(بروكسيل) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن التركية اعترضت بشكل روتيني مئات، وأحيانا آلاف، طالبي اللجوء على الحدود بين تركيا وسوريا على الأقل منذ ديسمبر/كانون الأول 2017، ورحّلتهم بإجراءات موجزة إلى محافظة إدلب السورية التي تمزقها الحرب. وأطلقت قوات حرس الحدود التركي النار على طالبي اللجوء الذين حاولوا دخول تركيا عبر طرق التهريب، وأوقعت بينهم مصابين وقتلى، ورحلت إلى إدلب السوريين الذين وصلوا حديثا إلى مدينة أنطاكيا التركية، على بُعد 30 كيلومتر من الحدود السورية.
هجّر هجوم التحالف الروسي-السوري في ديسمبر/كانون الأول على القوات المناهضة للحكومة في إدلب 400 ألف مدني تقريبا، وفقا للأمم المتحدة. والتحقوا بأكثر من 1.3 مليون آخرين مُحاصرين في إدلب في مخيمات غير آمنة ومُكتظة، ومخيمات مؤقتة وسط حقول قريبة من الحدود التركية المُغلقة حيث هم عُرضة لتهديد مستمر بالهجوم، ويفتقرون إلى الطعام، والمياه النظيفة، والمأوى، والرعاية الصحية، والمساعدة. خلال مؤتمر القمة في 26 مارس/آذار 2018 في بلغاريا، على "الاتحاد الأوروبي" أن يضغط على تركيا للسماح للمدنيين السوريين الفارين من الاقتتال بطلب الحماية داخل أراضيها، وأن يتعهد بزيادة المساعدات للاجئين السوريين في تركيا والمنطقة.
قال جيري سيمبسون، مدير مشارك لبرنامج اللاجئين في هيومن رايتس ووتش: "فيما يحاول حرس الحدود إغلاق آخر الثغرات المُتبقية على الحدود التركية، يظل مئات الآلاف من السوريين عالقين في حقول على الجانب السوري حيث تسقط عليهم القذائف. على الاتحاد الأوروبي أن يضغط على تركيا لفتح حدودها أمام المحتاجين، وتقديم دعم مُجدي، وليس الوقوف في صمت بينما تتجاهل تركيا قانون اللاجئين وتُجبر الآلاف على العودة لمواجهة المجزرة".
رداً على هذه الادعاءات، بعثت "المديرية العامة لإدارة الهجرة" في وزارة الداخلية التركية لـ هيومن رايتس ووتش بيانا مطولاً، قالت في جزء منه إنه "مع الحفاظ على أمن الحدود ضد المنظمات الإرهابية، تواصل تركيا قبول السوريين المحتاجين القادمين إلى الحدود، وعدم إطلاق النار أو استخدام العنف ضدهم".
أضاف البيان أن المديرية سجلت 510,448 سوريًا قدموا عبر البوابات الحدودية في عام 2017، و91,866 حتى الآن في عام 2018، ووفرت لهم حماية مؤقتة. كما وضحت الأرقام، فإن بيان المديرية قال "إن الادعاءات التي تشير إلى عدم تسجيل السوريين غير صحيحة". لا يبدو أن السلطات التركية أجرت تحقيقاً في النتائج المحددة التي ذكرتها هيومن رايتس ووتش.
في منتصف فبراير/شباط، تحدثت هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف مع 21 سوريا عن محاولاتهم الفاشلة المتكررة للعبور إلى تركيا مع مهربين. قال 18 منهم إن الغارات الجوية الروسية - السورية المُكثفة في دير الزور وإدلب هجّرتهم مرارا وتكرارا، إلى أن اقتنعوا أخيرا أن ليس لهم خيار آخر سوى المخاطرة بحياتهم والفرار إلى تركيا.
وصف الأشخاص الذين تمت مقابلتهم 137 حادثة، كلها وقعت تقريبا بين منتصف ديسمبر/كانون الأول ومطلع مارس/آذار، اعترضهم خلالها حرس الحدود التركي بعد عبورهم الحدود مع مهربين. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 35 سوريا آخرين عالقين في إدلب، لم يحاولوا الهرب خوفا من إطلاق النار عليهم من قبل حرس الحدود.
وصف 9 أشخاص أيضا 10 حوادث وقعت بين سبتمبر/أيلول وأوائل مارس/آذار أطلق خلالها حرس الحدود التركي النار عليهم أو على آخرين أمامهم أثناء محاولتهم العبور، وقتلوا 14 شخصا، بينهم 5 أطفال، وأصابوا 18 آخرين.
كما وقع مدنيون في إدلب في مرمى النيران المُتبادلة بين القوات الكردية والتركية خلال الهجوم الذي شنته تركيا على بلدة عفرين، التي يُسيطر عليها الأكراد، في سوريا، شمال إدلب، والتي بدأت في 20 يناير/كانون الثاني.
في نوفمبر/تشرين الثاني، قالت "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" في أحدث توجيهاتها القطرية بشأن سوريا إن "جميع أجزاء سوريا قد تأثرت، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنزاع واحد أو عدة نزاعات"، وبالتالي حافظت على دعوتها القائمة منذ فترة طويلة جميع الدول إلى "عدم إعادة السوريين قسرا".
قال السوريون الذين حاولوا دخول تركيا إنه تم اعتراضهم بعد عبورهم لنهر العاصي أو بالقرب من مخيم للنازحين في الدرية. وقالوا إن حرس الحدود التركي رحلهم إلى جانب مئات وأحيانا آلاف السوريين الآخرين الذين اعترضوهم. وأضافوا أن الحراس أجبروهم على العودة إلى الأراضي السورية عبر نقطة عبور غير رسمية في هتيا أو عبر سد صغير على نهر العاصي معروف باسم جسر الصداقة، وهما نقطتان كانت تستخدمهما وكالات الإعانة.
حصلت هيومن رايتس ووتش على صور القمر الاصطناعي لكلا نقطتي العبور و4 مراكز أمنية بخيم كبيرة أقيمت على ملاعب لكرة السلة في المنطقة الحدودية المباشرة، قال طالبو اللجوء إنهم احتُجزوا فيها قبل إعادتهم إلى سوريا.
جاءت هذه النتائج عقب صدور تقرير هيومن رايتس ووتش عن القتل على الحدود التركية، في 3 فبراير/شباط، والإعادة بإجراءات موجزة لطالبي اللجوء ما بين مايو/أيار وديسمبر/كانون الأول 2017، ونتائج مماثلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ومايو/أيار 2016.
ردا على تقرير 3 فبراير/شباط، كرر مسؤول تركي رفيع الرد المُعتاد على مثل هذه التقارير من قبل حكومته، مشيرا إلى أن تركيا استقبلت ملايين اللاجئين السوريين. شرحت هيومن رايتس ووتش نتائجها الأخيرة في رسالة مؤرخة في 15 مارس/آذار إلى وزير الداخلية التركي، وطالبت بالتعليق عليها قبل 21 مارس/آذار.
تستضيف تركيا أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين. تستحق تركيا الإشادة والدعم لكرمها، ولها الحق في تأمين حدودها مع سوريا.
مع ذلك، على تركيا أيضا احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر على الدول إعادة أي شخص إلى مكان حيث يواجه خطرا حقيقيا بالاضطهاد، أو التعذيب، أو المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية والمهينة. ويشمل ذلك حظر رفض طالبي اللجوء على الحدود، والذي من شأنه أن يُعرضهم لمثل هذه التهديدات. على تركيا أيضا احترام المعايير الدولية بشأن استخدام القوة الفتاكة، وكذلك الحق في الحياة والسلامة البدنية.
تصر تركيا على أنها تحترم مبدأ عدم الإعادة القسرية. جاء في بيان المديرية العامة لإدارة الهجرة ردا على هيومن رايتس ووتش أن "السوريين يتم قبولهم وحمايتهم في تركيا، والسوريون الذين دخلوا تركيا بطريقة أو بأخرى ويطلبون الحماية، لا يتم إعادتهم، ونقوم بإجراءات الاستقبال والتسجيل. السوريون القادمون إلى تركيا ليسوا تحت أي ظرف من الظروف مجبرين على العودة إلى بلدهم؛ تسجيلهم مستمر ويمكن لهؤلاء الأجانب الاستفادة من العديد من الحقوق والخدمات في تركيا".
حتى ديسمبر/كانون الأول، أنهت تركيا 800 كيلومتر تقريبا من حاجز حدودي مع سوريا يبلغ طوله 911 كيلومتر، ويتكون من جدار اسمنتي مُضاد للصواريخ وسياج فولاذي. تُظهر صور القمر الاصطناعي للمنطقة التي يقول سوريون إنهم عبروها مع مهربين، والتي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش، مناطق دون جدار.
تم تعزيز رفض تركيا المتواصل على الأقل منذ منتصف عام 2015 السماح لطالبي اللجوء السوريين بعبور الحدود بشكل قانوني، باتفاق الهجرة المُثير للجدل في مارس/آذار 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للحد من تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي. على الاتحاد الأوروبي، بدلا من ذلك، أن يعمل مع تركيا للحفاظ على حدودها مفتوحة أمام اللاجئين، وتقديم الدعم المالي لجهود تركيا تجاه اللاجئين، وتقاسم المسؤولية من خلال تكثيف إعادة توطين اللاجئين من تركيا، وفقا لـ هيومن رايتس ووتش.
قال سيمبسون: "على الاتحاد الأوروبي التوقف عن تجاهل الترحيل الجماعية للاجئين من قبل تركيا. قمة بلغاريا هي فرصة واضحة للحكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لتغيير المسار وتكثيف الجهود لمساعدة تركيا على حماية اللاجئين السوريين بما في ذلك من خلال زيادة إعادة توطين اللاجئين".
لمزيد من تفاصيل عمليات الصد التركية على الحدود والوضع الذي يواجهه المهجّرون السوريون في محافظة إدلب السورية، أنظر أدناه
تحمي حدود تركيا البرية رسميا وحدات من حرس الحدود التابعة للقوات التركية المسلحة. ويعمل الدرك (جندرما) الموجودون على الحدود تحت سلطة قيادة القوات البرية. كما توجد مراكز للدرك قرب الحدود مسؤولة عن نشاطات الشرطة الريفية العادية. يشير هذا التقرير إلى حرس الحدود بدون تحديد إن كانوا جنودا أو من الدرك، بما أن العديد ممن تمت مقابلتهم لم يقدموا أو يملكوا هذه المعلومات المحددة.
صد طالبي اللجوء جماعيا وبانتظام على الحدود التركي
بين 14 و20 فبراير/شباط، قابلت هيومن رايتس ووتش 21 طالب لجوء سوري حاولوا عدة مرات قطع الحدود. أجرت هيومن رايتس ووتش المقابلات عبر الهاتف وشرحت هدفها، وأكدت لهم الحفاظ على سرية هويتهم. كما استلمنا موافقة المشاركين على نقل تجاربهم.
وصفوا 137 حادثة – وقعت 107 منها بين 1 يناير/كانون الثاني و6 مارس/آذار – اعترضهم خلالها حرس الحدود قرب بلدة دركوش السورية واحتجزوهم في مراكز أمنية قريبة ثم رحلوهم إلى سوريا مع المئات، وأحيانا الآلاف الآخرين.
قال رجل من محافظة دير الزور هرب من هجمات الحكومة السورية على بلدته في سبتمبر/أيلول 2017 إن حرس الحدود أوقفوه 9 مرات في يناير/كانون الثاني والنصف الأول من فبراير/شباط على الحدود قرب مخيم الدرية للنازحين في سوريا.
قال واصفا 3 حوادث في فبراير/شباط:
في كل مرة كانوا يهينون الرجال ناعتينهم "الخونة السوريين". أجبروا بعضهم على جمع الحطب. ثم أخذونا جميعا في شاحنات عسكرية إلى ملعب كرة سلة في مركز أمني قرب معبر هتيا الحدودي. كما كان توجد خيمة كبيرة هناك. وضعونا في الخيمة وأبقونا حتى اليوم التالي. لم يعطونا أي طعام أو ماء أو سمحوا لنا بالذهاب إلى مرحاض جيد. كنا كُثر في الخيمة، لدرجة كنا نفيض إلى ملعب كرة السلة المفتوح. كنا بالمئات. في الصباح التالي، أعادونا إلى الحدود في باصات.
قال 3 سوريين إنهم رُحِّلوا مع آلاف آخرين. قال رجل من الحمدية إن حرس الحدود الأتراك أوقفوه 11 مرة بين سبتمبر/أيلول ويناير/كانون الثاني وإنه كان يُرَحَل عادة مع حوالي 500 شخص آخر. لكنه قال إنه في إحدى المرات، في يناير/كانون الثاني، أعطى حرس الحدود أرقاما إلى الأشخاص الذين أوقفوهم وهم يحاولون قطع الحدود من سوريا، ورقمه كان 3,890. قال إنه كان من أواخر من وُضعوا في الباصات للذهاب إلى الحدود.
أشار العديدون إلى نقطتيْ ترحيل تبعدان وفق أقوالهم من 10 إلى 30 دقيقة بالسيارة من المراكز الأمنية حيث كان حرس الحدود يبقونهم: إحداها كان معبر غير رسمي في هتيا، والأخرى سد صغير على نهر العاصي يدعى "جسر الصداقة". حصلت هيومن رايتس ووتش على صور من القمر الاصطناعي لنقطتيْ العبور و4 مراكز أمنية تقع ضمن منطقة الحدود مباشرة، حيث قال طالبي اللجوء إنهم عبروا نحو تركيا.
قالت امرأة من حماة حاولت مرات عديدة عبور الحدود، إنها رُحِّلت 6 مرات خلال الأسبوعين الأولين من فبراير/شباط مع مجموعات قدرت عددها بين 50 و600 سوري:
في المرة الثانية، حوالي في 4 شباط (فبراير)، اصطحبنا حرس الحدود إلى مركز عسكري ووضعونا في خيمة مع 200 شخص كانوا قد أوقفوهم سابقا. بعد 4 ساعات، عند حوالي 8 صباحا، وضعونا في باصات كبيرة واصطحبونا إلى جسر الصداقة. قالوا إن علينا عبور النهر مشيا على الأقدام والعودة إلى سوريا.
تؤكد صور القمر الاصطناعي التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش وجود فجوات في الجدار على طول نهر العاصي غرب بلدة سلقين السورية، وفي نقاط مختلفة بين الجهة الجنوبية حيث يلتقي النهر بالحدود ومعبر هتيا الحدودي.
ترحيل من أنطاكي
قال 3 سوريين إن الشرطة التركية رحلتهم أو أقاربهم من مدينة أنطاكيا التي تبعد 20 كيلومتر غرب الحدود السورية.
قال رجل من محافظة دير الزور:
عبرت الحدود ليلا برفقة زوجتي وابنتيَّ وحوالي 20 شخصا آخرين أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017 قرب مخيم الدرية (للنازحين). لم يجدنا حرس الحدود. أخذنا المهرب إلى منزله في أنطاكيا، على بعد ساعتين في السيارة. وجدنا 20 سوريا آخرين كانوا قد وصلوا قبلنا وأخبرونا أنهم عبروا الحدود من سوريا تلك الليلة أيضا. بعدها بفترة قصيرة، وصلت الشرطة التركية إلى المنزل. أخذونا إلى مركز شرطة واحتجزونا حتى الصباح التالي. أخذوا بصماتنا والتقطوا صورنا. ثم أخذونا جميعا في عربات الشرطة إلى الحدود عند باب الهوى وأعادونا إلى سوريا.
وصف رجل من محافظة حماة ماذا حصل مع زوجته:
أعاد الأتراك زوجتي إلى سوريا من أنطاكيا مرتين. أخبرتني بكل ما حصل. أول مرة كانت منذ أسبوع (حوالي 10 فبراير/شباط). أوصلها المهربون مع نحو 10 أشخاص آخرين من الحدود قرب نهر العاصي حتى الريحانية ومن هناك ركبوا السيارة حتى أنطاكيا. وصلوا إلى طرف أنطاكيا عند حوالي 6 صباحا. أطلقت الشرطة التركية النار على دواليب السيارة لتجبرهم على التوقف. ضربوا السائق ووضعوا زوجتي والآخرين فورا في عربات الشرطة وأوصلوهم إلى الحدود عند باب الهوى.
عبرت زوجتي مرة أخرى بعد 4 أيام. أخذها المهربون مع حوالي 10 آخرين إلى منزل صغير في قرية تركية قرب الحدود ثم أوصلوهم إلى منزل في أنطاكيا، حيث كان يوجد حوالي 50 سوريا آخرين أخبروهم بأنهم وصلوا تلك الليلة. فجأة وصلت الشرطة التركية عند حوالي 7 صباحا. سجلوا أسماءهم والتقطوا صورهم. وضعوهم في شاحنة كبيرة وأخذوهم إلى معبر باب الهوى حيث أوقفوهم طوال النهار ثم أعادوهم إلى سوريا.
إطلاق نار على يد حرس الحدو
وصف 9 سوريين قابلناهم 10 حوادث إطلاق نار على يد حرس الحدود الأتراك بين سبتمبر/أيلول ومارس/آذار أدت إلى مقتل 14 شخص وجرح 18 آخرين.
في منتصف فبراير/شباط، قال رجل من محافظة دير الزور إنه في الأسابيع الخمسة السابقة، حاول 4 مرات الوصول إلى تركيا برفقة زوجته وأولاده الخمسة. قال إنه في أول 3 محاولات رحلهم حرس الحدود الأتراك. في المرة الرابعة عادوا بسرعة لأن حرس الحدود الأتراك أطلقوا النار على مجموعتهم بينما كانوا يقتربون من الحدود:
على بعد عدة أمتار من الحدود قرب مخيم درية (للنازحين) بدأ الأتراك فجأة بإطلاق النار على مجموعتنا. قتلوا فتاة عمرها 8 سنوات وجرحوا رجلين، أحدهم في رجله والثاني في معدته. ساعدت الرجل الذي أصيب في معدته على العودة معنا بينما حمل الآخرون الفتاة وساعدوا الرجل الآخر. أخبرنا المهربون لاحقا أن فتاة عمرها 13 عاما من مجموعة أخرى كانت تحاول العبور في المرة التالية، قُتلت خلال إطلاق النار.
قال رجل أخليَ مع زوجته وطفله من حلب أواخر 2016 إنه حاول، لكنه فشل، بالعبور برفقتهم إلى تركيا 3 مرات قرب مخيم درية في سبتمبر/أيلول 2017 ويناير/كانون الثاني 2018، وتم ترحيله مع المئات الآخرين في أول مرتين. قال إنه خلال المحاولة الثالثة في يناير/كانون الثاني:
أطلق حرس الحدود النار علينا وجرحوا زوجتي في معدتها ورجلها. كانت حاملا ومات الجنين. كما جرحوا رجلين وصبي عمره 5 سنوات أصيب في رجله. أخذنا زوجتي إلى مستشفى في سوريا قرب الحدود. توقف قلبها مرتين لكنها نجت. لم يتمكنوا من إجراء عملية لها لذا أرسلوها إلى تركيا عبر معبر باب الهوى لإجراء العملية. بتروا رجلها واستأصلوا رحمها. لم يسمحوا لي بالعبور معها لكن مهرب ساعدني وابنتي على العبور إلى تركيا بعد بضعة أيام.
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى طبيب في مستشفى سوري قرب الحدود التركية غرب مدينة إدلب، قال إنه بين 1 أغسطس/آب و16 فبراير/شباط، استقبل المشفى 66 شخصا مصابين من جراء إطلاق نار خلال محاولتهم عبور الحدود التركية.
نزاع وأزمة إنسانية في محافظة إدل
وفق الأمم المتحدة، هناك 2.65 مليون نسمة في محافظة إدلب، أكثر من 1.75 مليون منهم نزحوا من مناطق أخرى في إدلب أو أجزاء أخرى من سوريا، من بينهم حوالي 400 ألف نزحوا منذ ديسمبر/كانون الأول. واجه مدنيّو إدلب سنوات من النزاع. في سبتمبر/أيلول، بدأت القوات الروسية والسورية هجوما جديدا في إدلب، وذلك بعد 3 أيام من اتفاق روسيا وإيران وتركيا على وقف لإطلاق النار وتحديد منطقة لـ "خفض التصعيد" ضمن المحافظة وأجزاء من حماة وغرب حلب. وثقت هيومن رايتس ووتش أن هذه الهجمات في سبتمبر/أيلول استهدفت أسواقا ومناطق سكنية مأهولة وأجبرت الآلاف الأشاص على الهرب إلى مواقع نزوح قرب الحدود التركية.
توقفت العمليات العدائية في إدلب في 8 أكتوبر/تشرين الأول بعدما نشرت تركيا مراقبين هناك، لكنها استُأنفت أواخر ديسمبر/كانون الأول. في يناير/كانون الثاني، شن التحالف العسكري الروسي-السوري غارات جوية لدعم القوات البرية السورية. بعض الهجمات استخدمت أسلحة محظورة واستهدفت مستشفيات.
في 21 يناير/كانون الثاني، بدأت تركيا هجمة عسكرية في عفرين التي يسيطر عليها الأكراد، معرّضة أيضا المدنيين النازحين إلى الخطر. تبادلت القوات التركية والكردية القصف على جانبيّ مخيم أطمة للنازحين، الواقع على الحدود التركية والذي يأوي 60 ألف شخص.
قال شهود إنه في 6 فبراير/شباط، خلال المعارك، سقطت قذائف على المخيم وقتلت فتاة عمرها 8 سنوات وجرحت 7 مدنيين آخرين.
قابلت هيومن رايتس ووتش 7 نازحين سوريين حول الحادثة. جميعهم قالوا إن الضربة أفزعت أولادهم من القصف وجعلتهم غير قادرين على النوم.
قال والد 7 أطفال من حماة عاش قريبا من موقع وقوع القذيفة في 6 فبراير/شباط:
كنت موجودا عندما وقعت القذيفة وهرعت للمساعدة. سمعت أن فتاة يافعة قُتِلت، لكنني لم أر سوى الجريحين. أحدهما فقد ذراعا وساقا والثاني أصيب بالعمى. كنت خائفا أن يلقى أولادي المصير عينه، هربنا من المخيم وذهبنا للعيش في حقل قرب معبر باب الهوى الحدودي. لكننا لم نستطع البقاء لوحدنا هناك، بدون أي مساعدة، لذا اضطررنا للعودة إلى المخيم. جميعنا خائفون الآن، طوال الوقت.
قال والد 4 أطفال إن هذه الحادثة أثرت كثيرا على عائلته لدرجة أنه عاد إلى بلدته الأم كفر زيتا في محافظة حماة، والتي ما زال النزاع يمزقها، لأن جميع مخيمات النازحين في إدلب مكتظة. قال إنه بما أن منزله دُمِر، فهو يعيش في حقل على طرف البلدة ويعاني ليتمكن من العيش: "ما زال القصف مستمرا هنا، لكن إن كان مكتوب لنا الموت، من الأفضل أن نموت في بلدنا".
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى 5 سوريين نزحوا عدة مرات خلال الأشهر الماضية ضمن إدلب للهرب من الخطوط الأمامية المتبدلة. حتى منتصف فبراير/شباط، كانوا يعيشون قريبا قدر الإمكان من الحدود التركية آملين الهرب من القتال.
قالت الأمم المتحدة إنه منذ ديسمبر/كانون الأول، أجبر العنف 385 ألف شخص على الأقل على النزوح وانضموا إلى 2.65 مليون مدني آخرين، من بينهم 1.35 مليون مدني نزحوا في السنوات القليلة الماضية.
في منتصف فبراير/شباط، قابلت هيومن رايتس ووتش إثنين من مسؤولي الإغاثة يعملان في محافظة إدلب. لخص أحدهما الوضع الإنساني الرهيب:
نفدت كل الأماكن لاستقبال النازحين في الأشهر القليلة الماضية. مخيمات النازحين مكتظة بالكامل، ونحن (المساعدون الإنسانيون) لا نملك الموارد لتأمين الحاجات الأساسية مثل المياه والطعام والتدفئة والعناية الصحية والتعليم. ارتفع سعر الإيجار كثيرا لذا ينتهي الأمر بالأشخاص بالعيش بعشرات الآلاف على أطراف المدن والبلدات في الحقول في مخيمات مؤقتة. فبكل بساطة، ما من طريقة تساعد فيه الوكالات الإنسانية جميع هؤلاء الأشخاص. بأفضل الحالات، يمكنها تقديم مساعدة محدودة مرة كل حين للبعض منهم، ولا تجري الأمور بشكل منظم. المعاناة في كل مكان، في كل مخيم وكل بلدة.
السوريون الـ56 في إدلب الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، من بينهم 42 نازحا بسبب أعمال العنف الأخيرة، جميعهم وصفوا الظروف الصعبة جدا التي واجههوها في إدلب في الأشهر الماضية. النازحون الجدد قالوا إنهم سمعوا أن مخيمات النازحين مكتظة وأنهم لا يستطيعون دفع بدلات الإيجار العالية في المدن والبلدات في المنطقة. فانتهى بهم المطاف بالعيش في الحقول المشبعة بالماء في أرجاء محافظة إدلب، غالبا مع عائلات أخرى في خيم مؤقتة مصنوعة من أكياس ومواد أخرى خاطوها معا، لأنهم لا يستطيعون شراء خيما مناسبة.
قالوا إنهم عانوا ليجدوا الطعام واضطروا لدفع ثمنا غاليا للماء التي تصلهم بالشاحنات. فهم إما لم يروا أي شخص من وكالة إنسانية، أو إما الذين قابلوهم قالوا إنهم لم يتمكنوا من تقديم المساعدة أو وعدوهم بها لكنهم لم يعودوا.
سمحت السلطات التركية للمجموعات الإنسانية التركية والدولية المتمركزة في تركيا بالعبور إلى سوريا والانضمام إلى المجموعات الإنسانية السورية لتوزيع الخيم والمساعدات الأخرى للسوريين في المخيمات في المناطق الحدودية. قالت هيومن رايتس ووتش إن السماح بهذه المساعدة الضرورية جدا عبر الحدود مهمة، لكنها لا تعفي تركيا من واجباتها بالسماح للمدنيين السوريين الهاربين من القتال بطلب الحماية في تركيا.
صمت الاتحاد الأوروب
وثقت هيومن رايتس ووتش أنه على الأقل منذ منتصف أغسطس/آب، يطبق حرس الحدود قرار مارس/آذار 2015 القاضي بإغلاق الحدود وقد رحلوا سوريين يحاولون الوصول إلى تركيا. في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2016، وثقت هيومن رايتس ووتش كيف أطلق حرس الحدود النار وضربوا طالبي اللجوء السوريين الذين يحاولون العبور إلى تركيا، ما أدى إلى الوفيات والإصابات الخطيرة، وأعادوا من نجح بالعبور إلى سوريا. في فبراير/شباط 2018، أعدت هيومن رايتس ووتش تقريرا عن المزيد من الوفيات والإصابات وصد طالبي اللجوء في النصف الثاني من 2017.
في 20 مايو/أيار 2016، طالبت هيومن رايتس ووتش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة التي حضرت القمة الإنسانية العالمية بالضغط على السلطات التركية لإعادة فتح الحدود التركية أمام طالبي اللجوء السوريين. لكن لا "المفوضية الأوروبية" أو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – أو أي دولة أخرى – ضغطت على تركيا بشكل علني لفعل ذلك، بينما حافظت وكالات الأمم المتحدة على صمتها علنا.
صمت العالم – وبالأخص الاتحاد الأوروبي – حيال خرق تركيا للركن الأساسي في القانون الدولي للاجئين، هو تغاضٍ عن انتهاكات تركيا الحدودية.
عدم استقبال الاتحاد الأوروبي المزيد من طالبي اللجوء السوريين واللاجئين يساهم أيضا في الضغط على تركيا. على الاتحاد الأوروبي، والدول الأخرى، أن ينفذ التزاماته بسرعة لإعادة توطين السوريين وطالبي لجوء آخرين من اليونان. كما عليه توسيع القنوات الآمنة والقانونية للناس للوصول بأمان إلى تركيا، بما يشمل توسيع إعادة توطين اللاجئين، القبول على أسس إنسانية، والتأشيرات الإنسانية وغيرها، وتسهيل جمع شمل العائلات.