ملخص
في أبريل/نيسان 2019، شنت الحكومة السورية وحليفتها روسيا، هجوما عسكريا كبيرا لاستعادة محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في شمال غرب سوريا، إحدى آخر المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة. على مدى الأشهر الـ 11 التالية، أظهر التحالف السوري-الروسي تجاهلا صارخا لأرواح نحو 3 ملايين مدني في المنطقة، كثير منهم كانوا قد نزحوا من القتال في مناطق أخرى في البلاد.
شن التحالف عشرات الهجمات الجوية والبرية على الأعيان والبنى التحتية المدنية في انتهاك لقوانين الحرب، وضرب أماكن العمل، والعبادة، والدراسة بما فيها المنازل، والمدارس، ومرافق الرعاية الصحية والأسواق. استخدم التحالف الذخائر العنقودية، والأسلحة الحارقة، والبراميل المتفجرة المرتجلة في مناطق مأهولة، فكان لذلك أثر قاتل. قتلت الهجمات 1,600 مدني على الأقل، ودمرت وألحقت أضرارا بالبنية التحتية المدنية، وأجبرت نحو 1.4 مليون شخص على النزوح.
توقف القتال بعد اتفاق لوقف إطلاق النار تفاوضت عليه روسيا وتركيا في مارس/آذار 2020. بحلول ذلك الوقت، استعادت الحكومة السورية السيطرة على نصف الأراضي تقريبا في إدلب وما حولها، بما فيه مئات البلدات والقرى التي فقدت معظم سكانها بسبب فرارهم خلال الهجوم. منذئذ، عاد بعض الأشخاص إلى مناطق لا تزال تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة، حيث وجدوا بنية تحتية مدمرة وإمكانية محدودة للحصول على الغذاء، والماء، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعليم. تلوح في الأفق فرصة تجدد القتال والمخاطر على المدنيين.
يفحص هذا التقرير الهجوم السوري-الروسي والهجمات غير القانونية التي دامت 11 شهرا وألحقت الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية، والتي يمكن تعريفها على أنها البنى والمرافق الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس، والأسواق، التي يحتاج إليها المجتمع للعمل. يوثق التقرير 46 هجوما بريا وجويا أصابت بشكل مباشر أو ألحقت أضرارا غير مباشرة بالأعيان المدنية والبنية التحتية في إدلب في انتهاك للقانون الإنساني الدولي أو قوانين الحرب. يبني هذا التقرير على تقرير صادر عن "منظمة العفو الدولية" في مايو/أيار 2020 وثق 18 هجوما جويا وبريا غير قانوني على مدارس ومستشفيات خلال هذه الفترة في شمال غرب سوريا، ويغطي خمس من الهجمات نفسها في تقرير المنظمة، بالإضافة إلى 41 هجوما آخر.
لا تمثل هذه الهجمات سوى جزء بسيط من إجمالي الهجمات خلال تلك الفترة في إدلب والمناطق المحيطة بها. تكشف هذه الهجمات عن انتهاكات متكررة لقوانين الحرب كانت على ما يبدو جرائم حرب، وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. كما أضرت الهجمات بشكل خطير بحقوق السكان في الصحة، والتعليم، والمستوى المعيشي اللائق، بما يشمل الغذاء، والماء، والسكن.
لم يحاسَب أحد في سوريا أو روسيا على هذه الانتهاكات الجسيمة. وما زاد من تفاقم الانتهاكات هو أن البلدين عملا بقوة على إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين.
يسمي التقرير عشرة من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين السوريين والروس الذين قد يكونون متورطين في هذه الانتهاكات على أساس مسؤولية القيادة: كانوا يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا بهذه الانتهاكات ولم يتخذوا أي خطوات فعالة لوقفها أو معاقبة المسؤولين عنها مباشرة.
لتوثيق الوقائع الـ 46، قابلت هيومن رايتس ووتش 113 ضحية وشاهدا على الهجمات، فضلا عن موظفي الرعاية الصحية والإنقاذ، ومعلمين، وسلطات محلية، وخبراء في الجيشين السوري والروسي. فحصت هيومن رايتس ووتش عشرات صور الأقمار الصناعية وأكثر من 550 صورة ومقطع فيديو ملتقطة في مواقع الهجوم، وكذلك سجلات المراقبين الذين رصدوا الطائرات السورية والروسية في المنطقة.
في كل من الوقائع الـ 46، لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود أسلحة، أو معدات أو أفراد عسكريين للمعارضة حينها في المناطق التي تعرضت للهجوم. وقعت معظم الهجمات في مناطق مأهولة بالسكان، ولم يقل أي من السكان إن التحالف السوري-الروسي قدم أي تحذير مسبق. وقعت الغالبية العظمى من الهجمات الموثقة بعيدا عن القتال النشط بين قوات الحكومة السورية والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.
قالت سوريا وروسيا إن الهجوم في إدلب كان ردا على الهجمات المتكررة على قواتهما من قبل الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة ومحاولة لمكافحة "الإرهاب". نفى كبار المسؤولين السوريين والروس أن تكون عملياتهم تنتهك قوانين الحرب، رغم المزاعم المتكررة عن هجمات غير قانونية على المدارس والمستشفيات وغيرها من الأعيان المدنية خلال ما لا يقل عن 21 اجتماعا لمجلس الأمن الدولي وجلستين على الأقل لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
قدمت هيومن رايتس ووتش ملخصا لنتائجها ولائحة أسئلة إلى الحكومتين السورية والروسية في 17 أغسطس/آب 2020، لكنها لم تتلق ردا في وقت كتابة التقرير.
الهجمات على الأعيان المدنية والبنية التحتية
معظم الهجمات الجوية والبرية التي وثقتها هيومن رايتس ووتش كانت في أربعة مراكز سكانية رئيسية وحولها: أريحا، ومدينة إدلب، وجسر الشغور، ومعرة النعمان. وقع هجومان في معرة مصرين على بعد عشرة كيلومتر شمال مدينة إدلب، وأربع هجمات على أربعة مخيمات للنازحين قرب بلدات الدانا، وحاس، وسرمدا. إجمالا، قتلت الغارات الـ 46 ما لا يقل عن 224 مدنيا وجرحت 561 آخرين، بحسب تقارير شهود عيان، وأقارب الضحايا، والسكان، والسلطات المحلية، وعمال الرعاية الصحية والإنقاذ. عادة ما عانى الضحايا من إصابات من شظايا الذخائر وحطام المباني.
دمرت الضربات الموثّقة 12 منشأة رعاية صحية وعشر مدارس، ما أجبر هذه المؤسسات على الإغلاق، بشكل دائم في بعض الحالات. كما تضررت في الهجمات ما لا يقل عن خمسة أسواق، وأربعة مخيمات للنازحين، وأربعة أحياء سكنية، ومنطقتان تجاريتان، وسجن، وكنيسة، وملعب، ومقر منظمة غير حكومية.
تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير ذات مصداقية عن عشرات الهجمات الأخرى التي دمرت بُنى مدنية، والتي يحميها القانون الدولي من الهجمات المتعمدة ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية. يقدر "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان" أن 1,600 مدني على الأقل قتلوا في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة في شمال غرب سوريا خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير. في 2019، أفاد "ائتلاف صون الصحة في النزاعات"، المكون من منظمات غير حكومية دولية، عن 147 حادثة عنف منفصلة أو عرقلة للرعاية الصحية في سوريا، أكثر من نصفها في محافظة إدلب. أفادت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في مايو/أيار 2020 عن 882 هجوما على الأقل في إدلب ومحيطها على البنية التحتية المدنية منذ أبريل/نيسان 2019، بما فيه 220 مكانا للعبادة، و218 منشأة تعليمية، و93 منشأة رعاية صحية، و86 مركزا للدفاع المدني السوري، و52 سوقا.
وقعت إحدى أكثر الهجمات فتكا التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في 22 يوليو/تموز 2019 في معرة النعمان. أصابت وحدة الذخيرة الأولى، ويحتمل أنها من غارة جوية، مبنى سكنيا من أربعة طوابق ومتاجر قريبة وألحقت أضرارا بسوق صغير. بعد ذلك بوقت قصير، سقطت وحدة ذخيرة ثانية أدت إلى انهيار مبنيين من ثلاثة طوابق. قُتل عامل في الدفاع المدني السوري في الموقع وأصيب آخر.
قال العامل المصاب الذي أصيب بجروح جراء الشظايا في يده وظهره: "كانت هناك جثث في كل مكان - نساء، أشلاء أطفال". عمل متطوعو الدفاع المدني لمدة 24 ساعة على انتشال الأشخاص من تحت الأنقاض وحددوا هوية 39 شخصا من أصل 43 قتلوا. أصيب 75 آخرون. قال عامل آخر في الدفاع المدني: "أتذكر صبيا كان يحمل الخضار في يديه عندما قُتل. كانت يداه المقطوعتان لا تزالان تمسكهما".
قتلت ثلاث هجمات على المنطقة التجارية لمدينة إدلب وسوق قريب، في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2020، 24 مدنيا وأصابت 110 آخرين وألحقت أضرار بعدد كبير من المحلات التجارية التي وفّرت سبل العيش لآلاف السكان وعائلاتهم. قال أيمن أسعد، الذي يدير ورشة لتصليح السيارات في الحي، "نحن مرعوبون. المدارس والأسواق والمنازل والمستشفيات، كل شيء هو هدف. إنهم يستهدفون الحياة في إدلب".
أصاب هجوم في 5 يناير/كانون ثاني 2020 حي النقيب في بلدة أريحا، فقتل 13 مدنيا وأصاب 25 آخرين. أصابت وحدة ذخيرة مبنى من أربعة طوابق يضم روضة أطفال، وأصابت وحدتان أخريان مبانٍ سكنية بجوار مدرستين. وصفت موظفة بالمدرسة إجلاء الطلاب من المبنى قبل دقائق من الهجوم لأن المراقبين المحليين أبلغوا عن تحليق الطائرات في السماء. قالت: "نظرتُ إليهم ولم يكن هناك ما يمكنني فعله سوى أن أهدؤهم، وأقول لهم ألا يخافوا، وأقول لهم أن يتلوا الدعاء، وأقول لهم أن الأمر سينتهي قريبا". بعد إخلاء المدرسة، سقطت وحدة ذخيرة في فناء المدرسة، وحطمت النوافذ وألحقت أضرارا بالأبواب، لكن لم يصب أي من الطلاب.
بعد ثلاثة أسابيع، أصابت ثلاث وحدات ذخيرة مستشفى أريحا الجراحي المكون من ثلاثة طوابق (المعروف أيضا بـ "مشفى الشامي")، وهو المستشفى الوحيد في البلدة. دمر الهجوم المستشفى، وقتل 14 مدنيا على الأقل، وجرح 66 آخرين على الأقل. وصف أحد سكان أريحا، الذي كان يعيش على بعد كيلومتر واحد، المحنة القاتلة التي واجهها الناس:
الذعر والخوف هما أفضل طريقة [لوصف] الموقف. لا نعرف إلى أين نأخذ أطفالنا. إذا ذهبنا غربا، نصاب بشظايا قنبلة. إذا ذهبنا شرقا، نفس الشيء. لم يتبق لدينا نوافذ أو أبواب. توقف الناس عن الذهاب إلى الطوابق السفلية بحثا عن مأوى؛ يذهبون إلى الشوارع أو على أسطح المنازل، بحيث يسهل على عمال الإنقاذ العثور على جثثهم... كنا نعلم أننا سنموت، وخرجنا إلى الشارع حتى لا ينتهي بنا المطاف تحت الأنقاض.
أجبرت الهجمات المستمرة على أريحا الناس على الفرار بحثا عن الأمان، وبحلول أواخر فبراير/شباط 2020، كانت البلدة شبه خالية.
كان النزوح الجماعي أحد نتائج هجوم إدلب. وفقا للأمم المتحدة، فرّ نحو 1.4 مليون شخص في أنحاء إدلب من منازلهم خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير، من بين نحو 3 ملايين شخص. قال كثيرون إنهم فروا بسبب الهجمات المتكررة في مناطق مأهولة بالسكان، أو خشيتهم من سوء المعاملة إذا استعادت القوات الحكومية المنطقة.
تشير هجمات الحلف السوري-الروسي المتكررة على البنية التحتية المدنية في المناطق المأهولة بالسكان التي لا يوجد فيها هدف عسكري واضح إلى أن هذه الهجمات غير القانونية كانت متعمدة. قد تكون النية حرمان القوات المناهضة للحكومة من وسائل إعالة نفسها والسكان المحليين، لإجبار السكان المدنيين على الفرار وحرمان قوات المعارضة من المجندين والبنية التحتية المحلية العاملة، وحرمان المعارضة وأنصارها من الغذاء والرعاية الصحية، أو لمجرد بث الرعب في صفوف السكان المدنيين كوسيلة لتحقيق النصر. يبدو أن التحالف السوري-الروسي كان ينوي تحقيق هذه الأهداف بقلة من الاكتراث للقانون الدولي.
يقرّ القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، بأن المدنيين قد يتضررون نتيجة للهجمات المشروعة، لكنه يلزم جميع الأطراف المتحاربة بتوجيه الهجمات على الأهداف العسكرية، والتمييز بين المدنيين والمقاتلين، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين أو الأعيان المدنية، وألا تتسبب الهجمات بأضرار غير متناسبة للمدنيين. كما يظل السكان محميين بموجب "القانون الدولي لحقوق الإنسان"، ولا سيما "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان
يبدو أن معظم الهجمات الـ 46 التي وثقتها هيومن رايتس ووتش شملت استخدام أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان. القصف الجوي والبري على المناطق المأهولة بالسكان يقتل ويصيب أعدادا كبيرة من المدنيين ويلحق أضرار بالأعيان والبنى التحتية المدنية ويدمرها. كما أن له ترددات: تعطيل الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، والحصول على الغذاء والمأوى. تشمل الآثار طويلة المدى الضرر النفسي الجسيم اللاحق بالسكان المتضررين.
شملت الأسلحة المتفجرة المستخدمة في إدلب قنابل، وصواريخ، ومدفعية. ثلاث من الهجمات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش على المدارس أو بالقرب منها استخدمت فيها ذخائر عنقودية، لها آثار عشوائية واسعة الانتشار وتشكل خطرا طويل الأمد على المدنيين. عادة ما تطلق الذخائر العنقودية أو تنثر عشرات أو حتى مئات الذخائر الصغيرة في الهواء فوق منطقة بحجم ملعب كرة قدم. قد لا تنفجر عديد من الذخائر الصغيرة عند الاصطدام الأولي، ما يترك بقاياها كألغام أرضية. "اتفاقية الذخائر العنقودية"، المقبولة على نطاق واسع والتي انضمت إليها 121 دولة ليس من بينها سوريا أو روسيا، تحظر الذخائر العنقودية.
حددت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استخدام التحالف السوري-الروسي أسلحة متفجرة متنوعة منذ أبريل/نيسان 2019، منها 30 وحدة ذخيرة عنقودية، وما لا يقل عن 21 سلاحا حارقا، وتسعة صواريخ، وتقريبا 5 آلاف برميل متفجر في محتلف أنحاء منطقة إدلب.
الأثر الإنساني
تسببت هجمات التحالف العسكري السوري-الروسي على الأعيان والبنية التحتية المدنية في نزوح جماعي وخسائر في الأرواح، وأضرت بقدرة السكان على الحصول على الغذاء، والسكن، والرعاية الصحية، والتعليم. أدى ذلك إلى وضع إنساني مزرٍ في شمال غرب سوريا، مع التدمير شبه الكامل للبنية التحتية للرعاية الصحية في المنطقة، والاكتظاظ الشديد في المناطق التي تأوي المدنيين النازحين، وزيادة المخاوف من تقييد وصول المساعدات الإنسانية. حتى مايو/أيار 2020، كان هناك نحو 2.8 مليون شخص في الشمال الغربي بحاجة إلى المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
تعتمد الاستجابة الإنسانية بشكل كبير على وكالات الأمم المتحدة، التي أذن مجلس الأمن الدولي لها عام 2014 باستخدام المعابر الحدودية من تركيا إلى الشمال الغربي لتوفير الإمدادات وتنسيق الاستجابة. العملية العابرة للحدود هي الوسيلة الوحيدة للأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى شمال غرب سوريا. في ديسمبر/كانون الأول 2019، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد تجديد التفويض الكامل عبر الحدود، لكن مجلس الأمن تمكن من إعادة التفاوض على قرار أضعف في يناير/كانون الثاني 2020، حيث جدد تفويض استخدام المعبرين الحدوديين باتجاه شمال غرب سوريا لمدة ستة أشهر، ولكن أزال التفويض من المعبرين الآخرين الحدوديين باتجاه شمال شرق وجنوب سوريا. في يوليو/تموز 2020، استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد مشروعَي قرارين كان من الممكن أن يجددا الآلية ونجحا في نهاية المطاف في إلغاء ترخيص معبر حدودي آخر. نتيجة لذلك، المعبر الوحيد المرخّص استعماله هو باب الهوى على الحدود التركية.
المسؤولية عن الهجمات غير المشروعة
يمكن تحميل المسؤولين المدنيين والقادة العسكريين المسؤولية الجنائية على أساس مسؤولية القيادة إذا كانوا يعلمون أو ينبغي أن يعلموا بالانتهاكات التي ارتكبتها القوات الخاضعة لسيطرتهم ولم يمنعوها ولم يعاقبوا المسؤولين عنها مباشرة.
لتحديد المسؤولين السوريين والروس الذين قد يتحملون المسؤولية الجنائية عن الهجمات الموثقة في هذا التقرير، راجعت هيومن رايتس ووتش تصريحات علنية من مسؤولين حكوميين وعسكريين روس، وتقارير من مكتب الرئيس الروسي ووزارة الخارجية والدفاع الروسية، وحسابات وسائل الإعلام الروسية. قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا سبعة خبراء في شؤون القوات المسلحة الروسية والسورية.
تضمن التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ عام 2015 نشر طائرات هجوم، ونقل، واستطلاع بدون طيار، وأفراد من القوات المسلحة، بمن فيهم المستشارون العسكريون، والمراقبون الجويون المتقدمون للمساعدة في تنسيق وتوجيه الضربات الجوية، والقوات الخاصة، والشرطة العسكرية. دعمت هذه القوات الروسية القوات المسلحة السورية في الضربات الجوية؛ ودعم جوي وثيق للوحدات السورية خلال العمليات البرية؛ ومشاركة الوحدات السورية على الخطوط الأمامية؛ والتطوير، والتدريب، وتقديم المشورة بشأن التكتيكات وتخطيط العمليات. في حالة واحدة على الأقل، قاد ضابط عسكري روسي مؤقتا فيلقا كاملا من الجيش السوري. شمل تنسيق هذا الدعم أعلى مستويات الجيش الروسي، ووزارة الدفاع، والرئيس.
لا تعلم هيومن رايتس ووتش بأي جهود من قبل الحكومتين السورية أو الروسية لإجراء تحقيق ذي مصداقية أو وقف الهجمات على المدنيين والأعيان أو البنية التحتية المدنية. في حالة واحدة فقط على علم بها هيومن رايتس ووتش، تابع المسؤولون الروس تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين بعد الهجوم على سوق في معرة النعمان في 29 يونيو/حزيران 2019. إلا أن المسؤولين نفوا مسؤوليتهم بعد أن حددوا موقعا خاطئا. بدلا من التحقيق في الانتهاكات المزعومة، واصل التحالف السوري-الروسي هجماته، وفي بعض الحالات كثفها، رغم الإحاطات المنتظمة حول تأثير الهجمات غير القانونية خلال اجتماعات مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة التي حضرها كبار المسؤولين الروس والسوريين. في فبراير/شباط 2020، بحسب تقارير، منح الرئيس بوتين القائد الروسي الذي ترأس العمليات في سوريا من أبريل/نيسان إلى سبتمبر/أيلول 2019 جائزة "بطل روسيا"، وهي أعلى لقب فخري في البلاد. في أواخر يوليو/تموز 2020، بحسب تقارير، أعطي اللقب نفسه للقائد الروسي التالي الذي ترأس العمليات في سوريا على الأقل حتى سبتمبر/أيلول 2020.
نظرا لغياب المساءلة في سوريا وروسيا، فضلا عن الجمود في مجلس الأمن الدولي الذي حال دون إحالة الوضع في سوريا إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، على الحكومات المعنية النظر في فرض عقوبات محددة الهدف أحادية الجانب ضد كبار المسؤولين والقادة الذي لهم مسؤولية بشكل ذي مصداقية عن الانتهاكات. عليها كذلك رفع قضايا جنائية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. عليها أيضا دعم المسؤولين القضائيين في جهودهم في إعداد قضايا جنائية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، حيث أمكن وبموجب القوانين الوطنية.
كما هو مفصل في التقرير، من بين القادة المدنيين والعسكريين السوريين والروس الذين قد يتحملون مسؤولية القيادة عن الانتهاكات خلال هجوم إدلب 2019-2020 الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهما القائدان العامان لقواتهما المسلحة؛ ووزير الدفاع السوري والرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة السورية العماد علي عبد الله أيوب؛ وقائد القوات الجوية السورية اللواء أحمد بلول؛ ووزير الدفاع الروسي، الرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة الروسية، جنرال الجيش سيرغي شويغو؛ والنائب الأول لوزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة جنرال الجيش فاليري جيراسيموف؛ والنائب الأول لقائد الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية ورئيس مديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة العقيد الجنرال سيرغي رودسكوي؛ وقائد القوات الروسية في سوريا منذ وقت ما في مارس/آذار 2019 حتى 10 أبريل/نيسان 2019 العقيد الجنرال سيرغي فلاديميروفيتش سوروفكين؛ وقائد القوات الروسية في سوريا من 10 أبريل/نيسان 2019 حتى سبتمبر/أيلول 2019 العقيد الجنرال أندريه نيكولايفيتش سيرديوكوف؛ وقائد القوات الروسية في سوريا من سبتمبر/أيلول 2019 وعلى الأقل حتى سبتمبر/أيلول 2020 العماد ألكسندر يوريفيتش تشايكو.
وقف إطلاق نار محفوف بالمخاطر
صمدت اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة في مارس/آذار 2020 بين روسيا وتركيا إلى حد كبير حتى أوائل سبتمبر/أيلول، ما دفع بعض النازحين إلى العودة إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة. عادوا إلى المناطق التي دمرها الهجوم العسكري الأخير، مع انهيار البنية التحتية والوصول المحدود إلى الغذاء، والماء، والمأوى، والتعليم، والرعاية الصحية، بما فيه الدعم النفسي والاجتماعي (الصحة العقلية). حتى أواخر أغسطس/آب، لم تكن هناك سوى 59 حالة إصابة معروفة بفيروس "كورونا" في شمال غرب سوريا، لكن الأرقام الفعلية للإصابات على الأرجح أعلى بكثير بسبب الفحوصات المحدودة. تفشي الوباء بشكل أكبر سيؤدي إلى تفاقم النقص الحالي ونقاط الضعف المرتبطة به. تجعل ظروف الازدحام في المخيمات وضعف الحصول على الخدمات الأساسية من المستحيل ممارسة التباعد الاجتماعي أو اتخاذ الاحتياطات الصحية الأخرى بشكل صحيح.
كما يلوح في الأفق خطر تجدد الأعمال العدائية على المدنيين. بدون تدابير محليا أو دوليا ضد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، لا يوجد ما يذكر لردع مرتكبي الجرائم وغيرهم عن ارتكاب الفظائع في المستقبل.
التوصيات
تدعو هيومن رايتس ووتش جميع أطراف النزاع في سوريا إلى الالتزام الكامل بقوانين الحرب. تسلط النتائج التي توصلنا إليها في هذا التقرير الضوء على ضرورة إنهاء سوريا وروسيا جميع الهجمات المتعمدة والعشوائية وغير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية، مثل المرافق الطبية، والمدارس، والأسواق. عليهما إجراء تحقيقات شفافة، وموثوقة، ونزيهة في المزاعم ذات المصداقية بشأن انتهاكات قوانين الحرب، بما فيها الحوادث المفصلة في هذا التقرير.
تتعهد جميع الدول الأطراف المتعاقدة السامية في اتفاقية جنيف لعام 1949 في المادة 1 المشتركة "باحترام وضمان احترام" اتفاقيات جنيف في "جميع الظروف". عليها الضغط على جميع الأطراف للالتزام بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان.
على "الاتحاد الأوروبي"، وسويسرا، والمملكة المتحدة، وكندا، والولايات المتحدة والدول الأخرى فرض عقوبات محددة الهدف، منها تجميد الأصول على الأفراد الذين يتبين أنهم مسؤولون عن جرائم الحرب بشكل كبير من منظور مسؤولية القيادة. كما ينبغي للدول أن تنظر في رفع قضايا بحق كبار القادة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بموجب الولاية القضائية العالمية والقوانين الوطنية. الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2016، يجب أن تستمر في بناء ملفات القضايا وتحديد المسؤولية عن الجرائم الخطيرة، بما فيها تلك الموثقة في هذا التقرير، بهدف تسهيل الإجراءات الجنائية حيث أمكن.
الجهود الدولية المتضافرة نحو المساءلة ضرورية لإثبات وجود عواقب للهجمات غير القانونية، وردع الفظائع المستقبلية، ولإظهار أنه لا يمكن لأحد أن يفلت من المساءلة عن الجرائم الجسيمة بسبب رتبته أو منصبه.
قائمة المصطلحات
الآلية الدولية المحايدة والمستقلة: أنشأت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" الآلية الدولية المحايدة والمستقلة في ديسمبر/كانون الأول 2016 لجمع وتوحيد وحفظ وتحليل الأدلة المتعلقة بأخطر الجرائم بموجب القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ مارس/آذار 2011، وإعداد ملفات الدعاوى القضائية. لتسهيل محاكمة الأشخاص الأكثر مسؤولية في المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي لديها أو قد يكون لها في المستقبل اختصاص بهذه الجرائم.
بنفسج: منظمة غير حكومية تقدم الرعاية الصحية والخدمات الأخرى في بعض المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا.
جبهة التحرير الوطني: تحالف جماعات مسلحة مناهضة للحكومة، بما فيها فصائل الجيش السوري الحر السابق. تشكلت في شمال غرب سوريا في مايو/أيار 2018، وهي الآن جزء من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
جبهة النصرة: النصرة هي سابقا فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وانفصلت رسميا عنها عام 2016، عندما غيرت تسميتها إلى جبهة فتح الشام. كما قطعت الجماعتان العلاقات عام 2017، عندما أنشأت جبهة النصرة هيئة تحرير الشام التي عارضتها قيادة القاعدة. بعد هذا الانقطاع، انفصلت بعض الشخصيات السابقة التي لا تزال موالية للقاعدة في جبهة النصرة عن هيئة تحرير الشام وشكلت مجموعة منفصلة اسمها "حراس الدين". جبهة النصرة مدرجة في قوائم عقوبات مجلس الأمن الدولي.
الجيش السوري الحر: بدأ الجيش السوري الحر عام 2011 كمظلة هيكلية شاملة تضم إلى حد كبير فصائل المعارضة غير العقائدية. استُخدم هذا المصطلح مؤخرا للإشارة إلى الجماعات المسلحة المختلفة المناهضة للحكومة والمدعومة من تركيا، والتي أعيد تنظيمها أواخر 2019 لتصبح "الجيش الوطني السوري".
الجيش الوطني السوري: تحالف من جماعات مسلحة مناهضة للحكومة تدعمه تركيا وتشكل أواخر عام 2019، ويضم فصائل من الجيش السوري الحر وجبهة التحرير الوطني.
حركة نور الدين الزنكي: من أقوى الفصائل التي ترتبط بالجيش السوري الحر بشكل غير وثيق وتنشط في غرب حلب، انضمت إلى "هيئة تحرير الشام" العام 2017، ثم انفصلت عنها في 2018.
حكومة الإنقاذ السورية: حكومة مدنية تابعة لهيئة تحرير الشام وتنشط في أجزاء من شمال غرب سوريا.
الحكومة السورية المؤقتة: هيئة معارضة تأسست عام 2013 وتسيطر على بعض أجزاء سوريا ومقرها أعزاز بمحافظة حلب. أزاحت هيئةُ تحرير الشام الحكومةَ المؤقتةَ من المناطق التي أصبحت تحت سيطرتها.
الخوذ البيضاء: انظر "الدفاع المدني السوري" أدناه.
"الدفاع المدني السوري" المعروف أيضا بـ "الخوذ البيضاء": تأسس عام 2014، وهو منظمة تطوعية تعمل في أجزاء من سوريا لا تسيطر عليها الحكومة وفي تركيا. تتكون معظم أنشطة المتطوعين في سوريا من الإخلاء الطبي، والبحث والإنقاذ في المدن والبلدات بعد القصف، وإجلاء المدنيين من مناطق الخطر، وتقديم الخدمات الأساسية.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان: مجموعة مراقبة مستقلة، تأسست عام 2011، توثّق الضحايا وتقدم معلومات إلى مختلف وكالات الأمم المتحدة.
لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا: أنشأ "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" لجنة التحقيق الدولية المستقلة في أغسطس/آب 2011، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال النزاع السوري، وتحديد الحقائق والظروف التي قد تصل إلى انتهاكات وجرائم، وحيثما أمكن، تحديد المسؤولين الذين يجب أن يحاسبوا.
مرصد سوريا: شبكة من المراقبين ترصد حركة الطائرات في سوريا وتوزع رسائل، بما فيه عبر قناة تيليغرام، عن وجود طائرات ومدفعية.
هيئة تحرير الشام: تشكلت العام 2017، وهي تحالف من جماعات إسلامية سنيّة مسلحة، والجماعة المسلحة المناهضة للحكومة الرئيسية في سوريا. تسيطر على مناطق في الشمال الغربي. هيئة تحرير الشام هي آخر تجسيد لـ "جبهة فتح الشام" التي انبثقت بدورها عن "جبهة النصرة". صنفت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية أجنبية مرتبطة بـ "القاعدة" في 2018. نفت هيئة تحرير الشام هذا الانتماء. أعلنت جبهة النصرة أنها قطعت العلاقات مع القاعدة في 2016، عندما أعادت تسمية نفسها بـ "جبهة فتح الشام".
التوصيات
إلى سوريا وروسيا
· الالتزام الكامل بقوانين الحرب، بما فيها الحظر على الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية؛ والتي لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية؛ أو من المتوقع أن تسبب أضرارا مدنية لا تتناسب مع الميزة العسكرية المتوقعة؛
· الكف عن مهاجمة البنية التحتية المدنية والأعيان المحمية الأخرى، بما فيها المراكز الصحية، والأسواق، والمدارس؛
· اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية، بما فيه إعطاء تحذيرات مسبقة فعالة بشأن الهجمات كلما أمكن؛
· تماشيا مع الحظر المفروض على الهجمات العشوائية، إنهاء استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان؛
· إنهاء استخدام الذخائر العنقودية والتصديق على اتفاقية الذخائر العنقود؛
· إجراء تحقيقات شفافة وذات مصداقية ونزيهة في المزاعم الموثوقة بشأن انتهاكات قوانين الحرب، بما فيها الحوادث المفصلة في هذا التقرير؛
· وضع سياسة لإجراء تحقيقات في جميع الضربات التي أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين؛
· نشر المعلومات المتعلقة بالأهداف العسكرية المقصودة بالضربات التي أسفرت عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وتلك التي أضرت بشكل مباشر أو غير مباشر بالبنية التحتية المدنية والأعيان المحمية الأخرى، بما فيها هويات الأطراف المشاركة في مثل هذه الضربات؛
· الإعلان عن نتائج التحقيقات وإدراج توصيات بشأن الإجراءات التأديبية أو الملاحقات الجنائية حيث توجد الانتهاكات؛
· تقديم تعويضات فورية ومناسبة إلى المدنيين وعائلاتهم عن الوفيات والإصابات والأضرار التي لحقت بالممتلكات نتيجة الضربات غير المشروعة. النظر في تقديم مدفوعات "على سبيل الهبة" للمدنيين الذين لحق بهم الأذى من الضربات بغض النظر عن الخطأ المحتمل.
إلى سوريا
· التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة غير الحكومية، وإتاحة وصولها دون عوائق للتحقيق في الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛
· العمل على دعم حقوق جميع السوريين في الغذاء، والماء، والصحة، والسكن، والتعليم بطريقة غير تمييزية. في المناطق التي لا تخضع للسيطرة الفعلية للحكومة، منح الإذن لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى لاستخدام المعابر الحدودية خارج سيطرة الحكومة لضمان إيصال المساعدة إلى السكان المعرضين للخطر.
إلى الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة
· الالتزام الكامل بقوانين الحرب، بما فيها الحظر المفروض على الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية؛ والتي لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية؛ أو من المتوقع أن تتسبب في أضرار مدنية لا تتناسب مع الميزة العسكرية المتوقعة؛
· اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين والأعيان المدنية من آثار الهجمات. تجنب وضع الأهداف العسكرية داخل أو بالقرب من المناطق المكتظة بالسكان أو مرافق الرعاية الصحية. إبعاد المدنيين والأعيان المدنية كلما أمكن ذلك عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية؛
· إجراء تحقيق ذي مصداقية واتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة ضد أفراد قواتكم الضالعين في جرائم حرب وانتهاكات أخرى.
إلى روسيا
· الكف عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع التدقيق والمحاسبة بشأن جرائم الحرب المزعومة في سوريا وتوسيع المساعدة الإنسانية، بما في ذلك المساعدات عبر الحدود. يشير ميثاق الأمم المتحدة إلى حالات يمتنع فيها أعضاء مجلس الأمن، الأطراف في نزاعات قيد نظر المجلس، عن التصويت؛
· الكف عن محاولة تقويض تحقيقات "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وبدلا من ذلك دعم عمل المنظمة في سوريا وأماكن أخرى؛
· الكف عن نقل المعدات العسكرية والأسلحة إلى سوريا التي تُستخدم لشن هجمات واسعة النطاق على المدنيين والبنية التحتية المدنية في شمال غرب سوريا.
إلى تركيا
· السماح للمدنيين الفارين من العنف في سوريا باللجوء إلى تركيا ومنطقة "درع الفرات، على طول الحدود بين سوريا وتركيا؛
· ضمان حماية المدنيين والأعيان المدنية في شمال غرب سوريا أثناء أي هجوم عسكري تشارك فيه تركيا في شمال غرب سوريا؛
· الاستمرار في ضمان منح وكالات الأمم المتحدة وشركائها المنفذين الوصول الإنساني لتوصيل الغذاء، والوقود، والأدوية، والإمدادات الطبية إلى المدنيين المحتاجين في شمال سوريا.
إلى جميع الأطراف المتحاربة والقوات المتحالفة معها
· الامتثال الكامل لأحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القراران 2139 و2165، المتعلقان باحترام القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان، وقانون اللاجئين؛
· ضمان حصول المدنيين في المناطق التي تحتلها قواتكم على المساعدات الإنسانية، بما فيها الرعاية الصحية والمياه والغذاء والمأوى، بطريقة غير تمييزية وعلى أساس تقييمات مستقلة وموثوقة للاحتياجات؛
· تسهيل الوصول الإنساني بشكل آمن، وفي الوقت المناسب، وبدون عوائق لجميع الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة؛
· ضمان حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الحماية، والمساعدة، والوصول إلى الخدمات الأساسية، على قدم المساواة مع الآخرين.
إلى مجلس الأمن الدولي وأعضائه
· فرض عقوبات محددة الهدف، بما فيها تجميد الأصول، على القادة العسكريين والرسميين المدنيين المسؤولين عن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في شمال غرب سوريا، بما فيها الناتجة عن مسؤولية القيادة؛
· طلب إحاطات رسمية منتظمة من لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا حول تحقيقاتها في الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية في إدلب، وغيرها من انتهاكات قوانين الحرب المزعومة؛
· المطالبة بدخول لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، والآلية الدولية المحايدة المستقلة، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، إلى سوريا دون عوائق؛
· ضمان وصول المساعدات الكافية إلى المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والأكثر عرضة للخطر، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن؛ التراجع عن قرارات يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز 2020 التي تلغي التصريح بمعبرين لتوصيل المساعدات عبر الحدود؛
· إعادة الإذن بإيصال المساعدات عبر الحدود إلى المعبرين الحدوديين، ومنهما المعبر في الشمال الشرقي على الحدود العراقية السورية طالما كان ذلك ضروريا لضمان وصول المساعدة الإنسانية الكافية، بما فيه الطواقم الطبية والمساعدات لمنع انتشار فيروس كورونا، إلى المدنيين المحتاجين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة؛
· إحالة الوضع في سوريا إلى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية.
إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة
· نظرا إلى الطريق في مجلس الأمن، على الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة أن تتبنى قرارا أو بيانا يدعو الدول الأعضاء فيها إلى فرض عقوبات محددة الهدف على القادة المدنيين والعسكريين الضالعين بشكل موثوق في جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو انتهاكات خطيرة أخرى، بما يشمل مسؤولية القيادة؛
· إذا ثبت أن مجلس الأمن غير قادر على إعادة التفويض للسماح بعمليات التسليم عبر الحدود بسبب تهديد روسيا باستخدام حق النقض، فيتعين على الجمعية العامة إصدار قرار لدعم استمرار الأمم المتحدة في عمليات التسليم عبر الحدود إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية.
إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
· الإبقاء على تفويض لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في مواصلة التحقيق في الجرائم المرتكبة في شمال غرب سوريا وتنفيذ توصياتها.
· ضمان أن القرارات والبيانات المتعلقة بالوضع في سوريا تسلط الضوء على الاهتمامات المحددة للأشخاص ذوي الإعاقة.
إلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا
· تكثيف الجهود لتحديد المسؤولية عن الجرائم، بما فيها تلك المرتكبة خلال الحملة العسكرية في إدلب من أبريل/نيسان 2019 إلى مارس/آذار 2020.
إلى الدول الأوروبية
· الضغط على تركيا لإبقاء حدودها مفتوحة أمام اللاجئين، وتقديم الدعم المالي لدعم جهودها في مجال اللاجئين.
· تقاسم المسؤولية من خلال زيادة إعادة توطين اللاجئين من تركيا، والامتناع عن إعادة الناس إلى سوريا.
إلى دول أخرى
· النظر في فرض عقوبات محددة الهدف، بما فيها تجميد الأصول، على الأفراد الأكثر مسؤولية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في شمال غرب سوريا، بما فيها الموثقة في هذا التقرير؛
· دعم جميع الجهود الوطنية والدولية لمحاسبة الجناة المشتبه في ارتكابهم جرائم وانتهاكات خطيرة، بما يشمل استمرار الدعم والتعاون مع آلية التحقيق الدولية المستقلة، ومن خلال متابعة القضايا بموجب للولاية القضائية العالمية للأفراد الذين يُزعم أنهم مسؤولون عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما يتماشى مع القوانين الوطنية؛
· دعم إعلان سياسي قوي يعترف بالضرر المتوقع اللاحق بالمدنيين الناجم عن استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان، ويلزم الدول بتجنب هذه الممارسة ومساعدة المدنيين المتضررين منها؛
· زيادة الدعم للبرامج الإنسانية في شمال غرب سوريا للمساعدة في الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للنازحين والمجتمع الأوسع، بما يشمل الاستجابة لفيروس كورونا.
المنهجية
لغرض هذا التقرير، قابلت هيومن رايتس ووتش 77 مدنيا شهدوا هجمات جوية وبرية أصابت مدنيين وأعيان مدنية في محافظة إدلب السورية، وكذلك 29 متطوعا من الدفاع المدني السوري (المعروف أيضا باسم الخوذ البيضاء) كانوا حاضرين في مواقع الهجمات عند وقوعها أو بصفتهم عمال إنقاذ بعد وقوعها بوقت قصير. قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا سبعة خبراء في شؤون القوات المسلحة الروسية والسورية. أجرت هيومن رايتس ووتش المقابلات بين فبراير/شباط وأغسطس/آب 2020.
سعت هيومن رايتس ووتش إلى دخول شمال غرب سوريا لأغراض هذا البحث في مارس/آذار 2020 لكن تركيا لم تمنحها الإذن. بدلا من ذلك، أجرى الباحثون معظم المقابلات عن بُعد، عبر الهاتف أو تطبيقات المراسلة، ومع عدد صغير شخصيا خارج سوريا.
اخترنا الهجمات الـ 46 التي حققنا فيها من أجل التقرير بناء على التشاور مع سكان إدلب وعمال الإنقاذ من خلال الطلب منهم أن يحددوا الهجمات من مارس/آذار 2019 إلى 2020 التي أضرت بالأعيان أو البنية التحتية المدنية.
أجريت معظم المقابلات باللغة العربية، وبعضها بالإنغليزية. أبلغ الباحثون جميع من قوبلوا بالغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعية، والطرق التي ستستخدم بها هيومن رايتس ووتش المعلومات، وحصلوا على موافقة جميع من قابلناهم، الذين فهموا أنهم لن يتلقوا أي تعويض عن مشاركتهم. لأسباب تتعلق بالأمن الشخصي، حجبت هيومن رايتس ووتش الأسماء والمعلومات التعريفية لبعض الأفراد المذكورين في التقرير لضمان عدم الكشف عن هوياتهم، وكذلك موقع معظم من قابلتهم وقت المقابلات.
حللت هيومن رايتس ووتش عشرات صور الأقمار الصناعية التجارية عالية الدقة وعالية الدقة جدا للمواقع التي حصلت فيها الغارات الموثقة في هذا التقرير، والتُقطت على فترات زمنية مختلفة. كما راجعت هيومن رايتس ووتش أكثر من 550 مقطع فيديو وصورة التُقطت أثناء الهجمات أو بعدها مباشرة، وتم تحميلها على منصات التواصل الاجتماعي أو مشاركتها مباشرة مع الباحثين. من خلال مطابقة المعالم في مقاطع الفيديو مع صور الأقمار الصناعية أو الصور على مستوى الشارع أو غيرها من المواد المرئية، حددت هيومن رايتس ووتش الموقع والوقت والتاريخ التقريبيين للهجمات. كما درست هيومن رايتس ووتش الصور لتحديد أنواع الأسلحة المستخدمة أثناء الهجمات وفحصت الصور ومقاطع الفيديو بحثا عن أي أهداف عسكرية ظاهرة في المنطقة المجاورة.
للتحقق من وجود الطائرات والمدفعية بالقرب من مواقع الضربات عند وقوع الضربات، درست هيومن رايتس ووتش سجلات الرسائل من شبكة من المراقبين الذين يرصدون حركة الطائرات في سوريا، والمعروفة باسم "مرصد سوريا"، التي تم توزيعها عبر قناة في تيليغرام.
فيما خص هذا التقرير، ركزت المقابلات والتحليلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش مع شهود العيان على بلدات ومدن أريحا، وإدلب، وجسر الشغور، ومعرة النعمان، ومعرة مصرين، ومخيمات في الدانا، وحاس، وسرمدا، وجميعها في محافظة إدلب. اختارت هيومن رايتس ووتش هذه المناطق بسبب ارتفاع عدد الهجمات المبلغ عنها خلال الفترة المشمولة.
لتحديد القادة والأفراد الروس والسوريين الذين قد يتحملون المسؤولية عن الهجمات، ولتحديد طبيعة ومدى المشاركة الروسية في العمليات العسكرية في سوريا، راجعت هيومن رايتس ووتش التصريحات العلنية للمسؤولين الحكوميين والعسكريين الروس؛ وتقارير من مكتب الرئيس الروسي؛ ووزارة الخارجية الروسية؛ ووزارة الدفاع الروسية؛ وتقارير إعلامية روسية، إضافة إلى مقابلات الخبراء المذكورة أعلاه.
في 17 أغسطس/آب، أرسلت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومتين السورية والروسية ملخصا لنتائجها ولائحة أسئلة. حتى وقت كتابة هذا الملخص، لم تكن هيومن رايتس ووتش قد تلقّت أي ردود من أي من الحكومتين.
الخلفية
النزاع في سوريا هو من أكثر النزاعات فتكا في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، إذ قتل 400 ألف شخص على الأقل خلال العقد الماضي وهجّر ملايين آخرين. اتسم النزاع بالفظائع وتجاهل القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي على نطاق واسع. استخدمت الحكومة السورية – بدعم كبير من روسيا وإيران – أسلحة كيميائية محظورة، وقصفت الأعيان والبنية التحتية المدنية بضربات جوية عشوائية غير مشروعة، ومنعت المساعدات الإنسانية في محاولاتها لاستعادة الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.[1] نفذت هذه الجماعات، وتدعم تركيا بعضا منها، هجمات عشوائية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ومنعت المدنيين من الفرار إلى مناطق أكثر أمانا.[2] منذ 2013، عندما بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف بـ"داعش") بالاستيلاء على مناطق كبيرة في سوريا وحتى طرده من آخر معاقله السورية في الباغوز في مارس/آذار 2019، قام التنظيم بإعدام، واغتصاب، واختطاف، واحتجاز عدد لا يحصى من المدنيين، وإلقاء آلاف الجثث في مقابر جماعية.[3] أوقعت الضربات الجوية التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة داعش العديد من الضحايا المدنيين، كما قيّد حلفاء التحالف بقيادة الأكراد حركة النازحين من مناطق سيطرة داعش.[4]
طوال فترة النزاع، لم يساهم أعضاء مجلس الأمن والدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة بشيء يذكر لحماية المدنيين المعرضين للخطر أو المحاسبة الجماعية لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة. اعترضت روسيا خصوصا بشكل متكرر على قرارات مجلس الأمن التي كان من شأنها تحسين حماية المدنيين.
الهجمات السورية والروسية على البنية التحتية المدنية في سوريا
وثقت هيومن رايتس ووتش قيام القوات المسلحة السورية وحليفتها روسيا منذ 2012، عمدا أو عشوائيا، بمهاجمة المدنيين والأعيان والبنية التحتية المدنية في سوريا. على سبيل المثال، قتلت القوات الحكومية السورية مئات المدنيين في حمص في فبراير/شباط 2012 بالقصف العشوائي ونيران القناصة.[5] في أغسطس/آب 2012، بدأت الحكومة بالاعتماد بشكل أكبر على القوة الجوية، وغالبا ما كانت تضرب عشوائيا المناطق المكتظة بالسكان، بما فيها مدينة حلب.[6]
في 2013، حققت هيومن رايتس ووتش في تسع هجمات بصواريخ باليستية على ما يبدو من قبل الجيش السوري، سبع منها لم تكن على أهداف عسكرية، قتلت 215 مدنيا على الأقل، بينهم 100 طفل.[7] كما نفذت الحكومة السورية العديد من الهجمات بالبراميل المتفجرة في ذلك العام، لا سيما على أحياء في حلب.[8]
بين فبراير/شباط 2014 ويناير/كانون الثاني 2015، حددت هيومن رايتس ووتش على الأقل 450 موقعا مدمرا أظهرت أضرارا تتوافق مع انفجار البراميل المتفجرة.[9] كما أصابت الغارات الجوية السورية الأسواق، والمدارس، ومنشآت الرعاية الصحية في 2014، إذ وقعت إحدى أكثر الهجمات الجوية فتكا في أغسطس/آب على الأسواق الشعبية والمناطق السكنية في دوما، وقتلت 112 شخصا على الأقل.[10]
في 2015، بدأت العمليات العسكرية السورية-الروسية المشتركة، واستهدفت الضربات الجوية، بشكل متعمد أو عشوائي، منازل، وأسواق، ومدارس، ومرافق رعاية صحية، مستخدمةً أسلحة حارقة، وذخائر عنقودية، وأسلحة متفجرة واسعة النطاق، مثل البراميل المتفجرة والذخائر العنقودية.[11] في 2016، وثّقت هيومن رايتس ووتش عدة هجمات استهدفت على ما يبدو منازل، ومنشآت صحية، وأسواق، ومدارس، منها غارة جوية شنها التحالف السوري-الروسي على "مستشفى القدس" في أبريل/نيسان 2016 قتلت 58 مريضا ومدنيين آخرين.[12] في أغسطس/آب 2016، وقعت عدة هجمات على منشآت صحية في إدلب، وحلب، وحماة، وحمص، وأماكن أخرى.[13]
استعادت الحكومة السورية السيطرة على أجزاء من حلب كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة بحلول نهاية 2016. في تلك الحملة، شن التحالف السوري-الروسي هجمات جوية عشوائية، بما في ذلك قصف العديد من مرافق الرعاية الصحية، واستخدام الأسلحة الحارقة والذخائر العنقودية.[14] في يونيو/حزيران 2017، قصف التحالف السوري-الروسي بلدة إلى الجنوب من درعا، فقتل عشرة مدنيين في مدرسة وبالقرب منها.[15] وثق "مركز توثيق الانتهاكات"، وهي مجموعة مراقبة محلية، مقتل 446 مدنيا، بينهم 91 طفلا، في غارات جوية في شرق حلب بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2017.[16]
في سبتمبر/أيلول 2017، شن التحالف السوري-الروسي هجوما على محافظة إدلب. أصابت الضربات الجوية، التي شملت استخدام الذخائر العنقودية، عدة بلدات ومناطق محيطة بإدلب، ودمرت على الأقل ستة مرافق رعاية صحية وخمسة مراكز لـ"الخوذ البيضاء" ومخيمات للنازحين ومناطق سكنية، وقتلت أكثر من 150 مدنيا.[17]
استمرت الهجمات العشوائية على المدنيين والأعيان المدنية، بما يشمل استخدام الذخائر العنقودية، خلال الحملة العسكرية في فبراير/شباط ومارس/آذار 2018 لاستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، والتي أفادت تقارير بمقتل أكثر من 1,600 مدني خلالها.[18] في تلك الحملة، قصف التحالف السوري-الروسي على الأقل 25 منشأة صحية، و11 مدرسة، وعددا لا يحصى من المساكن المدنية.[19]
لم يكن هناك أثر يذكر لآلية فض الاشتباك التي أنشأتها الأمم المتحدة في 2014 لتزويد الأطراف المتنازعة بإحداثيات دقيقة لمرافق الرعاية الصحية وغيرها من المواقع الإنسانية التي تتمتع بحماية خاصة من الهجوم، إذ ضرب التحالف السوري-الروسي مرارا وتكرارا العديد من هذه المواقع دون عواقب.
الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة يشكل استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة أحد أخطر التهديدات للمدنيين في النزاعات المسلحة المعاصرة.[20] وقد استُخدمت مرارا وتكرارا طوال النزاع السوري، بما في ذلك الأعمال العدائية الأخيرة في محافظة إدلب، وكان لها آثار مدمرة على المدنيين والأعيان المدنية. تشمل الأسلحة المتفجرة مجموعة من الأسلحة التقليدية التي تُلقى من الجو والأسلحة الأرضية، بما فيها القنابل، والمدفعية، والقذائف، والصواريخ، فضلا عن الذخائر الأخرى. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدأت النمسا عملية دبلوماسية لإصدار إعلان سياسي يهدف إلى تقليل الضرر المدني الناجم عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.[21] يمكن أن تتسبب الأسلحة المتفجرة، عند استخدامها في القرى والبلدات والمدن المأهولة، بضرر فوري وطويل الأمد لأعداد كبيرة من المدنيين. هذا الضرر ليس جسديا فقط – وفيات وإصابات – ولكنه يشكل غالبا ضررا نفسيا شديدا. الأضرار بالمباني والبنية التحتية الحيوية لها آثار تنعكس على الحقوق الأساسية، إذ تعرقل الخدمات الأساسية، والوصول إلى الصحة، والتعليم، ومستوى معيشي لائق، مثل الماء، والغذاء، والسكن. يمكن أن يساهم استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة أيضا في تهجير السكان المحليين، وحرمان المدنيين من الأمن، والخصوصية، والحياة الأسرية. غالبا ما يطول النزوح بسبب الأضرار التي لحقت بالمنازل والمحال والبنية التحتية، فضلا عن وجود مخلفات الحرب المتفجرة التي تعيق العودة. أسلحة متفجرة ذات تأثيرات واسعة النطاقتتسبب أنواع معينة من الأسلحة المتفجرة بتأثيرات واسعة النطاق. قد يكون لهذه الأسلحة المتفجرة مدى تدميري كبير، أو تكون غير دقيقة بطبيعتها، أو تطلق ذخائر متعددة في نفس الوقت. غالبا ما يقع سلاح واحد تحت فئتين من هذه الفئات. على سبيل المثال، قد تكون الصواريخ غير الموجهة والبراميل المتفجرة غير دقيقة وتنتج انفجارا وشظايا على مناطق واسعة. طوال النزاع السوري، وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام هذه الأسلحة من قبل العديد من أطراف النزاع. حتى عندما تكون هذه الأسلحة موجهة نحو هدف عسكري، فإن استخدامها في المناطق المأهولة قد يؤدي إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالأعيان والبنية التحتية المدنية، ما يتسبب بأضرار مدنية عشوائية أو غير متناسبة. الذخائر العنقوديةالذخائر العنقودية هي سلاح متفجر يستُخدم طوال فترة النزاع في سوريا بآثار مدمرة على المدنيين. وثّقت هيومن رايتس ووتش بشكل متكرر استخدام الذخائر العنقودية من قبل القوات السورية والروسية في هذا النزاع، بما في ذلك أثناء القتال الأخير في إدلب. الذخائر العنقودية هي أسلحة كبيرة يتم إطلاقها من الجو أو الأرض وتنثر عشرات أو مئات الذخائر الصغيرة فوق مساحة بحجم ملعب كرة قدم. يشكل استخدام هذه الأسلحة تهديدا مباشرا للمدنيين من خلال نثر الذخائر الصغيرة أو "القنابل الصغيرة" بشكل عشوائي، والتي لا يمكنها التمييز بين المقاتلين والمدنيين، على مساحة واسعة. تستمر الذخائر العنقودية في تشكيل تهديد بعد فترة طويلة من القتال لأن العديد من ذخائرها الصغيرة لا تنفجر عند الاصطدام وتصبح ألغاما أرضية بحكم الأمر الواقع. الأطفال معرضون بشكل خاص لمثل هذه الإصابات.[22] تحظر "اتفاقية الذخائر العنقودية" لعام 2008 بشكل شامل الذخائر العنقودية وتتطلب إزالتها ومساعدة الضحايا.[23] لم تنضم سوريا ولا روسيا إلى المعاهدة، لكن على جميع أطراف النزاع المسلح في سوريا الالتزام بالمعايير الناشئة التي تنص عليها الاتفاقية ضد أي استخدام للذخائر العنقودية تحت أي ظرف من الظروف. استخدمت القوات السورية على الأقل 13 نوعا من الذخائر العنقودية المحظورة على نطاق واسع في 674 هجوما على الأقل على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة بين يوليو/تموز 2012 ويوليو/تموز 2018، فقتلت وأصابت المدنيين.[24] استخدم التحالف السوري-الروسي أيضا الذخائر العنقودية على نطاق واسع، حيث أفاد نشطاء، ومسعفون، وموظفون محليون في الرعاية الصحية عن وقوع 238 هجمة منفصلة على الأقل باستخدام الذخائر العنقودية في سوريا بين أغسطس/آب 2016 ويوليو/تموز 2017.[25] وثقت هيومن رايتس ووتش هجومين عنقوديين آخرين في 2019 والثالث على مدرسة في 2020.[26]
|
تضييق الخناق على إدلب
تشكل محافظة إدلب ومحيطها المباشر إحدى آخر المناطق الرئيسية التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة، ويقدر عدد سكانها بنحو 3 ملايين نسمة حتى أبريل/نيسان 2020، نصفهم تقريبا فرّوا من القتال في أماكن أخرى في سوريا.[27]
قبل الهجوم العسكري للتحالف السوري-الروسي في أبريل/نيسان 2019، عززت "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة مسلحة مناهضة للحكومة مرتبطة سابقا بالقاعدة، سيطرتها على المحافظة. تدير هيئة تحرير الشام، مع ما تسميه "حكومة الإنقاذ السورية"، جزءا من شمال غرب سوريا يشمل إدلب، وسبق أن ضمت أجزاء من محافظة حماة جنوبا، ومحافظة حلب شرقا.[28] تشمل الجماعات المسلحة الأخرى المناهضة للحكومة داخل إدلب "جبهة التحرير الوطني" المدعومة من تركيا، بالإضافة إلى العديد من الجماعات المسلحة غير الحكومية المستقلة عن هيئة تحرير الشام.[29] حتى أوائل سبتمبر/أيلول 2020، احتفظت هذه الجماعات بنفوذها في بعض مناطق محافظة إدلب، إلى حد كبير إما من خلال التعاون مع هيئة تحرير الشام أو الخضوع لها إلى حد ما.[30] أدت التوترات بين الجماعات في بعض الأحيان إلى اشتباكات مسلحة.[31]
كما تنتشر في إدلب ومناطق أخرى في شمال غرب سوريا قوات مسلحة تركية كبيرة، نمت منذ انتزعت القوات التركية عفرين بمحافظة حلب من الجماعات التي يقودها الأكراد، ومع تصاعد التوترات بين الحكومة التركية والتحالف السوري-الروسي.[32]
في مايو/أيار 2017، بعد قمة في أستانا، كازاخستان، التزمت حكومات تركيا، وروسيا، وإيران بإقرار وقف إطلاق النار في أربع مناطق تسمى بـ "مناطق خفض التصعيد"، منها واحدة تغطي إدلب، واتفقت على شروط لتحسين وصول المساعدات الإنسانية. ودعت الموقعين إلى محاربة جبهة النصرة والجماعات الأخرى المصنفة إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي.[33]
لم يدم وقف إطلاق النار طويلا، حيث بدأ التحالف السوري-الروسي بمهاجمة إدلب بعد وقت قصير من إبرام الاتفاق. بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 وفبراير/شباط 2018، أدت الهجمات الروسية والحكومية السورية المدعومة من إيران إلى سيطرة الحكومة السورية على مناطق كبيرة في جنوب إدلب كانت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.[34]
ردا على هذه الهجمات واستعادة الأراضي، أنشأت القوات المسلحة التركية 12 نقطة مراقبة على طول الخطوط الأمامية في إدلب.[35] حذت روسيا وإيران حذوها، وأنشأتا مواقعهما الخاصة على طول منطقة خفض التصعيد.[36]
بين مارس/آذار ويوليو/تموز 2018، أدت الهجمات الروسية والسورية المدعومة من إيران إلى سيطرة الحكومة السورية على جميع مناطق خفض التصعيد المحددة باستثناء تلك الموجودة في إدلب.[37]
أوقف اتفاق تم التوصل إليه بين تركيا وروسيا في قمة سوتشي الروسية في سبتمبر/أيلول 2018 هجوم الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد المتبقية في إدلب.[38] دعا الاتفاق إلى إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتر على طول الخطوط الأمامية، وأن تسحب الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة الأسلحة الثقيلة، وانسحاب الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة "ذات التوجه المتطرف" بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018.[39] كان على الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية مراقبة المنطقة منزوعة السلاح، وكان من المقرر فتح الطريقين السريعين الرئيسيين باتجاه شرق-غرب وشمال-جنوب الذين يمران عبر إدلب، المعروفين على التوالي بـ M4 وM5 والذين كانا مغلقين منذ سنوات، بحلول نهاية 2018.[40]
بحلول مارس/آذار 2019، لم يكن هناك تقدم يذكر في تنفيذ شروط اتفاقية سوتشي. وبينما سحبت بعض الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة بعض الأسلحة الثقيلة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، استمرت انتهاكات وقف إطلاق النار بينما اتهمت روسيا تركيا بعدم محاربة "الإرهاب"، واستخدمت وجود هيئة تحرير الشام داخل منطقة خفض التصعيد كدليل.[41] والجدير بالذكر أن هيئة تحرير الشام عززت سيطرتها على المحافظة من خلال القضاء على أحد منافسيها الرئيسيين، "حركة نور الدين الزنكي"، ومن خلال السيطرة على طريقي M4 وM5، وتحصيل الرسوم على النقل بالشاحنات التجارية.[42] نادرا ما تم تنفيذ دوريات روسية وتركية لمراقبة الامتثال للاتفاق، حيث لم تسيّر تركيا دوريتها الأولى في المنطقة منزوعة السلاح حتى 8 مارس/آذار 2019.[43] وطوال هذه الفترة، ازدادت انتهاكات وقف إطلاق النار، مع هجمات في أنحاء المنطقة منزوعة السلاح من قبل الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والحكومة السورية وحلفائها.[44]
بحلول أبريل/نيسان 2019، انهارت اتفاقيتا أستانا وسوتشي، وشن التحالف السوري-الروسي هجوما كبيرا جديدا.[45]
الهجوم السوري لاستعادة إدلب
بعد حشد القوات على طول منطقة خفض التصعيد في إدلب، شن الجيش السوري هجوما أواخر أبريل/نيسان 2019، مدعوما بضربات جوية روسية.[46] وهاجم التحالف السوري-الروسي مواقع الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة في جنوب إدلب وحماة بضربات جوية وقصف مدفعي، فيما هاجمت الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة مواقع عسكرية روسية وسورية، وأطلقت قذائف مدفعية وصواريخ غير موجهة، واستخدمت طائرات مسيرة مسلحة ضد الجنود المهاجمين.[47]
منذ بدء الهجوم، ومع اشتداد القتال، استخدم التحالف السوري-الروسي أساليب تذكّر باستحواذه على حلب والغوطة الشرقية، بإطلاق ذخائر عنقودية وأسلحة حارقة وأسلحة متفجرة واسعة النطاق، بما فيها البراميل المتفجرة، في المناطق المأهولة بالسكان. قتلت وجرحت الهجمات التي استهدفت المنازل، والمدارس، ومرافق الرعاية الصحية عددا لا يحصى من المدنيين.[48]
نفذ التحالف السوري-الروسي هجمات على العديد من المدن والبلدات في الأسابيع القليلة الأولى من الهجوم، ما أدى إلى فرار أكثر من ربع مليون شخص.[49] فر السكان بالغالب شمالا إلى مناطق مكتظة بالسكان في محافظة إدلب، بينما فر البعض إلى غرب حلب.[50] أدى النزوح إلى استنزاف الاستجابة الإنسانية المنهكة أصلا، وكان له تأثير خطير على تعليم الأطفال، حيث أصبحت تقريبا 100 مدرسة ملاجئ للنازحين، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية )أوتشا(.[51]
خلال الأسابيع الأولى من الهجوم، وثقت هيومن رايتس ووتش وآخرون الاستخدام المتكرر للذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة والبراميل المتفجرة في مناطق مأهولة بالسكان، حيث شن التحالف السوري الروسي مئات الهجمات في اليوم.[52] كان الدمار والضرر اللدين لحقا بالبنية التحتية المدنية، بما فيها مرافق الرعاية الصحية، من قبل التحالف السوري-الروسي، سمة غالبة للهجوم المتجدد. في شهر واحد فقط، من 28 أبريل/نيسان إلى 28 مايو/أيار، في إدلب وحماة وحلب، أدى ما يصل إلى 25 هجوما إلى تدمير مرافق الرعاية الصحية، فتعطلت الخدمة 20 مرة على الأقل.[53] تسعة من المنشآت كانت في إدلب.[54] اضطرت أربع منظمات إنسانية إلى تعليق خدماتها بسبب الأضرار التي لحقت بها جراء الغارات الجوية والقصف، في حين أن 25 مدرسة ربما تكون قد تضررت أيضا.[55]
في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي في 17 مايو/أيار 2019، رفض سفير روسيا لدى الأمم المتحدة المزاعم القائلة إن الحلف السوري والروسي يقوم "بأعمال عدائية ضد المدنيين أو البنية التحتية المدنية"، مؤكدا أنهم كانوا يستهدفون "الإرهابيين".[56]
واصل التحالف السوري-الروسي قصف المدارس والمرافق الصحية.[57] في يوليو/تموز، زعمت الحكومة السورية، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أن حوالي 119 منشأة رعاية صحية في إدلب كانت تستخدم من قبل "الإرهابيين"، وبالتالي لم تعد أعيانا مدنية، ما يجعلها أهدافا عسكرية مشروعة.[58] رفض مسؤولو الأمم المتحدة فقدان الحماية هذا، وأشاروا إلى أن مرفقا واحدا على الأقل في القائمة التي قدمها السوريون، وهو مستشفى في معرة النعمان، كانت تدعمه الأمم المتحدة منذ 2015. كما زعمت الحكومة السورية أن جميع سيارات الإسعاف "دمرت" واستُخدمت إما من قبل "الإرهابيين" لتفجير السيارات أو ضد "الجيش والمدنيين".
واصلت القوات البرية السورية المدعومة بضربات جوية روسية السيطرة على البلدات من الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.[59] وبحلول نهاية يوليو/تموز 2019، كان القتال قد قتل مئات المدنيين وهجّر أكثر من 440 ألف شخص.[60] وبينما كان يمكن نسب المسؤولية عن مقتل الأغلبية إلى التحالف السوري-الروسي، كانت هيئة تحرير الشام مسؤولة أيضا عن مقتل عشرات المدنيين.[61]
بسبب الهجمات العديدة على مرافق الرعاية الصحية – والتي كان وُضع بعضها على قائمة الأمم المتحدة لفض الاشتباك – والضغط الدولي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، في 1 أغسطس/آب 2019، عن تحقيق في الهجمات على مواقع المستشفيات المدرجة على القائمة.[62] وفي اليوم نفسه، أعلنت الحكومة السورية وقف إطلاق نار مشروط في جنوب إدلب.[63] انهار وقف إطلاق النار في غضون أيام قليلة مع استمرار الاشتباكات.[64]
شهد انهيار وقف إطلاق النار والهجوم المتجدد هجمات جديدة على المدنيين والبنية التحتية المدنية من قبل التحالف السوري-الروسي، بما في ذلك على مرافق الرعاية الصحية وموقع نزوح. كما استُهدِفت محطات المياه، وفقا للأمم المتحدة، ما أدى إلى تعطيل الخدمات لمئات آلاف الأشخاص.[65] بعد انهيار وقف إطلاق النار وتصاعد الهجمات، تمكنت القوات السورية المدعومة من روسيا وإيران من استعادة السيطرة على العديد من البلدات، بما فيها خان شيخون، التي لها أهمية استراتيجية على طول الطريق M5.[66] خلت العديد من المناطق في حماة وجنوب إدلب من السكان مع اشتداد الهجوم وفرار المدنيين.[67]
بعد سيطرة الحلف السوري-الروسي على بلدات عديدة في جنوب إدلب، أعلنت الحكومة الروسية من جانب واحد وقف إطلاق النار في 30 أغسطس/آب 2019، والذي دخل حيّز التنفيذ في اليوم التالي.[68] الهجوم السوري-الروسي على المدنيين والبنية التحتية المدنية من أبريل/نيسان إلى أغسطس/آب 2019 في أنحاء إدلب كانت حصيلته مدمرة. قدرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن الغارات الجوية والقصف قتلت أكثر من ألف مدني، في حين أكدت "منظمة الصحة العالمية" أن 51 منشأة رعاية صحية تضررت جراء أعمال العنف في شمال غرب سوريا خلال نفس الفترة.[69] في اليومين السابقين لإعلان وقف إطلاق النار، دمرت الغارات الجوية سبعا من تلك المنشآت.[70] تحدثت تقارير عن 87 حادثة أثّرت على المدارس بسبب الأعمال العدائية، مع تضرر 59 مدرسة.[71] وقدرت الأمم المتحدة نزوح قرابة نصف مليون شخص من شمال حماة وجنوب إدلب خلال تلك الفترة.[72]
على الرغم من وقف إطلاق النار أحادي الجانب، استمرت الضربات الجوية، واستخدمت روسيا، في سبتمبر/أيلول 2019، حق النقض للمرة 13 في مجلس الأمن الدولي بشأن النزاع في سوريا لمعارضة قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا.[73]
في ديسمبر/كانون الأول 2019، جدد التحالف السوري-الروسي هجومه في شمال غرب سوريا، وسيطر على عدة بلدات صغيرة في محافظة حلب، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة وتفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلا.[74] في غضون أسبوعين فقط، نزح قرابة ربع مليون سوري، ونزح الكثير من معرة النعمان وسراقب شمالا إلى مدينتي أريحا وإدلب الأكثر كثافة سكانية.[75] نزح بعضهم شمالا باتجاه الحدود مع تركيا، بينما نزح آخرون إلى غرب حلب.[76] تفاقمت الأزمة بسبب رفض تركيا فتح حدودها أمام الفارين من القتال.[77]
مع تفاقم الأزمة الإنسانية، استخدمت روسيا في 20 ديسمبر/كانون الأول 2019 حق النقض للمرة 14 لمنع التجديد الكامل لقرار يسمح بدخول المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.[78] أصدر مجلس الأمن قرارا أضعف في يناير/كانون الثاني 2020، حيث أعاد التصريح للمعبرين الحدوديين إلى شمال غرب سوريا لمدة ستة أشهر، لكنه أوقف التصريح للمعبرين الآخرين إلى شمال شرق وجنوب سوريا.[79]
في الشهر نفسه، استعاد التحالف السوري-الروسي مدينة معرة النعمان الاستراتيجية، وشمل ذلك سلسلة من الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، ومخيمات النزوح، والمدارس في أنحاء إدلب.[80]
استمر عدد النازحين بالازدياد. قدرت الأمم المتحدة أنه بحلول 12 فبراير/شباط، استعادت الحكومة السورية السيطرة على حوالي 100 تجمع سكاني في جنوب إدلب وغرب حلب.[81] من 1 ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى 12 فبراير/شباط 2020، ارتفع العدد التقديري للنازحين إلى 800 ألف، 60% منهم أطفال.[82] أدت الظروف الإنسانية المزرية، وازدحام المخيمات، ونقص المساحة والمأوى للوافدين الجدد، وعدم كفاية الإمدادات، وظروف الشتاء إلى تفاقم الوضع.[83] تقول وكالات الإغاثة إن بعض الأطفال ماتوا من البرد.[84]
في مطلع فبراير/شباط 2020، بدأت تركيا تعزيز وجودها في المحافظة بإرسال قوافل متعددة من الآليات العسكرية التركية، منها الدبابات وناقلات الجند المدرعة، لدعم الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة المتبقية في إدلب.[85]
حددت هيومن رايتس ووتش، خلال مراجعتها لصور الأقمار الصناعية، أن موقعا عسكريا تركيا جديدا محتملا يتشكل في شمال إدلب، بجانب العديد من الخيام والمباني التي تبدو مخيمات للنازحين.[86] في حين أن الموقع التركي ليس على مقربة مباشرة من أي من مواقع الهجوم الـ 46 ذُكِرت في التقرير، إلا أن نشر القوات يثير مخاوف من أن القوات التركية لم تتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب وضع أهداف عسكرية داخل المناطق المأهولة بالسكان أو بالقرب منها.
في 27 فبراير/شباط، قتل هجوم شنه الحلف السوري-الروسي على نقطة مراقبة تركية 33 جنديا تركيا على الأقل.[87] ردت تركيا بمهاجمة مئات الأهداف العسكرية السورية.[88] كما نشرت تركيا قوات إضافية في إدلب وأعلنت أنها ستفتح حدودها، ما يهدد بتدفق اللاجئين إلى أوروبا.[89] على الرغم من الإعلان، ظلت الحدود التركية-السورية مغلقة لغاية أوائل سبتمبر/أيلول.
بعد التصعيد بين تركيا وسوريا، أجرت الحكومتان التركية والروسية محادثات أسفرت في 5 مارس/آذار عن وقف جديد لإطلاق النار، دخل حيز التنفيذ في اليوم التالي.[90] نص اتفاق وقف إطلاق النار على أن "استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة"، ودعا إلى تسيير دوريات روسية وتركية مشتركة على طول الطريق M4، ورسّخ إلى حد كبير المكاسب التي حققها التحالف السوري-الروسي على الأرض منذ أبريل/نيسان 2019.[91]
تقدر الأمم المتحدة أن تقريبا 1.4 مليون شخص نزحوا خلال الهجوم من أبريل/نيسان 2019 إلى مارس/آذار 2020 وأن 1,700 مدني على الأقل قتلوا، الغالبية العظمى على يد التحالف السوري-الروسي.[92]
بحلول مارس/آذار 2020، خلت أكثر من 300 بلدة وقرية في إدلب من السكان، بحسب الأمم المتحدة، بسبب فرار المدنيين من الهجمات المتكررة. سيطرت القوات الحكومية السورية على أكثر من 230 من هذه البلدات والقرى حتى مطلع يونيو/حزيران.[93]
وقف إطلاق نار محفوف بالمخاطر
في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في 5 مارس/آذار وحوالي شهر من الهدوء النسبي، عاد أكثر من 100 ألف نازح إلى المناطق التي فروا منها، بما فيها جسر الشغور، وأريحا، وسرمين، من بين أماكن أخرى.[94]
ظل السكان، سواء الذين عادوا إلى ديارهم أو ما زالوا نازحين، في حالة ضعف شديد بسبب البنية التحتية المنهارة ومحدودية الوصول إلى الغذاء، والماء، وسبل العيش، والتعليم، والمأوى، والرعاية الصحية، بما في ذلك الدعم النفسي-الاجتماعي.[95] يمكن أن يتفاقم كل من أوجه النقص هذه والمخاطر المرتبطة بها بسبب تفشي فيروس كورونا، نظرا للاكتظاظ السكاني وضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية التي تجعل من المستحيل تطبيق التباعد الاجتماعي بشكل صحيح أو اتخاذ الاحتياطات الأخرى للمساعدة في الحد من انتشار الفيروس.[96] حتى أواخر أغسطس/آب، كان هناك ما لا يقل عن 59 حالة مسجلة للإصابات بفيروس كورونا في شمال غرب سوريا.[97]
وفقا لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، حتى أوائل أغسطس/آب، كان في حلب وإدلب أكثر من 10 آلاف جندي تركي وأكثر من 8 آلاف مركبة عسكرية تركية.[98] منذ أوائل أبريل/نيسان، تعزز تركيا مواقعها في منطقة خفض التصعيد، وأنشأت ما مجموعه 67 موقعا ونشرت آلاف المركبات لتعزيز وجودها العسكري.[99] منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار، كان هناك العديد من حوادث تبادل إطلاق النار، وطلعات جوية شبه يومية فوق إدلب.[100] حتى أغسطس/آب، سُجل عدد قليل من الغارات الجوية.[101]
الاستجابة الدولية
منذ 2011، منعت روسيا والصين بشكل متكرر محاولات في مجلس الأمن الدولي لمعالجة الوضع في سوريا، بما في ذلك قرار عام 2014 كان من شأنه تمكين "المحكمة الجنائية الدولية" من التحقيق في الجرائم الخطيرة في سوريا.
أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة بشأن سوريا" في 2016 لجمع، وتوحيد، وحفظ، وتحليل الأدلة المتعلقة بأخطر الجرائم بموجب القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ مارس/آذار 2011، ولإعداد ملفات القضايا لتسهيل إجراءات المقاضاة العادلة في المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي لها، أو قد يكون لها مستقبلا، الاختصاص بهذه الجرائم.[102]
في 2014، أنشأ أوتشا آلية لفض الاشتباك لتزويد الأطراف المتحاربة في سوريا بإحداثيات المستشفيات والمواقع الإنسانية الأخرى التي تتمتع بحماية مشروطة من الهجوم بموجب قوانين الحرب. ومع ذلك، فقد هاجم الحلف السوري-الروسي مرارا العديد من هذه المواقع دون أي رد دولي مؤثر. أنشأ الأمين العام للأمم المتحدة هيئة تحقيق في أغسطس/آب 2019 للتحقيق في الهجمات على مواقع "معينة" على القائمة ومواقع أخرى تدعمها الأمم المتحدة.
وجد التقرير النهائي للجنة التحقيق، الذي نُشر ملخص له في أبريل/نيسان 2020، أنه من بين المواقع السبعة التي تم التحقيق فيها، من "المحتمل جدا" أن تكون سوريا وحلفاؤها قد نفذت ثلاثة من هذه الهجمات، ومن "المحتمل جدا" أن تكون الحكومة السورية قد نفذت العملية الرابعة وحدها. ومن "المعقول" أن يكون الهجوم الخامس قد نفذ من قبل سوريا وحلفائها.[103] لم يسمي التقرير روسيا صراحة كمسؤولة بشكل مشترك عن الضربات الأربعة، واكتفى بذكر "حلفاء" سوريا، كما لم يوصِ بمحاسبة سوريا وروسيا. وخلص إلى أنه من المحتمل أن تكون هيئة تحرير الشام قد نفذت هجوما، واعتبر هجوما آخر خارج تفويض التحقيق. وثق تحقيق مفصل أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" تورط روسيا المباشر في إحدى الهجمات.[104]
في يونيو/حزيران 2020، أعلنت روسيا انسحابها من آلية فض الاشتباك، مدعية أن العديد من "جماعات المعارضة" و"الإرهابيين من خلال وكلائهم" كانوا "يسيئون استخدامها".[105]
في تقرير صدر في مارس/آذار 2020، ذكرت "لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية"، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2011، للمرة الأولى صراحة تورط روسيا في هجمات غير قانونية على البنية التحتية المدنية في سوريا، قائلة إنها ترقى إلى جرائم حرب.[106] في تقرير سُلِّم إلى مجلس حقوق الإنسان في يوليو/تموز 2020، أعلنت لجنة التحقيق مرة أخرى ضلوع سوريا وحلفائها في هجمات غير قانونية على البنية التحتية المدنية ترقى إلى جرائم الحرب.[107] وقالت لجنة التحقيق إن الهجمات التي تشنها سوريا وحلفاؤها كانت واسعة النطاق ومنهجية، ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، وفي بعض الحالات ربما ترقى إلى مستوى النقل القسري، وهي جريمة ضد الإنسانية.[108] على الرغم من الطلبات المنتظمة، لم تمنح السلطات السورية لجنة التحقيق الإذن بالدخول إلى سوريا.[109]
النزوح نتيجة العمليات العسكرية
تسبب الهجوم العسكري السوري-الروسي بين أبريل/نيسان 2019 ومارس/آذار 2020 في نزوح جماعي في ثلاث من المناطق التي ركزت عليها هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير – أريحا، وجسر الشغور، ومعرة النعمان– مفرغا منطقتَي أريحا ومعرة النعمان بالكامل.[110] كما شهدت منطقة جسر الشغور انخفاضا ملحوظا في سكانها بعد الهجمات، ما لبث أن ازداد مع النزوح إليها من التجمّعات المجاورة.
يمثل ما سبق جزءا محدودا من إجمالي موجات نزوح المدنيين القاطنين في محافظة إدلب وشمال غرب سوريا عموما خلال الفترة نفسها. فمع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار 2020 بين روسيا وتركيا حيّز التنفيذ، كانت أكثر من 300 قرية وبلدة في المنطقة مهجّرة بالكامل؛ أكثر من 230 منها حاليا تحت سيطرة الحكومة السورية.[111]
تقدّر الأمم المتحدة فرار قرابة 1.4 مليون شخص في إدلب من ديارهم، من أصل تعداد السكان المقدر بـ 3 ملايين شخص بين بدايات 2019 و2020.[112] ذكر عشرات النازحين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، والذين فروا من منازلهم في أعقاب الهجمات السورية-الروسية المتلاحقة في أبريل/نيسان 2019، أنهم غادروا نتيجة استخدام سوريا وروسيا المتكرر للأسلحة المتفجرة في مناطق مأهولة. ذكر الكثيرون خوفهم من التعرض لسوء المعاملة إذا استعادت الحكومة السورية المنطقة.
في حين لا يمثل النزوح الجماعي للمدنيين من مناطق النزاع في حد ذاته انتهاكا لقوانين الحرب، قد تشكّل أسباب ذلك النزوح – هجمات غير قانونية متكررة مثلا– انتهاكا. أيضا، تحظر قوانين الحرب الهجمات أو التهديد بشن هجمات هدفها الأساسي نشر الرعب بين السكان المدنيين.[113] يمكن أن تنتهك الهجمات على أعيان مدنية، من دون غاية عسكرية واضحة، هذا الحظر.
تشير أنماط الهجمات السورية-الروسية، وشدتها، واستهدافها المتكرر للأعيان والبنية التحتية المدنية إلى أن أحد أهداف الهجوم الرئيسة المحتملة قد يكون التسبب في نزوح جماعي.[114]
كانت مدينة إدلب، أكبر مدن محافظة إدلب، الأبعد عن خطوط المواجهة مقارنةً بباقي البلدات والقرى التي أدرجها التقرير. استمر عدد سكان المدينة في النمو رغم الهجمات عليها، بما في ذلك الهجمات السبع التي يدرسها هذا التقرير والتي أضرت بالبنية التحتية المدنية. تزايد نزوح العائلات إلى مدينة إدلب من المناطق التي استعادتها الحكومة السورية مع بقاء المدينة تحت سيطرة جماعة "هيئة تحرير الشام"، جماعة مسلحة مناهضة للحكومة. ارتفع عدد سكان مدينة إدلب من 186,376 نسمة في أبريل/نيسان 2019 إلى 263,220 نسمة في مارس/آذار 2020، أكثر من النصف نازحون من مناطق مجاورة.[115] ويُبرز النزوح إلى إدلب، رغم أنها كانت هدفا للغارات، أنه لم يكن للعديد من الأشخاص في المنطقة مكان آمن يلجؤون إليه.
أريحا
تقع بلدة أريحا على بعد 15 كيلومتر جنوب إدلب و70 كيلومتر جنوب غرب حلب طريق حلب-اللاذقية السريع.[116] أصبحت البلدة بحلول أوائل سبتمبر/أيلول 2020 تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. وصل عدد السكان بحلول أبريل/نيسان 2019 إلى 35,624 نسمة، منهم 6 آلاف نازح تقريبا يبحثون عن مأوى هناك.[117]
منذ اندلاع العمليات العسكرية في أبريل/نيسان 2019، نزح آلاف المدنيين إلى أريحا من مناطق أخرى في إدلب هربا من الهجمات ومن تقدم القوات الحكومية والقوات الموالية لها.[118] في مطلع يناير/كانون الثاني 2020، دمّر هجوم شنه التحالف السوري-الروسي مدرستين وحضانة، ثم أدى هجوم تالٍ في 29 يناير/كانون الثاني على مستشفى أريحا الجراحي إلى إغلاق المستشفى الوحيد العامل في المدينة. قال أحد سكان أريحا إن معظم السكان فروا بعد ذلك الهجوم.[119] وصف ساكن آخر الهجوم على المستشفى بـ "الضربة القاضية".[120]
ووفقا لشهادة طبيب في أريحا:
بدأ الناس بالرحيل على دفعات مع ازدياد حدة الهجمات واقتراب القوات السورية والروسية، وأُفرغت نصف أريحا تقريبا. وبعد الهجوم على المستشفى، غادر أريحا الجميع تقريبا لأنه كان المستشفى الوحيد الذي يخدم أريحا وجبل الأربعين وجبل الزاوية، منطقة بقطر 50 كيلومتر. ذهب الأهالي شمالا، باتجاه شمال حلب والحدود التركية. [121]
قال مهند اليماني، من سكان أريحا، إن تأثير الهجوم على المستشفى كان واسع النطاق. أضاف، "بعد الهجوم، توقفت المولدات الكهربائية وأُغلقت المخابز. بدأ الناس يغادرون بأمتعتهم، وأغلق حتى الباعة الجوالة وبائعو الخضار والمتاجر، ورحل الجميع. حتى الذين لم يكونوا خائفين ولم يغادروا بسبب الغارات غادروها في النهاية لنقص الخدمات الأساسية".[122]
بحلول 20 فبراير/شباط، فر 30 ألفا من السكان المتبقين في أريحا، لتصبح البلدة مقفرة.[123] بحلول أوائل مارس/آذار 2020، دخل وقف إطلاق النار بوساطة روسية وتركية حيز التنفيذ، ما أنهى الهجمات البرية والجوية وأعاد 23 ألف شخص تقريبا إلى البلدة.[124] لكن في أبريل/نيسان، بحسب اليماني، الذي عاد إلى أريحا، استمر افتقار المدينة إلى الكهرباء والمياه ومستشفى في الخدمة، ما كان يُجبر السكان على السفر إلى مدينة إدلب لتلقي الرعاية الطبية.[125] أُعيق تقديم المساعدات بسبب نزوح العاملين في الإغاثة ووجود بقايا متفجرات من مخلفات الحرب، وكذلك الاشتباكات القريبة.[126]
جسر الشغور
تخضع جسر الشغور، على بعد 85 كيلومتر جنوب غرب حلب و30 كيلومتر غرب مدينة إدلب، لسيطرة هيئة تحرير الشام منذ أبريل/نيسان 2015 وحتى الآن.[127] قبيل بدء هجوم التحالف السوري-الروسي في 2019، قُدّر عدد السكان بـ 21,990 شخص، منهم أكثر من 4 آلاف نازح.[128] بين مارس/آذار ويوليو/تموز 2019، دمرت الهجمات مستشفى البلدة، وعيادة، وسوقا، ومدرستين. مع استمرار الهجمات، فر حوالي خُمس السكان بحلول أغسطس/آب 2019.[129]
بعد وقف إطلاق النار الأحادي الجانب الذي أعلنته روسيا ودخل حيز التنفيذ في 31 أغسطس/آب 2019، عاد الآلاف ممن فروا من جسر الشغور إليها. ولجأ إليها أيضا كثيرون من مناطق أخرى، ما أعاد تعداد السكان إلى 22 ألف نسمة تقريبا.[130]
في أعقاب انهيار وقف إطلاق النار أحادي الجانب في نوفمبر/تشرين الثاني، استؤنفت الهجمات على جسر الشغور. دمرت الهجمات السورية-الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني العيادة الطبية في البلدة، ولم يتبق سوى مستشفى واحد في الخدمة. كما تسبب هجوم في إلحاق الضرر بملعب كرة القدم في البلدة ومقر الدفاع المدني السوري المحلي، ما أعاق خدمات الإنقاذ.[131] فر قرابة ثُلث السكان على إثر الهجمات العديدة، ولم يتبق سوى 15,400 شخص تقريبا في البلدة في ديسمبر/كانون الأول 2019.[132] بحلول نهاية العام، أصابت غارة بأضرار خزان المياه على سطح ما كان آنذاك المستشفى الوحيد العامل في المدينة.
ازداد عدد سكان جسر الشغور ثانيةً بشكل طفيف مع نزوح الناس إليها من التجمعات السكانية المجاورة في ناحية جسر الشغور ومنطقة بداما القريبة.[133] وصل عدد سكان البلدة إلى 18,400 بحلول مارس/آذار 2020، بعد وقف إطلاق النار الذي وقعته روسيا وتركيا.[134]
تكشف صور الأقمار الصناعية توزع المواقع المتضررة بشكل واسع في البلدة جراء هجمات عدة منذ أبريل/نيسان 2019، وتركُّز القدر الأكبر من الدمار في الأحياء الشرقية. تُظهر الصور أيضا أضرارا مباشرة وغير مباشرة للبنية التحتية المدنية، مثل منشآت الرعاية الصحية والمدارس.
معرة النعمان
خضعت معرة النعمان، 72 كيلومتر جنوب غرب حلب و30 كيلومتر جنوب إدلب، لسيطرة هيئة تحرير الشام حتى سيطرة الحكومة السورية عليها في يناير/كانون الثاني 2020.[135]
لم يتوقف قصف المنطقة في 2018، رغم اتفاق أستانا لوقف إطلاق النار.[136] كان عدد سكان البلدة قبيل الهجوم السوري-الروسي عام 2019 حوالي 50 ألفا.[137] في مايو/أيار 2019، ألحق التحالف السوري-الروسي أضرارا بمستشفى في كفرنبل، ثمانية كيلومترات غربا، وآخر في حاس، عشرة كيلومترات غربا. تسببت الهجمات المستمرة في المنطقة في استمرار النزوح باتجاه معرة النعمان والتي وصل عدد قاطنيها إلى حوالي 63 ألفا بحلول يوليو/تموز.[138]
في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، أصابت الهجمات سوق المواد الغذائية الرئيسي في البلدة وسوقا أصغر للمواد الغذائية وألحقت أضرارا بالمستشفيين العاملين فيها. في أعقاب هذه الهجمات، فرّ تقريبا نصف من كان في معرة النعمان حينها.[139] ثم ازداد عدد السكان بشكل كبير ليصل إلى 45 ألفا تقريبا في نوفمبر/تشرين الثاني بعد وقف إطلاق النار أحادي الجانب في 31 أغسطس/آب والنزوح إليها من المناطق المجاورة. في أكتوبر/تشرين الأول، أدى هجوم على عيادة البلدة إلى إغلاقها لأسبوع بعدما ألحق بها أضرارا. بحلول ديسمبر/كانون الأول 2019، فر تقريبا نصف السكان، ما أدى إلى انخفاض عدد القاطنين إلى 24,557 نسمة.[140] في الشهر نفسه، أصاب هجوم سوق المواد الغذائية بالجملة في البلدة ومنشأة لنشر سيارات الإسعاف على مدار 24 ساعة. أدى هجوم في أوائل يناير/كانون الثاني 2020 إلى تدمير آخر مستشفى متبقٍ.
بحلول نهاية يناير/كانون الثاني، خلت أغلب المعرة من سكانها، وسيطرت القوات السورية عليها في 28 يناير/كانون الثاني. حتى أوائل سبتمبر/أيلول، كانت البلدة خالية من السكان، باستثناء بضعة أفراد.
استمرت الهجمات على البنى التحتية المتبقية في معرة النعمان بعد فرار معظم سكانها أواخر ديسمبر/كانون الأول 2019 وسيطرة الحكومة السورية عليها نهاية يناير/كانون الثاني 2020. تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة أواخر مايو/أيار 2020 دمارا في أجزاء مختلفة من المدينة، مع تركزه في المناطق الواقعة شمال وجنوب طريق رئيسي يقطع البلدة من شرقها إلى غربها. تُظهر صور الأقمار الصناعية أيضا الحطام والأنقاض على امتداد طرق متعددة في البلدة وأضرارا جسيمة لمعظم المباني السكنية والبنية التحتية الرئيسية، مع استمرار الأضرار بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار. يبدو أن العديد من المباني التي دمرت خلال هذه الفترة هُدمت على الأرجح بالآلات الثقيلة والتفجير غير المضبوط للمواد شديدة الانفجار.
الغارات السورية-الروسية على البنية التحتية المدنية:من مارس/آذار 2019 إلى مارس/آذار 2020
وثّقت هيومن رايتس ووتش 46 هجوما بريا وجويا للتحالف العسكري السوري-الروسي أصابت أو ألحقت أضرارا مباشرة أو غير مباشرة بالأعيان والبنية التحتية المدنية في إدلب بين مارس/آذار 2019 ومارس/آذار 2020. وقعت الهجمات في أربعة مراكز سكانية رئيسية وقربها – أريحا، وجسر الشغور، ومدينة إدلب، ومعرة مصرين – وأربعة مخيمات للنازحين في بلدات الدانا، وحاس، وسرمدا. كانت جميع المناطق تحت سيطرة جماعة هيئة تحرير الشام المسلحة وقت وقوع الهجمات.
قتلت هذه الغارات الـ 46 أكثر من 212 مدنيا وأصابت 560 آخرين بجروح بحسب شهادات شهود عيان، وأفراد عائلات الضحايا، والسكان، والسلطات المحلية، وعمال الرعاية الصحية والإنقاذ المحليين.[141] ازداد عدد الإصابات الناجمة عن الشظايا والبُنى المنهارة نتيجة استخدام أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان.[142]
دمرت الغارات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش 12 مرفقا للرعاية الصحية، وتسع مدارس، ودار حضانة، مجبرةً العديد منها على الإغلاق بشكل مؤقت أو نهائي. تُقدّر هيومن رايتس ووتش أن هذه الهجمات حرمت 4,733 طفلا على الأقل من الالتحاق بالمدارس، مؤقتا على الأقل.[143] كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن الهجمات تسببت في دمار أو تضرر خمسة أسواق، وأربعة مخيمات للنازحين، وأربعة أحياء سكنية، ومنطقتين تجاريتين، وسجن، وكنيسة، وملعب كرة قدم، ومقر منظمة غير حكومية، من بين أماكن أخرى.
في حين يقر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، بأن تأذي وإصابة المدنيين أمر لا مفر منه في النزاع المسلح، فهو يلزم جميع الأطراف المتحاربة بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وإلغاء الهجمات التي يُحتمل أن تتسبب في أضرار غير متناسبة بالمدنيين، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين والأعيان المدنية من آثار الهجمات. قال شهود عيان على جميع الهجمات الـ 46 التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، وآخرون قابلَتهم، إنه لم تكن هناك أهداف عسكرية قريبة وقت الهجمات على حد علمهم. كما لم يتلق السكان أي تحذير مسبق من هجمات من التحالف السوري-الروسي. لم يجد تحليل هيومن رايتس ووتش للصور ومقاطع الفيديو من مواقع الهجمات أي علامات على وجود أسلحة، أو معدات، أو أفراد لجماعات مسلحة معادية للحكومة السورية.
هجمات غير مشروعة على منشآت طبية
وثّقت هيومن رايتس ووتش 18 هجوما منفصلا دمرت 12 منشأة رعاية صحية، مثل المستشفيات، والعيادات، ومراكز الإسعاف، ومقر للدفاع المدني السوري. أصابت ست من الهجمات مرفق الرعاية الصحية مباشرةً، وفي حالتين أصابت سيارة إسعاف. كانت جميع المنشآت موجودة في أريحا، ومدينة إدلب، وجسر الشغور، ومعرة النعمان، ومعرة مصرين وحولها. في ثماني هجمات أخرى، تضررت المنشآت جراء ذخائر سقطت في مكان قريب ولم تصبها مباشرة. في حالتين، لم يتضح ما إذا كانت المواقع قد تعرضت لضربات مباشرة أم تضررت جراء الانفجارات واسعة النطاق للذخائر. قتلت هذه الهجمات 37 شخصا على الأقل، بينهم خمسة عاملين صحيين على الأقل، وإصابة 155 آخرين على الأقل، بينهم ثمانية عاملين صحيين على الأقل.
ألحقت جميع الهجمات أضرارا بالمنشآت، وأجبرتها في ثلاث حالات على الخروج نهائيا من الخدمة، بحسب موظفين عملوا هناك، والخروج مؤقتا من الخدمة في ست حالات.[144] عالجت المنشآت التسع معا وسطيا 789 مريضا يوميا قبل الهجمات، وفقا للعاملين فيها.[145] قال العاملون في جميع المنشآت إنهم كانوا يعالجون مدنيين فقط وقت الهجمات، رغم أن القانون الدولي يحمي جميع منشآت الرعاية الصحية، بما فيها التي تعالج المقاتلين.
تشير إفادات الشهود، وكذلك الصور ومقاطع الفيديو من موقع الهجوم وصور الأقمار الصناعية، إلى عدم وجود أهداف عسكرية في محيط أي من الهجمات. تشير الغارات المتكررة على منشآت الرعاية الصحية في ظل هذه الظروف إلى سعي التحالف الروسي-السوري المتعمّد إلى تعطيل المنشآت وحرمان الناس من تلقي الرعاية الطبية.
أريحا
المستشفى الجراحي
دمرت ثلاث وحدات ذخيرة ليلة 29 يناير/كانون الثاني 2020 مستشفى أريحا الجراحي المكون من ثلاثة طوابق (المعروف أيضا بـ "مشفى الشامي")، المستشفى الوحيد في أريحا، فقتلت 14 مدنيا على الأقل وأصابت 66 آخرين.[146] قال طبيب في مارس/آذار إن عدد القتلى يُحتمل أن يكون أعلى لأنه كانت ما تزال بعض الجثث مفقودة تحت الأنقاض.[147]
قال الطبيب إن المستشفى كان يعالج وقت الهجوم 50 مريضا يوميا تقريبا ويجري 15 إلى 20 عملية جراحية.[148] أصابت الضربة الأولى مبنىً سكنيا من ثلاثة طوابق، 50 متر شرق المستشفى، الساعة 10:26 ليلا، وأدى الانفجار إلى تطاير أبواب المستشفى ونوافذه وسقوط بعض جدرانه الخارجية.[149]
أصابت الضربة الثانية، بعد ست دقائق تقريبا، الطابق الرابع لمبنى، 30 متر جنوب المستشفى، فقتلت عائلة نازحة كانت تقيم فيه وألحقت أضرارا بحاوية شحن في ساحة المستشفى يستخدمها المستشفى كجناح لمعالجة المصابين بأسلحة كيميائية. قال عامل في المستشفى إنه كان في داخله عندما سقطت وحدة الذخيرة الثانية، مضيفا: "الانفجار الذي رماني إلى الخارج كان صاخبا وساطعا".[150] أصيب الدكتور زكوان طماع، الذي كان خارج سيارته في الفناء وقت الغارة الثانية، بجروح قاتلة من شظايا معدنية.[151]
الساعة 10:38 ليلا، أصابت ضربة ثالثة مبنىً سكنيا من ثلاثة طوابق، 15 متر من المستشفى، ملحقةً أضرارا بالجدار الغربي للمستشفى.[152] قال عبدو سعيد، العامل في قسم الطوارئ بالمستشفى:
حاولنا معالجة د. زكوان. كنا متوترين – كان علينا معالجته، بينما الطائرة الحربية تحلق فوق رؤوسنا منتظرةً هدفها التالي. بعد الضربة الثالثة، كنا قلقين من حدوث انفجار آخر. أنت لا تعرف تماما ما إذا كان الهجوم قد انتهى أم لا - لا يمكن وصف الشعور. خوف كبير. قلق كبير. ارتباك كبير.[153]
قال فريق الدفاع المدني السوري الذي وصل بعد الهجوم إنهم واصلوا انتشال الجثث من تحت الأنقاض لمدة 24 ساعة تقريبا.[154] كان معظم القتلى قد أصيبوا بشظايا معدنية بينما اختنق آخرون تحت الأنقاض. كما دمر الهجوم أربع سيارات على الأقل كانت متوقفة في ساحة المستشفى، منها سيارة إسعاف. يقع المستشفى في حي سكني، وألحقت الضربة أضرارا بمخبز بجوار المستشفى، وأخرجته من الخدمة.[155]
قال سعيد، عامل الطوارئ: "لم نكن نتوقع ذلك. لم نتلق أي تحذير أو أي خبر مسبق".[156]
نفت روسيا ضلوعها في الهجوم،[157] لكن وجد تحقيق أجرته "القناة 4 الإخبارية" البريطانية قيام مراقبي رحلات غير رسميين على الأرض بتسجيل حديث مشفّر لطيار روسي حول هجوم وشيك.[158] قالت "لجنة التحقيق في سوريا"، في تقرير أصدرته في يوليو/تموز 2020، إن لديها "أسبابا معقولة للاعتقاد" بأن الهجوم نفذته روسيا.[159]
راجعت هيومن رايتس ووتش ستة مقاطع فيديو وأربع صور قدمها بشكل مباشر متطوعو الدفاع المدني و16 مقطع فيديو نُشرت على يوتيوب وفيسبوك في 30 يناير/كانون الثاني 2020.[160] تُظهر المقاطع مجتمعةً نقل أربعة أشخاص على الأقل مصابين أو متوفين، منهم رجل ذكَرَ شخص ما في الفيديو أنه د. زكوان؛ وقيام عمال الإنقاذ بإخماد الحرائق ومحاولة إنقاذ العالقين تحت الأنقاض؛ ومبانٍ ومركبات مدمرة، بما فيها أضرار لحقت بالمستشفى والمعدات الطبية.
قُدّم إلى هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو التقط من سطح المستشفى يُظهر مبنيين مدمرين على أحد جانبي المنشأة ومبنىً مدمرا ثالثا على الجانب الآخر، بالإضافة إلى حاوية الشحن المتضررة وسيارة الإسعاف والسيارات المدمرة في ساحة المستشفى.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم ليسوا على علم بأي أهداف عسكرية قريبة قبل الهجوم أو في وقته، ولم تظهر في مقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أي أسلحة، أو معدات عسكرية، أو عسكريين.[161]
أدى الهجوم على مستشفى أريحا الجراحي إلى خروج المستشفى الوحيد في بلدة يقطنها أكثر من 37 ألف نسمة وقتها عن الخدمة نهائيا. كما كان يعتمد أكثر من 200 ألف ساكن في القرى المجاورة على خدماته.[162]
مدينة إدلب
المستشفى المركزي
في 25 فبراير/شباط 2020 الساعة 1:55 ظهرا، أصابت وحدة ذخيرة المشفى المركزي (المعروف أيضا بـ "مشفى المحافظة") في مدينة إدلب، فجرحت أربعة مدنيين على الأقل وألحقت أضرار بالمبنى.[163]
قال معاوية آغا، مسؤول إدخال البيانات في المستشفى، إنه أبلَغ عن قصف مكثف من الجنوب الشرقي. وقتها، كان الجيش السوري يسيطر على مواقع تبعد حوالي 15 كيلومتر إلى الجنوب الشرقي من المدينة.[164] كان بالمستشفى 172 موظفا ويعالج حوالي 15 ألف مريض شهري، وفيه 61 سريرا، منها 42 للجراحة، وعشرة للعناية المركزة، وتسعة لمرضى السرطان.[165]
قال آغا، الذي كان متواجدا أثناء الهجوم، إن وحدة ذخيرة أصابت البوابة الشرقية للمستشفى الساعة 1:55 ظهرا:
كان جميع العاملين في المستشفى يعالجون الجرحى العديدين المتوافدين جرّاء القصف العنيف. أصابت الضربة، التي أنا متأكد من أنها جوية بسبب حجم الأضرار التي سببتها، أربعة من موظفين طبيين بالداخل. لا أعرف عدد من أصيبوا في الهجوم خارج المبنى. كنت خائفا من الخروج.[166]
أضاف آغا أن الغارة دمرت أبواب المستشفى ونوافذه وتسببت في تصدعات في الجدار الخارجي الشرقي، لكن بقي المستشفى في الخدمة بعد الهجوم.[167]
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطعَيْ فيديو و21 صورة منشورة على فيسبوك ويوتيوب في 25 فبراير/شباط 2020 .[168] تُظهر مجتمعةً جثة على الأرض، وثلاثة أطفال صغار في سيارة إسعاف، والأضرار التي لحقت بالمركبات، وجدار المستشفى، ومبنى قريب. في مقطع فيديو نُشر على فيسبوك، تظهر حفرة كبيرة في الشارع، 35 متر تقريبا من المستشفى، إلى جانب الأضرار التي لحقت بجدار المستشفى الخارجي.[169] تنتقل الكاميرا من الحفرة لتُظهر الجثة نفسها على الأرض والضرر اللاحق بمركبتين.[170]
في مقطع فيديو آخر نشره الدفاع المدني السوري على فيسبوك، تقف سيارة إسعاف على بعد نحو 125 متر تقريبا من المستشفى، ويحمل عمال الإنقاذ شخصا مصابا إلى السيارة. يبحث عمال الإنقاذ بين أنقاض مبنى مدمر، 125 متر من المستشفى.[171]
تُظهر صورتان نُشرتا على الإنترنت في 25 فبراير/شباط الأضرار التي لحقت على ما يبدو بالمستشفى من الداخل، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالنوافذ وإطارات الأبواب.[172]
قال آغا إنه لم يكن يعلم بوجود أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل الهجوم أو في وقته، ولم تكن هناك علامات على أسلحة، أو معدات عسكرية، أو عسكريين في الصور التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.[173]
جسر الشغور
بين يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول 2019، دمرت عدة هجمات أو ألحقت أضرارا بالمنشآت الطبية الوحيدة العاملة في جسر الشغور.[174] كان في البلدة مستشفى واحد في الخدمة هو "مستشفى جسر الشغور الجراحي" وبه أجنحة متعددة تشمل جراحة العظام، والجراحة العامة، والولادة، وطب الأطفال. كانت توجد في المدينة أيضا عيادة واحدة يُشار إليها باسم "مركز الرعاية الصحية الأولية".[175] تم تدمير منشآت طبية أخرى خلال الهجمات العسكرية السابقة. أقرب مستشفى خارج البلدة هو مستشفى أريحا (انظر أعلاه)، 20 كيلومتر شرقا، ومستشفى دركوش، على بعد 14 كيلومتر شمالا.[176]
المستشفى الجراحي
وفقا لتحليل هيومن رايتس ووتش لصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو والصور المتاحة، فإنه في 10 يوليو/تموز 2019، بين الساعة 9:33 و9:38 صباحا، سقطت وحدتا ذخيرة في الوقت نفسه، الأولى قرب بوابة مدخل سيارات الإسعاف للمستشفى الجراحي، قرب مولدات المستشفى، والثانية 60 متر جنوب مبنى المستشفى الرئيسي وموقف سيارات الإسعاف.[177] كان المستشفى يعمل بكامل طاقته آنذاك ويعالج حوالي 4,500 شخص شهريا. كان ثمّة 60 مريضا و27 موظفا أثناء الهجوم.[178]
قتل الهجوم خمسة مدنيين على الأقل داخل مبنى مجاور وخامس أمامه. أصاب تسعة آخرين على الأقل بجروح تراوحت بين سطحية وعميقة.[179] قال أحمد حسن بكور، مسؤول إدخال البيانات بالمستشفى، إنه خرج بعد الهجوم ليرى جثة علاء زياد، وهو صاحب متجر عمره 21 عاما، "ممزقة إلى نصفين".[180] وألحق الهجوم أضرارا بسيارة إسعاف وثلاثة مولدات كهربائية وحطم نوافذ المستشفى، ما أدى إلى إصابة اثنين من العاملين بالمستشفى بشظايا زجاج.[181]
راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية التي التُقطت قبل الهجوم وبعده. ظهرت آثار غارتين على الأقل إلى الجنوب مباشرة من المستشفى حيث سقطت الذخائر. تُظهر صور القمر الصناعي الملتقطة في صباح اليوم التالي، 11 يوليو/تموز، الطوابق العلوية المنهارة لمبنيين يتألف كل واحد منهما من خمسة طوابق، 30 و60 متر جنوب المستشفى. كما أصيب مبنى سكني آخر، على بعد 110 أمتار جنوب غرب المستشفى، بشكل مباشر خلال الهجوم.
تؤكد خمسة مقاطع فيديو منشورة على يوتيوب، وصورة منشورة على فيسبوك في 10 يوليو/تموز 2019، آثار الهجوم وحجم الدمار. تُظهر حطاما في الشارع خلف المستشفى الجراحي والأضرار التي لحقت بغرفة مستشفى، وبمعدات طبية ومولدات، وبزجاج أمامي لسيارة إسعاف ومبنى قريب. كما تُظهر جثثا وجرحى بينهم طفل. [182]
بعد الهجوم، خرج المستشفى من الخدمة ليوم قبل استئنافه لخدمات الطوارئ فقط في 11 يوليو/تموز. في اليوم التالي، 12 يوليو/تموز، أصابت غارة أخرى، تحققت منها هيومن رايتس ووتش عبر الصور المنشورة على فيسبوك، مبنى سكنيا فارغا من خمسة طوابق، على بعد 25 متر جنوب شرق المستشفى، ودمرت آخر طابق فيه. تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 11 و19 يوليو/تموز الأضرار التي لحقت بالمبنى، وهو ما يتوافق مع مقاطع الفيديو والصور المنشورة على فيسبوك في 12 يوليو/تموز.[183] لم تتسبب الضربة بأضرار إضافية للمستشفى. في 17 يوليو/تموز، استأنف المستشفى جميع وظائفه.
في ليلة 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، سقطت وحدة ذخيرة قرب خزان المياه على سطح المستشفى الجراحي. قال بكور إن المستشفى كان شبه فارغ عندما وقع الهجوم ليلا لوجود عدد مرضى وموظفين أقل بكثير مقارنةً بالنهار، وإن الطاقم تمكن من إصلاح الضرر المحدود للخزان في اليوم التالي. [184]كان المستشفى ما يزال قيد الخدمة حتى أوائل سبتمبر/أيلول 2020.
© 2019 أورينت نيوز
قال بكور وأحمد اليازجي، قائد فريق الدفاع المدني السوري في جسر الشغور، إنهما لم يعرفا بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو وقت وقوع أي من الهجمات الثلاث، ولم تكن هناك أسلحة، أو معدات عسكرية، أو عسكريين واضحين في صور الأقمار الصناعية أو الصور ومقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.[185]
مركز الرعاية الصحية الأولية
تعرض مستوصف جسر الشغور، أو "مركز الرعاية الصحية الأولية"، التي كان يعمل بها 40 شخصا وتعالج 5 آلاف مريض شهريا تقريبا، لأضرار جراء هجومين.[186] في الأول، في 18 يوليو/تموز 2019 عند الساعة 12:30 بعد منتصف الليل، سقطت ذخيرة على مسافة 70 متر جنوب شرق المركز.[187] كان المركز خاليا وقت الهجوم.[188] دمّر الهجوم أبواب المركز ونوافذه، وأخرجهه من الخدمة لأسبوع.[189]
راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية الملتقطة قبل الهجوم وبعده والتي تُظهر آثار أربع ارتطامات على الأقل وأضرارا لحقت بالعديد من المباني السكنية متعددة الطوابق في المنطقة. يتسق نوع الضرر ومستوى الدمار مع مقاطع فيديو للهجوم منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.[190] يُظهر مقطع فيديو أرسله صحفي إلى هيومن رايتس ووتش مبانٍ يتصاعد منها الدخان نتيجة الاصطدام، وكذلك سيارة إطفاء وعمال إنقاذ.[191] صُور أحد مقاطع الفيديو التي نشرها الدفاع المدني السوري في المركز بعد الهجوم مباشرة، بحسب متطوع في الدفاع المدني تمت مقابلته أمام الكاميرا. كما عرض المقطع غرف معدات طبية متعددة نوافذها محطمة، وزجاج على الأرض، ومعدات طبية تالفة.[192]
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عند الساعة 3:25 عصرا، أصابت قذيفة مدفعية البوابة الرئيسة للعيادة، وفقا لصور كاميرات المراقبة، والتي تظهر توقيت الانفجار.[193] قال عامل صحي في المركز كان يعيش في الجوار إن المنطقة كانت تتعرض لقصف عنيف آنذاك. أضاف، "بسبب القصف في المنطقة، قررنا الإغلاق مبكرا يومها، حوالي الساعة 1 ظهرا. أرسلنا 25 مريضا كنا نعالجهم إلى المنزل في مجموعات صغيرة للحد من خطر تعرضهم للإصابة".[194] لم يُصب أحد، لكنه قال واليازجي، قائد فريق الدفاع المدني في جسر الشغور، إن القصف دمر البوابة الرئيسية والجدران، وأدى إلى تدمير جميع النوافذ والأبواب، وتوقف المركز عن العمل نهائيا.[195]
التقطت كاميرا المراقبة التلفزيونية الموجهة إلى غرفة الانتظار بمركز الرعاية الصحية لحظة سقوط قذيفة المدفعية وملء الغبار الغرفة. تُظهر كاميرا أخرى الأضرار التي لحقت بالطابق الأرضي وجدار الطابق الأول.[196] تُظهر صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة بعد الهجوم آثار ارتطام على طول الطريق المؤدي إلى المستشفى متسقة مع مستوى الدمار الذي لوحظ في مقاطع الفيديو والصور التي قُدّمت إلى هيومن رايتس ووتش.
قال اليازجي والعامل الطبي إنهما لا يعلمان بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو وقت وقوع أي من الهجمات، ولم تكن هناك علامات لأسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[197]
معرة النعمان
كان لدى معرة النعمان، بحلول منتصف 2019، ثلاث منشآت رعاية صحية في الخدمة، تضررت كلها من الهجمات بين يوليو/تموز 2019 ويناير/كانون الثاني 2020 وفي أخر المطاف توقفت عن العمل نهائيا: المشفى الوطني، ومستوصف يُشار إليه باسم "مركز الرعاية الصحية الأولية"، ومشفى السلام. كما تضرر مستشفيان رئيسيان خارج البلدة وأُجبرا على الإغلاق في مايو/أيار 2019: مستشفى نبض الحياة ومشفى أورينت الجراحي. وثّقت هيومن رايتس ووتش هجمات على سيارتَيْ إسعاف في معرة النعمان وعلى مركز طوارئ معرة النعمان، وهو مركز لإرسال سيارات الإسعاف يعمل على مدار الساعة مع خدمات إضافية للطوارئ وحماية الطفل.
مستشفى نبض الحياة
بُني مستشفى نبض الحياة، ثمانية كيلومترات جنوب غرب معرة النعمان، تحت الأرض أثناء النزاع لتفادي استهدافه، ولديه 18 سريرا ضمن ثلاثة أجنحة و52 عاملا.[198] في مايو/أيار 2019، كان يقدّم خدماته لمجتمع مؤلف من 300 ألف نسمة يعيشون في ريف إدلب الجنوبي.
قال عامل طبي بالمستشفى لـ هيومن رايتس ووتش إنهم أجلوا المرضى من المستشفى في 4 مايو/أيار بسبب القصف العنيف. في صباح 5 مايو/أيار، أعلمه صديق، قال العامل إن له صلات بالحكومة السورية، بأن المستشفى على وشك التعرض لغارة جوية روسية. قال العامل الطبي: "أخبرت زملائي وأجلينا على الفور جميع المتبقين". في الساعة 2:40 عصرا، رأى طائرة تشن هجوما قال إنها تركت المستشفى مدمرة بالكامل.[199]
يتوافق تحليل صور القمر الصناعي مع شهادة العامل الطبي. بحسب الصور المتوفرة، وقع الهجوم في وقت ما بين الساعة 10:55 من صباح 5 مايو/أيار 2019 و7 مايو/أيار 2019. تُظهر الصور مواقع سقوط ارتطام متعددة وتدمير للمبنى والطريق المجاور.
قتل الهجوم رجلا وجرح آخر؛ كلاهما مدنيان كانا يسيران قرب المستشفى وقتها.[200] كان ما يزال المستشفى مغلقا بحلول يونيو/حزيران 2020.[201] أشارت الرسائل الواردة من راصدي حركة الطيران المعروفين باسم "مرصد سوريا"، والتي راجعتها هيومن رايتس ووتش، إلى أن طائرات روسية كانت في المنطقة وقت الهجوم.[202]
تشير الاتصالات اللاسلكية التي تم اعتراضها بين طيار في سلاح الجو الروسي ومحطة المراقبة الأرضية الروسية – وحصلت عليها نيويورك تايمز – إلى ضلوع طائرة روسية في الهجوم.[203]
راجعت هيومن رايتس ووتش أربعة مقاطع فيديو و13 صورة تم رفعها على يوتيوب وفيسبوك في 5 مايو/أيار 2019، وسبع صور أُرسلت مباشرةً إلى الباحثين، وتقريرا حلل البث المباشر ومقاطع فيديو متوفرة لدى "الأرشيف السوري"، وأكثرها لم يعد متاحا على الإنترنت.[204] تُظهر مقاطع الفيديو والصور هذه الأضرار التي لحقت بالمستشفى داخليا وخارجيا. وعبر تحليل المعالم الظاهرة والمباني، تأكدت هيومن رايتس ووتش من موقع المستشفى تحت الأرض. في أحد مقاطع الفيديو المنشورة على فيسبوك، يصور مراسل من أورينت نيوز المستشفى من مسافة آمنة ويسجّل لحظة الهجوم عليه والضربات المباشرة على المبنى.[205] ينشر المراسل نفسه، أو مراسل آخر من أورينت نيوز، بثا مباشرا على فيسبوك من مكان الحادث يمكن فيه رؤية المراسل يركض بعيدا عن المستشفى ثلاث مرات خوفا من هجوم آخر خلال البث المباشر الذي استمر 5:45 دقيقة.[206] صوّر مصور فيديو آخر حفر الارتطام ثم دخل المستشفى تحت الأرض والجدران تتداعى.[207]
قال متطوع في الدفاع المدني وعامل صحي قابلناهما إنهما لم يعرفا بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل الهجوم أو في وقته، ولم تكن توجد علامات على وجود أسلحة أو معدات عسكرية أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها. [208]
مشفى أورينت
في اليوم نفسه، 5 مايو/أيار، استهدفت غارة جوية مستشفى أورينت القريب من بلدة كفرنبل، على بعد عشرة كيلومترات شمال غرب معرة النعمان.[209] كان المستشفى المكون من ثلاثة طوابق يضم وقتها 100 موظف تقريبا ويعالج حوالي ألف مريض شهريا.[210] قالت موظفة طبية إنه في يوم الهجوم، دفع القصف العنيف والغارات الجوية في المنطقة بالموظفين إلى إرسال جميع المرضى إلى مستشفيات معرة النعمان. أضافت:
كان لدينا ثمانية مرضى متبقين كان يُفترض بهم المغادرة يومها، لذا نقلناهم إلى القبو معنا لحمايتهم. الساعة 5:30 عصرا، سمعنا من الحارس وجود طائرة تحلّق فوق المستشفى. بعد بضع دقائق، سمعتُ دوي انفجارين كبيرين وبدأ الدخان بالتسرب إلى القبو. خلال الدقائق الـ 30 التالية، ضربت الطائرات المستشفى بأربع ذخائر، أصابت اثنتان منها مخرجَيْ الطوارئ بالمستشفى. شعرت في لحظة معينة أنني أنني لن أرى النور مجددا.[211]
بقي المستشفى مغلقا لمدة أسبوع لإصلاح الأضرار. وأُغلق مجددا في يناير/كانون الثاني 2020 بسبب تقدم الجيش السوري، وظل مغلقا من وقتها. تشير رسائل مرصد سوريا إلى أن راصدي الطيران شاهدوا طائرة مقاتلة تحلق فوق كفرنبل الساعة 5:37 ثم 5:40 ثم 5:49 عصرا. في الحالتين، 5:37 ثم 5:49 عصرا، حدد الراصدون "طائرات حربية" روسية، بينما في الساعة 5:40 عصرا، كانت الطائرة، بحسب الراصد، "سوخوي 24" روسية الصنع، التي تستخدمها القوات الجوية الروسية والسورية أيضا في سوريا.[212] كما تشير الاتصالات اللاسلكية التي تم اعتراضها بين طيار في سلاح الجو الروسي ومحطة المراقبة الأرضية الروسية، والتي حصلت عليها نيويورك تايمز، إلى ضلوع طائرة روسية في هذا الهجوم.[213]
راجعت هيومن رايتس ووتش ثلاثة مقاطع فيديو و15 صورة أرسلها متطوعو الدفاع المدني السوري مباشرة وثلاثة مقاطع فيديو وصورتين نُشرت على الإنترنت في 5 و6 مايو/أيار 2019.[214] يُظهر أحد الفيديوهات، وهو منشور على يوتيوب الساعة 6:01 مساء 5 مايو/أيار، عمود دخان كبير يتصاعد من موقع المستشفى.[215] تُظهر مقاطع الفيديو والصور عمال الإنقاذ التابعين للدفاع المدني السوري يسحبون جثة من تحت الأنقاض، إلى جانب ستة مصابين يتم إنقاذهم من المستشفى، بينهم طفل. يرتدي أحد الأشخاص الذين تم إنقاذهم رداء المستشفى ويتم نقل ثلاثة أشخاص وأكياسهم الوريدية ما تزال معلقة.[216] تُظهر مقاطع الفيديو هذه أيضا الأضرار التي لحقت بالجدار الخارجي للمستشفى، وكميات كبيرة من الأنقاض والحطام، وسيارة إسعاف ودراجات نارية مدمرة، وأضرارا في النقالات. تُظهر الصور تعرُّض المجمع الصحي للقصف عدة مرات، ما أثر على العديد من المباني داخله بما في ذلك مبنى الرئيسي للمستشفى والجدار المحيط بالمنشأة. كما يمكن رؤية غارات إضافية خارج المجمع أدت إلى تدمير مبنى، 25 متر غرب جدار المستشفى، وإصابة الحقل المستخدم كمواقف السيارات.
قال متطوع في الدفاع المدني والعامل الصحي اللذان قابلناهما إنهم لم يعرفا بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت الهجوم، ولا توجد علامات على وجود أسلحة أو معدات عسكرية أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[217]
سيارة إسعاف "بنفسج"
في 20 يونيو/حزيران 2019، أصابت وحدة ذخيرة سيارة إسعاف على طريق على تخوم معرة النعمان حوالي الساعة 10:30 صباحا.[218] تعود سيارة الإسعاف إلى "بنفسج"، وهي منظمة غير حكومية تقدم خدمات الرعاية الصحية وخدمات أخرى في بعض المناطق غير الحكومية في سوريا. كانت سيارة الإسعاف ميكروباص أبيض يحمل شعار منظمة بنفسج على جانبه، ورغم عدم وجود أي شيء يشير إلى أنه كان مركبة عسكرية، إلا أنها لم يكن شعارا مميزا على السطح يمكن للطائرة التعرف عليه.[219] كان للسيارة أضواء إسعاف، ولا يُعرف إذا كانت مستخدمة وقتها.[220] قتل الهجوم ثلاثة أشخاص وأصاب اثنين، بحسب عبيدة ذكرى، قائد فريق الدفاع المدني في معرة النعمان، وبيان المنظمة الرسمي.[221]
تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو واحد و29 صورة لمكان الحادث أُرسلت مباشرة إلى الباحثين، وفيديو آخر نُشر على يوتيوب في 20 يونيو/حزيران 2019، وتدعم كلها تصريحات ذكرى.[222] يُظهر مقطعا الفيديو ثلاث جثث ترتدي زيا بنفسجيا - مثل ذلك الذي يرتديه العاملين في بنفسج – مرميين أرضا على مسافة أمتار من سيارة الإسعاف المدمرة، ورجل رابع ينزف من إصابات ظاهرة في ذراعه اليسرى. كما أظهرا سيارتَيْ دفاع مدني وسيارة إسعاف أخرى تابعة لبنفسج تصل إلى مكان الحادث.
قال ذكرى إنه لم يكن على علم بأهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[223]
سيارة إسعاف الدفاع المدني
في 18 أغسطس/آب 2019، وصل محمد حريري، وهو سائق سيارة إسعاف تابعة للدفاع المدني السوري، إلى موقع غارة على مصنع لإطارات الأبواب في حي صناعي في معرة النعمان بين الساعة 9:30 و10 صباحا.[224] قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه عند وصوله وجد صبيا مصابا عمره 15 عاما، يرقد تحت سقف المصنع المنهار وعاملين مصابين، توفي أحدهما لاحقا. قال الحريري إنه بعد وصوله بقليل، كانت هناك ضربة أخرى:
وضعنا الجرحى في سيارة الإسعاف وكنا نهمُّ للتو في الابتعاد عندما أصابت الغارة التالية سيارة الإسعاف مباشرة. طرت ووقعت على الأرض، وأصبت بجروح خطيرة في فخذي الأيمن، فوق الركبة. اضطررت إلى الاستلقاء هناك وانتظار أعضاء فريقي لنقلي. ذهبت لاحقا إلى تركيا وخضعت لجراحات لفترة شهر ونصف، لكني ما زلت غير قادر على المشي.[225]
قال الحريري إنه لم يكن يعلم بوجود أهداف عسكرية في المنطقة قبل الهجوم أو في وقته.[226]
المشفى الوطني
كان مستشفى معرة النعمان الوطني، بحلول منتصف عام 2019، أكبر مستشفى عامل في المدينة، وكان يعالج أكثر من 25 ألف مريض شهريا ويعمل فيه 255 شخصا.[227] في 10 يوليو/تموز حوالي الساعة 3 بعد الظهر، أصابت غارة البوابة على مسافة 20 متر من المدخل الرئيسي للمستشفى، بحسب إبراهيم عبود، أحد الإداريين في المستشفى الذي كان هناك وقتها. قال إنه لم يصب أحد في المستشفى.[228]
نزحت عائلات عديدة إلى معرة النعمان بين منتصف 2019 وديسمبر/كانون الأول 2019 جرّاء العمليات العسكرية المستمرة في مناطق مختلفة، مثل خان شيخون، الأمر الذي شكل ضغطا كبيرا على المنشآت الصحية في البلدة.[229] وقتها، استمرت الهجمات على البلدة مع اقتراب المعارك. في 19 ديسمبر/كانون الأول، قرر المستشفى الوطني تقليص عملياته إلى خدمات الطوارئ بسبب القصف الكثيف في المنطقة.[230]
قال عبود إنه في 8 يناير/كانون الثاني 2020، بين حوالي 3 و4:30 فجرا، أصابت الذخائر سطح المستشفى وخزانات المياه والفناء.[231] وبسبب تقليص الخدمات، لم يكن هناك مرضى داخل المبنى وقتها، ولكن كان هناك تسعة موظفين. كان عبود في منزله بقرب المستشفى، لكنه قال إنه ظل على الهاتف مع الموظفين طيلة الهجوم. بعد انتهاء الهجوم، أجلى عمال الإنقاذ الموظفين التسعة من المبنى حوالي الساعة 5 صباحا، ولم يصب أحد في الهجوم. بحلول وقت الهجوم، كان معظم السكان فروا من المدينة، مع بقاء 100 مدني تقريبا.[232] بعد الهجوم، توقف المستشفى عن العمل.
يُظهر مقطع فيديو نُشر في 9 يناير/كانون الثاني 2020 على موقع أورينت نيوز عامل إنقاذ في الدفاع المدني يصف الأضرار التي لحقت بالمستشفى أثناء تصويره فجوة مرئية ناتجة عن ارتطام ذخيرة بسقف مدخل المستشفى، إلى جانب معدات طبية متضررة.[233] راجعت هيومن رايتس ووتش 11 صورة إضافية، تسع منها أُرسلت مباشرةً إلى الباحثين، واثنتان نُشرتا على الإنترنت في 8 يناير/كانون الثاني و9 فبراير/شباط 2020، تظهر مواقع آثار ارتطام الذخائر وأضرار الانفجار في المستشفى.[234]
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لم يعرفوا بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت وقوع أي من الهجمات، ولم تكن هناك علامات على أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[235]
مشفى السلام
قال صاحب مشفى السلام، فراس الجندي، الذي شغل أيضا منصب وزير الصحة في الحكومة المؤقتة التي كانت متمركزة في منطقة معرة النعمان لغاية سبتمبر/أيلول 2019، إن في المستشفى قسم للولادة وحضانة بها نحو 70 سريرا. أصاب هجوم عنبر الحضانة في 4 يناير/كانون الثاني 2018، وقتل خمسة أطفال وأصاب طبيبا.[236] أُعيد فتح المستشفى بعد شهرين، لكن العام التالي، في 22 يوليو/تموز 2019، أصاب هجوم آخر مبنى سكنيا، 100 متر شمال شرق المستشفى.[237] لم يُصب أحد في المستشفى من الهجوم، لكنه ألحق أضرارا بنوافذه. بقي المستشفى مغلقا للإصلاحات ثلاثة أيام.[238] قال الجندي إنه بعد فترة وجيزة، أغلق المستشفى نهائيا لخوفه من هجمات جديدة.[239]
قال الجندي إنه لم يكن يعلم بوجود أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت حدوث أي من الهجمات.[240]
مركز الرعاية الصحية الأولية
يقع مركز الرعاية الصحية الأولية في معرة النعمان في مبنى متعدد الطوابق وكان يخدم حوالي 9 آلاف شخص في منتصف عام 2019. قال مدير المركز، محمود المر، إنه في الساعة 12:15 من ظهيرة 3 أكتوبر/تشرين الأول 2019، سقطت عدة قذائف مدفعية على الطريق الرئيس المؤدي إلى المركز، ثم أصابت ثلاث قذائف الجدران الغربية الجنوبية للمجمع الذي يضم المركز، من الجنوب.[241]
قال المر إن المركز كان ممتلئا وقت الهجوم، بوجود 80 مريضا في منطقة الاستقبال. أصاب القصف ثمانية أشخاص، بينهم طبيب أصيب بشظية معدنية في قدمه.[242] أصيبت امرأة كانت في عيادة الأسنان بجروح خطيرة مع نزيف حاد في بطنها وتوفيت لاحقا.[243] ألحق القصف أضرارا جسيمة بعيادة الأسنان وصيدلية المركز ، وبعض المعدات المخبرية، ونظام الطاقة الشمسية، وخزانات المياه، كما ألحق أضرارا بعشرة مبان سكنية مجاورة متسببا بتطاير نوافذها وأبوابها، وانهيار بعض جدرانها الخارجية.[244] قال حسين بايور، المسؤول الإعلامي لقسم الدفاع المدني، "بقي الطريق يتعرض للقصف عشر دقائق إضافية بعد قصف المركز، لذا لم نتمكن من الوصول إليه".[245]
مقابلة مع مدير مركز للرعاية الصحية الأولية معرة النعمان محمود المر.
قال المر إن المركز اضطر للإغلاق لمدة أسبوع، ودفع بنفسه قرابة 3 آلاف دولار أمريكي للإصلاحات. آنذاك، كان على من يحتاج إلى رعاية صحية السفر مسافة ثلاث كيلومترات، غالبا سيرا على الأقدام، لتلقي العلاج في المشفى الوطني في معرة النعمان، ما تسبب في اكتظاظه.[246]
تحققت هيومن رايتس ووتش من خمس صور نُشرت على فيسبوك في 3 أكتوبر/تشرين الأول من مكان الحادث، دعمت تفاصيل الهجوم.[247] في إحدى الصور، شوهد أحد أعضاء الدفاع المدني يركض نحو مبنى عليه لافتة سوداء فوق المدخل مكتوب عليها "معرة النعمان الصحي". تُظهر صورتان نُشرتا على فيسبوك في 3 أكتوبر/تشرين الأول عمال إنقاذ يحملون موظفا طبيا جريحا.[248]
قال المر ومتطوع في الدفاع المدني السوري إنهما لم يعرفا بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت أي من الهجمات، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة أو معدات عسكرية أو عسكريين في المواد المصورة التي تمت مراجعتها.[249]
مركز الطوارئ
في 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، قرابة الساعة 11 صباحا، قُصف مركز طوارئ معرة النعمان، وهو مركز لإرسال سيارات الإسعاف يعمل على مدار الساعة مع خدمات إضافية للطوارئ وحماية الطفل، تديره منظمة بنفسج.[250] كان المركز يخدم حوالي 600 شخص. قال موظف في بنفسج إن قذائف المدفعية أصابت مرآب سيارات الإسعاف وغرف الاستقبال بالمركز ما أدى إلى انهيار المبنى. لم يُصب الأشخاص العشرة داخل المقر وقتها، لكن استغرق إعادة فتح المركز خمسة أيام.[251] راجعت هيومن رايتس ووتش صورتين نُشرتا على صفحة بنفسج على فيسبوك يومها تُظهران الأضرار التي لحقت بداخل المقر.[252] تُظهر هذه الصور أيضا أضرارا في النوافذ والأبواب.
قال موظف بنفسج إنه لم يكن على علم بأهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت وقوع أي من الهجمات، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة أو معدات عسكرية أو عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[253]
فر جميع سكان معرة النعمان في أواخر يناير/كانون الثاني 2020 وسيطرت القوات السورية على المنطقة في 28 يناير/كانون الثاني 2020.[254] كانت ما تزال المدينة خالية إلى حد كبير حتى أوائل سبتمبر/أيلول، باستثناء عدد قليل من الأفراد، ومنشآتها الصحية كلها مغلقة.
معرة مصرين
المستشفى الجراحي
في 25 فبراير/شباط 2020، ضربت غارة جوية مستشفى معرة مصرين الجراحي (المعروف أيضا بـ "مشفى الهلال")، فقتلت 12 مدنيا أصابت 62 آخرين.[255] يتكون المستشفى من مبنيين متجاورين بارتفاع ثلاثة طوابق بإجمالي 50 سريرا للمرضى، وقسم جراحة، وقسم للأشعة السينية، ومختبر، وصيدلية. يقع على الجانب الآخر من الشارع من مدرسة منيب قميشه الابتدائية. قال مدير المستشفى الدكتور حكمت الخطيب إنه يوجد في العادة خمسة أطباء و25 من الطاقم التمريضي.[256] في مطلع فبراير/شباط 2020، انتقل طاقم ومرضى من "مشفى الحكمة" في تفتناز، شمال مدينة إدلب، إلى مستشفى معرة مصرين الجراحي بعد هجوم ألحق أضرارا بمشفى الحكمة في 5 فبراير/شباط، ما أجبره على الإغلاق.[257]
في 25 فبراير/شباط، اصطحب أحد سكان مدينة إدلب صديقه وابن صديقه إلى قسم الأطفال في المستشفى لحاجة الابن إلى فحص طبي.[258] قال د. الخطيب وأحد قاطني مدينة إدلب إنهما كانا داخل المستشفى حوالي الساعة 3 عصرا عندما سمعا دويا قويا، وتحطُّمت نوافذ وأبواب المستشفى. ركضا إلى الخارج وقالا إنهما شاهدا إصابة الساحة أمام المدرسة المجاورة بوحدة ذخيرة.[259]
أبقى الموظفون المستشفى مفتوحا أثناء إجراء الإصلاحات في الأسبوع التالي. لو كان قد أُغلق المستشفى، لكان أقرب مستشفى هو في مدينة إدلب، على بعد عشرة كيلومترات شمالا، والذي تضرر في نفس اليوم من هجوم آخر.[260]
أشارت رسائل مرصد سوريا من مراقبي الطيران إلى أن طائرة هجومية روسية الصنع سوخوي-24 كانت في المنطقة أثناء فترة الهجوم، ورُصِدت في منطقة بنّش القريبة (أقل من سبعة كيلومترات إلى الجنوب) الساعة 3:35 ثم 3:52 عصرا، ومرة أخرى شوهدت تحلق فوق معرة مصرين الساعة 3:56 ثم 4 بعد الظهر.[261] سُجلت مشاهدات عديدة أخرى للطائرات التي تم تحديدها على أنها "طائرات حربية" روسية وطائرات سوخوي-24 من قبل مراقبين في المنطقة المحيطة بمعرة مصرين خلال الساعة السابقة.[262] تستخدم القوات الجوية الروسية والسورية طائرات سوخوي-24 في سوريا.[263]
تُظهر صور الأقمار الصناعية التي تم تسجيلها بعد يومين من الهجوم موقعا متضررا محتملا في الفناء الشمالي لمدرسة منيب قميشه الابتدائية، على بعد أقل من عشرة أمتار من جدار مجمع المدرسة و70 متر من المستشفى. لم تكشف صور القمر الاصطناعي عن ضرر واضح.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لم يعرفوا بأية أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة قبل أو في وقت وقوع أي من الهجمات، ولا توجد علامات على وجود أسلحة أو معدات عسكرية أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها. [264]
هجمات غير مشروعة على أسواق ومناطق تجارية
ألحقت سبع هجمات نفذها التحالف السوري-الروسي ووثقتها هيومن رايتس ووتش أضرارا غير قانونية بالأسواق والمناطق التجارية. أثرت خمس هجمات على الأسواق على إتاحة الغذاء وسبل العيش للمدنيين. العيش. أضرت ثلاثة هجمات بسوقَيْ الأغذية في معرة النعمان وسوق أصغر، وألحقت الرابعة أضرارا بالسوق الرئيسي في جسر الشغور، والخامسة أضرارا بالسوق الرئيسي في مدينة إدلب. أصابت هجمتان سوقَيْن بشكل مباشر وألحقت الهجمات الثلاث الأخرى أضرارا غير مباشرة بالأسواق. وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا هجومين على حي تجاري في مدينة إدلب أصابا المتاجر وأعاق أحدهما قدرة معظم عاملي المنطقة على العمل لنحو ستة أسابيع. إجمالا، تسببت الهجمات السبع في مقتل قرابة 95 مدنيا، وجرح 198 آخرين، وأثرت على توفر الغذاء وسبل العيش لآلاف الباعة في السوق، وأصحاب المتاجر، والميكانيكيين، وعائلاتهم.
مدينة إدلب
السوق والمنطقة التجارية
نُفِّذت في 15 يناير/كانون الثاني 2020 هجمات من قبل الحلف السوري-الروسي، يُعتقد أنها كانت غارات جوية، على سوق إدلب الرئيسي وحي تجاري مجاور يُدعى الحي الصناعي، قتلت 22 مدنيا وأصابت 65، بحسب الدفاع المدني السوري وتقارير أخرى موثوقة عن الحادث.[265] أصابت الضربة محل بقالة في قسم الخضار بالسوق بعد الساعة 2 بعد الظهر بقليل. لاحقا، أغلقت السلطات السوق لعدة أيام.[266]
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطعَي فيديو نُشرا على يوتيوب في 15 يناير/كانون الثاني 2020،[267] يُظهران جثة بجوار سيارة تحترق وجثتين أخريين بين الخضروات، وشخصا مصابا أو ميتا يُنقل في سيارة إسعاف، وسيارات، وواجهات متاجر، ومبانٍ محطمة. يقع السوق مقابل "متحف إدلب" ويُظهر أحد المقطعين الأضرار التي لحقت ببوابة المتحف.[268]
في نفس وقت وقوع الهجوم على السوق الرئيسي تقريبا، أصابت ضربة أخرى الحي التجاري بالمدينة، على بعد 280 متر من السوق، وهي منطقة بها حوالي 500 متجر سيارات من طابق واحد، ومحلات إصلاح ميكانيكي، ومتاجر أخرى.[269] قال أيمن أسعد، الذي يدير ورشة لتصليح السيارات في الحي، إنه بعد دقائق قليلة من سماعه انفجار الضربة في السوق، سقطت قنبلتان في الوقت نفسه على متاجر تبعد حوالي 20 متر عن بعضها، وتبعد حوالي 50 متر عن متجره – مكان تواجده وقتها. قال: "اختبأت تحت الطاولة لبضع دقائق ثم خرجت، لكنني لم أستطع الرؤية حقا بسبب الدخان. سمعت أشخاصا يصرخون من الألم، ثم بدأت في رؤية الأشلاء". قال إنه كانت هناك خمس جثث مشوهة ومقطعة الأوصال إلى درجة أنه لم يتمكن أحد من التعرف عليها.[270]
قال أسعد إن الانفجار دمر بالكامل 20 متجرا على الأقل.[271] قال محامٍ محلي إنه كان على بعد 500 متر من الضربة على الحي التجاري، عندما هرع لتفقد سيارته التي تركها هناك في اليوم السابق. لم تتضرر لكنه رأى دخانا، وأنقاضا، ونوافذ محترقة، وجرحى عديدين على الأرض. قال أبو عمر، أحد متطوعي الدفاع المدني السوري، إن معظم قتلى الهجوم كانوا داخل المرائب والمتاجر، لكن عُثر على جثث أربع نساء وطفلين في مبنى قريب. قال: "احترقوا بالكامل من الانفجار. كان يصعب جدا النظر إلى أجسادهم".[272]
تطلّب الأمر عدة أسابيع قبل تمكُّن بعض أصحاب المتاجر من تحمل تكاليف الإصلاحات وإعادة فتح متاجرهم، ما حرم مئات العائلات من الدخل.[273] قال أسعد إن آثار الهجوم كانت طويلة الأمد:
نحن مرعوبون. لا أشعر بالأمان في مكان عملي، وأشعر بالقلق المستمر أيضا على عائلتي، وخاصة طفليَّ اللذين يرتادان المدرسة يوميا. المدارس والأسواق والمنازل والمستشفيات كلها مستهدفة. كل شيء هو هدف.إنهم يستهدفون الحياة في إدلب. أذهب كل يوم إلى عملي وأنا أفكّر بأنني قد لا أعود إلى المنزل لعائلتي ثانية. لكن عليّ مواصلة العمل لنعيش.[274]
راجعت هيومن رايتس ووتش و26 مقطع فيديو و صورة واحدة منشورة على يوتيوب، وفيسبوك، وموقع بي بي سي في 15 و16 يناير/كانون الثاني 2020.[275] تُظهر هذه المواد المصوّرة قرابة ثمانية أشخاص مصابين بجروح خطيرة أو قتلى في الشارع، وأشخاصا يُنقلون إلى سيارات إسعاف، وطفلا ميتا أخرجه عمال الإنقاذ من تحت الأنقاض، ومتاجر ومركبات مدمرة، وشوارع مليئة بالدخان، وعمال إنقاذ، وأشخاصا يركضون بحثا عن مكان آمن. كما تحتوي ثلاثة مقاطع فيديو على مشاهد من الهجوم على السوق القريب.[276]
يُظهر مقطع فيديو التقطه الدفاع المدني جوا عملية الإنقاذ وهيكلا كبيرا تحول إلى أنقاض.[277] تُظهر ستة مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت في 15 يناير/كانون الثاني 2020 قلب مستشفى يمكن فيها رؤية عدد من الجرحى والقتلى بينهم أربعة أطفال يعالَجون من جروح.[278] يُظهر مقطعان منها أيضا مشاهد دمار للمنطقة التجارية، وأحدها يُظهر طفلا يُنتشل من تحت الأنقاض ويُعالج لاحقا في المستشفى.
في 11 فبراير/شباط 2020، أطلقت طائرة غير محددة وحدتَيْ ذخيرة على نفس الحي التجاري في مدينة إدلب في حوالي الساعة 12:10 ظهرا، فقتلت 12 مدنيا وأصابت 45 آخرين، بحسب محمد جبان، وهو مسؤول عن عمليات الدفاع المدني وصل إلى موقع الضربة.[279] قال إن وحدتَي الذخيرة سقطتا على الشارع، على مسافة 27 متر من بعضهما، ما ألحق أضرارا بالسيارات والورش والمتاجر القريبة.
قال هيثم حميدان، الذي كان يدير متجرا لفرش السيارات في الجوار، إنه كان يقف عند مدخل المتجر، ينظر إلى الداخل إلى أبنائه الثلاثة وثلاثة مساعدين في المتاجر، وجميعهم أطفال، عندما أصابت وحدة ذخيرة محله مباشرة:
دمّر الهجوم متجري وقتل ابنيَّ وثلاثة مساعدين لي وطفلين في المتجر المجاور. انتظرنا الدفاع المدني لسحب جثثهم من تحت الأنقاض. أؤكد لكم أنه لم يكن هناك وجود عسكري في المنطقة. نحن عمال نحاول فقط إطعام عائلاتنا. أريد أن أرى الجناة يعاقَبون. أقسم بالله أن هذا الهجوم حرق قلوبنا. لماذا يُعاقب الأطفال؟[280]
قال حميدان إن المتاجر اضطرت بعد الغارة إلى الإغلاق لبضعة أيام أثناء تنظيف المنطقة، لكن مرت ستة أسابيع ولم يكن قد عاد إلى عمله. قال: "عاد آخرون في المنطقة إلى عملهم بعد بضعة أيام بخلافي. يصعب جدا عليَّ العودة إلى المكان الذي قُتل فيه أطفالي".[281]
راجعت هيومن رايتس ووتش سبعة مقاطع فيديو و13 صورة نُشرت في 11 فبراير/شباط 2020 على فيسبوك ويوتيوب.[282] يُظهر مقطع فيديو جوي التقطه الدفاع المدني عمال إنقاذ يحملون جثتين على نقالتين، ودمارا على الطريق، وحفرة صغيرة في الشارع، وتقريبا ثلاث سيارات مدمرة في الشارع بين صفين من المتاجر، وأضرارا جسيمة لحقت بقرابة خمسة متاجر. تُظهر صور ومقاطع فيديو أخرى من مكان الحادث نُشرت على الإنترنت ما يبدو أنه طفل مصاب، وأربع جثث، ورجلين يبكيان ويحملان جثث القتلى، ومركبات محترقة يحاول عمال الإنقاذ إخمادها، وواجهات مصانع محترقة، ومتاجر مدمرة.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لم يكونا يعلمون بأي أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت وقوع أي من الهجمات، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين ظاهرة في الصور التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.[283]
جسر الشغور
حوالي الساعة 7 مساء 14 مايو/أيار 2019، أصابت وحدتا ذخيرة جسر الشغور، إحداهما على ابتدائية عبد الرحمن ناصر والأخرى على بعد 200 متر، عند تقاطع عدة أسواق مواد غذائية في المدينة. حدث ذلك خلال شهر رمضان والسوق مليء بمن يشترون الطعام لوجبة الإفطار.[284] قتل الهجوم ثمانية مدنيين على الأقل وجرح ثمانية آخرين.[285] قال هادي خراط، وهو صحفي محلي وصل بعد الهجوم مباشرة، إن ربع المتاجر على الأقل في السوق تضررت أو دُمرت.[286] تُظهر صورة الأقمار الصناعية الملتقطة بعد 12 يوما من الهجوم حطاما كبيرا يشير إلى مبان مدمرة أو متضررة على امتداد الشوارع القريبة من السوق.
راجعت هيومن رايتس ووتش 11 صورة وثلاثة مقاطع فيديو نُشرت على فيسبوك ويوتيوب يومَي 14 و15 مايو/أيار 2019.[287] تُظهر هده الصور والمقاطع رجلا مصابا بجروح خطيرة أو ميتا ممددا على الرصيف بجوار بسطات السوق ودماء على الأرض، وواجهات متاجر وبسطات مدمرة، وعمال إنقاذ يطفئون الحرائق.
قال خراط إنه لم يكن يعلم بأي أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولا تظهر أي أسلحة، أو معدات عسكرية، أو عسكريين في المواد المصورة التي تمت مراجعتها.[288]
معرة النعمان
وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات على سوقَي الأغذية اللذين كانا في الخدمة في معرة النعمان بحلول منتصف 2019، أحدهما سوق عادي والآخر سوق لبيع السلع بالجملة، بالإضافة إلى منطقة سوق أصغر بها بسطات لبيع الخضار وتقديم وجبات الإفطار. قتلت هذه الهجمات قرابة 56 مدنيا وجرحت 78 آخرين على الأقل.
السوق الرئيسي
في 3 يونيو/حزيران 2019، في آخر يوم من شهر رمضان، حوالي الساعة 11 صباحا، أطلقت طائرة أربع وحدات ذخيرة، واحدة تلو الأخرى، على ملحق للسوق الرئيسي للبلدة.[289] كان السوق ممتلئا بشكل خاص يومها بسبب تسوق الناس للعيد.[290] قال عبيدة ذكرى، قائد فريق الدفاع المدني في معرة النعمان، إن وحدتا ذخيرة ضربتا سطح السوق واثنتان داخله. قال ذكرى إنه عندما وصل إلى مكان الحادث، رأى حريقا في أحد بسطات المتاجر وجرحى عديدين على الأرض.[291]
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطعَيْ فيديو نُشرا على يوتيوب في 3 يونيو/حزيران 2019 و12 صورة شاركها مباشرة متطوعو الدفاع المدني.[292]
تُظهر مقاطع الفيديو والصور أضرارا لحقت بقرابة 15 بسطة وواجهات المتاجر في السوق، وحطاما في الشارع، وأضرارا لحقت بدراجات نارية، ورجلا يبدو أن ساقه اليمنى بُترت بسبب الهجوم يُنقل على حمّالة إلى سيارة إسعاف، ورجلا في حالة حرجة أو متوفيا، ورجلين مصابين في مؤخرة سيارة إسعاف.
لم يكن من الممكن تأكيد المدى الكامل للضرر الذي لحق بالسوق لعدم توفر صور أقمار صناعية لفترة أقرب للهجوم.
قال ذكرى إنه لم يكن على علم بأهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، كما لم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[293]
يوضح هذا الفيديو القصير كيف حددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي للهجوم على السوق في 3 يونيو/حزيران 2019. حقوق النشر حسب الظهور: الفيديو © 2019 ماكرو ميديا سنتر. صور الأقمار الصناعية © 2020 ماكسر تكنولوجيز. المصدر: غوغل إيرث
منطقة السوق
في 22 يوليو/تموز 2019، وقع هجوم بين الساعة 8 و8:30 صباحا دمر منطقة سوق أصغر على مسافة 370 إلى 400 متر من السوق الرئيسي يضم بسطات لبيع الخضار ووجبات الفطور.[294] قال محمد الحريري، وهو سائق سيارة إسعاف في الدفاع المدني، إنه وصل إلى الموقع ونقل خمسة أشخاص إلى المستشفى أصيبوا بجروح جرّاء وحدة ذخيرة أخرى أصابت مبنى سكنيا من أربعة طوابق بجوار السوق.[295] قال إنه بينما كان يقود سيارته عائدا إلى السوق من المستشفى، سمع انفجارا ثانيا. كان قد بقي اثنان من متطوعي الدفاع المدني في الموقع، وأحدهما، وهو محمود ذكرى، قال إنه بعد ثماني دقائق من الضربة الأولى، حصلت ضربة أخرى، وانهار مبنيان آخران من ثلاثة طوابق ليُجرح هو ويُقتل زميله أمير البني.[296] قال ذكرى إن الانفجار الثاني أصابه بشظايا معدنية في يده وظهره.[297]
وصل عبيدة ذكرى من الدفاع المدني مع فريق الإنقاذ الثاني. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "كانت الجثث في كل مكان – أشلاء نساء وأطفال". عمل الدفاع المدني 24 ساعة على انتشال الناس من تحت الأنقاض. قال إنهم تمكنوا من التعرف على 39 قتيلا من أصل 43. أصيب 75 آخرون على الأقل[298]. قال الحريري، سائق سيارة الإسعاف، "أتذكر مقتل صبيٍّ كان يحمل الخضار في يديه. كانت يداه المقطوعتان لا تزالان تمسكان بالخضار". قال عبيدة ذكرى إن الغارات استمرت ذلك الصباح في جميع أنحاء المدينة.[299]
كان جهاد ثاجيني يدير مع شقيقه مخبزا بالقرب من السوق:
سمعت دوي انفجار فركضت الى المخبز. سمعت أخي يصرخ من تحت الأنقاض وبدأت أصرخ لعمال الإنقاذ للقدوم والمساعدة، لكن لم يأت أحد. بعد عشر دقائق، وقعت ضربة أخرى قرب المخبز، فركضتُ واختبأتُ في متجر مجاور. عندما خرجت، أدركت أن أخي توفي تحت الأنقاض، وأصيب ابنه عمره 13 عاما. أعتني الآن بأطفال أخي الخمسة. أنفقت 4 آلاف دولار أمريكي لإعادة بناء [المخبز]، لكن اضطررنا إلى مغادرة معرة النعمان قبيل انتهائه لاقتراب [الجيش السوري].[300]
قال ثاجيني إن أعمال المتاجر تضررت لأسبوع تقريبا بعد الهجوم مع خوف الناس من زيارة السوق.[301]
خلص تقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، يغطي الفترة ما بين يوليو/تموز 2019 ويناير/كانون الثاني 2020، إلى أن هذا الهجوم قتل قرابة 43 مدنيا بينهم ثلاث فتيات وصبي، وأصاب قرابة 109 آخرين، بينهم 18 طفلا و15 امرأة. قال التقرير إن "معظم الضحايا أصيبوا بجروح خطيرة، ونُقل بعضهم إلى المستشفى مقطوعي الرأس أو مصابين بحروق شديدة أو بلا أطراف". بحسب التقرير:
تمشيا مع إفادات الشهود، أشارت تقارير الإنذار المبكر وتقارير راصدي الطيران إلى مغادرة طائرتين حربيتين روسيتين على الأقل قاعدة حميميم الجوية في 22 يوليو/تموز حوالي الساعة 8:03 صباحا وحلّقتا دائريا قرب منطقة الهدف في نفس وقت الهجوم. حصلت اللجنة على رصد اتصالات الطيران التي أجريت بالروسية للفترة بين الساعة 07:40 و09:59 صباحا. تؤكد الاتصالات أنه بين الساعة 8:17 و8:35 صباحا، حامت طائرتان روسيتان في أجواء إدلب، وأبلغتا عن التقدم في الهجمات الجوية الجارية في إدلب.[302]
في إحاطة إعلامية في موسكو في 29 يوليو/تموز 2019، نفى العقيد جنرال سيرغي رودسكوي، رئيس مديرية العمليات الرئيسة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، تحليق طائرات روسية في المنطقة. قال إنه في يومي 24 و26 يوليو/تموز، كان السوق، المعروف باسم سوق الهال، "سليما تماما ونشطا كالمعتاد".[303] لكن، قدم الجيش الروسي، كدليل على كلامه، صورا جوية من طائرة بدون طيار. كانت الصور مضلِّلة عندما قورنت بصور الأقمار الصناعية، إذ كانت تعود إلى سوق المواد الغذائية بالجملة في معرة النعمان، على بعد 350 متر جنوب شرق سوق الهال والمباني التي تعرضت للهجوم يوم 22 يوليو/تموز. تعرّض سوق المواد الغذائية بالجملة هذا للهجوم لاحقا في 2 ديسمبر/كانون الأول 2019.
هذا النوع من التضليل كان قد استُخدم من قبل الجيش الروسي ورودسكوي، الذي كان برتبة عماد آنذاك، في 2016، عندما نفت روسيا مسؤوليتها عن قصف مستشفى الصاخور.[304] أظهر الشهود، وصور الأقمار الصناعية، ومقاطع الفيديو التي حللتها هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت بوضوح أن المستشفى قد تضرر من الغارات الجوية.[305]
راجعت هيومن رايتس ووتش عشرة مقاطع فيديو و34 صورة للهجوم على السوق نُشرت في 22 و23 يوليو/تموز 2019 على يوتيوب وفيسبوك ومختلف المواقع الإعلامية السورية.[306] في مقطع فيديو نشره الصحفي هادي العبد الله على يوتيوب، يُظهر التصوير الجوي الدمار الذي لحق بثلاثة مبان وإزالة كمية كبيرة من الأنقاض من الشارع.[307] تُظهر مقاطع الفيديو والصور الأخرى انتشال الجثث من تحت الأنقاض وجرحى يتم نقلهم إلى سيارات الإسعاف، بينهم طفلان على الأقل. كما أظهرت أضرارا جسيمة في المباني الثلاثة نفسها، وبسطات السوق المتضررة، وواجهات المتاجر، والمركبات المدمرة.
يدعم تحليل صور الأقمار الصناعية المعلومات بشأن موقع الهجوم وتوقيته، ويُظهر أنه وقع بين ليلة 21 يوليو/تموز والساعة 9:51 صباحا يوم 22 يوليو/تموز 2019. تُظهر المواد المصورة مواقع متأثرة عديدة والعديد من المباني المتضررة شمال وجنوب الطريق. تعرض حوالي سبعة مبان، بعضها متعدد الطوابق، لأضرار جسيمة، وانهار مبنى متعدد الطوابق بالكامل.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يعرفون بأهداف عسكرية بجوار السوق قبل أو وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور، أو مقاطع الفيديو، أو صور الأقمار الصناعية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.[308]
سوق المواد الغذائية بالجملة
أصابت وحدتا ذخيرة سوقا لبيع المواد الغذائية بالجملة في الجزء الجنوبي الغربي من معرة النعمان حوالي الساعة 10 صباحا يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2019، وقتلت 13 مدنيا وجرحت ثلاثة أطفال على الأقل.[309] قال كريم كامورة، صاحب متجر كان هناك أثناء الهجوم، إن الذخائر سقطت على بعد أمتار قليلة من متجره: "كان السوق مزدحما وقتها، لأنه كان صباحا. عندما سقطت [الذخائر]، اختبأتُ تحت الطاولة لحماية نفسي لكنني بدأت أشم رائحة جثث محترقة. عندما خرجت، رأيت جثثا ممزقة إلى أشلاء على الأرض". قال إن الهجوم دمر ستة من 47 متجرا في السوق، وإنه أنفق 3 آلاف دولار وأمضى ستة أيام لإصلاح الأضرار التي لحقت بمتجره.
راجعت هيومن رايتس ووتش 25 مقطع فيديو للحادث نُشرت على يوتيوب بين 2 و5 ديسمبر/كانون الأول 2019.[310] تُظهر الفيديوهات عمال إنقاذ يحملون ثلاث جثث، بالإضافة إلى بسطات ومركبات مدمَّرة في السوق. تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019 تضرر عدة بسطات في السوق قرب مدخله الجنوبي.
قال كامورة إنه لم يكن يعلم بأية أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[311]
هجمات غير مشروعة على المساكن والمنشآت المدنية الأخرى
بالإضافة إلى الإقامة في البيوت، لجأ المدنيون في إدلب، ممن نزحوا جرّاء المعارك، إلى مبانٍ مختلفة، مثل المنازل، والملاعب، والمدارس. وثّقت هيومن رايتس ووتش عشر هجمات على مناطق سكنية ومخيمات للنازحين في أريحا، ومدينة إدلب، ومعرة النعمان، ومعرة مصرين، وأربعة مخيمات للنازحين في دانا، وحاس، وسرمدا. أصابت خمسة من الهجمات منازل أو خياما بشكل مباشر، كلها تضم عائلات نازحة. في ثلاث هجمات أخرى، تضررت منازل بسبب ذخائر سقطت بالقرب منها. قتلت الهجمات العشر 91 مدنيا على الأقل وجرحت 221 آخرين.
أريحا
عمارات سكنية بجوار مدرسة بنات أريحا
في 27 مايو/أيار 2019، حوالي الساعة 1 ظهرا، أصابت وحدة ذخيرة كبيرة منطقة سكنية في أريحا مقابل مدرسة بنات أريحا. تُدرّس المدرسة الصفوف من الأول إلى التاسع وتضم 40 موظفا و925 طالبة.[312]
قال توفيق قطان، قائد فريق الدفاع المدني السوري في أريحا، إنه توجه نحو موقع الانفجار ورأى إن وحدة ذخيرة قد دمّرت مبنيين سكنيين من أربعة طوابق على بعد 50 متر من مدرسة بنات أريحا للبنات.[313] قال: "عندما وصلنا، رأينا حجم الدمار. كان ضخما ومروعا".[314]
قالت موظفة بالمدرسة إن الطالبات عدن إلى منازلهن قبل الهجوم، لذا لم يصب أحد في المدرسة. قالت إن الانفجار ألحق أضرارا بالنوافذ والأبواب والجدران، وعُلّقت الدراسة لبضعة أيام لإصلاحها وخوفا من هجمات تالية.[315]
كان فضل فحام، وهو سائق عيادة متنقلة يعمل لصالح اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة، يقيم في الطابق الأول في أحد المباني التي دُمرت، لكنه لم يكن فيه وقتها. قتل الهجوم والدته وأربعة من أولاده، ولم ينجُ سوى زوجته وطفل.[316] عندما سمع بالضربة، ظن أنها تستهدف مولّد الكهرباء القريب، لكن عندما وصل، أدرك أن منزله تدمَّر.
مقابلة مع فضل فحام، الذي فقد والدته وأربعة من أطفاله في هجوم 27 مايو/أيار 2019.
في الإجمال، قتل الهجوم تقريبا 13 مدنيا وجرح 21 على الأقل.[317]
راجعت هيومن رايتس ووتش سبع مقاطع فيديو و30 صورة نُشرت على فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب في 27 مايو/أيار 2019، وصورة واحدة نُشرت على فيسبوك في 28 مايو/أيار 2019، بالإضافة إلى خمس صور أرسلها متطوعو الدفاع المدني مباشرة.[318]
تُظهر مقاطع الفيديو والصور هذه أربعة مصابين بالغين، وثلاثة أطفال مصابين، وشخصا متوفيا أو مصابا بجروح خطيرة يُحمل على نقالة، وطفلين يُجليان من المبنى بذراع لودر حفار - أحدهما حي والآخر فاقد للوعي أو ميت. كما تُظهر حشودا يساعدون عمال الإنقاذ في إجلاء الجرحى والحفر بين حطام المباني.
تؤكد صور الأقمار الصناعية المتوفرة وقوع الهجوم بين 26 و29 مايو/أيار 2019. أظهرت صور ما بعد الضربة أضرارا لحقت بقرابة ثلاثة مبان متعددة الطوابق، أحدها منهار تماما والبناءان الباقيان تضررا بشدة والآثار مرئية على سطحها.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لم يكونوا على علم بأهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود معدات عسكرية أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[319]
مدينة إدلب
حي الاستاد
في 11 يناير/كانون الثاني 2020، ضرب هجوم منطقة في مدينة إدلب تُعرف باسم "حي الإستاد" لقربها من ملعب كرة القدم البلدي.[320] احتوى الملعب على نحو 100 خيمة لعوائل نازحة.[321] قال الدفاع المدني إن قنبلتين سقطتا بين الساعة 11 و11:30 صباحا، فقتلت ثمانية مدنيين وأصابت 39 آخرين.[322]
قال رعد عثمان، الذي يدير متجرا صغيرا على بعد 150 مترا من الملعب، إنه كان يقف مع أبنائه الثلاثة عند مدخل متجره عندما سقطت وحدة الذخيرة الأولى على الطريق، على بعد حوالي ثمانية أمتار جنوب متجره، وأصابت سيارتي أجرة و"بيك آب".[323]
قطعت شظية معدنية رأس ابن عثمان الأكبر، محمد (21 عاما). أصيب أحد ابنيه الصغيرين بشظايا معدنية في بطنه وساقه، والآخر بشظايا معدنية في قدمه. أصيب عثمان نفسه بجروح طفيفة في بطنه. كما أدى الهجوم إلى مقتل طفلين في الشارع: صبي عمره عشر سنوات وشقيقته البالغة من العمر ست سنوات، التي أصيبت في عينها. احترقت محتوات متجر عثمان وسيارته.[324]
قال المحامي من إدلب الذي يعيش على بعد 200 متر من الملعب إن صديقه وابن صديقه كانا يقفان عند مدخل المبنى السكني بعد عودة الصبي مباشرة إلى المنزل من المدرسة عندما ضربت الغارة. قتل الهجوم الطفل عدنان لبابيبي (15 عاما).[325]
ضربت وحدة الذخيرة الثانية إلى الغرب من محل عثمان، بجوار مبنى سكني من أربعة طوابق، فقتلت أُما وثلاثة أطفال بداخله، وحطمت النوافذ والأبواب، وألحقت أضرارا بالجدران الخارجية.[326]
راجعت هيومن رايتس ووتش 12 مقطع فيديو وخمس صور فوتوغرافية منشورة على يوتيوب وصفحة الدفاع المدني السوري على فيسبوك بعد الهجوم مباشرة.[327] وتُظهر أربعة أطفال مصابين، وجريحَين بالغين، وجثة تُنتشل من سيارة محترقة. كما تُظهر الأضرار التي لحقت بسيارتين، وحفرة كبيرة في الطريق، ومتجر حلويات مصاب بأضرار.[328] تُظهر بعض مقاطع الفيديو جرحى وقتلى يُنقلون إلى سيارات الإسعاف، وأشخاصا في مستشفى، منهم أطفال، وامرأة مسنة، ورجلا مصابا بجروح في وجهه.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يعلمون بأهداف عسكرية في الملعب أو حوله قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[329]
الضاحية الجنوبية
في 3 مارس/آذار 2020، سقطت وحدة ذخيرة بين مبنيين سكنيين غير مكتملين في ضاحية جنوب مدينة إدلب مكان إقامة عشرات العائلات النازحة، وقتلت تسعة مدنيين وأصابت 21 آخرين.[330] قال حسام قراني، وهو قائد فريق تابع للدفاع المدني السوري وصل إلى مكان الحادث، إنه رأى أطفالا عديدين ممددين في الشارع ومصابين بشظايا معدنية في جميع أنحاء أجسادهم، وأضرارا لحقت بالمباني وسيارتين.
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو نُشر على موقع أورينت نيوز و11 صورة نُشرت صباح الهجوم على فيسبوك تظهر عمال إنقاذ الدفاع المدني ومدنيين ينظرون إلى حفرة كبيرة بالقرب من وسط طريق ذي أبنية سكنية عالية على جانبيه، يبدو أن بعضها غير مكتمل، ومركبات مدمرة على جانبي الطريق، وعدد من سيارات الإسعاف.[331] يُظهر مقطع الفيديو طفلا مصابا أو ميتا يُنقل إلى سيارة إسعاف تابع لـ بنفسج، بينما يُنقل جريح أو ميت إلى سيارة قريبة أمام حشد يزيد عن 50 شخصا.[332]
قال القراني إنه لم يكن على علم بأهداف عسكرية في المنطقة قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك أية أسلحة أو معدات عسكرية أو أفراد عسكريين مرئية في المواد المصورة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.[333]
معرة النعمان
منزل على شارع العاصي
في 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، سقط برميلان متفجران في تتابع سريع على مبنى سكني من طابقين في شارع العاصي في شمال غرب معرة النعمان، ما أدى إلى مقتل عامل وطفله البالغ من العمر 18 شهرا. قال عبيدة ذكرى، قائد الدفاع المدني السوري في معرة النعمان، إن فريقه كان قد تبلّغ بوجود عائلة تبحث عن سيارة يمكنهم استخدامها للانتقال شمالا بعيدا عن المعارك. وقع الهجوم بينما كان ذكرى وعضوان آخران في الفريق يوقفون سيارتهم والسيارة الاحتياطية التي أحضروها.[334] يُظهر مقطع فيديو نشرته صفحة الدفاع المدني السوري – محافظة إدلب على فيسبوك، واستخدمته هيومن رايتس ووتش للتحقق من موقع الهجوم، جثة طفل.[335]
لا تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة صباح 30 ديسمبر/كانون الأول 2019 أي آثار لأضرار، لكنّ صورة ملتقطة في 4 يناير/كانون الثاني 2020 تُظهر أن المبنى تحوّل إلى أنقاض.
قال ذكرى إنه لا يوجد أساس لاعتبار العامل عضوا في جماعة مسلحة، ولم يكن على علم بأهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم.[336] لم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في صور الأقمار الصناعية أو مقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.
معرة مصرين
ابتدائية منيب قميشه
كانت تعيش قرابة 12 عائلة نازحة، أي نحو 60 شخصا، في عشرة صفوف دراسية في ابتدائية منيب قميشه عندما أصاب هجومٌ الباحة في 25 فبراير/شباط 2020.[337] قتل الهجوم عددا من المدنيين المقيمين في القاعات الدراسية وألحق أضرارا بالغة بالمدرسة.[338] قال موظف بالمدرسة إن جميع العائلات الناجية غادرت المدرسة بعد الهجوم مباشرة، مخلّفةً وراءها متعلقاتها.
المدجنة
في الساعات الأولى من صباح 5 مارس/آذار 2020، ضربت خمس وحدات ذخيرة على الأقل مدجنةً وقتلت قرابة 15 مدنيا وجرحت 19 آخرين كانوا يعيشون في مجمع المدجنة.[339] تتكون المدجنة، الواقعة في ضاحية غربية لمعرة مصرين، من حظيرتَي دواجن، ومبنى سكني من طابقين ملحقا بها، وبضع مبانٍ صغيرة أخرى. سكنت فيها قرابة 14 عائلة نازحة وبعضها نصب خياما مجاورة للمباني.[340]
قال رجل عمره 57 عاما وابنه البالغ من العمر 26 عاما إنهما كانا قد نزحا إلى المنطقة قبل سبعة أشهر، ويعيشان مع خمسة أفراد آخرين من عائلتهما في منزل صغير على بعد 50 متر من المصنع. قالا إنهم استيقظوا في الساعة 2:05 فجرا يوم 5 مارس/آذار عندما سقطت وحدة الذخيرة الأولى على مسافة عشرات الأمتار من منزلهم.[341] قال الابن إنه عرف أن الضربة الثانية كانت قادمة بعد رسالة من مجموعة مرصد سورية التي تراقب حركة الطائرات. قال: "عندها، غادرنا".
أُرسلت رسائل المرصد ذلك الصباح بين الساعة 2 و2:30 فجرا، على تطبيق تلغرام، تضمنت مشاهدات مستمرة لطائرة روسية في المنطقة. قالت لجنة التحقيق في التقرير الذي أصدرته في يوليو/تموز 2020، إن لديها "أسبابا معقولة للاعتقاد" بأن روسيا هي من نفّذ الهجوم.[342] قاد الابن السيارة بأسرته إلى منزل لجأوا إليه على مسافة 700 متر، لكنه قال إنه عاد بعد ذلك إلى الموقع ليجد معظم المباني حطاما، بما فيها المبنى الرئيسي للمدجنة:
رأيت امرأة وزوجها تحت الأنقاض مع ابنتهما عمرها حوالي ست سنوات. كان الرجل يلوّح بيده طلبا للمساعدة... أخرجت الفتاة من تحت الأنقاض ووضعتها على فرشة على الأرض بينما كنا ننتظر سيارة الإسعاف. فجأة أسقطت طائرة حمولة كاملة من [الذخائر] علينا. سمعت دويا قويا ورماني الانفجار على الأرض ولم أستطع التحرك. تمزقت ملابسي. وقفت أخيرا وأدركت أنني مصاب بحروق في رأسي ولا أستطيع السماع في إحدى أذنيّ.[343]
قال إنه قُصفت المنطقة التي وضع فيها الفتاة، ما تسبب في مقتلها. عثر متطوعان من الدفاع المدني وصلا بعد سقوط أول وحدتي ذخيرة على سبعة جرحى قاما بنقلهم إلى المستشفى.[344] بقي بعض أعضاء الفريق هناك عندما سقطت المجموعة التالية من الذخائر، ما قتل بعض مصابي الضربة الأولى.
راجعت هيومن رايتس ووتش سبعة مقاطع فيديو و12 صورة فوتوغرافية للهجوم صُوّرت من الأرض ومن طائرات بدون طيار، ورُفعت على يوتيوب، وفيسبوك، وموقع بي بي سي، وموقع صحيفة الإندبندنت.[345] تظهر الصور والمقاطع الدمار الذي لحق بالحظيرتين، ومبنيين صغيرين قريبين، وعمال الإنقاذ في الدفاع المدني يعملون ليلا ونهارا مع آلات لانتشال الأشخاص من تحت الأنقاض، وجثة مغطاة على الأرض، وجثتين محمولتين على نقالات، وطفلا ميتا، ومركبات وألعابا محطمة. يحتوي تقرير بي بي سي المصور على لقطات لمستشفى مع بعض المصابين في الهجوم، بينهم رُضّع وأطفال آخرون.[346]
أجبر الهجوم جميع العائلات التي تعيش في مزرعة الدواجن تقريبا على النزوح ثانية، رغم بقاء رجل عمره 57 عاما وعائلته:
بالنسبة لبعض العائلات، لم يبق أحد. بالنسبة لعائلات أخرى، نجا شخص أو شخصان فقط، وغادروا. كما غادر آخرون ممن دُمر مأواهم. نحن الأسرة الوحيدة التي بقيت، لأننا وجدنا غرفة قريبة. لم نبقَ طواعية، لكن لا مكان آخر لدينا نلجأ إليه... إنه أمر مخيف أن نكون الوحيدين الباقين.[347]
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لم يعلموا بوجود أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[348]
هجمات غير قانونية على مخيمات للنازحين
أقامت العائلات التي أُجبرت على الفرار مخيمات للنازحين في منطقة إدلب. أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه في بداية الهجوم السوري-الروسي مطلع 2019، كان هناك 1.3 مليون نازح في منطقة إدلب.[349] هاجم التحالف السوري-الروسي بعض هذه التجمعات.
© خاص
مجمع نزوح بجوار حاس
حوالي الساعة 7:30 مساء 16 أغسطس/آب 2019، أصابت قنبلة جوية مجمعا تديره منظمة محلية يؤوي نازحين على مشارف بلدة حاس، نحو 35 كيلومتر جنوب مدينة إدلب، بحسب شهود رأوا طائرة تحلق في السماء قبل الهجوم مباشرة.[350] قتل الهجوم 20 مدنيا وأصاب 52 آخرين بحسب المسؤول عن المجمع. سقطت القنبلة في ساحة بين عمارات سكنية ومحلات تجارية في المجمع. تتجمع عادة عشرات العائلات هناك في المساء. قدّر الشهود وجود 20 إلى 30 شخصا في الساحة وقت الهجوم.[351]
حددت صور الأقمار الصناعية الملتقطة صباح يوم 21 أغسطس/آب 2019 مواقع دمار متعددة تتفق مع الصور الميدانية الملتقطة في 16 أغسطس/آب 2019.[352] تُظهر صورة القمر الصناعي حفرة كبيرة وأضرارا لحقت بالعديد من المباني السكنية والتجارية في الجزء الشمالي من المجمع، بما يتفق مع روايات الشهود.
كما راجعت هيومن رايتس ووتش 21 صورة وأربع مقاطع فيديو قدمها المصور مباشرة، نُشر بعضها على فيسبوك. تُظهر اللقطات أضرارا جسيمة للمجمع، بالإضافة إلى جرحى وقتلى، بما يتفق مع ما وصفه الشهود.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يعرفون بأهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في المواد المصورة التي تمت مراجعتها. [353]
مخيم سعد بن أبي وقاص
ضربت قذائف مدفعية مساء 14 فبراير/شباط 2020 مخيم سعد بن أبي وقاص ومحيطه، وهو مخيم غير رسمي للنازحين يُعرف باسم "مخيم أهل الرفة"، في التخوم الشرقية لبلدة سرمدا، على قطعة أرض زراعية. كان المخيم يؤوي عائلات تقطن في 75 خيمة تقريبا معظمهم وصل بحلول مايو/أيار 2019 من حلب، وحماة، وإدلب.[354] قال ساكن في المخيم وصل أوائل فبراير/شباط 2019 إنه رأى مئات العائلات الجديدة تصل وتنصب الخيام في المخيم قبل أسبوعين من الهجوم.[355]
حوالي الساعة 7 مساء، سقطت سبع أو ثماني مقذوفات على المنطقة، اثنتان منها داخل المخيم، والبقية خارجه، فقتلت امرأتين على الأقل في المخيم.[356] شاهد الشخص نفسه الذي كان يسكن المخيم إصابة خيمة عائلة بشكل مباشر واشتعال النيران فيها.[357]
قال منير مصطفى، وهو متطوع في الدفاع المدني، إن الهجوم أرعب سكان المخيم. قال: "بدأوا تفكيك خيامهم للانتقال إلى مكان آخر. كانوا قلقين من تعرضهم لهجوم آخر. يمكنك رؤية الخوف على وجوه الناس. ساعدناهم على مغادرة المنطقة لأننا نعلم أن هناك استراتيجية حكومية تقضي بمهاجمة المنطقة نفسها أكثر من مرة".[358]
قال مصطفى إنه بحلول 17 فبراير/شباط، عندما عاد، كانت أكثر من 80% من العائلات النازحة قد غادرت المنطقة. قال الصحفي محمد فيصل إن أغلب العائلات توجهت إلى مناطق عفرين، وجرابلس، وإعزاز التي كانت تحت سيطرة الفصائل الموالية لتركيا.[359]
راجعت هيومن رايتس ووتش أربعة مقاطع فيديو سُجلت مساء 14 فبراير/شباط 2020 وصورتين تُظهران الأضرار التي لحقت بالخيمة.[360] توضح صورة جوية التقطتها وكالة "سمارت نيوز" الأضرار التي لحقت بالخيمة والمنطقة المحيطة بها.[361] تُظهر مقاطع الفيديو خيمة كبيرة مدمرة وحفرة صغيرة ولكن عميقة وسط المكان الذي كانت فيه الخيمة.[362] تتطابق مقاطع الفيديو هذه للخيمة المدمرة والكراسي المجاورة مع الصور التي التقطتها سمارت نيوز.
تُظهر صورة أقمار صناعية من 26 فبراير/شباط 2020 إزالة أكثر من 80% من الخيام الموجودة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يعرفون بأهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة أو معدات أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[363]
نشر عمر رحمون، وهو شخصية مرتبطة بالحكومة السورية ومعروف بتوسطه في اتفاقيات وقف إطلاق النار المحلية وما يسمى "المصالحات" مع الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة، تحذيرا على صفحته على فيسبوك حوالي الساعة 1 بعد الظهر يوم 14 فبراير/شباط، يحث فيها سكان المخيمات في المنطقة الأوسع على المغادرة، دون تحديد السبب.[364] اعتقد الدفاع المدني أن هذا يشير إلى نية الحكومة استهداف المخيم وغيره.[365]
مخيم المثنى
بعد ذلك بيوم، في 15 فبراير/شباط، سقطت قذيفتا مدفعية وسط مخيم المثنى، وهو مخيم نازحين آخر غير رسمي شرق سرمدا أيضا.[366] كان يضمّ المخيم حوالي 200 خيمة، وقد وصلت معظم العائلات هناك بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2019. قال متطوعان في الدفاع المدني استجابا للهجوم إن مقذوفات أصابت الخيام بشكل مباشر وأشعلت النار في أربع منها. قالوا إن المقذوفات قتلت رجلا وأصابت ثلاثة رجال آخرين وامرأة، جميعهم من سكان المخيم.[367]
بعد الهجوم، غادرت المخيم العائلات القادرة على تحمل تكاليف استئجار مسكن، في حين بقي غير الميسورين.[368]
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من العثور على أي مقاطع فيديو أو صور لهذا الهجوم أو ما بعده. نُشرت ثلاثة مقاطع فيديو سجلها الصحفيان محمد فيصل ومحمد بلعاس على يوتيوب وفيسبوك في 16 فبراير/شباط 2020 عقب الهجوم.[369] تُظهر المقاطع أشخاصا يحزمون الخيام وقرابة عشر سيارات تستعد لمغادرة المخيم. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد مكان تسجيل المقاطع.[370]
قال المتطوعان في الدفاع المدني إنهما لم يكونا يعلمان بوجود أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في المواد المصورة التي تمت مراجعتها.[371]
مخيم ساروت
في ليلة 19 فبراير/شباط 2020، سقطت قذيفتا مدفعية على مخيم ساروت، وهو مخيم غير رسمي للنازحين قرب بلدة الدانا الواقعة على مسافة 35 كيلومتر تقريبا شمال شرق مدينة إدلب. ضمّ المخيم حوالي 300 خيمة وقتها، مع وصول معظم العائلات في الأشهر السابقة من خان شيخون، وسراقب، ومناطق أخرى.[372]
قال محمد جراح، رئيس قسم الدفاع المدني في قرية دير حسن القريبة، إنه سمع دويا قويا لانفجارين حوالي الساعة 11 ليلا.[373] قال إنه ذهب إلى المخيم مع عدد من أعضاء الفريق ورأى قذيفة مدفعية كانت قد سقطت داخل المخيم. عثروا على إحدى ساكنات المخيم جريحة في خيمتها بشظايا معدنية في بطنها وساكنَين آخرين على الأقل مصابين بجروح طفيفة. بعد الهجوم، غادر الناس المنطقة.[374]
تُظهر صور الأقمار الصناعية التي قدمها شهود عيان للموقع يومي 26 فبراير/شباط و8 مارس/آذار 2020 مخيما فيه خيام. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد الموقع الدقيق للهجوم لقلة صور الأقمار الصناعية المتاحة لما بعد الحادث مباشرة.
قال جراح وفيصل إنهما لم يكونا على علم بأهداف عسكرية في الجوار قبل الهجوم أو في وقته.[375] لم يكشف تحليل صور الأقمار الصناعية عن أي أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في محيط المخيم، لكن كان هناك موقع عسكري شيد مؤخرا على بعد حوالي 1.5 كيلومتر (انظر قسم الخلفية).
هجمات غير مشروعة على المدارس
دمر 11 هجوما حققت فيها هيومن رايتس ووتش تسع مدارس وروضة أطفال واحدة كانت قيد الاستخدام وقتها. كما هوجمت مدرسة سابقة ظلت عينا مدنية. أصابت ست من الهجمات المدارس مباشرة، بينما أصابت سبع هجمات مناطق قريبة وألحقت أضرارا بالمنشآت. تقع المدارس في مدينة أريحا، ومدينة إدلب، وجسر الشغور، ومعرة النعمان، ومعرة مصرين. قتلت الهجمات قرابة 41 مدنيا على الأقل وجرحت 127 آخرين على الأقل. استُخدمت الذخائر العنقودية في ثلاث هجمات.
أجبرت ثلاث من هذه الهجمات المنشآت على الإغلاق بشكل دائم، وأجبرتها وأربع منها على الإغلاق بين يوم وأربعة أسابيع. تقدر هيومن رايتس ووتش حرمان 3,735 طفلا على الأقل من الالتحاق بالمدارس في تلك المرافق إما بشكل مؤقت أو دائم، بناء على عدد الطلاب المسجلين في ذلك الوقت.
تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير موثوقة عن ثماني هجمات إضافية على الأقل على مدارس أخرى في جميع أنحاء محافظة إدلب خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير، بما في ذلك سبع هجمات في 25 فبراير/شباط 2020.[376]
أريحا
حضانة "مسلم كير" وابتدائيتا "خالد بشير حلبية" و"عمر بن عبد العزيز"
في الساعة 1 تقريبا من ظهر يوم 5 يناير/كانون الثاني 2020، سقطت ستة صواريخ على حي النقيب في أريحا.[377] سقط إحداها بجوار مسجد الحديد، وآخر أصاب الطابق العلوي لمبنى من أربعة طوابق كان يضم حضانة مسلم كير في الطابق الأرضي، وأصاب صاروخان مبان سكنية بجوار مدرستي خالد بشير حلبية وعمر بن عبد العزيز (المعروفة أيضا باسم المُحدثة) كان المعلمون قد أخلوها قبل دقائق. سقط الصاروخان الآخران قبالة الطريق السريع M4. قتلت الغارات ما مجموعه 13 مدنيا، وأصابت 25 آخرين، ودمرت أربعة مبان سكنية، منها المبنى الذي كان يضم روضة الأطفال.[378]
أحدثت الصواريخ أضرارا بالمدرستين، وكل منهما تتكون من ثلاثة طوابق. عُثر على ذيل صاروخ في ساحة ابتدائية خالد بشير حلبية – التي تغطي الصفوف من الأول إلى الرابع وتضم 445 طالبا – وحطّم الانفجار نوافذها وألحق أضرارا ببعض أبوابها.[379] قالت موظفة في مدرسة خالد بشير حلبية إنهم أخلوا المدرسة قبل الهجوم بدقائق بسبب أنباء عن تحليق طائرات في سماء المنطقة. وصفت الرعب الذي تعرض له الأطفال خلال هذه الهجمات:
وقتها، وبينما كُنت أُخرجهم، كانوا جميعا يصرخون فيَّ خوفا. كنت عاجزة مثلهم. لم يكن هناك ما يمكنني فعله لأجلهم سوى أن أهدؤهم، وأقول لهم ألا يخافوا، وأقول لهم أن يتلوا الدعاء، وأقول لهم أن الأمر سينتهي قريبا. ولداي يذهبان إلى هذه المدرسة أيضا.[380]
أغلق الموظفون المدرسة لمدة خمسة أيام لإصلاح الأضرار الناجمة عن الهجوم.[381]
تتشارك مدرسة خالد بشير حلبية جدارها الخارجي مع مدرسة عمر بن عبد العزيز، وهي ابتدائية وإعدادية للصفوف من الخامس إلى التاسع. قال موظف في مدرسة عمر بن عبد العزيز إنه أرسل 335 طالبا في المدرسة إلى منازلهم قبيل الهجوم مباشرة. قال إن الهجوم تسبب في أضرار جسيمة في نوافذ المدرسة وأبوابها وسياجها الخارجي، وإنه أجرى إصلاحات سريعة حتى يتمكن الطلاب من أداء امتحانات منتصف الفصل الدراسي، والتي بدأت بعد ذلك بخمسة أيام[382].
راجعت هيومن رايتس ووتش خمس صور زودها بها بشكل مباشر متطوعو الدفاع المدني السوري و11 مقطع فيديو منشور على يوتيوب وفيسبوك في 5 يناير/كانون الثاني 2020.[383] تُظهر المواد المصورة ثماني جثث على الأقل بالإضافة إلى أضرار لحقت بمدرسة عمر بن عبد العزيز ومبانٍ أخرى في أريحا. تُظهر مقاطع الفيديو طفلا ميتا يحمله أحد متطوعي الدفاع المدني، وطفلا ميتا أو مصابا بجروح خطيرة، ورجلا ميتا ممددا على نقالة في الشارع بجوار سبعة قتلى في أكياس جثث بيضاء. كما تُظهر شخصين مصابين يُنقلان على نقالات في سيارات الإسعاف. يمكن رؤية نفس الأشخاص في المستشفى مع مصابين آخرين.
تُظهر مقاطع الفيديو أربع سيارات ودراجتين ناريتين وشاحنة بدون مقطورة كلها مدمرة بجوار حفرة كبيرة في الأرض على بعد حوالي 30 متر من الطريق السريع M4، وعشر واجهات متاجر مدمرة على الأقل، وأضرارا في المباني والشوارع، وحفرتين على الطريق السريع، وبقرة ميتة. يُظهر أحد مقاطع الفيديو التي نشرها الصحفي أحمد رحال على يوتيوب الأضرار التي لحقت بالجدار الخارجي للمدرستين وتناثر الأنقاض في الساحة.[384]
تُظهر صورة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2020 دمارا كاملا لمبنى على بعد 20 متر شرق سور مجمع مدرسة عمر بن عبد العزيز. كما شوهدت غارة أخرى على بعد 14 متر شرق ذلك المبنى.
قال جميع الشهود الذين تحدثت معهم هيومن رايتس ووتش إنهم لم يكونوا يعلمون بأي أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور الفوتوغرافية، أو مقاطع الفيديو، أو صور الأقمار الصناعية التي تمت مراجعتها.[385]
مدينة إدلب
وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات بالذخائر العنقودية على مدرستين في مدينة إدلب في 25 فبراير/شباط 2020.
مدرستا "البراعم" و"خالد شعار"
في 25 فبراير/شباط 2020، الساعة 8:30 صباحا، أصابت ذخيرة عنقودية ساحة مدرسة البراعم الثانوية وانفجرت عدة ذخائر صغيرة منها، فقتلت ثلاثة معلمين وأصابت ستة آخرين. قبل 15 دقيقة، بعد فترة وجيزة من بدء الصفوف، قرر محمد أمون، مدير المدرسة (المعروفة سابقا باسم مدرسة طه غريب)، والتي تضم 1,200 طالب و40 معلما، إرسال جميع الطلاب إلى منازلهم بسبب القصف العنيف في المنطقة. قال أمون إنه كان يقف في ساحة المدرسة عند البوابة الرئيسة بعد مغادرة الطلاب مع حوالي عشرة مدرسين عندما سقطت الذخيرة. ألحق الهجوم، إضافة إلى القتلى والجرحى، أضرارا طفيفة بمبنى المدرسة وأوقف الدراسة لعدة أيام.[386]
بالتزامن مع الهجوم على مدرسة براعم، جرى هجوم آخر بالذخيرة العنقودية على مدرسة خالد شعار الابتدائية الواقعة على بعد 400 متر.[387] أُغلقت المدرسة، التي كان يرتادها 218 طالبا، بسبب القصف العنيف في اليوم السابق وكانت فارغة وقت الهجوم. تسبب الهجوم في أضرار طفيفة في ساحة المدرسة وأعيد فتح المدرسة بعد بضعة أيام.[388]
راجعت هيومن رايتس ووتش الصور التي جمعها فريق التخلص من الذخائر التابع لقسم الدفاع المدني في كل من مدرستي البراعم وخالد شعار، وحدد بقايا صاروخ "أوراغان" ذي ذخيرة عنقودية عيار 220 ملمتر "9إم 27 كاي" وذخائر صغيرة عديدة غير منفجرة. يبلغ مدى الصاروخ بين عشرة و35 كيلومترا، ويحمل رأسه الحربي 30 ذخيرة صغيرة. استخدمت كل من القوات الروسية والسورية نظام الأسلحة هذا.
راجعت هيومن رايتس ووتش 19 صورة فوتوغرافية التقطت في مدرسة خالد شعار و42 صورة فوتوغرافية وفيديو واحد من مدرسة البراعم، زودها بها مباشرة متطوعو الدفاع المدني السوري.[389]
تُظهر الصور التي التقطت في مدرسة خالد شعار أربعة متطوعين من الدفاع المدني يرتدون ملابس واقية ويجوبون المدرسة ثم يتوقفون عند بقايا قسم الحمولة لصاروخ "أوراغان" العنقودي من سلسلة "9إم 27 كاي" الساقط في ساحة المدرسة على بعد أمتار قليلة من مبنى المدرسة الرئيسي، بزاوية عمودية تقريبا. تُظهر الصور ومقاطع الفيديو الملتقطة في مدرسة براعم بقايا ذخيرة في مجمع المدرسة ودماء على الأرض خارج مبنى المدرسة الرئيسي وعلامات شظايا معدنية على جدران المدرسة.
قال أمون ومتطوع من الدفاع المدني السوري، قابلته هيومن رايتس ووتش، إنهما لم يعرفا بأي أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[390]
جسر الشغور
بحلول مايو/أيار 2019، كان عدد سكان جسر الشغور حوالي 25 ألف نسمة. كان أطفالهم يرتادون روضتَيْ أطفال، وعشر مدارس ابتدائية، وثانويتين، وجميعها تضررت جزئيا خلال السنوات القليلة الماضية جراء الهجمات التي سبقت الفترة المشمولة في هذا التقرير.[391] وثّقت هيومن رايتس ووتش هجمات على ثلاث مدارس في جسر الشغور بين مارس/آذار 2019 ومارس/آذار 2020.
ثانوية مأمون حاج يحيى وثانوية وليد شعبان
في 13 مارس/آذار 2019، أصابت وحدة ذخيرة ثانوية مأمون الحاج يحيى في الساعة 2:15 ظهرا، ودمرت صفين دراسيين وسقف صف ثالث، وكذلك النوافذ والأبواب.[392] كانت المدرسة، التي بلغ عدد المسجلين فيها 228 طالبا و18 معلما، حتى مارس/آذار 2019، خالية وقتها. قال رشوان الجرة، موظف بالمدرسة زار الموقع بعد الهجوم مباشرة، إنهم اضطروا إلى إغلاق المدرسة لمدة ثلاثة أسابيع للإصلاحات.[393]
مقابلة مع رشوان الجرة مسؤول حماية الطفل في مدرسة مأمون الحاج يحيى.
أُعيد افتتاح المدرسة في 3 أبريل/نيسان، لكن في 8 أبريل/نيسان أصابت وحدتا ذخيرة حيا سكنيا على بعد 60 متر من المدرسة، ما أدى إلى تطاير أبواب المدرسة ونوافذها وإصابة 13 امرأة وطفلا كانوا بداخلها.[394] أصيب مبنى المدرسة بهجوم آخر في يونيو/حزيران 2019، بينما كانت المدرسة مغلقة بسبب العطلة الصيفية، ودمر الحمامات وألحق أضرارا بالمكاتب الإدارية.[395] عندها، قرر الموظفون عدم إعادة فتحها، عوض ذلك قرروا إعادة تأهيل مبنى كان يضم سابقا ثانوية وليد شعبان، التي تضررت في الهجمات السابقة، ونقل الفصول الدراسية هناك اعتبارا من أكتوبر/تشرين الأول 2019.[396]
يتفق حجم الأضرار التي لحقت بثانوية مأمون الحاج يحيى الأصلية التي أبلغ عنها الموظفون وفي الصور المرسلة إلى هيومن رايتس ووتش مع الضرر الذي لوحظ في صور الأقمار الصناعية.
في ليلة 3 مارس/آذار 2020، كان هناك قصف عنيف وغارات جوية في محيط ثانوية وليد شعبان السابقة، التي نُقلت الآن وأصبحت ثانوية مأمون الحاج يحيى.[397] في صباح اليوم التالي، عثر الطلاب والموظفون في المدرسة على ذخيرة صغيرة غير منفجرة في الباحة. دعا خالد تركاوي، مدير المدرسة، الدفاع المدني لإزالتها.[398] ذهب فريق التخلص من الذخائر في الدفاع المدني إلى المدرسة في اليوم التالي ودمر الذخيرة الصغيرة غير المنفجرة، متجنبا أي ضرر أو إصابات.[399]
راجعت هيومن رايتس ووتش 17 صورة وفيديو واحد قدمها متطوعو الدفاع المدني السوري، وتمكنت من التحقق من الواقعة عبر مطابقة الصور مع صور سابقة للمدرسة.[400] تُظهر الصور ومقطع الفيديو متطوعَي دفاع مدني يضعان إشارات خطر حمراء بجوار ذخيرة صغيرة غير منفجرة، ويحيطونها بأكياس الرمل ويستعدون لتفجيرها في مكانها.
راجعت هيومن رايتس ووتش صور فريق التخلص من الذخائر التابع للدفاع المدني السوري مع بقايا الذخيرة، وتعرفت على بقايا ذخيرة صاروخية عنقودية من طراز "سميرتش" عيار 300 مليمتر "9إم55 كاي" والذخيرة الصغيرة العنقودية "9إن235" غير منفجرة.[401] يبلغ مدى الصاروخ من 20 إلى 70 كيلومتر، ويحمل رأسه الحربي ذخيرةً عنقودية مؤلفة من 72 ذخيرة صغيرة قابلة للتشظي. استخدمت كل من القوات الروسية والسورية نظام الأسلحة هذا.
قال جميع الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يعلمون بأهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[402]
ابتدائية عبد الرحمن ناصر
في 14 مايو/أيار 2019 الساعة 7 مساء، ضربت وحدتا ذخيرة ابتدائية عبد الرحمن ناصر للبنات، واحدة في ساحة المدرسة والأخرى في السوق القريب.[403] أضرت الغارات الجوية مرتين بالمدرسة، التي كان فيها 182 طالبة مع 17 معلمة، ومسجدا مجاورا في عام 2017.[404]
قالت إصلاح عيسى، مديرة المدرسة: "لم يصب أحد في المدرسة لأنها كانت مغلقة ليلا، لكن دمّر الهجوم فصول دراسية كثيرة لدرجة أننا لم نتمكن من إعادة فتح المدرسة".[405]
تُظهر صورة من القمر الصناعي ملتقطة بعد 12 يوما من هجوم 14 مايو/أيار وجود حطام قرب المدرسة وعلى امتداد الشوارع قرب السوق.
راجعت هيومن رايتس ووتش صورتين ومقطع فيديو منشورة على فيسبوك ويوتيوب يومي 14 و15 مايو/أيار 2019، تُظهر الدمار الذي لحق بجدار ساحة المدرسة والحطام في الساحة، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بالسوق المجاور للمدرسة.[406]
قالت عيسى إنها لم تكن تعلم بأي أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[407]
في 21 سبتمبر/أيلول 2019، نُقلت ابتدائية عبد الرحمن ناصر إلى موقع جديد.[408]
معرة مصرين
مدرسة منيب قميشه الابتدائية
تعرضت مدرسة منيب قميشه الابتدائية المكونة من طابقين للهجوم حوالي الساعة 3 عصرا يوم 25 فبراير/شباط 2020. آنذاك، كان يرتاد المدرسة 1,200 طالب كانوا يحضرون الصفوف في مناوبات، و75 معلما.[409] قال موظف بالمدرسة إن المعلمين صرفوا الطلاب قبل نصف ساعة من الهجوم بسبب تحليق الطائرات فوقهم، خلال منتصف المناوبة الدراسية الثالثة التي بدأت الساعة 1:30 بعد الظهر حتى الساعة 4 عصرا.
قتلت الغارة 12 مدنيا، معظمهم أطفال كانوا يلعبون في ساحة المدرسة، وأصابت 62 آخرين، بينهم 15 امرأة، و12 رجلا، و35 طفلا.[410] قال د. حكمت الخطيب من مستشفى معرة مصرين: "كانت الإصابات خطيرة. كان أحد الأطفال الذين ماتوا فورا مبتور الساقين من الفخذ وأحد الذراعين. كانت أحشاء بعض الأطفال متدلية، وكان لديهم جميعا شظايا معدنية في كل أجسادهم. تحطمت جمجمة أحد الأطفال، وكُشف جزء من دماغه".
قال موظف في المدرسة إن الانفجار أرسل شظايا إلى كل صف في الطابقين السفليين وفي دورات المياه، وألحق أضرارا ببعض الجدران، ودمر الجدار الخارجي للمدرسة، وخلع باب المدخل الرئيسي، وثقب خزان المياه. قال:
في الساحة، كانت أشلاء بعض الأطفال على الجدران ودماء في المدخل... كان المعلمون خائفين جدا. أُصيب بعضهم بانهيار عصبي بعد اكتشافهم مقتل بعض الطلاب. تسبب هذا الهجوم بأضرار نفسية للطلاب والمعلمين... استأنفنا الدراسة [بعد شهر] لكن عاد ربع الطلاب فقط. لم يعد البقية. كان الأهالي خائفين جدا من إعادة أطفالهم.[411]
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطعَيْ فيديو منشورين على "الجزيرة" وقناة "شبكة شام الإخبارية" على يوتيوب، كلاهما في 25 فبراير/شباط 2020.[412] يُظهر المقطعان حفرة كبيرة في ملعب المدرسة؛ ومبنى متضررا في مجمع المدرسة؛ وأضرار لحقت بالجدران الداخلية والأبواب والنوافذ في المدرسة؛ ودماء على أرضية المدرسة وقرب جدار متضرر؛ وشخصين يوضعان في سيارات إسعاف، أحدهما طفل يتلقى الأكسجين؛ وطفلا ميتا مغطى على أرضية المدرسة؛ وطفلا صغيرا وشخصين بالغين يُعالجان في غرفة مستشفى.
هجمات أخرى غير قانونية على الأعيان المدنية
وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات في محافظة إدلب على ملعب، وكنيسة، وسجن، ومكتب منظمة غير حكومية.
ملعب جسر الشغور
في الساعة 5 عصرا في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أصابت ضربة ملعب كرة القدم في البلدة في إستاد جسر الشغور.[413] لم يُصب أحد في الهجوم على الملعب الخالي، لكن يُظهر مقطع فيديو على يوتيوب وصورة منشورة على فيسبوك تحطم المرمى وعدة مقاعد في الجانب الجنوبي من الملعب.[414] تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة بعد الهجوم على الأقل ثلاثة آثار انفجار مميزة عن بعضها البعض في الملعب تتفق مع الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن أحدها أصاب السياج الغربي للملعب، بجوار مقر الدفاع المدني المحلي. كان للمقر تمثال ضخم "للخوذ البيضاء" عند المدخل وقت الهجوم، يمكن رؤيته في صور الأقمار الصناعية وفيديو للهجوم. كان مقطع فيديو المنشور على يوتيوب مساء يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 متسقا مع صور الأقمار الصناعية التي أظهرت أضرارا لحقت بأجزاء من جدار وسياج للمقر.[415]
قال قاطنان في جسر الشغور إنهما لم يكونا يعرفان بوجود أهداف عسكرية في الجوار قبل أو في وقت الهجوم، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[416]
كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس
في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الساعة 2 بعد الظهر، ضرب هجوم كنيسة مار جرجس، وهي كنيسة للروم الأرثوذكس في جسر الشغور.[417] راجعت هيومن رايتس ووتش صورتين أرسلهما الصحفي المحلي مصطفى الأحمد ومقطعي فيديو نُشرا على يوتيوب في 10 و12 نوفمبر/تشرين الثاني يظهران الأضرار التي لحقت بجدران الكنيسة.[418] يظهر هذا الضرر أيضا في صور الأقمار الصناعية التي تُظهر أثرا ارتطام مختلفان في المنطقة المحيطة بالكنيسة.
أصاب الانفجار ستة أشخاص، بينهم أربعة أطفال، ودمر جزئيا مبنى سكني واحد على الأقل في المنطقة، بحسب صحفي محلي آخر.[419] كما أكدت صور الأقمار الصناعية الأضرار التي لحقت بالمبنى السكني.
لم تكن هناك علامات على وجود أسلحة أو معدات أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[420]
سجن إدلب
في الساعة 4 عصر يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2019، أصابت ضربةٌ مبنى من أربعة طوابق للسجن الرئيسي العامل في منطقة مدينة إدلب، بين ثلاثة وخمسة كيلومترات إلى الغرب من المدينة. كان يضم على الأقل ألفي سجين، وحوالي 200 موظف في الخدمة.[421] قال محامٍ مقيم في إدلب كان يزور السجن وقت الهجوم:
كنت في الطابق الأول من مكتب النيابة العامة أمثّل أحد الموكلين، عندما انتشر الدخان ورائحة البارود فجأة في كل مكان. ركضت إلى خارج المبنى ورأيت ما يبدو أنه فرار 30 سجينا. رأيت أيضا امرأة قتيلة ملقاة على الأرض مع طفليها القتيلين بينما كنت أركض خارجا. كانوا يزورون الزوج في السجن.[422]
لم ترد معلومات عن إصابات بين السجناء أو العاملين.[423]
راجعت هيومن رايتس ووتش أربع صور نُشرت على الإنترنت في 2 ديسمبر/كانون الأول 2019، ويبدو أنها تُظهر ضحايا الهجوم، إضافة إلى تصاعد الدخان من مبنى السجن. تُظهر صورتان نُشرتا على تويتر في 2 ديسمبر/كانون الأول 2019، جثتي طفلين موضوعان على حمّالة وجثة امرأة يُعتقد أنها والدتهما. لكلتا الصورتين التاريخ المسجل ذاته، يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2019، وملتقطتان في الساعة الساعة 4:10 و4:22 عصرا.[424]
أجرى العاملون في السجن تصليحات واستمروا في إدارته حتى 1 يناير/كانون الثاني 2020، عندما تعرض للقصف ثانية.[425] قال أحد الشهود، "رأيت ست [ذخائر] تصيب مبنى السجن مباشرة بين الساعة 1 و2 ظهرا". لم يعرف الشاهد ما إذا كان أُصيب أو قُتل أحد. بعد الغارة، أغلقت السلطات السجن ونقلت السجناء إلى مكان آخر.
قال المحامي والشاهد على الضربة اللاحقة إنهما لم يكونا يعلمان بوجود أهداف عسكرية في الجوار وقت وقوع أي من الهجومين، ولم تكن هناك علامات على وجود أسلحة، أو معدات عسكرية، أو أفراد عسكريين في الصور التي تمت مراجعتها.[426]
جمعية الشام الخيرية
في 22 ديسمبر/كانون الأول 2019، تسبب هجوم في أضرار بمقر جمعية الشام الخيرية، وهي جمعية خيرية نسائية محلية، توفر فرص عمل للأرامل، والأسر التي تعيلها نساء، والأسر ذات الدخل المحدود في معرة النعمان. قالت رئيسة الجمعية إن القصف العنيف للمنطقة قبل يومين أدى إلى إغلاق المقر الرئيسي للجمعية. كانت في المقر بمفردها في 22 ديسمبر/كانون الأول عندما أدى انفجار إلى انهيار الجدار الجنوبي لمبنى المقر وتطاير كل النوافذ والأبواب. قالت إن المنظمة غير قادرة على إعادة فتح أبوابها.[427]
فّرت رئيسة الجمعية نحو الحدود التركية بمجرد سيطرة الحكومة السورية على المدينة في يناير/كانون الثاني، وهي الآن نازحة. قالت: "فقدَت كل العائلات التي كنا نساعدها دخلها. أتمنى لو كان هناك شيء يمكننا القيام به لإعادة إطلاق المشروع ثانيةً هنا، لكن لا تمويل لدينا".
قالت إنها لم تكن على علم بوجود أهداف عسكرية في محيط المقر قبل أو في وقت الهجوم.
تأثيرات غير متناسبة على الأشخاص ذوي الإعاقة ترتفع نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في أنحاء سوريا مقارنةً بأجزاء أخرى من العالم.[428] أظهرت الدراسات الاستقصائية التي أجراها برنامج الأمم المتحدة لتقييم الاحتياجات الإنسانية بين النازحين في إدلب أن لدى 69% من الأسر فرد من ذوي الإعاقة وأنه، إجمالا، لدى 36% من النازحين من سن 12 عاما فما فوق إعاقة ما مع تفاوت النسبة بشكل ملحوظ بين الإناث 42% والذكور 30%. تزداد الإعاقة بشكل حاد مع تقدم عمر الفرد، من 22% بين الذين تبلغ أعمارهم 12 عاما فما فوق إلى 70% أو أعلى بين الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما فما فوق. من بين 25 ألف شخص لديهم إصابات قيّمتها منظمة الإغاثة "هيومانيتي إنكلوجن" بين 2014 و2016، 67% منهم لديه إصابات مرتبطة مباشرة بالأزمة؛ 53% منهم نتيجة استخدام أسلحة متفجرة في مناطق مأهولة بالسكان؛ ومن بين هؤلاء، 89% لديهم إعاقة جسدية دائمة أو مؤقتة. [429] لأجل هذا التقرير، قابلت هيومن رايتس ووتش امرأة لديها إعاقة جسدية وشخصين لديهما أطفال ذوو إعاقات جسدية.[430] سلّط الجميع الضوء على الخطر المتزايد على الأشخاص ذوي الإعاقة عند تعرُّض مناطقهم الأصلية للهجوم. الأشخاص ذوو الإعاقة، وخاصة أولئك الذين لديهم إعاقات حركية وحسية، يلاقون صعوبة عند الهرب والبحث عن مأوى من هجوم قادم. غالبا ما يضطرون إلى الاعتماد على أقاربهم، عندما يستطيعون، لحملهم أو إرشادهم للهروب. ثراء الجفروني )18 عاما( من مواليد بلدة في ريف إدلب الشمالي. فقدت ساقها اليسرى في هجوم بالبراميل المتفجرة في يناير/كانون الثاني 2015.[431] قالت إنها، منذ 2016، عاشت عشرات الغارات الجوية والقصف منذ 2016، ولم يكن هناك تحذير: يصعّب هذا على الجميع الهروب، وخصوصا الأشخاص ذوي الإعاقة. غالبا ما كنت أرفض مغادرة المنزل ومحاولة الهرب. كان صعبا جدا عليّ الجري باستخدام العكازات، وسيتطلب ركوب سيارة مساعدة عدة أشخاص ما سيجعلهم هدفا سهلا لغارة جوية. أردت تجنب تعريض الآخرين لهذا الخطر. أشعر بأنني عبء على عائلتي لأن عليهم مساعدتي في الهروب، ما يعرضهم بدورهم للخطر. لكن عندما أقرر البقاء في المنزل، تقرر عائلتي البقاء معي بدورها. ما يرعبني لدى سماعي غارة جوية معرفة أنني قد أفقد شخصا أحبه.[432] قالت إن شقيقها (20 عاما) أصيب في غارة جوية مطلع 2017 ولا يمكنه الآن تحريك أصابع إحدى يديه. قالت: "اعتاد أن يكون الشخص الذي يساعدني جسديا وعاطفيا وماليا، لكنه الآن لديه إعاقة وبدون عمل". قالت امرأة أخرى إن لديها ابنا كفيفا عمره تسع سنوات، فقد بصره في هجوم بالأسلحة الكيميائية على الغوطة الشرقية في أغسطس/آب 2013.[433] قالت خلال إجراء مقابلة معها ومع ابنها في أنطاكيا، جنوبي تركيا، حيث عاشا منذ فرارهما من سوريا في 2017، إنها شعرت بالقلق إزاء الحاجة إلى مراقبة ابنها وحمايته باستمرار لأنه لا يستطيع أن يرى ما إذا كان هناك شيء سيئ على وشك الحدوث. في سبتمبر/أيلول 2017، أسست قبل مغادرتها سوريا رياض أطفال لذوي الإعاقة في مدينة إدلب. بينما كانت تسير مع ابنها ذات صباح، سقطت ذخيرة على بعد 50 متر من الحضانة، وقتلت طفلين ومعلمة. قالت: "بسبب هذا الهجوم، قررت للمجيء إلى تركيا". حتى مارس/آذار 2020، لم يكن ابنها يتلقى أي تعليم في تركيا. "أحمد" أب لستة أطفال، بينهم فتاة عمرها 11 عاما لديها إعاقة في النطق والسمع. قال أحمد إن ابنته فقدت سمعها إثر غارة جوية على قريتهم في ريف حماة الغربي: يصعب علينا إبقاؤها آمنة لأنها لا تسمع عندما تكون هناك غارات جوية. نراقبها أنا وزوجتي طوال الوقت، وإذا سمعنا هجوما، فعلينا الذهاب إليها بنفسنا وإمساكها لنخبئها. تأثرت حالتها النفسية. كلما وقع هجوم وبدأنا بالصراخ حتى يختبئ الأطفال، ترانا نشعر بالذعر وتبدأ في البكاء. أحيانا، حتى عندما لا يكون هناك هجوم ولكن يحدث شيء ما مقلق في المنزل، تبدأ في البكاء.[434] قال الأشخاص الثلاثة إنهم لم يتلقوا أي رعاية صحية متخصصة أو خدمات أخرى، بما في ذلك الأجهزة المساعدة. قالت جفروني، التي تستخدم عكازين، إنها حاولت من خلال عدة منظمات الحصول على ساق صناعية دون جدوى.[435] قالت والدة الطفل ذي التسع سنوات إن ابنها بحاجة إلى عملية زرع قرنية لا تستطيع تحمل تكلفتها.[436] قال أحمد إن عائلته انتقلت خمس مرات في السنوات التسع الماضية، ما جعل من الصعب ضمان خضوع ابنته لإشراف ومتابعة لحالتها.[437] قال إنهم يعيشون الآن في مخيم للعائلات النازحة، وبالكاد يستطيع تحمل تكاليف الرحلات الشهرية لأخذها إلى الطبيب. قال إن الحياة في المخيم أضافت مصاعب، بما فيها استخدام ابنته المراحيض المشتركة. قال أحمد أيضا إنه لا يوجد برنامج تعليمي في المنطقة للأطفال ذوي الإعاقة باستثناء جلسة أسبوعية مع منظمة غير حكومية. |
مقابلة مع ثراء الجفروني، امرأة من إدلب فقدت ساقها اليسرى في هجوم بالبراميل المتفجرة في يناير/كانون الثاني 2015.
المسؤولية عن الانتهاكات
يوثق هذا التقرير 46 هجوما جويا وبريا للتحالف العسكري السوري-الروسي بين مارس/آذار 2019 ومارس/آذار 2020، استهدفت أعيانا وبنى تحتية مدنية في إدلب وقتلت قرابة 224 مدنيا. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى شهود وحللت صورا من الأقمار الصناعية، وصور فوتوغرافية، ومقاطع فيديو لمواقع الهجمات، ولم تجد أي دليل على وجود أهداف عسكرية في المناطق المحيطة. يحظر القانون الإنساني الدولي الهجمات المتعمدة أو العشوائية على المدنيين والأعيان المدنية. شكّلت هجمات التحالف العسكري السوري-الروسي التي وثقتها هيومن رايتس ووتش ما يبدو أنها انتهاكات لقوانين الحرب.
يفنّد التدقيق حجج الحكومتين السورية والروسية القائلة إنها استهدفتا أهدافا عسكرية فقط. زعمت الحكومة السورية أن مجموعات المعارضة المسلحة استخدمت المستشفيات ومنشآت الرعاية الصحية.[438] لكن خلصت تحقيقاتنا في 18 هجوما ضد مستشفيات ومنشآت رعاية صحية إلى عدم وجود جماعات مسلحة. يجب ألا تفقد المرافق الصحية -في أي حال- وضعها المحمي إذا قدمت العلاج إلى المقاتلين الجرحى. لكي تفقد وضعها المحمي من الهجمات المباشرة، يجب أن تستخدم لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، مع إصدار إنذار فعلي بمدة معقولة.[439]
يتحمّل الأفراد مسؤولية جرائم الحرب إذا ارتكبوا انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي - عمدا أو بتهور.[440] كما قد يكونون مسؤولين جزائيا عن محاولة ارتكاب جرائم حرب، أو المساعدة فيها، أو تسهيلها، أو الإعانة عليها.[441] يمكن أن يكون القادة مسؤولين جزائيا عن التخطيط لارتكاب جرائم حرب أو التحريض عليها.[442]
كما أن القادة والمسؤولين المدنيين مسؤولون جزائيا عن الانتهاكات التي ارتكبتها الوحدات الخاضعة لقيادتهم بموجب مبدأ مسؤولية القيادة إذا عرفوا، أو كان ينبغي أن يعرفوا، ارتكاب مرؤوسيهم جرائم ولم يتخذوا التدابير المعقولة لمنع ارتكابها أو لمعاقبة المسؤولين عنها.[443]
ترى هيومن رايتس ووتش أن طبيعة الغارات الجوية والهجمات البرية على المدنيين التي ارتكبها التحالف السوري-الروسي خلال هجومه إدلب بين 2019 و2020 قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
بموجب القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الجرائم ضد الإنسانية هي أفعال معيّنة، منها القتل العمد؛ والإبادة؛ والنقل القسري للسكان؛ وغيرها من الأعمال اللاإنسانية، المرتكبة كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين.[444]
يُعرِّف نظام روما الأساسي "الهجوم الموجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين" على أنه "نهج سلوكي يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال [مثل القتل أو غيره من الجرائم المحتملة ضد الإنسانية] ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم".[445] يجب أن يكون الأفراد على معرفة بالجريمة ليُدانوا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.[446] بعبارة أخرى، يجب أن يكون الجناة على معرفة بأن ما يقومون به يشكل جزءا من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد المدنيين.[447] بينما لا يلزم تحديد الجناة بسياسة أو خطة أساسية للجرائم ضد الإنسانية، يجب أن يكونوا على الأقل قد خاطروا عن معرفة بالمشاركة في السياسة أو الخطة.[448] لا يمكن للأفراد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية التنصّل منها بادعائهم الامتثال لأوامر عليا.[449] في الوقت نفسه، يمكن أيضا تحميل القادة أو المسؤولين العسكريين جزائيا مسؤولية عدم منع الجرائم ضد الإنسانية التي نفذها مرؤوسوهم، أو عدم تقديمهم القضية للمحاكمة لدى معرفتهم أو وجوب معرفتهم بالجرائم.[450]
تشير الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش أيضا إلى مسؤولية القوات المسلحة السورية والروسية عن عدة انتهاكات بموجب نظام روما الأساسي. يعرّف نظام روما الأساسي "الإبادة" على أنها "تعمّد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان".[451] لا تشمل جريمة الإبادة فعل القتل واسع النطاق فحسب، بل أيضا "إخضاع عدد كبير من الناس أو إخضاع عدد منهم بشكل منهجي لظروف معيشية تؤدي حتما إلى إهلاكهم".[452]
يُعرّف "النقل القسري للسكان" بأنه "نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي".[453] في قضية غوتوفينا أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وجدت المحكمة حدوث جريمة النقل القسري عندما قصفت القوات الكرواتية المدنيين والأعيان المدنية بالمدفعية بشكل غير قانوني في عدة بلدات، ما تسبب في رحيل جماعي للسكان. بينما غادر البعض جزئيا لسوء الظروف المعيشية، ورحيل الآخرين، والاقتراب الوشيك للقوات الكرواتية، كان السبب الرئيسي والمباشر لفرار الغالبية العظمى من السكان الهجمات غير القانونية التي "أثارت الهلع".[454]
تشمل الأفعال اللاإنسانية الأخرى الأفعال "ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية".[455]
أخيرا، أدت الهجمات الموثقة أيضا إلى إعاقة شديدة للتمتع بالحق في الصحة، والتعليم، ومستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحصول على غذاء ومسكن.
تواجد مسؤولون حكوميون وعسكريون سوريون وروس كبار خلال 23 اجتماعا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بين مارس/آذار 2019 ومارس/آذار 2020 عندما قدم ممثلو الدول الأعضاء ومسؤولو الأمم المتحدة وخبراء متعددون أدلة أو أثاروا مخاوف بشأن هجمات التحالف السوري-الروسي على المدنيين، والأعيان والبنية التحتية المدنية في إدلب.
على حد علم هيومين رايتس ووتش، لم يبذل المسؤولون السوريون ولا الروس أي جهود جادة للتحقيق في الهجمات غير القانونية أو وقفها رغم اطلاعهم على الانتهاكات.[456] بل على العكس، استمرت الهجمات، وزادت وتيرتها في حالات، قبيل الاتفاق على وقف إطلاق النار في مارس/آذار 2020. ذكرت تقارير أن الرئيس فلاديمير بوتين منح القائد الروسي الذي كان رئيس العمليات في سوريا من أبريل/نيسان 2019 إلى سبتمبر/أيلول 2019 على الأقل، لقب "بطل روسيا"، أعلى لقب فخري في البلاد، في فبراير/شباط 2020.[457] مُنح جنرال آخر ساعد في الإشراف على العمليات في سوريا منذ أواخر 2015 اللقب نفسه أيضا في فبراير/شباط 2020. في أواخر يوليو/تموز 2020، منح اللقب نفسه للقائد الروسي التالي الذي ترأس العمليات في سوريا على الأقل منذ سبتمبر/أيلول 2019 حتى سبتمبر/أيلول 2020.[458]
لتحديد مختلف القادة السوريين والروس والمسؤولين الآخرين الذين قد يتحملون المسؤولية عن الهجمات غير القانونية الموثقة في هذا التقرير، ولإثبات طبيعة المشاركة الروسية في العمليات العسكرية أثناء هجوم إدلب ومداها، راجعت هيومن رايتس ووتش البيانات العلنية الصادرة عن الحكومة والمسؤولين العسكريين الروس؛ والتقارير العلنية من مكتب الرئيس الروسي ووزارتَي الخارجية والدفاع الروسيتين؛ وتقارير وسائل الإعلام الروسية. كما قابلت هيومن رايتس ووتش عددا من الخبراء في شؤون الجيشين الروسي والسوري.
البنية العسكرية السورية أثناء الهجوم على إدلب
يخوض الجيش السوري نزاعا يستمر من عقد تقريبا، الذي تسبب في انشقاق عشرات الآلاف على الأقل وسقوط عدد لا يحصى من القتلى في المعارك.[459] في السنوات الأخيرة، اعتمد بشدّة على الدعم من روسيا وحلفاء آخرين لمواصلة هجماته العسكرية والإمساك بالأراضي التي يسيطر عليها.
الرئيس السوري بشار الأسد هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. يتألف الجيش السوري من خمسة فيالق رئيسية وعدة هياكل قيادة شبه مستقلة تخضع جميعها لرئيس الأركان، وهو المنصب الذي يشغله وزير الدفاع العماد علي عبد الله أيوب منذ 2018.[460] تشمل هياكل القيادة شبه المستقلة الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة المنهارة الآن، والفرقة الرابعة المدرعة. الفيالق مرقمة من الأول إلى الخامس،[461] ويتكون كل واحد منها من وحدات قتالية برية مختلفة، بما في ذلك القوات الآلية والمدرعات والمشاة والقوات الخاصة. عادة ما يقود كل فيلق لواء،[462] ويقود كل فرقة في الفيلق لواء أيضا.[463]
أُنشئ الفيلقان الرابع والخامس بمبادرات روسية ولم يكونا موجودين قبل سبتمبر/أيلول 2015. يعمل الفيلق الرابع تحت قيادة سورية-روسية مشتركة، في حين تبع الفيلق الخامس علنا قيادة روسية فور إنشائه.[464] استمر تواجد القوات الروسية في الفيلقين الرابع والخامس خلال هجوم إدلب.[465]
نفذ الجيش السوري العملية البرية الرئيسية في شمال غرب سوريا خلال هجومه على إدلب عامي 2019 و2020 بما في ذلك الفيلقين الرابع والخامس ووحدة القوات الخاصة 25 (المعروفة أيضا باسم "قوات النمر")، و"لواء القدس" (وهي ميليشيا مكونة من فلسطينيين)، وما يسمى بـ"قوات الدفاع الوطني" المحلية.[466] سبق أن تلقت وحدات عديدة تدريبات ومعدات روسية كثيرة وكانت تتلقى الدعم الروسي خلال هجوم إدلب.[467]
عملت وحدات القوات المسلحة السورية غالبا بدرجات تنسيق متفاوتة مع الميليشيات الموالية للحكومة، بما فيها شركات الأمن الخاصة والجماعات المدعومة من الخارج، وبعضها دُمج كُليّا أو بشكل كبير في القيادة العسكرية السورية ويتبع لها.[468]
ضلوع روسيا في العمليات العسكرية السورية
عندما اندلعت الانتفاضة في سوريا في 2011، قدمت روسيا دعما محدودا للحكومة تمثّل في المعدات العسكرية والاستشارات الفنية والتدريب. تغير هذا كُليّا في 2015، عندما استثمرت روسيا بكثافة في مبادرات عديدة لإعادة بناء وتجهيز وتدريب ودعم وتقديم المشورة للقوات المسلحة السورية، بما فيها عبر نشر الطائرات العسكرية الروسية والأفراد في سوريا.[469]
جاء الانتشار الروسي في 2015، بعد طلب رسمي من الحكومة السورية، في ظاهره لمساعدة الحكومة السورية في مكافحة "الإرهاب الدولي"، لكن قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاحقا إن التدخل هدف أيضا إلى تثبيت "السلطة الشرعية في سوريا".[470]
منح الاتفاق الموقَّع في أغسطس/آب 2015 بين روسيا وسوريا حق وصول روسيا إلى قاعدة حميميم الجوية واستخدامها، وهي تقع بعد 20 كيلومتر جنوب شرق اللاذقية و85 كيلومتر غرب مدينة إدلب.[471] في أوائل سبتمبر/أيلول 2015، بدأت الحكومة الروسية في تسليم مجموعة من الطائرات الهجومية النفاثة والمروحية إلى القاعدة، بالإضافة إلى أفراد الدعم.[472] في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول 2015، بدأت روسيا شن غارات جوية على عدة محافظات في سوريا خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.[473]
منذ مارس/آذار 2016، أعلنت الحكومة الروسية مرارا عن خطط لسحب القوات، ما أدى غالبا إلى انسحاب جزئي وإعادة انتشار لاحقة للقوات والمعدات.[474]
تضمن التدخل العسكري الروسي نشر عشرات الطائرات الهجومية، وطائرات النقل، وطائرات الاستطلاع بدون طيار، والعسكريين، بمن فيهم المستشارون العسكريون، والمراقبون الجويون المتقدمون، للمساعدة في تنسيق وتوجيه الغارات الجوية على الخطوط الأمامية، والقوات الخاصة والشرطة العسكرية.[475] كما شاركت البحرية الروسية في النزاع، حيث أطلقت صواريخ بحر-أرض، ونشرت حاملة طائرات وفرت منصة إطلاق لمئات طلعات طائرات الهجوم والمراقبة.[476]
كما تعمل في سوريا شركات عسكرية خاصة مقرها روسيا، بما فيها شركة فاغنر، التي يُشار إليها أحيانا باسم "بي إم سي فاغنر".[477] اعترف الرئيس بوتين بتواجدها في سوريا، لكنه قال إنها "تعمل في التنقيب عن النفط" و"لا علاقة لها بالحكومة أو الجيش الروسيين".[478]
دعمت القوات الروسية القوات المسلحة السورية بشتى الطرق، بما في ذلك شن غارات جوية وتقديم دعم جوي وثيق للوحدات السورية خلال العمليات البرية. كما تواجدت القوات الروسية إلى جنب الوحدات السورية على الخطوط الأمامية، وكانت تقدم التدريب والمشورة بشأن التكتيكات وتخطيط العمليات. كما وردت أنباء عن مشاركة وحدات روسية، منها القوات الخاصة، بشكل مباشر في مهام تستهدف الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة في مختلف أنحاء سوريا.[479] وكما ذُكر، فقد تولى ضابط روسي قيادة الفيلق الخامس، إحدى وحدات الجيش السوري.[480]
ذكر تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2018 نقلا عن أرقام وزارة الدفاع الروسية مشاركة حوالي 63 ألف روسي في سوريا، بينهم 434 جنرال.[481] شمل ذلك قادة من كل جانب ومنصب مهم في الجيش الروسي.[482] لم يتم الإقرار علنا بالعدد الدقيق للضحايا الذين تكبدتهم هذه القوات.[483] في أوائل 2019، ذكر مسؤولون روس في وزارة الدفاع مقتل أكثر من 100 فرد في سوريا منذ سبتمبر/أيلول 2015.[484] من بينهم قادة كبار برتب عالية تصل إلى جنرال.[485] خلال هجوم إدلب، اعترفت الحكومة الروسية علنا في عدة مناسبات بمقتل عناصر من قواتها المسلحة في سوريا، بما يشمل منطقة إدلب مؤخرا في يناير/كانون الثاني 2020، عندما أصدرت الخارجية الروسية بيانا قالت فيه إن "خبراء عسكريون روس وأتراك" قُتلوا في منطقة خفض التصعيد في إدلب خلال فترة تزايد هجمات "الإرهابيين".[486]
كانت إحدى السمات البارزة للتدخل الروسي استخدام القوات الجوية. منذ بداية التدخل عام 2015، نفذت الطائرات الروسية عشرات آلاف الطلعات أو المهمات والغارات.[487] نفذت هذه الغارات مجموعة من الطائرات، بما فيها طائرات نفاثة ومروحية وقاذفات بعيدة المدى تطير أحيانا من روسيا لمهاجمة أهداف في سوريا.[488] نُفّذت بعض المهمات بدعم من طائرات استطلاع بدون طيار.[489] كانت الأسلحة التي أطلقتها هذه الطائرات في الغالب ذخائر غير موجهة، مع نسبة صغيرة للذخائر الموجهة.[490] يعتقد بعض المحللين أن محدودية استخدام الذخائر الموجهة يعود لندرة توفرها، وقدرات الطائرات المنشورة، والتكاليف.[491]
خلال هجوم إدلب، أقر الجيش الروسي علنا بأنه استجاب لطلبات سورية للدعم الجوي وهاجم أهدافا، بما في ذلك حتى 20 فبراير/شباط 2020، عندما قُدّم طلب جديد بعد تعرض وحدة من الجيش السوري لهجوم في إدلب على يد جماعات مسلحة مناهضة للحكومة بدعم من المدفعية التركية.[492]
في 7 يناير/ كانون الثاني 2020، قال بوتين خلال زيارة لدمشق في كلمة بمركز القيادة الروسية شكر فيها القوات المسلحة الروسية في سوريا:
حصل الكثير العام المنصرم. يخدم عناصر الشرطة العسكرية بنجاح في مرتفعات الجولان، وتدمر، وحلب، ومناطق مهمة أخرى في سوريا. يقود سلاح الجو الروسي مهام استخبارية ويوفر دعما جويا لعمليات الجيش السوري.
تسمح هذه الإجراءات المشتركة بإزالة أخطر زعماء العصابات. وتنجز قوات العمليات الخاصة بنجاح هذه المهام.[493]
هياكل القيادة الروسية
وفقا لدراسة علنية لعام 2018 أجراها مركز أبحاث فرنسي، فإن لهيكل القيادة والسيطرة الروسية، من حيث علاقته بسوريا، ثلاثة مستويات أساسية: "مجموعة إدارة المعارك"، و"موقع قيادة تجميع القوات"، و"مجموعات المستشارين العملياتية".[494]
مجموعة إدارة القتال هي جزء من "مركز إدارة الدفاع الوطني"، وتتبع وزير الدفاع والرئيس مباشرة.[495] تحلل هذه المجموعة وتقيّم الوضع القتالي والقرارات التي يتخذها المستوى الأدنى، ثم تخطط لأنشطة أخرى على المستوى العملياتي.[496]
قال رئيس الأركان العامة للجيش الروسي الجنرال فاليري جيراسيموف، في مقابلة نهاية عام 2017، إن وزير الدفاع شويغو والرئيس بوتين كانا على اطّلاع يومي بـ"سير العمليات العسكرية وحالة المهام" في سوريا.[497]
ذُكر أن وزير الدفاع التقى أيضا الرئيس مرة أو مرتين في الأسبوع، وقدّم شخصيا "المستندات، والخرائط، ومواد الفيديو الضرورية". قال الجنرال جيراسيموف أيضا في عام 2017 إن الرئيس "يحدد الأهداف والمهام، وعلى دراية بكل ديناميات العمليات العسكرية، وأيضا كل اتجاه تسلكه. وبالطبع فهو يحدد المهام للمستقبل".[498] شوهدت بعض العمليات التي نفذتها القوات الروسية وقت تنفيذها الفعلي في موسكو، وكذلك من قبل كبار القادة الروس في سوريا.[499]
كما تراقب مجموعة إدارة القتال التطورات وتبقى على اتصال مع الدبلوماسيين والمبعوثين إلى مختلف الدول، والآليات، والمنظمات المعنية بالنزاع السوري.[500]
يقدم موقع القيادة لتجمع القوات التنسيق القتالي بين القوات الروسية والسورية، وكذلك الميليشيات الحليفة المحلية والأجنبية.[501] قال الجنرال جيراسيموف، في مقابلة عام 2017، إن الموقع مكوّن من طاقم قيادة يتألف من كبار المسؤولين من جميع جوانب العمليات العسكرية، بما في ذلك الإدارة العملياتية، والاستخبارات، والاتصالات، وقوات الصواريخ، والمدفعية، والمهندسين.[502]
زار بوتين مركز القيادة في دمشق في يناير/كانون الثاني 2020 أثناء الهجوم على محيط إدلب برفقة وزير الدفاع شويغو وتلقى إحاطة من قائد القوات الروسية في سوريا آنذاك، العماد ألكسندر يوريفيتش تشايكو.[503] نُشرت لمحة عامة عن الزيارة وصورة تظهر بوتين، والأسد، وشويغو أثناء إحاطة تشايكو في دمشق على الموقع الإلكتروني لرئيس روسيا في يناير/كانون الثاني 2020.
تنتشر مجموعات المستشارين العملياتية مباشرة مع الجيش السوري والميليشيات الموالية للحكومة.[504] يعمل هؤلاء المستشارون العسكريون كعنصر أساسي في التنسيق العملياتي والتكتيكي بين الجيشين الروسي والسوري. بحسب وسائل إعلام روسية، نقلا عن مصادر في وزارة الدفاع، تتيح عمليات الانتشار في سوريا للعسكريين الروس، كمستشارين عسكريين وفي مواقع قيادية أخرى، اكتساب خبرة قتالية وتكون بمثابة "انطلاقة" للترقية.[505] قال الجنرال جيراسيموف في عام 2017 إن هؤلاء المستشارين خدموا في كل وحدات الجيش السوري، على مختلف المستويات، بما في ذلك "الكتيبة واللواء والفوج والفرقة"، وشاركوا بشكل مباشر في التخطيط للعمليات والمساعدة في إدارة العمليات القتالية.[506]
تُظهر دراسة أُجريت عام 2019 لإعادة هيكلة الجيش السوري الدعمَ الروسي الكبير في كل تشكيل عسكري كبير.[507] أنشأ الروس التشكيلين الأكبر، الفيلقين الرابع والخامس، وقادوهما أحيانا بشكل مشترك. حظي الفيلق الخامس بالدعم الأكبر واعترفت الحكومة الروسية بقيادته من قبل جنرال روسي قُتل خلال توليه المنصب.[508] شارك كلا الفيلقين في هجوم إدلب 2019 بحسب تقارير.[509]
أكد الجنرال جيراسيموف في عام 2017 أن كل التخطيط الذي قام به المستشارون الروس مع الوحدات السورية كان مرتبطا بخطة واحدة وُضعت وأُديرت من القاعدة الروسية في حميميم،[510] ووصفها أحد خبراء الجيش الروسي العسكريين بـ"الغِراء" الذي يربط العمليات معا.[511]
تعدّى دور المستشارين العسكريين التخطيط والمشورة ليصل إلى تواجد القوات الخاصة الروسية كجزء من الوجود البري الروسي في سوريا، إلى جانب الوحدات الروسية الأخرى المتضمنة مشاة بحرية ودبابات ومدفعية، وعملها كمستشارين.[512]
أفادت تقارير عن مشاركة وحدات القوات الخاصة مباشرة في عمليات مشتركة مع المقاتلين السوريين، بالإضافة إلى عمليات مستقلة أو شبه مستقلة.[513]
إلى جانب القتال والدعم، أنشأ الجيش الروسي عام 2016 مركز التوفيق بين الأطراف المتعارضة في سوريا.[514] أفادت تقارير أن المركز يتخّذ من حميميم مقرا له ويضم أكثر من 60 فردا بإدارة ضابط عسكري روسي كبير.[515] شارك المركز في اتفاقيات وقف إطلاق النار وما يسمى باتفاقات المصالحة، والتي تعيد المجتمعات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية أو ترافقها خارج المناطق التي استعادتها الحكومة إلى مناطق لا تزال خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.[516] كان تنسيق هذا الدعم كبيرا وشمل أعلى المستويات في الجيش الروسي، ووزارة الدفاع الروسية، والرئيس الروسي.[517]
المصادر المذكورة أعلاه تظهر التدريب الروسي لوحدات الجيش السوري، والوجود الروتيني لما يسمى بـ"المستشارين العسكريين" الروس في الوحدات السورية بما فيها في مواقع القيادة، ودعم روسيا للهجوم في محيط إدلب من خلال نشر القوات الجوية، ومشاركة روسيا في التخطيط للعمليات، والإحاطات المشتركة للقيادة العليا، بما في ذلك الرئيسين. عندما تُجمع المصادر المذكورة أعلاه، فإنها تشير إلى مستوى تخطيط وتنسيق عالٍ بين الجيشين السوري والروسي، بمشاركة كبار المسؤولين من كلا البلدين، خلال هجوم إدلب. بالنظر إلى هذا التنسيق الوثيق، من الصعب فصل المسؤولية عن الهجمات الفردية. وبالتالي يمكن أن يتحمل المسؤولون من كلا البلدين المسؤولية المباشرة أو مسؤولية القيادة عن الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير.
المسؤولية الفردية للقادة الروس والسوريين
قد يتحمل الأفراد المدرجة أسماؤهم أدناه المسؤولية المباشرة أو القيادية عما يبدو أنها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الموثقة في هذا التقرير.
الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل منهما هو القائد الأعلى لقواته المسلحة.[518] كانا يُبلَّغان بانتظام بتفاصيل العمليات، وكان ينبغي أن يعرفا بارتكاب قواتهما انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب. يبدو أنهما لم يتخذا تدابير لإنهائها أو إجراءات ضد العسكريين المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد إنسانية. لذا، قد يتحملان مسؤولية القيادة عن الهجمات غير القانونية الموثقة في هذا التقرير.
وزير الدفاع السوري العماد علي عبد الله أيوب هو الرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة السورية.[519] يقود سلاح الجو السوري اللواء أحمد بلول.[520]
الرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة الروسية هو وزير الدفاع سيرغي شويغو.[521] يلي شويغو مباشرة في التسلسل القيادي فاليري جيراسيموف، النائب الأول لوزير الدفاع ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة،[522] والذي يليه مباشرة سيرغي رودسكوي، النائب الأول لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة ورئيس مديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.[523] شغل كل من شويغو، وجيراسيموف، ورودسكوي هذه المناصب طوال هجوم إدلب.
كما عينت وزارة الدفاع الروسية قادة القوات الروسية في سوريا.[524] بحسب المعلومات المتاحة للجمهور، كان هناك ثلاثة قادة للقوات الروسية في سوريا أثناء الهجوم على إدلب من مارس/آذار 2019 حتى مارس/آذار 2020:
· العقيد الجنرال سيرغي فلاديميروفيتش سوروفيكين، من مارس/آذار 2019 على الأقل حتى 10 أبريل/نيسان 2019؛[525]
· العقيد الجنرال أندريه نيكولافيتش سيرديوكوف، من 10 أبريل/نيسان 2019 حتى سبتمبر/أيلول 2019؛[526]
· العقيد جنرال ألكسندر يوريفيتش تشايكو من سبتمبر/أيلول 2019 حتى أغسطس/آب 2020 على الأقل.[527]
في 7 يناير/كانون الثاني 2020، تواجد بوتين وشويغو ورودوسكي وتشايكو جميعا في مركز القيادة الروسية في دمشق مع الأسد وأيوب.[528]
استراتيجية روسيا وتكتيكاتها في سوريا يبدو أن الجيش الروسي تبنى عدة استراتيجيات رئيسية ذات أهداف مختلفة أثناء عملياته في سوريا، وفقا لتحليل هيومن رايتس ووتش للهجمات الموثقة في هذا التقرير والبحوث حول تورط روسيا في عمليات عسكرية أخرى، مثل الشيشان، بما في ذلك من قبل محللين وعلماء مستقلين. أولا، يبدو أن الإضرار بالبنية التحتية المدنية، أو تدميرها، أو إخراجها من الخدمة كان جزءا من استراتيجية أوسع "للعقاب".[529] بموجب هذه النظرية، يرفع الاستهداف المتصاعد والدوري للمدنيين والبنية التحتية المدنية، كما يوثّق هذا التقرير، تكلفة المقاومة المجتمعية ويهدف إلى إجبار السكان على التخلي عن دعمهم للجماعات المناهضة للحكومة.[530] يبدو أن هذه الاستراتيجية مرتبطة بالهدف الأوسع المتمثل في إحداث نزوح جماعي، كما هو موضح أعلاه. يشبه الاستخدام المزعوم لاستراتيجية "العقاب" هذه في سوريا بعض جوانب العمليات الروسية خلال حرب الشيشان الثانية، التي بدأت في 1999 واستمرت حتى ربيع 2009 كحملة لمكافحة التمرد، والتي تعرضت فيها المدن والبلدات، بما في ذلك عاصمة الإقليم، غروزني، مرارا إلى هجمات عشوائية جوية ومدفعية.[531] وثّقت هيومن رايتس ووتش وآخرون عشرات الانتهاكات لقوانين الحرب، بخلاف القصف الجوي والمدفعي العشوائي، بعضها يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، ويبدو أن بعضها كان محاولات متعمدة لـ "معاقبة" السكان المدنيين.[532] كما يمكن أن تكون الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية مدفوعة بالرغبة في الانتقام من الخصم.[533] الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين ترقى أيضا إلى جرائم ضد الإنسانية.[534] ثانيا، استخدم الجيش الروسي في سوريا بانتظام أسلحة ذات شعاع تدميري كبير – وصفه محللان بأنه "إفراط في القتل". يبدو أن استخدام ذخائر كثيرة يهدف إلى تحقيق "تأثير المنطقة"، ما يزيد احتمال أن تتجاوز آثار الذخيرة الهدف المقصود، لا سيما في المناطق المأهولة.[535] قد يعود هذا جزئيا إلى الصعوبات التقنية التي تواجهها روسيا في إطلاق الذخائر الموجهة وغير الموجهة بدقة، والتي تحسنت بحسب كل الشهادات منذ بدء التدخل الروسي في سوريا.[536] كما أدى استخدام هذه الأسلحة إلى تعظيم الأثر المدمر على السكان المدنيين والبنية التحتية المدنية، ما يعزز استراتيجية "العقاب" الموضحة أعلاه. ثالثا، اعترف الكرملين مرارا وعلنيا باستخدام روسيا المسرح السوري كحقل اختبار للأسلحة وأنظمة الاستطلاع والإجراءات التشغيلية. سمح الانتشار الروسي في سوريا لروسيا باختبار وتحسين قدراتها على دمج أصول الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، مثل الطائرات بدون طيار، لتعزيز قدرتها على إبلاغ القيادة، والتحكم في العمليات، واستخدام المعلومات المتاحة لتقصير الوقت المستغرق للتعرف على الهدف ومهاجمته.[537] غالبا ما أشار الجيش الروسي إلى هذا على أنه مجمع الاستطلاع-الضربات.[538] سمح التدخل في سوريا أيضا لروسيا بتحسين استخدام "نظام الملاحة العالمي عبر الأقمار الصناعية" (GLONASS)، وهو كوكبة من الأقمار الصناعية روسية الصنع تُستخدم لتحديد موقع شيء ما على سطح الأرض بشكل يماثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي أطلقته الولايات المتحدة.[539] سمح الاختبار المستمر لروسيا لهذه الأنظمة واستخدامها ودمجها بتحسين قدرتها على استخدام الذخائر الموجهة وغير الموجهة بدقة وكفاءة، وتخفيف بعض نقاط الضعف في قدرة روسيا على استهداف الأهداف الصغيرة المناوِرة.[540] |
إحاطات للمسؤولين الروس والسوريين عن الجرائم المرتكبة
طوال هجوم 2019-2020 في محيط إدلب، تمت إحاطة الحكومتين السورية والروسية مرارا بتزايد الخسائر في صفوف المدنيين نتيجة القصف المتكرر على المستشفيات، والمدارس، ومخيمات النازحين، والأسواق. يشمل ذلك إحاطات فيما لا يقل عن 21 اجتماعا لمجلس الأمن وعروضا لثلاثة تقارير إلى مجلس حقوق الإنسان من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا. كانت هذه الإحاطات مهمة في إثبات معرفة الأطراف بانتهاكات قوانين الحرب أو وجوب معرفتهم بها، وما إذا كانت قد اتُخذت خطوات لمعالجتها، وهي عناصر أساسية لمسؤولية القيادة.
خلال اجتماعات مجلس الأمن الـ 21 من مارس/آذار 2019 إلى مارس/آذار 2020، عبّر أعضاء في المجلس بشكل مباشر عن مخاوفهم بشأن انتهاكات سوريا وحلفائها للقانون الدولي، وكثيرا ما أشاروا تحديدا إلى روسيا وضرباتها الجوية. كعضو دائم في المجلس، كان الممثل عن الحكومة الروسية حاضرا في كل اجتماع، وكانت روسيا رئيسة المجلس خلال سبتمبر/أيلول 2019. حضر ممثلو الحكومة السورية جميع الاجتماعات تقريبا.
كما قدمت لجنة التحقيق مزاعم مفصلة عن هجمات غير قانونية محددة إلى الحكومتين الروسية والسورية خلال ثلاث جلسات لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول 2019، ومارس/آذار 2020، ويوليو/تموز 2020.[541] كما أصدرت تقريرا إضافيا قُدّم للجمهور خلال مؤتمر صحفي في يناير/ كانون الثاني 2020.[542]
في كل واحدة من جلسات مجلس حقوق الإنسان الثلاث، حضرت الحكومتان السورية والروسية وأدلتا ببيانات.[543]
تُظهر الإحاطات المتكررة من قبل مسؤولي الأمم المتحدة وممثلي المنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين حول الوضع العام في منطقة إدلب وحوادث وانتهاكات محددة للقانون الدولي إلى أي مدى كان التحالف السوري-الروسي – وحكومتهما – على علم بعواقب هجومه والانتهاكات التي استمر في ارتكابها طوال مساره.
من الأهمية بمكان أن تفعل الأمم المتحدة والحكومات المعنية أكثر من مجرد التصريح وتتصرف لضمان محاسبة كبار القادة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة - بما فيها من خلال العقوبات المحدَّدة الهدف وإعداد قضايا قانونية من خلال مبدأ الولاية القضائية العالمية حيثما أمكن. سيؤدي القيام بذلك إلى توجيه رسالة قوية مفادها أن هناك عواقب حقيقية لمثل هذه الفظائع، ويساعد في ردع الانتهاكات في العمليات العسكرية المستقبلية التي قد تؤدي إلى دفن المزيد من المدنيين تحت الأنقاض.
الالتزامات القانونية الدولية
الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير ينطبق عليها القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو سارٍ في جميع الأوقات.
القانون الإنساني الدولي
القانون الإنساني الدولي ينطبق على النزاع المسلح في سوريا. النزاع بين سوريا وحلفائها، بما في ذلك روسيا، والجماعات المسلحة من غير الدول، يُعتبر نزاعا مسلحا غير دولي.[544]
تركيا لها آلاف العناصر داخل الشمال السوري، ووقعت اشتباكات متكررة بينها وبين سوريا. ولأن هذا النزاع بين دولتين، فهو نزاع مسلح دولي. القانون المنطبق على القتال الدائر في النزاعات المسلحة غير الدولية في سوريا يشمل المادة 3 المشتركة في "اتفاقيات جنيف" لسنة 1949 ("المادة 3 المشتركة")، والقانون الإنساني الدولي العرفي. أما القانون المنطبق على القتال الدائر في النزاعات المسلحة الدولية في سوريا، فيشمل اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والقانون الإنساني الدولي العرفي.[545]
سوريا، وروسيا، وتركيا ليسوا أطرافا في "البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف" (البروتوكول الثاني)، المنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية.[546] أما "البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف" (البروتوكول الأول) فينطبق فقط على النزاعات الدولية المسلحة، غير أنّ أغلب بنوده المتعلقة بأساليب ووسائل الحرب تصير منطبقة من منظور القانون الدولي العرفي.[547]
تحظر قوانين الحرب الهجمات المتعمدة والعشوائية وغير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية. جميع أطراف النزاع ملزمة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الأضرار المدنية، سواء في الهجوم أو الدفاع. رغم أنه لا يوجد حظر صريح لاستخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان، إلا أنّ الكثير من هذه الهجمات تنتهك قوانين الحرب لأنها تستخدم أسلحة عشوائية على الدوام، أو أنّ الهجوم في حدّ ذاته عشوائي، أو أنّ الأسلحة المستخدمة في تلك الظروف من المرجح أن تحدث أضرارا مدنية تتجاوز الميزة العسكرية المرجوّة. تعارض هيومن رايتس ووتش استخدام الأسلحة المتفجرة التي تخلف آثارا واسعة في المناطق السكنية بسبب الضرر المتوقع الذي سيلحق بالمدنيين.
يفحص هذا التقرير هجمات شنها التحالف السوري-الروسي على مدنيين وأعيان مدنية، وتحديدا على بُنى تحتية، يمكن تعريفها على أنها بُنى ومنشآت أساسية، مثل المستشفيات والمدارس والجسور، يحتاج إليها المجتمع للعمل بشكل صحيح. من المبادئ الأساسية في قوانين الحرب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية. لا يجوز شنّ هجمات على غير المقاتلين وغير الأهداف العسكرية.[548]
يتمتع المدنيون بحصانة من الهجمات، إلا في الأوقات التي يكونون فيها مشاركين في أعمال عدائية بشكل مباشر. المشاركة المباشرة في أعمال عدائية تشمل، على سبيل المثال، أن ينقل شخص مدني الذخيرة إلى مقاتل أثناء القتال. غير أن المدنيين العاملين في مصنع الذخيرة لا يُعتبرون مشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، رغم أن المصنع نفسه قد يكون مستهدفا باعتباره هدفا عسكريا.[549]
تشمل الأعيان المدنية المنازل، والمدارس، والمستشفيات، والأسواق، والمصانع، والمزارع، والمستودعات، والشركات، ما لم تكن أهدافا عسكرية. الأهداف العسكرية تشمل أي شيء يوفر لقوات العدو، بحكم طبيعته أو موقعه أو الهدف منه أو استخدامه، ميزة عسكرية محددة في الظروف السائدة في وقت معيّن.[550]
المقاتلون، والأسلحة، والذخيرة، والعتاد هي أهداف عسكرية. رغم أنّه يُفترض اعتبار المنازل السكنية أعيانا مدنية، إلا أن استخدامها من قبل مقاتلي العدو لنشر الأسلحة أو تخزينها، على سبيل المثال، يجعلها أهدافا عسكرية وعرضة للهجمات طيلة فترة الاستخدام. المصانع التي تنتج أسلحة أو عتادا لقوات العدو هي أيضا أهداف عسكرية وعرضة للهجمات، رغم أن العاملين فيها مدنيون. كما تشمل الأعيان العسكرية الخصائص الجغرافية أو المنشآت التي قد تستخدمها القوات المقابلة على الفور، مثل الجسور أو المباني التي تعرقل مجال إطلاق النار، أو حتى الحقول الفارغة.[551]
تكون الهجمات عشوائية عندما لا تكون موجهة إلى هدف عسكري محدد أو عندما تستخدم طريقة أو وسيلة حربية (مثل الذخائر العنقودية) لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري أو لا يمكن الحدّ من آثارها.[552]
أما الهجوم غير المتناسب فهو الذي يتجاوز فيه الضرر المدني العرضي المتوقع، بما في ذلك الخسائر في الأرواح والإصابات، والضرر اللاحق بالأعيان المدنية، الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة.[553]
أثناء سير العمليات العسكرية، يتعين على أطراف النزاع الحرص دائما على تجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية آثار الأعمال العدائية.[554] عليها أيضا اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية.[555]
قبل شنّ أي هجوم، يتعين على كل طرف القيام بكل ما في وسعه للتأكد من أنّ الأشخاص أو الأهداف التي سيهاجمها هي أهداف عسكرية وليست مدنيين أو أعيان مدنية.[556] شرط اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة يعني، من بين أمور أخرى، أنّ المهاجمين ملزمون باتخاذ الخطوات اللازمة للتأكد من أنّ الهدف المقصود هو هدف عسكري مشروع "في الوقت المناسب لحماية السكان قدر المستطاع".[557]
كما يجب على القوات المهاجمة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة عند اختيار الوسائل والأساليب الحربية لتقليل الخسائر في أرواح المدنيين وممتلكاتهم.[558] لا تحظر قوانين الحرب القتال في المناطق الحضرية، غير انّ وجود المدنيين يفرض على الأطراف المتحاربة التزامات أكبر لاتخاذ خطوات لتقليل الضرر اللاحق بهم. يتعين على جميع القوات تجنب وضع أهداف عسكرية داخل أو قرب المناطق المكتظة بالسكان، والسعي إلى ابعاد المدنيين عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.[559]
إضافة إلى حظر مهاجمة الأعيان المدنية، تحظر قوانين الحرب أيضا مهاجمة، أو تدمير، أو إزالة، أو تعطيل الأعيان التي لا غنى عنها للسكان المدنيين، مثل المحلات الغذائية ومنشآت الماء الصالح للشراب المخصصة للمدنيين.[560]
كما تحظر قوانين الحرب بشكل صريح الهجمات "التي تستهدف بصورة رئيسة بث الذعر بين السكان المدنيين".[561]
بموجب قوانين الحرب، يجب "احترام وحماية" المستشفيات وغيرها من المنشآت الطبية في جميع الظروف.[562] ينصّ كل من البروتوكول الأول والبروتوكول الثاني بوضوح على "ألا تكون هدفا لأي هجوم"،[563] وعلى أن تبقى محمية كذلك "ما لم تُستخدم في خارج نطاق مهمتها الإنسانية في ارتكاب أعمال عدائية". وحتى في تلك الحالة، فهي لا تصير عرضة للهجمات إلا بعد توجيه تحذير ووضع حدّ زمني معقول، وبعد التأكد من عدم الاستجابة للتحذير.[564] لا يغيّر وجود مقاتلين مصابين الطابع المدني للمنشآت الطبية.[565]
يحظى الأطفال، والمسنّون، والأشخاص ذوو الإعاقة المتأثرون بالنزاع المسلح باحترام وحماية خاصَّين.[566] ينبغي أيضا احترام احتياجات الحماية والصحة والمساعدة الخاصة بالنساء المتأثرات بالنزاع المسلح.[567]
في ما يتعلق بالمسؤولية الفردية، الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب المرتكبة بنيّة إجرامية هي جرائم حرب. تم تعريف النية الإجرامية على أنّها تشمل الانتهاكات المرتكبة عمدا أو بتهور.[568] قد يتحمل الأفراد أيضا مسؤولية محاولة ارتكاب جريمة حرب، أو المساعدة فيها، أو تسهيلها، أو الإعانة عليها، أو التحريض عليها.
قد تقع المسؤولية أيضا على الأشخاص الذين يخططون أو يحرّضون على ارتكاب جريمة حرب.[569] يُمكن محاكمة القادة والزعماء المدنيين بتهمة جرائم حرب على أساس مسؤولية القيادة متى كانوا يعلمون أو ينبغي أن يعلموا بارتكاب جرائم حرب ولم يتخذوا التدابير اللازمة لمنعها أو معاقبة المسؤولين عنها.[570]
بموجب قوانين الحرب، على الحكومات واجب التحقيق في جرائم الحرب التي يُزعم أنها ارتُكبت من قبل عناصر قواتها المسلحة وغيرهم من الأشخاص الخاضعين لولايتها. يجب محاكمة أولئك الذين يثبت تورطهم في محاكم تتوفر فيها المعايير الدولية للمحاكمة العادلة أو نقلهم إلى ولاية قضائية أخرى لمحاكمتهم بطريقة عادلة.[571]
تنصّ قوانين الحرب أيضا على أن تقدّم الدولة تعويضات كاملة، بما فيها التعويضات المباشرة، للأفراد على الخسائر الناجمة عن انتهاكات قوانين الحرب.[572]
هذه الأعمال التي تعتبر جرائم حرب محددة في القانون العرفي كما هو مبيّن في "نظام روما ألأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية" وغيره من المصادر. تنطوي هذه الأعمال على مجموعة واسعة من الجرائم، تشمل إساءة معاملة الأشخاص المحتجزين، وشن هجمات متعمدة أو عشوائية أو غير متناسبة تلحق أضرارا بمدنيين أو بأعيان مدنية.[573] يعتبر نظام روما الأساسي مهاجمة المباني المخصصة للتعليم عمدا جريمة حرب، وكذلك "المستشفيات وأماكن تجمع المرضى" أثناء النزاعات المسلحة.[574] وعندما تُرتكب هذه الأعمال كجزء من هجوم واسع ومنهجي على السكان المدنيين، فهي تصبح جرائم ضدّ الإنسانية.[575]
روسيا وسوريا طرفان في "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"،[576] التي تنصّ على أنّ الحكومات ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان باتخاذ "جميع التدابير الملائمة" لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في وضعيات الخطر، بما فيها النزاع المسلح.[577]
روسيا وسوريا طرفان أيضا في "اتفاقية حقوق الطفل"، التي توفر حماية خاصة للأطفال، وتلزم الدول باتخاذ "كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي" للأطفال ضحايا النزاعات المسلحة.[578]
تحظر "اتفاقية الذخائر العنقودية" لسنة 2008 استخدام الذخائر العنقودية.[579] روسيا وسوريا ليستا من ضمن الـ120 دولة التي حظرت الذخائر العنقودية. تضمنت هذه الاتفاقية العديد من أشكال الحظر الأساسية، ومنها حظر استخدام، وإنتاج، ونقل، وتخزين الذخائر العنقودية.[580] كما فرضت على الدول الأطراف التخلص من الذخائر الصغيرة غير المنفجرة وتقديم المساعدة إلى الضحايا.[581]
القانون الدولي لحقوق الإنسان
القانون الدولي لحقوق الإنسان ينطبق في جميع الأوقات، وهو غير قابل للانتقاص منه.[582] الحكومات ملزمة في جميع مستوياتها بالاعتراف بالحقوق المكفولة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك القانون العرفي، وباحترامها وحمايتها وإعمالها. سلطات الأمر الواقع تتحمل مسؤولية احترام الحقوق الأساسية.
الاستخدام الواسع للأسلحة المتفجرة التي تخلف آثارا كبيرة في المناطق السكنية على يد التحالف السوري-الروسي أجبر مئات آلاف المدنيين على الفرار من منازلهم في كل أرجاء محافظة إدلب. كما أن تدمير وإتلاف البنى التحتية المدنية، مثل منشآت الرعاية الصحية والمدارس والأسواق، هددا التمتع بالحقوق الأساسية، ومنها الحق في الصحة، والتعليم، والمستوى المعيشي اللائق، بما في ذلك الغذاء، والسكن، والماء.
الحق في الصحة
الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو حق أساسي و"لا غنى عنه من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى".[583] وبالتالي، فإنّ منشآت الرعاية الصحية والعاملين فيها يتمتعون بحماية كبيرة، وقانون حقوق الإنسان ينصّ على حق الأفراد في الحصول على رعاية "مناسبة وفي حينها"، بالإضافة إلى المحددات الأساسية لها.[584] اعتبرت "اللجنة الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وهي هيئة الخبراء التي تراقب الامتثال لـ"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، أنّ الدول ملزمة بتوفير القدر الكافي من "المرافق العاملة المعنية بالصحة العامة والرعاية الصحية وكذلك من السلع والخدمات والبرامج"، وتسهيل الوصول إليها. [585]
حدّدت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الالتزامات المتعلقة بالحق في الصحة التي يتعين على الدول تنفيذها، وهي تشمل الحق في الرعاية الصحية الأساسية والأدوية الضرورية.[586] ورغم أنّ محدودية الموارد قد تبرر التنفيذ الجزئي لبعض جوانب الحق في الصحة، إلا أنّ اللّجنة لاحظت "أنه لا يمكن لأي دولة طرف، أيا كانت الظروف، أن تبرر عدم وفائها بالالتزامات الأساسية... وهي التزامات غير قابلة للانتقاص منها".[587] بموجب اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يشمل الحق في الصحة بالنسبة لذوي الإعاقة خدمات وبرامج التأهيل وإعادة التأهيل المتعلقة بالصحة، بما في ذلك الأجهزة والتقنيات المساعدة.[588]
كما حددت اللجنة أربعة عناصر أساسية للحق في الصحة، وهي جودة أنظمة الرعاية الصحية، وتوافرها، وإمكانية الوصول إليها، ومقبوليتها. على سبيل المثال، تتميز الرعاية الطبية الجيدة بمنشآت وسلع وخدمات صحية "مناسبة علميا وطبيا وذات نوعية جيدة. ويتطلب ذلك، من جملة أمور، موظفين طبيين ماهرين، وعقاقير ومعدات للمستشفيات معتمدة علميا ولم تنته مدة صلاحيتها، ومياه شرب مأمونة، وإصحاحاً مناسبا".[589] كما يجب أن يكون من السهل الوصول إلى المنشآت والسلع والخدمات على أساس عدة مبادئ، ومنها عدم التمييز وإمكانية الوصول المادي، والاقتصادي، والمعلوماتي.[590] يجب أيضا تصميم الرعاية الصحية بما يجعلها تحترم السرية، وقائمة على أساس أخلاقيات الطب، ومراعية للخصوصية الثقافية والنوع الاجتماعي.[591]
في تقرير موضوعي نُشر في 2013، ركّز المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الصحة على الحق في الصحة في مناطق النزاع، وكتب: "ككل الأوقات، الدول ملزمة باحترام وحماية وإعمال الحق في الصحة في حالة النزاع". ثم مضى ليؤكد على أنّه "ينبغي للدول ألا تعرقل عمل المنظمات الإنسانية"، ملاحظا أن الهجمات التي تستهدف العاملين في مجال الصحة "لا تنتهك فقط الحق في الصحة للأشخاص المتضررين من النزاع، بمن فيهم الأشخاص الضالعين فيه، بل قد تؤدّي أيضا إلى شلّ منظومة الرعاية الصحية بأكملها. انعدام الأمن الناجم عن استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية، سواء من قبل القوات الحكومية أو الجماعات غير الحكومية، قد يؤدي إلى فرار هؤلاء العاملين، ما يتسبب في ندرة المهنيين الطبيين المتدربين في هذه المناطق".[592]
الهجمات التي تستهدف المنشآت الطبية تتسبب في إضعاف جودة الرعاية الصحية وتوافرها وإمكانية الوصول إليها، فتقوّض الحق في الصحة للذين يعتمدون على المنشآت الصحية القليلة المتبقية في المنطقة. قد يحدث ضرر مباشر من خلال استهداف مراكز الرعاية الصحية، والنقل الطبي، مثل سيارات الإسعاف والموظفين الطبيين. وقد يتأثر الحق في الصحة أيضا بالآثار غير المباشرة للهجمات على المنشآت، مثل تلك التي توفر الطاقة، والكهرباء، والتدفئة، والماء، والطرقات، وشبكات النقل المتضررة أو الملوثة ببقايا متفجرات الحرب، وانقطاع الاتصالات.
الحق في التعليم
الحق في التعليم مكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة" (سيداو)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.[593]
لكل شخص الحق في التعليم.[594] ينصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنّ الحق في التعليم "وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى".[595] وتشمل السمات الأساسية لهذا الحق: التوافر، وإمكانية الالتحاق، وإمكانية القبول، وقابلية التكيف.[596] شرط التوافر يستوجب توفير عدد كاف من المؤسسات والبرامج، وتمكينها مما تحتاج إليه لتعمل.[597] أما شرط إمكانية الالتحاق، فيشمل إمكانية الوصول الجسدي، حيث لاحظت اللجنة أنه "يجب أن يكون التعليم في المتناول مادياً وبطريقة مأمونة، وذلك إما عن طريق الحضور للدراسة في موقع جغرافي ملائم بشكل معقول (مثلاً في مدرسة تقع بالقرب من المسكن) أو من خلال استخدام التكنولوجيا العصرية (مثل الوصول إلى برنامج للتعليم عن بعد)".[598]
تلزم اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة الدول بضمان حصول الأطفال ذوي الإعاقة على تعليم شامل، وحمايتهم من التمييز في النظام التعليمي بشكل عام.[599]
الالتزامات المتعلقة باحترام وحماية وإعمال الحق في التعليم تفرض على الدول أن "تتحاشى التدابير التي تعرقل أو تمنع التمتع بالحق في التعليم" و"تتخذ تدابير لمنع الغير من التدخل في التمتع بالحق في التعليم".[600] أما التزام إعمال الحق في التعليم فيشمل "التزاما بالتسهيل والتزاما بالتوفير".[601] الدول ملزمة أيضا باحترام وحماية وإعمال كل سمة أساسية.[602] على سبيل المثال، قد ينتهك الإغلاق المتعمد للمدارس الالتزام بحماية توافر التعليم.[603]
الهجمات على المدارس قد تمنع الحصول على التعليم، حتى في حالة عدم وجود ضرر مادي، لأنها قد تؤدي إلى انخفاض حضور الطلاب والمعلمين والموظفين، وتقلّص من رغبة الطلاب والمعلمين وتزيد من صدمتهم، وتُخفّض من انتداب الموظفين وتسجيل الطلاب.[604]
كلّف قرار مجلس الأمن رقم 1998 الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير عن الأطراف الضالعة في انتهاكات خطيرة ضدّ الأطفال أثناء النزاعات، بما في ذلك الهجمات على المدارس. صنّف تقرير الأمين العام لسنة 2019 قوات الحكومة السورية كمسؤولة عن انتهاكات خطيرة ضدّ الأطفال، لكنه لم يفعل الشي نفسه مع القوات الروسية. حدد التقرير 262 هجوما على مدارس (157) ومستشفيات (105) في سوريا سنة 2019، أغلبها في إدلب."قوات الحكومة السورية والقوات المساندة للحكومة... بما فيها القوات الجوية" كانت مسؤولة عن 226 هجوما.[605]
الحق في مستوى معيشي لائق
الحق في مستوى معيشي لائق مكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدات حقوق الإنسان الأساسية،[606] ويشمل الحق في الغذاء والملبس والمسكن الملائم، والتحسين المستمر لظروف المعيشة.[607]
الحق في السكن الملائم
الحق الإنساني في السكن الملائم "يتسم بأهمية أساسية بالنسبة إلى التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".[608] فسّرت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في السكن الملائم على أنه "حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة".[609]
يجب ألا يُفسَّر السكن الملائم على أنه مجرّد مأوى، بل إنّ هذا الحق يركّز على فكرة ملاءمة هذا المأوى.[610] عند تفسير فكرة الملاءمة، حددت اللجنة العديد من الجوانب التي يجب مراعاتها، وتشمل الضمان القانوني لشغل المسكن، وتوفير الخدمات والمواد والمرافق والهياكل الأساسية، والقدرة على تحمل الكلفة، والصلاحية للسكن، وإتاحة إمكانية الحصول على السكن، والموقع، والسكن الملائم من الناحية الثقافية.[611]
حتى يكون هناك توافر كاف للخدمات والمواد والمرافق والبنى الأساسية، يجب أن تُتاح "إمكانية الحصول بشكل مستمر على الموارد الطبيعية والعامة ومياه الشرب النظيفة، والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والإضاءة، ومرافق الإصحاح والغسل، ووسائل تخزين الأغذية، والتخلص من النفايات، وتصريف المياه، وخدمات الطوارئ".[612] إمكانية الوصول هذه تفترض أن تكون التكاليف المرتبطة بالسكن ليست مرتفعة إلى درجة أنها قد تهدد تحقق الحقوق الأخرى.[613] وحتى يكون المسكن صالحا للسكن، يجب أن يحمي ساكنيه من "البرد والرطوبة والحر والمطر والريح أو غير ذلك من العوامل التي تهدد الصحة، ومن المخاطر البنيوية وناقلات الأمراض".[614] كما يجب أن يكون السكن متاحا حتى يكون ملائما، ويراعي الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من الفئات المستضعفة والمحرومة الأخرى.[615] بحسب اللجنة، "السكن الملائم يجب أن يكون في موقع يتيح إمكانية الاستفادة من خيارات العمل وخدمات الرعاية الصحية والمدارس ومراكز رعاية الأطفال وغير ذلك من المرافق الاجتماعية".[616]
الأشخاص المهجّرون معرّضون بشكل خاص إلى انتهاك الحق في السكن الملائم. بموجب "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن التشريد الداخلي"، يتعين على السلطات المعنية توفير مأوى ومسكن أساسي للمهجرين داخليا.[617] إضافة إلى ذلك، تضمنت "مبادئ بنهيرو" الصادرة عن الأمم المتحدة، وهي مجموعة مبادئ متفق عليها على نطاق واسع بشأن حقوق ملكية اللاجئين والمهجرين، تدابير حماية إضافية، شملت الحق في السكن.[618]
الحق في الغذاء
يجب فهم الحق في الغذاء على أنه "اعتراف بما لكل إنسان من حق أساسي للتحرر من الجوع".[619] وكما هو الحال مع الحقوق الأخرى المرتبطة بالحق في مستوى معيشي لائق، قالت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إنه لا يجب تفسير الحق في الغذاء الكافي بشكل ضيّق، ولا يجب فهمه على أنّه توفير حدّ أدنى من السعرات الحرارية على سبيل المثال.[620] كما لاحظت اللجنة أنّ هذا الحق يتحقق "عندما يتاح ماديا واقتصاديا لكل رجل وامرأة وطفل بمفرده أو مع غيره من الأشخاص، في كافة الأوقات، سبيل الحصول على الغذاء الكافي أو وسائل شرائه".[621] ورغم أن هذا الحق يتحقق عموما بشكل تدريجي، إلا أنّ السلطات ربما تحتاج إلى التحرك فورا لضمان تحرر الإنسان من الجوع وسوء التغذية.[622]
في تفسيرها للحق في الغذاء الكافي، حددت اللجنة عنصرين أساسيين هما توافر الغذاء وإمكانية الحصول عليه.[623] توافر الغذاء يعني وجود نوعية وكمية كافية لتلبية الاحتياجات الغذائية، بما يشمل وسائل تغذية الفرد لنفسه "بالاعتماد على الأرض المنتجة أو الموارد الطبيعية الأخرى أو على نظم التوزيع والتجهيز والتسويق العاملة بشكل سليم".[624] أما إمكانية الحصول على الغذاء فتعني الوصول المستمر إليه دون المساس بالحقوق الأخرى، وهذا يشمل إمكانية الوصول الاقتصادي والمادي معا.[625] لاحظت اللجنة أن الوصول المادي يشمل جميع الأشخاص، ودعت إلى إيلاء اهتمام خاص بالفئات الضعيفة، مثل الأطفال، والمسنين، وذوي الإعاقة، وكذلك الذين يعيشون في "مناطق معرضة للكوارث".[626]
الشرطان المتعلقان بإمكانية الوصول والتوافر قد يتعرضان إلى الخطر بسبب الأضرار المادية التي تلحق بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الأراضي، والمنشآت، والأسواق، والأجزاء الأخرى من شبكات التوزيع والنقل المرتبطة بتوفير الغذاء. تزيد الهجمات على البُنى التحتية من خطر الإضرار بهذه الجوانب من شبكة توزيع الغذاء، ما قد يتسبب في تعليق أو إنهاء الوصول إلى الغذاء سواء بسبب الأضرار أو انعدام الأمن، وهو ما قد ينتج عنه تعليق الخدمات لغياب السلامة الجسدية. شنّ هجمات متعمدة على أهداف مرتبطة بتحقق شرطَيْ توافر الغذاء والوصول إليه، مثل الأسواق، قد يرقى إلى انتهاك هذا الحق.
الحق في الماء
لكل شخص الحق في الماء دون تمييز، أي الحق "في الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليها ماديا، كما تكون ميسورة التكلفة لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية".[627] لاحظت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنّ "توفير كميّة كافية من الماء المأمون هو أمر ضروري لمنع الوفاة بسبب فقدان جسم الإنسان للسوائل، والحد من مخاطر الإصابة بأمراض منقولة بالمياه، كما أنّه ضروري للاستهلاك والطهي والمتطلبات الصحية الشخصية والمنزلية".
يشمل الحق في الماء حقوقا تتعلق بمواصلة الاستفادة من الامدادات الموجودة للمياه اللازمة لإعمال الحق في الماء، والحق في عدم التدخل، الذي يشمل الحماية من الوقف التعسفي لإمدادات المياه أو تلوثها، والحق في نظام للإمدادات بالمياه وإدارتها.[628]
حددت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية العديد من العناصر الأساسية عند تحديد ما إذا كانت المياه المتاحة كافية، وهي عناصر التوافر والنوعية وإمكانية الوصول.[629] لتحقيق التوافر بكميات كافية، يجب توفر ما يكفي من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي، بما في ذلك الصرف الصحي والنظافة الشخصية.[630] كما يجب أن تكون هذه الكميات الكافية مأمونة وخالية من المخاطر الصحية.[631] أما إمكانية الوصول إلى الماء، فلها عدة جوانب، تشمل إمكانية الوصول المادي والاقتصادي. لتحقيق إمكانية الوصول المادي، ينبغي أن يكون الماء "في المتناول المادي والمأمون لجميع فئات السكان"، وقريبا من المنازل والمدارس وأماكن العمل.[632] إضافة إلى ذلك، "ينبغي ألا يتعرض أمن الفرد إلى الخطر أثناء الوصول إلى مرافق وخدمات الماء".[633]
كما لاحظت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنّ الوفاء بالالتزامات المتعلقة باحترام الحق في الماء يفرض على السلطات الامتناع عن التدخل المباشر وغير المباشر في التمتع بهذا الحق من خلال "تقييد الوصول إلى الخدمات والهياكل الأساسية المتصلة بالماء أو إتلافها كتدبير عقابي، وذلك، مثلا، أثناء النـزاعات المسلحة انتهاكا للقانون الإنساني الدولي".[634] وكرّرت اللجنة التأكيد على أنّ الحق في الماء يشمل الالتزامات المفروضة على أطراف النزاع المسلح بموجب قوانين الحرب، ومنها حماية الأهداف التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة.[635] كما حددت اللجنة أفعالا أخرى قد ترقى إلى انتهاكات، ومنها عدم احترام الحق في الماء من خلال قطعه بشكل تعسفي أو دون مبرر، أو حرمان السكان المدنيين من خدمات ومنشآت الماء أو عدم حماية أنظمة توزيع المياه (مثلا شبكات الأنابيب والآبار) من التدخل والاتلاف والتدمير.[636]
شروط التوافر وإمكانية الوصول والنوعية قد تتعرض إلى الخطر بسبب الأضرار المادية المرتبطة بالهجمات على البُنى التحتية. وسواء تسبب فيها هجوم موجه أو ضرر عرضي لهجوم، قد تؤثر هذه الأضرار على أنظمة توزيع المياه، بما في ذلك شبكات الأنابيب والآبار والصهاريج، ما قد يؤدي إلى انقطاع أو إنهاء توزيع الماء، أو إلى التلوث، ما يؤثر على جودة المياه بحدّ ذاتها. هذا الضرر قد يرقى إلى انتهاك قوانين الحرب والحق في الماء. الأفعال التي تُعتبر تعسفية أو بلا مبرر قد ترقى أيضا إلى انتهاك الحق في الماء.
شكر وتنويه
أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه كل من الباحثة الأولى في قسم الأزمات والنزاعات بلقيس والي، والباحث في القسم نفسه وريتشارد وير. قدّم مساعدة بحثية كل من مساعد الأبحاث الأول شربل سلوم، ومساعد أبحاث مختص في العراق. أجرت تحاليل صور الأقمار الصناعية المحللة الجيو-فضائية كارولاينا جوردا ألفاريز، ومدير التحليل الجيو-فضائي جوش لايونز. أجرت مديرة أبحاث المصادر المفتوحة غابرييلا إيفنز تحليلا للفيديوهات والصور.
حررت التقرير المديرة بالإنابة لقسم الأزمات والنزاعات آيدا سوير. قدّم مراجعة مختصة كل من الباحثة الأولى في قسم حقوق ذوي الإعاقة أمينة سيريموفيتش، ومدير شؤون الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش لويس شاربونو، والباحثة الأولى في قسم الأسلحة بوني دوهرتي، والمدير المشارك في قسم حقوق الطفل بيل فان إسفلد، والمدير المشارك في قسم الأسلحة ومارك هيزناي، ومستشار الصحة وحقوق الإنسان جو آمون، والباحثة المختصة في سوريا سارة الكيالي، والمديرة المشاركة لبرنامج العدالة الدولية بلقيس جراح، والمديرة المشاركة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى تانيا لوكشينا، ومديرة شؤون تركيا في هيومن رايتس ووتش إيما سينكلير-ويب، ونائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جو ستورك، والباحثة الأولى في قسم الأزمات والنزاعات ليتا تايلر. قدم مدير الشؤون القانونية والسياسات جيمس روس مراجعة قانونية، والمدير المشارك لقسم البرامج فريد أبرهامز مراجعة برامجية. أعدّ التقرير للنشر كل من منسقة قسم الأزمات والنزاعات مادلين دي فيغيريدو، ومنسق الصور والمنشورات ترافيس كار، والمدير الإداري أول فيتزروي هبكنز، والمنسق الإداري الأول خوسيه مارتينيز.
تشكر هيومن رايتس ووتش الأشخاص الذين جعلوا هذا التقرير ممكنا من خلال مشاركتنا تجاربهم، وكذلك متطوعي "مرصد سوريا" و"الدفاع المدني السوري" الذين كان عملهم الشجاع أساسي في تحديد الغارات الفردية والتحقيق فيها. شكرا أيضا للمدنيين والصحفيين الذين سجلوا وحمّلوا الفيديوهات والصور في أعقاب الهجمات. هذا التوثيق، الذي كثيرا ما يواجه صاحبه خطرا، ساعد باحثي هيومن رايتس ووتش في إعداد تقارير عن الحوادث بدقة أكبر. كما ساهمت مجموعة "الأرشيف السوري"، المختصة في الأرشيف والتحقيق، بشكل كبير في توفير التفاصيل الخاصة بأكثر من أربعة آلاف فيديو كانت قد جمعتها من منصات التواصل الاجتماعي. الشكر الجزيل لـ "بلانيت" لتوفير صور الأقمار الصناعية التي كانت أساسية في هذه التحقيقات. كما ساهمت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بشكل كبير في هذا التقرير عبر تقديم تفاصيل عن هجمات عدة وثّقها باحثوها خلال الحملة على إدلب وضمن توثيقها المستمر للنزاع.