Skip to main content
تبرعوا الآن

غزة: إسرائيل تستهزئ بأوامر "محكمة العدل الدولية"

استمرار عرقلة المساعدات رغم المجاعة

شاحنات أمريكية مساعدات إنسانية متجهة إلى قطاع غزة تصطف أمام معبر رفح على الجانب المصري، 23 مارس/آذار 2024.  © 2024 خالد دسوقي/ أف ب عبر غيتي إمجز

(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن إسرائيل تنتهك أوامر "محكمة العدل الدولية" الملزِمة قانونا عبر عرقلة دخول المساعدات والخدمات المنقذة للحياة إلى غزة. منذ يناير/كانون الثاني 2024، أمرت المحكمة مرتين باتخاذ تدابير مؤقتة تطالب إسرائيل بإتاحة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية كجزء من القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا والتي تزعم انتهاك إسرائيل "اتفاقية الإبادة الجماعية" لعام 1948.

في 5 مايو/أيار، أغلقت السلطات الإسرائيلية معبر كرم أبو سالم بعد هجوم صاروخي لـ "حماس"، ثم سيطرت في 7 مايو/أيار على معبر رفح ضمن توغلها في المنطقة، ما حال دون دخول المساعدات وخروج الناس من غزة عبر المعابر الرئيسية المستخدمة في الأشهر الأخيرة. في حين سمحت السلطات الإسرائيلية بدخول المزيد من شاحنات المساعدات في الأسابيع السابقة وفتحت معبرا إضافيا وميناءً لدخول المساعدات، كانت الزيادة متواضعة وغير كافية إطلاقا لتلبية الاحتياجات الهائلة بحسب الأمم المتحدة ووكالات إغاثة غير حكومية. قالت المنظمات إن إسرائيل واصلت منع وصول مواد المساعدات الحيوية لتصل بالكاد نسبة صغيرة من تلك المساعدات المحدودة إلى شمال غزة، حيث ثمة حاجة ماسة إليها.

قال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: "رغم موت الأطفال نتيجة التجويع والمجاعة في غزة، ما تزال السلطات الإسرائيلية تمنع المساعدات الضرورية لبقاء سكان غزة على قيد الحياة، في تحد لمحكمة العدل الدولية. يتعرض المزيد من الفلسطينيين لخطر الموت مع كل يوم تمنع فيه السلطات الإسرائيلية المساعدات المنقذة للحياة".

في 26 يناير/كانون الثاني، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل "باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها". كما فرضت المحكمة في 28 مارس/آذار إجراءات إضافية، في ضوء "انتشار المجاعة والتجويع"، وأمرت إسرائيل بضمان تقديم المساعدة الإنسانية بدون عوائق، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة، بسبل تشمل فتح نقاط عبور برية جديدة.

يتطلب أمر المحكمة الصادر في مارس/آذار من إسرائيل تقديم تقرير إلى محكمة العدل الدولية في غضون شهر واحد بشأن تنفيذ إجراءات المحكمة. لكن بحلول 2 مايو/أيار، كانت السلطات الإسرائيلية ما تزال تواصل عرقلة الخدمات الأساسية ودخول الوقود والمساعدات المنقذة للحياة، وهي أفعال ترقى إلى جرائم حرب وتشمل استخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب.

وفقا للأمم المتحدة، ارتفع متوسط عدد الشاحنات الوافدة إلى غزة عبر معبرَي كرم أبو سالم ورفح بمقدار 24 شاحنة فقط يوميا في الشهر الذي تلا إصدار هذا الأمر – من متوسط 162 شاحنة يوميا بين 29 فبراير/شباط و28 مارس/آذار، إلى 186 شاحنة يوميا بين 29 مارس/آذار و28 أبريل/نيسان. يشكل ذلك  حوالي 37% فقط من العدد الذي كان يدخل غزة يوميا قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما كان 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات وسط الإغلاق الإسرائيلي غير القانوني المستمر منذ أكثر من 16 عاما.

ألقت السلطات الإسرائيلية باللوم في تأخير التوزيع على الأمم المتحدة، لكن إسرائيل، باعتبارها سلطة الاحتلال، ملزمة بتوفير الرعاية الاجتماعية للسكان الخاضعين للاحتلال وضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان غزة.

استجابةً لضغوط الحكومة الأمريكية، فتحت السلطات الإسرائيلية في 1 مايو/أيار معبر إيرز – وهو نقطة تفتيش بين إسرائيل وشمال غزة – أمام تسليم المساعدات، ما سمح بدخول 30 شاحنة. من غير الواضح ما إذا كانت دخلت شاحنات أخرى عبر إيرز منذئذ. وفي أبريل/نيسان، بدأت أيضا بالسماح بدخول بعض المساعدات من مرفأ أشدود، وهو ميناء بحري جنوب تل أبيب. قالت الحكومة الإسرائيلية في ردها بتاريخ 30 أبريل/نيسان على التماس في "المحكمة العليا" يطعن في القيود على المساعدات إنها تنوي أيضا فتح معبر إضافي للمساعدات في الشمال.

رغم هذه الزيادات، صرّحت منظمة "أطباء بلا حدود" في 1 مايو/أيار أن المواد والتجهيزات الأساسية مثل خزانات الأكسجين، والمولدات، والبرّادات، والمعدات الطبية الحيوية ما تزال ممنوعة، وأن القليل جدا من المساعدات يصل إلى شمال غزة، وأنه "لا يوجد وضوح أو اتساق فيما يتعلق بما هو مسموح بدخوله إلى غزة".

في بدايات أبريل/نيسان، زار باحثو هيومن رايتس ووتش شمال سيناء المصرية، المتاخمة لغزة، وتحدثوا إلى عاملين في 11 وكالة أُممية ومنظمة إغاثية ترسل مساعدات إلى غزة. قالوا جميعهم إن السلطات الإسرائيلية تواصل عرقلة دخول المساعدات عبر مصر. أضافوا أن الاحتياجات الهائلة لا تتم تلبيتها بسبب قلة المساعدات، رغم الزيادات الأخيرة، والرفض التعسفي لإدخال المواد الحيوية.

قال عمال الإغاثة إن السلطات الإسرائيلية لم تقدم أي قائمة بالمواد المحظورة، ويرفض موظفو التفتيش حمولة شاحنات بأكملها بدون الاستناد إلى معايير ثابتة أو تقديم تفسير أو السماح بالاستئناف. قال أحدهم: "إنهم يرفضون تقديم قائمة [بالعناصر الممنوع دخولها]، معللين ذلك بالقول إنه قرار فردي". وما يزيد غموض العملية، حسبما قالوا، أن السلطات الإسرائيلية عموما لا تسمح لممثلي وكالات الإغاثة بالتواجد عند نقاط التفتيش حيث تُفَتَّش شاحنات المساعدات.

قال عديدون إن السلطات الإسرائيلية تحظر في بعض الحالات المواد التي تعتبرها "ذات استخدام مزدوج"، أي التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، لكن لا توجد قائمة واضحة بتلك العناصر. وردا على طلب بموجب حرية المعلومات للحصول على قوائم ما يسمى بالمواد "ذات الاستخدام المزدوج"، قالت السلطات الإسرائيلية إنها ما تزال تستخدم قائمة المواد ذات الاستخدام المزدوج التي نشرتها في العام 2008. قالت المديرة التنفيذية لمنظمة "ﭽيشاه–مسلك" الحقوقية الإسرائيلية تانيا هاري لـ هيومن رايتس ووتش: "نرى تفسيرهم للقائمة فضفاضا للغاية، وهذا ليس بجديد، لكنه يحدث على إثر كارثة إنسانية".

منذ أن هاجم مقاتلون بقيادة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدلى مسؤولون إسرائيليون كبار بتصريحات علنية أعربوا فيها عن هدفهم المتمثل في حرمان المدنيين في غزة من الغذاء والماء والوقود – ما يعكس السياسة التي تنفذها القوات الإسرائيلية. كما صرّح مسؤولون إسرائيليون آخرون علنا بأن المساعدات الإنسانية لغزة ستكون مشروطة إما بالإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس على نحو غير قانوني أو بتدمير حماس.

تتمتع "وحدة تنسيق أنشطة الحكومة في المناطق" (وحدة التنسيق)، الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالسيطرة الكاملة على ما يمكن إدخاله إلى القطاع. بعد تفتيشها في مصر، يتوجب على شاحنات المساعدات الإنسانية المرور عبر موقعَيْ تفتيش تسيطر عليهما إسرائيل: نيتسانا وكرم أبو سالم. قال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الشاحنات تضطر في كثير من الأحيان إلى الانتظار لأيام، وأحيانا أسابيع، للخضوع للتفتيش بسبب ساعات العمل وآلات المسح المحدودة، فضلا عن إجراءات التفتيش الجديدة التي أضيفت منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول في إسرائيل.

قال موظف أممي لـ هيومن رايتس ووتش إن شاحنة مليئة بالإمدادات الطبية ظلت على الحدود طيلة شهر في انتظار التفتيش.

قال عمال إغاثة إن السلطات الإسرائيلية رفضت معظم التجهيزات التي تحتوي ألواحا شمسية ومحركات وبعض الأجزاء المعدنية، وحتى التجهيزات المخزّنة في صناديق خشبية، بغض النظر عن محتواها، فضلا عن رفضها المستمر معدات ومواد مثل المولدات، وأنظمة تنقية المياه، والأكسجين. أفاد عمال إغاثة عديدون أنه إذا رُفض عنصر واحد فقط من حمولة الشاحنة، سيُرفض دخول الشاحنة بأكملها.

في 2 أبريل/نيسان، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وحدة التنسيق تطلب تعليقا بشأن عرقلة إسرائيل للمساعدات، لكنها لم تتلق ردا.

قال أشخاص عدة إن بعض الشاحنات رُفضت مرارا لأسباب مجهولة. أشاروا إلى أن عمال الإغاثة حاولوا تخمين سبب الرفض، وتعديل الشحنات وفقا لذلك، لكنها كانت تُرفض مجددا أحيانا. قال أحد العاملين في "برنامج الأغذية العالمي": "يمثل الرفض هذا لُغزا لافتقاره إلى الاتساق. تُرفض أحيانا العناصر نفسها التي تمت الموافقة على دخولها سابقا".

قال عمال الإغاثة إنه بعد أكثر من ستة أشهر على بدء القتال، تفرز الوكالات تلقائيا المواد الأساسية المنقذة للحياة لإزالتها من الشاحنات، ويُرسل فقط ما يُتوقع دخوله. يعني هذا أنهم يتركون بعض العناصر الحيوية لأنهم يتوقعون رفضها، مثل المولدات الكهربائية اللازمة لتوفير الكهرباء للمعدات الحيوية للصحة والمياه والصرف الصحي؛ ومواد إصلاح البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي؛ والمعدات الطبية مثل أجهزة الأشعة السينية.

منذ نوفمبر/تشرين الثاني، قدمت وكالات الإغاثة أحيانا قوائم بمواد المساعدات إلى مكتب التنسيق للحصول على الموافقة المسبقة. ومع ذلك، حتى عندما منحت الموافقة المسبقة، كانت المواد في مناسبات عديدة تُرفض عند نقاط التفتيش. قال موظف برنامج الأغذية العالمي إنه، في إحدى الحالات، حصل "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، وهو وكالة أممية تركز على الصحة الإنجابية وصحة الأم، على موافقة مسبقة لإرسال عيادة أمومة إلى غزة، لكن رفضت السلطات الإسرائيلية إدخالها مرتين على الحدود بدون تفسير.

استجابت دول عدة للقيود غير القانونية التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية بإسقاط المساعدات جوا. كما تعهدت الولايات المتحدة ببناء ميناء بحري مؤقت في غزة، لكن قالت منظمات إغاثة ومسؤولون أُمميون إن هذه الجهود غير كافية لتلافي حدوث مجاعة.

في قرارها المتعلق بالتدابير المؤقتة الذي أصدرته في مارس/آذار، صرّحت محكمة العدل الدولية أن "ثمة حاجة ملحة إلى زيادة قدرة وعدد نقاط العبور البرية المفتوحة إلى غزة وإبقائها مفتوحة من أجل زيادة تدفق إيصال المساعدات" وأنه "لا بديل عن الطرق ونقاط الدخول البرية من إسرائيل إلى غزة لضمان إيصال الغذاء والماء والمساعدات الطبية والإنسانية بفعالية وكفاءة".

على السلطات الإسرائيلية فتح معابر برية إضافية بشكل عاجل، ورفع الحظر المفروض على مواد الإغاثة الحيوية. وعليها تزويد وكالات الإغاثة بقائمة المواد المحظورة، وتقديم المواصفات للمواد المسموح بدخولها فقط وفق مواصفات معينة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على المفتشين تقديم تفسيرات مكتوبة لأي رفض، والسماح للوكالات باستئناف قرارات الرفض.

في 4 مايو/أيار، قالت سيندي ماكين، وهي أميركية تتولى إدارة برنامج الأغذية العالمي: "ثمة مجاعة –  مجاعة شاملة – في الشمال، وهي تتجه نحو الجنوب". في 22 أبريل/نيسان، أفادت "اليونيسف" أن "1.1 مليون شخص يواجهون مستويات كارثية من الجوع".

قال شاكر: "يواجه مئات آلاف الفلسطينيين المجاعة، والعديد منهم يواجهون خطر الموت جوعا في أعقاب تجاهل إسرائيل المستمر للقانون. تخاطر الدول التي تواصل إرسال الأسلحة بالتواطؤ في الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين".

Correction

تصحيح 30/5/2024: متوسط عدد الشاحنات التي تدخل إلى غزة يوميا يشمل شاحنات المساعدات الإنسانية والسلع التجارية على حد سواء. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة