Skip to main content

غارات جوية سورية-روسية قتلت مدنيين مُحاصرين

ذخائر عنقودية وهجمات على الطرق الرئيسية ومناطق سكنية بمحافظة إدلب

صورة مأخوذة من مقطع فيديو يوثق الهجوم بالقنابل العنقودية على قلعة المضيق، سوريا.  © 2017 خاصة

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن العملية العسكرية الروسيةالسورية المشتركة نفذت غارات جوية غير قانونية خلال الأسابيع الأخيرة قتلت مدنيين محاصرين شمال سوريا. تسلط الهجمات الجارية وعدم توفر طرق للهروب الضوء على المخاطر التي يواجهها المدنيون بالمنطقة وتقوض فكرة أن إدلب قد تكون آمنة للمدنيين.

بدأت طائرات روسية وسورية هجماتها على محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في 19 سبتمبر/أيلول 2017. قال ناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إن الحملة جاءت ردا على عملية كبيرة بالمنطقة من قِبل "هيئة تحرير الشام"، التي تضم مقاتلين من مجموعة "جبهة فتح الشام" المعروفة سابقا بمسمى "جبهة النصرة"، وهي جماعة تابعة للقاعدة. لكن الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن بعض الهجمات ضربت سوقا ومناطق مأهولة بالسكان، بينها مخيمات للنازحين. استخدمت الهجمات ذخائر عنقودية وأسلحة انفجارية ذات نطاق واسع بمناطق سكنية.

قال نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: "هناك مليوني مدني في إدلب بلا حول ولا قوة. بدلا من جعلها منطقة آمنة، تحولت بعض مناطق إدلب إلى منطقة للقتل، مع إغلاق طرق الهرب".

في 15 سبتمبر/أيلول اتفقت روسيا وإيران وتركيا على إنشاء منطقة وقف إطلاق النار في إدلب وأجزاء من حماة وغرب حلب، كجزء من اتفاق لوقف التصعيد. لكن لم تكن إحدى الجماعات المسلحة الأساسية في المنطقة، هيئة تحرير الشام – التي تضم مقاتلين من جبهة النصرة – ضمن أطراف الاتفاق. يُشار إلى مناطق وقف التصعيد في الأغلب بمسمى المناطق الآمنة.

يبدو أن تركيا أغلقت حدودها مع إدلب في وجه اللاجئين السوريين. مع استمرار القتال في سوريا وتنفيذ الحكومة السورية وروسيا وهيئة تحرير الشام لهجمات، فهذا الإجراء يعني قطع طريق الهرب في وجه المدنيين في إدلب، الذين قالوا إنهم يشعرون بأن محاولة بلوغ مناطق أخرى في سوريا مسألة خطرة. في 16 أكتوبر/تشرين الأول أعلنت "هيئة إدارة الكوارث والطوارئ" التركية أنها جاهزة لاستقبال لاجئين من إدلب، لكنها أضافت أنه يُرجح أن اللاجئين لن يأتوا بأعداد كبيرة. لم تفتح تركيا حدودها بعد، إلا في وجه الحالات الطبية الطارئة، وبشكل مؤقت فقط، على حد قول الشهود. قالت "الأمم المتحدة" إن مليوني مدني يتواجدون في محافظة إدلب حاليا، نصفهم نازحين.

حققت هيومن رايتس ووتش في 3 غارات جوية نفذت بعد 19 سبتمبر/أيلول. قتلت الهجمات الثلاثة 72 شخصا على الأقل بينهم 9 أطفال على الأقل، بحسب شهود محليين وأول المستجيبين. كما اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور ومقاطع فيديو تُظهر بقايا ذخائر عنقودية في 4 هجمات وحققت، بقدر أكبر من التفصيل، في واقعة منها، قيل إنها قتلت مدنيين اثنين، وقابلت شهودا وسكانا.

قبل هجوم سبتمبر/أيلول، قام مقاتلون ومدنيون من مناطق أخرى في سوريا ولاجئون سوريون في لبنان بالانتقال إلى مناطق المعارضة في محافظة إدلب وحولها، إثر اتفاقات إجلاء محلية. في يوليو/تموز وحده، استقبلت إدلب ما يقارب 24 ألف نازح بينهم آلاف اللاجئين السوريين من لبنان وآلاف آخرين يفرون من القتال في مناطق أخرى في سوريا. ضربت الغارات الروسية-السورية مرتين على الأقل مخيمات للنازحين منذ 19 سبتمبر/أيلول، بحسب تقارير محلية، وقتلت 4 نازحين على الأقل بحسب الشهود.

زعمت روسيا أن الهجوم جاء ردا على عملية هجومية موسعة من هيئة تحرير الشام ضد القوات السورية في منطقة وقف التصعيد في إدلب، في 18 سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى حصار 29 جنديا روسيا في المنطقة. قالت مصادر مقربة من هيئة تحرير الشام لوسائل إعلام محلية إن الهيئة بدأت هجومها لتقويض اتفاق وقف التصعيد. ردت روسيا وسوريا بقوة نيران هائلة، مع ذكر الجيش الروسي في 20 سبتمبر/أيلول إن "في الـ 24 الساعة الماضية، ضربت غارات جوية ونيران المدفعية 187 منشأة، ودُمر نحو 850 إرهابيا". استمرت الهجمات على محافظة إدلب والمناطق المحيطة لعشرة أيام على الأقل بعد هذا.

منذ 30 سبتمبر/أيلول قلت كثافة الهجمات، لكن الإعلام المحلي والدفاع المدني السوري – الذي يدير عمليات بحث وإنقاذ – قالا إن الغارات الجوية استمرت في ضرب مناطق المدنيين حتى 8 أكتوبر/تشرين الأول.

نفت روسيا استهدافها للمدنيين والبنية التحتية المدنية، وزعمت أن الأهداف كانت "بعيدة" عن المناطق السكنية، لكن وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات عديدة على أحياء سكنية وعلى طريق رئيسية فيها متاجر بمدينة جسر الشغور. قدر النشطاء المحليون وأول المستجيبين أن 102 غارة جوية ضربت جسر الشغور، بين 19 و28 سبتمبر/أيلول، ما أدى إلى مقتل 55 شخصا وإصابة 135 آخرين. دمرت الهجمات أجزاء كبيرة من البنية التحتية للمدينة والمناطق المحيطة وأدت إلى إخلاء مستشفيين بالمدينة، بحسب بيانات صادرة عن "أطباء بلا حدود" والمجلس المحلي.

دفعت الهجمات الناس في جسر الشغور إلى الفرار إلى مخيمات النازحين القريبة. قال مدير مخيم على الحدود مع تركيا إن نحو 12 ألف شخص فروا من المدينة والمناطق المحيطة بعد الهجمات.

في 28 سبتمبر/أيلول علمت أطباء بلا حدود بأن الغارات الجوية أوقفت 4 مستشفيات في إدلب وحماة عن الخدمة. في 5 أكتوبر/تشرين الأول قال "المنسق الإنساني الإقليمي" للأمم المتحدة في بيان إن بين 19 و30 سبتمبر/أيلول مات 149 شخصا جراء الغارات الجوية على مناطق سكنية في إدلب.

كانت بعض الهجمات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش على الأقل عشوائية لذا فهي محظورة بموجب القانون الدولي. استخدمت روسيا وسوريا الذخائر العنقودية التي تعد عشوائية بطبيعتها، على بلدات قلعة المضيق، جسر الشغور، والتمانعة، إضافة إلى بلدات أخرى، في مناطق مأهولة بالسكان.

ربما استخدموا أسلحة انفجارية مُحسنة، تُسمى أيضا متفجرات الوقود والهواء أو "قنابل فراغية" في مناطق مأهولة بالمدنيين. هذه الأسلحة أقوى من الذخائر شديدة الانفجار التقليدية ذات الحجم المماثل، وتؤدي إلى أضرار هائلة على نطاق واسع، ولها أثر عشوائي بالمناطق المأهولة. تُظهر وثائق هيومن رايتس ووتش أن الغارات أدت إلى ما يبدو أنه دمار موسع، ما يعني استخدام قوة نيران ثقيلة، في مناطق مأهولة بكثافة بالمدنيين، بينها طرق رئيسية ومتاجر ومناطق سكنية، ما يعني ربما خرق مبدأ التناسب، الذي ينص على ضرورة تناسب الضرر اللاحق بالمدنيين مع المكاسب العسكرية المتحققة.

في 12 أكتوبر/تشرين الأول نشرت تركيا قوات لها بمحافظة إدلب، كما ذكرت "وكالة أنباء الأناضول". ردت الحكومة السورية ببيان يدعو تركيا إلى الانسحاب الفوري، بحسب تقارير صحفية.

هناك مليوني مدني في إدلب بلا حول ولا قوة.
نديم حوري

مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش

على روسيا وسوريا الالتزام بقوانين الحرب في العمليات العسكرية، واتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتجنب وقوع خسائر بصفوف المدنيين، بما يشمل اتخاذ خطوات مناسبة لتبين أن المواقع المستهدفة تخدم هدفا عسكريا، مع التمييز بين المدنيين والمقاتلين. على روسيا وسوريا السماح بتحقيقات مستقلة في هذه الغارات، وإتاحة المعلومات المتوفرة عنها علنا. على جميع أطراف النزاع ضمان قدرة المدنيين على الفرار من مناطق القتال إلى الأمان، بما يشمل التماس اللجوء في تركيا، واحترام قوانين الحرب خلال عملياتهم العسكرية في سوريا.

قال حوري: "القتال المكثف في إدلب وانعدام الوضوح المحيط بمستقبل المنطقة يُعرّي أكذوبة أن إدلب منطقة آمنة يمكن للسوريين العودة إليها".

هذا التحقيق يستند إلى 16 مقابلة أجراها باحثو هيومن رايتس ووتش عن بعد مع أول المستجيبين والسكان المحليين والعاملين بمستشفيات وأٌقارب للضحايا في 3 هجمات. كما راجعت هيومن رايتس ووتش صورا ومقاطع فيديو متوفرة علنا، وقدمها لـ هيومن رايتس ووتش بصفة مباشرة شهود محليون وأول المستجيبين.

اختارت هيومن رايتس ووتش أن تنشر فقط أسماء المصادر الذين سمحوا باستخدام أسمائهم وبعد تقدير هيومن رايتس ووتش أنهم لن يتعرضوا لخطر إضافي في حال نشر الأسماء. بالنسبة لبعض المصادر استخدمت هيومن رايتس ووتش أسماء مستعارة أو لم تعرّفهم، إما لطلب المصادر عدم كشف هوياتهم أو لأن هيومن رايتس ووتش رأت أن نشر الأسماء يمثل خطرا عليهم.

أرمناز، 29 سبتمبر/أيلول

في 29 سبتمبر/أيلول هاجمت طائرة أرمناز، وهي بلدة تقع على مسافة 20 كم شمال غربي مدينة إدلب و10 كم من الحدود التركية، ما أسفر عن مقتل 35 شخصا على الأقل بينهم ما لا يقل عن 3 أطفال، بحسب 5 شهود وصور ومقاطع فيديو حللتها هيومن رايتس ووتش.

قال سكان محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن طائرة أسقطت عدة ذخائر على حي سكني قريب من مسجد الزهراء في أرمناز حوالي الساعة 8:30 مساء. قال من أجريت معهم مقابلات إن الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة السورية لم تكن متواجدة بالبلدة وإن الهجوم قتل وأصاب المدنيين فقط. هناك شاهد قال إن رغم أن هيئة تحرير الشام كانت تسيطر عموما على المنطقة؛ كان جميع الضحايا من المدنيين.

ذهب ياسر يحيى – من السكان المحليين – إلى المنطقة فور وقوع الهجوم:

ذهبنا لإنقاذ الناس ووجدناهم ممددون على الأرض وتحت الأنقاض. كنا جميعا نحاول إنقاذهم. أخرجنا من كانوا قريبين من السطح، وأغلبهم أطفال ونساء. أما من كانوا على عمق أكبر فلم يتم انتشالهم إلا بعد أيام. معظم من ماتوا نساء وأطفال، وهناك أيضا رجال، ومسنون، وبعضهم كانوا في مقاعد مدولبة... لم يتمكنوا من مغادرة بيوتهم.

 

بعد ساعة ونصف تقريبا من الهجوم الأول، على حد قول السكان، ضربت طائرة نفس الموقع مجددا. قال أحمد جبس – أول مستجيب من الدفاع المدني السوري – إن مجموعته حاولت إخلاء المنطقة عندما سمعوا تحذيرا على الراديو بأن طائرة تحلق نحوهم. قال إن الهجوم الثاني قتل 4 أشخاص على الأقل كانوا عالقين تحت الأنقاض. قال: "كانوا سينجون [إذا لم يقع هجوم ثان]".

دمرت الهجمات 30 مبنى سكنيّ على الأقل، على حد قول الدفاع المدني وأول المستجيبين. تُظهر مقاطع الفيديو والصور التي راجعتها هيومن رايتس ووتش دمارا موسعا لما بدا أنها مبانٍ سكنية.

قدم سكان محليون – بينهم أقارب للضحايا – أسماء 42 ضحية من ضحايا الهجمتين، قائلين إنهم جميعا مدنيون. تطابقت أسماء 35 شخصا من أكثر من مصدر. ضمت القائمة 3 أطفال على الأقل. وصف عبد القادر خشان – مسعف بالدفاع المدني السوري – العثور على طفل صغير تحت الأنقاض: "ظننت أنني قد أتمكن من إنقاذه فأخذناه إلى أقرب نقطة طبية، لكنه مات. كان عمره نحو 8 أشهر". أطلع خشان هيومن رايتس ووتش على مقطع فيديو له مع الرضيع المغطى بالغبار، ويبدو في الفيديو أنه قد مات.

قابلت هيومن رايتس ووتش شخصين قُتل أقاربهما في الهجوم. سمير (ليس اسمه الحقيقي) قال إنه كان في طريقه لزيارة أقاربه عندما ضرب الهجوم بيوتهم:

سُويت البيوت جميعا بالأرض. لم يعد ممكنا التعرف على المنطقة. مع رفعنا للأنقاض كنا نسمع صرخات الناس، وسمعنا عمتي وزوجها، كان بإمكاننا تمييز صوتهما. رأينا أولا جثمان ابن عمتي، وكان قد مات بالفعل. ثم رأينا جثمان أخت زوجته وابنها. استمر رفعنا للأنقاض لساعة ونصف، حتى رأينا يد ابنها. أعتقد أنه كان عمره 3 أو 4 أعوام. افترضنا أنه مات، فلم يكن يتحرك، ولا يبكي. لكن عندما أخرجناه تنفس فجأة بعمق، وبدأ يبكي.

 

قدّم شاهد آخر أسماء الأقارب الخمسة القتلى في الهجوم، وبينهم طفلين.

قال بعض الشهود إنهم يعتقدون – بناء على حجم الدمار الحاصل – أن الطائرة أسقطت قنابل الوقود والهواء على المنطقة. هذه الأسلحة الانفجارية المحسنة أقوى من الذخائر شديدة الانفجار التقليدية ذات الحجم المطابق، وتؤدي إلى دمار كبير على امتداد منطقة واسعة. بسبب هذا الأثر الواسع على الأرض، تعتقد هيومن رايتس ووتش أن على أطراف القتال الامتناع عن استخدام الأسلحة الانفجارية المحسنة مثل المتفجرات الجوية النفطية، في المناطق المأهولة بمدنيين. فالدمار الذي شوهد في الصور ومقاطع الفيديو يثبت أن الهجوم وقع بأسلحة انفجارية محسنة، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التأكد بطرق أخرى من نوع السلاح المستخدم في الهجوم.

أفادت شبكة من المراقبين الذين يرصدون حركة الطائرات في سوريا، تُعرف بـ"مرصد سوريا"، بأن طائرة Su-24 تستخدمها القوات الجوية السورية والروسية على السواء – أقلعت من قاعدة تياس أو ت4 الجوية، غربي تدمر بمحافظة حمص، الساعة 8:13 مساء 29 سبتمبر/أيلول وشوهدت تتجه شمالا. في الساعة 8:26 مساء أفادت الشبكة بأن طائرة من الطراز نفسه شوهدت تحلق شمالا فوق كفر نبل، والساعة 8:27 شوهدت طائرة من نفس الطراز تطير في الشمال الغربي فوق سراقب. تقع أرمناز على مسافة 35 كم شمال غربي سراقب. يبدو التوقيت متطابقا مع الطائرة التي نفذت الهجوم في أرمناز.

جسر الشغور، 25 سبتمبر/أيلول

في 25 سبتمبر/أيلول هاجمت طائرة منطقة تسوق على الطريق الرئيسية في جسر الشغور، فقتلت 19 شخصا على الأقل، بينهم طفلين على الأقل، بحسب اثنين من الناشطين والدفاع المدني السوري.

قال إبراهيم حاج علي – من السكان المحليين – إنه شاهد طائرة "مستقرة" في السماء فوق جسر الشغور قبل الهجوم بيوم. قال إنه كان في المنطقة بعد ظهر 25 سبتمبر/أيلول:

كنت أشرب القهوة مع صديق. فجأة عم السواد، واندلعت النيران في وجوهنا، ونزعتنا قوة رمت بنا في الهواء. لم نشعر بشيء، ولم نفهم ماذا يحدث. تطايرت السيارات والناس في الهواء. سُويت البنايات بالأرض، واشتعلت السيارات، وكأنه يوم القيامة.

 

قال حاج علي إن الهجوم قتل وأصاب عدة أصدقاء له. قال إن السوق كانت مكونة من بنايات متعددة الطوابق بها دكاكين ومتاجر بالطابق الأرضي ومدنيون يعيشون بالطوابق العليا. قال من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنه لم تتواجد بالمنطقة قواعد عسكرية أو مركبات عسكرية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من جهتها تأكيد هذا الأمر.

قال مصطفى أبو عاكف – وهو ناشط إعلامي محلي من جسر الشغور – إنه يمكنه تقديم بعض أسماء القتلى لكن ليس جميعهم بما أن بعض الجثامين لم يتسن التعرف عليها بسبب الحروق الشديدة. أطلعنا على صور للجثث التي يبدو أنها تفحمت، وكذلك صورة لفتاة عمرها 7 سنوات قال إنه أنقذها، لكن فقدت ساقها بسبب الهجوم.

أظهرت مقاطع الفيديو التي بثها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وراجعتها هيومن رايتس ووتش الدمار الموسع اللاحق بما يبدو أنها منطقة وسط مدينة جسر الشغور.

فر أغلب سكان المدينة من الغارات إلى مخيمات النازحين بالمنطقة الشمالية من المحافظة. قال أبو عاكف: "الوضع في المدينة مأساوي. لم يبق بالمدينة سوى قلة من سكانها، وهم بحاجة للمساعدة، للغذاء والخبز والأغراض الأساسية. لم يعد هناك أحد في المدينة. فروا جميعا".

في 27 سبتمبر/أيلول أعلن مجلس مدينة جسر الشغور المدينة "منطقة منكوبة" وهو مسمى مخصص للمناطق التي تضربها الكوارث وتدمر مرافقها الأساسية وينزح عنها أغلب سكانها.

قلعة المضيق، 20 سبتمبر/أيلول

في 20 سبتمبر/أيلول أدت غارة جوية على قلعة المضيق – وهي بلدة على مسافة 45 كم شمال شرقي مدينة حماة – إلى مقتل 10 أشخاص على الفور، بينهم 4 أطفال، بحسب 4 سكان محليين.

صورة لذخائر لم تنفجر من طراز ShOAB-0.5 في قلعة المضيق، سوريا.  © 2017 خاصةٍ

هاجمت الطائرة البلدة الساعة 4:15 مساء، بحسب الشهود. قال حسين كنج – أحد السكان الذي كان على مسافة 500 متر عندما وقعت الغارة – إن الضربات الجوية أصابت السوق في وسط المدينة، وكذلك حي سكني. أكد هذا اثنان من السكان ومسعف من الدفاع المدني السوري.

قال أحمد نيروزي، وهو مسعف من الدفاع المدني السوري:

شعرنا بالانفجار من جانب البلدة الآخر. عرفنا أين وقعت الضربة من الدخان وألسنة اللهب المتصاعدة، وهرعنا إلى الموقع. رأينا دمارا موسعا. بدأنا فورا في إجلاء المصابين وجمع رفات القتلى.

 

عندما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى نيروزي في 7 أكتوبر/تشرين الأول قال إنهم كانوا ما زالوا يكتشفون رفات أشخاص في مناطق بعيدة عن مركز الانفجار: "لهذه الدرجة كان الانفجار قويا".

قتلت الغارات المتتالية على قلعة المضيق 18 شخصا في المجمل، بينهم 7 أطفال، فضلا عن آخرين معرضين لخطر الموت جراء الإصابات البليغة، على حد قول الشهود. قال السكان إن النازحين من مناطق أخرى في سوريا كانوا بين القتلى، وبينهم طفل واحد على الأقل.

أجبرت الهجمات الكثيرين على الفرار. قال نور نبهان – من سكان البلدة – إن بعد الهجوم الأول فر نحو 90 بالمئة من سكان المدينة إلى مناطق قريبة، منها مخيمات النازحين قُرب الحدود.

الذخائر العنقودية

أفاد سكان وجماعات من المراقبين وصحفيون ونشطاء محليون ومسعفون بأن الطائرات استخدمت في 12 مرة على الأقل ذخائر عنقودية أثناء الهجمات بين 19 و30 سبتمبر/أيلول. في 4 من هذه الهجمات تُظهر الصور ومقاطع الفيديو على الإنترنت ذخائر صغيرة غير منفجرة أو مخلفات أخرى للذخائر العنقودية. وثقت هيومن رايتس ووتش بالتفصيل إحدى هذه الهجمات، في قلعة المضيق، وقد وقعت في 21 سبتمبر/أيلول.

تُطلق الذخائر العنقودية من الأرض باستخدام المدفعية والصواريخ، أو تُلقى جوا من طائرات، وتحتوي على ذخائر صغيرة عديدة. حظرت 119 دولة الذخائر العنقودية نظرا للضرر الذي تؤدي إليه وقت الهجوم ولأن ذخائرها الصغيرة لا تنفجر عادة لدى الارتطام فتهدد المدنيين والعسكريين على السواء، حتى تُطهر الأراضي منها أو تُدمر. على سوريا وروسيا الانضمام إلى اتفاقية الذخائر العنقودية، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

منذ أواسط 2012 استخدمت القوات الحكومية السورية ذخائر عنقودية جويا وأرضيا. زادت هجمات الذخائر العنقودية في سوريا كثيرا منذ بدأت روسيا عمليتها العسكرية هناك في 30 سبتمبر/أيلول 2015.

قلعة المضيق، 21 سبتمبر/أيلول

في 21 سبتمبر/أيلول هاجمت طائرة قلعة المضيق بذخائر عنقودية، بحسب 3 سكان محليين، الدفاع المدني السوري، وصور ومقاطع فيديو حللتها هيومن رايتس ووتش. قتل الهجوم مدنيين اثنين على الأقل وأصاب 10 آخرين على الأقل، بحسب الشهود.

قال السكان إن طائرة هاجمت البلدة بأربع ذخائر عنقودية بعد 6 مساء. قال 3 شهود إن الذخائر الصغيرة سقطت في مناطق عديدة بالبلدة: ضربت حمولة قنبلتين حي الزهراء بوسط البلدة، وضربت واحدة حي حارة مخفر، وضربت الأخيرة الشارع الرئيسي بالبلدة والسوق.

قال حسين كنج – من السكان المحليين وكان قريبا من موقع الهجوم بإحدى الذخائر العنقودية – إن الهجوم كان وقعه عليه أكبر من الهجمات الأخرى التي شاهدها: "بعد هجوم الذخائر العنقودية أصابني الرعب، خفت لدرجة أن ساقي لم تحملاني. قلت من يريد أن يبقى فليبقى، لكن لست أنا. ومن ثم غادرت".

نور نبهان – الذي كان قريبا عندما وقع هجوم بالذخائر العنقودية – قال إن الذخائر الصغيرة غير المنفجرة مشكلة حقيقية وأن طفلة وجدت واحدة منها وجلبتها للدفاع المدني السوري. قال: "اعتراني الرعب. الناس يخافون ما يمكن أن يصادفوه، حتى داخل بيوتهم".

قال كل من نبهان وأحمد نيروزي – من عناصر الدفاع المدني – إن هجمات الذخائر العنقودية في 21 سبتمبر/أيلول قتلت مدنيين اثنين، رجل وامرأة. أبو مهند الغابي – من السكان – قال إن هجوم الذخائر العنقودية على السوق أصاب 6 من أصحاب المحلات في حين أن الهجوم على الحي الشمالي بالبلدة أصاب 9 مدنيين. أعطانا أسماءهم.

أطلعنا الغابي على صورة لمخلفات قال إن الدفاع المدني جمعها بعد هجمات الذخائر العنقودية. تُظهر الصورة أكثر من 30 ذخيرة صغيرة غير منفجرة طراز ShOAB-0.5 وهذه الذخيرة الصغيرة هي بحجم كرة التنس، ومن إنتاج الاتحاد السوفيتي، ومعروف عنها أنها لا تُسقط إلا بواسطة قنبلة عنقودية ملقاة جوا طراز RBK-500. وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام هذا النوع من الذخائر العنقودية من قبل القوات الجوية السورية في مارس/آذار 2013.

أعطى الغابي هيومن رايتس ووتش أيضا مقطع فيديو قال إنه صوره في الحي الشمالي، ويُظهر وهجا في السماء مع انفجار القنبلة العنقودية في الهواء، ويليه انتشار عشرات المتفجرات الصغيرة فوق تلة في ظرف ثوان. وقوع انفجارات صغيرة عديدة متقاربة في منطقة محددة هو من السمات الخاصة بهجمات الذخائر العنقودية. كما يُظهر الفيديو قلعة المضيق التي تعود للعصور الوسطى، ما يؤكد أن الهجوم وقع في البلدة.

هناك فيديو آخر نشرته "قلعة المضيق News" على صفحتها على الفيسبوك مساء 21 سبتمبر/أيلول، يُظهر هجوما مماثلا، لكن هذه المرة وسط مجموعة بيوت، ما يؤكد التقارير بأن أكثر من قنبلة عنقودية ضربت البلدة.

قال جميع الشهود الذين قابلناهم إن المناطق المستهدفة كانت مكتظة بالمدنيين. قال شاهد إن بعض الغارات ضربت مقرات لجماعات تنتمي "للجيش السوري الحر"، لكن لم يكن لهيئة تحرير الشام تواجد بهذه المناطق. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من هذه المعلومات.

هجمات أخرى بالذخائر العنقودية

بالنسبة للهجمات التالية لم تجر هيومن رايتس ووتش تحقيقات تفصيلية، لكن الصور ومقاطع الفيديو التي يُقال إنها من الهجمات المذكورة، تُظهر مخلّفات لذخائر عنقودية.

بعد منتصف ليلة 25 سبتمبر/أيلول بقليل، ذكر "مركز إدلب الإعلامي" أن هجوما بذخائر عنقودية على بلدة معرة حرمة أصاب مدنيين اثنين. نشر المركز صورا لذخيرة صغيرة غير منفجرة طراز ShOAB-0.5.

أفاد مركز إدلب الإعلامي في صباح 29 سبتمبر/أيلول بأن هجوما بذخيرة عنقودية قد وقع على التمعانة بعد منتصف الليل بقليل ذلك اليوم، فقتل 3 نساء وطفلة وأصاب آخرين. نشر الدفاع المدني السوري صورا على صفحة الفيسبوك تُظهر ذخائر صغيرة غير منفجرة طراز ShOAB-0.5 وقطاع الذيل في قنبلة عنقودية طراز RBK-500، قائلا إنه تم العثور على هذه المخلفات بعد هجوم 29 سبتمبر/أيلول على التمعانة. كما نشرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" صورة لذخيرة صغيرة غير منفجرة طراز ShOAB-0.5 قائلة إنها من نفس الواقعة.

نشر الدفاع المدني السوري صورا لعناصر تابعين له يحددون مواقع ذخائر صغيرة طراز ShOAB-0.5 في تلعادة.    

نشر الدفاع المدني السوري على صفحته على الفيسبوك صورا لقطاع الذيل لقنبلة عنقودية طراز RBK-500 قائلا إنه تم العثور عليها إثر هجوم بالذخائر العنقودية في 29 سبتمبر/أيلول. في خبر آخر، أضاف صورا لذخائر صغيرة غير منفجرة طراز ShOAB-0.5 عُثر عليها في جسر الشغور في 20 سبتمبر/أيلول.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.