(جنيف) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على الحكومات الالتزام بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المدن والبلدات.
ينبغي أن يصادق الاجتماع الدبلوماسي في 10 فبراير/شباط 2020 بجنيف على إعلان سياسي من شأنه توفير حماية أفضل من هذه الأسلحة للمدنيين في المناطق المأهولة بالسكان. قدّمت هيومن رايتس ووتش و"العيادة الدولية لحقوق الإنسان" في كلية الحقوق بجامعة هارفارد (العيادة الدولية لحقوق الإنسان) تحليلا لمسودة عناصر الإعلان إلى الاجتماع.
قال ريتشارد وير، الباحث في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "على الحكومات أن تعترف بالأثر المدمر للأسلحة المتفجرة على المدنيين في المدن والبلدات والقرى. هناك حاجة مُلِحّة إلى تعهد مشترك لتجنب استخدام هذه الأسلحة العشوائية في المناطق المأهولة بالسكان."
أبحاث هيومن رايتس ووتش خلال العقد الماضي حول آثار الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع في المناطق المأهولة بالسكان تُظهر الأضرار التي ألحقتها هذه الأسلحة بالمدنيين، وأبرزت الحاجة إلى إعلان سياسي قوي لتجنب استخدامها وتطوير ممارسات أفضل.
تشمل الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع النطاق الأسلحة التي تحدث منطقة انفجار كبيرة أو تنتشر شظايا على نطاق واسع. تشمل أيضا بعض القنابل التي تسقطها الطائرات، والأسلحة التي تحمل ذخائر متعددة تنتشر على مساحة كبيرة، مثل صواريخ "غراد"، والأسلحة غير الدقيقة التي لا يمكن توجيهها بشكل فعال، مثل "البراميل المتفجرة". ينبغي أن تُدرَج جميعها ضمن الإعلان الدولي المقترح.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه بسبب الأضرار العشوائية المتوقعة التي تُلحِقها هذه الأسلحة بالمدنيين، ينبغي أن ينص الإعلان على ضرورة تجنب استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان.
غالبا ما تتسبب الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة النطاق بأضرار مدنية مُدمّرة للمدنيين والأعيان المدنية. أدى التوسع الحضري المتزايد للنزاع إلى تعريض ملايين المدنيين للخطر من هذه الأسلحة، مما تسبب في مقتل وإصابة عشرات الآلاف في أماكن مثل سوريا وأفغانستان واليمن.
وثّقت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة الاستخدام غير القانوني للأسلحة المتفجرة من قبل القوات المسلحة الحكومية والجماعات المسلحة غير الحكومية في عديد من النزاعات المسلحة. وجدت منظمة "العمل ضد العنف المسلح" وهي جماعة غير حكومية، أنه في كل عام تقريبا من العقد الماضي، شكّل المدنيون أكثر من 90 بالمئة من الإصابات عند استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.
الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة النطاق ألحقت أضرارا، أو دمرت بالكامل بشكل متكرر، البنية التحتية المدنية، كالجسور وأنابيب المياه ومحطات الطاقة والمستشفيات والمدارس، ما يخلّف بدوره آثار مدمرة على الخدمات الأساسية. استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان يجبر الناس على الفرار من منازلهم، مما يفاقم الاحتياجات الإنسانية.
على الدول المشاركة في اجتماع جنيف وضع وإقرار إعلان سياسي قوي يعترف بالضرر الناجم عن استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة، ويتعهد بتجنب استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان. أكدت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى إن الإعلان ينبغي أن يساعد في توضيح القانون الإنساني الدولي عبر وضع قرينة ضد استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان.
ينبغي أن يُلزم الإعلان الدول بوضع القوانين والسياسات والعقيدة العسكرية المرتبطة باستخدام هذه الأسلحة، ومراجعتها حسب الاقتضاء. على الدول أيضا أن تلتزم بمساعدة ضحايا الأسلحة المتفجرة، مثلا عبر تقديم الرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي، وضمان الإدماج الاجتماعي والاقتصادي. عليها دعم جهود إعادة الإعمار، وتعويض الناس فورا عن انتهاكات قوانين الحرب، وعند الإمكان، تقديم مدفوعات على سبيل الهبة للوفيات والإصابات والأضرار في الممتلكات. ينبغي أن تستهدف المساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة. ينبغي للدول أيضا أن تلتزم بجمع ومشاركة الممارسات الإيجابية والبيانات المصنفة، وتحديدا لتتبع الإصابات بين المدنيين والأضرار الأخرى الناجمة عن الأسلحة المتفجرة، ومشاركة ممارساتها من خلال اجتماعات منتظمة.
مع أن مسودة عناصر الإعلان السياسي التي صدرت مؤخرا تشكّل نقطة انطلاق قوية للمناقشات، إلا أن تحليلا أجرته هيومن رايتس ووتش والعيادة الدولية لحقوق الإنسان حدّد عدة مجالات ينبغي تعديلها لتحسين حماية المدنيين. يتعيّن أن يحدد الإعلان التزاما بـ "تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع في المناطق المأهولة بالسكان"، ووضع افتراض واضح بأن الاستخدام غير مقبول نظرا إلى توقع حدوث ضرر عشوائي. ينبغي أن يعزز الإعلان ويفصّل الالتزام بمساعدة الضحايا. ينبغي تركيز مزيد من الاهتمام على الآثار الارتدادية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، وتعزيز الالتزامات المتعلقة بجمع البيانات ومشاركتها، وإنشاء إطار لاجتماعات المتابعة الدورية.
يحظر القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، استخدام الأسلحة والهجمات التي تُسبب خسائر عشوائية أو غير متناسبة للمدنيين والأعيان المدنية، ويطلب من الأطراف اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الأذى المدني إلى الحد الأدنى. رغم عدم وجود حظر محدد على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، إلا أن بعض الأسلحة، خاصة التي لا يمكن أن تكون آثارها محدودة بشكل كاف، قد تكون غير قانونية. حُظر نوعان من الأسلحة المتفجرة بالكامل، وهي الألغام الأرضية المضادة للأفراد والذخائر العنقودية، بسبب آثارها العشوائية بطبيعتها على المدنيين.
تُلزم الإعلانات السياسية الدول بتحقيق الأهداف المتفق عليها. رغم أن هذه الالتزامات ليست ملزمة قانونا، لكنها تحمل أهمية كبيرة لأنها تحدد معايير السلوك ويمكن أن تساعد في توضيح القانون الدولي الحالي. مثلا، يسعى "إعلان المدارس الآمنة" لعام 2015، الذي تدعمه 101 دولة حاليا، إلى تقييد الاستخدام العسكري للمدارس وإبقاء الأطفال في المدارس أثناء النزاعات.
تسعى هيومن رايتس ووتش، إلى جانب "الشبكة الدولية ضد الأسلحة المتفجرة" التي شاركت هيومن رايتس ووتش في تأسيسها، إلى فرض قيود على استخدام هذه الأسلحة منذ 2011، داعية إلى "اتخاذ إجراءات فورية لمنع معاناة الإنسان من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان".
قال وير: "العقد الماضي لم يكشف فقط الدمار الذي تحدثه الأسلحة المتفجرة ذات التأثير الواسع في المناطق المأهولة بالسكان، وإنما أيضا الأهوال الحتمية الناجمة عن استخدامها. على الدول الاتفاق فيما بينها على سُبل لتعزيز حماية المدنيين من الآثار المدمرة لهذه الأسلحة."
الأسلحة المتفجرة وعشر سنوات من الدمار
دأبت هيومن رايتس ووتش على توثيق الاستخدام الموسّع للأسلحة المتفجرة التي لها نطاق انتشار واسع، في المناطق المأهولة بالسكان في عدة نزاعات مسلحة. في عدة حالات، شكّل ذلك خرقا لقوانين الحرب، حيث ارتُكبِت جرائم حرب. استخدمت قوات مسلّحة حكومية وجماعات مسلحة غير تابعة لدول الأسلحة المتفجرة واسعة النطاق في المناطق المأهولة، ما كان له آثار مدمرة على المدنيين. تقدّم الأمثلة أدناه من العقد الماضي لمحة عن هذه الممارسة وتبعاتها على المدنيين. هي لا تمثل كافة الكيانات التي تستخدم هذه الأسلحة المتفجرة أو النطاق الكامل لاستخدامها.
خلال السنوات العشر الأخيرة، تزايد الزخم نحو التوصّل إلى إعلان سياسي إزاء استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان. في 2015، عقدت النمسا اجتماعا حول هذه القضية مع دول ومنظمات مجتمع مدني كثيرة، ومنها هيومن رايتس ووتش. انعقد اجتماعان إقليميان بعد ذلك، أحدهما مع الدول الأفريقية والآخر مع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي. في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقّعت 50 دولة بيانا مشتركا قويا وغير مسبوق في "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، حول الحاجة إلى إعلان سياسي يحدّ من استخدام هذه الأسلحة بالمناطق المأهولة بالسكان.
أصدر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وبيتر ماورير، رئيس "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، دعوة مشتركة في سبتمبر/أيلول 2019 دعما لإصدار إعلان سياسي وللمطالبة بوضع معايير وسياسات للتصدي لاستخدام الأسلحة المتفجرة بالمناطق المأهولة بالسكان.
في مؤتمر انعقد في فيينا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أطلقت النمسا عملية للعمل نحو وضع إعلان سياسي جديد. شاركت 133 دولة في المؤتمر، وأبدت الغالبية العظمى من الدول التي تحدثت عن دعمها للإعلان. بدأت إيرلندا الشهر التالي مشاورات دبلوماسية حول إعلان سياسي في جنيف. في اجتماع بتاريخ 10 فبراير/شباط، ستُبدي الدول تعليقاتها على المسودة الصادرة مؤخرا لعناصر الإعلان. بعد مشاورات إضافية، تهدف أيرلندا إلى الانتهاء من إعداد النصّ وفتحه للتصديق بحلول مايو/أيار أو يونيو/حزيران.
الأسلحة المتفجرة والإصابات بين المدنيين
قد يكون للأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق مدى تدميري كبير، وهي غير دقيقة بطبيعتها، أو تُسقِط عدة ذخائر في وقت واحد، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. عادة ما يدخل السلاح الواحد ضمن فئتين من الفئات المذكورة. مثلا، قد تكون الصواريخ غير الموجهة وقذائف المدفعية من العيار الثقيل غير دقيقة، وتحدث انفجارا وتنثر شظايا على مساحات واسعة.
الأسلحة ذات النطاق التدميري الواسع
هناك الكثير من الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق بسبب تصميمها أو طريقة استخدامها، حيث تسفر غالبا عن مدى تفجيري كبير أو تتسبب بتناثر شظايا على مساحات واسعة. يشمل هذا أنواعا متعددة من الأسلحة، مثل الأسلحة المُلقاة جوا، وبعض الصواريخ، وبعض قذائف المدفعية الثقيلة. تبيّن أن استعمال الأسلحة الملقاة جوا والتي لها نطاقات انفجار أو شظايا مميتة كبيرة، مرتبط في أحيان كثيرة بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين. وثقت هيومن رايتس ووتش الاستخدام الواسع لهذه الأسلحة في كل من سوريا، والعراق، واليمن، وإسرائيل/فلسطين، والسودان من بين دول أخرى. بغضّ النظر عما إذا كانت هذه الأسلحة موجّهة، يؤدي حجمها الكبير يؤدي إلى نطاق تفجيري وتناثر شظايا واسع يؤثر بشدة على المدنيين والمنشآت المدنية، حتى إذا لم يكن المدنيين والبنى المدنية مستهدفين مباشرة.
استخدمت الحكومتان السورية والروسية وأعضاء التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأسلحة الملقاة جوا الموجّهة وغير الموجّهة طيلة فترات الصراع السوري، فتسببت بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين وأضرار بالممتلكات. توصلت "منظمة الحراك ضد العنف المسلح" التي تجمع بيانات حول وقائع العنف المسلح من التقارير الإعلامية الصادرة بالإنغليزية، إلى أن الأسلحة الملقاة جوا تسببت في 45 بالمئة من جميع الخسائر المدنية في سوريا في الفترة من 2011 إلى 2018.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، توصلت المنظمة المذكورة إلى أن سوريا هي الدولة الأكثر تضررا من الأسلحة المتفجرة، حيث تسببت القوات الحكومية بـ 74 بالمئة من الوفيات المدنية الـ 617 المبلغ بها، وكان 55 بالمئة من بين هذه النسبة نتيجة الغارات الجوية. منذ أبريل/نيسان 2019، قتلت الغارات الجوية بمحافظة إدلب التي شنها التحالف العسكري السوري الروسي، أكثر من 1,500 مدني، بحسب الأمم المتحدة. مجموعة من الغارات التي يبدو أنها غير قانونية، والتي وثقتها هيومن رايتس ووتش في مايو/أيار، أصابت منزلَيْن وأسفرت عن مقتل عشرة مدنيين بينهم أربعة أطفال وأظهرت القوة التدميرية للأسلحة الكبيرة الملقاة جوا. قال أحد الشهود:
كنا نجلس بالداخل. فجأة حرّكنا شيء ما، ربما الضغط. تهشمت النوافذ وانفتحت الأبواب وتطايرت شظايا الزجاج في كل مكان. كان هذا مرعبا. وقعت الضربة الثانية بعد دقيقة، أو دقيقة و15 ثانية، وكانت مماثلة: وأنت جالس فجأة تسمع انفجارا، لا تسمع الطائرة، لا تسمع [الذخائر]، لا تسمع أي شيء سوى الانفجار. الضربة الثالثة جاءت بعد دقيقة. والرابعة أيضا. بين كل ضربة والأخرى دقيقة أو أقل. يوم مرعب. لا تسمعها. لا تعرف [إن كانت] ستضربك أم لا. فجأة تتصاعد ألسنة اللهب، وتتطاير الأحجار من حولك.
أدى استخدام التحالف بقيادة الولايات المتحدة أيضا للذخائر الكبيرة الملقاة جوا في شمال شرق سوريا إلى إصابة ومقتل مدنيين مكثوا بالمنطقة أثناء الحملة لإخراج تنظيم "الدولة الإسلامية" (يُعرف أيضا بـ "داعش") من المنطقة، وتسببت بأضرار بالغة في البنية التحتية المدنية. كان القتال في محافظة الرقة من بين العمليات الأشد التي نفذها التحالف، ووثقت هيومن رايتس ووتش غارات جوية عديدة أدت إلى أضرار جسيمة في صفوف المدنيين.
استخدمت القوات الإسرائيلية بدورها مرارا الذخائر الملقاة جوا في عدة عمليات في غزة. أثناء الحملة الجوية والبرية التي دامت 51 يوما في 2014، شنّت إسرائيل أكثر من ستة آلاف غارة جوية وأطلقت عشرات الآلاف من مقذوفات الدبابات والمدفعية، بحسب الأمم المتحدة. بالإجمال، قُتل أكثر من 1,462 مدنيا فلسطينيا. وثقت هيومن رايتس ووتش عدة غارات جوية يبدو أنها كانت غير قانونية، أثناء العملية التي أصابت منشآت يبدو بوضوح أنها مدنية، والكثير منها كانت في مناطق مأهولة بالسكان. قتلت إحدى الضربات امرأة، هي آمال عبد الغفور، وكانت حامل في الشهر السابع، وطفلتها البالغة من العمر عاما، وأصابت زوجها وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات. كانت الأسرة تعيش في الجهة المقابلة من الشارع أمام مبنى سكني أصيب بعدة صواريخ، بحسب شهود.
في أفغانستان، تسبب عقدان تقريبا من النزاع بمشاركة القوات الأمريكية والقوات الأفغانية الحكومية وطالبان وجماعات مسلحة أخرى، في أضرار بالغة لحقت بالمدنيين، بما يشمل وفيات وتدمير ممتلكات والإضرار بالصحة النفسية للناس. بدأت الخسائر البشرية في صفوف المدنيين بسبب الغارات الجوية والقصف المدفعي على يد الولايات المتحدة والقوات الدولية في الانحسار مع فرض "التوجيهات التكتيكية" الصادرة للتصدي لوفيات المدنيين بدءا من 2007، والتي قيّدت استخدام الأسلحة المتفجرة بالمناطق المأهولة بالسكان. لكن هذه القيود على ما يبدو قد تراخت خلال السنوات الأخيرة، وترافق ذلك مع زيادة في الإصابات في صفوف المدنيين بسبب الغارات الأمريكية والغارات التي شنتها القوات الحكومية الأفغانية. في إحدى الغارات الجوية عام 2017، وثقت هيومن رايتس ووتش مقتل تسعة أشخاص بغارة بطائرة بدون طيار أمريكية بعدما هاجمت القوات الأفغانية مقاتلين منتمين لداعش في إقليم خراسان. قال شاهد قُتلت أمه وشقيقته وزوجة شقيقه في الغارة الجوية:
كان هناك مراسم عزاء وحضروا [الناس] للوقوف إلى جانب الأسرة... همّت أختي وأمي بالدخول من بوابة دار الضيافة، وكانت زوجة أخي ورائهما بقليل، عندما سقطت القنبلة. سيارتهم نصف مدفونة في حفرة. كانت الدار في المنتصف بين نقطتين شهدتا قتالا، على مسافة مائتي متر في هذا الاتجاه وذاك. ضربت الغارات الجوية دار الضيافة والسيارة.
قُتل أيضا آلاف المدنيين وأصيبوا في هجمات المتمردين التي استُخدِمت خلالها أسلحة متفجرة كبيرة مثل الأجهزة المتفجرة المرتجلة، شنت طالبان العديد منها في كابول. فاقت الوفيات جراء العمليات الأمريكية والأفغانية تلك التي حدثت بسبب عمليات طالبان للمرة الأولى، في النصف الأول من 2019، ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى ارتفاع حاد في الضربات الجوية الأمريكية.
الأسلحة ونظم الأسلحة غير الدقيقة
هناك أنواع عديدة من الأسلحة ونظم إطلاق الأسلحة، سواء المصنّعة أو المرتجلة، والتي بطبيعتها يصعب استخدامها في أماكن مأهولة دون وجود مخاطرة كبيرة بأن تكون الهجمات عشوائية. الأسلحة مثل قذائف الهاون والمدفعية والصواريخ، التي تطلق ذخائر غير موجّهة، تعتبر نظم أسلحة غير دقيقة بطبيعتها. في بعض الحالات، يمكن للقوات المسلحة أن تعوّض عدم الدقة هذه بأن تراقب آثار الأسلحة وتُجري تعديلات، لكن الضربات الأولى والمساحة الكبيرة نسبيا التي قد تسقط عليها بغضّ النظر عن التعديلات، تجعل هذه الأسلحة غير مناسبة للاستخدام بالمناطق المأهولة. الذخائر المرتجلة، مثل البراميل المتفجرة والصواريخ غير الموجّهة التي يتم إطلاقها من البر والجو، هي بطبيعتها أيضا غير دقيقة. هذا النقص في الدقة يجعل التمييز بين المدنيين والمقاتلين أثناء الهجوم على منطقة مأهولة مسألة مستحيلة عمليا.
في اليمن، تسبب القصف المدفعي وبقذائف الهاون من قِبل القوات الحكومية وجماعة الحوثي المسلحة في وفيات كثيرة في أكبر مدن اليمن. في واحدة من سلاسل الهجمات في مايو/أيار 2017، وثقت هيومن رايتس ووتش سبع هجمات شنتها قوات الحوثي والقوات الموالية للحكومة، والتي قتلت 12 مدنيا على الأقل، بينهم أربعة أطفال، وأصابت 29 آخرين بينهم عشرة أطفال. وقعت الضربات على مسافة مئات الأمتار من خطوط القتال ومن أعيان عسكرية أخرى، فسقطت في أحياء سكنية وفي سوق وعلى عربة فواكه.
في جنوب السودان، أدى استعمال الحكومة وقوات المعارضة عام 2016 لقذائف الهاون والمدفعية بمناطق كثيفة السكان إلى وفيات كثيرة أثناء القتال حول جوبا. أطلقت القوات الحكومية وقوات المعارضة قذائف مدفعية وهاون على، أو فوق، مواقع مدنية محمية حددتها الأمم المتحدة، وسقطت بعض القذائف داخل مخيّم كان يضمّ نحو 30 ألف من المشردين داخليا. سقطت قذيفة أخرى على عيادة طبية كانت تديرها منظمة "إنترناشيونال ميديكال كوربس" الطبية الدولية غير الحكومية، وألحقت بها أضرارا.
وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى الخسائر البشرية الهائلة والضرر الكبير اللاحق بالمدنيين جراء استخدام الحكومات السورية والعراقية والسودانية للبراميل المتفجرة على نطاق واسع . هذه القنابل المرتجلة هي أسلحة شديدة الانفجار وغير موجّهة، تكلفتها زهيدة، وهي محلية الصنع، وعادة ما تُركَّب باستخدام براميل نفطية كبيرة، أو أسطوانات الغاز أو خزانات مياه مليئة بمتفجرات شديدة الانفجار وحديد خردة لتحسين آثار الشظايا، ويتم إسقاطها من مروحيات تحلق على ارتفاعات شاهق.
رصد مروان (15 عاما) في عندان بمحافظة حلب، الآثار المروعة لهذه الأسلحة في 14 يونيو/حزيران 2014، عندما سقط برميل متفجر على سوق:
"لا أذكر أي شيء، سوى أنني أفقت فرأيت القتلى. سقط فوقي مبنى من طابقين، وكان الناس يسحبونني من تحت الأنقاض... رأيت العديد من الأشخاص مطروحين أرضا، وعلمت لاحقا [في مستشفى تركي] في كلس إن الهجوم تسبب في مقتل 20 شخصا وإصابة 16 آخرين".
بين 22 فبراير/شباط 2014 و25 يناير/كانون الثاني 2015، حددت هيومن رايتس ووتش أكثر من ألف موقع بها آثار دمار موسع جراء انفجار ذخائر كبيرة ألقيت من الجو، بما يشمل إلقاء براميل متفجرة وقنابل تقليدية أخرى من مروحيات. تبين أيضا وجود احتمال لاستخدام صواريخ ومقذوفات وقنابل وقودية-جوية في عدد من الحالات.
وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا استخدام "وحدة الاستجابة للطوارئ" والشرطة الاتحادية بالعراق لما يُسمى بـالذخائر المرتجلة الموجهة بصواريخ، أثناء القتال لاسترداد الموصل من داعش. لم يكن في الذخائر نظام رؤية أو لتعديل اتجاه الذخائر على متن منصات الإطلاق والمركبات التي أطلَق السلاح منها، وهو ما كان ليسمح بتعديل موقع السلاح لإصابة هدف بعينه، ما يجعل محاولات توجيه الصواريخ بأي قدر من الدقة مسألة مستحيلة.
استخدمت جماعات المعارضة المسلحة مدافع مرتجلة تُدعى محليا "مدافع جهنم" (محرك صاروخي مزوّد بأسطوانة غاز مملوءة بالمتفجرات)، وصواريخ أخرى محلية الصنع لقصف قريتي الزهراء ونبل في ريف حلب بسوريا فيما بدا أنها هجمات عشوائية.
أطلقت حماس وجماعات مسلحة أخرى في غزة في العقد الماضي آلاف الصواريخ غير الموجهة نحو التجمعات السكانية المدنية في إسرائيل، بما فيها تل أبيب، ثاني أكبر مدن البلاد، متسببة بإصابة ومقتل مدنيين وأضرار في البنى التحتية. تسببت هذه الصواريخ غير الدقيقة بطبيعتها أيضا بمقتل وجرح مدنيين داخل غزة، في نوفمبر/تشرين الثاني.
الأسلحة المتعددة الذخائر
الأسلحة المتفجرة المصممة لنشر ذخائر متعددة بغية إحداث آثار على مساحة واسعة، مثل منصات "قاذفات الصواريخ متعددة الفوهات" المُعدّة لتغطية مساحة كبيرة، مقلقة على نحو خاص. صواريخ غراد الروسية التصميم تقدّم مثالا عنها وتُبرِز خصائصها مسببات القلق. يمكن أن يسقط الصاروخ في أي مكان داخل مستطيل مساحته حوالي 54 ألف متر مربع يحيط بنقطة الهدف. وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام هذه الأسلحة في نزاعات عديدة خلال العقد الماضي في مناطق مأهولة بالسكان ما تسبب في مقتل وجرح مدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية.
في شرق أوكرانيا، استخدمت القوات الحكومية والانفصاليون المدعومون من روسيا صواريخ غراد منذ 2014، ما تسبب بمقتل وجرح مدنيين عديدين. وُثِّق الأثر العشوائي لهذه الأسلحة في هجوم نفذته قوات الحكومة الأوكرانية على الأرجح ضد حي في مقاطعة بتروفسكي. بدا أن القوات الحكومية الأوكرانية أطلقت صواريخ متعددة أحدثت 19 حفرة على مساحة 600 متر، تشمل حدائق ومنازل. قالت امرأة (62 عاما):
كنت في غرفتي عندما سمعت صوت صفير. بدأت الجدران والنوافذ بالاهتزاز، ثم حدثت انفجارات مدوية عديدة. كان ابني في المطبخ وجاءني راكضا عندما بدأ القصف، محاولا إنقاذي ربما، لكن أصابته شظية في ساقه. ما الذي يريدون الهجوم عليه هنا؟ لا يوجد مصنع ولا مقاتلين هنا، فقط بضع منازل فقيرة.
أسفر هجوم على مناطق خاضعة للحكومة في ماريوبول في يناير/كانون الثاني 2015 عن مقتل 29 مدنيا وعسكري واحد على الأقل وجرح 90 مدنيا آخرين. أشارت أبحاث هيومن رايتس ووتش الميدانية إلى أن الصواريخ أطلِقت من الشرق، من مناطق تسيطر عليها جماعات مسلحة مدعومة من روسيا. عثرت هيومن رايتس ووتش على 31 حفرة لصواريخ غراد في الأرض والمباني، ومن ضمنها مدرسة. قال شاهد:
كانت الجثث متناثرة في السوق. رأيت جثة ثم أخرى ثم جثة ثالثة لفتاة اعتادت العمل في متجر للملابس المستعملة. كان رأسها مسحوقا. سقط صاروخ على السوق ودمره. لحسن الحظ، لم يكن ثمة طلاب في المدرسة عندما سقط الصاروخ هنا، وإلا لكان لدينا عشرات الأطفال القتلى.
العواقب طويلة الأمد و "الارتدادية" على المدنيين
استخدام الأسلحة المتفجرة ضمن المناطق السكنية له آثار تتخطى الإصابة المباشرة. يعتبر الأثر غير المتناسب على المباني والبنى التحتية المدنية جزءا من الخطر المتصل بالأسلحة المتفجرة ذات الأثار الواسعة في مناطقة مأهولة. تتسبب الأسلحة غالبا في تهدّم ودمار المنازل والشركات والبنية التحتية، مثل محطات الطاقة، والمستشفيات، وأنظمة الصرف الصحي والمدارس. عندما تتعرض مرافق الرعاية الصحية والصرف الصحي للضرر أو التدمير، يمكن أن يزداد خطر الإصابة بالأمراض المعدية بشكل كبير. قد يؤثر تدمير محطات الطاقة على إمدادات المياه. تضرّر المنشآت التعليمية له أيضا عواقب طويلة الأمد على الأطفال الذين يضطرون إلى تعليق تعليمهم أو إيقافه، ويكون تأثير ذلك أشد على الفتيات على الأرجح.
قد تؤثر العواقب الارتدادية لتضرر الخدمات الحيوية بشكل غير متناسب على النساء والسكان الضعفاء، مثل الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة.
تُجبر هذه العوامل العديد من المدنيين على الفرار من منازلهم أو مدنهم أو بلداتهم. الأشخاص ذوو الإعاقة أكثر عرضة للأذى لأنهم قد يكونون غير قادرين على الفرار. يزيد النزوح، إلى داخل البلاد أو خارجها، من احتمال مواجهة مخاطر أخرى متعددة، مثل فقدان الحصول إلى المياه والرعاية الصحية والصرف الصحي. قد يؤثر ذلك بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، لأسباب منها مسؤوليتهن عن جمع المياه، والاحتياجات الطبية للنساء الحوامل، والعقبات التي تعترض إدارة النظافة الصحية المتعلقة بالحيض [الدورة الشهرية]. يزيد الهرب أيضا من خطر التعرض للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي، والإتجار بالبشر، وزواج الأطفال والاستغلال، ما يؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات. غالبا ما يواجه ذوو الإعاقة الذين يصلون إلى مواقع للنازحين داخليا أو اللاجئين صعوبات في إيجاد الغذاء والصرف الصحي والمساعدة الطبية.
يؤدي استخدام هذه الأسلحة غالبا إلى تلويث المناطق المستهدفة بذخائر لم تنفجر كما ينبغي، وتُسمى متفجرات من مخلفات الحرب، مما يزيد من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون الذين يبقون أو يحاولون العودة. يعتبر الأطفال معرضون على نحو خاص لخطر المتفجرات من مخلفات الحرب.
تتفاقم الإصابات الجسدية والمخاطر المرتبطة بهذه الأسلحة بسبب الضرر النفسي المترافق بالعنف والخسارة التي تسببها الأسلحة المتفجرة للمدنيين، والذي يؤثر أيضا على الأطفال بشكل خاص.
لوحظت هذه العواقب في بلدان عديدة خلال العقد الماضي، مثل سوريا، حيث وثقت هيومن رايتس ووتش وجهات أخرى الدمار الشامل للبنية التحتية المدنية. كان جزء كبير من البنية التحتية المدمرة منشآت مدنية وليس عسكرية، كان ينبغي عدم استهدافها بموجب قوانين الحرب. نفذت الحكومة السورية، بدعم من حلفائها، روسيا وإيران وحزب الله، مئات الهجمات المستهدفة والعشوائية على المدارس والمستشفيات، غالبا بدون وجود أي أهداف عسكرية قريبة، متسببة في أضرار غير متناسبة للمدنيين. تدمّر وتضرر 70 بالمئة تقريبا من مدينة الرقة بعد آلاف القذائف التي استخدمها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في هجماته ضد داعش في المدينة. كشف تحليل هيومن رايتس ووتش الأولي لصور الأقمار الصناعية أيضا عن أضرار واسعة لحقت بالمباني في محافظة دير الزور جراء غارات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
تسببت هذه الهجمات التي نفذها العديد من أطراف النزاع في سوريا، ومعظمها بالذخيرة الكبيرة الملقاة جوا والمدفعية وقذائف الهاون والبراميل المتفجرة غير الدقيقة، بخراب أجزاء كبيرة من البلاد. وفقا للأمم المتحدة، وبحلول 2017، كان 50 بالمئة من البنية التحتية الاجتماعية، مثل المدارس والمستشفيات في سوريا، متضررا أو مدمرا في سوريا. كشفت دراسة أجراها "البنك الدولي" في يوليو/تموز 2017 عن تعرض ثماني محافظات سورية لأضرار جزئية بنسبة 20 بالمئة منذ 2011 ودمار 7 بالمئة من مساكن البلاد، وثلثي المرافق الطبية والتعليمية.
تشير تقديرات أممية حول سوريا صدرت في تقرير عام 2019 إلى أن الأعمال القتالية أثرت على 50 بالمئة من شبكات الصرف الصحي. أشارت الأمم المتحدة في التقرير نفسه، إلى أن البلاد واجهت تفشي أمراض معدية عديدة. لغاية مارس/آذار 2019، كان 2.1 مليون طفل خارج المدرسة. تتراوح التكلفة التقديرية لإعادة بناء سوريا بين 250 و500 مليار دولار أمريكي.
تعرضت ليبيا أيضا بعد عقد تقريبا من الصراع المسلح المتقطع والقتال المحلي إلى دمار كبير، مع استخدام الأسلحة المتفجرة بشكل متكرر في المناطق المأهولة بالسكان. تسببت القنابل الملقاة جوا ومدافع الهاون والمدفعية والصواريخ من قبل العديد من الأطراف المتناحرة في مقتل وجرح آلاف المدنيين، وتشريد مئات الآلاف، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية في عدة مدن. وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات عديدة مماثلة دمرت المرافق الطبية والمساكن. أدى تأثير هذا الضرر إلى زيادة ضعف المدنيين وهددت حصولهم على المياه، والرعاية الصحية، والصرف الصحي والتعليم.
خلال 2019، أدت الهجمات المتكررة بالأسلحة المتفجرة التي شنتها الجماعة المسلحة المتمركزة شرقا، المعروفة باسم "الجيش الوطني الليبي"، إلى مقتل مئات المدنيين وتشريد عشرات الآلاف في العاصمة طرابلس، الخاضعة لسيطرة جماعات مسلحة تدعم حكومة "الوفاق الوطني" المدعومة من الأمم المتحدة. كانت الغارات الجوية السبب الرئيسي للإصابات في صفوف المدنيين نتيجة للمعارك غرب ليبيا وذلك في 182 حالة من أصل 284 حالة وفاة مدنية موثقة في 2019، وفقا للأمم المتحدة. وثقت هيومن رايتس ووتش غارة جوية واضحة للجيش الوطني الليبي في طرابلس في 1 ديسمبر/كانون الأول 2019 تسببت في مقتل ستة مدنيين، بينهم أربعة أطفال. دمرت الغارة ستة منازل جزئيا ومنزلين بالكامل، وألحقت أضرارا بممتلكات مدنية أخرى.
أثر القتال بشكل كبير على الحصول على التعليم. خلص تقرير أممي لعام 2018 إلى تضرر أو تدمير أكثر من 250 مدرسة في ليبيا. تسببت المعارك في إغلاق مئات المدارس وتوقفها عن تدريس أكثر من 100 ألف طالب. أثر الوضع بشدة أيضا على الرعاية الصحية، مع إغلاق ما يقرب من 20 بالمئة من المستشفيات العامة والأولية والمتخصصة نتيجة لتضررها أو دمارها، وفقا لتقرير أممي في 2019.
أدى استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان في ليبيا إلى تلويث المنازل والأحياء بمتفجرات من مخلفات الحرب تقتل المدنيين وتشوههم، وتحول دون حصولهم على الخدمات، وتطيل أمد النزوح.