(بيروت، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الهجوم التركي على شمال شرق سوريا يؤكد ضرورة أن تجعل "القوات المسلحة التركية" والقوات التي يقودها الأكراد وجميع الجماعات المسلحة المحلية الأخرى حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان أولويّة في عملياتها.
الأولويات الحقوقية للقوات التركية والكردية، ومنها "قوات سوريا الديمقراطية" (’قسد‘)، و"وحدات حماية الشعب"، ينبغي أن تشمل اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتفادي الخسائر المدنية، والتحقيق في الغارات غير القانونية المزعومة، وضمان السماح للمدنيين بالفرار من القتال بأمان. يتعين أيضا على كل الأطراف التي تسيطر فعليا على مناطق في شمال شرق سوريا توفير المساعدات اللازمة للنازحين وضمان عدم تورط القوات البرية في مضايقتهم أو اعتقالهم تعسفا أو سوء معاملة السكان الذين اختاروا البقاء. زاد هذا الهجوم التركي من المخاوف المتعلقة بفرار أكثر الأشخاص تورطا في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، بما يشمل عناصر "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ"داعش") المحتجزين شمال شرق سوريا.
قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش: "تورطت تركيا وحلفاؤها سابقا في عمليات قتل غير قانونية واعتقالات تعسفية وأعمال تهجير غير مشروعة. هذه العملية العسكرية قد تكرر الانتهاكات ما لم تُتّخذ إجراءات أخرى فورا. من بواعث القلق الكبرى الأخرى هي أن الأوضاع غير الإنسانية التي يعيش فيها أصلا عشرات آلاف الرجال والنساء والأطفال المحتجزين في المخيمات والسجون المؤقتة تحت سيطرة القوات التي يقودها الأكراد قد تزداد سوءا".
بحسب "الأمم المتحدة"، يحتاج 700 ألف شخص – من أصل 1.7 مليون في شمال شرق سوريا – إلى مساعدات إنسانية. قالت هيومن رايتس ووتش إن حجم العملية العسكرية التركية لا يزال غير معروف، إلا أن كلّ هجوم كبير من شأنه أن يُهجّر آلاف الناس الجدد، ما يصعّب أعمال الاستجابة الإنسانية، المحدودة أصلا.
في الأشهر الأخيرة، نزح قرابة نصف مليون شخص بسبب الأعمال العدائية شمال غرب سوريا. تتوقع "لجنة الإنقاذ الدولية" أن تتسبب الأعمال العدائية الجديدة فورا بتهجير 300 ألف آخرين. قالت منظمات إنسانية لـ هيومن رايتس ووتش إنها لم تتمكن من الاستجابة لاحتياجات النازحين، وسيكون من الصعب عليها أن تحشد موارد كافية للاستجابة لأي تهجير إضافي.
أعلنت تركيا سابقا أنها ستنشئ منطقة آمنة بطول 32 كيلومترا شمال غرب سوريا ردا على تهديدات "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وهو سلطة يقودها الأكراد شمال غرب سوريا وتعتبره الحكومة التركية منظمة ارهابية. أما الهدف الثاني المعلن لهذه المنطقة الآمنة فهو إعادة توطين مليون لاجئ سوري يعيشون حاليا في تركيا. غير أن ما أعلنته الولايات المتحدة في 6 أكتوبر/تشرين الأول بأنها ستسحب قواتها من سوريا كان بمثابة الضوء الأخضر لتركيا لتشن هجوما على المنطقة، بحسب محللين.
في 9 أكتوبر/تشرين الأول، نقلت تقارير إخبارية عن بيان لـ "مديرية أمن تركية" تفيد بفتح تحقيقات جنائية ضدّ 78 شخصا بسبب "نشر الدعاية المغرضة ضدّ بلادنا في ما يتعلق بعملية ’نبع السلام‘، والتحريض على العداوة والكراهية عبر نشر تعاليق كاذبة وبلا مصادر على مواقع التواصل الاجتماعي هدفها تحطيم سمعة قواتنا الأمنية".
نقلت صحيفة "بيرغن ديلي" أن مدير موقعها الالكتروني هاكان ديمير احتُجز ثم أطلق سراحه من قبل محكمة في اسطنبول مع منعه من السفر إلى الخارج بانتظار نتائج التحقيق. كما ذكر موقع "ديكن نيوز" أن رئيس تحريره فاتح غوكان ديلر احتُجز أيضا.
قال روث: "ينبغي عدم استخدام العملية العسكرية التركية شمال شرق سوريا كذريعة لاستهداف رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطيا أو السياسيين أو النشطاء السلميين في تركيا نفسها. كما يتعين على تركيا ألا تستهدف الصحفيين والمدافعين الحقوقيين بسبب تقارير تنتقد سير العملية العسكرية".
لمزيد من المعلومات عن أهم بواعث القلق والتوصيات المتعلقة بسلامة المدنيين في المنطقة، يُرجى مواصلة القراءة أدناه.
بحسب تجربتها في رصد وتوثيق انتهاكات الحقوق والقانون الإنساني الدولي، تسلط هيومن رايتس ووتش الضوء على المشاغل والتوصيات التالية:
تجنّب الهجمات غير القانونية وتقليل الخسائر المدنية
يتعين على القوات المسلحة التركية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان حماية المدنيين والأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية. يشمل ذلك احترام المعايير والإجراءات الدولية المصممة لمنع سقوط ضحايا مدنيين، والإبلاغ بحزم وشفافية عن الغارات الجوية والخسائر في صفوف المدنيين والعدو.
يستوجب ذلك أيضا اجراء تحقيقات سريعة ومحايدة وشاملة في جميع الحالات التي ربما وقعت فيها خسائر مدنية نتيجة هذه العمليات، وتقديم تعويضات عن عمليات قتل وإصابة المدنيين بشكل غير مشروع و"التعويض" أو المدفوعات على سبيل الهبة عن الأضرار المدنية.
وثقت هيومن رايتس ووتش في السابق العديد من الغارات الجوية التي نفذتها "القوات المسلحة التركية" وتسببت في خسائر مدنية في هجومها على قضاء عفرين في محافظة حلب سنة 2018.
تحظر قوانين الحرب بشكل صارم الهجمات التي تستهدف المدنيين والبنى المدنية ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية، والهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية. يجب أن تكون الهجمات متناسبة، بما يعني ألا تكون الخسائر المدنية والأضرار التي تلحق بالمباني المدنية كبيرة مقارنة بالميزة العسكرية المرجوة.
منع المدنيين من الهروب ومحاصرتهم وتقييد المساعدات
على جميع أطراف النزاع ضمان سلامة المدنيين الفارين وتمكينهم من الحصول على المساعدات الإنسانية. عليها دائما ضمان سلامة وأمن طواقم الإغاثة الإنسانية. جميع أطراف النزاع ملزمة بالسماح للمدنيين بالهروب من الأعمال العدائية الدائرة والحصول على مساعدات.
وثقت هيومن رايتس ووتش سابقا جهود جميع أطراف النزاع لمنع السوريين من الفرار من العنف. أطلق حرس الحدود التركي النار على السوريين ومنعهم من الفرار من العنف في مناطق سورية أخرى، ورحّل سوريين من اسطنبول ومحافظات أخرى إلى مناطق تشهد أعمالا عدائية.
كما منعت الحكومة السورية المدنيين الفارين من الأعمال العسكرية التركية في عفرين في 2018 من دخول المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة، بينما منعت الجماعات المسلحة المتحالفة مع حزب الاتحاد الديمقراطي المدنيين من الفرار وأجبرتهم على البقاء في مناطق كانت تشهد أعمالا عدائية.
على "حكومة إقليم كردستان العراق"، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، والتي أغلقت حدودها مع سوريا أمام اللاجئين الفارين في السابق، احترام القانون العرفي الدولي المتعلق باللاجئين ومبدأ عدم الإعادة القسرية المكفول في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو ما يُلزِمها بعدم طرد أي شخص فار من أعمال تهدد حياته أو حريته أو يواجه خطرا كبيرا بالتعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
تفرض قوانين الحرب على جميع أطراف النزاع اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لإجلاء المدنيين من مناطق القتال والمناطق التي ينتشر فيها مقاتلون، وعدم منع أو عرقلة إجلاء الراغبين في المغادرة.
الاعتقالات التعسفية والنهب ومصادرة الممتلكات من قبل الفصائل المدعومة من تركيا
يتعين على تركيا فحص الجماعات المسلحة قبل تقديم العون لها، ومراقبة امتثالها للقانون الإنساني الدولي، وتوضيح أن النهب والاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة هي أعمال غير مشروعة. عليها أيضا التحقيق في أي مزاعم ذات مصداقية بحصول انتهاكات من قبل الجماعات الموجودة على الميدان.
أدانت تركيا أعمال نهب ارتكبها حلفاؤها لكنها لم تعالج أي انتهاكات أخرى ارتكبتها الجماعات المسلحة التي تدعمها ولم تحاسبها عليها. تركيا أيضا مسؤولة عن الانتهاكات التي يرتكبها حلفاؤها على الأرض.
وثقت هيومن رايتس ووتش أعمال استيلاء ونهب وتدمير لممتلكات مدنية كردية في عفرين شمال سوريا ارتكبتها جماعات مسلحة مدعومة من تركيا في "الجيش السوري الحر". كما سيطرت هذه الجماعات على مساكن المدنيين ونهبت ودمرت الممتلكات المدنية دون التعويض لأصحابها.
تحظر قوانين الحرب أعمال النهب والاستيلاء بالقوة على الممتلكات الخاصة للاستخدام الشخصي، والتي قد تُشكل جريمة حرب، حتى في المناطق التي تشهد قتالا. يُمنع على المقاتلين الاستيلاء على الممتلكات للاستخدام الشخصي، بما في ذلك لإيواء عائلاتهم. كما تحظر قوانين الحرب تدمير الممتلكات غير المبرر بالضرورة العسكرية.
أفاد نشطاء محليون أيضا بحصول مئات الانتهاكات التي ترقى إلى الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء على يد الفصائل المدعومة من تركيا. وجدت "لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا" أن الاعتقالات التعسفية والاحتجاز والنهب صارت متفشية في كافة أنحاء عفرين.
استخدام الأطفال كجنود
رغم التعهدات بوقف هذه الممارسة، جنّدت وحدات حماية الشعب أطفالا، منهم فتيات، واستخدمتهم في أعمال عدائية. يتعين على وحدات حماية الشعب تسريح الأطفال المجندين في صفوفها فورا، والكف عن تجنيد الأطفال.
يحظر القانون الدولي على الجماعات المسلحة غير الحكومية تجنيد الأطفال دون 18 عاما، ويعدّ تجنيد الأطفال دون 15 عاما جريمة حرب.
تفاقم عدم الاستقرار في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش
يتعين على كل سلطة لها سيطرة فعلية على منشآت سجنية ضمان تمكين المحتجزين المشتبه بانتمائهم إلى داعش من الحصول على إجراءات تقاضي سليمة ومحاكمات عادلة وحمايتهم من الانتقام والهجمات العشوائية، ووضعهم في سجون مجهزة وتستجيب للمعايير الدولية الفضلى. لا يجوز احتجاز أي شخص دون أساس قانوني أو في ظروف ترقى إلى المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
إذا استمر الهجوم البري التركي، يتعين على الحكومة تأمين كل منشآت الاحتجاز التي تقع تحت سيطرتها الفعلية وحماية المحتجزين. عليها أيضا ضمان محاسبة المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.
شهد شمال شرق سوريا أيضا هجمات كبرى شنها التحالف بقيادة الولاية المتحدة ضدّ داعش، والتي أسفرت عن مقتل وتهجير الآلاف وتدمير البنية التحتية الأساسية.
يوجد حوالي 100 ألف امرأة وطفل عالقين في مخيمات بائسة لعائلات الأفراد المشتبه بانتمائهم إلى داعش، ولا يحصلون على الماء النظيف والرعاية الصحية اللازمة. إضافة إلى السوريين والعراقيين، يشمل المحتجزون في سجون مؤقتة رجالا ونساء وأطفالا من حوالي 40 جنسية.
بحسب لجنة الإنقاذ الدولي، توفي حوالي 340 طفلا في الهول، أكبر مخيم، بين ديسمبر/كانون الأول وسبتمبر/أيلول، أغلبهم بسبب أمراض كان يمكن تفاديها، مثل الإسهال الحاد وسوء التغذية. أغلبهم كانون دون خمس سنوات.
في 30 سبتمبر/أيلول، ذكرت منظمة "أطباء بلا حدود" أن امرأة واحدة على الأقل محتجزة في المخيم قتلت، وأصيبت ثلاث أخريات على الأقل، عندما ردّت السلطات بإطلاق النار على احتجاج مزعوم لسكان المخيّم. منذ ذلك الحين، توقفت جميع الخدمات الطبية في ملحق الهول، الذي يأوي حوالي 11 ألف أجنبي من غير العراقيين، بحسب عمال إغاثة ونساء محتجزات.
بقي حوالي 11 ألف رجل وصبي، لا تزيد أعمارهم عن 12 عاما، ممن يشتبه في انتمائهم إلى داعش محتجزين دون تهم في سجون مؤقتة مكتظة جدا تحت سيطرة قسد.
مقاتلو داعش في سوريا متورطون في مجموعة واسعة من الانتهاكات، منها قصف الأهداف المدنية عمدا، والاختطافات الجماعية، بما في ذلك الأطفال، والاحتجاز التعسفي، والاعدامات الجماعية، والحصار غير المشروع، واستخدام الأطفال كجنود، واستعمال أسلحة محظورة.
كما فرض تنظيم داعش على الناس الخاضعين لسيطرته قيودا وعقوبات شملت إعدام مثليين مزعومين ورجم أشخاص بسبب أعمال زنى مزعومة. دمّر داعش مواقع دينية وأثرية في كافة المناطق التي خضعت لسيطرته، ونهب وسرق تحفا ثقافية قيّمة لتمويل عملياته.
في 10 أكتوبر/تشرين الأول، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة قال فيها إن الولايات المتحدة نقلت محتجزيْن بريطانييْن مهميْن يعرفان بـ "البيتلز" إلى "مكان آمن تحت سيطرة الولايات المتحدة". كما ذكرت تقارير أن الولايات المتحدة استلمت 38 سجينا مهمين آخرين لتنقلهم إلى خارج شمال شرق سوريا. على الولايات المتحدة ضمان ألا يتعرض السجناء الذين تنقلهم إلى خطر التعذيب، وأن يتمكنوا من الاعتراض على نقلهم. بالنسبة إلى السجناء من المملكة المتحدة والدول الأخرى التي ألغت عقوبة الإعدام، يجب ألا تتم عمليات النقل هذه دون ضمانات فعلية بأنهم لن يواجهوا عقوبة الإعدام إن تمت إدانتهم في محاكم فدرالية أمريكية.
على الدول التي لها مواطنون محتجزون في سجون ومخيمات للمشتبه في انتمائهم إلى داعش وعائلاتهم مساعدة مواطنيها الراغبين في العودة لإعادة التأهيل والادماج فورا، ومحاكمتهم عند الاقتضاء وفق المعايير الدولية، أو اجلاؤهم إلى دول ثالثة لا يواجهون فيها خطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية.
القمع الداخلي للسياسيين والنشطاء في تركيا
في سياق التوغل العسكري شمال شرق سوريا، يتعين على تركيا الامتناع عن استهداف النشطاء والسياسيين والصحفيين والأصوات المعارضة الكردية بشكل تعسفي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن المحاكمات الجائرة والتحقيقات المستندة إلى قوانين الارهاب الفضفاضة والغامضة وغيرها من التهم الجنائية تُستخدم على نطاق واسع في تركيا لإسكات واعتقال منتقدي الحكومة، والصحفيين، والمدافعين الحقوقيين والمعارضين تعسفا.
بعد التوغل العسكري التركي في يناير/كانون الثاني 2018 في قضاء عفرين شمال سوريا، اعتقلت السلطات التركية وحاكمت مئات الأشخاص بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى السلام وتنتقد العملية.
يأتي التوغل العسكري التركي شمال شرق سوريا في وقت تستهدف فيه السلطات التركية رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطيا عن "حزب الشعوب الديمقراطي" المساند للأكراد والمعارض للحكومة. في أغسطس/آب، عزلت وزارة الداخلية رؤساء لثلاث بلديات كبرى في المناطق ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد وشرقها، وحلّت مجالسها المحلية، في انتهاك صارخ لحقوق الناخبين، وعلقت العمل الديمقراطي بها. وتبعتها اعتقالات أخرى لنشطاء سياسيين ومسؤولين من حزب الشعوب الديمقراطي.
الإجراءات التي اتخذتها حكومة الرئيس طيب رجب إردوغان ضدّ المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا وغيرهم من المنتقدين السلميين للحكومة تنتهك االتزامات تركيا بموجب القانون الدولي والاقليمي لحقوق الإنسان.