Skip to main content

العراق: الحاجة مُلحَّة إلى قانون مناهضة العنف الأسري

قلق متزايد في ظلّ التدابير المتصلة بفيروس "كورونا"

متظاهرون في بغداد يُسمّون اليوم العالمي للمرأة "يوم حداد" احتجاجا على مشروع "قانون الأحوال الشخصية الجعفري"، الذي سيقيّد حقوق المرأة في مسائل الميراث والأمومة وغيرها من الحقوق بعد الطلاق، وسيسهّل على الرجال الزواج بأكثر من امرأة، وسيسمح بزواج الفتيات من سنّ التاسعة. في مارس/آذار 2016، قالت الحكومة العراقية لهيئة تعاهدية تابعة للأمم المتحدة إن مشروع الجعفري "سُحب وإن الحكومة العراقية لا تخطط لعرضه من جديد، فما بالك بتبنيه". © 2014 جمعية الأمل العراقية

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن وفاة امرأة (20 عاما) في النجف، ربما على يد زوجها، يوم 18 أبريل/نيسان ينبغي أن يدق ناقوس الخطر لدى المشرّعين العراقيين لكي يقرّوا قانونا ضد العنف الأسري. على السلطات العراقية التحقيق في العنف الأسري وملاحقته قضائيا، وضمان العقوبات المناسبة للعنف ضد المرأة.

قال بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "لطالما عانى العراق من العنف الأسري. نشهد حالة تلو الأخرى لنساء وفتيات يقضين على أيدي عائلاتهن، لكن المشرّعين العراقيين لم يفعلوا ما يكفي لإنقاذهن من الموت".

في 12 أبريل/نيسان، ظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لامرأة في مستشفى مُصابة بحروق شديدة. قالت والدتها لـ هيومن رايتس ووتش إن ابنتها تزوجت قبل ثمانية أشهر من رجل شرطة سمح لها بزيارة والديها مرة واحدة فقط منذ ذلك الحين. قالت والدتها، في 8 أبريل/نيسان إن الزوج اتصل ليخبرها أن ابنتها تعرضت "لحادث حرق بسيط" وهي في المستشفى.

كانت الأم تسمع صراخ ابنتها. هرعت إلى المستشفى حيث منعتها أم الزوج من رؤية ابنتها. قالت الأم إن الشرطة أخذت إفادة ابنتها بينما كانت هي ممنوعة من دخول الغرفة. في 11 أبريل/نيسان، عندما تمكنت من دخول غرفة المستشفى، أخبرتها ابنتها أن زوجها ضربها بشدة في 8 أبريل/نيسان لدرجة أنها سكبت البنزين على نفسها وحذرته من أنه ما لم يتوقف، ستضرم النار بنفسها.

قالت والدتها: "ما زلت لا أعرف ما إذا كان هو من أشعل النار أم أنها فعلت ذلك، لكنها أخبرتني أنها كانت تحترق لمدة ثلاث دقائق بينما كان ينظر إليها، وأخيرا دخل والده، وهو أيضا شرطي، وأطفأ النار. توسّلت إليهم أن يأخذوها إلى المستشفى لكنهم انتظروا أكثر من ساعة قبل أن يفعلوا ذلك. زعم والد زوجها لاحقا أنه والدها أمام الشرطة وقال لهم إن الحريق كان حادثا".

توفّيت الشابة في 18 أبريل/نيسان. قال محافظ النجف، لؤي الياسري، لـ هيومن رايتس ووتش في 15 أبريل/نيسان إن السلطات شكلت لجنة تحقيق واعتقلت الزوج ووالده وعمه. قال الياسري أنه من المرجح أن تُحَلّ هذه القضية من خلال وساطة تتفاوض فيها عشيرة الزوج مع عشيرة سميرة للوصول إلى تسوية خارج القضاء.

لا يزال العنف الأسري مشكلة خطيرة في العراق. وجد "مسح صحة الأسرة العراقية للفترة 2006/7" أن واحدة من كل خمس نساء عراقيات تتعرض للعنف الأسري الجسدي. كما وجدت دراسة أجرتها وزارة التخطيط عام 2012 أن 36%على الأقل من النساء المتزوجات تحدثن عن تعرضهن لشكل من أشكال الأذى النفسي من أزواجهن، و23% للإساءة اللفظية، و6% للعنف الجسدي، و9% للعنف الجنسي.

قالت ذكرى سرسم، نائبة رئيس "منظمة برج بابل"، وهي منظمة غير حكومية في بغداد، لـ هيومن رايتس ووتش في اليوم الذي توفيت فيه الشابة: "لن تكون الأخيرة طالما أن القانون لا يحمي النساء. وثّقت منظمتي العديد من جرائم الشرف على مر السنين، لكن شهادات الوفاة تذكر أن سبب الوفاة هو ’الانتحار‘".

بينما يحظر الدستور العراقي صراحة "كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة"، إلا أن إقليم كردستان العراق فقط لديه قانون للعنف الأسري. يُجرّم قانون العقوبات العراقي، الذي يسري في كل من الأراضي الخاضعة لسيطرة بغداد وإقليم كردستان، الاعتداء الجسدي، لكنه لا يذكر العنف الأسري صراحة. بل على العكس، تمنح المادة 41 (1) للزوج حقا قانونيا في "تأديب" زوجته، وحق للوالدين في تأديب أبنائهم "في حدود ما هو مقرر ... قانونا أو عرفا". ينص قانون العقوبات على عقوبات مخففة على الأفعال العنيفة، بما في ذلك القتل، بسبب "بواعث شريفة"، أو إذا ما وجد الرجل زوجته أو إحدى قريباته متلبسة بالزنا في علاقة جنسية خارج إطار الزواج.

تعثرت الجهود البرلمانية العراقية لتمرير مشروع قانون مناهض للعنف الأسري طوال 2019 و2020. قالت وحدة الجميلي، عضوة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض النواب اعترضوا على القانون لأنهم لا يعتقدون أنه ينبغي للدولة معاقبة جرائم الشرف أو عقاب الوالدين الجسدي لأطفالهم. قالت شذى ناجي، رئيسة "منظمة نساء من أجل السلام"، إن أحد النواب قال لها: "هل تريدين حقا جعل مجتمعنا مثل المجتمع الغربي، فلا يمكنني حتى معاقبة ابني إذا عاد إلى المنزل متأخرا؟".

تتضمن نسخة 2019 من مسودة قانون مناهضة العنف الأسري التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش أحكاما بشأن الخدمات المقدمة إلى ضحايا العنف الأسري، وقرارات لحماية (أوامر تقييد)، وعقوبات على خرقها، وإنشاء لجنة مشتركة بين الوزارات لمكافحة العنف الأسري. مع ذلك، يحتوي مشروع القانون على عدة ثغرات وأحكام قد تقوّض فعاليته.

تتمثل إحدى المشاكل الرئيسية في أن مشروع القانون يعطي الأولوية للمصالحة على حساب الحماية وتحقيق العدالة للضحايا. قالت ناجي إن ضحايا العنف الأسري في العراق نادرا ما يقدمن شكاوى جنائية من خلال الشرطة. بدلا من ذلك، تلعب الشرطة المجتمعية دور الوسيط بدلا من دور إنفاذ القانون، وتركّز على المصالحة بين الضحية والمعتدي بما يتماشى مع ممارسات المجتمع.

يوجد في العراق عدد قليل من الملاجئ العاملة، وغالبا ما يتم إيواء ضحايا العنف الأسري مؤقتا في سجون النساء. سيُنشِئ مشروع قانون 2019 ملاجئ حكومية بالتنسيق مع منظمات حقوق المرأة المحلية. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قابلت هيومن رايتس ووتش خمس عراقيات يعشن في ملجأ قلن إنهن فررن من منازلهن بعد سنوات من العنف الأسري، بما في ذلك الاغتصاب والإكراه على البغاء، من قبل أفراد الأسرة أو الزوج.

قالت امرأة (18 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقها أجبرها على الزواج من صديق له عندما كان عمرها 14 سنة. رفضت عائلتها والشرطة وقاضي محلي مساعدتها عندما أخبرتهم أن زوجها ضربها وأجبرها على البغاء. قالت إنها بعد أن هربت واختبأت، أراد شقيقها قتلها. قالت: "من الطبيعي في عائلتي أن تقتل شخصا – قتل جدي أخته وقتل عمي أخته".

تدابير مكافحة العنف الأسري أصبحت أكثر إلحاحا في سياق جائحة كورونا. حذرت "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" من أن إجراءات الإغلاق يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف في المنزل، كما يتضح من تصاعد العنف الأسري في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في البرازيل، وجنوب إفريقيا، والصين، وفرنسا، وقيرغيزستان، وكينيا، والمملكة المتحدة.

في حديثها عن العراق، قالت ناجي، من منظمة نساء من أجل السلام: "حاليا قد يكون هناك ثلاث عائلات تعيش معا، 20 شخصا، كلهم ​​في منزل صغير واحد، وليس لدينا نظام مناسب لرصد التصعيد المحتمل لحالات العنف الأسري، التي لا يُبلّغ عنها أصلا".

في 2019، قابلت هيومن رايتس ووتش عاملتَيْن منزليتَيْن مهاجرتَيْن، قالتا إن أصحاب العمل كانوا يضربونهما بشكل روتيني، وقالت إحداهما إن صاحب عملها اغتصبها. تواجه عاملات المنازل المهاجرات مخاطر خاصة، ونادرا ما تحميهن الشرطة حتى أولئك اللواتي يقدمن شكاوى جنائية.

ينبغي أن تشمل التدابير الخاصة بالإغلاق ضمان عدم اعتقال ضحايا العنف الأسري عند التماس المساعدة أو الهروب من الانتهاكات. على السلطات أن تعلن فورا عن عدم التسامح مع العنف الأسري وأن تضمن إتاحة خطوط ساخنة وغيرها لمساعدة الضحايا أو جيرانهن أو أسرهن للإبلاغ عن الإساءات. قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات أيضا وضع إجراءات للتدخل، ومساعدة الضحايا من خلال ضمان تفعيل قرارات اللجوء أو الحماية لطرد المسيئين من المنازل.

في 9 أبريل/نيسان، رشّح الرئيس برهم صالح مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء. من المتوقع أن يعرِض الكاظمي تشكيلته الوزارية على البرلمان في أواخر أبريل/نيسان. لا يزال البرلمان العراقي، الذي انتُخِب في سبتمبر/أيلول 2018، قائما، رغم أنه لا يجتمع حاليا بسبب الوباء.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه عندما يستأنف البرلمان جلساته، عليه أن يراجع على وجه السرعة مشروع قانون مناهضة العنف الأسري لضمان توافقه مع المعايير الدولية ومن ثم تمريره دون تأخير. في غضون ذلك، على الحكومة التشاور مع منظمات حقوق المرأة المحلية لفتح المزيد من الملاجئ لضحايا العنف الأسري، وعلى الحكومات المانحة تمويل الملاجئ الخاصة لضحايا العنف الأسري.

قالت والي: "ينبغي ألا يتطلب الأمر وباء عالميا حتى يتصدى المشرّعون العراقيون للوباء المميت الآخر وهو العنف الأسري. التقاعس عن القيام بذلك سيودي بالمزيد من الأرواح".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة