(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الإيرانية أضافت قيودا جديدة وفرضت عقوبات صارمة جديدة على منتهكي قوانين اللباس الإلزامي في البلاد.
في سبتمبر/أيلول 2024، وافق "مجلس صيانة الدستور"، الهيئة القانونية صاحبة الموافقة النهائية على قوانين إيران، على قانون "حماية الأسرة من خلال تعزيز ثقافة الحجاب والعفة"، الذي سيدخل القانون حيز التنفيذ قريبا، وكان البرلمان قد أقره في 20 سبتمبر/أيلول 2023. يعزز القانون العديد التدابير القائمة أصلا لفرض الحجاب الإلزامي ويفرض عقوبات إضافية صارمة، مثل الغرامات وأحكام السَّجن الأطول، فضلا عن القيود المفروضة على فرص العمل والتعليم للمخالِفات.
قالت ناهيد نقشبندي، باحثة إيران بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "بدلا من الاستجابة لحركة "المرأة، الحياة، الحرية" بإصلاحات جوهرية، تحاول الحكومة الاستبدادية إسكات النساء بقوانين لباس أكثر قمعا. لن يولّد هذا القانون إلا مقاومة شرسة وتحديا من جانب النساء داخل إيران وخارجها".
يتألف القانون الجديد من 71 مادة لا تعزز سيطرة الحكومة على حياة النساء فحسب، بل أيضا تهدد الشركات والمؤسسات التي لا تفرض هذه التدابير التمييزية بالغرامات أو الإغلاق. كما تشدد هذه المواد القانونية العقوبات على النشاط ضد الحجاب الإلزامي (المادة 36)، بما يشمل السَّجن المطوّل. ويوجّه القانون بشكل خاص وزارة الاستخبارات، والحرس الثوري الإسلامي (المادة 24)، والشرطة (المادة 28)، والقضاء (المادة 29) بتحديد التجاوزات وملاحقة مرتكبيها، ويوسّع سلطة هذه الهيئات في هذا المجال.
قدّم الرئيس السابق الراحل إبراهيم رئيسي مشروع القانون إلى البرلمان في 21 مايو/أيار 2023. وفي 12 سبتمبر/أيلول 2023، وافقت اللجنة القضائية والقانونية في البرلمان على تعديلات القانون وفقا للمادة 85 من الدستور الإيراني. وبعد موافقة مجلس صيانة الدستور، سيُطبَّق قانون "الحجاب والعفة" لفترة تجريبية حددها البرلمان الإيراني بثلاث سنوات.
يحدد قانون الحجاب والعفة أشكالا مختلفة من الحجاب "غير اللائق"، مع عقوبات متفاوتة بحسب نوع الحجاب "غير اللائق" الذي يُتَّهم الأشخاص بارتدائه. مثلا، تتناول المادة 47 الأفراد المتهمين بارتداء ملابس "غير محتشمة". بالنسبة للنساء والفتيات، يعني ذلك ارتداء ملابس ضيقة، أو ملابس تكشف أي جزء من الجسم أسفل الرقبة، أو فوق الكاحلين، أو فوق الساعدين. بالنسبة للرجال، يُشير إلى ارتداء ملابس ضيقة تكشف أي جزء من الجسم أسفل الصدر وفوق الركبتين، أو قمصان بلا أكمام تكشف الكتفين.
ويواجه أي شخص يظهر بمثل هذه الملابس في الأماكن العامة، بما فيها الفضاءات الافتراضية، غرامة بين 20 مليون ريال إيراني (31 دولار أميركي) إلى 500 مليون ريال (790 دولار) اعتمادا على تكرار المخالفة. إذا تكررت المخالفة أكثر من أربع مرات، تتصاعد العقوبات لتشمل غرامة تصل إلى مليار و500 مليون ريال (2,380 دولار)، ومنع السفر حتى عامين، وحظر الأنشطة عبر الإنترنت حتى عامين، والسجن حتى خمسة أعوام.
تتناول المادة 48 من قانون الحجاب والعفة العقوبة المفروضة على الأفراد الذين يظهرون في الأماكن العامة في حالة من العري أو شبه العري أو يرتدون ملابس "تعتبر اجتماعيا" معادلة للعري. وتشمل عقوبة مثل هذه الجرائم السَّجن حتى 10 أعوام أو غرامة تصل إلى مليار و500 مليون ريال (2,380 دولار)، وفي حالات المخالفات المتكررة، يمكن أن ترتفع إلى السجن حتى 15 عاما و800 مليون ريال (4,445 دولار). وبموجب المادة 36، يمكن الحكم على أي شخص يروج لثقافة العري، وعدم الاحتشام، والسفور بالتعاون مع كيانات أجنبية بالسجن من خمسة إلى 10 أعوام.
تنص المادة 49 على أن أي امرأة أو فتاة تظهر في الأماكن العامة، سواء حضوريا أو على الإنترنت، دون ارتداء الحجاب بشكل صحيح، بحيث يكون رأسها مكشوفا، ستخضع لغرامة تتراوح من 15 مليون ريال (24 دولار) إلى 500 مليون ريال (790 دولار)، اعتمادا على تكرار المخالفة. إذا تكررت المخالفة أكثر من أربع مرات، ترتفع العقوبات حتى مليار و500 مليون ريال (2,380 دولار)، ومنع السفر حتى عامين، والحظر من الأنشطة عبر الإنترنت حتى عامين، والسجن حتى خمسة أعوام.
ويمتد نطاق القانون إلى الفضاءات الرقمية من خلال معاقبة السلوكيات التي تعزز انتهاك قواعد الحجاب عبر الإنترنت. ويواجه الذين يشاركون محتوى يروج للعري أو يسخر من الحجاب غرامات وقيودا على النشاط على الإنترنت (المادة 37). منصات التواصل الاجتماعي ملزمة بمراقبة مثل هذا المحتوى وإزالته في غضون 12 ساعة (المادة 42). وسيواجه المؤثرون أو الشخصيات العامة الذين يشاركون في هذه الأفعال أو يؤيدونها عقوبات أشد قسوة، مثل غرامات حتى 5٪ من إجمالي أصولهم، فضلا عن منعهم من مغادرة إيران والمشاركة في الأنشطة المهنية (المادة 41). ويمكن أيضا محاسبة أصحاب الأعمال إذا روجوا محتوًى يتعارض مع القيم الإسلامية التي تفرضها الدولة (المادة 39).
وبموجب المادة 28، فإن "قوة إنفاذ القانون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية" (فراجا) ملزمة باستخدام أنظمة تكنولوجية، مثل كاميرات مراقبة المرور والذكاء الاصطناعي، لتحديد المخالفين المحتملين. كما تُلزَم الأجهزة الأمنية بنشر أنظمة عبر الإنترنت لتراقب خروقات الأعراف الاجتماعية وتطبيع ما يسمى "السلوك غير اللائق" وإبلاغ القضاء عن المخالفين.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الإيراني استثنى القاعدة المعتادة التي تقضي بأنّ فقط البرلمان بنصاب كامل يستطيع صياغة القوانين وإقرارها. صوّت البرلمان على السماح للّجنة القضائية والقانونية، وهي مجموعة أصغر داخل البرلمان، بصياغة القانون. وبفضل هذا التفويض، تستطيع مجموعة أصغر أن تقيّد المناقشة المفتوحة وقد لا تعكس آراء جميع الممثلين المنتخبين. وعادة ما يُسمح بمثل هذا التفويض في "الظروف الطارئة" فقط.
يأتي إقرار هذا القانون رغم معارضة الرئيس مسعود بزشكيان العلنية والمستمرة لتطبيق الحجاب الإلزامي بشكل صارم خلال حملته الانتخابية. لكن، بموجب القانون الإيراني، الرئيس ملزم بتنفيذ قرارات البرلمان. إذا امتنع الرئيس بزشكيان عن التوقيع على القرار أو إصداره في المهلة الزمنية المطلوبة، يتعين على الجريدة الرسمية الإيرانية، بناء على تعليمات رئيس البرلمان، نشر القانون في غضون 72 ساعة. ومع ذلك، قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للرئيس بزشكيان رفض التوقيع على القانون وأن يتخذ جميع التدابير الممكنة لتقليل الضرر الناجم عن تطبيقه.
قالت نقشبندي: "على المجتمع الدولي مطالبة إيران بوقف تطبيق قانون الحجاب والعفة الجديد، وأن يضمن بدل ذلك عدم تعرض النساء والفتيات للتمييز والانتهاكات بسبب خياراتهن المتعلقة باللباس".