Skip to main content

الجماعات الإسلامية المسلحة تنشر الخوف في شمال مالي

يجب معاملة السكان بشكل إنساني وتسريح الجنود الأطفال ووقف الهجمات على المزارات الدينية

 

(نيروبي) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن ثلاثة جماعات إسلامية مسلحة تسيطر على شمال مالي ارتكبت انتهاكات جسيمة ضد السكان المحليين في أثناء تطبيقها للشريعة الإسلامية كما تراها. كانت هيومن رايتس ووتش قد قابلت في الأسابيع الأخيرة نحو مائة شاهد فروا من المنطقة وبعضهم ما زالوا هناك.

الجماعات المتمردة الثلاث – أنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا والقاعدة في المغرب الإسلامي – جندوا مئات الأطفال ضمن صفوفهم، ونفذوا عمليات إعدام وجلد وثمانية عمليات بتر على الأقل على سبيل العقاب، ودمروا بشكل ممنهج العديد من المزارات الدينية ذات الأهمية الحضارية والدينية. في أبريل/نيسان 2012 دعمت جماعات المتمردين سيطرتها على مناطق الشمال، كيدال وتمبكتو وغاو.

وقالت كورين دوفكا، باحثة أولى في قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتزايد قمع الجماعات الإسلامية المسلحة مع تشديدها لقبضتها على شمال مالي. أصبحت أعمال الرجم والبتر والجلد أعمالاً طبيعية وعادية في محاولة ظاهرة لإجبار السكان المحليين على قبول رؤية هذه الجماعات للعالم. أثناء فرض هذه النسخة من الشريعة، يتم استخدام محاكاة مأساوية قاسية للعدالة، وتقوم الجماعات بتجنيد الأطفال الذين يبلغ بعضهم 12 عاماً".

منذ يوليو/تموز، أجرت هيومن رايتس ووتش 97 مقابلة في باماكو عاصمة مالي مع شهود وضحايا للانتهاكات وآخرين على علم بأوضاع حقوق الإنسان هناك، بينهم قيادات دينية وتقليدية ومشتغلين بالمجال الطبي ونشطاء حقوقيين ومعلمين ودبلوماسيين وصحفيين ومسؤولين حكوميين. فر العديد من الشهود من المناطق المتأثرة، ومن مكثوا في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون قابلناهم عن طريق الهاتف. وصف الشهود وقوع انتهاكات في بلدات غاو وتمبكتو وغوندام وديرى ونيوفونكى وأنسونغو وتيساليت وأغويلهوك وكيدال الشمالية.

في يناير/كانون الثاني شنت جماعات المتمردين عملية عسكرية للسيطرة على شمال مالي، في البداية إلى جانب جماعة الطوارق الانفصالية، الحركة الوطنية لتحرير الأزواد. ومنذ ذلك الحين قامت الجماعات المتمردة إلى حد بعيد بإخراج الحركة الوطنية لتحرير الأزواد من الشمال.

تهدف أنصار الدين إلى فرض تفسير متزمت للشريعة في شتى أنحاء مالي. القاعدة في المغرب الإسلامي المنتمية إلى القاعدة منذ يناير/كانون الثاني 2007، شاركت في هجمات على مدنيين والاختطاف لطلب الفدية من السائحين ورجال الأعمال وعمال الإغاثة وتم إعدام بعضهم. أما حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا فهي جماعة منشقة بالأساس عن القاعدة في المغرب الإسلامي، من موريتانيا في أغلبها، وأنشأت في أواخر عام 2011، وقد أعلنت المسؤولية عن اختطاف عدد من عمال الإغاثة الإنسانية وفي 5 أبريل/نيسان اختطفت سبعة دبلوماسيين جزائريين. أعلنت حركة الوحدة والجهاد وأنصار الدين المسؤولية عن عدد من الانتهاكات، منها أعمال قتل وبتر وتدمير لمزارات دينية وغيرها من المنشآت المهمة حضارياً.

استغلت الجماعات الإسلامية الفوضى السياسية والأمنية التي تلت انقلاب في باماكو في 22 مارس/آذار من قبل بعض صغار ضباط الجيش المالي بسبب عدم رضاهم من رد فعل الحكومة على تمرد حركة الطوارق، استغلوها كفرصة للتقدم والسيطرة على المناطق. تم إنشاء حكومة انتقالية في أبريل/نيسان وهي منذ إنشاؤها مبتلاة بالنزاعات ومحاولات السيطرة على السلطة، مما شل قدرتها على اتخاذ رد على الموقف في الشمال.

يبدو أن ثمة تنسيق جيد بين الجماعات الإسلامية الثلاث، على حد قول هيومن رايتس ووتش. بينما يبدو أن جماعات بعينها تسيطر على مناطق بعينها، أنصار الدين في كيدال وتمبكتو على سبيل المثال، والوحدة والجهاد في غاو – فإن قواتهم تتحرك بشكل سلسل بين المناطق وتعزز بعضها البعض في أوقات الاضطرابات. كما أن العديد من القادة والمقاتلين من الوحدة والجهاد وأنصار الدين وصفهم عدد من الشهود بأنهم كانوا ينتمون فيما سبق إلى القاعدة في المغرب الإسلامي. قال عدد من السكان إنهم توصلوا إلى قناعة مفادها أن أغلب القادة غير ماليين، وجاءوا من موريتانيا والجزائر والصحراء الغربية والسنغال وتونس وتشاد.

نفذت الجماعات الإسلامية المسلحة عمليات ضرب وجلد واعتقالات تعسفية وأعدمت اثنين من السكان، لأنهم انتهكوا سلوكاً اعتبروه "حرام" حسب تفسيرهم للشريعة، على حد قول عشرات الشهود وخمسة ضحايا من الشمال لـ هيومن رايتس ووتش. شملت تلك المخالفات تدخين أو بيع السجائر واستهلاك أو بيع مشروبات كحولية والاستماع إلى الموسيقى في أجهزة صغيرة، وتواجد موسيقى أو أي شيء آخر غير آيات القرآن كرنّات الهواتف الخلوية، وعدم ارتياد الصلوات اليومية في المسجد.

في 30 يوليو/تموز قامت السلطة الإسلامية في بلدة أغويلهوك برجم رجل متزوج وسيدة لم يكن متزوجاً بها حتى الموت، بتهمة الزنا، حسب التقارير أمام 200 شخص. كما عاقبت سيدات لم يلتزمن بمتطلبات الملبس المفروضة – إذ يطالبوا السيدات بتغطية الرؤوس وارتداء ثياب طويلة منسدلة والامتناع عن التبرج، من حلي أو عطور – وبسبب الاختلاط برجال من غير رجال الأسرة.

وفي شتى أنحاء الشمال، كانت العقوبات على هذه "المخالفات" وكذلك عقوبات المتهمين بالسرقة والعمل بعصابات، قد نفذتها الشرطة الإسلامية، وذلك عادة بعد "محاكمة" موجزة أمام هيئة قضاة منتقين من السلطات الإسلامية. الكثير من العقوبات تمت في ميادين عامة بعد أن استدعت السلطة المحلية السكان ليحضروا تنفيذ العقوبة.

وصف العديد من الشهود مرأى رجال ونساء محتجزين أو يتعرضون للجلد في الأسواق وفي الشوارع، عادة على يد مراهقين مسلحين، بتهمة التدخين أو معاقرة الخمر أو عدم تغطية أنفسهن كما يجب. بعد المسنين من السكان انهاروا بسبب الجلد.

قال العديد من سكان تمبكتو وكيدال وغاو لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا أطفالاً داخل مخيمات تدريب للجماعات الإسلامية المسلحة. كما رصدوا أطفال تصل أعمارهم إلى 11 عاماً يشغلون نقاط تفتيش وفي دوريات مشاة وفي عربات لدوريات وكحراس لسجناء وكمنفذين للشريعة الإسلامية، وكطهاة للمتمردين. وصف أحد الشهود مشهد تعليم الأطفال كيفية جمع المعلومات بالسير في البلدات وبعد ذلك "وصف ما رأوه وسمعوه".

منذ أبريل/نيسان قامت الجماعات الإسلامية ببتر أطراف ثمانية رجال على الأقل اتهموا بالسرقة، وسبعة في منطقة غاو. قابلت هيومن رايتس ووتش ضحية واقعة بتر اليد في 8 أغسطس/آب في أنسونغو واثنين من الشهود على خمس وقائع بتر في غاو يوم 10 سبتمبر/أيلول. بتر يد أو قدم أو أي طرف لأي فرد جريمة تعذيب جنائية، وهي خرق للقانون الدولي.

قام المسلحون الإسلاميون في تمبكتو بتدمير عدد من البنايات، منها أضرحة ومقابر ومقامات، وهي ذات قيمة دينية وتاريخية وحضارية كبيرة للماليين. وصف سكان تمبكتو إحساسهم بالصدمة العميقة بسبب أعمال التدمير. قالت سيدة لـ هيومن رايتس ووتش: "استغرقوا ساعة ونصف في تحطيم تراثنا وحضارتنا". وهناك رجل شهد على تدمير ضريح سيدي محمود، قال: "وهم يحطمون الضريح ويهتفون الله أكبر حتى يسمع الجميع، كان المئات منا يبكون وتبكي قلوبهم".

إن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان يحظران إساءة معاملة المحتجزين، بما في ذلك حظر على الإعدام والتعذيب والنهب. واستخدام الأطفال كجنود والتدمير العمدي للممتلكات الدينية والحضارية والثقافية محظور أيضاً. قالت هيومن رايتس ووتش إنه من الممكن تحميل قادة المتمردين المسؤولية بموجب القانون الدولي على ما ارتكبت القوات الخاضعة لهم من انتهاكات.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الجماعات الإسلامية أن تكف فوراً عن إساءة معاملة السكان وتدمير المواقع التراثية وأن تتعهد بالالتزام بالقانون الدولي وأن تحرر جميع الأطفال المستخدمين في صفوفها.

تدعو هيومن رايتس ووتش الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال مالي إلى:

·        وقف أعمال القتل والبتر والجلد وأعمال التعذيب الأخرى والمعاملة اللاإنسانية للمحتجزين، ومعاملة المحتجزين بشكل إنساني يتفق مع المعايير الدولية.

·        وقف تجنيد الأطفال تحت 18 سنة بما يتفق مع التزامات مالي الدولية، والإفراج عن جميع الأطفال المجندين وتفادي استخدام المدارس في أغراض عسكرية، مثل التدريب العسكري.

·        الإقرار علناً بالالتزام التام بالقانون الدولي الإنساني.

·        الالتزام علناً باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما يرد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وباحترام حقوق إجراءات التقاضي السليمة والحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والحق في التجمع.

وقف جميع الهجمات التي تستهدف المواقع الدينية في تمكبتو وغيرها من المدن، وتعويض السلطات المحلية لتتكفل بأعمال الإصلاح وإعادة الإعمار لتلك المزارات التي تضررت أو دُمرت.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة