاشنيكوف على رأس مويل من مسافة قريبة.[877]

تحققت بي بي سي من مقطع فيديو نُشر في قناة تلغرام "فلسطين تقاوم "Palestine Resist"، وهي قناة فلسطينية شهيرة تنشر باللغة الإنغليزية إلى حد كبير، في الساعة 8:59 صباحا بالتوقيت المحلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُظهر مقاتلين يرتدون سترات وبنادق حربية يصلون إلى خان يونس في غزة مع جثة جندي إسرائيلي.[878] يحيط حشد من الناس بالمهاجمين ويدوسون على الجثة، بينما لا يبذل المقاتلون جهدا يُذكَر لإيقافهم.[879]

استخدام الدروع البشرية في 7 أكتوبر/تشرين الأول

يشير اتخاذ "الدروع البشرية" إلى الاستخدام المتعمد لوجود المدنيين لجعل القوات العسكرية أو المناطق العسكرية في مأمن من الهجوم. تحظر قوانين الحرب استخدام المدنيين لحماية الأهداف العسكرية، بما فيها المقاتلون الأفراد، من الهجمات. استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.[880]

حددت هيومن رايتس ووتش حالتين على الأقل بدا فيهما أن المقاتلين الفلسطينيين استخدموا المدنيين دروعا بشرية أثناء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

احتجز مقاتلون مجموعة من المدنيين في منزل بيسي كوهين في بئيري عندما حاولت القوات الإسرائيلية استعادة السيطرة على الكيبوتس بعد ظهر7 أكتوبر/تشرين الأول.[881] قال أحد الشهود إنه مع تقدم القوات الإسرائيلية، اتصل المقاتلون بالشرطة الإسرائيلية باستخدام أحد الرهائن كمترجم، وعرّفوا عن أنفسهم على أنهم من كتائب القسام، وأخبروا الشرطة أنهم سيطلقون النار على من يحتجزونهم إذا أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليهم. خلال المواجهة، أجبر المهاجمون حوالي نصف الرهائن على الدخول إلى ساحة المنزل بين القوات الإسرائيلية والمقاتلين، وفقا لشاهدين قابلتهما صحيفة نيويورك تايمز. قام رجل، قال المهاجمون إنه قائدهم، بخلع ملابسه وأخذ ياسمين بورات، إحدى الرهائن، إلى الخارج لحمايته أثناء استسلامه للإسرائيليين. بعد أن أطلق المقاتلون النار مرة أخرى على القوات الإسرائيلية، فتحت الدبابات الإسرائيلية النار على المنزل. قُتل المقاتلون، بالإضافة إلى 12 رهينة قتلوا في تبادل إطلاق النار. تحدثت بورات لفترة وجيزة مع هيومن رايتس ووتش وأكدت هذه الأحداث، ولكن بتفاصيل أقل.[882]

في ناحل عوز، سار مقاتل مسلح خلف تومر أرافا إلياز (17 عاما) في أنحاء الكيبوتس أثناء الهجوم، وأمسك لفترة من الوقت بأرافا من أعلى ظهره من الخلف، وأجبره على الطرق على باب الجيران لإجبارهم على الخروج. يظهر فيديو يصور الحادثة المقاتل الذي يرتدي سترة عليها شارات كتائب القسام، وهو يصرخ على السكان بالداخل باللغة الإنغليزية، ولا يخفي وجوده، بينما يطلب أيضا من عربة التواصل مع من بالداخل باللغة العبرية.[883] كما يجبر أرافا على السير إلى منازل أخرى في التجمع والنظر من خلال نافذة أحد المنازل لمعرفة ما إذا كان السكان بالداخل. يبدو أن المقاتل ربما كان يستخدم أرافا، من بين أمور أخرى، لمنع هجوم. عُثر على تومير ميتا لاحقا.[884]

أفادت وسائل إعلام أن "خطة احتجاز الرهائن" تتضمن تعليمات بـ"ربط بعض الرهائن حول الموقع واستخدامهم كدروع بشرية، وضمان ظهورهم بوضوح". إن صحّ ذلك، فإنه ليشير إلى أنّ استخدام الدروع البشرية كان جزءا من خطة الهجوم.[885] إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من صحة الوثائق.

نهب وتدمير الممتلكات

يحظر القانون الإنساني الدولي أعمال السلب والنهب. السلب والنهب هما الاستيلاء غير القانوني على الممتلكات الخاصة أثناء النزاع المسلح، وهو جريمة حرب.[886] يحظر القانون أيضا تدمير الممتلكات الخاصة ما لم تقتضيه ضرورة عسكرية حتمية، وهو جريمة حرب.[887]

وصف عديد من الشهود أن مقاتلين فلسطينيين ومدنيين مفترضين من غزة ارتكبوا أعمال النهب أثناء الهجوم. خلال الهجمات على التجمعات السكنية، سرق المهاجمون ممتلكات شخصية منها الأموال، والمجوهرات، والأجهزة الإلكترونية، والدراجات، والسيارات. تحققت هيومن رايتس ووتش من 13 فيديو تظهر عمليات نهب ارتكبها مقاتلون وأشخاص يرتدون ملابس مدنية في نير عوز، وصوفا، ونير يتسحاق، وبئيري، وماغن، ومهرجان موسيقى سوبر نوفا وفي جوار هذه المواقع.

في حادثتين، تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديوهات أظهرت مقاتلي كتائب القسام وهم ينهبون ويدمرون الممتلكات. تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو سجله عضو مفترض في كتائب القسام صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول قرب كيسوفيم، حيث ضرب المقاتلون رجلا وفتشوه بحثا عن أشياء ثمينة قبل أخذ قلادة قدمها إليهم الرجل. ثم علّق مقاتل آخر راية كتائب القسام على الجزء الخلفي من سيارة الرجل قبل أن يأخذها ويقودها.[888]

في أحد الأمثلة على تدمير الممتلكات وربما محاولة القتل، والتي صورها أحد أعضاء المجموعة المسلحة، ونشر في إكس، يستخدم مقاتل يرتدي عصابة رأس خضراء لكتائب القسام ولاعة سجائر لإشعال النار في بعض القماش المعلق على نافذة منزل.[889] بينما لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من مكان تسجيل هذا الفيديو، أكد أحد الشهود أن الحادث تم تصويره في كيبوتس صوفا بينما كانت إحدى العائلات تحتمي بالداخل.[890]

الهجمات ضد البنية التحتية الطبية

تتمتع المستشفيات، وسيارات الإسعاف، وغيرها من مرافق البنية التحتية الطبية بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي. يجب أن يُفترض أنها مدنية ولا تفقد حمايتها إلا إذا استُخدمت لارتكاب "أعمال ضارة بالعدو"، مثل نقل الذخيرة أو المقاتلين الأصحاء. الهجوم المتعمد على البنية التحتية الطبية هو جريمة حرب.

وثّقت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل" مقتل موظفَيْن طبيَّين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أحدهما أثناء أداء واجبه في مهرجان موسيقى سوبر نوفا، والآخر بالرصاص أثناء وجوده في سيارة إسعاف.[891] أصيب موظفان طبيان آخران. أفادت المنظمة أن المقاتلين فتحوا النار على ثلاث سيارات إسعاف وهاجموا مركزين طبيين، وأصيب "مركز بارزيلاي الطبي" في عسقلان بثلاثة صواريخ خلال الهجوم.[892] وثقت هيومن رايتس ووتش أن المقاتلين تعمدوا إطلاق النار على إطار سيارة إسعاف كانت متوقفة في كيبوتس صوفا، ما جعلها غير صالحة للاستعمال لإجلاء المصابين.[893] تُظهر لقطات كاميرا الجسد لمسلح أطلق النار على الإطار، وهو يتحرك مع مهاجم ثان يرتدي عصابة رأس خضراء تابعة لكتائب عز الدين القسام.

جرائم ضد الإنسانية في 7 أكتوبر/تشرين الأول

بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أدرِجت بعض الأفعال على أنها جرائم ضد الإنسانية، وتشمل: القتل؛ والإبادة؛ والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بشكل ينتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي؛ والاغتصاب أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على نفس الدرجة من الخطورة؛ والاضطهاد ضد أي مجموعة أو جماعة محددة لأسباب عرقية، أو إثنية، أو قومية، أو دينية، أو غيرها. يجب أن تُرتكب الجرائم كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد السكان المدنيين لتكون جرائم ضد الإنسانية.

توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن كتائب القسم وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة ارتكبت عدة أعمال قتل عمد وسجن غير قانوني بحق مدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وكانت هذه الأفعال تعزيزا لسياسة تنظيمية لارتكاب أفعال جرمية تشمل القتل العمد والسَّجن غير القانوني، وبالتالي تشكل "هجوما موجها ضد مجموعة من السكان المدنيين".

وبما أن القتل العمد والسَّجن غير القانوني قد ارتكبا كجزء من هذا الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنها ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.

كما تدعو هيومن رايتس ووتش إلى التحقيق فيما إذا كانت قد ارتكبت الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، والاغتصاب والعنف الجنسي، والاضطهاد.

شكر وتنويه

أجرت أبحاث هذا التقرير وكتبه المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات والأسلحة بلقيس والي؛ مساعد الأبحاث في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة روبن تايلور؛ ومساعد الأبحاث السابق في مختبر التحقيقات الرقمية في قسم التكنولوجيا والحقوق والتحقيقات ديفون لوم. ساهمت المديرة المشاركة لقسم حقوق المرأة هيذر بار في البحث والكتابة.

قدمت المحررة الأولى في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة أناغا نيلاكانتان الدعم في صياغة التقرير وتحريره. قامت بتحرير التقرير أيضا آيدا سوير، مديرة قسم الأزمات والصراعات والأسلحة، وإريك غولدستين، النائب السابق لمدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقام كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول، وجيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات، بتقديم المراجعة القانونية. أجرى توم بورتيوس، نائب مديرة البرامج، وساري باشي، مديرة البرنامج، مراجعة برمجية.

تم تقديم المراجعات المتخصصة من قبل جوليا بليكنر، باحثة أولى في قسم آسيا ومبادرة الصحة العالمية؛ وإمينا سيريموفيتش، المديرة المشاركة في قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ ولويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في نيويورك؛ وفيليب دام، مدير المناصرة في الاتحاد الأوروبي؛ وسام دوبرلي، مدير قسم التكنولوجيا والحقوق والتحقيقات؛ وكلاوديو فرانكافيلا، المدير المشارك للمناصرة في الاتحاد الأوروبي؛ ومارك هيزناي، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات والأسلحة؛ وغابرييلا إيفينز، رئيسة أبحاث المصادر المفتوحة في مختبر التحقيقات الرقمية في قسم التكنولوجيا والحقوق والتحقيقات؛ ولوسي ماكيرنان، نائبة مدير شؤون المناصرة في الأمم المتحدة في جنيف؛ وأوريم نيكو، باحث أول في قسم أفريقيا؛ وسوناي فاسوك، باحث أول في قسم آسيا؛ وهيلاري باور، مديرة الأمم المتحدة في جنيف؛ وماكارينا سايز، المديرة التنفيذية لقسم حقوق المرأة؛ وعمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين؛ وبريدجيت سليب، باحثة أولى في مجال حقوق المسنين؛ وليتا تايلر، المديرة المشاركة السابقة لقسم الأزمات والنزاعات؛ وبيل فان إسفلد، القائم بأعمال مدير شؤون إسرائيل وفلسطين؛ وسارة ياغر، مديرة واشنطن.

تم إعداد التقرير للنشر من قبل المنسقة المشاركة في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة، نيا نايتون؛ ومسؤول المنشورات، ترافيس كار؛ والمدير الإداري الأول فيتزروي هوبكنز.

نود أيضا أن نشكر مايكل سفارد على مراجعته أجزاء من التقرير.

نود أن نشكر الأفراد الذين جعلوا هذا التقرير ممكنا من خلال مشاركة تجاربهم معنا على الرغم من الصدمة الحادة التي كانوا يعانون ومجتمعاتهم يمرون بها في وقت إجراء المقابلات.