لا تلوح في الأفق أي بوادر على انحسار الاحتجاجات الحالية التي تجتاح إيران. بعد أكثر من 40 يوما على وفاة المرأة الكردية الإيرانية مهسا أميني، التي توفيت بعدما اعتقلتها شرطة الآداب الإيرانية لمخالفتها قانون اللباس الصارمة في البلاد، تستمر موجة الغضب التي انطلقت ضد قوانين الحجاب الإلزامية، ووحشية قوات الأمن، وقمع الحكومة الواسع.
هذه الانتفاضة مختلفة. خرج رجال ونساء من خلفيات عرقية مختلفة إلى الشوارع تحت شعار حقوق المرأة. هتفت الحشود عبر إيران هتاف الحركة النسائية باللغتين الكردية "ژن، ژیان، ئازادی!" والفارسية "زن، زندگی، آزادی!"، والتي تعني "المرأة، الحياة، الحرية!"، مدركين أن الحرية للمرأة تعني الحرية.
في الأسابيع الأخيرة، رأينا طالبات المدارس والجامعات الشجاعات يتولين القيادة: يرفعن الحجاب، ويمشين في الشوارع، ويطاردن المسؤولين الحكوميين. لكن الحملة بحسب تقارير أدت إلى اعتقالات جماعية وقتل ، لمئات الأشخاص، بمن فيهم فتيات.
تهدف المطالب إلى تغيير جذري، وليس من المستغرب أن تكون الفتيات والشابات في الخطوط الأمامية. كانت جينا، الاسم الكردي لمهسا، بعمر 22 عاما فقط عندما توفيت أثناء احتجازها لدى الشرطة الإيرانية، وأصبحت رمزا لظلم قوانين الدولة المقيدة للمرأة. كفتيات، يجب أن يرتدين الحجاب عند سن البلوغ. أما كنساء، فما زلن محرومات من اختيار ملابسهن، ما يؤثر على حقهن في المشاركة في جميع جوانب الحياة العامة بما فيها الدراسة والعمل وحتى مغادرة المنزل.
قد يجدن، كما فعلت جينا، أنه يمكن اعتقالهن لمجرد أن مسؤول شرطة الآداب يرى أن طريقة ارتدائهن للحجاب ليست "صحيحة". يمكن تغريمهن أو احتجازهن لـ "تعليمهن"، وضربهن، ومضايقتهن، وحتى الحكم عليهن بالسجن إذا اعتُبرن أنهن احتججن على قانون اللباس.
تقاتل النساء ضد قانون اللباس الإجباري منذ عقود، والآن يتحدينها علنا كمقاومة بمجرد الخروج لممارسة حياتهن دون الحجاب. مع أن قانون اللباس يُعد أكثر أشكال التمييز وضوحا، إلا أنه ليس سوى جانب واحد من التمييز المنهجي الذي يواجهنه.
دفعت الأزمة الاقتصادية التي سبقت هذه الانتفاضة الكثيرين في المجتمع الإيراني إلى هامش الفقر، ما أثر على النساء بشكل غير متناسب. تُميّز قوانين وسياسات إيران ضد حصول المرأة على عمل، سواء بتحديد المهن التي يمكن للمرأة دخولها أو بحرمانها من المساواة في المزايا مع القوى العاملة. أكثر من 50٪ من خريجي الجامعات الإيرانية من النساء، لكن معدل بطالة النساء يزيد عن ضعف معدل بطالة نظرائهن من الرجال - وهو اتجاه مقلق اتسع منذ جائحة فيروس "كورونا".
في الواقع، كانت مشاركة المرأة في القوى العاملة في 2019 بالكاد 18٪، وانخفضت إلى 14٪ في 2020. في المقابل، كانت مشاركة الرجال 72٪ في 2019، وانخفضت إلى 70٪ في 2020. في 2017، وجدت هيومن رايتس ووتش أن أصحاب العمل يعلنون عن وظائف للرجال وليس للنساء، ويطلب البعض موافقة خطية من الزوج والخطيب، مع غياب قانون يعاقبهم على هذا التمييز الصريح.
بدلا من معالجة المعاناة الاقتصادية للمرأة ووصولها غير المتكافئ إلى الفرص لتكوين حياتها الخاصة، تحاول السلطات الإيرانية إجبار النساء على الزواج المبكر وإنجاب المزيد من الأطفال لزيادة عدد سكان البلاد. في بلد تلقت حكومته سابقا إشادات دولية على تعزيز تنظيم الأسرة، تواجه النساء اليوم قيودا شديدة على وصولهن إلى الحقوق الجنسية والإنجابية. صدر قانون للسكان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يحظر التعقيم والتوزيع المجاني لوسائل منع الحمل في نظام الرعاية الصحية العامة، إلا إذا كان الحمل يهدد صحة المرأة، ويزيد من محدودية الوصول إلى الإجهاض الآمن.
قدم القانون نفسه حوافز للزواج المبكر كالقروض بدون فوائد لمن يتزوجون بسن 25 أو أقل. العديد من الأسر التي تُدفع إلى الفقر، قد تُجبر الفتيات والنساء على الزواج المبكر ليقل عدد من تُنفق عليهم. تُظهر تقارير الحكومة نفسها أن زواج الأطفال في ازدياد. ينص القانون المدني الإيراني على أنه يمكن للفتيات الزواج في سن 13، والأولاد في سن 15، وكذلك في سن أصغر إذا سمح القاضي بذلك.
بمجرد الزواج، تواجه الفتيات والنساء غالبا مزيدا من الانتهاكات. تمنح القوانين الإيرانية للأزواج سيطرة كبيرة على حياة زوجاتهم. بموجب القانون المدني، يحق للزوج اختيار مكان إقامتهم ويمكنه منع زوجته من العمل في وظائف معينة إذا اعتبرها تُعارض "القيم العائلية". بموجب قانون جوازات السفر، تحتاج المرأة إذن زوجها للحصول على جواز سفر والسفر خارج البلاد.
ليس لدى إيران سياسات نافذة لمنع الانتهاكات، وحماية النساء، ومقاضاة العنف الأسري، رغم التقارير المتزايدة عن القتل الشنيع للإناث ومخاطرة النساء بحياتهن للهرب من الانتهاكات. في كثير من قضايا قتل الإناث، لا يضغط المدعون والقضاة لفرض عقوبات مناسبة.
قبل أكثر من 40 عاما، سعت السلطات الإيرانية إلى تهميش النساء في الحياة العامة. رغم التمييز، تتمتع النساء الإيرانيات بمستوى عال من التعليم وكسرن الحواجز في عدة مجالات مهنية. حاربت النساء القوانين والسياسات التمييزية، مثل قانون اللباس والتحرش الجنسي، وحققن بعض الإصلاحات. لكنهن واجهن الاعتقال، والتعذيب، والسجن، وحتى أحكام الإعدام. جدير بالذكر أن السلطات الإيرانية سجنت قادة حملة "المليون توقيع"، وهي حملة محورية لحقوق المرأة بدأت في 2006 للحصول على مليون توقيع من الإيرانيين الداعمين للمساواة الجندرية.
تحتج الفتيات والنساء الإيرانيات على القوانين التمييزية ويطالبن بتغيير شامل لتحقيق حقوقهن الأساسية وحريتهن. يجب على السلطات الإيرانية، والعالم، الإصغاء إليهن.