(الموصل) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن مسؤولين وعاملين في إدارة المخيمات و3 منظمات دولية على الأقل أكدوا أنه في أوائل يناير/كانون الثاني 2018، أجبرت السلطات العراقية 235 أسرة على الأقل، يُشتبه بأن أقاربهم أشخاص ينتمون إلى داعش، على النزوح. أجبر أغلبهم على الذهاب إلى مخيم داقوق في محافظة كركوك، بينما نُقل عدد أقل منهم إلى مخيمين آخرين في المنطقة.
بينما كانت الأسر تهجر، دمّرت مجموعات من "قوات الحشد الشعبي" منازلهم وأجبرت الأهل على ترك أطفالهم وسرقت ماشية بعض الأسر، كما قامت بضرب 3 رجال على الأقل.
قالت لما فقيه، نائبة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "كيف يمكن للعراق الادعاء بأنه طوى الصفحة وأنه يدعم المصالحة بينما تقوم قواته بعقاب جماعي للمدنيين؟ لا يمكن أن يؤدي تواطؤ الحكومة في تعميق انقسام المجتمع العراقي إلى أي نتيجة إيجابية".
قال مدير مخيم داقوق، 30 كم جنوب كركوك، لـ هيومن رايتس ووتش خلال زيارة في 23 يناير/كانون الثاني 2018، إن المخيم استقبل 220 أسرة جديدة منذ 4 يناير/كانون الثاني. أغلبهم من قرى في منطقة الحويجة، غرب كركوك، وجلبتهم القوات العراقية إلى مخيم داقوق بسبب أقرباء لهم يشتبه بانتمائهم لداعش.
كان بعضهم قد أمضى وقتا في المخيم بين 2014 و2016، عندما كانت مناطقهم تحت سيطرة داعش، وعادوا إلى منازلهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد استعادة القوات العراقية لهذه المناطق. مع أن العديد من مجموعات الإغاثة يعمل في المخيم، فإن الخدمات الطبية والتعليمية محدودة فيه. أكد ممثل إحدى المنظمات الدولية أن القوات العراقية أجبرت 15 أسرة أخرى على الأقل على الانتقال إلى مخيمين آخرين في المنطقة.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 24 شخصا من 19 أسرة، قالوا إنهم جُلبوا إلى المخيم بين 4 و9 يناير/كانون الثاني. أتت هذه الأسر من 10 قرى: اذربان، العلوية الجديدة، كرحة غازان، خريفي، كيصومة، كفاح، مفتول، مراتة، مرابطة، وسيد حميد. اعترفوا جميعا، إلا شخص واحد، بأن لديهم أقارب ينتمون إلى داعش.
قالوا إن الحشد الشعبي والجيش جمّعا الأسر بدون سابق إنذار، وبطريقة منسّقة بناء على لوائح لديهم، وجلبوهم إلى المخيم بعد فحصهم في القواعد العسكرية. قالوا إنهم عندما سألوا عن سبب تهجيريهم أجابهم الجنود بأنهم أبرياء ولكنهم يُقلون إلى المخيم لأن أقرباءهم ينتمون إلى داعش.
في 24 يناير/كانون الثاني، قال محام وعامل حقوق في الحويجة لـ هيومن رايتس ووتش، إنه لا يوجد أي مرسوم اتحادي أو إقليمي أو أي أمر بتهجير هذه الأسر، واتفق معه قاض في الحويجة حيث أكد أنه من ناحية قانونية لم ترتكب هذه الأسر أي خطأ ولا يجب أن تعاقَب.
تكلم مراقبون مستقلون في داقوق مع 3 رجال من نفس القرية يوم وصولهم إلى المخيم، قالوا إن قوات الحشد الشعبي ضربتهم. رأى المراقبون ظهور الرجال التي كانت مغطاة بالكدمات. صوّرهم المراقبون وعرضوا هذه الصور لـ هيومن رايتس ووتش. قال أشخاص من هذه القرية لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الحشد الشعبي ضربتهم، لكنهم خافوا من تقديم تفاصيل أكثر.
قال المراقبون إنهم تكلموا مع مجموعة من الرجال والنساء من قريتين أخرتين، قالوا أيضا إن قوات الحشد الشعبي ضربتهم، وأظهرت امرأة الكدمات على ذراعيها ورِجليها، وصوّرها المراقبون.
قال "أحمد" (40 عاما) وزوجته "لمى" (36 عاما) إن عناصر من وحدة "علي أكبر" من الحشد الشعبي والفرقة التاسعة من الجيش أتوا إلى منزلهم في 4 يناير/كانون الثاني وقالوا لهما إنهما مطلوبان لاستجواب سريع. جعلهم أفراد من الجيش يتركان 5 من أطفالهم السبعة في المنزل وسمحوا لهما باصطحاب الأصغر سنا. بعد ذلك نقلهم المقاتلون في حافلة إلى قرية مجاورة للفحص، ثم أرسلوا لمى مع طفليها إلى داقوق. قالت لمى: "رجوتهم أن يسمحوا لي بالعودة إلى المنزل لاصطحاب أطفالي لكنهم لم يقبلوا".
قال أحمد إن قوات الحشد الشعبي أخذته مع 25 رجل وفتى آخرين من هذه القرية، وهم معصوبي الأعين، إلى قاعدة عسكرية حيث أُجبروا على الجلوس على الأرض الرطبة والباردة. بعد عدة ساعات نقل الجنود الرجال إلى المخيم. أمضى أحمد ولمى 5 أيام لإيجاد قريب يجلب بقية أطفالهما إلى المخيم.
قالت إدارة المخيم والذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم إن الشرطة المحلية العاملة في المخيم صادرت أوراق الأسر الثبوتية وتحتفظ بها كي لا يهرب أحد من المخيم. قال مدير المخيم إنه إذا تمكن أحدهم من إيجاد أحد داخل المخيم ليكفله للحصول على إذن خروج، للذهاب إلى المستشفى مثلا، لا يُسمَح لغيره من الأسرة بالخروج، بل تبقى الأسرة في المخيم لضمان عودته.
قالت 3 أسر لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا، لدى إجبارهم على مغادرة قراهم، رجالا يرتدون زي الحشد الشعبي يهدمون منازلهم بالجرافات ويضرمون النار فيها. قالت أسرتان أخرتان إن جيرانهم الذين بقوا في القرية قالوا لهم إن يوم اقتيدوا قام المقاتلون بهدم منزلهم، لكنهم لم يعرفوا بأي وسيلة.
راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية لـ 3 قرى – كرحة غزان، كفاح وسيد حامد – أكدت هدم 8 منازل باستخدام آليات كبيرة بين 3 و9 يناير/كانون الثاني إلى هدم 21 منزلا في قرية صفراء المجاورة في نفس الفترة. تمكن باحثون من زيارة منزل إحدى الأسر المهدّم في معراتة وأكدوا رواية أفراد الأسرة. رأى الباحثون آثار هدم 6 منازل على الأقل في 3 قرى أخرى – الخان، الرسولية وعاكولة – في نفس الفترة، لكنهم لم يتمكنوا من دخول القرى للحصول على تفاصيل أكثر.
أكد ناشط حقوقي أن الأسر هُجّرت من 3 قرى أوائل يناير/كانون الثاني، وصور الأقمار الصناعية لإحدى القرى تؤكد حصول الهدم بين 3 و9 يناير/كانون الثاني. أما قرى المهجّرين الآخرين الذين أجريت معهم مقابلات – جنوب شرق وجنوب غرب الحويجة – لم تكن آمنة للزيارة.
إحدى المعايير الدولية الأساسية أن تقع عقوبة الجرائم على مرتكبيها فقط، بعد محاكمة عادلة تحدد الذنب الشخصي. أما فرض عقاب جماعي على الأسر أو القرى أو المجتمعات المحلية فمحظور كليا وقد يشكل جريمة، خاصة إذا أدى إلى نزوح جماعي.
يحظر قانون الحرب تهجير المدنيين القسري، إلا في حالات محدودة إذا كان التهجير ضروريا لحماية المدنيين أو لضرورات عسكرية، فقط لغاية فترة الحاجة لذلك. بموجب "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، إصدار أمر غير قانوني بتهجير المدنيين خلال النزاع يُعَدّ جريمة حرب. أما التهجير القسري غير القانوني والممنهج الذي تفرضه الدولة أو أي مجموعة منظمة قد يرتقي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات العراقية اتخاذ خطوات فورا للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة هذه ومزاعم أخرى عن هدم ونهب وتدمير ممتلكات المدنيين. عليها محاسبة المجموعات المسلحة التي تنهب وتدمر ممتلكات المدنيين. على اللجنة التي أنشأها القانون للتعويض عن "ضحايا الإرهاب والأخطاء العسكرية" دراسة مزاعم الضحايا حول النهب والهدم من قبل القوات المسلحة.
قالت فقيه: "عبر تهجير هذه الأسر قسرا تحكم السلطات العراقية على أفرادها بمستقبل قاتم في ظل ظروف اقتصادية صعبة وفرص تعليم محدودة وظروف عيش مزرية في المخيمات السجون".
روايات المهجرين
قال "كريم" إن وحدة علي أكبر من الحشد الشعبي أخذت أسرته وأسر جيرانه في 4 يناير/كانون الثاني إلى مدرسة في قرية تبعد 5 كلم واستجوبت الرجال لنحو ساعة، ثم أعادتهم إلى منازلهم وقالت لهم إن عليهم الانتقال إلى مخيم داقوق.
قال: "عندما وصلت إلى المنزل، وجدت أنه خلال الساعة التي غبتها، سوّت القوات منزلنا بالأرض وسرقت ماشيتي– بقرتان، 44 دجاجة و105 خراف. بلّغت عن السرقة لضابط استخبارات في الحشد الشعبي عند وصولي إلى المخيم، فتعرّف على الجاني، وهو شخص محلي أعرفه، وينتمي إلى وحدة قبلية، وهي الحشد العشائري استرجعت 55 خروفا فقط".
الحشد العشائري الذي تكلم عنه هو جزء من الحشد الشعبي. ثم نقله الجنود وأسرته وجيرانه إلى مخيم داقوق.
قال "جميل" (62 عاما)، من قرية أخرى، للباحثين إن ابنيه انضما إلى داعش. مات أحدهما بينما هرب الثاني قبل وصول القوات العراقية. بعد 3 أكتوبر/تشرين الأول، عندما استعادت القوات العراقية المنطقة، ذهبت قوات الحشد الشعبي إلى منزل جميل، واعتدت عليه واحتجزته في إحدى المرات لثمانية أيام، بزعم أنه تعامل مع داعش وأنه المسؤول عن التحاق ابنيه بالتنظيم. انتقل لاحقا إلى مزرعة خارج القرية مع أسرته لتجنب الاعتداء المتكرر من قبل هذه القوات.
في 9 يناير/كانون الثاني جاء مسلحو الحشد الشعبي، لم يستطع جميل التأكد إلى أي جهة ينتمون، إلى المزرعة واقتادوا جميل إلى منزله في القرية. وجد أن عناصر الفرقة التاسعة ينامون في خيم في حديقته. ثم شاهد جميل والجنود الحشد الشعبي يهدمون المنزل بالجرافة ثم يحرقونه من الداخل، توسلت زوجة جميل، التي كانت موجودة، إليهم كي تنقذ بعض الأشياء من منزلها لكنهم رفضوا.
ثم اقتادوهما إلى مكان فحص في قرية مجاورة ثم إلى المخيم. في 24 يناير/كانون الثاني زار باحثون منزل جميل المهدم، وتكلموا مع 9 قرويين كانوا موجودين عندما هجم الحشد الشعبي على منزل جميل وأكدوا الرواية.
قال جميل إن هذه لم تكن المرة الأولى التي يُستهدف فيها. قال، هو ورجلان من قريته يعيشان الآن في المخيم، إن عناصر محلية من الحشد العشائري، يعرفونهم بالاسم، سرقوا منهم 6 خراف تحت تهديد السلاح في 20 ديسمبر/كانون الأول و10 أبقار في 28 ديسمبر/كانون الأول. بعد هذا الحادث تدخل الجيش وأجبرهم على إعادة الأبقار، قال جميل إن نفس الرجال نهبوا منزله وسرقوا سيارته في 25 ديسمبر/كانون الأول. علما أنه لم يكن في منزله في حينها لكنه كان قريبا وشهد على السرقة.
"محمود" (34 عاما) جار جميل والذي يعيش حاليا في المخيم، قال إن عمه الذي لا يزال في القرية ويعتني بمواشي محمود، قال له إن بعد مغادرته، عادت نفس القوات وأخذت 17 بقرة وإنهم قالوا إنهم سيأخذون الـ30 المتبقية قريبا.
زارت هيومن رايتس ووتش منزل جميل المحروق ووجدته خاليا، كما رأت بقايا منطقة مواشي جميل. زارت هيومن رايتس ووتش أيضا قاعدة الوحدة المحلية للحشد العشائري التي قال جميل إنها مسؤولة عن النهب ووجدت 3 أبقار مربوطة بالحائط لكنها لم تتمكن من التأكد إذا ما كانت هي الأبقار المسروقة. قال جميل: "لماذا أحسوا بالأمان لاستهدافنا وسرقتنا بهذا الشكل؟ لأنهم ينظرون إليها على أننا أُسر داعش".