مُلخّص
رغم أنّ الزواج خارج إطار "محكمة الأحوال الشخصيّة"، التي تُنظّم جميع الشؤون الأسرية للمسلمين في العراق، ممنوع بموجب المادة 10 من "قانون الأحوال الشخصيّة" لسنة 1959، إلا أنّ هذا النوع من الزواج ما زال يحدث في العراق. يتمّ هذا الزواج عن طريق رجال الدين، وهو مقبول عرفا على أنّه زواج صحيح، إلا أنّه لا يصير ساريا من الناحية القانونيّة إلا بعد تسجيله لدى محكمة الأحوال الشخصيّة، وحصول الزوجين على عقد زواج مدني.
بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرن الأول 2023، صدّقت المحاكم العراقية في جميع أنحاء البلاد على 37,727 زواجا تمّ خارج إطار المحاكم مقارنة بـ 211,157 زواجا مدنيا. في كثير من الأحيان، يختار الناس الزواج غير المسجّل للتحايل على شروط الزواج الواردة في قانون الأحوال الشخصيّة، وخاصة القيود المفروضة على زواج الأطفال والزواج القسري وتعدّد الزوجات. في حالات أخرى، قد يرفض الزوج الزواج وفق القانون لتجنّب دفع النفقة الزوجيّة في حالة الطلاق. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ العراقيين الذين عاشوا في مناطق سيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ"داعش") بين 2014 و2017 وتزوّجوا هناك، حصلوا فقط على عقود زواج من داعش، وهي غير معترف بها من الدولة العراقيّة.
وجدت "هيومن رايتس ووتش" أنّ الزيجات الدينية غير المسجّلة تُستخدم أساسا كثغرة تُمكّن من زواج الأطفال. بحسب "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" ("يونامي")، فإنّ 22% من الزيجات التي تتم خارج المحاكم هي لفتيات قاصرات دون سنّ 14 عاما. قال شركاء محليون لـ هيومن رايتس ووتش إنّهم يقدّرون أنّ معظم الزيجات غير المسجلة تشمل فتيات دون 18 عاما. عواقب زواج الأطفال على الفتيات تشمل زيادة مخاطر العنف الجنسي والبدني، وضياع الحقوق، والموت عند الولادة، وأضرار نفسيّة، والحرمان من التعلّم. قالت وردة أ.، التي تزوّجت في سنّ 13 عاما: "إنه يسرق مستقبلك". على مدى السنوات الـ 20 الماضية، ارتفعت معدّلات زواج الأطفال في العراق بشكل مستمر.
يُحدّد قانون الأحوال الشخصيّة السنّ القانونيّة للزواج بـ18 عاما، أو 15 عاما مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي والقابليّة البدنيّة"، وهو ما يوفر فعلا ثغرة قانونية ومخالفة للقانون الدولي والممارسات الفضلى. غير أنّه توجد حالات مسجّلة لرجال دين يسمحون بزواج فتيات لا تتجاوز أعمارهنّ تسع سنوات. في الزيجات التي يكون فيها أحد الزوجين أو كلاهما قاصرا ويتقدّمان إلى المحكمة للتصديق على زواجهما، يجد القضاة أنفسهم أمام الأمر الواقع وغالبا ما يختارون تسجيل زواج القصّر.
الزواج غير المسجّل له آثار كبيرة على حقوق المرأة. أولا، ترتبط العديد من الخدمات العامة وخطط الحماية الاجتماعيّة بالحالة الاجتماعيّة للفرد. مثلا، يُطلب من النساء والفتيات تقديم ما يُثبت أنّهن متزوجات حتى يُنجبن في المستشفيات، وهذا مخالف للمعايير الدوليّة بشأن الحق في الصحّة. نتيجة لذلك، تضطرّ بعض النساء والفتيات إلى الولادة في المنزل، ما يزيد خطر حصول مضاعفات أثناء الحمل والولادة وما بعدها، ويُهدّد صحّة الفتيات، والنساء، وأطفالهنّ الرضع وحياتهم. بالإضافة إلى ذلك، من دون عقد زواج مدني، تكون المرأة غير مؤهلة لبعض برامج الحماية الاجتماعيّة، مثل الرواتب الشهريّة المقدّمة إلى الأرامل، والمطلّقات، والزوجات المهجورات بموجب "قانون الحماية الاجتماعيّة رقم 11 لسنة 2014".
ثانيا، من دون عقد زواج مدني، لا تتمتّع المرأة أو الفتاة التي تسعى إلى الطلاق بأيّ حماية قانونيّة أو سُبل للمطالبة بحقها في المهر والنفقة الزوجيّة والميراث. ليصير ذلك ممكنا، عليها أولا إثبات واقعة الزواج. لكن هذه العمليّة تُمثل تحديا خاصا في الحالات التي تنطوي على طلاق أو وفاة أو اختفاء و/أو عدم اعتراف بالزواج من قبل الزوج. بالنسبة إلى العديد من النساء، فإنّ الأعباء الاجتماعيّة والماليّة والعاطفية المرتبطة بهذا المسار لا يُمكن التغلّب عليها، مما يدفعنّ إلى التخلّي عن تقنين الزواج، وبالتالي عن حقوقهنّ.
هذه الحواجز قد تخلق أيضا آثارا سلبيّة على حقوق الأطفال. الأمهات اللاتي لا يستطعن الطلاق بشكل قانوني قد يُحرمن من المسؤوليّة القانونيّة عن أطفالهنّ حتى وإن كان ذلك يصب في مصلحة الأطفال الفضلى، ما يجعلهم عرضة لخطر الإهمال أو سوء المعاملة. كما أنّ عمليّات الإنجاب خارج المستشفى تجعل أطفال الزيجات غير المسجّلة يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على شهادات الميلاد وغيرها من الوثائق المدنيّة الهامّة. تمنع السياسات التمييزيّة والضارّة الأطفال الذين ليس لديهم هذه الوثائق من الالتحاق بالمدرسة، والتقدّم للعمل في القطاع الخاص، والحصول على وثائق سفر أو الاستفادة من برامج الحماية الاجتماعيّة الأخرى، وجميعها ضروريّة لضمان الحصول على الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة للأطفال.
لا توجد بنود في قانون الأحوال الشخصيّة العراقي تعاقب رجال الدين الذين يعقدون زيجات خارج إطار المحكمة، حتى في الحالات التي تكون الزيجات فيها مخالفة للقانون، ما يُمكّن رجال الدين من خرق القانون العراقي دون محاسبة. يُمكن رفع دعاوى قضائيّة ضدّ رجال الدين باستخدام المادة 240 من "قانون العقوبات" العراقي، التي تعاقب كل شخص يخالف أمرا صادرا عن جهة رسميّة، لكن المدّعين العامين لم يستخدموا هذه المادّة قطّ.
يشمل الحق في الهويّة القانونيّة وفقا للقانون الدولي الاعتراف بوجود الفرد، ووضعه القانوني، وصفاته الشخصيّة من قبل الدولة أو السلطات المعنيّة، وتوثيق كل ذلك. الحق في الحصول على الهويّة القانونيّة بالغ الأهميّة لضمان قدرة الأفراد على ممارسة مجموعة واسعة من الحقوق الأخرى، مثل الحق في الرعاية الصحيّة والتعليم والتوظيف، من بين حقوق أخرى. هذا الحق مكفول في العديد من الصكوك الدوليّة لحقوق الإنسان التي صادق عليها العراق، ومنها "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" واتفاقية حقوق الطفل"، و"الدستور العراقي" وغيره من القوانين المحليّة. تعترف المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان بحق النساء والفتيات في العيش بمنأى عن العنف البدني والنفسي والجنسي، فضلا عن الحماية المتساوية بموجب القانون، والتحرر من التمييز، غير أن معظم زيجات الأطفال تشمل رجالا راشدين وفتيات. زواج الأطفال هو شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر)، وغالبا ما يُؤدّي إلى انتهاك حقوق أخرى، مثل حق الفتيات المتزوجات في التعليم، والتحرر من العنف، والحقوق الإنجابيّة، والحصول على الرعاية الصحيّة الإنجابيّة والجنسيّة، والتوظيف، وحريّة التنقل، والحق في الزواج بالتراضي.
التوصيات
إلى العراق
إلى البرلمان العراقي
- اعتماد خطّة عمل وطنيّة للقضاء على زواج الأطفال.
- تحديد سنّ الزواج الدنيا بـ18 عاما دون أيّ استثناءات، وإلغاء الاستثناءات الواردة في المادة 8 (أولا) من قانون الأحوال الشخصيّة التي تسمح بزواج القاصرين بإذن من القاضي بعد إثبات القدرة البدنيّة.
- إصلاح القوانين ذات الصلة التي تحكم الحصول على الجنسيّة وتسجيل الولادات والسماح بتسجيل جميع الولادات والحصول على الجنسيّة العراقيّة والوثائق القانونية المرتبطة بها، بما يشمل أطفال الرجال العراقيين و/أو النساء العراقيات من زيجات غير مسجّلة، والأطفال مجهولي النسب. هذا يشمل "قانون الجنسية" لسنة 1972، و"قانون البطاقة الوطنيّة" لسنة 2016، و"قانون تسجيل الولادات والوفيات" لسنة 1971، و"قانون رعاية القاصرين" لسنة 1980، وقانون الأحوال الشخصيّة لسنة 1959.
- ضمان تمكين الأشخاص الذين أجبروا على الزواج وهم أطفال وخضعوا للزواج القسري من طلب إلغائه دون تحميل الضحيّة أعباء لا داعٍ لها، حتى بعد إتمام الزواج. يُمكن فعل ذلك بتعديل المادة 3 (ثانيا) من قانون الأحوال الشخصيّة لتشمل استثناءً لزواج القاصرات والزواج القسري وإزالة القيد في المادة 9 (أولا) الذي ينصّ على ما يلي: "يُعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا إذا لم يتمّ الدخول". ينبغي ألا يؤثر الإلغاء على الوضع والحماية القانونيّة لأيّ أطفال يولدون من هذا الزواج.
- إلغاء الحكم الوارد في المادة 25 (أولا) من قانون الأحوال الشخصيّة الذي ينصّ على حرمان الزوجة من النفقة الزوجيّة "إذا تركت بيت زوجها بلا إذن، وبغير وجه شرعي، وإذا حُبست عن جريمة أو دين، وإذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي". يجب إصلاح الأحكام الأخرى التي تنظم الطلاق لضمان معاملة النساء والرجال على قدم المساواة في إجراءات الطلاق.
- تجريم الاغتصاب الزوجي بشكل كامل وفي جميع الظروف، بما في ذلك الزيجات المسجّلة وغير المسجّلة.
- اتخاذ الخطوات اللازمة لسنّ قانون شامل للعنف الأسري، من خلال مراجعة مشروع القانون بشكل عاجل لضمان مطابقته للمعايير الدوليّة، ثم إقرار وتفعيله دون تأخير.
- إلغاء المادة 41 (أولا) من قانون العقوبات العراقي التي تمنح الزوج حقا قانونيا في "تأديب" زوجته، والآباء في تأديب أطفالهم "في حدود ما هو مقرّر شرعا وقانونا أو عرفا".
- إلغاء المادتين 128 و409 من قانون العقوبات العراقي اللتين تعتبران "ارتكاب جريمة لبواعث شريفة" "عذرا مخففا"، وتنصّان على عقوبة مخففة للشخص الذي يقتل زوجته أو يعتدي عليها في حال وجدها متلبّسة بالزنا، أو إحدى قريباته إذا وجدها تمارس الجنس خارج الزواج.
- إلغاء المادة 398 من قانون العقوبات التي تسمح لمرتكب الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي من الإفلات من المحاكمة أو إلغاء العقوبة الصادرة ضدّه في حال تزوّج من الضحيّة.
- تعديل قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصيّة ليشملا عقوبات على رجال الدين وأصحاب المكاتب الشرعية الذين يجرون عقود زواج مخالفة لقانون الأحوال الشخصيّة.
- تخصيص تمويل لعدد من دور الإيواء والأسرّة بما يكفي لتلبية احتياجات السكّان بشكل كامل، بما يتماشى مع أفضل الممارسات على المستوى الدولي. إلغاء شرط حصول الشخص على أمر من المحكمة للوصول إلى ملجأ، وتمويل التوعية العامة المستمرّة لإعلام الجميع بتوفر ملاجئ للأشخاص الذين يتعرضون للعنف القائم على الجندر. إلغاء الحظر الذي يمنع إدارة الملاجئ من قبل المنظمات غير الحكومية بشكل مستقل.
- زيادة وتحسين توافر الرعاية الصحيّة الإنجابيّة، بما يشمل المعلومات حول وسائل منع الحمل والحصول عليها، لجميع الفتيات والنساء في المناطق الريفيّة والحضريّة من خلال تخصيص موارد أكبر من الإنفاق الصحي الوطني والمزيد من الموظفين.
إلى "مجلس القضاء الأعلى"
- اتخاذ خطوات للحدّ من انتشار الزواج خارج المحاكم، بما في ذلك من خلال صياغة لوائح:
- تفرض على رجال الدين وأصحاب المكاتب الشرعية الذين يعقدون الزيجات التأكد من توفر الشروط القانونيّة للزواج بين الزوجين، بما في ذلك تزويج الذين أكملوا المراسم المدنيّة فقط، ومنعهم صراحة من عقد أيّ زيجات يكون أحد طرفيها أو كلاهما دون 18 عاما.
- تفرض على رجال الدين والمكاتب الشرعية تقديم لوائح بالأشخاص الذين تزوّجوا ونُسخا من عقود زواجهم إلى المحاكم كلّ شهر.
- تفرض على رجال الدين وأصحاب المكاتب الشرعية الذين يعقدون الزيجات التأكد من توفر الشروط القانونيّة للزواج بين الزوجين، بما في ذلك تزويج الذين أكملوا المراسم المدنيّة فقط، ومنعهم صراحة من عقد أيّ زيجات يكون أحد طرفيها أو كلاهما دون 18 عاما.
- زيادة عدد القضاة المنتدبين في محاكم الأحوال الشخصيّة لتقليص العدد الهائل للقضايا الموكلة إلى كلّ قاض.
- إجراء تقييم لعمليّة تسجيل الزواج لتحديد التغييرات الإجرائيّة التي من شأنها تقليص الحواجز وعدم الكفاءة البيروقراطية التي تعرقل تسجيل الزواج.
- إصدار توجيهات وتدريب القضاة على تقييم موافقة الأفراد على الزواج، والتأكد من أنّ موافقة الطرفين كاملة وحرّة، وتمكين القضاة وتوجيههم برفض السماح بإجراء الزيجات عندما يكون أحد الطرفين موضع شكّ.
- إصدار توجيهات وتدريب القضاة على ضمان معاملة النساء والرجال على قدم المساواة أثناء إجراءات الطلاق.
- الشروع في ملاحقات قضائية ضدّ جميع رجال الدين وأصحاب المكاتب الشرعية الذين يعقدون زيجات تخرق قانون الأحوال الشخصيّة باستخدام المادة 240 من قانون العقوبات، في انتظار مراجعة هذه القوانين من قبل البرلمان لتجريم هذه الأفعال بشكل صريح.
إلى وزارة الداخليّة العراقيّة
- تدريب المسؤولين عن تنفيذ القانون حول التمييز الجندري والعنف ضدّ النساء والأطفال، بما في ذلك التدريبات المتعلقة بالتحقيق في زواج القاصرات.
إلى وزارة التربية العراقيّة
- السماح للأطفال الذين لا يحملون وثائق بالتسجيل في المدارس والحصول على شهادات تعليميّة.
- زيادة فرص حصول الفتيات على تعليم، بما يشمل تقديم حوافز إلى الأسر لإبقاء البنات في المدارس، مثل الرواتب الشهريّة المشروطة باستمرار تسجيل البنات في المدارس وحضورهن الدروس.
- توفير تعليم رسمي مستمرّ وفرص تدريب مهني للفتيات المتزوجات والأمهات اللواتي انقطعن عن التعليم.
- تنظيم حملات توعية حول مخاطر زواج الأطفال والزواج خارج المحكمة، بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى.
إلى وزارة الصحّة العراقيّة
- منع جميع الاستفسارات المتعلّقة بالوضع الاجتماعي للفتيات والنساء عند السعي إلى الحصول على رعاية صحيّة، والسماح لجميع النساء والفتيات بالولادة في المستشفيات بغضّ النظر عن وضعهن الاجتماعي.
- ضمان الحصول على رعاية صحيّة جنسية وإنجابية شاملة، بما في ذلك معلومات حول منع الحمل، والحصول على جميع خيارات ووسائل منع الحمل، والرعاية الشاملة لأمراض النساء، ورعاية ما قبل الولادة وبعدها، والولادة ورعاية الرضع، لجميع الفتيات والنساء في المناطق الريفية والحضريّة.
- ضمان الحصول على دعم نفسي اجتماعي وخدمات نفسيّة تحترم الحقوق، وخاصة تلك التي تراعي احتياجات الفتيات القاصرات المتزوجات وضحايا العنف الأسري.
- توعية الكوادر الصحية والجمهور حول أهميّة تسجيل جميع الولادات، بما فيها الولادات المنزليّة.
إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة العراقيّة
- توسيع برامج الرعاية الاجتماعية والقروض الميسرة لضمان تغطية شاملة وكافية للأمهات اللاتي لديهن أطفال قصّر.
إلى المجتمع الدولي والحكومات المانحة
- توجيه التمويل إلى المنظمات الموجودة في الميدان التي تُقدّم مساعدة قانونيّة إلى الأشخاص الراغبين في إصدار أو إعادة إصدار وثائق تسجيل زيجاتهم.
- حث العراق على إجراء الإصلاحات التي يدعو إليها هذا التقرير في مناسبات تشمل التواصل الثنائي و"الاستعراض الدوريّ الشامل" الذي تجريه "الأمم المتحدة".
إلى المنظمات غير الحكوميّة ومنظمات المجتمع المدني
- زيادة أنشطة التوعية حول مخاطر زواج القاصرات والزواج خارج المحاكم.
- زيادة المساعدة القانونيّة للأفراد الراغبين في إصدار أو إعادة إصدار وثائق وتسجيل زواجهم.
المنهجية
يستند هذا التقرير إلى مقابلات أجراها باحثو هيومن رايتس ووتش في العراق وعن بعد، عبر الهاتف، في مايو/أيار 2023. قابل الباحثون ثمانية نساء ورجلين، جميعهم تزوّجوا خارج المحاكم، وطفل من والدين تزوجا خارج إطار المحاكم أيضا. نظرا إلى صغر حجم العيّنة، فإنّ البيانات المجمّعة ليس لها أهميّة إحصائيّة. قابل الباحثون كذلك قاضيا من "محكمة البياع" في بغداد.
أخبر الباحثون جميع من قابلوهم بالغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعيّة والطرق التي ستستخدم بها هيومن رايتس ووتش المعلومات، وحصلوا على موافقات مستنيرة منهم جميعا. فهم الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات أنّهم لن يحصلوا على تعويض مقابل مشاركتهم في هذا البحث. استُخدمت أسماء مستعارة كلما طلب الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات ذلك.
قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا ممثلين عن أربع منظمات غير حكومية محليّة ("جمعيّة نساء بغداد"، و"منظمة المرأة العراقية النموذجية"، و"تموز"، و"برج بابل") ومنظمتين غير حكوميتين دوليتين ("لجنة الإنقاذ الدولية" واليونيسف") تعمل على مسائل تتعلق بالحصول على الوثائق المدنية، وحقوق المرأة والطفل، والعنف الأسري في العراق.
يُركّز التقرير في غالبه على العراق الاتحادي، رغم وجود إشارات إلى إقليم كردستان العراق. يتناول التقرير فقط حالات الزواج غير المسجّلة للمسلمين. بما أنّ قانون الأحوال الشخصيّة لسنة 1959 يستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، تعتبر الأقليات الدينية المعترف بها معفيّة منه، وعليها اتباع مبادئها الدينيّة في ما يتعلّق بالزواج، رغم أنّها ملزمة بتسجيله في محاكم الأحوال الشخصيّة حتى يصير صحيحا من الناحية القانونيّة.[1]
أطلعت هيومن رايتس ووتش مجلس القضاء الأعلى على نتائج بحثها يوم 1 أغسطس/آب 2023، وطلبت منه معلومات إضافيّة. ردّا على الرسالة، نظم مجلس القضاء الأعلى اجتماعا ضمّ هيومن رايتس ووتش، ورئيس "هيئة الإشراف القضائي"، وممثلا عن قسم حقوق الإنسان في وزارة الشؤون الخارجيّة يوم 17 سبتمبر/أيلول 2023، وقد تمّ تضمين الردود في التقرير.
الخلفية
الزواج وفقا لقانون الأحوال الشخصيّة العراقي لسنة 1959
يُحدّد قانون الأحوال الشخصيّة العراقي لسنة 1959 الظروف والشروط التي ينبغي توفرها لكي يُعتبر زواج المسلم صحيحا.[2] يُحدّد القانون السنّ القانونية للزواج بـ18 عاما ويشترط أن يكون الزوجان عاقلين.[3] غير أنّه ينصّ أيضا على استثناءات للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 عاما، حيث يُمكنهم الزواج بإذن من القاضي شرط تحقق "البلوغ الشرعي والقابليّة البدنيّة".[4] في الحالات التي يعترض فيها الوليّ على الزواج، يستطيع القاضي تجاوز الوليّ إذا وجد اعتراضه غير جدير بالاعتبار.[5]
تحظر المادة 3 تعدّد الزوجات دون إذن من القاضي وتفرض على الزوج إثبات توفر إمكانيات ماليّة لإعالة أكثر من زوجة، مع وجود مصلحة مشروعة للسماح بأكثر من زواج.[6] كما تحظر المادة 9 الزواج بالإكراه، وتنصّ على أنّه "يُعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا، إذا لم يتم الدخول".[7] كل من يُكره شخصا على الزواج يُعاقب بالسجن و/أو غرامة.
يفرض قانون الأحوال الشخصيّة تسجيل الزواج لدى محكمة الأحوال الشخصيّة، ويشترط على الزوجين تقديم بيان يتضمن "هويّة العاقدين وعمرهما ومقدار المهر وعدم وجود مانع شرعي من الزواج"، وتقرير طبّي "يؤيّد سلامة الزوجين من الأمراض السارية والموانع الصحيّة".[8]
إذا عقد الزوجان زواجا غير مسجّل، فلا تُعاقب الزوجة بينما يُعاقب الزوج "بالحبس مدّة لا تقلّ عن ستّة أشهر ولا تزيد عن سنة، أو بغرامة لا تقلّ عن 300 دينار [عراقي] [0.23 دولار أمريكي] ولا تزيد عن ألف دينار [0.77 دولار]". وترتفع مدّة السَّجن إلى ثلاث سنوات على الأقل وخمس سنوات على أقصى تقدير إذا عقد زواجا آخر غير مسجّل وهو متزوّج.[9] مثلما هو مبيّن أدناه، أوصى مجلس القضاء الأعلى القضاة بعدم تطبيق عقوبات السجن.
لا توجد أي بنود في قانون الأحوال الشخصيّة وقانون العقوبات العراقي تفرض عقوبات صريحة على رجال الدين الذين يعقدون زيجات غير مسجّلة، حتى وإن كانت ممنوعة بموجب قانون الأحوال الشخصيّة.[10]
يُحدّد قانون الأحوال الشخصيّة أيضا الحقوق والأحكام الزوجيّة (المهر والنفقة)، وفسخ عقد الزواج (الطلاق، والتفريق القضائي، والتفريق الاختياري)، والنسب، والرضاعة، والحضانة، والميراث.
العوامل الدافعة للزواج خارج المحاكم
من الناحية الاجتماعية في العراق، يُعتبر الزواج الشرعي (الديني) مشروعا رغم عدم الاعتراف به رسميّا من قبل الدولة إلا بعد تسجيله لدى محكمة الأحوال الشخصيّة. قد يظنّ بعض الأزواج أنهم لا يحتاجون إلى تسجيل زواجهم لدى المحاكم أو قد يجهلون مخاطر الزواج غير المسجّل بينما يرغب آخرون في هذا النوع من الزواج لتجنب العقبات البيروقراطية أو المالية في استكمال عمليّة الزواج.
لكن في كثير من الأحيان يختار الناس الزواج غير المسجّل للتحايل على الشروط التي ينصّ عليها قانون الأحوال الشخصيّة، وخاصة القيود المتعلقة بزواج الأطفال، والزواج القسري، وتعدد الزواج، وفقا لقاض وأربع منظمات محليّة تحدّثت إليها هيومن رايتس ووتش.[11] يعود هذا في جزء منه إلى أنّ رجال الدين والمكاتب الشرعية الذين يعقدون الزواج غير ملزمين قانونيا بالتأكد من استيفاء الزوجين الشروط الضروريّة للزواج أو التأكد من تسجيل زواجهما لاحقا.[12] إضافة إلى ذلك، فإنّ العراقيين الذين عاشوا في مناطق سيطر عليها داعش بين 2014 و2017 وتزوّجوا هناك لديهم فقط عقود زواج صادرة عن داعش، وهي غير معترف بها من قبل الدولة العراقية، ما جعلهم عاجزين عن تسجيل زواجهم.[13]
ثانيا، رغم أنّ قانون الأحوال الشخصيّة يحظر الزواج بالإكراه، إلا أنّ هذه الممارسة مستمرّة في العراق، وخاصة خارج المحاكم.[14] قد يُعقد هذا النوع من الزواج لتقليص الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الأسرة ولاعتقاد الآباء والأمهات في أنّه سيضمن مستقبلا أفضل لابنتهم.[15] في حالات أقلّ شيوعا، قد يحصل الزواج بالإكراه في إطار الممارسة الضارة المعروفة بـ"زواج الفصليّة"، حيث تتم مقايضة أفراد الأسرة، عادة بالنساء والأطفال، لتسوية النزاعات بين العشائر.[16]
إضافة إلى ذلك، تسمح المادة 398 من قانون العقوبات لمرتكبي الاغتصاب والاعتداءات الجنسيّة بالإفلات من المحاكمة أو إلغاء الأحكام الصادرة ضدّهم إذا تزوّجوا من ضحيتهم.[17] وكثيرا ما تواجه الضحايا ضغوطا كبيرة للزواج من مغتصبيهنّ خوفا على سمعة الأسرة، والعار في المجتمع، والاعتقاد أنهنّ لن يجدن زوجا آخر بعد الاغتصاب.[18] رغم أنّ هذا الزواج عادة ما يكون بالإكراه ويجب اعتباره غير قانوني بموجب المادة 9 من قانون الأحوال الشخصيّة، إلاّ أنّه لا يزال يحدث داخل المحاكم وخارجها.
في حالات أخرى، قد يختار الرجال الزواج غير المسجّل لتجنّب دفع النفقة الزوجية في حال الطلاق أو لحرمان زوجاتهم من حقوق الميراث في حال الوفاة.[19] في غياب شهادة زواج مدني، تُحرم الزوجة من المطالبة القانونية بحقها في النفقة أو الميراث.[20]
أخيرا، قد لا يستطيع الأشخاص الذين تنقصهم وثائق تقديم إثبات الهويّة اللازم لتسجيل زواجهم، وبالتالي لا يبقى أمامهم أي خيار سوى الزواج خارج المحاكم.
تسجيل الزواج المعقود خارج المحكمة
على الورق، تتسم الخطوات اللازمة لتسجيل الزواج الشرعي بالبيروقراطية وقد تكون مكلفة، لكنها واضحة نسبيا إذا كان الزوجان مستعدين لتسجيل زواجهما.[21] يتعيّن عليهما أولا تقديم طلب تصديق لدى محكمة الأحوال الشخصيّة، وتقديم بطاقات الهويّة الوطنيّة الموحّدة (أو هوية الأحوال الشخصيّة، والجنسية العراقية، وبطاقات الإقامة)، وعقد الزواج الشرعي، وشاهدين على الزواج، وصورا فوتوغرافية للزوجين.[22]
ثمّ يحال الزوجان إلى محكمة التحقيق. يُحمّل قانون الأحوال الشخصيّة مسؤوليّة الزواج غير المسجّل للزوج، ويعتبره جانيا والزوجة شاهدة على الجريمة.[23] أمّا إذا عُقد الزواج بعد صدور قانون العفو في 1 يناير/كانون الثاني 2008، فيُحال الزوجان إلى محكمة الجنح.[24]
بعد ذلك تأمر محكمة الجنح الزوج بدفع غرامة رمزية قيمتها 500 دينار عراقي (0.38 دولار)، وتُحيل الزوجين مرة أخرى إلى محكمة الأحوال الشخصيّة للتصديق على عقد الزواج أو إصدار عقد جديد.[25] يحتوي قانون الأحوال الشخصيّة على بند يُعاقب بالسجن "مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة" (المادة 10)، رغم أنّ قاضيا في مجلس القضاء الأعلى قال لـ هيومن رايتس ووتش إنّ قضاة الأحوال الشخصيّة تلقوا توجيها بعدم فرض عقوبة السجن على الزوج.[26]
يُصبح تسجيل الزواج الشرعي أكثر تعقيدا بكثير في حالات الطلاق أو الوفاة أو الاختفاء أو إنكار الزواج قبل تسجيله.[27] ينطبق هذا بشكل خاص على الحالات التي تنطوي على فقدان وثائق مدنيّة، أو في حال لم يتمكن أحد الزوجين من توفير ما يُثبت الزواج (مثلا عندما يكون عقد الزواج الديني شفهيا أو مفقودا).[28] تُشكّل تكاليف إجراءات التسجيل – بما في ذلك أتعاب المحامي، والغرامات، ومصاريف النقل، والرشاوى – عقبة إضافية أمام الأسر ذات الدخل المنخفض.[29]
إجراءات الطلاق في الزيجات غير المسجّلة
غالبا ما تتمّ عمليّات الطلاق في الزيجات غير المسجّلة خارج المحاكم، وعادة ما يتوسّط فيها شيخا العشيرة لكلا الزوجين، ثمّ يتمّ التصديق عليها في المحكمة.[30] بين فبراير/شباط ومايو/أيار 2023، صدّقت المحاكم العراقيّة على 17,723 طلاقا تمّ الاتفاق عليه خارج المحاكم.[31] لكن دون زواج معترف به قانونا، لا تملك المرأة من الناحية القانونية حق المطالبة بالنفقة الزوجية والإنفاق على الأطفال والمهر في حال رفض زوجها ذلك، أو ضمان المسؤولية الأبويّة القانونيّة على الأطفال إذا رفض منحها أيضا.
للتمتع بهذه الحقوق، يجب أولا تسجيل عقد الزواج ثم البدء في إجراءات الطلاق. غير أنّ الأزواج الذين يسعون إلى الطلاق دون عقد زواج مدني يجدون الزوج غير متعاون في تسجيل عقد الزواج (أنظر أدناه، "إنكار الزواج غير المسجل").
يُمكن لكلا الزوجين طلب التفريق القضائي في بعض الحالات المحدّدة في قانون الأحوال الشخصيّة، بما في ذلك إذا تمّ عقد الزواج قبل أن يبلغ أحد الزوجين 18 عاما دون إذن من القاضي، أو إذا تمّ الزواج خارج المحكمة بالإكراه وتم الدخول، أو إذا تزوّج الزوج من امرأة ثانية دون إذن من المحكمة.[32]
يُمكن للمرأة أن تطلب التفريق إذا غاب زوجها عامين أو أكثر، أو سُجن ثلاثة أعوام أو أكثر، أو اختفى منذ أربعة أعوام أو أكثر.[33] غير أن تسجيل الزواج في هذه الحالات ينطوي على مجموعة من التعقيدات الإضافيّة (أنظر أدناه، "تسجيل الزواج غير المسجّل بعد الوفاة" و"الاختفاء أو الهجر").
إنكار الزواج غير المسجّل
إذا أنكر الزوج زواجا غير مسجل ورفض المشاركة في عمليّة إثباته، يتعيّن على الزوجة تقديم عريضة ضدّه مع المستندات المؤيّدة لتثبت زواجها منه.[34] يجب أن تتضمن المستندات آخر عنوان معروف للزوج، والذي يُستخدم لاستدعائه للحضور إلى المحكمة. إذا كان للزوجين أطفال لكن الزوج أو أسرته أنكروا الزواج، يسمح القانون العراقي بالتحقق من نسب الأطفال من خلال اختبار الحمض النووي.[35]
مثل هذه الحالات تحصل عادة عندما تطلب الزوجة الطلاق لكن الزوج يرفضه أو لا يرغب في دفع نفقة زوجيّة لها.[36]
قال محام يُمثل امرأة بصدد إجراءات الطلاق لـ هيومن رايتس ووتش إنّ العمليّة تكلّف حوالي 3 ملايين دينار عراقي (2,290 دولار)، بما في ذلك الرسوم القانونيّة ونفقات القضيّة والرشاوى، و150 ألف دينار عراقي (114.55 دولار) عن كل محاولة تخصيص دوريّة شرطة للقبض على الزوج.[37] أوضح المحامي:
من الناحية القانونيّة، يُمكنها أن تفعل ذلك دون محام، لكن عمليّا هذا مستحيل. سيتعيّن عليها الذهاب إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى، وقد تتعرّض هناك إلى مضايقات، خاصّة إذا كانت الشرطة تعرف زوجها. لا يقبل مجتمعها أن تعتقل الشرطة الزوج، وقد تتعرّض للوصم المجتمعي أو الانتقام العشائري عندما تصدر الشرطة استدعاءً له.[38]
قالت فاطمة ب.، التي تزوجت للمرة الأولى في سنّ 14 عاما لـ هيومن رايتس ووتش إنها تعيش وضعا مماثلا. هجرها زوجها بعد سنة من الزواج، وهو يرفض تسجيل عقد زواجهما الشرعي. قالت: "قدّمت شكوى ضدّ زوجي، لكنّ تهديدات وصلت أسرتي من عشيرته دفعتني إلى سحبها".[39]
بالنسبة إلى العديد من النساء، تبدو الأعباء الاجتماعيّة والماليّة والعاطفيّة المرتبطة بهذه العمليّة مستعصية، ما يدفعهنّ إلى التنازل عن التسجيل – وبالتالي عن حقوقهنّ – لصالح إنهاء الزواج. في استبيان موجّه إلى 1,765 امرأة بصدد الطلاق في بغداد، قالت 925 منهنّ إنّهنّ تنازلن عن حقوقهنّ لاستكمال الطلاق.[40]
إثبات الزواج غير المسجّل بعد الوفاة
إذا توفي أحد الزوجين، يظلّ إثبات الزواج بعد الوفاة ممكنا عند تقديم شهادة وفاة رسميّة، وشاهدين يشهدان على الزواج، والعقد الشرعي، وأدلّة أخرى (مثل الصور الفوتوغرافية لحفل الزفاف).[41]
لكن فقط بين 70 و90% من الوفيات يتمّ تسجيلها في العراق.[42] في حال عدم توفر شهادة وفاة أو دليل على الوفاة، يتعيّن على الزوج الباقي على قيد الحياة أن يُعلن الزوج المتوفي مختفيا منذ عامين قبل أن تُصدر له المحكمة شهادة وفاة.[43] للقيام بذلك، يتعيّن على الزوج الذي بقي على قيد الحياة تقديم طلب لدى مركز الشرطة المحليّة، مع شاهدين من الذكور أو أربع شاهدات من الإناث، وإعلام الشرطة بالظروف التي اختفى فيها الشخص.[44] هذا القانون، الذي يُعطي قيمة أقلّ للشاهدات، فيه أيضا انتهاك لالتزامات العراق بموجب القانون الدولي.[45] يتم بعد ذلك فتح قضيّة لدى محكمة التحقيقات الجنائيّة، ويتعيّن على الأسرة نشر إعلان عام عن الشخص المفقود في الصحف المحليّة.[46] بعد انقضاء أربع سنوات دون أخبار من الشخص المفقود، يُمكن للزوج أن يطلب من محكمة الأحوال الشخصيّة إعلان الشخص المختفي متوفيا، وعندها يُمكن للزوج الذي ظلّ على قيد الحياة تسجيل الزواج وتحديث بطاقة الأحوال المدنية الخاصة به ليسجل عليها كأرمل (ة).[47]
الاختفاء أو الهجر
إذا هجر أحد الزوجين الزوج الآخر أو اختفى (دون افتراض وفاته)، يتعيّن على الزوج المهجور رفع دعوى ضدّ الزوج الآخر مع مستندات تثبت زواجهما، وتزويد المحكمة بآخر عنوان معروف للشخص المختفي. بعد ذلك تستدعي المحكمة المجلس المحلّي المعني لتأكيد العنوان المذكور.[48] وبعد التأكيد، تستدعي المحكمة الزوج للحضور إليها.[49]
ثغرة زواج الأطفال
زواج الأطفال داخل المحاكم وخارجها في العراق
على مدى السنوات الـ20 الماضية، تزايدت معدلات زواج الأطفال في العراق بشكل مطّرد. وجدت دراسة أجرتها وزارة التخطيط و"الجهاز المركزي للإحصاء" أنّ 5.2% من النساء تزوّجن قبل سنّ 15 عاما. وجدت أيضا أنّ 25.5% من النساء في العراق تزوّجن قبل سنّ 18 عاما.[50] بحسب اليونيسف، فإنّ 28% من الفتيات في العراق يتزوجن قبل بلوغ 18 عاما.[51] كانت ستّ من أصل ثماني نساء قابلتهنّ هيومن رايتس ووتش دون 18 عاما لمّا تزوّجن لأول مرّة، وقال الرجلان اللذان قابلتهما هيومن رايتس ووتش إنّهما تزوجا قبل أن تبلغ زوجتاهما 18 عاما. من بين هذه الزيجات الثماني غير المسجلة التي شملت زوجات دون السن القانونية، تزوجت واحدة منهن عندما كان عمرها 13 عاما، وخمسة في عمر 14، واثنتين بين 15 و17 عاما. يقترن زواج الأطفال بعواقب مدمّرة طويلة المدى على صحّة وحياة الأطفال المتزوّجين وأسرهم.[52]
وفقا لـ " بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، فإنّ 33.9% من الزيجات في العراق غير مسجّلة، و22% منها فيها فتيات دون 14 عاما.[53] رغم أنّ يونامي لم تقدّم بيانات عن نسبة الزيجات التي فيها فتيات دون 18 عاما، إلا أنّ شركاء محليّين يعملون على هذه القضية قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنّه اعتمادا على خبرتهم، فإنّهم يقدّرون أنّ غالبيّة الزيجات غير المسجّلة تتعلق بفتيات دون 18 عاما.[54] كرّر وجهة النظر هذه قاض من مجلس القضاء الأعلى، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنّ زواج الأطفال هو أحد الدوافع الرئيسيّة للزواج غير المسجل.[55]
قد تختار بعض الأسر زواجا شرعيا غير مسجّل عندما يكون أحد الزوجين أو كلاهما دون السنّ القانونيّة، مع الاتفاق على تسجيله عندما يبلغ أحد الزوجين أو كلاهما سنّ 18 عاما. لكن هذا قد تنجرّ عنه مشاكل كبيرة إذا حملت المرأة أو حصل طلاق، أو توفي أحد الزوجين أو اختفى قبل تسجيل الزواج.
العديد ممّن أجريت معهم مقابلات وكانوا قد تزوّجوا وهم أطفال قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنّهم كانوا صغارا على فهم العواقب المترتبة عن الزواج غير المسجل والزواج في سنّ مبكّرة. قالت فاطمة ب.، التي تزوجت في سن 14 عاما، لـ هيومن رايتس ووتش: "لم أكن ناضجة بما يكفي لأفهم عواقب عدم إتمام عقد زواج قانوني، لكن والدتي ظلّت تطلب مني أن أطلب من زوجي التوقيع على العقد، لكن كلما طلبت منه ذلك، استمرّ في المماطلة".[56]
تزوّج وسام (30 عاما)، من محافظة ديالى، زوجته عام 2016 لما كان عمرها 14 عاما. لأنها كانت طفلة، لم يُسجّلا زواجهما. لديهما ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام، ولا أحد منهم يملك وثائق مدنيّة، رغم أنهما سجلا زواجهما منذ ذلك الحين. قال لـ هيومن رايتس ووتش:
أتممت عقد زواجي في 2020، لكّنني لم أخبر القاضي أنّ لدي ثلاثة أطفال خشية أن يطالبوني بمبالغ مالية أو يسجنوني. حاولت تسجيلهم، لكنّ العمليّة صعبة لأنّه يتعيّن عليّ نقل سجلّ وثائقي المدنيّة من ديالى إلى بغداد. أنا عامل يومي، ولا أستطيع دفع مبلغ 1.5 مليون دينار (1,143 دولار) الذي طلبه المحامي، ولا أستطيع فعل ذلك بنفسي دون الغياب عن العمل لفترة طويلة. ليس لديّ الوقت والمال للقيام بذلك، فالأمر سيستغرق أشهرا. سيبلغ ابني الأكبر سنّ السادسة العام القادم، لكنّه لا يستطيع التسجيل في المدرسة لأنّه بلا هوية.[57]
عندما يتقدّم زوجان إلى المحكمة لتسجيل زواجهما، ويكون أحدهما أو كلاهما قاصرين، يجد القاضي نفسه أمام الأمر الواقع. إذا رفض تسجيل الزواج، ستكون النتائج سلبيّة على الزوجين والأطفال. من ناحية أخرى، يُضعِف استمرار القضاة في تسجيل عقود الزواج الدينيّة للقصّر سيادة القانون ولا يفعل شيئا يُذكر للحدّ من انتشار زواج الأطفال في العراق. يجد معظم القضاة أنفسهم بين المطرقة والسندان، فيختارون تسجيل زواج القصّر.
شهدت هيومن رايتس ووتش هذا المأزق في محكمة البياع، غرب بغداد، في مايو/أيار 2023. حيث دخلت فتاة (17 عاما)، وكان واضحا للعيان أنها حامل، مع والدها وزوجها (20 عاما). كانا قد تزوجا قبل سنة، ويُريدان تسجيل زواجهما قبل الولادة. دون تعمق في ملابسات الزواج أو سؤال العروس القاصر عمّا ترغب، سألها القاضي هي ووالدها وزوجها ما إذا كانوا موافقين على الزواج، ثم صدّق عليه.
إذا طبّق القضاة عقوبات على زواج الأطفال، تكون الغرامات رمزيّة (250 دينار (0.19 دولار)). بموجب المادة 9(2) من قانون الأحوال الشخصيّة، يُعاقَب الطرف الذي يُكره شخصا على الزواج بالسجن و/أو غرامة إذا كان قريبا من الدرجة الأولى. لكن بما أنّ زواج الأطفال لا يُعتبر قسريا بحكم الأمر الواقع، نادرا ما تُطبَّق هذه العقوبات، لا سيما أنها تتطلّب من النساء والفتيات رفع دعاوى قضائيّة ضدّ أقاربهنّ، في غياب حماية كافية من الدولة.[58]
علاوة على ذلك، تنصّ المادة 9 من قانون الأحوال الشخصيّة على أنه "يُعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا، إذا لم يتم الدخول".[59] قد يحصل الدخول في مثل هذه الزيجات بالاغتصاب، ولا توجد أي أحكام في القانون العراقي تُجرّم الاغتصاب الزوجي.[60] يتعيّن على ضحايا الزواج القسري، بما في ذلك الأطفال، الراغبين في فسخ هذا النوع من الزواج، المباشرة في إجراءات الطلاق للقيام بذلك.[61]
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، طُلب من محكمة في منطقة الكاظمية في بغداد تسجيل عقد زواج شرعي بين فتاة (12 عاما) وزوجها (25 عاما). تصدّرت هذه القضيّة عناوين الأخبار لمّا نشرت والدة الفتاة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب فيه السلطات بإنقاذ ابنتها، وقالت إنّ زوجها السابق اختطفها وأجبرها على الزواج من شقيق زوجته الثانية، بعد أن اغتصبها هذا الأخير.[62] لم تفسخ محكمة الخادمية عقد الزواج إلا بعد تدخل رفيع المستوى في القضيّة.[63] بينما تمكنت الفتاة من فسخ العقد، أرجع ناشطون محليّون ما حصل إلى الضجّة الإعلامية والاهتمام رفيع المستوى الذي حظيت به قضيتها، ولاحظوا أنّ العديد من حالات زواج الأطفال الأخرى والعنف الأسري والانتهاكات الجنسيّة تحدث في العراق في ظلّ إفلات من العقاب.[64]
تمكّنت أميرة ف، التي قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنّها أكرهت على الزواج خارج إطار المحاكم في سنّ 14 عاما، من فسخ زواجها عن طريق الطلاق. طُلب منها أولا تسجيل الزواج، لكنّ زوجها أجبرها على التخلّي عن حقوقها الماليّة والقبول بطلاق الخلع للقيام بذلك.[65]
لا يفرض قانون الأحوال الشخصيّة عقوبات على المسؤولين الذين يعقدون زواج الأطفال. هناك فقط عقوبة تنطبق على كل من يعقد زواجا مخالفا للفقرتين 4 و5 من المادة 3، اللتين تشيران إلى تعدّد الزوجات دون إذن من القاضي.[66] قال قاض لـ هيومن رايتس ووتش إنّ هناك إمكانية للشروع في ملاحقات قضائية ضدّ رجال الدين باستخدام المادة 240 من قانون العقوبات العراقي، التي تُعاقب "من خالف الأوامر الصادرة من موظف أو مكلّف بخدمة عامة أو من مجالي البلدية أو من هيئة رسمية أو شبه رسمية ضمن سلطاتهم القانونية أو لم يمتثل لأوامر أي جهة من الجهات المذكورة".[67] لكنّه قال إنّ هذا البند لم يُستخدم أبدا.[68]
العوامل الدافعة
تفاقم الفقر في العراق بسبب حالات العنف، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، والنزوح الجماعي، والفساد وسوء إدارة الإيرادات الحكوميّة، وجائحة "كورونا"، وتعمّق عدم المساواة الاقتصاديّة والاجتماعيّة.[69] بالإضافة إلى ذلك، تؤدي العيوب التي تشوب العملية المعتمدة في تحديد وضع الفقر بالنسبة إلى الأسر المؤهلة للحصول على مساعدات اجتماعيّة بموجب "قانون الحماية الاجتماعيّة رقم 11 لسنة 2014" تسببت في أخطاء كبيرة تتعلق بالاستبعاد، ما يعني أن الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات اجتماعيّة قد يعتبرون غير مؤهلين للحصول عليها.[70]
بالنسبة إلى العديد من الأسر التي تعيش في الفقر، قد يصير الزواج المبكّر والقسري استراتيجية مؤذية للتكيّف مع الوضع. وبسبب الأعراف الاجتماعية المؤذية المتعلقة بالنوع الاجتماعي، بما في ذلك التصوّرات المتعلّقة بقدرة الأبناء على المساهمة في تلبية احتياجات الأسرة ماليا مقابل وجوب بقاء الفتيات في المنزل، كثيرا ما يُنظر إلى الفتيات على أنّهن عبء اقتصادي على الأسرة، وقد يُنظر إلى الزواج كحلّ لرفع هذا العبء، والحصول على مهر، وربما تأمين مستقبل للبنات.[71]
قالت والدة ابتسام أ.: "في مجتمعنا، نريد تزويج الفتيات في سنّ مبكّرة لحمايتهنّ. لم أكن قلقة بشأن زواجها في سنّ مبكّرة [14 عاما] لأنّه من الطبيعي في مجتمعنا أن تتزوّج الفتيات في سنّ 14 أو 15".[72]
قالت فاطمة ب. إنّ الوضع الاقتصادي لأسرتها لعب دورا في قبول العائلة عرض الزواج في سنّ 14 عاما. قالت: "لم يكن لأسرتي أي مخاوف بشأن عمري. أرادوا تزويجي لأنّ والدي كان في السجن والوضع المالي لأسرتي كان سيئا".[73]
تزوّجت ندى س. في سنّ 15 عاما بعد أن تقدم ابن الجيران للزواج منها. قالت: "ضغط خالي على والدتي لتقبل العرض لأنّه كان يرغب في التخلص من مسؤولياته تجاهها". بعد سنة واحدة، وقع الطلاق. قالت: "كانت أمي تعتقد أنني صغيرة جدا، ولم يكن زوجي يعجبها، فقد كانت تعرف طباعه".[74]
يرتبط العيش في الفقر في العراق أيضا بانخفاض التحصيل الدراسي وارتفاع معدلات التسرب من المدارس.[75] يُساهم ذلك في انتشار زواج الأطفال، نظرا لأنّ الفتيات المحرومات من التعليم الأساسي معرّضات بشكل أكبر لزواج الأطفال والحمل المبكّر.[76] واحدة فقط من النساء والفتيات الثمانية اللواتي قابلتهنّ هيومن رايتس ووتش وكُنّ قد تزوّجن وهنّ أطفالا أنهت تعليمها الابتدائي والثانوي. تحدّثت ستّ منظمات غير حكوميّة عاملة في العراق لـ هيومن رايتس ووتش عن ضرورة وضع سياسات توسّع حصول الفتيات على التعليم الثانوي وتشجعهنّ على إكمال دراستهنّ كاستراتيجية أساسيّة لخفض زواج الأطفال في العراق.[77]
أخيرا، يرتفع احتمال زواج الفتيات المتضررات من النزاع بنسبة 20% مقارنة بالفتيات اللاتي يعشن في مناطق آمنة، وفقا لدراسة أجرتها منظمة "إنقاذ الطفولة" في 2022.[78] أثناء النزاع مع داعش بين 2014 و2017، أجبِرت آلاف النساء والفتيات الأيزيديات على الزواج من عناصر داعش.[79] تزايد الإحساس بانعدام الأمن، وانهيار شبكات الأمان الاجتماعي، وتضاؤل فرص الحصول على تعليم وسُبل العيش، واعتقاد الآباء والأمهات أنّ تزويج الفتيات سيوفر لهم بعض أشكال الحماية في فترات انعدام الأمن، بما في ذلك الحماية من العنف الجنسي، كلها أسباب ساهمت في زيادة زواج الأطفال التي شهدها العراق أثناء النزاع وبعده.[80]
عواقب زواج الأطفال
عواقب صحيّة وخيمة
من المشاكل الصحيّة الرئيسيّة التي تواجه الفتيات القاصرات المتزوجات هو الحمل في سنّ المراهقة. خطر الوفاة أثناء الولادة لدى الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و20 هو ضعف الخطر الذي تواجهه النساء في سنّ العشرينات، بينما يرتفع نفس الخطر خمسة أضعاف لدى الفتيات دون 15 عاما.[81] تُعزى هذه العواقب إلى حدّ كبير إلى عدم النضج الجسدي لدى الفتيات، حيث يكون الحوض وقناة الولادة غير مكتملين.[82]
كما سبق القول، فإنّ معظم حالات زواج الأطفال في العراق غير مسجّلة، وفي غياب شهادة زواج مدني لا تستطيع النساء والفتيات الإنجاب في المستشفيات.[83] نتيجة لذلك، تُضطرّ الفتيات إلى الولادة في المنزل مع فرص محدودة للحصول على خدمات توليد طارئة.[84] يزيد ذلك خطر المضاعفات التي تهدّد حياة الأم والطفل. احتمال وفاة الطفل المولود من أمّ دون 18 عاما في عامه الأول تزيد بـ60% بمقارنة بالطفل المولود من أمّ عمرها 19 عاما أو أكثر.[85]
يُرجّح أيضا أن يكون لزواج الأطفال عواقب وخيمة على الصحة العقليّة للفتيات. في العراق، عادة ما تلتحق الزوجات بأسر أزواجهنّ بعد الزواج. بين ليلة وضحاها، يُتوّقَع من الفتيات المتزوجات القيام بواجبات غير جاهزات لها جسديا وعقليا، وترك أسرهنّ وشبكات الأمان الاجتماعي التي ربما تمتعن بها في المدرسة أو في أماكن أخرى، والتكيّف مع الحياة لدى أسرة جديدة.[86] أفادت فتيات قاصرات في العراق بأنهنّ يعانين في كثير من الأحيان من مشاعر الوحدة والعزلة والاكتئاب، مع قلة توفر خدمات الدعم النفسي والصحّة النفسية.[87]
أثناء حديثها عن الآثار النفسيّة لزواجها في سنّ 13 عاما، قالت وردة (29 عاما الآن) لـ هيومن رايتس ووتش: "عندما كان عمري 13 عاما، لم أكن مستعدة للزواج. كنت لا أزال طفلة في ذهني وفي أفعالي. أنا 100% ضدّ زواج الأطفال لأنّه يسرق المستقبل".[88]
فرص محدودة للحصول على تعليم أو عمل
كثيرا ما يتسبب زواج القاصرات في انقطاع الفتاة عن التعليم الرسمي إلى الأبد.[89] بعد الزواج، يُنتظر من الفتيات القيام بواجبات منزليّة وأسريّة تُعدّ أولويّة مقارنة بالذهاب إلى المدرسة. انقطاع الفتاة عن الدراسة له تأثير على اختياراتها والفرص المتاحة لها طيلة حياتها، وليس فقط وهي طفلة،[90] حيث تتوفر لها فرص أقلّ لإعالة نفسها وأسرتها وتصير أكثر عرضة للفقر في حال توفي زوجها أو هجرها أو طلّقها.[91]
هذا يؤدّي إلى تفاقم الفجوة التعليميّة بين الذكور والاناث في العراق، حيث تبلغ نسبة الأميّة لدى الرجال 7.6% ولدى النساء 17%، والنساء أقلّ حضورا في جميع مستويات التعليم (الابتدائي والثانوي والجامعي).[92] يُعرقل نقص التعليم قدرة المرأة على الحصول على وظائف في القوى العاملة التي غالبا ما يُهيمن عليها الذكور. بحسب "مسح القوى العاملة في العراق" لسنة 2021، يُشكّل الرجال 86.6% من القوى العاملة بينما تُشكّل النساء 13.4% فقط.[93]
قالت فاطمة ب. إنّها توقفت عن الذهاب إلى المدرسة عندما تزوّجت رغم أنّها أنهت دراستها الابتدائيّة فقط. قالت، وعمرها الآن 20 عاما: "رغم أنّني أرغب في استئناف دراستي، إلا أنّ الضغوط الماليّة في أسرتي والتحديات المجتمعيّة تجعل من الصعب على امرأة شابة ومطلّقة مواصلة تعليمها".[94]
من النساء الثماني اللواتي قابلتهنّ هيومن رايتس ووتش، تمكّنت واحدة فقط من إنهاء تعليمها الثانوي، واثنتان من الحصول على وظائف. لم تُكمل زوجتا الرجلين اللذين قابلناهما تعليمهما ولم تحصلا على وظائف.
العنف الجنسي والأسري
في العراق، ترتفع مخاطر تعرّض الفتيات والشابات المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و19 عاما ولديهن مستويات تعليميّة منخفضة للعنف الأسري والجنسي من أزواجهنّ مقارنة بالنساء الأكبر سنا واللواتي لديهن مستوى تعليمي أفضل.[95] تشير أبحاث أجرتها "المجموعة الدولية لحقوق الأقليات" إلى فارق العمر بين الأزواج، وهو سمة بارزة لزواج القاصرات، كعامل خطر كبير مرتبط بالعنف والاعتداءات الجنسية ضدّ الفتيات.[96]
وجدت دراسة أجرتها المجموعة الدولية لحقوق الأقليات وشملت 111 حالة زواج قسري أنّ في 87.4% من الحالات حصل عنف جسدي، وفي 19.8% من الحالات حصلت اعتداءات جنسية.[97]
تحدّثت بعض النساء اللواتي قابلتهنّ هيومن رايتس ووتش عن تعرّضهن لانتهاكات أثناء زواجهنّ. قالت فاطمة ب. لـ هيومن رايتس ووتش: "ضربني زوجي وأذاني جسديا أكثر من مرة. وكانت عائلته أيضا تهينني وتحرّضه على ضربي".[98]
قالت ندى س.: "كان زوجي [الأول والثاني] يؤذيني جسديا. ما زلت أحمل علامات على جسدي [بسبب الاعتداءات]".[99]
الاغتصاب الزوجي غير مجرّم في قانون العقوبات العراقي، ومحاولات إقرار مشروع قانون حول العنف الأسري باءت بالفشل.[100] بدلا من ذلك، تمنح المادة 41(1) من قانون العقوبات للزوج حقا قانونيا في "تأديب" زوجته، والآباء والأمهات في تأديب أطفالهم "في حدود ما هو مقرّر شرعا وقانونا أو عرفا".[101] يفرض قانون العقوبات عقوبة مخففة على أعمال عنيفة، مثل القتل "لبواعث شريفة"[102] أو العثور على الزوجة أو إحدى القريبات بصدد الزنا أو ممارسة الجنس خارج الزواج.[103]
يوجد في العراق عدد قليل جدّا من الملاجئ لضحايا العنف الأسري، ولا يُسمح للنساء بدخول الملجأ إلا بأمر من المحكمة.[104] تُدير بعض المنظمات غير الحكوميّة ملاجئ غير رسمية، لكن كثيرا ما تُداهمها الشرطة أو تتعرض لهجمات من الجماعات المتطرّفة.[105] نتيجة لذلك، فإنّ النساء والفتيات المتضررات من العنف الأسري غالبا ما يجدن أنفسهنّ أمام خيارات محدودة للهروب.
توافر الوثائق المدنيّة، والخدمات العامّة، والحماية الاجتماعيّة
التأثير على حقوق النساء والفتيات
الوثائق المدنيّة ضروريّة للاستفادة من أغلب الخدمات العامة وخطط الحماية الاجتماعيّة في العراق، بما في ذلك التعليم، والرعاية الصحيّة، والتوظيف، وتوزيع الغذاء، والإسكان.[106] دون شهادة زواج مدني، لا تستطيع المرأة أو الفتاة تحديث حالتها المدنيّة إلى "متزوّجة" على بطاقة هويتها، وهذا قد يُعيق قدرتها على الاستفادة من الخدمات العامة وخطط الحماية الاجتماعية المرتبطة بالحالة المدنيّة للفرد. دون شهادات الطلاق أو الوفاة، تظلّ المرأة غير قادرة على الزواج مجدّدا إذا رغبت في ذلك. علاوة على ذلك، إذا لم يتم حلّ مسألة غياب الوثائق المدنيّة، قد تصبح المشكلة عابرة للأجيال بما أنّ الآباء والأمهات لن يتمكنوا من نقل وضعهم القانوني إلى أطفالهم.
دون شهادة زواج، لا يُسمح للنساء والفتيات الولادة في مستشفيات العراق، ويُجبرن على اختيار الولادة في المنزل، مع محدوديّة خدمات التوليد الطارئة، ما يخلق تعقيدات إضافيّة للحصول على شهادة ميلاد الطفل.[107] هذه السياسة التمييزيّة تحدّ من إمكانيّة الحصول على خدمات الرعاية الطبيّة، ما يُشكل انتهاكا لحق المرأة في الصحّة.
قالت ابتسام أ.: "تزوّجت وعمري 14 عاما، وحملت بعد فترة وجيزة، لكن زوجي هجر أسرتنا. كنت صغيرة جدا، واضطررت إلى الولادة في منزل والدتي مع قابلة لأنني لم أستطع الذهاب إلى المستشفى. لم أتمكن من الحصول على وثائق لابنتي، هي الآن عمرها 16 عاما ولا تملك أي وثائق".[108]
هناك برنامجان رئيسيان للمساعدات الاجتماعيّة في العراق: "نظام التوزيع العام" [البطاقة التموينية]، وهو واحد من أكبر برامج توزيع الغذاء في العالم، ويُوفر حصصا غذائيا لجميع الأسر في العراق تقريبا، و"هيئة الرعاية الاجتماعية"، وتشمل تحويلات نقديّة مشروطة تستهدف الفقر وتغطي حوالي 1.2 مليون أسرة عراقيّة.[109]
بموجب "قانون الحماية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014"، يحق للأرامل والمطلقات والزوجات المهجورات اللاتي يعشن تحت خط الفقر الحصول على مساعدة اجتماعيّة على شكل راتب شهري، بالإضافة إلى خدمات أخرى تشمل التدريب والتعليم المهني، والمساعدة في العثور على عمل، ورعاية الأطفال، والمساعدة في السكن.[110] غير أنّ عدم تمكن المرأة من تسجيل الزواج الشرعي يعني أنّ حالتها المدنيّة على بطاقة الهويّة ستظل عزباء، وبالتالي تكون غير مؤهلة للاستفادة من هذه المساعدة.
يتضمّن قانون الحماية الاجتماعية رقم 11 أيضا بنودا خاصة بالنساء غير المتزوجات اللواتي يعشن تحت خطّ الفقر.[111] تستخدم وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة نظاما معقدا ومُكلفا لاختبار الموارد غير المباشرة وتحديد حالة الفقر للأسر التي يُحتمل أن تكون مؤهلة، رغم أنّ دراسة أجرتها "منظمة العمل الدوليّة" في 2022 حدّدت أخطاءً كبيرة في الاستبعاد، ما يعني اعتبار الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الاجتماعيّة غير مؤهلين للحصول على هذه المساعدات.[112] أخيرا، تتطلّب عمليّة التقديم من الشخص المستفيد توفير جميع وثائقه المدنيّة، مما يؤدي إلى استبعاد الأشخاص الذين يفتقرون إلى بعض هذه الوثائق.[113]
فاطمة ب.، وهي من جنوب شرق بغداد، تزوّجت في سنّ 14 عاما وتطلّقت في سنّ 15 عاما. قالت: "رفض زوجي المصادقة على وثيقة الزواج أو الطلاق، لذا أنا لا أزال عزباء [على هويتي] بحسب القانون. لا يمكنني المطالبة [بالدعم الشهري الحكومي] البالغ 105 آلاف دينار عراقي [80 دولار أمريكي تقريبا] للنساء المطلقات، إذ ليس بإمكاني إثبات زواجي أو طلاقي".[114]
إذا توفي الرجل الذي يحصل على مساعدة اجتماعيّة، تنتقل مستحقاته إلى أرملته شرط تقديم شهادتَيْ الزواج والوفاة.[115] من الصعب الحصول على هذه الوثائق، لكن الأرامل قد يُحرمن من مساعدة نقديّة هنّ في أشدّ الحاجة إليها حتى يتمكنّ من تأمين هذه الوثائق. ينطبق الأمر نفسه على الأرامل اللواتي يسعين إلى الحصول على تعويضات الشهداء بموجب "القانون رقم 20 لسنة 2009 حول تعويض المتضرّرين جرّاء العمليّات الحربيّة والأخطاء العسكريّة والعمليّات الإرهابيّة"، وعلى الأرامل اللواتي يسعين إلى نقل معاش أزواجهنّ المتوفين إلى أسمائهنّ.[116]
أجبِرت أميرة ف.، من محافظة صلاح الدين، على الزواج أوّل مرة لمّا كان عمرها 14 عاما في 1987. لم يُسجَّل زواجها إلا بعد ثلاث سنوات، وبعد التصديق عليه تمكنت هي وزوجها من الطلاق. في 2004، تزوجت مرة أخرى خارج المحكمة لأنّ زوجها رفض تسجيل الزواج. في 2007، قُتل أثناء معارك في بغداد. بما أنّها لم تكن مسجّلة كمطلّقة على بطاقة الهويّة المدنية، لم تتمكن من المطالبة بالتعويض الخاص بالشهداء من الدولة. بمساعدة من حماتها، التي شهِدت أنّ ابنها كان متزوجا من أميرة ف.، وأنه هو والد أطفالها الثلاثة، تمكّنت أميرة من الحصول على تصديق الزواج بعد وفاة زوجها. استغرقت هذه العمليّة حوالي سنة و60 ألف دينار (45.79 دولار)، وتمكنت في نهاية المطاف من المطالبة بالتعويض الخاص بالشهداء.[117]
التأثير على الأطفال المولودين من زيجات غير مسجّلة
بموجب قانون تسجيل الولادات والوفيات (1971)، لا يستطيع الوالدان الحصول على شهادات الميلاد إلا للأطفال المولودين في إطار الزواج.[118] يتعيّن على الآباء والأمهات الذين ليس لديهم عقد زواج مدني أن يحصلوا بدلا من ذلك على إثبات وثيقة ميلاد، لكن لا يُمكنهم فعل ذلك إلى بعد تسجيل زواجهم.[119] الحصول على إثبات حجة الولادة يتطلّب البطاقة المدنية للأب والأم، وعقد زواج مصادق عليه، وشاهدين، وبطاقة الإقامة، وتقييم طبّي لتحديد عمر الطفل، ورسوم.[120]
كما هو مبيّن أعلاه، فإنّ غياب البطاقة المدنيّة لأحد الوالدين أو كليهما، وعدم توفر عقد زواج رسمي، ووفاة/اختفاء أحد الزوجين يعقد كثيرا عمليّة تسجيل عقد الزواج، وبالتالي إصدار وثائق للأطفال. بدوره، لا يستطيع الطفل الذي ليس له شهادة ميلاد الحصول على أي وثيقة هويّة أخرى، مثل بطاقة الأحوال المدنية، أو شهادة الجنسيّة العراقية أو البطاقة الوطنية الموحدة، ويكون عرضة لإمكانية فقدان هويته القانونية أو أن يصبح بلا جنسيّة.[121]
لم يُسجل والدا تبارك أ. زواجهما، وبعد وقت قصير هجر والدها والدتها. ولدتها أمها، التي كان عمرها 14 عاما حينها، في منزل أمها لأنها لم تتمكن من الولادة في المستشفى دون عقد زواج.
لم تتمكن والدة تبارك أ. من إثبات نسب ابنتها لأنّ زوجها أخذ معه بطاقة هويتها وعقد الزواج الشرعي وهجرها، ولذلك ليس لدى تبارك، وعمرها اليوم 16 عاما، وثائق. قالت تبارك أ. لـ هيومن رايتس ووتش: "عدم امتلاكي أوراق ثبوتية يؤثر كثيرا على نفسيّتي. لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان ولا أشعر بالأمان إطلاقا. جدتي تخشى عليّ من الذهاب إلى أيّ مكان بمفردي لأنّه إذا حصل لي شيء أو اختُطِفت فلن يتمكنوا من متابعة الموضوع".[122]
لما سُئلت كيف ستتغيّر حياتها إذا تمكّنت من الحصول على وثائق، قالت تبارك أ.: "هذا التحوّل سيكون له تأثير كبير، سيسمح لي بالعودة إلى الدراسة، وأن أشعر بمواطنيتي في وطني. مقارنة مع الآخرين، قد تكون طموحاتي متواضعة. أريد الحصول على بطاقة هوية، وأن أذهب إلى المدرسة، وأنال شهادة، وفي نهاية المطاف وظيفة".[123]
قالت نور ل. أيضا لـ هيومن رايتس ووتش إنّها لم تتمكن من الحصول على شهادة ميلاد لابنها لأنّ زواجها غير مسجل. قالت: "لا أعرف ماذا سيحصل لي ولطفلي في المستقبل".[124]
إثبات الأبوّة أيضا مطلوب للحصول على شهادة ميلاد. لا يسمح القانون العراقي بتسجيل الطفل باسم الأم فقط مع إدراج هوية الأب على أنها مجهولة أو غير محدّدة.[125] بالتالي، ورغم أنّه يُمكن تمرير جنسيّة الأمّ إلى الطفل، إلاّ أنّ الأسر التي ليس لديها أب قد يكون الأطفال فيها بلا جنسيّة. تؤثر هذه المشكلة أيضا على الأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب والعنف الجنسي المرتبط بالنزاع، والذين لا تعرف أمهاتهم هوية آبائهم أو لا يرغبن في الكشف عنها.
يُمكن استخدام اختبار الحمض النووي لإثبات نسب الأطفال الذين تزوج آباؤهم وأمهاتهم خارج المحاكم إذا كان الأب متوفيا، أو مكانه مجهولا، أو يرفض الاعتراف بالطفل.[126] يُمكن أخذ الحمض النووي من أحد الأقارب من الدرجة الأولى أو الثانية للأب المفترض عندما يستحيل الحصول على الحمض النووي للأب.[127]
تزوّج والدا بنين س. خارج المحكمة، فلم تحصل قط على شهادة ميلاد، وهي الآن عمرها 21 عاما وبلا وثائق. قالت: "بعد وفاة والدتي، حاول والدي التصديق على زواجهما لأتمكن من الحصول على وثائق، لكنّ المحكمة قالت بما أنّ والدتي توفيت، فسيحتاجون إلى اختبار الحمض النووي ليُثبتوا أنني ابنتها. وهذا يعني أنّه علينا فتح قبرها، وهو شيء مرفوض في مجتمعنا وثقافتنا، ولذلك فأنا لا أعرف ماذا سنفعل".[128]
الوثائق المدنيّة شرط أساسي للحصول على خدمات عامة أو حماية اجتماعيّة، ودونها لا يستطيع الأطفال التسجيل في المدارس أو التقدّم إلى وظيفة في القطاع الخاص أو الحصول على وثائق سفر أو الاستفادة من خطط الحماية الاجتماعيّة.
عندما أرادت بنين س. الزواج، لم يكن أمامها أي خيار سوى الزواج غير المسجل بما أنها لا تمتلك وثائق. وهي الآن حامل وقلقة بشأن عواقب ذلك على طفلها. قالت: "أخشى على مستقبل طفلي، فأي اسم سأعطيه؟ وهل سأتمكّن من الولادة في المستشفى؟ هذه الأشياء هي أكثر ما يقلقني".[129]
بالإضافة إلى المخاطر الصحيّة المرتفعة التي تواجهها الأمهات وأطفالهن إذا لم يتمكنّ من الوصول إلى مستشفى أثناء الولادة، فإنّ الولادات المنزليّة الناجمة عن سياسات الرعاية الصحيّة التميزيّة المرتبطة بالحالة الزوجيّة للأمّ تعني أيضا أنّه من غير المرجح أن يحصل الطفل على كل اللقاحات.[130] في العراق، تبلغ نسبة تطعيم الأطفال دون خمسة أعوام 90%، ويعتبر الانتشار المرتفع نسبيا للولادات المنزليّة عائقا أمام تحقيق نسبة تطعيم كاملة في البلاد.[131]
في مراحل لاحقة من الحياة، قد يواجه الأطفال الذين بلا وثائق عوائق أمام الالتحاق بالمدارس. وجد مسح أجرته منظمة "ريتش" (REACH) في 2023، وهي مبادرة لتوفير بيانات وتحليل السياقات الإنسانيّة، أنّ الأسر التي يمتلك فيها جميع الأطفال في سنّ المدرسة شهادات ميلاد كانت فيها نسبة تسجيل أعلى لجميع الأطفال في المدارس بدوام كامل مقارنة بالأسر التي فيها طفل واحد على الأقل في سنّ المدرسة لكنه لا يملك شهادة ميلاد. أفادت 5% من الأسر التي يمتلك جميع أطفالها حجج ولادة أنّه لا يدرس أيٌ من أطفالها بدوام كامل، مقارنة بـ18% من الأسر التي ليس لديها حجج ولادة.[132]
في سبتمبر/أيلول 2018، وقّع مسؤولون كبار في وزارة التربية على وثيقة يبدو أنها تسمح للأطفال الذين لا يملكون وثائق مدنيّة بالتسجيل في المدرسة.[133] ثم صدرت قرارات في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط عن محافظتي صلاح الدين ونينوى على التوالي تسمح للأطفال الذين بلا وثائق والأطفال الذين لديهم وثائق مدنيّة منقوصة بالاستمرار في الدراسة والحصول على شهاداتهم الرسميّة، على أن يقدّموا وثائقهم المدنيّة لاحقا.[134] لكن هناك أدلّة تشير إلى أنّ هذه السياسة لم تُنفّذ بالكامل في الواقع، فلم يتمكن بعض الأطفال الذين ليس لديهم وثائق من التسجيل في المدرسة.[135]
قالت ابتسام أ. إنّها تمكّنت من تسجيل ابنتها تبارك أ. في المدرسة فقط لأنّ المعلّمين تعاطفوا مع حالتها. لكن أجبِرت تبارك أ. على ترك المدرسة في الصفّ الخامس بسبب عجز ابتسام عن الحصول على وثائق لها.[136]
يُرجّح أيضا أن يعاني الأشخاص الذين لا يملكون وثائق أكثر من غيرهم للحصول على فرص لكسب العيش عندما يصبحون أشخاص بالغين. وجد مسح أجرته منظمة ريتش أنّ الأسر التي تمتلك وثائق مدنيّة أساسيّة يزيد احتمال أن تحصل على فرص كسب عيش تتطلب مهارات عالية، بينما لم تتمكن الأسر التي تنقصها هذه الوثائق إلا من العمل في وظائف عرضيّة أو يوميّة فقط.[137]
أخيرا، قد يؤثر غياب الوثائق على حرية تنقل العراقيين. العراقيون الذين لا يملكون وثائق لا يستطيعون الحصول على جوازات سفر، وهم أكثر عرضة للاعتقال والاحتجاز التعسفي في نقاط التفتيش، وقد لا يستطيعون عبورها.[138]
المهر والنفقة الزوجية والأطفال والميراث
عادة ما يُدفع مهر المرأة العراقيّة على دفعتين: واحدة مقدّما عند قبول عرض الزواج، وأخرى بمبلغ مختلف عند انتهاء الزواج.[139] من المفترض أن يدفع الزوج لزوجته نفقة زوجيّة أثناء الزواج وبعد الطلاق لتغطية مصاريف الطعام واللباس والرعاية الطبية والمساعدة المنزليّة.[140] لا يحق للمرأة الحصول على النفقة الزوجيّة "إذا تركت بيت زوجها بلا إذن، وبغير وجه شرعي، وإذا حُبست عن جريمة أو دَين، وإذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي".[141]
مع ذلك، إذا تمّ الزواج والطلاق خارج المحاكم، لا يكون لدى الزوجة أي سبيل قانوني المطالبة بالمهر أو النفقة إذا امتنع زوجها عن الدفع. حتى إذا تمكّنت من تسجيل زواجها، فإنها تظلّ خاضعة لنظام قانوني تمييزي يمنح الرجل امتيازات في عمليّة الطلاق. يستطيع الرجل العراقي تطليق زوجته من جانب واحد، بينما تستطيع المرأة والفتاة العراقيّة بدء إجراءات الطلاق فقط لأسباب محدّدة، مثل سجن الرجل لأكثر من ثلاث سنوات أو العجز الجنسي أو العقم.[142] إذا طلبت الزوجة الطلاق، فعليها الخضوع لفترات العدّة الإلزاميّة والوساطة التي تأمر بها المحكمة وإثبات "طاعتها".[143]
قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش إنّ هذا المبدأ كثيرا ما يُستخدم لرفع دعوى مضادة لدعاوى النفقة، ما يعني أنّه يتعيّن على المرأة إثبات "طاعتها" في المحكمة أو التخلي عن مطالبتها بالنفقة الزوجية.[144] وجد استبيان تمّ توزيعه على 50 محامي طلاق يعملون في محاكم بغداد في 2021 أنّ أكثر من نصف النساء المشمولات بالمسح تخلّين عن حقوقهنّ للحصول على الطلاق.[145]
قالت فاطمة ب. لـ هيومن رايتس ووتش:
عقد زواجي أعطاني 5 ملايين دينار (3,818 دولار) كمهر و10 ملايين دينار (7,636 دولار) كنفقة، لكنه كان زواجا شرعيا فقط. حصل خلاف بيني وبين أسرة زوجي بينما كان يؤدي الخدمة العسكريّة في الجيش العراقي، فأرسل لي ورقة الطلاق، وطلّقني رغم أنني لم أكن هناك. وهو يرفض التصديق على عقد الزواج أو الطلاق، ومن الناحية القانونيّة ما زلت عزباء. لم أحصل على أيّ من حقوقي لأنّه عقد ديني. لم أحصل على مهر أو نفقة.[146]
تنصّ المادة 57 (أولا) من قانون الأحوال الشخصيّة على أنّ "الأمّ أحق بحضانة الولد وتربيته، وبعد الفرقة، ما لم يتضرّر المحضون من ذلك".[147] لكن هناك شرط بأن يكون الوالد (ة) المسؤول (ة) قد بلغ (ت) 18 عاما.[148] بما أنّ الزواج الشرعي كثيرا ما يُستخدم للالتفاف على القانون المحلّي بشأن السنّ القانونيّة للزواج، قد تجد الفتيات المتضرّرات أنفسهنّ عالقات في علاقات مسيئة خوفا من فقدان أطفالهنّ. إضافة إلى ذلك، قد تتعرّض النساء والفتيات إلى ضغوط للتخلي عن حقوقهنّ في المهر والنفقة ليحتفظن بأطفالهنّ، كما هو حال ندى س.، التي قالت: "تزوّجت وعمري 15 عاما، وبقيت متزوّجة 12 عاما. لما طلّقنا في 2017، ضغط عليّ كي أتخلّى عن النفقة الزوجيّة لأحتفظ بحضانة الأطفال، فلم أحصل على أي شيء في الطلاق".[149]
أخيرا، وفقا للقانون العراقي، يحق للورثة بالقرابة والزواج الحصول على الميراث.[150] لكن دون عقد زواج، لا يُمكن لزوجة الرجل المتوفي المطالبة بالميراث دون تقنين عقد الزواج بعد وفاته. وإذا لم يحصل الأطفال على شهادات ميلاد تثبت نسبهم من الأب المتوفي، لن يكون لهم حق قانوني في الميراث أيضا. تُصبح عمليّة المطالبة بالميراث أكثر تعقيدا إذا لم يكن لدى الأسرة شهادة وفاة رسميّة أو ما يُثبت الوفاة، كما هو الحال مع الأزواج الذين اختفوا أثناء النزاع.
الالتزامات القانونيّة
الحق في الهويّة القانونيّة
الحق في الهويّة القانونيّة حق أساسي من حقوق الإنسان يشمل الاعتراف بوجود الفرد، ووضعه القانوني، وصفاته الشخصيّة من قبل الدولة أو السلطات المختصّة، وتوثيق ذلك. هذا الحق أمر بالغ الأهميّة لضمان قدرة الأفراد على ممارسة مجموعة واسعة من الحقوق الأخرى والتمتع بها، مثل الحق في الرعاية الصحيّة والتعليم والتوظيف، من بين حقوق أخرى.
في القانون المحلّي، الحق في الهويّة القانونيّة والتوثيق المدني مكفول في دستور الحكومة العراقية لسنة 2005، و"قانون الأحوال المدنيّة" رقم 65 لسنة 1972، و"نظام الأحوال المدنيّة" رقم 32 لسنة 1974، و"قانون الجنسيّة العراقية" رقم 26 لسنة 2006. وهو أيضا منصوص عليه ومضمون في العديد من الصكوك الدوليّة لحقوق الإنسان التي صادق عليها العراق، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، واتفاقيّة حقوق الطفل.
زواج الأطفال
زواج الأطفال هو "شكل من أشكال الزواج القسري نظرا إلى أنّ أحد الطرفين أو كلاهما لا يكون قد أعرب عن موافقته الكاملة والحرّة والمستنيرة".[151] تنطوي زيجات الأطفال على انتهاكات لحقوق الطفل في الاستقلاليّة، والحصول على تعليم، والتحرّر من العنف، والحقوق الإنجابيّة والرعاية الصحيّة الجنسيّة، والتوظيف، وحرية التنقل. تعترف المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان أيضا بحق المرأة والفتاة في العيش بمنأى عن العنف الجسدي والنفسي والجنسي.
تقع على عاتق العراق التزامات بموجب القانون الدولي لضمان حق الفتيات والنساء في المساواة وعدم التمييز. يدعو العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة إلى "تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنيّة والسياسيّة"، بما في ذلك الحق في تسجيل الولادة، والموافقة الحرة والكاملة على الزواج، والمساواة في حقوق الأزواج ومسؤولياتهم أثناء الزواج وعند حلّه، والحق في الحياة، الحريّة والأمن، وحريّة التعبير.[152]
الحق في الضمان الاجتماعي
الحق في الضمان الاجتماعي هو حق على صلة وطيدة بالحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الصحة، والتعليم، والحقوق الاقتصاديّة، والاجتماعيّة والثقافيّة الأخرى.[153] باعتباره دولة عضو في "العهد الولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة"، يعتبر العراق ملزما باحترام وحماية وإعمال الحق في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك من خلال إتاحة هذه البرامج، وجعلها سهلة الوصول ومقبولة وقابلة للتعديل.[154] وهذا يتطلّب أيضا تقديم مزايا نقديّة أو رمزيّة، تكون كافية من حيث المبلغ والمدّة.[155] وكما هو الحال مع جميع حقوق الإنسان الأخرى، يتعيّن على الحكومات أيضا إعمال الحق في الضمان الاجتماعي دون تمييز على أساس النوع الاجتماعي أو السنّ أو الإعاقة أو العرق أو الجنسيّة أو الهجرة أو أيّ وضع آخر.
شكر وتنويه
أجرت الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة صنبر البحث لهذا التقرير وكتبته. أجرى الموظف في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمجد بشير (اسم مستعار) أبحاثا لخلفية الموضوع ومقابلات لإعداد التقرير. حررت التقرير مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لما فقيه.
قدم مراجعة متخصصة كل من نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آدم كوغل، والمدير المشارك في قسم حقوق الطفل بيل فان إسفلد، والمديرة المشاركة في قسم حقوق المرأة هيذر بار، والباحث في قسم العدالة والحقوق الاقتصادية مات ماكونيل. قدم نائب مديرة مكتب البرامج توم بورتيوس المراجعة البرمجية. قدم المراجعة القانونية المستشار القانوني الأول في مكتب الشؤون القانونية والسياسات كلايف بالدوين. أعد هذا التقرير للنشر مسؤولٌ في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومسؤول المطبوعات ترافيس كار.
تشكر هيومن رايتس ووتش أيضا على وجه الخصوص المحامين، وناشطات حقوق المرأة، والمنظمات الذين قدموا المعلومات أو راجعوها، أو وصلوا هيومن رايتس ووتش بمن أجريت معهم المقابلات؛ من بينهم رئيسة "منظمة المرأة العراقية النموذجية" عذراء الحسيني، ومستشارة "جمعية نساء بغداد" رشا الخالدي، ورئيسة "منظمة نور الرحمة" رحمة الحيالي، ونائبة رئيس مؤسسة "برج بابل" ذكرى سرسم.
كما ندين بامتناننا للنساء اللواتي شاركن قصصهن معنا.
تشكر هيومن رايتس ووتش المسؤولين الحكوميين الذين استجابوا لطلباتنا للحصول على المعلومات.