(سيدني) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ شابا أستراليا أجبِر وهو طفل على العيش في ظلّ "تنظيم الدولة الإسلاميّة" (المعروف أيضا بـ داعش)، والذي كان يُعتقد أنّه توفي رهن الاحتجاز ظلما من قبل قوات مناهضة لـ داعش، يبدو أنّه على قيد الحياة في سجن في شمال شرق سوريا. يتعين على الحكومة الأستراليّة اتخاذ خطوات فوريّة للتأكّد ممّا إذا كان هذا الشاب هو يوسف ذهب وإعادته إلى وطنه.
أثناء مقابلة صوّرت بالفيديو في 25 فبراير/شباط 2024، وبُثت لاحقا على وسائل الإعلام الأسترالية، قال الشاب إنّه يوسف ذهب المولود في سيدني، والذي أعلِن عن اختفائه في يناير/كانون 2022 أثناء معركة بين داعش وقوات يقودها أكراد ومدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا في سجن في الحسكة، شمال شرق سوريا. قال أحد أفراد الأسرة المقرّبين لـ هيومن رايتس ووتش إنّ أقاربه "ليس لديهم أدنى شكّ" في أنّ الشاب الذي ظهر في الفيديو هو يوسف.
قالت ليتا تايلر، المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات: "الأخبار الرائعة التي تُفيد بأنه على ما يبدو عُثر على يوسف ذهب على قيد الحياة يُعكّرها التقاعس المفترض للحكومة الأستراليّة عن تحديد مكانه على مدى عامين كاملين. ينبغي للسلطات الأستراليّة أن تؤكّد فورا ما إذا كان الرجل هو يوسف، وأن تُكثف جهودها لإعادة كلّ أسترالي لا يزال محتجزا في شمال شرق سوريا".
قال قريبه إنّ المقابلة المصوّرة أثارت "خليطا" من المشاعر. قال: "في البداية، شعرنا بسعادة غامرة، لكن بعدها انتقلنا من الفرح الشديد إلى الحزن والغضب. ثم قلنا حسنا، الآن نعرف مكانه، وإلى أين سنذهب، لكننا أدركنا أنّه لدينا الكثير من الأسئلة ولا أحد يُعطيك إجابات".
قال أفراد الأسرة في أستراليا إنّ ذهب نُقل إلى سوريا في أوائل 2015، عندما كان عمره 11 عاما، من قبل أقارب بالغين ليعيش تحت حكم داعش. في مطلع 2019، اعتقلته قوّة إقليمية ذات أغلبيّة كرديّة، مدعومة بتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ويضمّ أستراليا، مع أقارب له، أثناء ما يُسمّى بخلافة داعش.
فصلت القوات ذهب عن أسرته واحتجزته في سجن شديد الاكتظاظ في الحسكة وفيه آلاف الرجال الأجانب المشتبه في صلاتهم بـ داعش. المعتقلون في هذ السجن محتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، ويفتقرون إلى الغذاء والماء والرعاية الطبية اللازمة، وليس أمامهم أيّ وسيلة للطعن في شرعيّة احتجازهم أو مدى ضرورته. في 2021، تلقت الأسرة خبرا بإصابة ذهب بالسلّ، الذي كان متفشيا في السجن.
في رسالة صوتيّة يائسة وجهها إلى هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2022، توسّل ذهب المساعدة قائلا إنّه أصيب في رأسه وذراعه أثناء قتال داعش والقوات التي يقودها أكراد للسيطرة على السجن. قُتل نحو 500 من المحتجزين والمقاتلين من الجانبين والحرّاس أثناء المعركة التي اندلعت بعد سيطرة داعش على السجن. لم تُجب السلطات الاقليميّة أبدا على الأسئلة المتعلقة بعدد القتلى والجرحى والمفقودين أو الأطفال.
منذ القتال في السجن، ظهرت روايات متضاربة حول ما حصل لذهب. في يوليو/تموز 2022، أعلن أقاربه أنّه توفي وأقاموا حفل تأبين له. كما ذكرت هيومن رايتس ووتش حينها أنه توفي، استنادا إلى معلومات من أقاربه ومصادر مقرّبة من السلطات في شمال شرق سوريا. في أغسطس/آب 2023، ظهر فيديو لمحتجز شمال شرق سوريا اعتقد الأقارب أنّه ذهب، يُزعم أنه يعود إلى سبتمبر/أيلول 2022، لكن الأقارب لم يتلقوا أيّ دليل على أنه لا يزال على قيد الحياة. كما تلقت هيومن رايتس ووتش وآخرون تقارير منفصلة وغير مباشرة تُفيد بأنه شوهد رهن الاحتجاز منذ معركة السجن عام 2022.
لم تُعلّق الحكومة الأستراليّة ولا السلطات التي يقودها الأكراد وتحكم شمال شرق سوريا عمّا إذا كان ذهب حيّا أو ميتا، رغم الاستفسارات المتكررة من ممثلي "الأمم المتحدة" وهيومن رايتس ووتش ووسائل الإعلام.
في مقابلة 25 فبراير/شباط التي بثت على "شبكة إس بي إس" الأسترالية، عرّف شاب يتحدّث بلكنة أسترالية بنفسه على أنّه هو ذهب. ذكر تقرير لنفس الشبكة بُث مع المقابلة المصوّرة القصيرة أنّ الرجل كان في أوائل العشرينات من عمره. تحدّث الرجل من مكان غير معلوم قال التقرير إنه في شمال شرق سوريا، وقال لمراسل برنامج "إس بي إس ديتلاين" كولين كويزر إنّه نُقل من قبل أقارب أكبر سنّا من أستراليا إلى سوريا في 2015 بعد عطلة في لبنان وتركيا المجاورتين. قال إنّه لم يكن يعلم أنّ أقاربه كانوا ذهبين إلى سوريا إلا بعد عبور الحدود.
قال الرجل بصوت متكسّر: "مررت بأشياء كثيرة، معظمها سيئ. أريد العودة إلى أستراليا وإلى حياتي الطبيعيّة التي كنت أعيشها مند عشر سنوات. أودّ أن أرى عائلتي مرّة أخرى... أنا أفكّر فيهم ليلا نهار".
قالت الحكومة الأسترالية لـ إس بي إس إنها لا تستطيع التعليق على التقرير لأسباب تتعلق بالخصوصيّة، لكنّ السلطات تقدّم مساعدة قنصليّة لعائلة رجل محتجز حاليا في سوريا. قال أحد الأقارب المباشرين لـ هيومن رايتس ووتش إنّ الأقارب على اتصال بوزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية، لكنهم لا يتلقون أي مساعدة قنصليّة، وهناك "صفر معلومات". قال أيضا إن المسؤولين الأستراليين، على حدّ علمهم، لم يزوروا ذهب منذ 2019، وفي ذلك الوقت كانوا قد وعدوا بالعودة.
يدخل عشرات آلاف السوريين والأجانب من حوالي 60 دولة، بما في ذلك نحو 40 امرأة وطفل والعديد من الرجال الأستراليين، عامهم السادس من الاحتجاز غير القانوني في ظروف قاسية وغالبا مهدّدة للحياة في مخيمات وسجون للمشتبه في انتمائهم إلى داعش وأقاربهم في شمال شرق سوريا. معظمهم من الأطفال، ولم يتمّ توجيه أيّ تهم محليّة إلى أيّ من الأجانب وليس أمامهم وسيلة للطعن في ضرورة احتجازهم وقانونيته.
أعادت الحكومة الأستراليّة 24 مواطنا، وتعثرت في إعادة البقيّة. في 2023، رفض قاض بالمحكمة الفدرالية طلبا من منظمة "أنقذوا الأطفال" الإنسانيّة لإلزام الحكومة الأسترالية بإعادة 20 طفلا و11 امرأة أسترالية من المخيمات.
توصلت أبحاث أجرتها هيومن رايتس ووتش والمقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة بتعزيز حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب آنذاك فيونوالا ني أولان إلى أن السلطات في شمال شرق سوريا تفصل بشكل روتيني الأطفال الأجانب عن أمهاتهم في المخيمات عندما يقتربون من سن المراهقة وتضعهم في "مراكز إعادة تأهيل" مغلقة. وفي كثير من الحالات، يُنقل الأطفال في ذلك العمر قسرا من هذه المراكز إلى سجون البالغين التي تأوي أيضا شبابا اعتُقلوا وهم أطفال.
تحدثت هيومن رايتس ووتش وخبير تابع للأمم المتحدة إلى فتيان وأمهاتهم في المخيمات الذين كانوا قد تعرّضوا إلى صدمة شديدة بسبب عمليات الانفصال. فصل الفتيان عن أمهاتهم دون التأكد من أنّ الفصل يصبّ في مصلحة الطفل الفضلى انتهاك خطير "لاتفاقية حقوق الطفل"، وقد يُعيق الجهود المعلنة للسلطات من أجل "إعادة تأهيل" هؤلاء الأطفال.
قال أقارب إنّ طفلين أستراليين في المخيمات يقتربان من سنّ المراهقة، وتخشى عائلتاهما من أن يُنقلا قسرا إلى ما يُسمّى مراكز إعادة التأهيل وسجون البالغين.
حثت هيومن رايتس ووتش أستراليا والحكومات الأخرى بشكل متكرر على إعادة مواطنيها المحتجزين بشكل غير قانوني إلى أجل غير مسمى في شمال شرق سوريا لإعادة تأهيلهم وإدماجهم ومحاكمة البالغين منهم حسب الاقتضاء.
قالت تايلر: "قضيّة يوسف ذهب تُسلّط الضوء على أهوال الاعتقالات الجماعيّة ولأجل غير مسمّى للمشتبه في انتمائهم إلى داعش وعائلاتهم في شمال شرق سوريا. يتعين على أستراليا وكل الحكومات الأخرى إعادة مواطنيها الآن ومحاكمة البالغين حسب الاقتضاء، حتى لا يموت أو يُفقد أي شخص آخر".