(نيويورك) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على القوات المسلحة بقيادة الأكراد في شمال شرق سوريا ضمان المعاملة الإنسانية لجميع الرجال والفتيان الذين تم إجلاؤهم أو استردادهم من السجن الذي هاجمه "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ"داعش") وسيطر عليه لبضعة أيام. على المقاتلين الإقليميين هناك والقوات الأمريكية والبريطانية الداعمة لهم تقييم مدى امتثال قواتهم لقوانين الحرب أثناء عمليات استعادة السجن واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لحماية المدنيين أثناء عمليات البحث عن أعضاء داعش والمحتجزين الفارين.
هاجم مقاتلو داعش في 20 يناير/كانون الثاني 2022 سجن الصناعة في حي غويران في مدينة الحسكة. قالت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بقيادة الأكراد إنها استعادت السيطرة الكاملة في 30 يناير/كانون الثاني عقب معركة دعمَها التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش خلفت أكثر من 500 قتيل. كان السجن يضم نحو 4 آلاف سجين يُشتبه بانتمائهم إلى داعش أو أفراد من عائلاتهم، بينهم 700 فتى، معظمهم من سوريا والعراق والباقي من عشرات الدول الأخرى. كان الأجانب محتجزين بشكل غير قانوني في ظروف مزرية لقرابة ثلاث سنوات.
قالت ليتا تايلر، المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "بدأت قسد في إجلاء الرجال والصبية من السجن المحاصر منذ أيام، لكن لا يزال العالم غير قادر على معرفة عدد القتلى أو الأحياء منهم. على سلطات الاحتجاز في شمال شرق سوريا الخروج عن صمتها حيال مصير هؤلاء المحتجزين، بمن فيهم مئات الأطفال ممن كانوا لضحايا داعش".
على قسد السماح فورا للمنظمات الإنسانية الدولية بزيارة المحتجزين الذين تم إجلاؤهم أو استردادهم من سجن الصناعة وتقديم الرعاية الأساسية لهم. عليها الإعلان عن عدد المحتجزين القتلى والجرحى ومن تم إجلاؤهم خلال معركة استعادة السجن، بمن فيهم الأطفال.
قال التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش إن المعتقلين محتجزين في منشأة أكثر أمنا، والذي هو سجن جديد مولته المملكة المتحدة قرب الصناعة، بحسب ما قاله مصدران لـ هيومن رايتس ووتش. قال " مركز معلومات شمال وشرق سوريا" (مركز معلومات روجافا) لـ هيومن رايتس ووتش نحو 300 محتجز نقلوا في 24 يناير/كانون الثاني إلى سجن علايا في مدينة القامشلي، لكن لم يتضح ما إذا كانوا قد بقوا هناك.
قال سيامند علي، مسؤول المكتب الإعلامي لدى قسد لـ هيومن رايتس ووتش: "الجميع في أماكن آمنة ويحصلون على رعاية جيدة". لكنه لم يقدم أي تفاصيل.
قالت قسد إن داعش كان يستخدم الصِبية المحتجزين كدروع بشرية خلال المعركة التي استمرت 10 أيام وإن قسد اتخذت خطوات لحماية الأطفال في هجماتها المضادة على السجن، لكنها لم توضح ماهية تلك الخطوات.
تقارير عن مقتل أطفال
في منتصف معركة السجن، قال محتجزان أجنبيان لا يزالان داخل السجن لـ هيومن رايتس ووتش إن محتجزين عديدين قُتلوا في الاشتباكات، بينهم أطفال. قال معتقل كندي إنه يعتقد أن "عشرات" الأطفال قُتلوا، واصفا طفلا ينزف حتى الموت بين ذراعيه. ذكر صبي أسترالي (17 عاما)، قال إنه أصيب في رأسه ويده في غارة لمروحية من طراز "أباتشي"، إنه يقدّر مقتل بين 15 إلى 20 طفلا على الأقل، بينهم صديقان في سن المراهقة قُتلا أمام عينيه، على حد قوله.
قال الفتى الأسترالي في رسالة مذعورة في منتصف فترة الحصار طالبا عدم ذكر اسمه (لكن تحققت هيومن رايتس ووتش من هويته): "كنت جالسا في زنزانتي، وحدث انفجار. كان ثمة إطلاق نار على مبنانا [الزنازين]. هربت مع صديقاي، 14 و15 عاما، لكنهما قُتلا أمامي في الطريق..."
أضاف الصبي الأسترالي "ظللت أركض، لكنني أصبت في رأسي ويدي، وفقدت الكثير من الدماء". قال الصبي إنه شاهد "جثثا كثيرة، جثث أموات، والكثير من الجرحى يصرخون من الألم. لا يوجد أطباء هنا، ولا أحد يمكنه مساعدتي. أنا خائف جدا، وأحتاج إلى مساعدة. أرجوكم".
قال رجل كندي محتجز وصف نفسه بأنه مواطن أمريكي (18 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش إن الطعام ومياه الشرب والأدوية نفدت من الرجال والصبية داخل السجن أثناء الحصار.
قال أيضا: "نتضور جوعا وعطشا. لا يوجد طعام ولا ماء ولا إمدادات طبية على الإطلاق. نحن خائفون، وبحاجة فقط إلى شخص ما يساعدنا على الخروج من هنا والوصول إلى بر الأمان".
كما أضاف أن الصبية كانوا محتجزين بمعزل عن البالغين، لكن عندما اقتحم داعش سجن الصناعة، عمّت الفوضى واختلط الكبار بالصبية وأيضا بالجرحى والمحتجزين الآخرين الذين يحتاجون إلى رعاية – مثل المصابين بالسل أو لديهم أمراض عقلية. تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير منذ 2020 عن تفشي مرض السل القاتل ونقص حاد في الأدوية والإمدادات الأخرى في سجن الصناعة وسجون أخرى للأفراد المشتبه بانتمائهم إلى داعش في شمال شرق سوريا.
فقدت هيومن رايتس ووتش في 26 يناير/كانون الثاني الاتصال بالمحتجزين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على قسد العمل مع مجموعات الإغاثة لاطلاع أفراد العائلات عما إذا كان أقاربهم في سجن الصناعة أحياء أم موتى أم مصابين. لم تسمع عائلات كثيرة عن أقاربها المسجونين منذ سنوات.
قالت امرأة تقرب محتجزا غربيا كان مسجونا في الصناعة لـ هيومن رايتس ووتش: "أصلّي لإيجاد طريقة لأعرف أنه بخير".
تلقت هيومن رايتس ووتش منذ 2019 عددا من الادعاءات من محتجزين أو أقاربهم أو محاميهم تفيد بأن قسد تسيء معاملة المحتجزين المشتبه بانتمائهم إلى داعش، لكنها لم تتمكن من التحقق من صحة هذه المزاعم. على القوة التي يقودها الأكراد وأعضاء التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش، بما في ذلك القوات الأمريكية والبريطانية التي تدعم العمليات الحالية، ضمان المعاملة الإنسانية لجميع من استسلموا أو تم إجلاؤهم أو أعيد القبض عليهم، والسماح لمراقبين مستقلين بالوصول إلى المحتجزين.
بموجب القانون الدولي، يتعين على جميع أطراف النزاع اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين من الأذى. في حالة الشك في أن الشخص هدف عسكري مشروع، يجب اعتباره مدنيا. لا يجوز للقوات استهداف الأهداف العسكرية إلا إذا كان المكسب العسكري المتوقع يفوق الضرر المتوقع على المدنيين أو الممتلكات المدنية. يرقى الاعتقال لأجل غير مسمى دون تهمة إلى مرتبة العقاب الجماعي للمعتقلين وأفراد عائلاتهم، وهي جريمة حرب.
عدد المحتجزين الأجانب في سجن الصناعة، كالمشتبه في انتمائهم إلى داعش وعائلات أفراد التنظيم، قرابة 45 ألف رجل وامرأة وطفل من حوالي 60 دولة محتجزون في ظروف مهينة للغاية وغير إنسانية في شمال شرق سوريا؛ أغلبهم أطفال صغار محتجزين مع أمهاتهم في معسكرات مغلقة. دعت قسد وسلطات إقليمية أخرى الدول مرارا إلى استعادة مواطنيها، قائلة إنها تفتقر إلى الموارد لرعايتهم ومحاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة. استعادت بضع دول فقط، بخلاف دول آسيا الوسطى، مواطنيها أو اتخذت خطوات مهمة أخرى لوضع حد لإساءة معاملتهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن إعادة السيطرة على السجن لا تحل الأزمة الدولية الناجمة عن الاحتجاز التعسفي وغير محدد المدة لهؤلاء الأجانب.
على جميع الدول التي لها مواطنين محتجزين في شمال شرق سوريا استعادة مواطنيها أو المساعدة في عودتهم لإعادة تأهيلهم أو إعادة دمجهم أو مقاضاتهم عند الاقتضاء. على التحالف بقيادة الولايات المتحدة وهيئات "الأمم المتحدة" والدول المنخرطة في أزمة شمال شرق سوريا المساعدة في إعادة توطين المحتجزين الآخرين، وعقد الملاحقات القضائية لهم عند الحاجة في بلدان ثالثة إذا كانوا معرضين لخطر سوء المعاملة في بلدانهم الأصلية. ينبغي إطلاق سراح جميع هؤلاء المحتجزين فورا ما لم يمثلوا أمام قاضٍ مستقل يمكنه البت في شرعية احتجازهم وضرورته.
قد تكون الحكومات التي تساهم بنشاط في هذا الحبس التعسفي متواطئة في الاحتجاز غير القانوني والعقاب الجماعي لآلاف الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال الصغار.
قالت تايلر: "مثّلت أزمة سجن الصناعة نتيجة متوقعة لغض الحكومات الطرف عن مصير مواطنيها وباقي المحتجزين في ظروف مروعة في شمال شرق سوريا. ينبغي أن يكون هذا الاعتداء جرس إنذار للبلدان بأن تصدير مسؤوليتها عن مواطنيها لن يحل المشكلة، بل سيزيد فقط من معاناة هؤلاء المحتجزين، ومعظمهم من الأطفال الصغار، ويحرم ضحايا داعش من العدالة"
تفاصيل شحيحة عن الضحايا واسترجاع السجناء
أعلنت قسد في 31 يناير/كانون الثاني مقتل 77 من موظفي السجن، و40 من مقاتليها، و4 مدنيين في المعركة التي استمرت 10 أيام لاستعادة السجن، و374 من "عناصر تنظيم ’داعش‘ الإرهابي مع المهاجمين". رغم استفسارات هيومن رايتس ووتش ووسائل الإعلام المتكررة، لم تقدم قسد تفاصيل إضافية، مثل عدد المحتجزين القتلى وعدد الأطفال منهم، وعدد الجرحى، وعدد المحتجزين الذين انضموا إلى التمرد، وعدد البالغين والأطفال الذين استعادوهم، وعدد البالغين والأطفال المفقودين.
في 31 يناير/كانون الثاني، أقر قائد في قسد بمقتل أطفال مسجونين بعد أن ذكرت "نيويورك تايمز" مشاهدتها لجثتي صبيين مراهقين قتلا بالرصاص قرب السجن، يظهر عليهما أنهما محتجزان هاربان. أضافت الصحيفة أن السكان المحليين أخبروها أن الصبيين أصيبا برصاص قسد، لكنها لم تتمكن من تأكيد أي تفاصيل عنهما أو عن وفاتهما. قال القائد إن "عددا محدودا" فقط من القتلى أطفال.
قالت قسد إن قرابة 300 مقاتل من داعش اقتحموا سجن الصناعة. ذكرت في 27 يناير/كانون الثاني استسلام 3,500 محتجز - جميع السجناء تقريبا، لكن تبين إعلانها في اليوم السابق عن استعادتها السيطرة الكاملة على السجن أنه سابق لأوانه، مما أثار تساؤلات حول هذه الأرقام.
العمليات العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
قال التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش إنه شن غارات جوية، حسب تقارير، بمروحيات أباتشي وطائرات مقاتلة من طراز "إف-16" (F-16). قالت وزارة الدفاع الأمريكية إن الولايات المتحدة قدمت دعما بريا لدعم قسد خلال معركة استعادة السجن. قدمت القوات الخاصة البريطانية أيضا المساعدة وفقا لوسائل الإعلام ومركز معلومات روجافا.
أظهرت صور الأقمار الصناعية والفيديوهات التي حللتها هيومن رايتس ووتش الأضرار الواسعة التي لحقت بمجمع السجن.
قامت قسد أثناء حصار السجن وبعده بتفتيش المنازل في المناطق المجاورة وفي أماكن أخرى في شمال شرق سوريا بحثا عن عناصر داعش، مما تسبب في نزوح عشرات الآلاف من السكان المحليين وتدمير المنازل المشتبه باختباء مسلحين فيها في بعض الحالات.
الاعتقالات غير القانونية
بدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، اعتقلت قسد عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال السوريين والأجانب، بما في ذلك معظم الرجال والصبية الذين احتجزتهم بعد ذلك في الصناعة، خلال انهيار المعقل الأخير الذي كان يسيطر عليه داعش في شمال شرق سوريا في فبراير/شباط ومارس/آذار 2019. لم يمثل أي من المحتجزين الأجانب أمام قاض لتحديد ضرورة أو قانونية اعتقاله، مما يجعل احتجازهم لأجل غير مسمى تعسفيا وغير قانوني.
قالت هيومن رايتس ووتش وخبير الأمم المتحدة المستقل المعني بمكافحة الإرهاب إن ظروف المحتجزين في الصناعة كانت في أحيانٍ كثيرة غير إنسانية ومهددة لحياتهم، واتسمت بالاكتظاظ الشديد، وندرة الوصول إلى الأماكن الخارجية وأشعة الشمس، وعدم كفاية الأدوية والطعام. كان من المقرر أن تقدم منظمة غير حكومية في أوائل 2022 التعليم للأطفال، لكن الهجوم على السجن وضع هذا الجدول الزمني موضع شك، حسبما قاله أحد المنظمين لـ هيومن رايتس ووتش.
كان الأهل وراء قدوم معظم، إن لم يكن جميع، الصبية الأجانب المحتجزين إلى سوريا. قالت السلطات في شمال شرق سوريا لـ هيومن رايتس ووتش إن الفتيان المسجونين في سجن الصناعة هم 400 سوري، وقرابة 200 عراقي، و100 أو أكثر من دول أخرى. قالت قسد إن نحو 700 طفل مسجونين تقل أعمارهم عن 12 عاما. قال محتجزون لـ هيومن رايتس ووتش وذكرت وسائل إعلام أن بعضهم لم يتجاوز العاشرة. بموجب القانون الدولي، يجب معاملة جميع الأطفال المرتبطين بالجماعات المسلحة أولا وقبل كل شيء كضحايا، وعدم احتجازهم إلا كإجراء استثنائي يُلجأ إليه كملاذ أخير.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم إنفاق التحالف بقيادة الولايات المتحدة ملايين الدولارات على تحسين الأوضاع الأمنية وغيرها في السجن، وإنفاق المملكة المتحدة 20 مليون دولار لبناء سجن قريب، لا تغير هذه الإجراءات حقيقة أن الاحتجاز لأجل غير مسمى دون مراجعة قضائية غير قانوني.