المُلخص
هربا من الحرب، فرّت نوال من سوريا مع زوجها وأطفالهما السبعة عام 2013 وطلبت اللجوء في لبنان، حيث سجلتها "المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" مع عائلتها كلاجئين. مع ذلك، وجدت العائلة نفسها بعد فترة قصيرة مضطرة للهروب من أمر آخر: السياسات القسرية التي حرمت أفرادها من الوضع القانوني والعمل والتعليم، والمشاعر المعادية للسوريين، والانهيار الاقتصادي الشديد عام 2019. بعد أن فقدت نوال وعائلتها الأمل في حياة طبيعية أو ضمان اللجوء في لبنان، ولعدم قدرتهم على السفر عبر المسارات المسموح بها، قررت ركوب قارب غير نظامي متجه إلى جمهورية قبرص (قبرص)، في يونيو/حزيران 2023.
لم ينجحوا في محاولتهم الأولى. بينما كانوا على شاطئ في شمال لبنان يحاولون ركوب القارب، اعتقل الجيش اللبناني نوال وعائلتها و47 شخصا آخرا يحاولون الفرار من لبنان. بعد نصف يوم من الاحتجاز، أطلقت السلطات سراحهم، لكن لم يشرح أحد لنوال أسباب احتجازها، والقوانين التي خرقتها والتي تبرر هذه المعاملة.
بعد شهر، في يوليو/تموز 2023، حاولت نوال وعائلتها مرة أخرى، وهذه المرة نجح قاربهم في الخروج من لبنان. بينما كانوا يقتربون من قبرص، رصدتهم طائرة مسيرة ومروحية، ولاحقتهم السفن العسكرية حتى وصولهم إلى الشاطئ. احتجزت السلطات القبرصية نوال وآخرين في القارب عند وصولهم، وحرمتهم من أي فرصة لطلب اللجوء. بعد نحو يومين من الاحتجاز، أجبر الضباط القبارصة المجموعة على الصعود في سفينة قبرصية. عادت السفينة مباشرة إلى مرفأ بيروت. بعد عدة ساعات من نزولهم، رحَّل الجيش اللبناني السوريين إلى سوريا عبر معبر المصنع الحدودي بين بيروت ودمشق، بمن فيهم نوال وعائلتها. بعد عشر سنوات من الفرار من الحرب، عادت نوال وعائلتها إلى سوريا.
بعد فترة قصيرة، اعتقل الجيش السوري عائلة نوال في المنطقة الحدودية المجاورة للبنان واحتجزهم لتسعة أيام قبل إطلاق سراحهم في دمشق. وثّقت "هيومن رايتس ووتش" حالات سابقة تعرض فيها سوريون عائدون محتجزون للاضطهاد والتعذيب، وفي بعض الحالات للقتل على يد قوات الحكومة السورية. كانت عائلة نوال محظوظة بالإفراج عنها، وتمكنت من دفع المال للمهربين للعودة إلى لبنان في أغسطس/آب 2023.
سياق الهجرة للاجئين السوريين في لبنان معقد. يستضيف لبنان أعلى عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان في العالم، بما يشمل نحو 1.5 مليون لاجئ سوري فروا من الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011، ونحو نصف مليون لاجئ فلسطيني. في الوقت نفسه، لم تلبِّ حكومة لبنان احتياجات مواطنيها وسط أزمات متعددة ومتفاقمة، وحاجات اللاجئين السوريين الذين تعرضوا بالفعل لتدابير قسرية وقيود تمييزية منذ فترة طويلة. بسبب الافتقار إلى مسارات الهجرة القانونية، تدفع الظروف القاسية عديدا من اللاجئين السوريين إلى المغادرة إلى أوروبا، وخاصة قبرص نظرا لقربها من ساحل لبنان، بالقوارب التي لا تغادر أو تصل إلى مرافئ رسمية.
ردا على ذلك، ينتهج لبنان وقبرص و "الاتحاد الأوروبي" سياسة الاحتواء. في 2023، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها "على علم بما لا يقل عن 19 عملية ترحيل [في لبنان] شملت 932 شخصا تتعلق بمحاولات نقل القوارب" وفي 2024، حتى يوليو/تموز، قالت المفوضية إن "6 [قوارب] عادت إلى لبنان واعترضت السلطات اللبنانية 5 قوارب". تُرجِع قبرص اللاجئين السوريين إلى لبنان منذ 2020، وهو ما وثقته هيومن رايتس ووتش. كما اقترحت قبرص مرارا إجراء دوريات مشتركة مع البحرية اللبنانية لوقف أي تحركات للقوارب غير النظامية، ودعت منذ أواخر 2023 الاتحاد الأوروبي إلى إعلان أجزاء من سوريا آمنة لعودة اللاجئين. في 13 أبريل/نيسان 2024، أعلنت قبرص أنها علّقت معالجة طلبات اللجوء لجميع السوريين الموجودين حاليا في قبرص.
في الوقت نفسه، قدم الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية ملايين اليوروهات للتدريب والمعدات ودعم بناء القدرات للبنان بغية تعزيز قدراته على إدارة الحدود. بلغ هذا الأمر ذروته في مايو/أيار 2024، عندما أعلنت "المفوضية الأوروبي" عن حزمة مساعدات مالية بقيمة مليار يورو للبنان، وكان أحد الأهداف الصريحة تعزيز قدرات الجيش اللبناني في مجال "إدارة الحدود والهجرة". في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اللبناني، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبنان إلى "منع الهجرة غير الشرعية".
تضع الحكومات سياسات أكثر تعقيدا لاحتواء اللاجئين السوريين، وهذا يعني لنوال وكثير مثلها أنهم محاصرون في خطر دائم بلبنان.
بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ومارس/آذار 2024، قابلت هيومن رايتس ووتش 16 لاجئا وطالب لجوء سوريا حاولوا مغادرة لبنان بشكل غير قانوني بالقوارب. حاولوا جميعهم العبور بالقوارب كانت بين أغسطس/آب 2021 وسبتمبر/أيلول 2023. وصف الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش القوارب بأنها تحمل ما بين 17 و200 شخص، معظمهم من السوريين عادة، لكن مع بعض المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين. قال عديد منهم إن الوجهة المقصودة للقوارب كانت قبرص.
حللت هيومن رايتس ووتش وتحققت من الصور والفيديوهات المرسلة مباشرة إلى باحثيها من الأشخاص الذين قابلتهم، والتي كشفت عن التجربة المروعة لاعتراضهم من قبل السلطات اللبنانية والقبرصية في البحر. حصلت هيومن رايتس ووتش أيضا على بيانات تتبع الطائرات والقوارب لتتبع وتوثيق اعتراض وطرد أحد الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات من قبل خفر السواحل القبرصي. مكنت هذه التحليلات الباحثين من التحقق من روايات الشهود وفهم رحلات القوارب، بما فيها أطوالها ومواقعها ومتى تدخلت المركبات الأخرى المشاركة في عمليات الطرد النهائية إلى لبنان.
قال الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس وتش إن أجهزة الأمن اللبنانية نفذت عمليات "إرجاع"، وهي إجراءات تجبر القوارب المغادِرة على العودة أو بخلاف ذلك تمنع الأشخاص من مغادرة بلد خارج المعابر الحدودية الرسمية. قال الذين وصلوا إلى قبرص إن السلطات القبرصية طردت اللاجئين السوريين بشكل جماعي وأعادتهم قسرا إلى لبنان. في معظم الحالات، احتجز الجيش اللبناني اللاجئين السوريين ثم طردهم بإجراءات موجزة إلى سوريا بعد عمليات إرجاع في لبنان وطرد جماعي من قبرص. قال الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن السلطات اللبنانية والقبرصية لم تقدم أي مبرر واضح، قانوني أو غير ذلك، لمعاملتهم وحرمتهم من الوصول إلى إجراءات الحماية الدولية.
في المجمل، تعرض 15 شخصا ممن قوبلوا، بمن فيهم كثيرون حاولوا العبور عدة مرات، لانتهاكات حقوقية على أيدي السلطات اللبنانية و/أو القبرصية. اعتقلت السلطات الأمنية اللبنانية تسعة من الأشخاص الذين قوبلوا إما في طريقهم إلى نقاط انطلاق القوارب أو عندها في الشواطئ والمناطق الساحلية في شمال لبنان. احتجزتهم السلطات اللبنانية وطردت أربعة من الأشخاص التسعة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش فورا إلى سوريا عبر معبر حدودي غير رسمي في منطقة وادي خالد في شمال لبنان.
كان ثمانية من الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات في قارب يحمل حوالي 200 راكبا، غرق بعد عدة ساعات من إبحاره من ساحل شمال لبنان في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، في حادثة حظيت بتغطية واسعة، وتضمنت عملية إنقاذ مشتركة من قبل البحرية اللبنانية و"قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل)، وهي قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان. قال الأشخاص الذين قوبلوا إنهم ناشدوا كثيرا البحرية اللبنانية واليونيفيل بعدم إعادتهم إلى لبنان لأنهم يخشون الطرد إلى سوريا. بعد عملية الإنقاذ، نقلت سفن البحرية اللبنانية واليونيفيل الناجين إلى مرفأ طرابلس اللبناني. ثم احتجزتهم القوات المسلحة اللبنانية في المرفأ ليوم واحد حيث استجوبتهم سلطات لبنانية مختلفة. أفاد سبعة أشخاص ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش أنه بعد انتهاء الاستجواب، نقلهم الجيش اللبناني من المرفأ إلى معبر وادي خالد وطردتم إلى سوريا. كان معظمهم حفاة الأقدام ومبللين طوال عملية الإنقاذ والطرد، التي استمرت أكثر من يوم.
قال خمسة أشخاص ممن قوبلوا إنهم وصلوا إلى قبرص على متن أربعة قوارب مختلفة. في إحدى الحالات، اعترضت السلطات القبرصية القارب الذي كان أحد الأشخاص الذين قابلناهم على متنه وتركته ينجرف طوال الليل دون إنزال الأشخاص إلى الشاطئ أو تقديم الطعام لهم. ثم نقلت السلطات الأشخاص إلى سفينة قبرصية وأعادتهم إلى مرفأ بيروت. في حالتين، اعترض خفر السواحل القبرصي قوارب الأشخاص الذين قابلناهم، بما فيه باستخدام تكتيكات المناورة التي عرّضت أحد قوارب الأشخاص الذين قابلناهم للخطر، كما يظهر في الفيديوهات التي أرسلها أحد الأشخاص الذين قابلناهم إلى هيومن رايتس ووتش. في حالة أخرى، وصل أحد الأشخاص الذين قابلناهم وهو طفل طالب لجوء عمره 15 عاما وغير مصحوب بذويه إلى الشواطئ القبرصية دون أن يتم اكتشافه. انتهى الأمر بالأشخاص الذين قابلناهم في هذه الحالات الثلاث إلى قضاء ليلة أو ليلتين في مراكز الاحتجاز القبرصية، لكن لم تُمنح لهم الفرصة للمطالبة باللجوء. ثم قيّد عناصر الأمن القبارصة الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات، بأسلاك وأجبروهم على الصعود إلى السفن القبرصية التي أعادتهم مباشرة إلى مرفأ بيروت. رحّل الجيش اللبناني أربعة من الأشخاص الذين قابلناهم، بمن فيهم ذلك الطفل، إلى سوريا عبر معبر المصنع الحدودي.
وصف الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أيضا عددا كبيرا من الانتهاكات طوال دورة الإرجاع والصد والطرد. استخدمت السلطات اللبنانية والقبرصية القوة المفرطة عند الاعتقال وأثناء الاحتجاز، بما فيه الضرب وتقييد الجسم والإهانات اللفظية. قالت نوال إن عناصر الأمن القبارصة ضربوا زوجها بهراوة وصعقوه بالكهرباء أثناء إجباره على ركوب سفينة العودة إلى لبنان. وصف الأشخاص الذين قابلناهم والذين رُحلوا إلى معبر وادي خالد غير الرسمي أنه في بعض الحالات، سلمهم الجيش اللبناني مباشرة إلى جنود سوريين، ومهربين هددوا بتسليمهم للجيش السوري ما لم يدفعوا مقابل خدمات التهريب للعودة إلى لبنان. أفاد عديد من الأشخاص الذين قابلناهم أن السلطات اللبنانية صادرت وثائق هويتهم وهواتفهم أثناء عمليات الإرجاع والاحتجاز ولم تعيدها إليهم.
تصرفات لبنان وقبرص ضد الهجرة غير الشرعية بالقوارب تنتهك العديد من حقوق الإنسان. عمليات الإرجاع التي ينفذها لبنان تنتهك الحظر المفروض على الاحتجاز التعسفي والمعاملة اللاإنسانية والحق في مغادرة أي بلد، بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". قبرص ملزمة بـ "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" التي تحظر الطرد الجماعي، أي إزالة مجموعة من "الأجانب" من بلد ما دون تقييم موضوعي وفردي. ينتهك طرد لبنان الفوري للسوريين الذين تم إرجاعهم وطردهم من قبرص مبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي العرفي، و "اتفاقية مناهضة التعذيب"، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر إعادة اللاجئين إلى الأماكن التي قد تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم للخطر. تنتهك قبرص أيضا الحظر المفروض على الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية، عبر طردها اللاجئين السوريين إلى لبنان حيث يتعرضون لخطر الطرد إلى سوريا.
في الوقت نفسه الذي ارتكبت فيه السلطات اللبنانية هذه الانتهاكات، موّل الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية تلك السلطات بما يصل إلى 16.7 مليون يورو من 2020 إلى 2023، وذلك بشكل أساسي في مشاريع بناء القدرات التي تهدف صراحة إلى تعزيز قدرة لبنان على منع الهجرة غير النظامية. في 1 أغسطس/آب 2024، خصّص الاتحاد الأوروبي 32 مليون يورو إضافية لمواصلة تنفيذ مشاريع تعزيز إدارة الحدود في لبنان حتى 2025.
فحصت هيومن رايتس ووتش وثائق المشاريع التي تم الحصول عليها من مصادر عامة وطلبات مقدمة ضمن قوانين حرية الوصول إلى المعلومات. وجدت أن الكيانات الأوروبية مولت "المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة"، وهو مركز أبحاث خارجي غير خاضع لأطر حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، لتنفيذ مشاريع لصالح الجيش اللبناني الأمن العام وقوى الأمن الداخلي. قدم المركز إلى الوكالات الثلاث المشورة الفنية والتدريبات والمعدات والبنية التحتية لتعزيز قدرات لبنان في مجال إدارة الحدود. سهّل المركز أيضا تبادل الخبرات في ممارسات الحدود بين وكالات الحدود في لبنان وتونس، وهي دولة أخرى وجدت هيومن رايتس ووتش أن قواتها الأمنية ارتكبت انتهاكات خطيرة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء، بما فيه بعمليات الإرجاع والطرد الجماعي، وتلقت تمويلا كبيرا من الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، لم تتضمن مشاريع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة أي آليات مستقلة للرصد أو إنهاء التمويل لضمان أن التمويل الأوروبي لم يُمكِّن انتهاكات حقوق الإنسان. رغم أن المفوضية الأوروبية حددت في 2023 و2024 أن مشاريعها في لبنان تخاطر بدعم الجهات الفاعلة التي "قد تتصرف ضد المعايير الدولية لحقوق الإنسان"، إلا أنها ضاعفت تمويل المشاريع حتى 2025 دون تعزيز مماثل لنهجها في معالجة التقارير المستمرة عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجهات الأمنية اللبنانية الممولة من الاتحاد الأوروبي.
تدعو هيومن رايتس ووتش لبنان وقبرص إلى إنهاء جميع التدابير الحدودية التعسفية وغير القانونية التي تحاصر الناس في لبنان وتمنعهم من المغادرة والوصول إلى الحماية الدولية. ينبغي للبنان أن ينهي استخدام الاعتقال والاحتجاز والطرد كعقوبة يتم التهديد بها أو تطبيقها على الهجرة غير الشرعية. ينبغي لقبرص وقف جميع عمليات الصد والطرد الجماعي والسماح للناس بالمطالبة بالحماية الدولية عند دخول البلاد، بما فيه باستئناف معالجة طلبات اللجوء للسوريين فورا. عند التوصل إلى أي قرار قد يؤدي إلى الاحتجاز أو الطرد، يتعين على البلدين أن يوفرا للأشخاص الإجراءات القانونية الواجبة، واحترام التزاماتهما بعدم الإعادة القسرية. ينبغي لكلا البلدين الامتناع عن إعادة السوريين بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأماكن التي قد يتعرضون فيها للأذى من قبل أجهزة الأمن السورية وغيرها من الجماعات المسلحة.
تدعو هيومن رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي والدول المانحة الأخرى إلى إنشاء آليات فورا لضمان ألا يستمر، أو ألا يساهم، دعمها المالي للبنان، في انتهاكات حق أي شخص في طلب اللجوء وعدم إعادته إلى الأماكن التي قد تتعرض فيها حياته أو حريته للتهديد، أو تمكين انتهاكات المعايير الدولية لمعاملة المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين. ينبغي أن تشمل هذه الآليات، على الأقل، تقييما مستقلا ومستمرا للأثر الواقع على حقوق الإنسان، وربط التمويل بامتثال لبنان للالتزامات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
أخيرا، تدعو هيومن رايتس ووتش جميع الحكومات المشاركة في استضافة أو إعادة توطين السوريين، بما فيها لبنان والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية، إلى الامتناع عن الاستمرار في نهج الاحتواء غير الإنساني للهجرة والذي لا يؤدي إلا إلى تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان التي تدفع إلى مزيد من الرحلات غير النظامية. كأولوية، ينبغي للبنان إنهاء جميع التدابير التمييزية والقسرية ضد السوريين، وإصلاح أنظمة الإقامة حتى يتمكن السوريون من تسوية وضعهم في البلاد، والسماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باستئناف تسجيل اللاجئين السوريين. يتعين على لبنان أن يعمل مع حكومات الوجهة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لزيادة الخيارات المتاحة للاجئين السوريين بشكل كبير لتأمين الوصول إلى وسائل آمنة وقانونية لمواصلة السفر، بما فيه بتزويد اللاجئين بالوثائق اللازمة للسفر الآمن إلى الخارج عبر المرافئ والمعابر الحدودية الرسمية. ينبغي للحكومات الأوروبية وغيرها من الحكومات توفير مزيد من الموارد لدعم السوريين في لبنان، بما فيه بزيادة أماكن إعادة توطين اللاجئين والمسارات التكميلية، بما فيها للعمل والدراسة ولم شمل العائلات، حتى يتمكنوا من الهجرة بشكل آمن وقانوني ومنظم.
قائمة المصطلحات
الأجانب: يُستخدم مصطلح "أجنبي" في المادة 4 من البروتوكول رقم 4 من "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" للإشارة إلى الأشخاص من غير مواطني الدولة المضيفة، أو الأجانب. تحظر المادة 4 من البروتوكول رقم 4 "الطرد الجماعي للأجانب". يُستخدم هذه المصطلح في التقرير فقط عند الإشارة إلى هذا الحظر القانوني بموجب الاتفاقية.
طالب اللجوء: طالب اللجوء هو الشخص الذي يرغب في الحصول على اللجوء في بلد آخر. إذا وصل لاجئ إلى بلد ما وطلب اللجوء رسميا، أي الحق في البقاء في البلد لتجنب إعادته إلى الخطر في وطنه، يظل هذا الشخص طالب لجوء في انتظار قرار بشأن قضيته.
الطرد الجماعي: الطرد الجماعي هو تدابير تجبر الأجانب، كمجموعة، على مغادرة بلد ما، دون فحص معقول وموضوعي مسبق للحالة الخاصة لكل فرد في المجموعة. الطرد الجماعي محظور بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
عدم الإعادة القسرية: كما حددته الأمم المتحدة، يحظر مبدأ عدم الإعادة القسرية على الدول نقل أو إبعاد الأفراد من ولايتها القضائية أو سيطرتها الفعلية عندما تكون هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن الشخص سيكون معرضا لخطر الضرر الذي لا يمكن إصلاحه عند عودته، بما فيه الاضطهاد أو التعذيب أو سوء المعاملة أو غير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة. ينطبق هذا المبدأ على جميع المهاجرين في جميع الأوقات، بغض النظر عن وضعهم القانوني المتعلق بالهجرة.
عمليات الإعادة القسرية: عمليات الإعادة القسرية هي أي تدابير تتخذها بلدان المنشأ أو العبور، دون مبرر واضح، من أجل (1) منع الأشخاص من مغادرة أراضي تلك البلدان فعليا، أو (2) إعادة الأشخاص إلى تلك الأراضي قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى ولاية بلدان المقصد. يمكن أن تتم عمليات الإعادة القسرية في البر أو في البحر، بما فيها اعتراض القوارب المغادرة، واعتقال الأشخاص الذين يحاولون المغادرة إما عند أو في طريقهم إلى نقاط المغادرة الحدودية الرسمية أو غير الرسمية.
عمليات الصد القسري: عمليات الصد القسري هي تدابير تمنع الأشخاص من الوصول إلى أو الدخول أو البقاء في منطقة معينة، مما يؤدي عادة إلى إجبار الأشخاص على العودة إلى البلد الذي بدأوا منه رحلتهم. يمكن أن تحدث عمليات الصد القسري في البر أو في البحر، وعادة ما تحدث دون السماح للأشخاص بتقديم طلبات اللجوء أو الوصول إلى الحماية الدولية.
اللاجئ: عموما، اللاجئ هو الشخص الذي أجبِر على الفرار من بلده بسبب الاضطهاد أو الحرب أو العنف. بموجب "اتفاقية اللاجئين لعام 1951"، اللاجئ هو شخص غير قادر أو غير راغب في العودة إلى وطنه بسبب خوف مبرر من الاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي. بصرف النظر عما إذا كانت الدولة طرفا في اتفاقية اللاجئين أم لا، بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في "القانون الدولي العرفي"، يُحظر على الحكومات إعادة اللاجئين قسرا إلى وطنهم إذا كان ذلك يعرضهم للخطر.
الطرد الفوري: عمليات الطرد الفوري هي تدابير تطرد الأفراد قسرا من البلد الذي يتواجدون فيه، دون قرار قانوني مسبق يُتخذ وفقا لضمانات الإجراءات القانونية الواجبة التي يقتضيها "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
المنهجية
يستند هذا التقرير إلى ما مجموعه 28 مقابلة، شملت سوريين وممثلين عن منظمات دولية ومحامين، وإلى تحليل صور وفيديوهات وغيرها من الوثائق، ومصادر ثانوية أخرى. يركز هذا التقرير على اللاجئين السوريين الذين يحاولون المغادرة بالقوارب. لا تدخل ضمن نطاق هذا التقرير معاناة المواطنين اللبنانيين الذين يواجهون اقتصادا ضعيفا ونقصا في الفرص والذين يغادرون البلاد بشكل غير منتظم بالقوارب.[1]
قابلت هيومن رايتس ووتش 16 سوريا (ثلاث نساء، و12 رجلا، وصبي واحد) حاولوا مغادرة لبنان بالقوارب بين أغسطس/آب 2021 وسبتمبر/أيلول 2023. أجريت 11 مقابلة شخصيا في لبنان في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2024. أجريت خمس مقابلات هاتفيا. أجريت جميع المقابلات مع مترجمين فوريين ترجموا من العربية إلى الإنغليزية.
أجريت جميع المقابلات، بما فيها المقابلات الهاتفية، في أماكن خاصة – إما على انفراد تام مع كل شخص أجريت معه المقابلة أو بحضور أفراد من عائلته – مع ضمانات السرية. أبلغ الباحثون جميع الأشخاص الذين قابلوهم بالغرض من المقابلات وطبيعتها الطوعية، والطرق التي قد تستخدم بها هيومن رايتس ووتش المعلومات. أخبِر الجميع أنه يمكنهم رفض الإجابة عن الأسئلة أو إنهاء المقابلة في أي وقت.
أبلِغ الباحثون الأشخاص الذين قابلوهم أنهم لن يتلقوا أي أجر أو خدمة أو أي منفعة شخصية أخرى مقابل المقابلات. تمت تغطية تكاليف النقل للأشخاص الذين تمت مقابلتهم في لبنان واضطروا إلى السفر إلى مكان آمن بحد أقصى 10 دولارات أمريكية. عند الحاجة، قدمت هيومن رايتس ووتش إلى الأشخاص الذين قابلتهم معلومات الاتصال بالمنظمات التي تقدم خدمات إنسانية أو قانونية أو اجتماعية أو استشارية.
لحماية السرية، استُخدمت أسماء مستعارة لجميع الأشخاص الذين قابلناهم.
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع سبعة ممثلين عن منظمات غير حكومية تعمل مع اللاجئين السوريين، ومحام لبناني، ومكاتب منظمتين تابعتين للأمم المتحدة ووكالتين إنسانيتين في لبنان.
حللت هيومن رايتس ووتش صورا وفيديوهات ووثائق تُظهر تجارب الأشخاص الفارين من لبنان بالقوارب إلى وجهات تشمل قبرص، والتي أرسلها الأشخاص الذين قابلناهم مباشرة إلى الباحثين. في إحدى الحالات، استخدم الباحثون بيانات تتبع الطائرات لتتبع مسار مروحية البحث والإنقاذ من منصة "إي دي إس-بي إكستشينج" (adsbexchange.com). وفي نفس الحادثة، حصل الباحثون على بيانات تتبع القوارب لتوثيق حركة سفينة مملوكة للقطاع الخاص شاركت في نقل أحد الأشخاص الذين قابلناهم من ساحل قبرص إلى مرفأ بيروت. مكَّن تتبع هذه الرحلة بالتفصيل الباحثين من التحقق من رواية الشاهد، وفهم الرحلة نفسها، ومدتها، وأين ومتى تدخلت المركبات الأخرى المشاركة في الإرجاع إلى لبنان في نهاية المطاف.
لتحليل سياسات التمويل الخاصة بالاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية المتعلقة بإدارة الحدود في لبنان، قدمت هيومن رايتس ووتش طلبات اطلاع على وثائق إلى كل من "المفوضية الأوروبية"، و"الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل" (فرونتكس)، ووزارة الخارجية الهولندية، و"أمانة الدولة السويسرية لشؤون الهجرة"، بموجب أطر تشريعات الشفافية الخاصة بكل منها. تسعى الطلبات إلى الاطلاع على الوثائق الصادرة منذ 1 يناير/كانون الثاني 2022 حتى الآن، والمتعلقة بمشاريع بناء القدرات في مجال إدارة الحدود الممولة من قبل الكيانات المذكورة أعلاه لصالح لبنان، بما فيها اتفاقيات التمويل، وخطط العمل، والتقارير المنتظمة المقدمة إلى كيانات التمويل، وقوائم المعدات وغيرها من أشكال الدعم المقدمة إلى لبنان. استجابت فرونتكس والسلطات الهولندية والسويسرية للطلبات، حيث قدمت الوثائق التي اعتبرتها استجابة للطلبات، مع حجب بعض الأجزاء. لم تقدم المفوضية الأوروبية حتى وقت نشر هذا التقرير سوى أربع وثائق حجبت منها أجزاء كبيرة، في حين ما يزال الجزء الأكبر من طلب هيومن رايتس ووتش معلقا.
وجهت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى السلطات والكيانات المذكورة في هذا التقرير، موضحة فيها النتائج التي توصلنا إليها، وطرحت سلسلة من الأسئلة مع ضمانات بإدراج الإجابات في التقرير النهائي. في 16 مايو/أيار 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارة الداخلية ووزارة العدل والنظام العام في قبرص. في 18 يونيو/حزيران 2024، قدم الوزير كونستانتينوس يوانو، نيابة عن وزارة الداخلية، خطاب رد مؤرخ في 13 يونيو/حزيران 2024. في 19 يوليو/تموز 2024، أخطرت وزارة العدل والنظام العام هيومن رايتس ووتش عبر البريد الإلكتروني بأنها تتبنى محتوى خطاب الوزير يوانو كردّ منها.
في 19 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام في لبنان. في 13 أغسطس/آب 2024، أرسل الأمن العام خطاب رد. في 23 أغسطس/آب 2024، أرسلت قوى الأمن الداخلي خطاب رد. حتى وقت النشر، لم يكن الجيش اللبناني قد ردّ.
في 23 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى "المديرية العامة لمفاوضات سياسات الجوار والتوسع" والمديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي. أرسل فرانسيسكو خواكين غازتيلو ميزكيريز، مدير برنامج "الجوار الجنوبي وتركيا" في المديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية، خطاب رد في 20 أغسطس/آب 2024، وأرسلت بياته غميندر، القائمة بأعمال المدير العام للمديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية، خطاب رد في 22 أغسطس/آب 2024.
في 30 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى "المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة". في 16 أغسطس/آب 2024، أرسل مدير بعثة المركز في بروكسل رالف غينيتسكي خطاب رد.
في 31 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى فرونتكس. حتى وقت النشر، لم ترد فرونتكس.
في 31 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارة الخارجية الهولندية. حتى وقت النشر، لم ترد الوزارة.
في 31 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارة الخارجية الفيدرالية السويسرية وأمانة الدولة السويسرية لشؤون الهجرة. في 20 أغسطس/آب 2024، أرسلت وزيرة الدولة السويسرية لأمانة للهجرة كريستين شرانر بورغنر خطاب رد.
في 31 يوليو/تموز 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى "شركة ليدرا إينا المحدودة للشحن". في اليوم نفسه، تواصل أحد أعضاء الشركة مع باحث هيومن رايتس ووتش عبر واتساب لإبلاغه باستلام الرسالة، وفي سياق التبادلات حول غرض الرسالة، قال إنه من الأنسب توجيه أي أسئلة إلى الحكومة. حتى وقت نشر هذا التقرير، لم تقدم شركة ليدرا إينا أي رد إضافي على الرسالة.
I. الخلفية
يواصل لبنان في 2024 استضافة أعلى عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم، بما فيه نحو 1.5 مليون لاجئ فروا من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا والحرب الأهلية التي بدأت هناك عام 2011.[2]
اعتمد لبنان في البداية سياسة الباب المفتوح للسوريين الباحثين عن ملاذ، لكنه لا يعترف بهم كلاجئين، ويعتبر أي شكل من أشكال الدمج المحلي للسوريين غير دستوري.[3] في الوثائق والبيانات الرسمية، يستخدم لبنان مصطلح "نازحين" بدلا من "لاجئين".[4] إضافة إلى ذلك، لبنان ليس طرفا في "اتفاقية اللاجئين لعام 1951" ولا يلتزم بسياسة موحدة أو مركزية تجاه اللاجئين السوريين.
في السنوات القليلة الماضية، لم تعالج السلطات اللبنانية الأزمات المركبة المتعددة بما فيها الانهيار الاقتصادي الذي اتسم بالتضخم وعدم الاستقرار السياسي والانفجار القاتل الهائل في مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 وجائحة "كوفيد-19". انعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي في السنوات القليلة الماضية أرخى بثقله على جميع السكان في لبنان، وتأثر اللاجئون السوريون بشدة. تُظهر أحدث الأرقام الصادرة عن الوكالات الإنسانية الأممية أنه حتى 2024، كانت 75% من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان تعيش في فقر مدقع، أي ما دون مستوى " سلة الحد الأدنى للإنفاق لضمان البقاء على قيد الحياة".[5]
يواجه اللاجئون السوريون أيضا تدابير قسرية اتخذتها الحكومة اللبنانية، مصممة لردع الوجود السوري في البلاد وتقليصه. في مايو/أيار 2019، اعتمد "المجلس الأعلى للدفاع"، أعلى هيئة تنسيق أمنية في لبنان، سلسلة من التدابير، بما فيها مرسوما يسهل الطرد الفوري للسوريين إلى سوريا.[6] انتقدت منظمات حقوقية لبنانية متعددة تدابير المجلس وقراراته باعتبارها غير دستورية، حيث تسمح بترحيل السوريين الذين دخلوا لبنان بشكل غير قانوني بعد أبريل/نيسان 2019 دون قرار رسمي مكتوب، ودون محاكمة، ودون النظر مسبقا إذا كان الترحيل ينتهك حق الفرد في عدم الإعادة القسرية.[7] من 2019 إلى 2023، وثّقت هيومن رايتس ووتش أو تابعت شهادات عن عمليات طرد فوري /إعادة قسرية إلى سوريا،[8] وهدم ملاجئ اللاجئين،[9] والاعتقالات التعسفية والمداهمات بما فيها حملات قمع ضد السوريين الذين يعملون دون تصريح،[10] وإجراءات منع التجول ونقاط التفتيش العشوائية التي تنطبق فقط على السوريين.[11]
فرضت المديرية العامة للأمن العام، وهي الوكالة الأمنية اللبنانية التي تتحكم في دخول وإقامة الأجانب في البلاد، تعليمات صارمة لتجديد الإقامة لدرجة أنه في 2024 كان 20% فقط من اللاجئين السوريين يتمتعون بوضع الإقامة القانونية في لبنان.[12] معدلات النساء السوريات اللواتي لديهن إقامة قانونية (14%) منخفضة بشكل مثير للقلق مقارنة بالرجال (24.5%)، وأفاد 69% من العائلات السورية بعدم وجود أي فرد منها لديه إقامة قانونية سارية.[13] منع الأمن العام أيضا منذ 2015 مفوضية اللاجئين من تسجيل اللاجئين السوريين. السوريون الذين لا يحملون إقامة قانونية معرضون للخطر بشكل خاص في لبنان. لا يستطيعون المرور بحرية عبر نقاط التفتيش في أنحاء البلاد، ويواجهون مخاطر إضافية تتمثل في الاحتجاز والترحيل أو الطرد، ويخضعون لقيود شديدة بشأن الحصول على فرص العمل والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.[14]
بينما يبذل لبنان أقصى ما يمكنه لإجبار اللاجئين السوريين على المغادرة، ما تزال سوريا غير آمنة للعودة. تستمر مفوضية اللاجئين بالتأكيد على أنه ينبغي ألا تكون هناك عمليات إعادة قسرية إلى سوريا.[15] في 2021، وثقت هيومن رايتس ووتش كيف واجه العائدون، بناء على مقابلات مع 65 سوريا عائدا من لبنان والأردن، الاعتقال التعسفي والاختطاف والتعذيب والقتل على أيدي أجهزة الأمن السورية، وهي نفس الانتهاكات التي دفعت كثيرين إلى المشاركة في حركة الاحتجاج والفرار في نهاية المطاف من سوريا.[16] في يوليو/تموز 2023، وثّقت هيومن رايتس ووتش تعرض العائدين للتعذيب في عهدة المخابرات العسكرية السورية وتجنيدهم قسرا في قوات الاحتياط العسكرية السورية.[17] رغم خطر الاضطهاد والأذى الحقيقي عند العودة، كثف لبنان جهوده في الطرد، حيث سجلت مفوضية اللاجئين طرد 13,772 شخصا من لبنان أو تعرضوا للصد عند الحدود السورية في 2023 وحده.[18]
II. الهجرة بالقوارب من لبنان
تتزامن الظروف المعادية للسوريين المتزايدة في لبنان مع فترة تتصاعد فيها محاولات مغادرة لبنان عن طريق الرحلات البحرية غير النظامية، في قوارب تغادر من خارج الموانئ الرسمية للدخول والخروج. في 2021، سجلت مفوضية اللاجئين 38 محاولة للمغادرة عن طريق البحر شملت 1,570 فردا؛[19] وفي 2022، 55 محاولة شملت 4,629 فردا؛[20] وفي 2023، 65 محاولة شملت 3,921 فردا؛[21] وفي 2024 حتى يوليو/تموز، 61 محاولة متجهة جميعها إلى قبرص، شملت 2,541 فردا.[22] وفقا لمفوضية اللاجئين وشهادات الأشخاص الذين قابلناهم لهذا التقرير، معظم الذين حاولوا المغادرة عبر الرحلات البحرية غير النظامية من لبنان كانوا سوريين،[23] وبينهم فلسطينيون ومواطنون لبنانيون.
في غضون ذلك، تكثفت أيضا جهود لبنان وقبرص للحد من المغادرة بالقوارب. في 2023، أشارت مفوضية اللاجئين إلى أنها "على علم بما لا يقل عن 19 عملية ترحيل شملت 932 شخصا تتعلق بمحاولات نقل القوارب" في لبنان؛[24] ومن يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2024، قالت المفوضية: "وصل 50 قاربا إلى قبرص، تحمل 2,541 راكبا، بينما عادت 6 قوارب إلى لبنان واعترضت السلطات اللبنانية خمسة قوارب".[25] في الفترة نفسها من 2024، قالت المفوضية إنها "حددت 249 حادثة ترحيل من لبنان شملت على الأقل 1,762 مواطنا سوريا".[26]
لماذا يغادر اللاجئون السوريون لبنان
الدراسة الكاملة لأسباب مغادرة اللاجئين السوريين غير النظامية عن طريق البحر تتجاوز نطاق هذا التقرير، لكن الأشخاص الذين قابلناهم أشاروا بشكل عام إلى تهديدات ومواطن ضعف مختلفة في لبنان قالوا إنها قادتهم إلى حافة الانهيار، كما هو موضح أدناه.
التدابير القسرية التي فرضتها الحكومة اللبنانية تشكل سببا مهما يدفع الأشخاص الذين قابلناهم إلى اتخاذ قرار المغادرة. شعر كثيرون منهم أن افتقارهم إلى وضع الإقامة القانونية يمنعهم من عيش حياة طبيعية في لبنان. دخل مروان (43 عاما) لبنان عام 2013 مع زوجته وأطفاله الأربعة هربا من الهجمات في حلب، مسقط رأسه.[27] قال مروان إنه حصل في البداية على إقامة لعام واحد وتمكن من تجديدها حتى 2017 عندما أصدر الأمن العام فجأة أمر ترحيل ضده وزوجته.[28] رغم ذلك، بقي مروان في لبنان، لكنه قال إنه في 2021 أو نحو ذلك اعتقلت السلطات اللبنانية ابنه عند نقطة تفتيش في جنوب لبنان ثم رحلته إلى سوريا، مما عزز قراره بالمغادرة.[29]
سهيل (27 عاما) من القصير، جاء إلى لبنان عام 2011 بعد أن اعتقلت القوات السورية والده. قال سهيل إنه عندما حاول تجديد إقامته في 2017، احتجزه عناصر الأمن العام وضربوه ورفضوا تجديد إقامته. قال إنه قرر عندئذ مغادرة لبنان. قال سهيل: "يبدو الأمر وكأننا نعيش حياة همجية. نحن لا نبحث عن المساعدات. نريد فقط أن نعيش في بلد طبيعي تسوده الحقوق والقانون حتى نتمكن من المعيشة والبقاء على قيد الحياة".[30]
بالإضافة إلى التدابير الرسمية القسرية، يواجه السوريون أيضا مشاعر معادية للسوريين راسخة في لبنان نتيجة للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد واستخدام السلطات اللبنانية للاجئين كبش فداء، من بين أسباب أخرى.[31] وصف ناصيف (24 عاما) من طرطوس، تحولا ملحوظا في العداء المجتمعي ضد السوريين منذ بدء الأزمة الاقتصادية:
أردت مغادرة لبنان بسبب العنصرية هنا. بعد الأزمة المالية، يلومون السوريين على كل مشكلة هنا. هناك عدم احترام كبير من جانب اللبنانيين تجاهنا. قبل الأزمة كنت قادرا على العيش ودفع الإيجار. الآن بعد الأزمة بقيت ثمانية أشهر دون مال [...] لدي أكثر من 12 عاما من الخبرة في تصليح السيارات، لكن صاحب المحل لا يعطيني سوى ربع الراتب الذي يتقاضاه عامل لبناني.[32]
عاشت نوال (44 عاما)، التي هربت إلى لبنان عام 2013 مع زوجها وسبعة أطفال، في حاوية شحن في الشويفات، جنوب شرق بيروت، لمدة ثلاث سنوات قبل أن تنتقل الأسرة إلى بيصور، وهي قرية تقع في محافظة جبل لبنان. مع ذلك، قالت نوال إن أحد أبنائها في 2023 "وقع في مشاكل مع جارنا اللبناني".[33] قالت إن هذا الجار صفع ابنها ثم جمع مجموعة من الأشخاص الآخرين لتخويف عائلتها، وفي مرحلة ما هدد بإطلاق النار على ابنها. بعد هذه الحادثة، قرر زوج نوال أن تغادر العائلة لبنان.[34]
تحدث الأشخاص الذين قابلناهم بشكل عام عن رغبتهم في تربية أطفالهم في ما وصفه البعض بأنه بيئة أكثر إنسانية مع فرص تعليم أفضل. يعيش سهيل الآن في محافظة عكار في شمال لبنان وهو متزوج ولديه طفلان.[35] قال إن عدم وجود إقامة قانونية منع أطفاله من الحصول على التعليم المناسب: "أكبر أطفالي عمره ثماني سنوات ولا يعرف حتى خمسة زائد خمسة".[36]
قال حسن (44 عاما)، وهو أب لأربعة أطفال من حمص، لـ هيومن رايتس ووتش إنه هرب إلى لبنان بعد تعرضه للتعذيب على يد المخابرات السورية عام 2012.[37] استقر في البداية في وادي خالد مع عائلته، لكنه انتقل مرتين داخل لبنان، مشيرا إلى مضايقات العصابات لزوجته وابنته.[38] قال حسن، الذي نجا من غرق القارب المشؤوم في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022 في المرة الأولى التي حاول فيها مغادرة لبنان: "سأخوض البحر مرة أخرى حتى يحصل أطفالي على التعليم".[39]
تُظهر أحدث الأرقام الصادرة عن وكالات الأمم المتحدة الإنسانية أنه حتى2024، كان 43% من أطفال اللاجئين السوريين في سن المدرسة الابتدائية (بين 6 و11 عاما) و82% من الأطفال في سن المدرسة الثانوية (بين 12 و17 عاما) خارج المدرسة.[40] لم يتمكن 51% من الشباب اللاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، وما يثير للقلق 70% من الفتيات في هذه الفئة العمرية، من الحصول على أي تعليم أو عمل أو تدريب.[41]
نتيجة للظروف التي ناقشناها أعلاه، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان، 39% فقط من اللاجئين السوريين، و15% فقط من اللاجئات السوريات، كانوا يعملون في 2024، ولا يحظى أي منهم تقريبا بفرص عمل لائقة تدفع ما يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.[42] قالت زهرة (44 عاما) من إدلب لـ هيومن رايتس ووتش، والتي فرت من سوريا في 2014 بعد تعرضها للتعذيب في مركز احتجاز من قبل قوات الحكومة السورية في حماة: "كل شيء هنا باهظ الثمن، وارتفع كثيرا، وكنت أتقاضى أجري بالليرة اللبنانية رغم أن كل شيء يُدفع بالدولار".[43] كان لديها كفالة عمل في لبنان كعاملة منزلية، لكنها قررت المغادرة عام 2022، حيث شعرت أنها لن تتمكن أبدا من العيش بكرامة في لبنان.[44] كما ذكرنا في القسم السابق، يعيش 75% من عائلات اللاجئين السوريين في فقر مدقع في لبنان.
لماذا يغادر اللاجئون السوريون بشكل غير نظامي بالقوارب
السفر من لبنان بالقوارب بشكل غير نظامي، بتسهيل من المهربين، أمر خطير ومكلف.[45] أفاد الأشخاص الذين قابلناهم أنهم اضطروا إلى دفع ما بين 1,600 إلى 6 آلاف دولار لكل راكب للمهربين، وهو ما قال كثيرون إنهم لا يستطيعون جمعه إلا بالاقتراض من الآخرين. كما هو مفصل في قسم لاحق من هذا التقرير، وصف الأشخاص الذين قابلناهم لـ هيومن رايتس ووتش كيف كانت القوارب المستخدمة في العبور غير صالحة للإبحار في كثير من الأحيان، ومكتظة بالركاب، ولا تحمل ما يكفي من سترات النجاة أو الطعام أو الماء أو الوقود.
وصف العديد من الأشخاص الذين قابلناهم الخطر المرتبط بالسفر بالقوارب، لكنهم قاموا بالرحلات لأنهم لم يكن لديهم طريقة أخرى للهروب من الظروف المزرية في لبنان، بما فيه وضعهم القانوني الهش. والأهم، لا يستطيع اللاجئون السوريون في لبنان المغادرة من خلال المعابر الحدودية النظامية ومسارات الهجرة وإعادة التوطين الآمنة والشرعية لأسباب من ضمنها أن المغادرة من لبنان من خلال المعابر الحدودية النظامية والرسمية تتطلب وضعا قانونيا نظاميا لا يستطيع كثير منهم الحصول عليه بسبب القيود التي يفرضها الأمن العام.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش يمتلكون وثائق سفر صالحة. قالوا إن جوازات سفرهم السورية انتهت صلاحيتها منذ مغادرتهم سوريا قبل أكثر من عشر سنوات. قدّم الأشخاص الذين قابلناهم أسبابا مختلفة لعدم تجديد جوازات سفرهم لدى السفارة السورية في لبنان، من ضمنها التكلفة العالية وأوقات الانتظار الطويلة وإغلاق السفارة.[46] قال أحد الذين قابلناهم إن الأمن العام صادر جواز سفره عندما حاول تجديد إقامته. وثّقت هيومن رايتس ووتش في السابق طرد الأمن العام الفوري لاجئين سوريين عند محاولتهم المغادرة عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.[47] وثقت هيومن رايتس أيضا خطر سوء المعاملة، بما فيه الطرد الفوري، الذي يتعرض له اللاجئون السوريون عندما يكتشفهم الأمن العام أو الجيش اللبناني عند نقاط تفتيش رسمية أخرى،[48] مما يردع الأفراد بشكل أكبر من الاقتراب من السفارة السورية في بيروت أو المغادرة عبر النقاط الحدودية الرسمية.
لطالما أكدت مفوضية اللاجئين أن إعادة التوطين وغيرها من مسارات القبول التكميلية في دول ثالثة تظل الحل الأكثر قابلية للتطبيق للاجئين السوريين الموجودين حاليا في البلدان المجاورة، بما فيها لبنان.[49] مع ذلك، كان توافر هذه المسارات، التي تعتمد على استعداد الدول الثالثة لتقديمها، ضعيفا جدا. في 2021، تم تلبية 7% فقط من احتياجات مفوضية اللاجئين لإعادة توطين اللاجئين المتوقعة في لبنان، حيث غادر 6,246 لاجئا من لبنان في إطار برامج إعادة التوطين.[50]
قال عديد من الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم لم يكونوا ليحاولوا الهجرة غير الشرعية بالقوارب لو كان بوسعهم مغادرة لبنان بشكل قانوني. لم يقرر ثلاثة منهم كانوا مؤهلين لإعادة التوطين محاولة السفر بالقوارب غير النظامية إلا عندما قيل لهم، بعد سنوات من الانتظار، إن طلباتهم لإعادة التوطين رُفضت. قالت امرأة قابلناها والتي أدت محاولتها الأولى إلى طردها من قبل الجيش اللبناني إلى سوريا، حيث دفعت للمهربين الذين ابتزوها حتى تتمكن من العودة إلى لبنان وهددوها بتسليمها إلى الجيش السوري ما لم تفعل ذلك، إنها كانت ستحاول السفر للمرة الثانية لكنها قررت عدم القيام بذلك بعد تلقي أنباء عن أن دولة ثالثة تدرس قبول طلبها لإعادة التوطين.
التدابير التعسفية لمراقبة الهجرة، بما فيها عمليات الصد والإرجاع القسرية، لا تردع الأشخاص عن محاولة المغادرة بشكل متكرر، طالما ظلت إعادة التوطين والمسارات التكميلية غير كافية تماما وسط التدابير القسرية والظروف الاقتصادية المنهكة في لبنان. حاول معظم الأشخاص الذين قابلناهم مغادرة لبنان بالقوارب بين ثلاث إلى خمس مرات، وحاول كثيرون مرة أخرى حتى بعد إيقافهم وطردهم من قبل السلطات اللبنانية أو إعادتهم من قبل السلطات من قبرص كما هو مفصل في الأقسام التالية.
عندما قابلته هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2024، كان يوسف (25 عاما) وهو سوري، خاض بالفعل سبع محاولات مغادرة فاشلة. أسفرت إحدى محاولات يوسف عن صده من قبرص، بينما انتهت محاولة أخرى بطرده فورا من قبل السلطات اللبنانية إلى سوريا، وبعد ذلك اضطر إلى دفع 400 دولار للمهربين لإعادته إلى لبنان.[51] مع ذلك، قال يوسف إنه لا يزال يبحث عن القارب التالي الذي سيرحل على متنه. عبّر يوسف عن شعوره بأنه عالق في ظروف تتسم بالعداء في لبنان:
السلطات هنا إما لا تسمح لنا بالعمل أو تسمح لنا بذلك وتأخذ كل أموالنا وحقوقنا وما نستحقه... أريد السفر، لكن ليس لدي وسيلة الآن. لم أر عائلتي منذ أن أتيت إلى لبنان... عندما أتيت كان عمري 14 عاما ... كان الوضع خطيرا حقا في سوريا. دُمِّرت المدرسة التي كنت فيها. إذا عدت، فأنا مطلوب للجيش... لكنني الآن عالق هنا. جربت جميع المنظمات وجميع الطرق... لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل.[52]
في 17 أغسطس/آب 2024، حاول يوسف السفر على متن قارب آخر، واعتقله الجيش اللبناني مرة أخرى وأُعيد قسرا إلى سوريا.[53] هذه المرة، قال يوسف إن رجالا مسلحين في سوريا طلبوا 1,500 دولار مقابل العودة إلى لبنان. تفاصيل محاولات يوسف لمغادرة لبنان إلى قبرص موضحة في الأقسام أدناه.
III. اعتقال وطرد السوريين الذين يحاولون المغادرة بالقوارب
قال تسعة أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي منعتهم من المغادرة عبر احتجازهم أثناء صعودهم إلى القوارب المغادرة، أو في طريقهم إلى نقاط المغادرة الساحلية. قال أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم تعرفوا على زي الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
بعد اعتراض الأشخاص الذين قابلناهم، احتجزهم الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي بشكل مختلف في مراكز قريبة حيث أبلغ العديد منهم عن تعرضهم لسوء المعاملة. لم يتذكر أي منهم أن العناصر شرحوا بوضوح الأساس أو السبب القانوني الرسمي لاحتجازهم. لم يُسمح لأي منهم بالاتصال بأفراد العائلة أو المحامين. قال اثنان منهم إن العناصر صادروا هواتفهم ووثائق هويتهم ولم يعيدوها لهم أبدا.
عمليات الإرجاع عند الشواطئ
في مارس/آذار 2022، كان سهيل على شاطئ في عكار، شمال لبنان، مع حوالي 10 ركاب آخرين يحاولون الصعود إلى قارب لمغادرة لبنان. قبل أن يتمكن من الصعود إلى القارب، حاصر عناصر الجيش اللبناني مجموعته واعتقلوهم دون تفسير السبب. احتجز عناصر الجيش اللبناني سهيل في مركز في طرابلس لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات، ثم نقلوه إلى مركز آخر وأبقوه هناك طوال الليل. قال سهيل: "كنت مقيد اليدين طوال الوقت عند التنقل من مكان إلى آخر".[54] قال أيضا: "رأيت أنهم لم يكن لديهم أصفاد صغيرة للأطفال، لكن الجميع [الآخرين] كانوا مقيدون بالأصفاد".[55]
في يونيو/حزيران 2023، كانت نوال وابنها سمير، مع 47 آخرين، على شاطئ في طرابلس، يحاولون ركوب قارب متجه إلى قبرص حيث يقيم الابن الأكبر لنوال. وصفت نوال وسمير أنهما كانا يسبحان نحو القارب، الذي كان راسيا بعيدا عن الشاطئ، عندما ظهر الجيش اللبناني:
جاء الجيش عندما كانت [مجموعتنا] لا تزال في القارب وفي المياه. في البداية، رأينا شخصين بملابس مدنية، بدأوا بالصراخ "ارفعوا أيديكم، لا تتحركوا". كان الجيش خلفهم مباشرة - كانوا يرتدون زي الجيش اللبناني... وبمجرد أن رأى المهربون الجيش، فروا من القارب. [56]
قالت نوال وسمير إنهما عادا إلى الشاطئ "مبللين بالكامل ومرتعشين"، حيث اعتقل الجيش اللبناني المجموعة ثم احتجزها في مركز في العبدة، شمال طرابلس:
وصلنا حوالي الساعة 4 أو 5 صباحا. أخذوا هواتفنا... قالوا إنهم إذا وجدوا هواتف معنا، سيضربوننا، لذلك أعطيناهم جميعا هواتفنا. نمنا على الأرض داخل المركز. جميعنا، رجال ونساء وأطفال، من المجموعة التي حاولت المغادرة نمنا معا. سمح لنا العناصر فقط بتناول بعض الأطعمة المعلبة التي كانت لدينا في القارب. لم يعطونا ماء. لم يعطونا أي شيء، ولم يشرحوا سبب احتجازنا ولم يمنحونا أي فرصة للاتصال بعائلاتنا...
بقينا في المركز حتى الساعة 1 ظهرا. ثم قال لنا العناصر: "حسنا، يمكنكم المغادرة الآن". لكنهم لم يسمحوا لنا بأخذ هواتفنا. التقطوا صورا لبطاقات الهوية الخاصة بنا وأعطونا تلك النسخ لكنهم احتفظوا بالهويات.[57]
الاعتقال في الطريق إلى نقاط المغادرة
قال ستة آخرون ممن قابلناهم إن الجيش اللبناني أو الأمن العام اعترضوهم أثناء وجودهم في حافلات أو شاحنات يديرها مهربون، في طريقهم إلى نقاط المغادرة المقصودة. قالوا إنهم اعتُرضوا بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2023 في مواقع من بينها ببنين ودير عمار والمنية في شمال لبنان.
قال يوسف إنه وحوالي 50 شخصا آخرين كانوا يستقلون شاحنة رتبها مهرب في يونيو/حزيران أو يوليو/تموز 2023 متجهة إلى شاطئ في منطقة عكار.[58] لم يستطع الرؤية من الشاحنة. في مرحلة ما توقفت وقال إنه "سمع أصوات صراخ".[59] قال يوسف إن الشاحنة استأنفت مسيرتها، لكن بدلا من الشاطئ، أنزلت المجموعة في "مركز كبير" في مكان ما بين ببنين ودير عمار حيث رأى عناصر من الجيش اللبناني والأمن العام يرتدون الزي الرسمي.[60] قال يوسف إنه احتُجز في هذا المركز لعدة ساعات.[61]
قال ناصيف إن الشاحنة التي كان يستقلها ويديرها مهربون في يوليو/تموز 2023 أوقفتها "سيارتان سيدان تحملان لوحات سوداء".[62] تذكر أفرادا بملابس مدنية نزلوا منها وقالوا لمجموعته: "لا تتحركوا، لا تصدروا أي ضجة... لدينا أوامر بإطلاق النار عليكم إذا تحركتم ولو قليلا".[63] قال ناصيف إنه احتُجز بعد ذلك في مركز لقوى الأمن الداخلي لمدة يومين حيث استجوبه العناصر بشأن محاولته السفر بالقارب، بما فيه تفاصيل بشأن المهربين الذين ساعدوه. شاهد ناصيف أيضا حوالي 130 محتجزا آخرين في هذا المركز، من بينهم حوالي 30 طفلا و30 امرأة. شاهد عناصر الأمن الداخلي يصفعون أحد الرجال الذين كانوا أيضا على متن شاحنته:
حاول [الرجل] إخفاء هويته أثناء وجوده في الشاحنة ورأى العناصر ذلك. صفعه أحد العناصر على وجهه، وجروه إلى الشاحنة، ممسكين بيديه خلف ظهره، ليسألوه أين أخفى هويته.[64]
اتفقت عائشة (23 عاما) وزوجها رحيم (37 عاما)، وكلاهما من إدلب، على الذهاب في نفس الرحلة بالقارب معا في 9 يوليو/تموز 2023. قالا إن المهربين فصلوا الركاب الذكور والإناث في حافلات منفصلة لنقلهم إلى موقع انطلاق القارب في ببنين، بقضاء عكار. قالت عائشة إن هناك حوالي 100 شخص كانوا على متن الحافلة التي استقلتها، وإن قوى الأمن الداخلي أوقفتها عند نقطة تفتيش في المنية.[65] قال رحيم إن حوالي 100 إلى 150 شخصا كانوا على متن الحافلة التي كان يستقلها والتي أوقفها الجيش اللبناني عند نقطة تفتيش في دير عمار.[66] احتُجز الزوجان كل على حدة في أماكن قريبة - عائشة في مركز لقوى الأمن الداخلي لفترة وجيزة ورحيم طوال الليل في قبو يحرسه الجيش اللبناني، لكنه لم يكن متأكدا مما إذا كان مقرا عسكريا رسميا.[67]
في رسالة بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024 إلى هيومن رايتس وتش، قال الأمن العام إن دوريته اعترضت في 8 يوليو/تموز 2023 "فان" بداخله عدد من الأشخاص السوريين، وشاحنتين في 9 يوليو/تموز 2023 "بداخلهما 117 شخصا من الجنسية السورية (من ضمنهم أطفال ونساء)".[68] في كلتا الحالتين، أوقف الأمن العام مواطنين لبنانيين يديرون المركبات بجرم تهريب أشخاص بطريقة غير شرعية"، وتم نقل السوريين إلى مخفر العبدة الكائن قرب المنية وببنين.[69] وفقا لقوى الأمن الداخلي، أفرِج عن السوريين المحتجزين في حادثة 8 يوليو تموز" بينما كان الذين أوقفوا في حادثة 9 يوليو/تموز كانوا" رهن التحقيق لصالح المديرية العامة للأمن العام".[70]
قال كريم (39 عاما) من إدلب، إنه أراد مغادرة لبنان بعد أن عاش هناك منذ 2013 لأنه لم يعد قادرا على تحمل المشاعر المعادية للسوريين والظروف الاقتصادية الطاحنة.[71] في 10 يوليو/تموز 2023، صعد في حافلة يديرها مهربون في ببنين، وعلى متنها حوالي 130 راكبا، كانت متوجهة إلى موقع مغادرة القارب.[72] قال كريم إن عناصر الجيش اللبناني اعترضوا الحافلة عند نقطة تفتيش عسكرية في دير عمار واحتجزوه في قاعدة للجيش اللبناني لست ساعات تقريبا.[73] هناك، شاهد عنصرا من الجيش اللبناني يضرب رجلا:
قال العناصر "استمر في فعل هذا [أي محاولة المغادرة] مرارا"... ضرب أحد العناصر شخصا قال بما معناه: "إذا سئمت منا كثيرا، دعنا نذهب". استخدم العنصر يديه لضربه على وجهه، وضربه عدة مرات. كان يصرخ عليه ويأمره بالجلوس.[74]
أشار زيد (23 عاما)، رجل من إدلب جاء إلى لبنان مع عائلته عام 2011، إلى أن غياب ال الوضع القانوني للسوريين والظروف الاقتصادية في لبنان كأسباب دفعته إلى المغادرة. أراد الذهاب إلى أوروبا، حيث يقيم بعض أفراد عائلته بالفعل. في 31 يوليو/تموز 2023، أوقف عناصر يرتدون الزي الرسمي الحافلة التي استقلها والتي يديرها مهرب عند نقطة تفتيش في منطقة عكار، وقال إنهم "سلمونا إلى عناصر من الأمن الداخلي بالزي الرسمي"،[75] الذين أخذوهم بعد ذلك إلى مركز قوى الأمن الداخلي في العبدة:
كانت الساعة [بين 12 و1:30 صباحا] عندما وصلنا إلى المركز. مكثنا في مكان مزدحم ساعة. كان الجو حارا جدا. مكثنا لمدة 24 ساعة للتحقيق. أخذوا [هاتفي]. ... كان مركز الشرطة صغيرا جدا ولم يكن هناك مكان للجلوس. احتُجزنا جميعا في مكان يشبه موقف السيارات محاطا بالأسوار... لم أستطع سوى الوقوف. كان الأمر صعبا لمدة 24 ساعة... لم يعطوني أي طعام أو ماء.[76]
أطلق الأمن الداخلي سراح زيد بعد 24 ساعة وأمروه بدفع غرامة لمحاولته مغادرة لبنان بشكل غير قانوني. قالوا إن الأمن العام سيتصل به لتزويده بتفاصيل حول دفع الغرامة، لكن بعد ستة أشهر، في وقت المقابلة، لم يتواصل الأمن العام معه بعد. قال زيد أيضا إن قوى الأمن الداخلي لم تعيد هاتفه المُصادر أبدا.[77]
من بين التسعة الذين قابلناهم والذين منعتهم السلطات اللبنانية من المغادرة، أطلِق سراح خمسة في النهاية بعد الاحتجاز. أما الأربعة المتبقون، سهيل ويوسف وكريم ورحيم، فقد احتُجزوا بشكل متفاوت بين ساعتين إلى ست ساعات، ثم طردتهم السلطات إلى سوريا عبر معبر وادي خالد الحدودي غير الرسمي. تفاصيل طردهم أدناه موجودة في القسم الخامس.[78]
اتصل يوسف بـ هيومن رايتس ووتش مرة أخرى في أغسطس/آب 2024، قائلا إنه حاول مؤخرا السفر بقارب آخر انتهى باحتجازه وطرده إلى سوريا من قبل الجيش اللبناني. قال يوسف إن الجيش اللبناني احتجزه في موقع تجمع قرب ببنين، في محافظة عكار في 17 أغسطس/آب 2024، بينما كان ينتظر المهربين لنقله إلى قارب مغادر. قال يوسف إن الجيش اللبناني طرده بعد ذلك إلى سوريا عبر معبر وادي خالد، حيث طالب رجلان مسلحان بمبلغ 1,500 دولار لإعادته إلى لبنان. قال يوسف إن أحد أقاربه دفع المبلغ حتى يتمكن من العودة إلى لبنان.[79]
وفقا لبيان للجيش اللبناني في 18 أغسطس/آب 2024، نفذ الجيش اللبناني مداهمتين أدتا إلى اعتقال "204 سوريين أثناء محاولتهم السفر عبر البحر بطريقة غير شرعية.[80] كانت إحدى المداهمات على "منزل [مواطن لبناني] في ببنين" وأدت إلى توقيف 54 سوريا".[81]
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قالت قوى الأمن الداخلي إن جميع الموقوفين أُبلِغوا بحقوقهم بالاتصال بأسره أو بمحام من اختيارهم، وأنه "عند حصول أي عملية توقيف تُعطى الأوامر الصارمة لجهة عدم التعرض لأي شخص جسديا أو لفظيا".[82] أشارت قوى الأمن الداخلي أيضا إلى أنها "لم تتلقَ أي ادعاء يتعلق بإساءة معاملة أو انتهاك لحقوق الإنسان أثناء عمليات التوقيف والتحقيق التي تم تنفيذها".[83]
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 9 أغسطس/آب 2024، قال الأمن العام إنه ما بين 1 يناير/كانون الثاني 2022 و1 أغسطس/آب 2024، سجّل الأمن العام 1,388 راكبا، بينهم 821 سوريا، على متن 15 قاربا مغادرا، تم توقيفهم أو إرجاعهم عند محاولتهم مغادرة لبنان.[84] فيما يتعلق بالحوادث الموثقة في هذا القسم، قال الأمن العام إنه "لم يُحط علما بأي من هذه العمليات ولم يتم التنسيق معه في شأنها.[85] كما أشار الأمن العام إلى:
المادتين 16 و33 من القانون المتعلق بتنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10/7/1962، اللتين تُعتبران الأساس القانوني لمنع المغادرة من لبنان إلا عبر مراكز الأمن العام، والعقوبة المحددة لمخالفة أحكام المادة 16 من هذا القانون. وتُعتبر جميع المراكز الحدودية البرية والبحرية، ودائرة أمن عام مطار رفيق الحريري الدولي ودائرة أمن عام مرفأ بيروت، معابر قانونية تسمح للأشخاص من كافة الجنسيات بالدخول أو المغادرة عبرها.[86]
حتى وقت نشر هذا التقرير، لم يردّ الجيش اللبناني على رسائل هيومن رايتس ووتش التي دعته فيها إلى الرد على النتائج الواردة في هذا القسم.
IV. الجيش اللبناني يطرد السوريين بعد إنقاذهم في البحر
في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، بدأ قارب يحمل أكثر من 230 شخصا يغرق في البحر المتوسط بعد ساعات قليلة من إبحاره من شاطئ طرابلس شمال لبنان.[87] تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ثمانية أشخاص كانوا على متن القارب، وبعضهم سيحاولون المغادرة بحرا مرة أخرى كما هو مفصل في القسم السابق. قال الأشخاص الذين قابلناهم إن الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل جاءوا لإنقاذهم، لكن الجيش اللبناني طرد الناجين السوريين بعد ذلك عبر المعبر الحدودي غير الرسمي في وادي خالد.[88] تشير روايات الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش إلى أن الحادثة كانت مروعة ومؤلمة بشكل خاص حتى بالنسبة للذين حاولوا المغادرة بحرا عدة مرات. تفاقمت صدمة النجاة بأعجوبة من الموت في البحر فورا بسبب خطر الموت أو الخوف منه والتعذيب، وغيره من الأذى الذي قد يأتي مع الطرد إلى سوريا.
قارب يغرق
قال الأشخاص الذين قابلناهم إن المجموعة انطلقت حوالي الساعة 5 صباحا ذلك اليوم من شاطئ في سلعاتا في محافظة الشمال جنوب طرابلس بهدف الوصول إلى إيطاليا. تُظهر الصور والفيديوهات التي أرسلها اثنان من الذين قابلناهم مباشرة إلى الباحثين، والتي تحققت منها هيومن رايتس ووتش، أفرادا في يخت صغير من طابقين. قال مروان (43 عاما) من حلب: "بمجرد وصولي إلى القارب، كان مكتظا للغاية وبالكاد وجدت مكانا أقف فيه. في تلك اللحظة أدركنا أن [عدد الركاب] يفوق بكثير ما يمكن للقارب استيعابه معه وقد نموت".[89]
بعد عدة ساعات من انطلاق الرحلة، أفاد الأشخاص الذين قابلناهم أنهم رأوا دخانا وسمعوا انفجارا من محرك القارب، وبعد ذلك بدأ القارب يغرق. كان كريم على السطح العلوي عندما بدأت حادثة الغرق.[90] أفاد أنه رأى وسمع قبطان القارب يستدعي النجدة عبر جهاز، وعندئذ بدأ القارب يتأرجح يمينا ويسارا وبدأ الركاب في إلقاء الطعام والوقود في البحر.[91]
وصفت عائشة شقيقة كريم، التي كانت تجلس في تلك اللحظة في كابينة الطابق السفلي مع ثلاثة من أطفالها، مشاهد الذعر والرعب:
بدأ القارب يميل للخلف ويصطدم بالمياه. نظرتُ إلى النافذة وكانت مغمورة بالمياه. كانت إحدى نوافذنا مفتوحة لدخول الهواء، لذا بدأ الماء يدخل في تلك اللحظة... خرجت من الغرفة وبدأت أرى الناس يركضون و... يصرخون: نحن نغرق".
كان الناس يناضلون من أجل حياتهم... كانوا يتدافعون. ... كنت أصرخ على [أطفالي] لارتداء سترات النجاة. حملت طفلي الصغير وطفل شخص آخر بين ذراعي ثم حاولت شق طريقنا إلى الأعلى. في مرحلة ما... أدركت أنني فقدت طفلي. كان في أسفل الدرج وكان الناس يمشون فوقه. صرخت على الناس ألا يمشوا عليه وأعدته بين ذراعي.
ثم وصلت إلى السطح العلوي مع طفلي الصغير ورضيعي، إلى هذه المساحة الصغيرة، في محاولة للتمسك بالرادار. ... كنا نصرخ فقط حتى يسمعنا أي شخص ويساعدنا. ... عندما انقلب الزورق، كان الناس يقفزون علينا إلى الجانب الآخر للحفاظ على التوازن... [92]
شارك كريم مع هيومن رايتس ووتش فيديو تم تصويره قبل أن يبدأ القارب بالغرق ويُظهر كابينة بها خمسة أطفال من بينهم طفل صغير وطفل رضيع.
أثناء حالة الطوارئ، اتصل كريم بشقيقه رحيم، الذي كان أيضا زوج عائشة. تلقى رحيم، الذي بقي في شكا بلبنان، مكالمة هاتفية من كريم:
قال كريم، "عليك الاتصال بشخص ما، نحن نغرق وسنغرق ونموت"... اتصلت... برقم خفر السواحل اللبناني... ثم تلقيت مكالمات هاتفية مختلفة [من السلطات] تسألني عما يحدث، وأين كان القارب، وكيف يبدو... قال أحد العناصر الذين عاودوا الاتصال إنهم لم يتمكنوا من العثور عليهم وأرادوا معرفة مكان القارب بالتحديد. قال، "هل تكذب علي؟ هل أنت أحد المهربين؟" وهددني بوضعي في السجن. قلت إنني سأفعل ما يريد، كل ما أريده هو إنقاذ عائلتي. ذكرت أن نصف الأشخاص في القارب كانوا لبنانيين لأنني كنت خائفا من أنهم لن يفعلوا أي شيء إذا قلت إنهم جميعا سوريون.[93]
قال الأشخاص الذين قابلناهم إن سفن الجيش اللبناني واليونيفيل وصلت بعد حوالي ثلاث إلى أربع ساعات من بدء غرق القارب في المياه. نشرت الوحدتان زوارق سريعة أصغر حجما لانتشال الأفراد من القارب الغارق، ونقلهم إلى السفن الرئيسية القريبة. قال الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم توسلوا إلى عناصر الجيش اللبناني واليونيفيل بعدم إعادتهم إلى لبنان.
أنقذت سفينة تابعة لليونيفيل ناصيف، الذي شارك تجربته:
انتهى بي الأمر على في زورق لليونيفيل. كان بعضنا يتحدث ببعض الإنغليزية وتمكن من التواصل [مع عناصر اليونيفيل]. سألت العناصر عن وجهتنا. أجابوا: "[إلى أي] دولة أوروبية تأخذكم". قلنا لهم إننا لا نستطيع العودة إلى لبنان، وإن الناس خائفون من العودة. أوضحنا أنهم إذا أعادونا إلى لبنان، ستعيدنا [السلطات اللبنانية] إلى سوريا. ليس الأمر أننا ارتكبنا أي جريمة، لكنها ليست دولة طبيعية. أخبرت عناصر اليونيفيل شخصيا بكل هذا... اعتقدت أننا مازلنا في البحر ولم نتحرك خلال هذا الوقت عندما كان العناصر يحاولون معرفة ما إذا كانت أي دولة أوروبية ستستقبلنا... ثم أدركت أننا نُعاد إلى لبنان. بدأ الناس عندئذ يصرخون ويبكون. حتى بعد أن وصلنا إلى المرفأ أصرينا على عدم النزول، لذلك بقينا ساعة على متن القارب - حاولنا التفاوض، وأخبرونا ألا نقلق وأنهم سيسلموننا إلى مفوضية اللاجئين ولن يسلمونا للجيش. [94]
أنقذت سفينة تابعة للجيش اللبناني مروان، الذي قال إنه شهد توسلات مماثلة:
لم يشرح الأشخاص الذين أنقذونا ما كانوا يفعلونه أو يردوا على أسئلتنا. وضعوني على متن قارب لبناني. [صرخنا]، "لا تأخذونا إلى لبنان... لا يمكننا العودة إلى لبنان أو سوريا". قال بعض الناس إنهم يفضلون الموت هنا في البحر على العودة... بدأنا نسأل خفر السواحل اللبناني عن المكان الذي يأخذوننا إليه وقلنا، "إذا أخذتمونا إلى سوريا، سنقفز". قالوا: "لن نأخذكم إلى سوريا". طلبنا أن ننقل إلى سفينة اليونيفيل لكنهم لم يستمعوا.[95]
الاحتجاز بعد الإنقاذ
بعد إنقاذهم، عاد جميع الأشخاص الثمانية الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إلى مرفأ طرابلس صباح 1 يناير/كانون الثاني 2023. تذكروا أن أفراد "الصليب الأحمر اللبناني" قدموا لهم الإسعافات الأولية والسندويشات والمياه.
قال زيد (23 عاما) من إدلب: "كانت المعاملة جيدة عندما كان الصليب الأحمر موجودا، لكن بمجرد مغادرتهم، بدأ الجيش اللبناني بالصراخ علينا وتغير كل شيء".[96] احتجزتهم السلطات اللبنانية في مرفأ طرابلس لبقية اليوم، حيث استجوبتهم فروع أمنية مختلفة بما فيها الجيش اللبناني، والأمن العام، وقوى الأمن الداخلي، ووحدة المخابرات العسكرية.
قال كريم إن السلطات استجوبته حول وضعه القانوني، وتسجيله لدى مفوضية اللاجئين، وكيفية تنظيم رحلة المركب، بما فيه أسماء المهربين وتكاليف الرحلة:
كانت هناك سلطات لبنانية مختلفة - الجيش والمخابرات والأمن العام. نقلونا بين سلطات مختلفة استجوبتنا... لم يكن لدى معظم الأشخاص حتى أحذية وكانوا مبللين ولم يكن لديهم ملابس دافئة. لم أكن وأفراد عائلتي نرتدي أحذية. لم يكن العناصر قساة معنا، لكنهم لم يعاملونا بطريقة إنسانية. مررنا بالكثير ومات شخص. تركونا هناك دون أحذية وأغطية. حتى أننا سمعنا بعض الجنود يقولون إنه كان ينبغي لهم أن يحتفلوا برأس السنة الجديدة مع عائلاتهم، لكن أفعالنا جعلتهم يمكثون هناك.[97]
بالإضافة إلى كريم، قال أربعة آخرون ممن قابلناهم إنهم ظلوا حفاة الأقدام وملابسهم مبللة طوال مدة احتجازهم واستجوابهم في المرفأ.
قالت عائشة: "ما أزعجني حقا هو أن معظمنا كان حفاة الأقدام وملابسنا مبللة، وأن [العناصر] رأوا ذلك لكنهم لم يسمحوا لأحد بإحضار ملابس أو أي شيء لنا. رحّلونا في اليوم التالي".[98]
أفاد خمسة ممن قابلناهم أن السلطات صادرت هواتفهم وجوازات سفرهم ووثائق هوية أخرى. قال اثنان منهم فقط إن السلطات أعادت إليهما ممتلكاتهم لاحقا.
قال الأشخاص الذين قابلناهم إن السلطات اللبنانية رفضت طلباتهم بالاتصال بأفراد العائلة. قال حسن (44 عاما) من حمص: "جاءت أختي وزوجتي إلى المرفأ وسألتا العناصر أيضا إذا كان بإمكانهم رؤيتي، لكنهم رفضوا".[99]
استخدم مروان، أحد الذين قابلناهم، هاتفه للاتصال بعائلته:
بمجرد أن أغلقت هاتفي، بدا العسكري منزعجا واقترب مني وصادر هاتفي. قال العنصر الآخر، "أعطني هويتك"، وأعطيتها له. سألوني إذا كان لدي جواز سفر، فكذبت وقلت لا، وفتشوني. وجدوا جواز سفري وأخذوه. ثم دفعوني وضربوني على كتفي... طلبت منهم إعادة أوراقي لكنهم [لم يعيدوها أبدا]. [100]
الطرد إلى سوريا عبر معبر وادي خالد
بعد يوم من الاحتجاز والاستجواب في مرفأ طرابلس، قال الأشخاص الذين قابلناهم إن السلطات اللبنانية حمّلت الناجين السوريين في شاحنات، ونقلتهم إلى الحدود مع سوريا، وطردتهم عند معبر وادي خالد.
كان جميل (48 عاما) من حلب، الشخص الوحيد الذي قابلناهم والذي أنقِذ من القارب ولم يُطرد. لاحظ أنه من بين حوالي 230 شخصا أنقِذوا، بقي حوالي 30 منهم فقط في مرفأ طرابلس دون أن يُنقلوا إلى شاحنات تابعة للجيش اللبناني.[101] قابلت هيومن رايتس ووتش سبعة من اللاجئين السوريين الذين طُردوا، من بينهم امرأتان.
قال الأشخاص الذين قابلناهم والذين طُردوا إن الجيش اللبناني أنزلهم قرب معبر نهري وأجبرهم على المشي حتى وصلوا إلى بيوت بلاستيكية زراعية على الجانب السوري من الحدود. عبر العديد منهم الحدود حفاة الأقدام. أمضى الجميع أكثر من 24 ساعة في البحر، ونجوا من تحطم سفينة وناموا طوال الليل على أرضية المرفأ. على الجانب السوري، قال الذين قابلناهم إن عسكريين فهموا أنهم من "الفرقة الرابعة" في الجيش السوري أو رجال مسلحين آخرين أخذوهم فورا إلى الحجز. قال الذين قابناهم إنهم شاهدوا عناصر من الجيش اللبناني ينسقون مع الرجال المسلحين على الجانب السوري. يناقش القسم التالي روايات طردهم.
V. الجيش اللبناني يطرد السوريين في وادي خالد
طرد الجيش اللبناني 10 من الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش. طُرِد أربعة أشخاص بعد أن منعهم الجيش اللبناني من ركوب القوارب المغادرة، وطُرِد سبعة آخرون بعد عملية الإنقاذ التي جرت في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022. يشمل ذلك كريم، الذي طُرِد مرتين، مرة بعد إنقاذه في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022 ومرة أخرى في 10 يوليو/تموز 2023، عندما اعتُقِل في طريقه إلى نقطة المغادرة. طُرِدوا جميعهم عبر معبر وادي خالد غير الرسمي مع سوريا. عاد جميع المطرودين العشرة الذين قابلناهم في نهاية المطاف إلى لبنان، 9 منهم أفادوا عن تعرضهم للابتزاز من رجال مسلحين في منطقة وادي خالد مقابل تهريبهم للعودة إلى لبنان، بينما تمكن الشخص العاشر الذي قابلناه من الهروب والعودة إلى لبنان بمفرده.
كان جميع الأشخاص العشرة المطرودين الذين قابلناهم لاجئين مسجلين لدى مفوضية اللاجئين. قال اثنان منهم إنهما كانا يحملان إقامة قانونية سارية في لبنان في ذلك الوقت، لكنهما طُردا رغم ذلك.
تنسيق مفترض بين الجيش اللبناني والجيش السوري في وادي خالد
قال بعض الأشخاص الذين قابلناهم والذين طُرِدوا عند معبر وادي خالد إن الجيش اللبناني سلمهم إلى الجيش السوري أو إلى أشخاص يعتقدون أنهم كانوا مهربين على الأرجح. في بعض الحالات المفصلة أدناه، قال الذين قابلناهم إنهم شاهدوا تواصلا بين عناصر الجيشين اللبناني والسوري.
بعد سرد تجربة طرده الأولى، قال كريم إن تجربته الثانية كانت مشابهة:
كان هناك جدار عند المعبر ونهر صغير أيضا. دفعنا الجيش [اللبناني] للذهاب إلى الحدود وسرنا حوالي 200 متر. ثم أخذنا أشخاص يشبهون المافيا تقريبا كانوا ينتظرون هناك. كانوا يرتدون ملابس مدنية، لكنهم كانوا يحملون أسلحة. كان أحدهم يرتدي زي الفرقة الرابعة. وضعونا في خيمة بلاستيكية تستخدم لزراعة الخضروات.[102]
أنقِذت زهرة أيضا من القارب الغارق في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، ثم طُرِدت في وادي خالد:
سلّمَنا الجيش إلى المهربين. رأيت المهربين يعطون الجيش مظروفا أبيض يبدو أنه مقابل أخذنا. ثم تركنا المهربون في منزل أبيض كبير يستخدم لتخزين الخضروات والفواكه... كما رأيت أن بعض المهربين كانوا يرتدون زي الجيش اللبناني أو أشخاصا يرتدون الزي العسكري يعملون كمجموعة مع المهربين.[103]
قال مروان، وهو شخص آخر طُرِد من القارب الغارق في 31 ديسمبر/كانون الأول: "بمجرد وصول الشاحنات... صاح بعض [اللاجئين] إذا تريدون أخذنا سوريا، أعيدونا إلى البحر". [104] شاهد أيضا التنسيق بين الجيش اللبناني والفرقة الرابعة السورية:
أُصيبت قدمي لأنني لم أكن أرتدي حذائي. بمجرد وصولنا إلى الحدود... بدأ [عناصر الجيش اللبناني] بدفعنا خارج الشاحنات. كما وجه الجيش اللبناني أسلحته نحونا أيضا. قال العناصر للفرقة الرابعة، "خذوا هؤلاء الأشخاص لديهم أموال وكان لديهم ما يكفي من المال لمحاولة المغادرة"... بقي الجيش اللبناني معنا حتى تم تسليم آخر شخص إلى الفرقة الرابعة.[105]
طُرد يوسف في يونيو/حزيران أو يوليو/تموز 2023، بعد اعتراض الشاحنة التي كان يستقلها وكان يقودها مهرب، واحتجازه في مركز يديره الجيش اللبناني والأمن العام، كما هو موضح أعلاه في القسم الثالث.[106] قال إن "سيارة عسكرية" نقلته إلى معبر وادي خالد غير الرسمي، حيث "سلمنا عناصر لبنانيون إلى... الجيش السوري".[107]
قال رحيم، الذي طرده الجيش اللبناني في أو حوالي 9 يوليو/تموز 2023 بعد اعتراض الحافلة التي كان فيها: "سلّمَنا الجيش اللبناني مباشرة إلى الجيش السوري – يدا بِيَد".[108] أضاف رحيم: "على الجانب السوري، كان هناك عناصر من الجيش يرتدون الزي الرسمي وآخرون يرتدون ملابس مدنية. أعرف الزي الرسمي، لكن كانت لديهم شارات ذراع بألوان مختلفة، لذا لا يمكنني التأكد مما إذا كانوا من الفرقة الرابعة".[109]
ابتزاز وتهديد بالعنف في وادي خالد
وصف الأشخاص الذين قابلناهم والذين قدموا تفاصيل طردهم في وادي خالد بشكل متسق احتجازهم في خيمة بلاستيكية على الجانب السوري من الحدود. قال الأشخاص الذين قابلناهم إن هذه الخيمة البلاستيكية يديرها رجال مسلحون يرتدون ملابس مدنية، ويعتقدون أنهم مهربون ينسقون مع الجيش السوري لابتزاز الأشخاص الذين طردوا. هددهم المهربون بتسليمهم إلى الجيش السوري إذا لم يدفعوا لهم مقابل تهريبهم إلى لبنان. كانت هذه التهديدات كثيرا تُوجَّه في حضور جنود سوريين يرتدون الزي الرسمي من الفرقة الرابعة. كما أفاد الذين قابلناهم أن الجنود السوريين أنفسهم طالبوا بالمال.
بشكل عام، تشير شهادات المقابلات إلى أن الفوضى تسود منطقة معبر وادي خالد غير الرسمي: "كان الناس أكثر خوفا في وادي خالد من خوفهم من التواجد في الماء"، كما قالت زهرة التي أنقِذت من القارب في 31 ديسمبر/كانون الأول ثم طُردت.[110] وصف كريم الأفراد الذين كانوا يسيطرون على المكان بأنهم "مافيا".[111] قال زيد إن المنطقة "كانت أشبه بمؤسسة تجارية"، حيث شهد بالإضافة إلى تهريب البشر أنشطة غير مشروعة أخرى، مثل صرف العملات غير النظامي.[112]
وصفت زهرة تجربتها مع المهربين في الخيم البلاستيكية:
كان مهربون يحملون أسلحة يحرسون المنزل. أخذوا جميع أسمائنا وسجلوها في دفاتر. ثم طلبوا منا تقديم أسماء الأشخاص الذين يمكنهم دفع ثمن إطلاق سراحنا. كانوا يشطبون أسماءنا عندما اتصلنا بأحد أفراد العائلة الذي يوافق على دفع المال. لذلك، أعطيتهم اسم أختي وجاءت [إلى منطقة الحدود على الجانب اللبناني] بالمال... بالنسبة للأشخاص الذين لم يكن لديهم المال، قال المهربون إنهم سيسلمونهم إلى الفرقة الرابعة السورية.[113]
قال مروان، الذي لم يكن لديه ما يكفي من المال يدفع لهم فورا: "اتصلت زوجتي بالمهربين وطلبوا 600 دولار لإعادتي. قالت زوجتي إنها لم يكن لديها المبلغ بالكامل فورا.[114] قال لها المهرب أن تدفع المال له الآن وإلا سيرسلني فورا إلى السلطات السورية".[115]
حدد يوسف الرجال الذين أخذوا أمواله على أنهم عناصر في الجيش السوري:
[السلطات اللبنانية] سلمتنا إلى [الجيش السوري]... الذي اعتقلنا وعاملنا بقسوة. قالوا لنا إن كل من يريد العودة إلى لبنان يجب أن يدفع المال، ومن لا يريد سيتم اعتقاله... كانوا جنودا، لكنهم لم يهتموا إلا إذا كان لدينا المال. الأشخاص الذين لديهم المال بقوا في مكانهم. أخِذ الآخرين الذين لم يكن لديهم المال. أخذوا مني 400 دولار. كان الأشخاص الذين أخذوا المال يرتدون أيضا زي الجيش السوري. كان البعض الآخر يرتدون ملابس مدنية.[116]
دفع معظم الأشخاص الذين قابلناهم ما بين 400 و600 دولار لمهربين مسلحين. لم يستطع حسن تحمل المبلغ المطلوب وهرب من الخيمة البلاستيكية:
لست متأكدا حقا من الأشخاص الذين طلبوا مني المال، لكنني لم أكن أستطيع دفع المال. رأيت بعض الأشخاص هناك يرتدون زي الجيش السوري وبعض المهربين. كانوا يحاولون تسجيل أسمائنا، وكان هناك 60 شخصا في الطابور. أعطيتهم اسما مزيفا. ثم أخبروني أن أنتظر فقط ... بعد أن بقيت هناك لمدة 10 دقائق تقريبا، هربت. ركضت وركضت. قفزت في البحيرة وذهبت إلى الجانب اللبناني. اختبأت مستلقيا على الأرض عندما رأيت رجلا من الجيش اللبناني. ثم وصلت إلى سيارة أجرة. زوج أختي لبناني ويعيشون قرب وادي خالد، لذلك طلبت من السائق أن يأخذني إلى هناك ثم دفعوا له.[117]
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قال الأمن العام إنها "لم يُحَط علما" بأي من عمليات الطرد الفورية المفصلة في هذا القسم، ولم "يتم التنسيق معه في شأنها.[118] أشار الأمن العام إلى أن "كل عملية طرد أو إعادة للمهاجرين السوريين أو اللبنانيين أو من أية جنسيات أخرى ... كان الأمن العام على علم بها تم التنسيق معه بها، كانت تخضع لمعايير القانون الدولي الإنساني بإشراف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك مدوّن وموثّق في سجلات الأمن العام.[119] كما أشار الأمن العام إلى:
القرار رقم 50/أ ع/.م ج أد/س الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع بتاريخ 24/4/2019، الذي قضى بتكليف القوى الأمنية إعادة أي سوري يدخل البلاد بطريقة خلسة بعد 24/4/2019 (يُعتبر قرار المجلس الأعلى للدفاع مفصليا في حماية السيادة من تدفقات بشرية غير شرعية إلى لبنان، أو [منع لبنان من أن يصبح] ممرا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث ارتفعت وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر المراكب بين عامي 2022 و2023). [120]
تلاحظ هيومن رايتس ووتش أن جميع الأشخاص العشرة الذين قابلتهم والذين طردهم فورا الجيش اللبناني إلى سوريا دخلوا لبنان قبل 2019، وكانوا لاجئين مسجلين لدى مفوضية اللاجئين. قال اثنان منهم أيضا إنهما كانا يحملان إقامة لبنانية سارية المفعول وقت طردهما.
VI. قبرص: عمليات طرد جماعية للسوريين الواصلين بالمراكب
أصبحت قبرص في السنوات الأخيرة الوجهة الأكثر شيوعا للمراكب غير النظامية المغادرة من لبنان. ردّت قبرص بعمليات طرد وصد جماعية للمراكب الواصلة. في سبتمبر/أيلول 2020، وثّقت هيومن رايتس ووتش عمليات الصد أو الطرد الفوري التي قامت بها قبرص لأكثر من 200 مهاجر ولاجئ وطالب لجوء قادمين من لبنان.[121]
أكدت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن قبرص استمرت في ارتكاب هذه الانتهاكات، والتي تشمل الآن أيضا الإعادة القسرية المتسلسلة. قابلت هيومن رايتس ووتش خمسة لاجئين سوريين مسجلين لدى مفوضية اللاجئين غادروا لبنان في مراكب متجهة إلى قبرص، بمن فيهم امرأة وصبي عمره 15 عاما. وصل الأشخاص الخمسة إلى الأراضي القبرصية على متن أربعة قوارب مختلفة في أغسطس/آب 2021 وبين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2023. قالوا إن السلطات القبرصية احتجزت الأشخاص الذين وصلوا على متن هذه القوارب، وأنهم إما تعرضوا للضرب أو سوء المعاملة أنفسهم، أو شهدوا تعرض آخرين لها. في إحدى الحالات، احتجز خفر السواحل القبرصي القارب في البحر لمدة يوم واحد قبل أن ينقلوا الأفراد إلى اليابسة.
في جميع الحالات، طردت قبرص جماعيا الأفراد، بمن فيهم جميع الأشخاص الخمسة الذين قابلناهم، دون منحهم إمكانية الوصول إلى إجراءات اللجوء، أو أي تقييم فردي، أو ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة الأخرى بما فيها إبلاغ الأفراد بالأساس القانوني لمعاملتهم، أو السماح لهم بالتواصل مع محامين أو توفير السبل للطعن قانونيا في طردهم. أعادت السلطات القبرصية الأفراد مباشرة إلى لبنان حيث طرد الجيش اللبناني أربعة من الأشخاص الذين قابلناهم إلى سوريا بعد وقت قصير من إعادتهم. احتجز الجيش السوري اثنين من الذين قابلناهم، وهما امرأة وابنها، إلى جانب أفراد أسرتهما الخمسة، لمدة تسعة أيام بعد طردهم من قبل الجيش اللبناني.
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2024، قال وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو:
على مدى السنوات الست الماضية، كانت قبرص باستمرار الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي لديها أعلى عدد من الطلبات المقدمة للمرة الأولى للحصول على الحماية الدولية بالنسبة لحجم سكانها... الارتفاع غير المتوقع وغير المسبوق في أعداد الوافدين دفع حكومة قبرص إلى [اعتماد] تدابير استراتيجية ضرورية للإدارة الفعالة لتدفقات الهجرة... تبذل السلطات القبرصية كل جهد ممكن من أجل تقديم المساعدة للمحتاجين وتسهيل الأمر على الأشخاص الذين يُعبّرون عن إرادتهم في التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية، بغض النظر عن بلد المنشأ...[122]
الطرد الجماعي في البحر
قال يوسف، الذي حاول عبور البحر سبع مرات قبل 2024 والذي وردت قصة طرده في القسم السابق، لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات القبرصية صدّته في إحدى محاولاته. حوالي منتصف ليل 20 أغسطس/آب 2021، غادر يوسف لبنان في قارب يحمل حوالي 72 راكبا متجها إلى قبرص. وصف المركب بأنه "قارب صيد" بمحرك واحد "بدا صغيرا جدا بالنسبة لـ 70 شخص".[123] كان القارب يحمل بعض الأطعمة المعلبة والمياه، لكن الماء نفد أثناء الرحلة.[124] كما لم يكن يحمل سترات نجاة كافية لكل راكب. [125]
بعد أكثر من 10 ساعات في البحر، قال يوسف إن سفينة خفر السواحل القبرصية اعترضت القارب. يُظهر فيديو أرسله يوسف إلى هيومن رايتس ووتش زورق دورية سريع رمادي اللون لخفر السواحل مكتوبا على جانبه "الشرطة البحرية" باليونانية والإنكليزية يقترب من قارب يوسف بسرعة عالية، وفي مرحلة ما يتحرك مباشرة أمام القارب بسرعة عالية، مما يخلق موجة:
[ظهر] الزورق القبرصي وطلب منا التوقف. عندما لم نستمع، بدأوا بإلقاء حبل ضخم لمحاولة الإمساك بالمحرك. كان زورقهم سريعا وكبيرا حقا. أحدثوا كثيرا من الأمواج الكبيرة... كان محركنا سيئا بالفعل وتوقف عن العمل... بعد أن تعطل محركنا تماما، جاء زورق قبرصي آخر نحونا.[126]
قال يوسف إنه في تلك اللحظة قفز ستة ركاب من القارب.[127] رأى سفينتين رماديتين أخريين أكبر حجما وطائرة مروحية تقترب، يُفترض أنها كانت للبحث عن الأشخاص الذين كانوا في الماء. قال يوسف: "كان الأمر أشبه بفيلم رعب... تغيرت الرياح تماما وأصبحت قوية جدا مع ارتفاع الأمواج. كان القارب يتحرك كثيرا. كان الجميع يصرخون".[128]
تتبعت هيومن رايتس ووتش طائرة مروحية من طراز "إي دبليو 139" ()AW139، وهي نوع من ثلاث طائرات تستخدمها قيادة القوات الجوية القبرصية للبحث والإنقاذ، على بعد حوالي 35 كيلومتر شرق الساحل الجنوبي لقبرص، حوالي الساعة 10:30 صباحا في 20 أغسطس/آب 2021.[129] حلقت المروحية على ارتفاع منخفض في نمط متعرج يُستخدم عادة في البحث والإنقاذ لمدة 20 دقيقة تقريبا قبل أن تعود إلى قبرص.[130]
وصف يوسف أن إحدى السفن الرمادية الكبيرة اقتربت في النهاية وبدأت بسحب القارب نحو الشاطئ. مع ذلك، قبل الوصول إلى الشاطئ، قال إن السفينة القبرصية فصلت حبل السحب، وكان الركاب لا يزالون على متن القارب، ولم تقدم أي طعام أو ماء:
حاول الزورق الأكبر ربط حبل بنا لكنه لم ينجح. ثم حاول زورق آخر وتمكنا من ربط الحبل بأنفسنا. كنت أرى أنهم كانوا [يبحرون] نحو اليابسة. شعرنا بسعادة غامرة... معتقدين أنهم سيأخذوننا إلى قبرص... لكن عند نقطة معينة توقف القارب، قطعوا الحبل وغادروا. كان قاربنا قريبا جدا من الشاطئ، كنت أرى السيارات والأراضي والمباني. كان بإمكاني أيضا رؤية الزوارق القبرصية التي نقلتنا إلى هناك قريبة. أعتقد أنهم كانوا يراقبون فقط. لم يحاول أي من العناصر الصعود إلى قاربنا. تركونا لليلة كاملة... شعرنا بالخوف حقا. في تلك الليلة لم يعطونا أي شيء ولم يتواصلوا معنا.[131]
في صباح اليوم التالي، قال يوسف إن سفينة أصغر يديرها عناصر قبارصة جاءت وأخذت امرأة حامل وتركت 12 زجاجة مياه صغيرة للركاب السبعين. بعد فترة وجيزة، بدأ القارب بالغرق. حسب يوسف، ناشد الركاب العناصر القبارصة لإنقاذهم وطلبوا منهم اللجوء:
ثم بدأ الماء يتسرب إلى قاربنا. لذا، بدأنا في رمي أغراضنا... بدأنا بالصراخ من بعيد بأننا نغرق... قرر بعض منا القفز في الماء. اقترب منا مركب أكبر، وكان على متنه مُترجِم. كان مع عناصر آخرين يرتدون الزي الرسمي. أخبرْنا المترجم أننا سوريون وقلنا إننا نطلب اللجوء. قلنا أيضا إننا كنا نغرق وكان الناس في الماء. قال إن هناك مركب أكبر يأتي للإنقاذ... أحد الأشخاص في الماء ابتلع الوقود الذي رميناه سابقا، وكان في حالة سيئة.[132]
قال يوسف إن "مركبا كبيرا" وصل عند الظهر تقريبا إلى جانب القارب الغارق وبدأ بتحميل الركاب.[133] حلّلت هيومن رايتس ووتش فيديو نشره يوسف في الأصل على فيسبوك، وتم تسجيله في ضوء الشمس الساطع، ويظهر ما يُفترض أنه سفينة إنقاذ احتياطية مكتوب عليها "ليدرا برايد" على هيكل مقدمتها. رأى عناصر مسلحين يرتدون الزي الرسمي على متن هذه السفينة، والأشخاص الذين قفزوا منها سابقا، وسوريين آخرين يُفترض أنهم من قارب آخر تم اعتراضه. أشار أيضا إلى تحدثه مع أفراد الطاقم المصريين في السفينة، الذين أخبروه أن السفينة مستأجرة من قبل الدولة القبرصية.[134]
تُبحر ليدرا برايد تحت العلم القبرصي وهي واحدة من ستة سفن مملوكة لشركة "ليدرا إينا شيبينغ"، وهي شركة خاصة مسجلة في "سجل الشركات القبرصية".[135] وفقا لموقع الشركة، هي عبارة عن سفينة إنقاذ/إمداد احتياطية يمكنها "استيعاب ما يصل إلى 300 من رجال الإنقاذ".[136] تشير التقارير الواردة من وسائل الإعلام القبرصية إلى أن سفينة ليدرا برايد استُخدمت أيضا لإعادة المهاجرين من قبرص إلى لبنان في عمليات في 2022 و2023. وفقا لتلك التقارير الإعلامية، أثارت النقابات العمالية التي تمثل قوات الشرطة القبرصية في أغسطس/آب 2023 مخاوف بشأن عمليات الإعادة هذه، قائلة إن عدد المهاجرين العائدين على متن هذه السفن كان في كثير من الأحيان يتجاوز الحد الأقصى المسموح به للركاب وهو 50 شخص.[137] تشير التقارير إلى أن المتحدث الرسمي باسم الشرطة ادعى أنه تم إصدار "ترخيص استثنائي" في أبريل/نيسان 2023 للسماح لـ ليدرا إينا بحمل ما يصل إلى 300 شخص.[138]
تُظهر بيانات تتبع المراكب التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش أن سفينة ليدرا برايد توقفت على بعد حوالي ثلاثة كيلومتر شرق مرفأ ليماسول لثلاث ساعات تقريبا في 21 أغسطس/آب 2021 بين الساعة 9:40 صباحا و1 بعد الظهر.[139]
قال يوسف إن الضباط احتجزوا الأفراد في كبائن داخل السفينة بينما استمر هؤلاء في طلب اللجوء:
الأشخاص الذين قفزوا الليلة الماضية كانوا على متن القارب بالفعل. رأيت أيضا أشخاصا في قارب آخر يُفترض أنه جاء من سوريا. بعد أن صعدنا على متن المركب، تحدثت مع بعض هؤلاء الأشخاص وقالوا إن القارب جاء من سوريا وأنهم كانوا يهربون من النظام.
كان على متن هذا القارب أشخاص يرتدون أزياء مختلفة، لكن بعضهم كان يرتدي ملابس مدنية. أعطانا العناصر أقنعة الوجه... فصلوا الرجال عن النساء والأطفال عن الرجال. بعد ذلك وضعونا في غرفة داخل القارب. وضعوا الرجال في غرفة والنساء والأطفال في غرفة أخرى... كان اثنان إلى ثلاثة عناصر يحرسون الغرفة. وكانوا جميعا يحملون أسلحة.
سألنا [العناصر] إلى أين يأخذوننا، لكنهم لم يجيبوا. أوضحنا كلما أتيحت لنا الفرصة أننا نطلب اللجوء. كان بعض الأشخاص الذين كانوا على متن القارب الآخر يتحدثون اليونانية وقالوا إنهم يطلبون اللجوء... لكن العناصر لم يردوا أبدا.[140]
وفقا لبيانات تتبع السفن، تم قيادة السفينة ليدرا برايد إلى لارنكا في 22 أغسطس/آب 2021، قبل أن تسافر عبر البحر المتوسط إلى بيروت.[141]
قال يوسف إن ليدرا برايد وصلت إلى مرفأ بيروت حوالي الساعة التاسعة مساء. نزل جميع الذين اعتُرِضوا.[142] بحسب بيانات تتبع السفن، وصلت ليدرا برايد إلى مرفأ بيروت حوالي الساعة 9:50 مساء في 23 أغسطس/آب 2021، قبل أن تُغادر مرة أخرى إلى قبرص بعد ساعتين.[143] قال يوسف: "رأينا الجيش اللبناني والصليب الأحمر اللبناني ومفوضية اللاجئين وكذلك الشرطة. كان الجيش اللبناني يفصلنا بحسب ما إذا كنا قد أتينا بطريقة غير شرعية أو أتينا مباشرة من سوريا.[144] سمحت السلطات اللبنانية ليوسف بمغادرة المرفأ لكنها صادرت أوراق هويته وأعطته وثيقة ورقية تفيد بأن السلطات اللبنانية تحتجز وثائقه، والتي لم يتمكن من استعادتها مطلقا.[145]
الاحتجاز في قبرص بعد الاعتراض في البحر
قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة لاجئين سوريين آخرين اعترض خفر السواحل القبرصي القوارب التي كانوا على متنها، لكن بخلاف حالة يوسف، أحضر خفر السواحل هؤلاء الركاب إلى اليابسة.
يوثق القسم الثالث إرجاع الجيش اللبناني لنوال (44 عاما) وابنها سمير (19 عاما)، أثناء محاولتهما ركوب قارب متجه إلى قبرص.[146] في 27 تموز/يوليو 2023، حاول الاثنان العبور على متن قارب آخر إلى قبرص مع زوج نوال وأطفالهما الأربعة الآخرين، حيث انطلقوا في قارب من شاطئ شكا في قضاء البترون شمال لبنان.[147] بحسب نوال، كان القارب يحمل نحو 75 راكبا. لم يكن على متنه طعام أو ماء أو سترات نجاة. بعد أكثر من 24 ساعة في البحر، حوالي منتصف الليل، قالت نوال إن طائرة مسيرة ظهرت فوق القارب. بعد خمسة عشر دقيقة، رأت ثلاث سفن عسكرية وطائرة مروحية تقترب. وصفت إحدى السفن بأنها "سفينة حربية" والسفينتين الأخريين بـ "الزوارق السريعة".[148] قالت نوال إن عناصر أحد الزوارق السريعة طلبوا من القارب الذي كانت على متنه أن يتبع مسار السفينة، وهو ما فعله.[149]
بعد ست ساعات أخرى، قالت نوال إن القارب الذي كانت على متنه وصل إلى شاطئ في قبرص الساعة الرابعة أو الخامسة صباحا. قالت: "كان هناك كثير من المسؤولين وكأن الحكومة بأكملها كانت هناك"، وكانت هناك أيضا "مُترجِمة بدت مصرية".[150] قالت نوال إن أفرادا من القارب بقوا على هذا الشاطئ حتى الساعة 9 صباحا، وكان عديد منهم لا يزالون يرتدون ملابس مبللة، بينما أجرى العناصر القبارصة عمليات تفتيش جسدي. توسلت نوال إلى أحد المسؤولين لتقديم الرعاية الطبية لأحد أبنائها الذي كان يتقيأ، لكنه تجاهل طلبها. قالت إنها لم تر أي وكالات إنسانية هناك. بعد ذلك، وضعت السلطات القبرصية الأفراد في حافلة ونقلتهم إلى ما وصفته بـ "مركز الهجرة"، حيث احتجزت المجموعة في منطقة مسيجة غير مغطاة.[151] قالت نوال إن السلطات القبرصية قدمت للناس الماء فقط، وليس الطعام.[152]
في الساعة 10 مساء في 8 أغسطس/آب 2023، انطلق بلال (25 عاما) وهو من إدلب، في قارب متجه إلى قبرص من طرابلس شمال لبنان. دخل بلال لبنان في 2011 وحصل على إقامة قانونية حتى رفض مكتب الأمن العام تجديدها في 2020. قال إنه كان هناك نحو 17 شخصا، جميعهم رجال، على هذا القارب، لكن كان هناك ستة أو سبع سترات نجاة فقط. قال بلال إن المجموعة أمضت ما مجموعه ثلاثة أيام في البحر عندما اعترضتها سفينتان ترفعان نفس الأعلام وعلى متنهما عناصر يرتدون الزي الرسمي، رغم أن بلال لم يتمكن من التعرف على الدولة التي تعود إليها الأعلام. نقلت السلطات الركاب إلى سفنهم، وأخذتهم إلى الشاطئ في قبرص، ثم نقلتهم بالحافلة إلى مركز كانت تبعد حوالي 20 دقيقة عن مكان وصولهم. احتجز عناصر قبارصة الأشخاص في منطقة شبه مغطاة قال إنها "تبدو وكأنها موقف سيارات" وأجبروهم على الجلوس على الأرض.[153] قال إن العناصر قدموا لهم أيضا الطعام والماء.[154]
الاحتجاز والإيذاء الجسدي والحرمان من إجراءات اللجوء في قبرص
في قبرص، جميع الأشخاص الثلاثة الذين قابلناهم إما تعرضوا أو شهدوا ارتكاب السلطات الضرب وغيره من الانتهاكات. لم يُمنح أحد الفرصة لتقديم طلب لجوء.
بعد الوصول إلى قبرص في الصباح الباكر من 28 يوليو/تموز 2023، قالت نوال وسمير إن جميع الركاب نُقلوا إلى مركز احتجاز. أضافوا أن العناصر القبارصة أحضروا خمسة أشخاص، من بينهم زوج نوال، إلى داخل مبنى لاستجوابهم، بينما جلس باقي المجموعة في العراء.
رغم تأكيدات الحارسة لنوال بأنه سيتم نقلهما إلى "مخيم"، قالت نوال إن العناصر القبارصة أخذوهما إلى مرفأ.[155] قالت نوال: "بمجرد أن خرجنا، رأيت أننا نُقلنا إلى قارب كبير، فعرفت أنهم سيعيدوننا".[156] سألت نوال أحد العناصر عن المكان الذي سيأخذونهم إليه. تتذكر أن أحد العناصر قال لها: "سنأخذك إلى سوريا".[157] وصفت نوال كيف أجبر العناصر القبارصة الأشخاص بعنف على الصعود إلى السفينة:
لم نكن نريد النزول من الحافلة... بدأ العناصر يمسكون بنا ويدفعوننا خارج الحافلة. ضربوا [ابني] على أنفه فكسروه. أمسكوا بحجابي وشعري وسحبوني إلى خارج الحافلة. تدخل زوجي وقال: "لماذا تضرب زوجتي؟" فأنزله العناصر وبدأوا في ضربه في كل مكان. كان الدم يسيل من أنفه وفمه في كل مكان. ضربوه بمسدس صعق كهربائي وهراوة. ثم جاءت الحارسة إلى الحافلة [لتأخذ] بناتي [إلى المركب] وحتى أزالت حجابهن. كانوا عنيفين جدا. كان اثنان من العناصر يضربون ابنتي. ثم وضع العناصر أربطة بلاستيكية على معصمينا وكاحلينا. حتى على الأطفال الصغار أيضا.[158]
وصف بلال، الذي وصل إلى قبرص في 10 أو 11 أغسطس/آب 2023، احتجازه في مركز قبرصي حيث شهد عناصر يضربون رجلا أثناء استجوابه:
أخذ الضباط مشغل القارب وشخصين جانبا... كنت أرى وأسمع ما حدث. سألوا أولا مشغل القارب من أين أتينا... صفعه العنصر على وجهه. لا أعرف عدد المرات التي ضربه فيها، لكن آثار الصفع كانت ظاهرة على وجهه.[159]
أضاف بلال أن الأشخاص الذين كانوا على متن القارب الذي كان يستقله قالوا للمترجم في مركز الاحتجاز إنهم يريدون طلب اللجوء:
كان هناك شخص، عراقي، على ما أعتقد، يتحدث لغتنا وجاء ليتحدث معنا. لا بد أنه كان مترجما فوريا أو محققا يعمل لصالح خفر السواحل القبرصي لكنه لم يكن يرتدي الزي الرسمي. جاء إلينا بمفرده وتحدث معنا كمجموعة. أوضحنا له أننا هنا لطلب اللجوء فقال: "لا تقلقوا، سننقلكم إلى المخيمات". لم أر هذا الشخص مرة أخرى بعد ذلك.[160]
بعد احتجاز بلال ومجموعته ليوم تقريبا، نقلهم العناصر القبارصة إلى سفينة:
في الثالثة صباحا، قيدوا أيدينا ووضعونا في سيارة "جيب" عسكرية. [ثم] وضعونا في... مركب كبير به مكان كبير. كانوا جميعا يرتدون نفس الزي الرسمي. كان على متن هذا المركب أيضا أشخاص من قوارب أخرى وصلت إلى قبرص من لبنان.[161]
احتجاز وطرد طالب لجوء طفل غير مصحوب بذويه
أحد الأشخاص الذين قابلناهم والذين وصلوا إلى قبرص كان صبيا عمره 15 عاما يُدعى حبيب، وكان يسافر بمفرده. حبيب من إدلب وجاء إلى لبنان مع عائلته عام 2013 عندما كان عمره ثلاث سنوات. كان يعيش مع والديه وسبعة أفراد آخرين من عائلته في مخيم غير رسمي للاجئين قرب الكويخات في منطقة عكار، على بعد أقل من 30 دقيقة بالسيارة من الحدود السورية. قال حبيب لـ هيومن رايتس ووتش إنه ترك المدرسة بعد الصف السابع للعمل في سوق خضار قريب. قال إنه أصبح عاطلا عن العمل مؤخرا لأن صاحب العمل اللبناني قرر توظيف العمال اللبنانيين فقط. قال إنه أراد مغادرة لبنان في المقام الأول للحصول على فرص عمل أفضل؛ بصفته الابن الأكبر، شعر بالمسؤولية عن إعالة عائلته، بمن فيهم والده الذي لديه سكري. قال أيضا إنه يريد فرصا تعليمية أفضل.[162]
قال حبيب إنه في وقت ما من سبتمبر/أيلول 2023، استقل قاربا كان يحمل حوالي 36 راكبا. لاحظ وجود أطفال آخرين في القارب، لكنه لم يكن على علم بأعمارهم. انطلق القارب من شاطئ العبدة في محافظة عكار الساعة السادسة مساء. بعد 48 ساعة في البحر، تباطأت خلالها سرعة المركب بسبب عطل وتسريب في المحرك. نزلت المجموعة على شاطئ في قبرص في الساعة الثالثة صباحا.[163]
قال حبيب إن الركاب طلبوا من المدنيين الذين صادفوهم الاتصال بالشرطة. سلموا أنفسهم عندما وصل عناصر يرتدون الزي الرسمي. احتجزت السلطات المجموعة في مكان يبعد 30 دقيقة بالحافلة، بحسب حبيب، الذي وصفه بأنه مكان ضخم به ما يشبه مركز شرطة وساحة مفتوحة محاطة بالجدران. قال حبيب: "جلسنا هناك في العراء. كان بإمكاني رؤية السماء".[164] قدم العناصر الطعام والماء للناس. قال حبيب إنه وآخرون ناموا في "الساحة المفتوحة" لمدة ليلتين بينما كان العناصر يقومون بجولات من الاستجواب طوال اليوم.[165]
بحسب حبيب، كان أحد الركاب يتحدث اليونانية، وأوضح للعناصر: "نحن لاجئون قادمون من سوريا هاربون من الحرب".[166] مع ذلك، فيما وصفه حبيب بجولات متعددة من الاستجواب استمرت يوما كاملا، "لم تسأل السلطات القبرصية عن طلبات اللجوء وما إذا كنا نرغب في البقاء في قبرص[167]
قال حبيب إن العناصر القبارصة بدلا من ذلك "أرادوا بشكل أساسي معرفة من أين أتينا ومن كان يدير القارب".[168] قال إن العناصر أخذوا الأشخاص "واحدا تلو الآخر إلى المبنى للاستجواب... استجوبني عنصر ومترجم".[169] قال إن المحققين التقطوا صورة له أيضا وزودوه برقم تعريفي. أشار حبيب إلى أن العناصر "سألوني عن مكان والدي. سألوا أيضا عن عمري. أخبرتهم أن عمري 15 عاما". [170] لم يحيل العناصر قضيته إلى سلطات حماية الطفل، ويُفتَرّض أنهم لم يُعدّلوا إجراءاتهم لتأخذ عمره في الاعتبار.[171]
قال حبيب إنه في الليلة التالية الساعة 3 صباحا، "أيقظنا العناصر وقيدوا أيدينا... حتى الأطفال". [172] وصف كيف نقلهم مسؤولون بالسيارة إلى شاطئ، حيث رأى "عناصر شرطة ينتظروننا"، ووضعوا الأشخاص على متن سفينة.[173] أبقوا حبيب وأشخاص آخرين داخل مقصورة، ولم يزيلوا قيودهم إلا بعد أن بدأت السفينة في التحرك.[174]
طرد جماعي إلى مرفأ بيروت، ثم طرد فوري من قبل الجيش اللبناني
بعد أن أجبرت السلطات القبرصية نوال وابنها سمير، وبلال، وحبيب، وغيرهم من الأشخاص الذين سافروا على نفس الرحلات على ركوب سفن يديرها عناصر قبارصة يرتدون الزي الرسمي، أفاد جميع الأشخاص الأربعة الذين قابلناهم أن السفن أعادتهم مباشرة إلى مرفأ بيروت، حيث كان الجيش اللبناني إما في انتظارهم أو وصل بعد وقت قصير من نزولهم. قالوا إن الجيش اللبناني احتجزهم في المرفأ، ثم طرد فورا السوريين المطرودين من قبرص، بمن فيهم الأشخاص الأربعة الذين قابلناهم، إلى سوريا. قالت نوال وسمير إنه بعد إجبارهما على عبور الحدود السورية، احتجزهما أفراد من الجيش السوري مع أفراد عائلاتهما الخمسة المرافقين لهم لمدة تسعة أيام.
قالت نوال وسمير هيومن رايتس ووتش أنه وبعد نزولهما في قبرص في 28 يوليو/تموز 2023 وقضاء نحو يومين في الحجز القبرصي، إن السفينة التي أجبرهما العناصر القبارصة على الصعود إليها أعادتهما إلى مرفأ بيروت. تذكرت نوال وصولها إلى بيروت حوالي الساعة 2:30 بعد الظهر من ذلك اليوم.[175] أفادت وسائل الإعلام في ذلك الوقت أيضا أن قبرص أعادت أكثر من 70 مهاجرا إلى لبنان في 30 يوليو/تموز 2023.[176] رأت نوال أن الصليب الأحمر اللبناني كان بالفعل في المرفأ عندما نزل الناس، ووصل الجيش اللبناني بعد ذلك بوقت قصير.[177] قالت نوال إن الجيش اللبناني احتجز المجموعة في المرفأ حتى بعد منتصف الليل، حيث استجوب عناصر الجيش اللبناني الرجال وأخذوا بصماتهم.[178]
وفقا لنوال، حوالي الساعة 2 صباحا، وضع الجيش اللبناني الأشخاص في حافلات، بمن فيهم هي وسمير وأفراد عائلتهما الخمسة:
أخذنا الجيش من المرفأ إلى نقطة التفتيش على الحدود حيث وضعونا في شاحنات عسكرية. كانت مرتفعة جدا وكنت بحاجة إلى المساعدة للصعود. حوالي الساعة الرابعة صباحا، نقلتنا الشاحنة من نقطة التفتيش إلى منطقة عازلة بين الحدود [السورية واللبنانية] حيث أنزلنا الجيش، وطلب منا الركض إلى الجانب الآخر.[179]
لم تكن نوال تعرف أي معبر حدودي كان - لكن بعد إجبارها على المشي عبر الجانب السوري من الحدود، قالت نوال إن الجيش السوري احتجزها وعائلتها لمدة تسعة أيام:
لم نكن نعرف إلى أين نذهب. ... لم يكن لدينا هواتفنا ولا أموالنا ولا طعام، ولم يكن لدينا حتى أحذيتنا. كنت أنا وابنتي حافيتين طوال الوقت... مشينا وصادفنا نقطة تفتيش للجيش السوري... سألني العناصر من أين أتينا وقلت إن الجيش اللبناني طردنا... تم استجوابنا لمدة تسعة أيام. كانت الوحدة 18 من الجيش السوري هي التي احتجزتنا.[180]
قالت نوال إنه أُطلق سراحهم في دمشق وأنها عبرت بعد ذلك بشكل غير قانوني إلى لبنان.
قال بلال، الذي وصل إلى قبرص في 10 أو 11 أغسطس/آب 2023 ووصف إعادته قسرا على متن سفينة يقودها عناصر قبارصة بعد احتجاز دام يوما في قبرص، إن السفينة سافرت مباشرة إلى مرفأ بيروت وأنزلت جميع الأشخاص.[181] رأى الصليب الأحمر اللبناني في المرفأ، ومنظمة إنسانية أخرى قدمت للناس مواد النظافة الشخصية. قال إن الجيش اللبناني وصل بعد فترة وجيزة:
جاء الجيش اللبناني وأخذنا إلى مركز الشرطة العسكرية في المرفأ... كنا نجلس في الساحة المفتوحة في المركز. أحضر الجيش ثلاث خيام وأجرى تحقيقات هناك. سألوا واحدا تلو الآخر من أين أتينا، وأين نقيم في لبنان، وكيف غادرنا، وكيف عرفنا عن المهربين ومن هم... كما أخذوا أوراق هويتي السورية ولم يعيدوها إليّ أبدا. استمرت العملية أكملها من الساعة 10 صباحا حتى الساعة 2-3 مساء.[182]
بعد ذلك، وصف بلال طرد الجيش اللبناني اللاجئين إلى سوريا عبر معبر المصنع الحدودي:
وضعونا في حافلة وأخذونا إلى نقطة المصنع الحدودية ونقلونا إلى فرقة الجيش هناك. ثم أرسلونا إلى المنطقة العازلة مع سوريا. كانت إحدى النساء في المجموعة تحمل هاتفا، لذا تمكنا من الاتصال بعائلاتنا. قبل أن يصل إلينا الجيش السوري، وصل إلينا المهربون أولا. سألونا إذا كان لدينا أموال للعودة إلى لبنان. ثم تم تهريب كل من معنا إلى لبنان في نفس الوقت. كان عليّ أن أدفع 500 دولار.[183]
قال حبيب (15 عاما)، الصبي غير المصحوب بذويه، إنه كان على متن سفينة العودة القبرصية لمدة سبع ساعات، ووصل إلى مرفأ بيروت حوالي الساعة 11 صباحا. قال إن الجيش اللبناني كان ينتظر في المرفأ:
عندما فُتح الباب... كان الجيش اللبناني ينتظر. رأيت حوالي 30 جنديا بزيهم الرسمي هناك. بدأوا بالسخرية منا وقالوا إنهم سيرسلوننا إلى ماهر الأسد الذي يتولى قيادة الفرقة الرابعة في الجيش السوري.[184]
قال حبيب إن الجيش اللبناني استجوب الناس "واحدا تلو الآخر" في مرفأ بيروت.[185] قال إن عناصر الجيش اللبناني سألوه "من هو المهرب وكيف قمت بهذه الرحلة؟".[186] شاهد أيضا عنصرا من الجيش اللبناني يضرب رجلا أثناء الاستجواب في المرفأ. قال حبيب: "سأل أحد الأشخاص الذين كانوا معنا عنصرا عما سيحدث لنا وإلى أين نحن ذاهبون، فضربه العنصر واقتاده بعيدا ولم نره مرة أخرى.[187] رأيت العنصر يضربه على ظهره، باللكمات والصفع".[188]
استمرت عملية الاستجواب حتى الساعة الرابعة عصرا، وبعدها طرد الجيش اللبناني المجموعة إلى سوريا، وأنزلهم في "المنطقة العازلة" عند معبر المصنع، وفقا لحبيب:
وضعونا في حافلة عسكرية وأخذونا إلى معبر المصنع... ثم نقلونا بشاحنة صغيرة إلى المنطقة العازلة. قال لنا الجيش إنه يمكنكم الذهاب إلى سوريا، ثم غادروا. ألقوا بنا جميعا هناك، وكان معنا طفل، وقالوا لنا الآن اذهبوا إلى الأسد.[189]
قال حبيب لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد المهربين في المنطقة العازلة عرض إعادة الأشخاص المطرودين إلى لبنان مقابل 100 دولار لكل منهم. قدم للمهرب رقم والده، ورتب والده الدفع عند تهريب حبيب إلى وادي البقاع في لبنان.[190]
قال وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو لـ هيومن رايتس ووتش إن "قبرص ولبنان جددا في عام 2020 اتفاقهما المتبادل بشأن إدارة حالات مواطني الدول الثالثة الذين يحاولون عبور البحر من لبنان ودخول قبرص بشكل غير قانوني... كانت هناك عدة حالات، حيث تم اعتراض المراكب وإعادتها إلى لبنان لمزيد من الإدارة، وفقا لاتفاقنا".[191] قال الوزير يوانو: "تم إبلاغ مؤسسات ووكالات الاتحاد الأوروبي بهذه الممارسة"، لكن المعلومات المتعلقة بـ "التطبيق العملي لهذه الاتفاقية غير متاحة لوزارة الداخلية حيث تم تنفيذها من قبل الشرطة".[192] أبلغت وزارة العدل والنظام العام التي تُشرف على قوة الشرطة القبرصية هيومن رايتس ووتش عبر البريد الإلكتروني في 19 يوليو/تموز 2024 أنها تتبنى رد الوزير يوانو، دون تقديم مزيد من المعلومات.[193]
في رسالة بتاريخ 22 أغسطس/آب 2024 إلى هيومن رايتس ووتش، قالت بياته غميندر، القائمة بأعمال المدير العام للمديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية في المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن دعم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في إدارة حدود الاتحاد الأوروبي، إن المفوضية "تدرك أن قبرص أبرمت مع لبنان اتفاقية إعادة القبول. يجب أن تُنفذ الدول الأعضاء عمليات إعادة المهاجرين غير النظاميين، بما فيه بموجب اتفاقيات ثنائية، مع الاحترام الكامل لقانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي".[194] أضافت أن تعاون الاتحاد الأوروبي مع قبرص "لا يمتد حاليا إلى مراقبة الحدود البحرية وأنشطة البحث والإنقاذ".[195] مع ذلك، "تدعم فرونتكس قبرص [بما فيه] عمليات الإعادة [و] الدعم التشغيلي [في] فحص المهاجرين وتسجيلهم وأخذ بصمات أصابعهم عند وصولهم [و] جمع المعلومات والاستخبارات ...".[196]
وفقا لبياته غميندر، تتابع المفوضية الأوروبية تقارير الحوادث الموضحة في هذا القسم، "بما فيها من خلال الاتصالات المنتظمة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي قدمت معلومات موسعة حول هذه القضية".[197] قالت أيضا إن "المفوضية تأخذ مزاعم المخالفات على محمل الجد"، لكن "من مسؤولية الدول الأعضاء التحقيق بشكل كامل ومستقل في أي مزاعم بانتهاكات للحقوق الأساسية، ومقاضاة أي مخالفات مثبتة... نتوقع من السلطات الوطنية التحقيق بسرعة في أي مزاعم متعلقة بالصد والعنف، بهدف إثبات الحقائق ومتابعة أي مخالفات بشكل صحيح، إذا تم تحديدها".[198]
كانت المفوضية الأوروبية أيضا "على علم بتقارير عن انتهاكات محتملة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من قبل الجهات الأمنية اللبنانية"، وفقا لرسالة بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024 إلى هيومن رايتس ووتش من فرانسيسكو خواكين غازتيلو ميزكيريز مدير وحدة الجوار الجنوبي وتركيا، المديرية العامة لمفاوضات الجوار والتوسع في المفوضية الأوروبية، والمسؤول عن العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي مع الدول المجاورة.[199] قال إن المفوضية "ذكّرت بانتظام نظراءها اللبنانيين بأهمية احترام... مبدأ عدم الإعادة القسرية وكذلك الإجراءات القانونية الواجبة والضمانات في الحالات التي تشمل اللاجئين".[200]
قال مكتب الأمن العام اللبناني إن لبنان يسعى إلى " تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية، خاصة دولة قبرص، من خلال تبادل المعلومات حول المهربين أو المراكب غير الشرعية"، وأن "كل عملية طرد أو إعادة للمهاجرين السوريين أو اللبنانيين أو من أية جنسيات أخرى من قبل السلطات القبرصية أو أي سلطات أخرى... والتي كان مكتب الأمن العام على علم بها [و] تم التنسيق معه بها، كانت تخضع لمعايير القانون الدولي الإنساني بإشراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ...".[201]
لم تعلّق المديرية العامة للأمن العام بخلاف ذلك على الحوادث المحددة المفصلة في الأقسام من الرابع إلى السادس من هذا التقرير، لكنها أخبرت هيومن رايتس ووتش أنها نسقت مؤخرا مع قبرص عملية إعادة ثلاثة زوارق من قبرص إلى لبنان بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2024 على متنها 224 شخصا.[202] قالت المديرية العامة للأمن العام إن من بين الأفراد الذين أعيدوا 219 من الجنسية السورية، بينهم 16 طفلا غير مصحوبين بذويهم و"65 شخصا أعيدوا إلى سوريا وذلك بالتنسيق مع الجيش اللبناني إنفاذا لقرار المجلس الأعلى للدفاع رقم 50/أ.ع/م.ج.د/س لدخولهم خلسة إلى لبنان بعد تاريخ 24/4/2019".[203]
حتى وقت نشر هذا التقرير، لم يرد الجيش اللبناني على رسائل هيومن رايتس ووتش التي دعته فيها إلى الرد على النتائج الواردة في القسمين الخامس والسادس من هذا التقرير.[204]
VII. المعايير القانونية الدولية
بناءً على الأدلة الموصوفة في الأقسام السابقة، انتهك لبنان وقبرص الالتزامات والمحظورات التالية بموجب القانون الدولي.
عدم الإعادة القسرية وحظر الطرد الجماعي
يشير مصطلح "عدم الإعادة القسرية" إلى الحظر القانوني على إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطرا حقيقيا بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة الخطيرة أو التهديد بالحياة.[205] عدم الإعادة القسرية مبدأ من مبادئ القانون الدولي العرفي، مما يعني أن الدول ملزمة به بغض النظر عن أي التزامات بمعاهدات إضافية.[206] كما أنه يستند إلى المادة 33 من "الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين" (اتفاقية اللاجئين)،[207] والمادة 3 من "الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" (اتفاقية مناهضة التعذيب)،[208] والمواد 6 و7 و9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،[209] والمادة 3 من "الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية" (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان).[210]
الحظر المفروض على إعادة شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطر التعرض للتعذيب يعتبر مطلقا، وهذا يعني أنه لا يجوز للدول استخدام الأمن القومي أو النظام العام على سبيل المثال كأسباب لعدم الامتثال له.
المادة 4 من البروتوكول الرابع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وقبرص دولة طرف فيها، تحظر تحديدا "الطرد الجماعي للأجانب".[211] قضت "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" بأن هذا الحظر ينطبق على "أي تدبير يجبر الأجانب، كمجموعة، على مغادرة بلد ما، إلا إذا تم اتخاذ مثل هذا التدبير على أساس فحص معقول وموضوعي للحالة الخاصة لكل فرد أجنبي من المجموعة".[212] يشمل هذا الطرد الفوري للأفراد الذين يسافرون بشكل غير قانوني بالمراكب والذين يتم اعتراضهم في البحر والذين وصلوا إلى البر.[213] قضت المحكمة أيضا بأن الطرد الجماعي للمهاجرين الذين يُمنعون من طلب اللجوء يُشكل انتهاكا لحقهم في الحماية من المعاملة اللاإنسانية أو المهينة بموجب المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.[214] إذا كان لزاما على الدولة أن تكون على علم بالحقائق المتعلقة بشخص ما والتي تشير إلى احتياجه إلى الحماية، فإن التزامها بعدم الإعادة القسرية يُفعَّل بغض النظر عما إذا كان الشخص طلب اللجوء صراحة أم لا.[215]
ينطبق حظر الإعادة القسرية على عمليات الطرد أو الإعادة التي تتم "بأي طريقة كانت"، وهذا يعني أنه يشمل التدابير المباشرة وغير المباشرة.[216] يشمل ذلك الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية، كما أكدت "لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب"، وهي الهيئة التي تفسر اتفاقية مناهضة التعذيب بشكل رسمي:
[لا ينبغي ترحيل الشخص المعرض للخطر إلى دولة أخرى قد يواجه منها الشخص الترحيل إلى دولة ثالثة حيث توجد أسباب قوية للاعتقاد بأن الشخص قد يكون في خطر التعرض للتعذيب.[217]
فيما يتعلق باللاجئين في البحر، حذرت اللجنة "التنفيذية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين" تحديدا من تدابير الاعتراض التي تؤدي إلى الإعادة القسرية المتسلسلة.[218] تؤكد المفوضية على أنه يتعين على الدول ألا تُنزل لاجئا في الولاية القضائية لدولة أخرى حيث لا يمكنها التأكد من أن هذه الدولة تحمي اللاجئ من الإعادة القسرية أو تُعامله وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.[219]
بالإضافة إلى ذلك، يحظر القانون الدولي عموما ترحيل أو طرد أي شخص بشكل فوري. تشترط المادة 32 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والمادتين 13 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن يكون أي طرد وفقا لقرار قانوني اتُخذ وفقا للإجراءات القانونية الواجبة حيث يجب اتاحة سبل الطعن في القرار للشخص المتضرر. قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أيضا بأن الطرد سيكون غير قانوني بموجب المادة 4 من البروتوكول الرابع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إذا تم إجراؤه دون تقييم معقول وموضوعي وفردي.[220] بالإضافة إلى ذلك، يجب السماح للأفراد الذين رُفض دخولهم أو طلبات لجوئهم بالبقاء في أراضي الدولة في انتظار قرار بشأن أي استئناف قد يقدمونه.[221]
بالإضافة إلى التزاماتها بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي، دعت مفوضية اللاجئين جميع الدول إلى تعليق الإعادة القسرية للسوريين، وهي دعوة تتجاوز عدم الإعادة القسرية للاجئين المؤهلين بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو الأشخاص الذين يواجهون خطرا فرديا بالتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة:
مع استمرار الصراع وانعدام الأمن والتلوث بالمتفجرات من مخلفات الحرب، والمخاوف الشديدة بشأن سيادة القانون وانتشار انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف ضد العائدين، وتفكك العلاقات المجتمعية، والافتقار إلى جهود المصالحة الحقيقية، والدمار الهائل والأضرار التي لحقت بالمنازل والبنية التحتية الحيوية والأراضي الزراعية، وتعمق الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا، تواصل المفوضية دعوة الدول إلى وقف الإعادة القسرية للمواطنين السوريين والمقيمين السابقين في سوريا، بم في ذلك الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون سابقا في سوريا، إلى أي جزء من سوريا، بغض النظر عما إذا كانت المنطقة تحت سيطرة الحكومة، أو تحت سيطرة دولة أخرى أو كيان غير حكومي. كما ترغب المفوضية في تذكير الدول بأن الوصول الحر وغير المقيد إلى العائدين محدود في ظل استمرار القيود المفروضة على الوصول المساعدات الإنسانية.[222]
طرْد لبنان للاجئين السوريين إلى سوريا، كما هو موضح أعلاه في الأقسام من الرابع إلى السادس، ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية والواجبات المقابلة التي يلتزم بها لبنان بموجب القانون الدولي العرفي، وبصفته طرفا في اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. في المجمل، أفاد 14 شخصا قابلناهم وكانوا أيضا لاجئين سوريين مسجلين لدى مفوضية اللاجئين بأن السلطات اللبنانية طردتهم إلى سوريا. كما ذُكر أعلاه، يواجه اللاجئون السوريون خطرا جسيما بالقتل والتعذيب والاحتجاز التعسفي والاختطاف من بين تهديدات خطيرة أخرى لحياتهم وأمنهم، إذا عادوا إلى سوريا. في الواقع، احتجز الجيش السوري اثنين من الذين قابلناهم وأفراد عائلاتهم بعد أن طردهم الجيش اللبناني. بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم السلطات اللبنانية لأي من الأشخاص الذين قابلناهم أساسا قانونيا صالحا لطردهم، أو أي فرصة للطعن في طردهم.
قبرص طرف في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، واتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. صد قبرص للاجئين السوريين وإعادتهم إلى لبنان، الموصوفة أعلاه في القسم السادس، تشكل انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، وترقى إلى الطرد الجماعي المحظور بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. جميع الأشخاص الخمسة الذين قابلناهم والذين طردتهم قبرص إلى لبنان هم لاجئون سوريون مسجلون لدى مفوضية اللاجئين. وصف الأشخاص الذين قابلناهم مناشدات واضحة للسلطات القبرصية لطلب اللجوء ومعرفة السلطات القبرصية بجنسيتهم السورية. مع ذلك، لم تستفسر السلطات القبرصية عما إذا كان الأفراد لاجئين معترف بهم، ولم تقدم لهم الوصول إلى إجراءات اللجوء. لم تقدم قبرص أي أساس قانوني لطرد الأشخاص الذين قابلناهم، سواء كان ذلك التقييم فرديا أو قابلا للطعن.
إنزال قبرص للاجئين السوريين في لبنان يتجاهل بشكل صارخ المخاطر الموثقة جيدا لسوء المعاملة والطرد اللاحق الذي يواجهه السوريون على أيدي السلطات اللبنانية. طرد الجيش اللبناني أربعة أشخاص قابلناهم، بعد أن أعادتهم قبرص قسرا إلى مرفأ بيروت. استنادا إلى أدلة قدمها هؤلاء الأشخاص والمعلومات المتاحة علنا، لم يكن لدى قبرص أي إجراء أو آلية لضمان قيام لبنان بحماية السوريين المطرودين من الإعادة القسرية المتسلسلة إلى سوريا.
المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
تحظر المادة 16(1) من اتفاقية مناهضة التعذيب "أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يرحض على ارتكابها أو عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها.[223] تحتوي المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على نفس الحظر الذي فسرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أنه يمتد إلى الأفعال التي تثير في ضحاياها مشاعر الخوف، أو تحط من قدرتهم على المقاومة البدنية أو المعنوية، أو تدفعهم بطريقة أخرى إلى التصرف ضد إرادتهم.[224] قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهي الهيئة التي تفسر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشكل رسمي، في التعليق العام رقم 20: "على الدول الأطراف عدم تعريض الأفراد لخطر التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عند عودتهم إلى بلد آخر عن طريق تسليمهم أو طردهم أو إعادتهم قسرا".[225]
وجدت هيئات حقوق الإنسان الدولية باستمرار أن الاستخدام المُفرط للقوة في سياق عمليات صد أو ترحيل أو طرد المهاجرين وطالبي اللجوء ينتهك الحظر المفروض على المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. يشمل هذا السلوك غير المسموح به العنف البدني والحرمان من الطعام والماء أثناء عمليات الصد أو بعد عمليات الاعتراض، كما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.[226] وصف المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين في تقريره لعام 2021 بشأن عمليات صد المهاجرين برا وبحرا "الضرب والصعق الكهربائي وعبور الأنهار قسرا" باعتبارها "معاملة يبدو أن القصد منها إخضاع المهاجرين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".[227]
في 2022، حددت "اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب" "أنماطا واضحة من سوء المعاملة الجسدية التي تمارس ضد الرعايا الأجانب في سياق عمليات الصد على حدود الدول الأعضاء في مجلس أوروبا" و"أشكال أخرى من المعاملة اللاإنسانية والمهينة". شملت "اللكمات والصفعات والضربات بالهراوات"، و"إجبار [الأفراد] على المشي حفاة"، و"الحرمان من الطعام والماء لفترات طويلة".[228]
تشير وثائق هيومن رايتس ووتش إلى أن لبنان وقبرص انتهكا الحظر المفروض على المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في معاملتهما للاجئين السوريين المحتجزين لديهما، بما فيه أثناء الاحتجاز والنقل. وصف الأشخاص الذين قابلناهم أن العناصر الأمنيين اللبنانيين ضربوهم وصفعوهم وأهانوهم لفظيا. عندما احتجزتهم السلطات اللبنانية، وصفوا احتجاز الرجال مع النساء والأطفال في أماكن مزدحمة، واضطرارهم إلى الوقوف لفترات طويلة أو النوم على الأرض، وحرمانهم من الطعام والماء لمدة تصل إلى 24 ساعة، ومصادرة الهواتف الخلوية الشخصية ووثائق الهوية بشكل متكرر. احتجز الجيش اللبناني أيضا اللاجئين السوريين الذين تم إنقاذهم طوال الليل وهم لا يزالون يرتدون ملابس مبللة وطردهم إلى سوريا وأجبرهم على السير حفاة طوال الرحلة.
وصف الأشخاص الذين احتجزتهم وطردتهم السلطات القبرصية أيضا كيف ضربهم العناصر القبارصة، بما فيه في إحدى الحالات باستخدام هراوة وصاعق كهربائي. احتجزت السلطات القبرصية الأفراد في أماكن مكشوفة حيث اضطروا إلى النوم على الأرض، وفي بعض الحالات لمدة تصل إلى ليلتين. كان الأفراد يُقيدون بشكل روتيني أثناء النقل بغض النظر عما إذا كانت القيود ضرورية أم لا. في إحدى الحالات حيث احتجز خفر السواحل القبرصي قاربا في البحر لمدة يوم واحد، لم يتم توفير الطعام للاجئين السوريين على متنه.
الاعتقال والاحتجاز التعسفيان
تحمي المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 5 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حقوق الفرد في الإجراءات القانونية الواجبة وعدم التعرض لاعتقال والاحتجاز التعسفيين. تنطبق هذه الحقوق على أي شخص، بغض النظر عن ظروف الدخول أو وضع الإقامة القانونية في بلد ما.
أوضحت لجنة حقوق الإنسان الأممية أن المادة 9 لا تحمي فقط من الاعتقال أو الاحتجاز "غير القانوني"، بل وأيضا من الاعتقالات غير المعقولة أو غير الضرورية أو غير المتناسبة.[229] تقول لجنة حقوق الإنسان إن احتجاز طالبي اللجوء الذين يدخلون بشكل غير قانوني إلى إقليم دولة يعد تعسفيا إذا تم ذلك لفترة أطول من فترة وجيزة لتوثيق دخولهم وتسجيل مطالباتهم وتحديد هويتهم ما لم تكن هناك أسباب خاصة تستدعي استمرار احتجاز شخص بعينه، ، "مثل احتمال فرار ذلك الشخص، أو أن يشكل خطرا على الآخرين بارتكاب جرائم ضد الآخرين، أو خطر ارتكاب أفعال تهدد الأمن الوطني".[230] أيضا، يتطلب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من الدول إبلاغ الشخص بأسباب الاعتقال أو الاحتجاز، وتوفير الوصول الفوري إلى (1) الإجراءات القضائية للطعن في شرعية الاعتقال أو الاحتجاز، (2) المحامين، و(3) أفراد العائلة.[231]
تنص المادة 31 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 على أنه يتعين الدول "أن تمتنع عن فرض عقوبات" على اللاجئين "بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني" شريطة أن "يقدموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني". حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب من أن "انتهاكات قوانين الهجرة هي في الأساس إدارية بطبيعتها ولا تشكل جرائم... قد تبرر ... الحرمان من الحرية".[232] كما ذكرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أن احتجاز طالبي اللجوء "يجب أن يكون دائما تدبيرا استثنائيا قائما على تقييم فردي وخاضعا لاستعراض منتظم".[233] بالمثل، أكدت "مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي" أن احتجاز المهاجرين يجب أن يكون "مبررا لغرض مشروع، مثل توثيق الدخول وتسجيل المطالبات أو التحقق الأولي من الهوية في حالة الشك".[234]
تؤكد السلطات اللبنانية أن الأساس القانوني لاحتجاز أولئك الذين يحاولون المغادرة بشكل غير نظامي من لبنان هو قانون تنظيم الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه لعام 1962 ينظم الدخول والإقامة والخروج من لبنان.[235] تنص المادة 16 من هذا القانون بالتحديد على أنه لا يجوز مغادرة الأراضي اللبنانية إلا عن طريق مراكز الأمن العام، وتنص المادة 33 على عقوبة بالحبس تصل إلى ثلاثة أشهر لمن يخالفون المادة 16.. في مذكرة قدمها إلى الأمم المتحدة بشأن حماية المهاجرين، أوضح لبنان أنه على عكس المعايير الدولية المذكورة أعلاه، تخضع الهجرة في البلاد للقانون الجنائي وليس الإداري، وأن "اعتقال المهاجرين غير الشرعيين واحتجازهم يهدف عموما إلى معاقبتهم لأنهم ارتكبوا عملا إجراميا ...".[236]
في تعليقها على امتثال لبنان لالتزاماته تجاه طالبي اللجوء واللاجئين، أكدت مفوضية اللاجئين على أنه "فيما يتعلق بالدخول أو الإقامة غير القانونية، ينبغي تجنب احتجاز طالبي اللجوء واللاجئين وأن يكون ذلك بمثابة إجراء أخير". دعت المفوضية لبنان تحديدا إلى تعديل قانون عام 1962 "بهدف إلغاء تجريم الدخول أو التواجد غير القانوني لطالبي اللجوء" و"إنشاء إطار قانوني واضح وشامل لضمان عدم احتجاز طالبي اللجوء واللاجئين بشكل تعسفي".[237]
توضح الشهادات الواردة في القسمين الثالث والسادس أن لبنان وقبرص قاما باعتقال واحتجاز لاجئين سوريين بشكل عشوائي لوقف تحركاتهم غير النظامية وتسهيل طردهم فورا. جميع الأشخاص الذين قابلناهم الذين اعتقلوا في لبنان تم توقيفهم (وطردوا فورا بمعظمهم بعد الاحتجاز) عندما حاولوا المغادرة بشكل غير نظامي، وفي قبرص، طُرد الأشخاص المحتجزين الذين قابلناهم بشكل جماعي دائما.
تسهيل الطرد الفوري ليس غرضا مشروعا يبرر استخدام الحرمان من الحرية والاحتجاز. استخدامه لهذه لهذا الغرض، كما حدث في قبرص ولبنان، يعتبر بالتالي تعسفيا سواء كان هناك أساس قانوني رسمي في القانون المحلي أم لا. أيضا، بما أن معظم اللاجئين السوريين في لبنان ليس لديهم أي خيار عملي للسفر بشكل قانوني، فإن الاستخدام الشامل للاحتجاز كعقاب بحكم الأمر الواقع على تحركاتهم غير النظامية غير معقول وغير متناسب.
عدم وجود ضمانات إجرائية في وقت احتجاز الأشخاص الذين قابلناهم يشير إلى الطبيعة التعسفية للعمليات الاحتجاز. مثلا، لم تُبلغ السلطات اللبنانية أو القبرصية أي شخص منهم بالكامل بالأساس القانوني لاعتقاله واحتجازه، ولم تحتجز السلطات اللبنانية أو القبرصية من قابلناهم بسبب ضرورات حقيقية متعلقة بالمعاملات الإدارية، حيث ليس لدى أي من الدولتين أي عملية لتحديد وضع اللاجئ أو احتياجات الحماية أو لتسجيل طلبات الأشخاص الذين قابلناهم للحصول على اللجوء بشكل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم أي من السلطتين للأشخاص الذين قابلناهم سبلا للطعن في حرمانهم من حريتهم أو فرص الاتصال بعائلاتهم أو بمحامين.
بعد زيارات إلى مراكز الاحتجاز القبرصية في مايو/أيار 2023، انتقدت لجنة مناهضة التعذيب استخدام قبرص لاحتجاز المهاجرين ضد الواصلين غير النظاميين، قائلة: "إن إخضاع الرعايا الأجانب لظروف معيشية وأنظمة مروعة في مراكز الاستقبال ومراكز الشرطة... التي وجدتها لجنة مناهضة التعذيب أثناء زيارة لجنة مناهضة التعذيب يتعارض مع القيم الأوروبية والقانون الدولي لحقوق الإنسان".[238]
الحق في المغادرة
تنص المادة 12(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تتضمنها المادة 2(2) من البروتوكول الرابع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، على أن "لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده".[239] ينطبق الحق في المغادرة على أي شخص في أي إقليم، بغض النظر عن جنسيته أو وضعه القانوني، كما تؤكد لجنة حقوق الإنسان الأممية: " نطاق الفقرة 2 من المادة 12 ليس مقصورا على الأشخاص الموجودين بصفة قانونية داخل إقليم الدولة".[240]
رغم أن الحق في المغادرة ليس مطلقا، فإن لغة المادة 12(2) قائمة في حد ذاتها بما أنها لا تُلزم الشخص بإثبات حقه في دخول دولة مستقبلة معينة، حتى يتمكن من ممارسة حقه في المغادرة. ذكرت لجنة حقوق الإنسان أيضا أن "لا يجوز اشتراط أن تكون حرية الشخص في مغادرة أي إقليم في دولة ما لأي غرض محدد".[241]
تلزم المادة 12(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الدول بإصدار وثائق السفر. اعترفت لجنة حقوق الإنسان الأممية بأنه "نظرا لأن السفر الدولي يتطلب عادة وثائق مناسبة، وجواز سفر بالتحديد، فإن الحق في مغادرة بلد ما يجب أن يشمل الحق في الحصول على وثائق السفر اللازمة".[242] في حين أن "إصدار جوازات السفر هو عادة من واجب دولة جنسية الفرد"، [243] فقد تظل دول العبور أو الإقامة المؤقتة ملزمة بإصدار أشكال أخرى من الوثائق للسماح بالسفر اللاحق لغير المواطنين. افترض خبراء قانونيون دوليون أن دول العبور ملزمة بإصدار وثائق سفر لطالبي اللجوء واللاجئين، باعتبار أن الحق في المغادرة ينطبق على "الجميع".[244]
بالتالي، للاجئين السوريين في لبنان الحق في المغادرة ولا يمكن تجريدهم منه على أساس وضعهم كلاجئين، بغض النظر عما إذا حصلوا على وضع قانوني منظم في لبنان أم لا، أو عدم رغبة سوريا أو لبنان في تزويدهم بوثائق السفر.
لا يسمح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية باتخاذ تدابير تحد من الحق في المغادرة ما لم تكن (1) منصوص عليها في قوانين تستخدم معايير دقيقة،[245] (2) ضرورية ومتناسبة لحماية هدف مشروع يعرفه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 12(3) بأنه "الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق وحريات الآخرين"،[246] و(3) متسقة مع حقوق أخرى في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.[247] أكدت لجنة حقوق الإنسان االأممية أن القيود يجب أن تكون "الأقل تدخلا" بين جميع الخيارات ويجب ألا "تضعف جوهر الحق" بحيث تصبح حرية المغادرة استثناء وليس قاعدة.[248]
في سياق ضوابط الهجرة، ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب أن:
عمليات "الصد" مصممة لمنع المهاجرين فعليا من مغادرة أراضي دولتهم الأصلية أو دولة العبور... أو إعادتهم قسرا إلى تلك الأراضي قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى ولاية دولة المقصد... بطبيعتها، تمنع عمليات الصد المهاجرين من ممارسة حقوقهم في مغادرة أي بلد أو إقليم، وعدم احتجازهم تعسفيا، والسعي إلى اللجوء والتمتع به، وتحديد حقوقهم وواجباتهم الفردية في إجراءات قانونية عادلة.[249]
بالتالي، أي تدابير لمراقبة الحدود يفرضها لبنان بهدف تقييد أو تنظيم حق السوريين في المغادرة يجب أن تلبي المتطلبات الثلاثة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المذكورة أعلاه.
احتجاز لبنان للأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في مواقع مغادرة المراكب أو في طريقهم إليها يشكل عنصرا لا يتجزأ من تدابير الصد التي تتدخل في حق اللاجئين السوريين في المغادرة.
كما هو موضح أعلاه، تؤكد السلطات اللبنانية أن الأساس القانوني لعمليات الإعادة والاحتجاز الموجزة هو قانون سنة 1962. مع ذلك، لم يتم إخبار أي من الأشخاص الذين قابلناهم بالقوانين التي احتُجزوا بموجبها، ولم يتم تقديمهم أمام أي إجراء قضائي.
من غير الواضح إذا كان قانون سنة 1962 يفي بالمعايير اللازمة ليكون أساسا قانونيا كافيا بموجب القانون الدولي لتبرير ممارسة سلطات الاحتجاز. مع ذلك، حتى لو افترضنا أنه كذلك، احتجاز اللاجئين السوريين على هذا الأساس، بما فيه سبب احتجازهم ومعاملتهم السيئة أثناء الاحتجاز، يجب أن يجعل هذا الاحتجاز غير ضروري وغير متناسب مع تصرفات اللاجئين في سعيهم إلى ممارسة حقهم في المغادرة.
منع المغادرة غير النظامية ربما يكون له أهداف مشروعة، مثل مكافحة تهريب المهاجرين، أو منع الرحلات البحرية الخطرة، لكن الوسائل لتحقيق هذه الأهداف يجب أن تكون متناسبة. الطريقة التي تتم بها عمليات الإعادة، والتي غالبا تكون مصحوبة بمعاملة تعسفية محظورة، تؤدي إلى انتهاكات لحقوق تتجاوز الحق في المغادرة، وتجعل عمليات الإعادة غير متناسبة. كما أن مصادرة لبنان لجوازات سفر و/أو وثائق الهوية الأشخاص الذين قابلناهم أثناء عمليات الإعادة أو بعدها تشكل انتهاكا آخر للحق في المغادرة، إلى الحد الذي تفتقر فيه عمليات المصادرة إلى أساس قانوني واضح.
أخيرا، بالنسبة للاجئين السوريين، الممارسة الفعلية لحق المغادرة هي شرط أساسي لممارسة حق أساسي آخر: الحق في طلب اللجوء. كما ذكرنا سابقا، فرض لبنان شروطا قسرية على السوريين دفعتهم إلى اتخاذ قرار المغادرة، وتجعلهم هذه الشروط ذاتها أيضا بلا وضع قانوني للسفر عبر القنوات النظامية. أيضا، لا علم لـ هيومن رايتس ووتش بأي سياسة تنتهجها الحكومة اللبنانية لإصدار وثائق سفر للاجئين السوريين، الذين لا يستطيع الكثير منهم التوجه إلى النظام السوري للحصول على جواز سفر جديد. في هذه الظروف التي لا يترك فيها لبنان للاجئين السوريين خيارا للسفر بشكل قانوني، عمليات إرجاع الأشخاص الذين قابلناهم تشكل في الواقع حظرا كاملا على خروجهم.
أشارت لجنة حقوق الإنسان إلى أن "حرية التنقل شرط لا غنى عنه لتحقيق النماء الحر لأي شخص".[250] لذلك، ينبغي احترام حرية اللاجئين السوريين في البحث عن حياة أفضل أو اللجوء في مكان آخر، خاصة وأنهم ما زالوا يعيشون في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية مزرية في لبنان، الذي رفض منذ فترة طويلة الاعتراف بنفسه كدولة مضيفة للسكان السوريين.
حقوق الطفل
لم تعامل السلطات القبرصية حبيب، وهو طالب لجوء طفل غير مصحوب، وفقا للمعايير الدولية فيما يتعلق بالمصلحة الفضلى للأطفال والمعاملة المناسبة لعمر طالبي اللجوء الأطفال.
بموجب المادة 3(1) من اتفاقية حقوق الطفل، [251] وقبرص طرف فيها، الدول ملزمة بمعاملة المصلحة الفضلى للطفل باعتبارها أساسية "في جميع الإجراءات التي تخض الأطفال".[252] هذا الالتزام هو مبدأ قانوني تفسيري وقاعدة إجرائية، تنطبق على "كل إجراء تتخذه مؤسسة عامة".[253]
تدعو المبادئ التوجيهية لمفوضية اللاجئين إلى أن يتمتع الأطفال غير المصحوبين الذين يسعون إلى اللجوء بإجراءات محددة ومناسبة لأعمارهم لحماية مصالحهم واحتياجاتهم الفضلى.[254] ينبغي أن تضمن هذه الإجراءات عدم احتجاز الأطفال غير المصحوبين، وأن يُعاملوا من قبل مسؤولين مدربين تدريبا خاصا، وأن تقيَّم احتياجاتهم الجسدية أو النفسية الاجتماعية، ويمنحون الرعاية المناسبة حسب الحاجة.
تنص اتفاقية حقوق الطفل على حقوق أخرى لم تحترمها السلطات القبرصية واللبنانية، بما فيها حق الأطفال في الحماية من جميع أشكال العنف،[255] والحماية المحددة التي ينبغي توفيرها للأطفال الذين يطلبون اللجوء،[256] وحظر الإعادة إلى مكان يتعرض فيه الطفل لضرر لا يمكن جبره.[257]
VIII. التمويل والدعم الأوروبي لمراقبة الهجرة
في 2 مايو/أيار 2024، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن تقديم مليار يورو كمساعدات مالية للبنان حتى عام 2026، تضمنت أموالا "للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى... بالمعدات والتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب"، وفقا لبيان صحفي صادر عن المفوضية.[258]
قالت فون دير لاين: "نحن ملتزمون بإبقاء المسارات القانونية مفتوحة إلى أوروبا وإعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي". ثم قالت إن أوروبا "تعوّل عى حُسن تعاون [لبنان] د لمنع الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المهاجرين".[259] بعد أسبوع، أعلن جهاز الأمن العام اللبناني عن تدابير جديدة لتقييد قدرة السوريين على الحصول على وضع قانوني،[260] وبحسب تقارير كثّف المداهمات والاعتقالات والطرد.[261]
التمويل الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للجهات الأمنية اللبنانية في مجال مراقبة الهجرة ليس جديدا. منذ سنين، يمول الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية قدرات لبنان على إدارة الحدود رغم التقارير المتكررة عن عمليات الطرد الفوري والانتهاكات ضد اللاجئين السوريين التي يقوم بها لبنان. عادة، يُقدَّم التمويل الأوروبي إلى لبنان في شكل مشاريع بناء قدرات تهدف إلى تعزيز قدرات لبنان في مجال إدارة الحدود ومراقبتها.
كما هو موضح أدناه، تنص المشاريع التي راجعتها هيومن رايتس ووتش بمعظمها تقريبا على أنها تتبع "نهجا قائما على حقوق الإنسان"، وتتضمن مكونات تدريب على حقوق الإنسان تهدف تحديدا إلى تحسين امتثال أجهزة الأمن اللبنانية لحقوق الإنسان في ممارساتها لإدارة الحدود. مع ذلك، ورغم هذه الادعاءات المبادئية، لا يحتوي أي من المشاريع على آليات مباشرة لمراقبة ما إذا كانت هذه الأجهزة امتثلت بالفعل لمعايير حقوق الإنسان في عملياتها الحدودية، ولا تتضمن المشاريع أحكاما لتعليق التمويل إذا لم تفعل ذلك. يفتقر نموذج التمويل هذا إلى أطر حماية فعالة لضمان عدم مساهمة الدعم الأوروبي في تمكين حدوث انتهاكات حقوق الإنسان.
غياب ضمانات حقوق الإنسان يعتبر إشكاليا على نحو خاص بما أن العديد من المشاريع تهدف صراحة إلى منع الهجرة غير النظامية دون إعطاء الأهمية المناسبة لاحتياجات الأشخاص على صعيد الحماية. رغم تشدّق المانحين الأوروبيين بشأن التزاماتهم في مجال حقوق الإنسان، استمر التمويل الأوروبي للأجهزة الأمنية اللبنانية لإدارة الحدود بينما انخرطت نفس الأجهزة في عمليات إرجاع تعسفية وطرد فوري للاجئين السوريين.
سياسات الاتحاد الأوروبي لتمويل الهجرة المتعلقة بلبنان
قدّم الاتحاد الأوروبي أيضا تمويلا كبيرا للمساعدات الإنسانية إلى لبنان، لكن مراقبة الهجرة لطالما كانت أولوية في اتفاقيات التعاون بين الاتحاد الأوروبي ولبنان. تهدف اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي ولبنان في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى "تعزيز قدرة السلطات اللبنانية المعنية على إدارة الحدود ومنع الهجرة غير النظامية" كأولوية.[262] تظهر نفس الأولوية في تمويل برنامج الاتحاد الأوروبي الإرشادي متعدد السنوات للبنان للفترة من 2021إلى2027، والذي ينص على أن "المساعدة الإضافية ضرورية لدعم جهود لبنان لمعالجة الهجرة غير النظامية، أي الإدارة المتكاملة للحدود، وتعزيز الحوكمة البحرية والأمن والسلامة البحرية ".[263]
منذ 2020، كان هناك على الأقل أربعة مشاريع جارية متعددة السنوات تهدف إلى بناء قدرة لبنان على إدارة الحدود. مولت المفوضية الأوروبية اثنين من هذه المشاريع بتكلفة 13.5 مليون يورو.[264] قدمت هولندا 2.5 مليون يورو للمشروع الثالث، بينما موّلت سويسرا، وهي دولة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، المشروع الرابع بمبلغ 700 ألف يورو.[265] يتولى المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرةـ وهي منظمة حكومية دولية منفصلة عن الاتحاد الأوروبي، تنفيذ ثلاثة من هذه المشاريع،[266] وتتولى فرونتكس تنفيذ أحد هذه المشاريع.[267]
بالإضافة إلى المشاريع الجارية المذكورة أعلاه، خصصت المفوضية الأوروبية 32 مليون يورو إضافية لتمويل مشاريع بناء القدرات في مجال إدارة الحدود القادمة في لبنان، والتي سيتم تنفيذها في 2024 و2025. يشمل ذلك 7 ملايين يورو خصصتها المفوضية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023،[268] و25 مليون يورو خصصتها في أغسطس/آب 2024،[269] بعد إعلان الرئيسة فون دير لاين في مايو/أيار 2024 عن حزمة دعم بقيمة مليار يورو للبنان.
المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة
يضم المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة 21 دولة، 16 منها أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وله تفويض لتطوير وتنفيذ "استراتيجيات طويلة الأجل للتعامل مع ظاهرة الهجرة".[270] تم تأسيسه في البداية كمركز أبحاث، وانخرط بشكل متزايد في الأنشطة التشغيلية المتعلقة بإدارة الهجرة. في 2023، بلغ إجمالي إيرادات المركز أكثر من 78.9 مليون يورو، ساهمت المفوضية الأوروبية بمعظمها.[271] يخدم المركز بشكل أساسي الدول الأعضاء في الاتحاد وجهاته المانحة، لكنه ليس وكالة تابعة للاتحاد، وبالتالي فهو غير ملزم بشكل مباشر بصكوك حقوق الإنسان أو أطر الشفافية الخاصة بالاتحاد الأوروبي. عملية "الإدارة غير المباشرة" التي يستعين بها الاتحاد الأوروبي لتنفيذ المشاريع من قبل كيانات خارجية مثل المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة تُعتم على امتثال الاتحاد الأوروبي لمعايير حقوق الإنسان.
المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة هو المطور المشارك لـ "النموذج مراقبة الدخول رباعي المستويات" لإدارة الحدود المتكاملة للمفوضية الأوروبية بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية، من بين أهداف أخرى.[272] يستلزم المستويان الأول والثاني تنفيذ الاتحاد الأوروبي "التدابير المتخذة في البلدان الثالثة" و"[الاتفاقيات] مع البلدان الثالثة المجاورة بشأن التعاون في مجال إدارة الحدود".[273] هذه هي السمات الإشكالية لـ تكليف جهات خارجية" لإدارة الحدود، أي منع الوافدين غير النظاميين من خلال الاستعانة ببلدان ثالثة لمراقبة الهجرة ، والتي وجدت هيومن رايتس ووتش باستمرار أنها تؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.[274] ينفذ المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة مشاريع إدارة الحدود في بلدان مثل تونس وتركيا ذات السجلات الموثقة جيدا لانتهاك حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء.[275]
ينفذ المركز ثلاثة مشاريع جارية للإدارة المتكاملة للحدود في لبنان. بدأ " مشروع تعزيز قدرات الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان الممول من الإتحاد الأوروبي" في 2012 وهو حاليا في مرحلته الثالثة بميزانية ممولة من المفوضية الأوروبية تبلغ 7 ملايين يورو تغطي الفترة من 2020 إلى 2023.[276] وفقا لرسالة بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024 من المفوضية الأوروبية إلى هيومن رايتس ووتش، سينفذ المركز أيضا المرحلة الرابعة المخطط لها من المشروع بميزانية إضافية تبلغ 7 ملايين يورو.[277] تتضمن أهداف المرحلة الثالثة تعزيز "حوكمة الحدود" في لبنان من خلال مساعدة لبنان على وضع "إجراءات حدودية من أجل تحسين الوقاية والكشف عن الهجرة غير النظامية".[278]
في 3 فبراير/شباط 2024، قدمت هيومن رايتس ووتش طلبا إلى المفوضية الأوروبية بموجب تشريعات الشفافية في الاتحاد الأوروبي، طالبة الوصول إلى وثائق تتعلق بمشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان الممول من الاتحاد الأوروبي. بناء على طلب المفوضية، وافقت هيومن رايتس ووتش مرتين على تقليص نطاق الطلب وعرضت أولا الحصول على قائمة بالوثائق ذات الصلة التي يمكن لـ هيومن رايتس ووتش من خلالها تضييق نطاق الوثائق المختارة التي تود الحصول عليها.[279] في وقت النشر، تجاوزت المفوضية الحد الزمني القانوني للامتثال لطلب الاطلاع على الوثائق بثلاثة أشهر،[280] ولم تقدم حتى وثيقة واحدة تتعلق بمشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان الممول من الاتحاد الأوروبي.
نشر "المركز اللبناني لحقوق الإنسان"، وهو منظمة غير حكومية لبنانية محلية، تقريرا في يوليو/تموز 2023 عن التمويل والدعم الأوروبيين لقدرات لبنان على مراقبة الحدود.[281] حصل المركز اللبناني لحقوق الإنسان على مجموعة من الوثائق المتعلقة بمشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان الممول من الاتحاد الأوروبي ونشرها. راجعت هيومن رايتس ووتش الوثائق لتحديد النطاق الدقيق للمساعدة المقدمة إلى الجهات الأمنية اللبنانية في إطار المشروع.
بشكل خاص، حددت خطة عمل لعام 2022 نية المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة مساعدة الجيش اللبناني في "التفاوض وصياغة اتفاقيات/معاهدات التعاون الدولي في مجال مراقبة الحدود (مثلا، فرونتكس)،[282] وفي مساعدة الأمن العام في إبرام "اتفاقيات دولية في مجال عمليات تفتيش الحدود، ومنع الهجرة غير النظامية وإعادة قبول المهاجرين غير النظاميين".[283] كما تضمنت خطة العمل مساعدة المركز الجيش اللبناني على تبني "نموذج موحد لمراقبة الحدود"،[284] وإنشاء "وحدة تحليل المخاطر والتهديدات المتعلقة بإدارة الحدود" لقوى الأمن الداخلي.[285]
كانت خطة العمل تهدف إلى جعل لبنان يتبنى "مرسوما بشأن مراقبة الحدود البرية اللبنانية السورية".[286] دعت الخطة إلى زيادة عدد أفراد الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي المشاركين في مراقبة الحدود، وحددت "انخفاض عدد المعابر غير الشرعية" كمؤشر على الإنجاز.[287] دعت الخطة أيضا إلى "إنشاء وحدة كلاب داخل الجيش اللبناني" بهدف تحقيق "زيادة معدل إيقاف المهاجرين غير الشرعيين".[288]
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن خطة العمل دعت لبنان إلى إبرام اتفاقية تعاون جمركي ثنائية جديدة مع سوريا، وأن تدخل قوى الأمن الداخلي في "اتفاقية دولية ثنائية بشأن التعاون في مجال الشرطة مع قوات الشرطة السورية"، بحلول ديسمبر/كانون الأول 2023.[289] بل إنها خططت حتى للبنان لإجراء "دوريات حدودية مشتركة على الحدود اللبنانية السورية" بعد "نهاية النزاع في سوريا".[290] تشير وثائق مشروع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة إلى "نهج قائم على الحقوق" للمشروع، إلا أنها غامضة بشأن ما يعنيه هذ الأمر.[291]
في رسالتها إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024، قالت المفوضية الأوروبية إن "النهج القائم على حقوق الإنسان" في مشروع الاتحاد الأوروبي في لبنان يتضمن "مواءمة لبنان وكياناته ذات الصلة مع المعايير الدولية من خلال إنشاء الإطار التشريعي والمؤسسي اللازم وإجراءات التشغيل القياسية وبناء القدرات (من خلال التوعية والتدريبات وتطوير أفضل الممارسات)".[292]
هناك مشروع آخر للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة بعنوان "ترسيخ مكانة لبنان كرائد لشراكات إدارة الحدود الإقليمية"، ممول من هولندا، وهو حاليا في المرحلة الخامسة، بميزانية 2.5 مليون يورو ومدة مشروع 36 شهرا من مارس/آذار 2022 إلى فبراير/شباط 2025.[293] وفقا لوثيقة مشروع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، تم تنفيذ المراحل من الأولى إلى الرابعة من المشروع منذ 2015، والتي شملت أكثر من 300 ألف يورو من البنية التحتية والمعدات المقدمة لوكالات الحدود اللبنانية، ودعم آخر في شكل تدريب وورش عمل ومؤتمرات في مجال الخبرة في حوكمة الحدود.[294] الهدف العام للمرحلة الخامسة هو تسهيل الدور القيادي للجيش اللبناني في تعزيز "قدرات إدارة الحدود الإقليمية".[295] مرة أخرى، تنص وثيقة المشروع على أن "العمل سيعزز النهج القائم على الحقوق في جميع أنشطته"، لكنه لا يشرح ما يعنيه ذلك وكيف سيتم ضمانه.[296]
من المثير للقلق، وفقا لتقرير التقدم السنوي لعام 2023 الصادر عن المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة واللاجئين للمشروع الممول من هولندا،[297] كان من بين المحاور الأساسية في المشروع تسهيل التبادل الإقليمي القوي في ممارسات الحدود بين لبنان وتونس - وهي دولة أخرى وجدت هيومن رايتس ووتش أن قواتها الأمنية ارتكبت انتهاكات خطيرة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء، بما فيه عمليات الإعادة القسرية والطرد الجماعي، في حين تتلقى تمويلا كبيرا من الاتحاد الأوروبي.[298] سهّل المركز ثلاث زيارات دراسية على الأقل في 2023 بين سلطات الحدود اللبنانية والتونسية، تبادلت خلالها الوفود الخبرات في إدارة الحدود، بما فيه "اتجاهات الهجرة غير النظامية، والتحديات التي تواجهها على البر والبحر والنهج المتبعة في التعامل مع هذه الظاهرة".[299]
كما قدم المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة دورات تدريبية في مجال حقوق الإنسان لأفراد الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وقوى الأمن العام في إطار المشروع الممول من هولندا.[300] مع ذلك، وبصرف النظر عن الإشارة إلى عدد الحاضرين في تقرير التقدم، لم يتضمن التقرير ولا وثيقة تخطيط المشروع أي أساس لقياس إذا كان التدريب تُرجم إلى امتثال حقيقي لحقوق الإنسان في إجراءات الحدود اللبنانية. يثير هذا الإغفال القلق بشكل خاص حيث استمرت عديد من الانتهاكات التي ارتكبتها الجهات الأمنية اللبنانية ضد اللاجئين السوريين وطالبي اللجوء بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2023، بعد أن قدم المركز التدريب المذكور أعلاه في مايو/أيار 2023.
يكشف مشروع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان الممول من الاتحاد الأوروبي والمشروع الممول من هولندا عن اتجاهات مثيرة للقلق بشأن تكليف دول ثالثة بمراقبة الحدود. يركز المشروع الأول بشدة على وقف الهجرة غير النظامية دون الاعتراف باحتياجات الحماية، مما يخاطر بتشجيع عمليات الإرجاع والطرد غير القانونية. أهداف المشروع الثاني المتمثلة في دعم لبنان كمزود إقليمي للخبرة في إدارة الحدود وتعزيز العلاقات الوثيقة مع تونس تخاطر بترسيخ استعانة الاتحاد الأوروبي بجهات خارجية لإدارة الحدود في الجنوب العالمي بهدف منع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من الوصول إلى أوروبا دون توفير بدائل حماية فعالة.
هناك مشروع ثالث للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة بعنوان "دعم لبنان في تعزيز المقاربة القائمة على حقوق الإنسان في مجال إدارة الحدود والهجرة "، ممول من سويسرا بميزانية قدرها 700 ألف يورو لمدة 18 شهرا من أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى مارس/آذار 2023.[301] سويسرا، وهي دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي، من الأعضاء المؤسسين للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة. هذا المشروع حاليا في مرحلته الثالثة، حيث مولت سويسرا أول مرحلتين أيضا وتم تنفيذهما من 2016 إلى2021.[302] وفقا للتقرير النهائي للمشروع، حقق المشروع "زيادة في القدرات والخبرات في مجال حقوق الإنسان وقانون الهجرة الدولي والقانون الدولي الإنساني والاعتبارات المتعلقة بالحماية"، إلى حد كبير من خلال الدورات التدريبية المقدمة للموظفين في وكالات الحدود اللبنانية.[303] تسلط وثيقة صادرة عن المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة الضوء على أن أول مرحلتين من المشروع عملتا على تحسين "قدرات جهاز الأمن العام على معالجة مواطن الضعف التي يواجهها المهاجرين عند معبر المصنع من خلال بناء مأوى آمن مجهز بالكامل للمهاجرين غير النظاميين/المهرَّبين الذين يتم اعتراضهم".[304]
لا يبدو أن المشروع الممول من سويسرا يتضمن آلية مراقبة لتقييم إذا كان المستفيدون اللبنانيون امتثلوا بالفعل لمعايير حقوق الإنسان في عملياتهم، وهو إغفال غريب بشكل خاص لمشروع يهدف صراحة إلى تحسين الامتثال لحقوق الإنسان.[305] تحتوي وثائق المشروع على أقسام تبيّن بالتفصيل تحليل المخاطر أو إدارة المخاطر، لكنها لا تذكر الانتهاك المحتملة أو المبلغ عنها لحقوق الإنسان من جانب أجهزة الأمن اللبنانية.[306]
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024، أكدت أمانة الدولة السويسرية لشؤون الهجرة أن اتفاقيات المنح مع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة لم تلزمه بالإبلاغ عن المخاطر أو الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان التي ترتكبها الجهات الأمنية اللبنانية المستفيدة من المشروع، كما لم يكن لدى أمانة الدولة السويسرية لشؤون الهجرة آليات محددة لتعليق تنفيذ المشروع إذا تورطت الجهات المستفيدة اللبنانية في انتهاكات لحقوق الإنسان. مع ذلك، ذكرت الأمانة أن المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة "ملزم تعاقديا" بإبلاغ الأمانة بالظروف التي قد تعرض هدف المشروع أو تنفيذه للخطر، وإذا كانت موجودة، فيمكن للأمانة إنهاء اتفاقية المنحة بموجب شروطها.[307] فيما يتعلق بالانتهاكات الموثقة في هذا التقرير، قالت الأمانة إنها تلقت وقيمت التقارير ذات الصلة، وواصلت "دعوة السلطات اللبنانية إلى احترام مبادئ عدم الإعادة القسرية، ... والقانون الدولي، [و] الضمانات الإجرائية والإجراءات القانونية الواجبة".[308]
التناقض المتأصل وغير المقبول واضح: بينما استمر المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة في تلقي تمويل كبير للمشروع والإشادة بـ "التقدم الكبير" الذي أحرزته الأجهزة الأمنية اللبنانية في الامتثال لحقوق الإنسان، استمرت نفس الأجهزة في ارتكاب انتهاكات ضد اللاجئين السوريين. استُخدم معبر المصنع، الذي أشاد به المركز لأنه يوفر "مأوى آمنا مجهزا بالكامل"، لتسهيل إعادة اللاجئين الذين أعادتهم قبرص، كما هو موثق أعلاه. وفقا للمركز اللبناني لحقوق الإنسان،[309] انتهى الأمر باستخدام "المأوى الآمن" هناك لركن السيارات (أخبرت الأمانة هيومن رايتس ووتش أنه على حد علمها، استُخدِم المأوى بشكل متسق مع الغرض المقصود منه حتى يناير/كانون الثاني 2020 على الأقل، بعد ذلك لم تتابع الأمانة استخدامه فعليا).[310] أكدت الأمانة لـ هيومن رايتس ووتش أنه بعد الانتهاء من المرحلة الأخيرة من المشروع، "لم تدعم سويسرا أو تخطط لأي مشروع لإدارة الحدود في لبنان".[311]
كذلك، لا يبدو أن مشاريع الإدارة المتكاملة للحدود الممولة من الاتحاد الأوروبي والممولة من هولندا في لبنان تحتوي على أي آلية مباشرة لضمان عدم تواطؤ المساعدات الأوروبية في الانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية اللبنانية أو مساهمتها فيها أو إدامة هذه الانتهاكات. بالنسبة لمشروع الإدارة المتكاملة للحدود الممول من الاتحاد الأوروبي، فحصت هيومن رايتس ووتش 10 وثائق للمشروع، بما فيها خطة العمل المذكورة أعلاه، ومحاضر اجتماعات اللجنة التوجيهية للمشروع والتقارير الدورية للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة المقدمة إلى المفوضية الأوروبية.[312] لا يحتوي أي منها على عنصر تقييم لحقوق الإنسان ولا يذكر أي قضايا حقوق إنسان من جانب الجهات اللبنانية المستفيدة. يحمل مشروع الإدارة المتكاملة للحدود الممول من هولندا الإغفالات نفسها في 25 وثيقة مشروع فحصتها هيومن رايتس ووتش، بما فيه وثيقة تخطيط المشروع،[313] وترتيب العمل الموقع بين المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة وهولندا،[314] وبروتوكول المشروع الموقع بين الجيش اللبناني والمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، [315] و11 تقريرا شهريا للمركز في 2021،[316] و9 تقارير شهرية للمركز في 2023،[317] وتقرير التقدم السردي النهائي 2019-2021،[318] وتقرير التقدم السردي السنوي 2023.[319]
بحسب رسالة إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 16 أغسطس/آب 2024، قال المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة إنه في حين "لا يصدر تقارير تقييم الأثر على حقوق الإنسان ضمن المشروع الذي ينفذه... يتم تقييم الأثر المحتمل على حقوق الإنسان أثناء مرحلة تصميم [المشروع] وطوال فترة التنفيذ".[320] قال المركز أيضا إنه "يعمل على إصلاح نظام إدارة دورة المشروع الخاص به والذي سيعزز بشكل أكبر عمليات العناية الواجبة [في المركز] وسيتم طرحه في خريف هذا العام".[321] أكد أيضا أن "المركز يتبنى نهجا شاملا لضمان الامتثال لحقوق الإنسان طوال دورة حياة مشاريعه، [بما فيه من خلال] تحليلات سياق البلد، والحوارات مع الجهات المانحة، وتبادل الآراء المنتظم مع مانحينا".[322]
قال المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة لـ هيومن رايتس ووتش إن أيا من الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير لم تحدث "فيما يتعلق بأي من المشاريع التي نفذها المركز في لبنان"، وأنه "لم يتلق أي معلومات محددة" تتعلق بالانتهاكات بخلاف ما أبلِغ عنه علنا، وأن أي نشاط للمركز قد ينطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان ينتهك مدونة قواعد السلوك الخاصة بالمركز وقواعد سلوك الجهات المانحة له. قال المركز إن مشاريعه كانت في الواقع مستجيبة للتقارير العامة عن الانتهاكات في لبنان، مسلطا الضوء على أن المشاريع عززت "نهجا قائما على الحقوق في تنسيق الإدارة المتكاملة للحدود " وقدمت دورات تدريبية في مجال حقوق الإنسان تم تطويرها في ضوء المبادئ التوجيهية الصادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.[323]
في رسالتها إلى هيومن رايتس ووتش بتاريخ 20 أغسطس/آب 2024، قالت المفوضية الأوروبية:
يظل الاتحاد الأوروبي ملتزما بالعمل مع لبنان على نهج شامل لإدارة الهجرة، والذي يستلزم إنشاء مسارات هجرة نظامية، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، ومكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالأشخاص. [...]
تطوير قدرات الكيانات غير الممتثلة من أجل رفعها إلى المستوى المناسب من الامتثال يشكل جزء لا يتجزأ من أولويات الاتحاد الأوروبي وهو جوهر جميع العمليات عند دعم البلدان الشريكة بشأن المبادئ والقِيَم التي يروج لها الاتحاد الأوروبي.[324]
ردّت المفوضية الأوروبية أيضا بأن "جميع التقارير والتقييمات المتعلقة بمشروع الإدارة المتكاملة للحدود التابع للاتحاد الأوروبي تضمنت بُعدا حقوقيا بخصوص مراقبة الأداء وتحليل الامتثال".[325] أكدت أن "العمليات الممولة من الاتحاد الأوروبي والتي ينفذها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة... تتابعها المفوضية الأوروبية عن كثب، بما فيه عبر بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت... قبل كل دفعة [إلى المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة]، يقوم الاتحاد الأوروبي بالتحقق من التقدم المالي والتشغيلي على أساس التقارير السردية والمالية المقدمة من الشريك المنفذ".[326]
حتى وقت نشر هذا التقرير، خصصت المفوضية الأوروبية 32 مليون يورو إضافية لتمويل مزيد من مشاريع الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان في 2024 و2025. خصصت وثيقة عمل في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 سبعة ملايين يورو لتلك المشاريع التي سيتم تنفيذها عام 2024،[327] وخصصت وثيقة عمل في أغسطس/آب 2024 مبلغ 25 مليون يورو لتنفيذ المشروع حتى 2025.[328]
قررت المفوضية تجديد التمويل لمشاريع الإدارة المتكاملة الحدود في لبنان رغم اعترافها، على مدى عامين متتاليين، بأن تنفيذ المشروع السابق "لم يعكس بشكل كامل النهج القائم على حقوق الإنسان".[329] قالت المفوضية إن "الجهات الفاعلة الأمنية المستفيدة من مشاريع الاتحاد الأوروبي قد تتصرف ضد المعايير الدولية لحقوق الإنسان". حددت المفوضية هذا الخطر في وثيقة عمل 2023، واستمرت في تحديد نفس الخطر بشكل أساسي في وثيقة عمل 2024.[330] أشارت المفوضية أيضا إلى أن "البحرية اللبنانية منعت إجمالا مغادرة 1,500 مهاجر ولاجئ" في 2022،[331] ولاحظت أن "حركة اللاجئين من سوريا إلى قبرص عبر لبنان زادت ... بعضهم تم اعتراضهم أو إنقاذهم من قبل الجيش اللبناني" في 2023،[332] وأن "الإجراءات الإدارية من قبل قوات الأمن [اللبنانية] تفتقر إلى الشفافية والضمانات الإجرائية والحماية".[333]
رغم كل الملاحظات المذكورة أعلاه، ضاعفت المفوضية الأوروبية تمويلها للجهات الأمنية اللبنانية من2023 إلى 2024، لمتابعة نفس أهداف تعزيز إدارة الحدود في لبنان إلى حد كبير،[334] وحتى أنها تعتزم "تعزيز التعاون مع نظرائها الأوروبيين [و] زيادة التعاون مع الوكالات الأوروبية بشأن الموضوعات المتعلقة بالحدود" في عام 2024 وما بعده.[335]
مع ذلك، لا يبدو أن المفوضية تعمل على تعزيز نهجها في معالجة مخاطر حقوق الإنسان بنفس القدر. نصّت وثيقة العمل لعام 2023 على أن هذه المخاطر يمكن تخفيفها من خلال تزويد الجهات الأمنية اللبنانية بـ "تدريبات مخصصة حول حقوق الإنسان والمعايير الدولية".[336] أشارت وثيقة عام 2024 مرارا إلى "النهج القائم على حقوق الإنسان" وأدرجت أيضا كتدابير تخفيف "تبادل الآراء مع الأمم المتحدة بشأن المعايير الدولية" و "مراجعة ملاءمة استمرار التمويل" بما يتماشى مع تعليمات الاتحاد الأوروبي ذات الصلة.[337] التزام المفوضية الأوروبية، على الورق، بإجراء مراجعة للتمويل أمر إيجابي، لكن وثائق العمل لعامي 2023 و2024 لا تتضمن تدابير أكثر جدوى لمعالجة التقارير عن الانتهاكات وعلاجها. أظهرت سنوات من المشاركة الأوروبية في لبنان أن الجهات الأمنية اللبنانية استمرت في ارتكاب انتهاكات ضد اللاجئين السوريين رغم تلقي ما يسمى بالتدريبات في مجال حقوق الإنسان وتنفيذ "النهج القائم على حقوق الإنسان" - ولا يمكن استخدام أي منهما لحماية الاتحاد الأوروبي من التواطؤ في الانتهاكات الجسيمة.
يتعين على الدول والكيانات المانحة الأوروبية إنشاء آلية قوية ومستمرة ومستقلة لمراقبة امتثال لبنان لحقوق الإنسان وتأثير أنشطة الاتحاد الأوروبي في لبنان. ينبغي لهذه الآلية أن تفرض عواقب تشغيلية على أي انتهاكات يتم العثور عليها، بما في ذلك التعليق الفوري أو إنهاء تنفيذ المشروع وتمويله. ينبغي أن تتضمن مشاريع بناء القدرات إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان كمؤشر للتقدم، عدم وجود ذلك يتعارض مع أي "نهج قائم على حقوق الإنسان" حقيقي. تكتسب هذه التدابير أهمية خاصة عندما يتم تقديم الدعم الأوروبي من خلال وكالات خارجية لا تخضع لضمانات حقوق الإنسان الأوروبية المعتادة. في غياب مثل هذه التدابير، يكون الاستنتاج الحتمي أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء تغض الطرف عن الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها الوكالات اللبنانية التي تتلقى دعمها.
فرونتكس
تنفذ وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية، المعروفة بـ فرونتكس والمسؤولة عن إدارة عمليات مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، مشروع " الاتحاد الأوروبي لأجل الأمن الحدودي" الذي يستهدف "دول الجوار الجنوبي" للاتحاد الأوروبي، بما فيها لبنان.[338] يستمر المشروع حتى أبريل/نيسان 2025، وتبلغ ميزانيته 6.5 مليون يورو،[339] لكن من غير الواضح ما هو المبلغ المخصص للبنان للمشروع. لدى هذا المشروع العديد من الأهداف المشابهة لأهداف مشاريع إدارة الحدود المتكاملة التي ينفذها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، بما فيه تنفيذ نموذج الإدارة المتكاملة للحدود المتكاملة الخاص بالاتحاد الأوروبي في البلدان المستهدفة، لكن مع التركيز على "التعاون التقني التشغيلي الوثيق بين بلدان الجوار الجنوبي... وفرونتكس والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".[340]
فحصت هيومن رايتس ووتش وثائق المشروع التي حصلت عليها من فرونتكس من خلال تشريعات الشفافية في الاتحاد الأوروبي. كانت أجزاء كبيرة من الوثائق محجوبة. تشمل أبرز الأقسام المحجوبة تلك التي تشير إلى أنشطة فرونتكس الجارية أو المخطط لها في البلدان المستهدفة وجداول المخاطر/الافتراضات التي تشير عادة إلى الصعوبات المتوقعة في تنفيذ المشروع.[341] استنادا إلى المحتوى الذي لم يُحجب، يفترض أن فرونتكس قدمت تدريبا للأجهزة الأمنية اللبنانية في مجالات إدارة الحدود وعقدت اجتماعات رفيعة المستوى مع تلك الأجهزة،[342] لكن هيومن رايتس ووتش لا تستطيع تأكيد المدى الكامل لعمل فرونتكس في لبنان.
اتفاقية المنحة المبرمة بين المفوضية الأوروبية وفرونتكس بشأن المشروع لا تلزم فرونتكس صراحة بإجراء تقييم لحقوق الإنسان أو الإبلاغ عن الانتهاكات ذات الصلة إلى المفوضية. لا يشير تقرير التقدم السنوي لفرونتكس لعام 2023 المقدم إلى المفوضية،[343] والذي تم تقديمه مرة أخرى مع الكثير من أجزاء محجوبة إلى هيومن رايتس ووتش، إلى أي تقارير عن قضايا الامتثال لحقوق الإنسان.[344] مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن لائحة الاتحاد الأوروبي التي تحكم عمليات فرونتكس تفرض على الوكالة واجب تعليق أو إنهاء أي نشاط مخطط أو مستمر لفرونتكس إذا كان ينتهك، أو قد يؤدي إلى انتهاكات، للحقوق الأساسية.[345]
مع أن أنشطة فرونتكس في لبنان غامضة، من المقرر أن تزداد. قالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، خلال إعلانها عن حزمة المساعدات المالية بقيمة مليار يورو للبنان في 2 مايو/أيار 2024، "سيكون من المفيد جدا للبنان أن يبرم ترتيبات عمال مع فرونتكس، وخصوصا بشأن تبادل المعلومات والوعي بالموقف".[346] جاء في وثيقة عمل صادرة عن المفوضية الأوروبية في أغسطس/آب 2024 أن "إبرام ترتيب عمل [بين لبنان وفرونتكس] قيد التفاوض".[347]
التوصيات
إلى الحكومة اللبنانية والوزارات المعنية
· الوقف الفوري لجميع عمليات الإرجاع والطرد الفوري للاجئين السوريين.
· دعم حق اللاجئين السوريين في مغادرة أي بلد، بما يشمل عبر لعمل مع الحكومات الأخرى والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتوفير مسارات آمنة وقانونية لمواصلة سفر اللاجئين السوريين، والسماح للسوريين الذين ليس لديهم إقامة قانونية حاليا بتنظيم وضعهم وإصدار وثائق سفر صالحة لهم.
· إنهاء جميع ممارسات الاعتقال والاحتجاز وطرد اللاجئين السوريين، بمن فيهم المقيمين المعتادين عديمي الجنسية في سوريا، والتي تتم فقط على أساس افتقارهم إلى وثائق الإقامة، أو افتقارهم إلى الوضع القانوني، أو محاولات مغادرة لبنان.
· حماية حق كل شخص في الطعن في أي قرار يتعلق باحتجازه أو إبعاده أمام محكمة مختصة ونزيهة ومستقلة في إجراءات فردية وسريعة وشفافة توفر الضمانات الإجرائية الأساسية، بما يتماشى مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
· إنهاء استخدام الطرد أو التهديد به أو غيره من العقوبات غير المتناسبة كعقوبة يتم التهديد بها أو تطبيقها للتحرك غير النظامي.
· إجراء تحقيق شفاف وشامل ونزيه في مزاعم تورط أجهزة الأمن اللبنانية في أعمال تعرض حياة وسلامة المهاجرين وطالبي اللجوء للخطر، بما يشمل الضرب والعنف ومصادرة الممتلكات الشخصية والتواطؤ مع المهربين والقوات السورية في ابتزاز الأفراد المطرودين عند معبر وادي خالد الحدودي غير الرسمي.
· إلغاء قرار "مجلس الدفاع الأعلى" الصادر في مايو/أيار 2019 وجميع القرارات الأخرى المتعلقة بطرد اللاجئين السوريين، واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية.
· السماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين باستئناف تسجيل طالبي اللجوء السوريين لإدارة احتياجاتهم بشكل أفضل في لبنان.
· عدم المشاركة في أي اتفاقيات إعادة قبول أو اتفاقيات تعاون دولي أو أنشطة أخرى جارية أو مستقبلية، قد تنتهك حقوق اللاجئين السوريين، وخاصة الحق في عدم الإعادة القسرية والحق في عدم التعرض لخطر التعذيب والاضطهاد وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة، والحق في المغادرة.
· التصديق على اتفاقية عام 1951 بشأن وضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967.
إلى الحكومة القبرصية والوزارات ذات الصلة
· الوقف الفوري لجميع عمليات الصد والطرد الجماعي.
· السماح للأشخاص بالمطالبة بالحماية الدولية عند الحدود أو عند وصولهم إلى البلاد. ينبغي السماح للأشخاص على متن القوارب التي اعترضها خفر السواحل القبرصي، سواء في المياه القبرصية أو الدولية، بالنزول في الأراضي القبرصية ومنحهم الفرصة للمطالبة بالحماية الدولية في قبرص.
· استئناف معالجة طلبات اللجوء لجميع السوريين الموجودين حاليا في قبرص فورا.
· حماية حق كل شخص في الطعن في أي قرار يتعلق باحتجازه أو إبعاده أمام محكمة مختصة ومحايدة ومستقلة في إجراء فردي وسريع وشفاف يوفر الضمانات الإجرائية الأساسية، بما يتماشى مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من المعايير الأوروبية.
· إنهاء ممارسة إعادة اللاجئين السوريين إلى لبنان، والتي قد تؤدي إلى الإعادة القسرية المتسلسلة، سواء من مناطق قبرص أو المياه الدولية. وقف تنفيذ أي عمليات، والامتناع عن الدخول في أي اتفاقيات دولية مستقبلية تتعلق بأنشطة إعادة القبول أو الدوريات البحرية حيث يوجد خطر حقيقي لانتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية.
· توجيه خفر السواحل القبرصي لإعطاء الأولوية للسلامة والحياة في البحر في جميع عملياته البحرية، والوفاء بواجبهم في إنقاذ هؤلاء الأفراد وتسليمهم إلى مكان آمن حيث لا تتعرض حياتهم للخطر، بما فيه بسبب خطر الإعادة القسرية المتسلسلة، والتوقف فورا عن الممارسات المهددة للحياة في اعتراض القوارب، بما فيه المناورات الخطيرة، وترك القوارب تنجرف في البحر، وحرمان الناس من الطعام والماء.
· إصدار توجيهات واضحة ولا لبس فيها إلى جميع وكالات الأمن القبرصية المشاركة في التعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين بأن سوء المعاملة، بما فيه أي استخدام مفرط للقوة، يتعارض مع القانون القبرصي وقوانين الاتحاد الأوروبي ولن يتم التسامح معه، وتدريب الموظفين على معايير حقوق الإنسان ذات الصلة.
· ضمان المساءلة عبر التحقيق في جميع الادعاءات، وحسب الاقتضاء، مقاضاة أي أفراد من الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية القبرصية الأخرى الذين استخدموا أو أمروا بالاستخدام المفرط للقوة أو سوء المعاملة أو السلوك غير اللائق في معاملتهم للمهاجرين أو طالبي اللجوء أو اللاجئين في عهدتهم.
· توجيه موظفي الحدود لقبول العمر المعلن للفرد إذا كان هناك احتمال معقول بأن يكون الشخص طفلا. في الحالات المماثلة، يتعيّن على موظفي الحدود نقل هؤلاء الأفراد بسرعة إلى رعاية سلطات حماية الطفل وتعيين وصي في أقرب وقت ممكن، وضمان المعاملة المناسبة للعمر وفقا للمعايير الدولية، بما فيه الامتناع عن احتجاز طالبي اللجوء الأطفال.
إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد
· دعوة الحكومة القبرصية إلى الإنهاء الفوري لعمليات الطرد الجماعي على حدودها وللترحيل الأفراد دون الحماية الكافية والإجراءات القانونية الواجبة.
· التصريح بوضوح بأن ما من جزء في سوريا آمن للعودة الكريمة للذين فروا من النزاع بحثا عن الحماية في البلدان المجاورة أو في الاتحاد الأوروبي.
· تحميل قبرص المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، بما فيه بالإبلاغ العام واتخاذ خطوات لرصد امتثالها الكامل لالتزاماتها الحقوقية، بما فيه عبر السماح بالوصول الكامل ودون عوائق لموظفي المراقبة التابعين للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرهم من المراقبين المستقلين إلى موانئ الدخول ومراكز الاحتجاز الرسمية أو غير الرسمية في قبرص.
· تطوير معايير تقييم الأثر العام على حقوق الإنسان والضغط على قبرص للسماح بآلية إعداد تقارير مستقلة لضمان عدم مساهمة تمويل الاتحاد الأوروبي لقبرص في انتهاكات حقوق الإنسان في سياق إدارة الحدود.
· توفير مزيد من الموارد لدعم طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين السوريين في لبنان.
· زيادة أماكن إعادة توطين اللاجئين السوريين في لبنان، وإنشاء وتوفير مسارات أكثر تكاملا للهجرة الآمنة والقانونية والمنظمة للسوريين وغيرهم من مواطني الدول الثالثة والأشخاص عديمي الجنسية من سوريا من أجل لم شمل العائلات والتعليم والعمل.
إلى الحكومات المانحة (بما فيها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد)
· دعوة الحكومة اللبنانية إلى وضع حد فوري لعمليات الإرجاع والطرد بإجراءات موجزة دون الحماية الكافية والإجراءات القانونية الواجبة.
· ضمان عدم استخدام الدعم المقدم إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية في العمليات التي تساهم في عمليات الطرد الفوري ومنع الممارسة المشروعة للحق في المغادرة وطلب اللجوء، والاعتقال والاحتجاز التعسفي أو سوء المعاملة غير المتوافقة مع المعايير الدولية بشأن معاملة المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين.
· تطوير تقييم مستقل وعلني مستمر للتأثير على حقوق الإنسان من أجل ضمان عدم مساهمة كل الدعم الحالي والمستقبلي، سواء قُدِّم مباشرة إلى لبنان أو بشكل غير مباشر من خلال كيانات خارجية، في انتهاكات حقوق الإنسان في سياق إدارة الحدود، وإنشاء آلية مستقلة وعلنية لإعداد تقارير عن تأثير تمويل إدارة الهجرة المقدم مباشرة إلى القوى الأمنية اللبنانية والكيانات الخارجية التي تنفّذ مشاريع إدارة الحدود في لبنان على حقوق الإنسان.
· ربط كل الدعم المباشر أو غير المباشر الحالي والمستقبلي للأجهزة الأمنية اللبنانية بامتثالها المقبول لحقوق الإنسان في سياق أنشطتها في مجال إدارة الهجرة، بما فيه تعليق أو إنهاء هذا الدعم إذا تبيّن أن هذه الأجهزة ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان.
· الالتزام بتوفير الشفافية المناسبة بشأن الدعم المتعلق بالهجرة المقدم إلى لبنان.
· الاستمرار في التصريح بوضوح بأن ما من جزء في سوريا آمن للعودة وضمان احترام الدول الأعضاء لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وعدم إعادة اللاجئين قسرا إلى سوريا أو دعم السياسات في البلدان الثالثة التي قد تؤدي إلى الإعادة القسرية إلى سوريا.
إلى جميع الحكومات
· توفير مزيد من الموارد لدعم طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين السوريين في لبنان.
· زيادة أماكن إعادة توطين اللاجئين السوريين في لبنان، وإنشاء وتوفير مزيد من المسارات التكميلية للهجرة الآمنة والقانونية والمنظمة للسوريين وغيرهم من مواطني الدول الثالثة والأشخاص عديمي الجنسية من سوريا من أجل لم شمل العائلات والتعليم والعمل.
شكر وتنويه
كتب هذا التقرير وأجرى بحوثه باحث في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش. راجع التقرير وحرره كل من نادية هاردمان، باحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين، وبيل فريليك، مدير قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين. أجرت غابرييلا إيفينز، المسؤولة عن أبحاث المصادر المفتوحة في مختبر التحقيقات الرقمية، وديفون لوم، مساعد الأبحاث السابق في مختبر التحقيقات الرقمية، الأبحاث مفتوحة المصدر وتحليل بيانات تتبع القوارب للتقرير. حقق زاك كامبل، الباحث الأول في مجال المراقبة في فريق التكنولوجيا وحقوق الإنسان، في التورط المحتمل لأصول مراقبة الحدود، وساعد في متابعة طلبات حرية المعلومات بموجب تشريعات الشفافية في الاتحاد الأوروبي.
نفذ المراجعات الاختصاصية رمزي قيس، باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهبة زيادين، باحثة الرئيسية في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وآدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجوديث سندرلاند، المديرة المشاركة في قسم أوروبا وآسيا الوسطى، وفيليب دام، مدير المناصرة في قسم أوروبا وآسيا الوسطى، وفريدريك ماغر، منسق المناصرة في الاتحاد الأوروبي، وإميلي ماكدونيل، مسؤولة المناصرة والتواصل في المملكة المتحدة، ومايكل غارسيا بوتشينيك، المستشار الأول لقسم حقوق الطفل، وريجينا تاميس، نائبة مديرة قسم حقوق المرأة، وأرونا كاشياب، المديرة المساعدة لقسم العدالة الاقتصادية والحقوق، وسام دوبيرلي، مدير قسم التكنولوجيا والحقوق والتحقيقات.
قدمت آيسلينغ ريدي، المستشارة القانونية الأولى، وباباتوندي أولوغبوغي، نائب مدير البرنامج، المراجعات القانونية والبرامجية.
ساعدت ميشيل راندهاوا، مسؤولة أولى في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين، في التحرير والإنتاج. كما قدم ترافيس كار، مسؤول النشر، مساعدة إضافية في الإنتاج.