يتجادل صناع السياسات في العراق وفي الدول الداعمة للحكومة العراقية حول أي نوع من جهود المصالحة هو المطلوب في مرحلة ما بعد "داعش". لكن في الوقت نفسه ودون ضجّة، تنفذ بلدة الشورى شماليّ العراق – 40 كلم جنوبي الموصل – جهود المصالحة وإعادة الإدماج الخاصة بها.
ففي مطلع فبراير/شباط كنت في بيت الشيخ جمهور من عشيرة جبوري، من أكبر القبائل في العراق، وهو يصف كيف تعاملت بلدته مع المصالحة بين العوائل التي عانت من فظائع داعش والعوائل التي بها أعضاء في داعش. في مناطق العراق الأخرى يتم توقيف أهالي المشتبه بأن لهم أقارب في داعش تحت تهديد السلاح، ويُجبرون على الإقامة في معسكرات اعتقال فعلية، كنوع من أنواع العقاب الجماعي، وهي الممارسة المحظورة بموجب القانون الدولي.
على النقيض، قال الشيخ إن الشورى رحّبت بعودة النساء والأطفال أقارب من انضمّوا إلى داعش، وأن كبراء آل جبوري يساعدون في إعادة دمج أبناء عناصر داعش في المدارس المحلية.
بحسب الشيخ جمهور واثنين من قادة عشيرة جبوري، فهناك شخص واحد على الأقل من كل عائلة من بين نحو نصف عوائل الشورى البالغ عددها 2,200 عائلة، ومن بين ما مجموعه 68 قرية متصلة بالبلدة، انضمّ إلى تنظيم داعش عندما سيطر على المنطقة. عندما استردت الحكومة العراقية المنطقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فرّ السكان إلى مخيمات النازحين وإلى الموصل. في وقت لاحق من الشهر نفسه، سمحت الشرطة الاتحادية العراقية للسكان بالعودة إذا لم يكن لهم أقارب مباشرين على صلة بداعش، لكن لم تسمح للعوائل الأخرى بالأمر نفسه.
قال جمهور إنه طلب من الشرطة الاتحادية السماح للعوائل التي لها أقارب مقربين انضموا إلى داعش بالعودة، وقد قدّم وعدين: لن يقوم هو أو السكان الآخرين العائدين بالإضرار بهذه العوائل، وسوف يتحملون مسؤولية إعادة دمج العوائل بسلام في المجتمع. قال لي: "ولد داعش في سجون خضعت للإدارة الأمريكية، مثل كامب بوكا، وهذه المخيمات الآن بها أقارب عناصر داعش الذين سيصبحون مثلهم إذا لم نتوخ الحرص. لن ينال الأطفال تعليما جيدا في المخيمات. وقد رفضنا التخلي عنهم. إذا أعدناهم، فأعرف أن بإمكاننا إعادة عقولهم أيضا". وافقت قوات الأمن على ترك العوائل تعود في يونيو/حزيران الماضي.
قال جمهور إن قبل عودتهم نسّق مع قادة محليين آخرين ومع السكان الذين وقعوا ضحايا لانتهاكات داعش. قال إن مقاتلي داعش قتلوا 250 شخصا على الأقل من العوائل المحلية. عقد برفقة قيادات محلية أخرى 3 لقاءات جماعية مع العوائل التي فقدت أقارب لها بسبب داعش، ليشرحوا العودة المنتظرة للعوائل ولضمان تفهّم عوائل الضحايا لهذا وقبولهم به. في البداية طالبت عوائل الضحايا بالدية من العوائل العائدة، على حد قوله، لكنه ضغط. قال: "أخبرناهم أن الحكومة هي المسؤولة عن تقديم التعويض، وليس النساء قريبات عناصر داعش]".
يجب محاسبة المسؤولين عن انتهاكات داعش المروعة في المحاكم، في محاكمات عادلة، لكن وكما قال جمهور فهؤلاء النساء والأطفال الذين لم يشاركوا في أعمال القتل لا يتحملون مسؤولية.
عندما حان وقت عودة العائلات، قال جمهور إنه ومعه قيادات محلية أخرى توصلوا إلى أقارب بعيدين لهم في البلدة يمكنهم استضافة من كان لهم أزواج أو أبناء من أعضاء داعش. لقنهم الرسالة المطلوب بثها للأقارب العائدين، لإقناعهم بأن الحياة لم تكن أفضل في ظل داعش. على سبيل المثال، شدد على أهمية التصويت في انتخابات العراق المقبلة في مايو/أيار موجها حديثه إلى القريبات العائدات. قال: "أريد أن أوضح لهن أنهن إذا لم يكون راضين بالحكومة فيمكنهن الضغط لتغيير النظام من داخله".
قال إنه يزور المدارس المحلية بشكل شبه يومي ليتحدث إلى الأطفال حول مخاطر الحياة في ظل داعش، وأن الإمام في المسجد المحلي يكافح عقيدة داعش بالاستعانة بمعارفه الدينية. يتعامل المعلمون مع الأطفال المصابين بالكرب دون أي تدريب اختصاصي، لذا فهو يود جلب خبراء لإمداد مجتمعه بالمعرفة اللازمة للمساعدة على إعادة الإدماج وإعادة التأهيل. في الوقت نفسه، يسدد المجتمع المحلي أغلب رواتب المعلمين لأن الحكومة تباطأت في دفع هذه الرواتب.
تُعد بلدة الشورى مميزة من عدة أوجه. جميع السكان تقريبا من قبيلة جبوري، لذا فيبدو أن قرارات الكبار مقبولة على نطاق واسع. فالنساء اللواتي لهن أقارب مقربين من أعضاء داعش، لهن أقارب أبعد في الشورى مستعدين لاستضافتهن لدى عودتهن وضمان أنهن لن يمثلن تهديدا أمنيا. لدى نصف سكان البلدة تقريبا أقارب مقربين كانوا من أعضاء داعش، لذا فإن الترحيب بعودتهم كان ضروريا لاستمرارية السكان المحليين وبقائهم.
لكن الشيخ جمهور يعتقد أن تجربة الشورى يمكن تكرارها في مناطق أخرى. قال: "إذا قررت العشائر الغفران للعوائل وتحمل مسؤولية إعادة دمجها بالمجتمع، فإن من يرفضون السياسة سيصمتون لصالح تحقيق الصالح الأكبر للمجتمع ككل. على كل، كان داعش حركة عابرة للحدود، وليس حركة قبلية، والتكوين القبلي هنا أقوى دائما".
على السلطات العراقية بالطبع ضمان استخدام مثل هذه الاتفاقات في حماية الحقوق، لا في زيادة إجحاف النساء وغيرهن. الحق أن هناك بعض العادات المحلية في مناطق بالعراق تخالف تماما حقوق الإنسان الأساسية، ومنها حقوق النساء تحديدا.
لقد تركت ذلك الاجتماع مع الشيخ جمهور وأنا أشعر بالتفاؤل بأن جهود المصالحة الوطنية القادرة على حفظ حقوق العراقيين ممكنة، لكن فقط إذا جعلت الحكومة المركزية العراقية منها أولوية، مع إشراك القيادات المجتمعية والضحايا وعوائل المشتبهين بالانتماء إلى داعش.