في أوائل أبريل/نيسان، أعلن حوالي 400 عامل أجنبي في "رامكو"، وهي شركة لبنانية للبناء والمنشآت وإدارة النفايات، الإضراب للمطالبة بالحصول على رواتبهم بالدولار الأمريكي وتحسين ظروف عملهم. هذا الإضراب، الأول من نوعه بين العمال الأجانب في لبنان، قد يُشكّل نموذجا يُحتذى به لمجموعات أخرى من العمال الذين يطالبون بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
رغم أن عقود العمال الأجانب في رامكو بالدولار الأمريكي، لكنهم يقولون إن الشركة منذ نوفمبر/تشرين الثاني تدفع لهم بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1,500 ليرة لبنانية للدولار، وهو سعر لم يَعُد صالحا الآن. في الأشهر القليلة الماضية، فقدت الليرة أكثر من 60 بالمئة من قيمتها، ما يعني أن عائلاتهم في أوطانهم لم تعُد قادرة على شراء الحاجات الأساسية. وليد بو سعد، مدير رامكو، أكّد لـ هيومن رايتس ووتش أن الشركة كانت تدفع للعمال بالليرة اللبنانية، متذرّعا بأن الحكومة اللبنانية تُسدد مستحقات الشركة بالعملة المحلية.
العمال يأكلون وينامون في مقرّ الشركة ويقولون إن رامكو تحتجز جوازات سفرهم وأوراقهم الثبوتية الأخرى؛ تأكدت هيومن رايتس ووتش من هذا الأمر من وليد بو سعد. يقول العمال أيضا إنهم حُرموا من الحد الأدنى للأجور ومن أيام الإجازة. قال وليد بو سعد لـ هيومن رايتس ووتش إن العمال يحظون بيوم إجازة واحد في الأسبوع حسبما ينصّ قانون العمل، وإنّ متوسط راتبهم الشهري هو 400 دولار شهريا – الحد الأدنى للأجور في لبنان هو 675,000 ليرة لبنانية (450 دولار وفق سعر الصرف الرسمي).
في 2 أبريل/نيسان، أعلن العمال الإضراب. في 12 مايو/أيار، اتصلت الشركة بشرطة مكافحة الشغب حين قطع موظفو رامكو الطرقات خارج الشركة ومنعوا شاحنات النفايات من الخروج. انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر عناصر مكافحة الشغب وهم يطلقون القنابل المسيلة للدموع ويضربون العمال. بدا عدد قليل من العمال وهم يحطّمون ممتلكات الشركة. بعد أسبوع، في 20 مايو/أيار، أعلنت السفارة البنغلاديشية في بيروت أن رامكو تفاوضت مع العمال على اتفاق مؤقت لزيادة رواتبهم، لكن تفاصيل الاتفاق لا تزال غير واضحة.
رغم أن قانون العمل اللبناني لا يستثني العمال الأجانب تحديدا، إلا أن تدابير الحماية التي ينصّ عليها لا تُطبَّق بشكل دائم على العمال الأجانب. يتمتع العامل الأجنبي بنفس حقوق العامل اللبناني: تقاضي الحد الأدنى ويوم راحة في الأسبوع وأسبوعي عطلة مدفوعة الأجر في السنة، لكن العديد من أصحاب العمل لا يلتزمون بهذه المعايير. يخضع العمال الأجانب لـ"نظام الكفالة" ويتعرضون بشكل خاص لسوء المعاملة لأن تأشيراتهم مرتبطة بصاحب عملهم، أي أنهم لا يستطيعون المغادرة أو تغيير وظائفهم بدون موافقته – ما يُعرّضهم لخطر الاستغلال. تُوثّق هيومن رايتس ووتش بشكل دوري تقارير عن الانتهاكات بحق العمال الأجانب، من بينها عدم دفع الرواتب والحبس القسري ورفض إعطاء فترة راحة والاعتداء اللفظي والجسدي.
قانون العمل يميّز أيضا ضد العمال الأجانب فيما يتعلق بالانتساب إلى النقابات. رغم أنّ المادة 92 من القانون تُجيز لبعض العمال الأجانب أن ينتسبوا إلى النقابات والجمعيات، إلا أنها تحرمهم من حقهم بالانتخاب أو الترشّح كممثلين في مجالس النقابات. لبنان أوْقف ورحَّل أجانب ناضلوا من أجل حقوق العمال الوافدين. هذه الممارسات تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يُلزِم الدول باحترام حقوق جميع من على أراضيها بحرّية تكوين الجمعيات بدون تمييز.
إضراب عمال شركة رامكو غير مسبوق. قالت ليا بو خاطر، المتخصصة في الحركة العمالية: "لم يُسجِّل تاريخ لبنان إضرابا مثل هذا في صفوف العمال الأجانب، لا من حيث عدد المشاركين ولا من حيث مدة العمل الجماعي". قالت إنه قد يكون خطوة مهمة للقطاع الخاص بأكمله. أخبرت هيومن رايتس ووتش أن مجموعة من العوامل، من بينها السِمات التقييدية لسوق العمل، والإطار القانوني اللبناني والتنظيم والهيكلية الداخلية لـ"الاتحاد العمالي العام"، تساعد في تفسير سبب تمثيل أقل من 6 بالمئة من القوى العاملة في لبنان في هذا الاتحاد الشامل ولماذا الإضرابات المماثلة نادرة الحصول في لبنان.
الصراع من أجل الحصول على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية كان إلى حد كبير وراء اندلاع "ثورة أكتوبر" في لبنان. لو استطاع العمال الأكثر تهميشا أن ينتظموا حول مصالحهم المشتركة، بإمكان المجموعات الأخرى القيام بذلك أيضا. بدأ العمال والمهنيون بالفعل بالعمل على إنشاء نقابات واتحادات بديلة – ذات هيكليات وقوانين داخلية خاصة بها - لتعزيز مكاسب الثورة وتجاوز النقابات غير الفعالة الموجودة التي توافقت عليها إلى حد كبير الأحزاب السياسية مجتمعة.
هذه التعبئة العابرة للطوائف والقائمة على المصالح قد تكون أفضل طريقة لتفكيك "نظام المحسوبية" الفاسد والمرتكز على الطائفية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. ينبغي أن يبدأ ذلك بضمان تمكين العمال الأكثر تهميشا، بما يشمل إلغاء نظام الكفالة المسيء.