(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم، بعد زيارة قامت بها لمحافظة حلب، إن مجموعات مسلحة من المعارضة قامت بإساءة معاملة وتعذيب معتقلين، ونفذت عمليات إعدام جماعية خارج نطاق القضاء في حلب واللاذقية وإدلب. ويُعتبر تعذيب المعتقلين وتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء في النزاعات المسلحة من جرائم الحرب، وقد تكون جرائم ضد الإنسانية إذا تمت ممارستها على نطاق واسع وبشكل ممنهج.
وقالت قيادات في المعارضة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم سوف يحترمون حقوق الإنسان وإنهم اتخذوا إجراءات للحد من الانتهاكات. ولكن هيومن رايتس ووتش تعرب عن قلقها العميق من تصريحات لبعض زعماء المعارضة، يبدو منها أنهم يتسامحون مع، وربما يتغاضون عن، وقوع عمليات إعدام جماعية خارج نطاق القضاء وعمليات إعدام بإجراءات موجزة. وعندما قُدمت لهم أدلة على وقوع عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، قال ثلاثة من قيادات المعارضة لـ هيومن رايتس ووتش ان أولئك الذين قتلوا يستحقون القتل، وإن عمليات الإعدام نُفذت فقط في حق أسوأ المجرمين.
وقالنديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تُعتبر تصريحات مجموعات المعارضة المتعلقة برغبتها في احترام حقوق الإنسان تصريحات مهمة، ولكن الاختبار الحقيقي يتمثل في سلوك قوات المعارضة. ويتحمل مساندو المعارضة السورية مسؤولية خاصة تتمثل في ضرورة إدانتهم هذه الانتهاكات".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على قيادات المعارضة العسكرية والمدنية في سوريا اتخاذ جميع التدابير الممكنة على الفور لوضع حد للتعذيب وعمليات الإعدام التي تنفذها مجموعات المعارضة، بما في ذلك إدانة مثل هذه الممارسات. كما يجب عليهم التحقيق في هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها وفا قًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ودعوة مراقبي احتجاز معترف بهم دوليًا لزيارة جميع مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرتهم. كما يجب التشجيع على المبادرات التي تجعل مجموعات المعارضة تتبنى وتطبق مدونات سلوك من شأنها تعزيز احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وقامت هيومن رايتس ووتش بعرض نتائج بحوثها وقدمت توصيات تفصيلية في اجتماعات مع قيادات المعارضة شماليّ حلب في أغسطس/آب، وفي رسالة وجّهتهاإلى العديد من قيادات المعارضة في 21 أغسطس/آب 2012. وفي ردّ كتابي من المجلس العسكري بمحافظة حلب، قال المجلس إنه على ضوء نتائج البحوث قد أكد لمجموعات الجيش السوري الحر التزامه باحترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، وأعلن أنه بصدد إنشاء لجان خاصة لمراقبة ظروف وممارسات الاعتقال، وأنه سوف يحاسب كل مسؤول يتصرف "خلافًا للتوجيهات".
كما قالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على البلدان التي تمول مجموعات المعارضة أو تقدم لها السلاح أن ترسل إشارات قوية إلى المعارضة بأنها تتوقع منها التزامًا صارمًا بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وثّقت هيومن رايتس ووتش أكثر من 12 عملية إعدام بإجراءات موجزة وخارج نطاق القضاء نفذتها قوات المعارضة. وعلى سبيل المثال، قال مقاتلان لـ هيومن رايتس ووتش من كتيبة أنصار محمد في اللاذقية، وهي المجموعة التابعة للجيش السوري الحر، إن الكتيبة أعدمت أربعة أشخاص، اثنان منهما على الفور واثنان أخران بعد محاكمتهما، بعد أن هاجمت مركزًا للشرطة في الحفة في يونيو/حزيران 2012،.
وقال ستة من بين 12 معتقلا قابلتهم هيومن رايتس ووتش في مركزي اعتقال تابعين للمعارضة إنهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة السيئة على يد مقاتلي الجيش السوري الحر ومسؤولين عن مراكز الاعتقال، وخاصة بضربهم على باطن أقدامهم. ويبدو أن التعذيب يتم بشكل مكثف أثناء المراحل الأولى من الاعتقال، قبل نقل المحتجزين إلى سلطات المعارضة المدنية.
وبالنظر إلى التضارب الحاصل بين الروايات والإصابات الواضحة الناتجة عن التعذيب، تتوفر لـ هيومن رايتس ووتش الأسباب التي تجعلها تعتقد أن مقاتلي الجيش السوري الحر وسلطات السجن قاموا أيضًا بتعذيب أو إساءة معاملة البعض من بين ستة معتقلين على الأقلّ أنكروا تعرضهم للانتهاكات أثناء مقابلتهم.
سمير، الذي تم اعتقاله في بداية أغسطس/آب على يد الجيش السوري الحر، قال لـ هيومن رايتس ووتش:
قام مقاتلو الجيش السوري الحر الذين أوقفوني بنقلي إلى قاعدتهم. وأمضيت ليلة واحدة هناك برفقة سجين آخر. ضربوني كثيرًا بهراوة خشبية على باطن رجليّ لمدة ساعتين. في البداية رفضت الاعتراف، ولكنني بعد ذلك أرغمت عليه. وبعد الاعتراف، توقفوا عن ضربي.
كما قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة أكثر من 25 مقطع فيديو على موقع يوتيوب يظهر فيها أشخاص يُعتقد أنهم في قبضة مجموعات المعارضة المسلحة وتظهر عليهم علامات التعرض للانتهاك الجسدي. ولا تستطيع هيومن رايتس ووتش التأكد بشكل مستقل من صحة هذه المقاطع.
وقال رئيس المجلس الثوري في محافظة حلب لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات لا تقوم بإعدام أو تعذيب المعتقلين، ولكن ضرب المعتقلين على باطن القدم "مسموح به" لأنه لا يتسبب في جروح. وعندما شرحت له هيومن رايتس ووتش أن الضرب على باطن الأرجل يُعتبر تعذيبًا، وهو عمل غير قانوني استنادًا إلى القانون الدولي، قال إنه سوف يرفع تعليمات جديدة لمقاتلي الجيش السوري الحر والمشرفين على مراكز الاعتقال بأن الضرب على باطن القدم لن يعود مسموحًا به.
وقال نديم حوري: "من حين إلى آخر، تقول لنا المعارضة السورية إنها تقاتل الحكومة بسبب ارتكابها انتهاكات بغيضة لحقوق الإنسان. أما الآن، فقد حان الوقت لكي تبرهن المعارضة على أنها فعلا تعني ما تقول".
وقالت سلطات معارضة محلية لـ هيومن رايتس ووتش إنها قامت بتعيين مجالس قضائية تقوم بمراجعة الاتهامات الموجهة إلى المعتقلين وتصدر أحكاما في حقهم. في بعض المدن، تعتمد هذه المجالس بشكل كامل على الشريعة الإسلامية. أما في مدن أخرى، فتعتمد على الشريعة في المسائل المدنية فقط وعلى القانون الجنائي السوري في المسائل الجنائية.
ويبرز وصف المحاكمات كما جاء على لسان المعتقلين وأعضاء المجالس القضائية أنها لا تستجيب إلى المعايير الدولية لسلامة الإجراءات القضائية، بما في ذلك حق المعتقلين في التمثيل القانوني، وإعداد الدفاع، ومواجهة كل الأدلة وشهود الإثبات.
ويتعين على جميع القوى المسلحة الضالعة في أعمال العنف، بما في ذلك المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة، الالتزام بالقانون الدولي الإنساني. ويبدو أن الجيش السوري الحر قادر، على الأقل في المناطق التي قامت فيها هيومن رايتس ووتش ببحوث، على ضمان احترام القانون الدولي الإنساني اعتمادًا على قواته نظرًا لمستوى التنظيم والرقابة السائدان فيها. ويُقدم عدد من البلدان مساعدات مالية وعسكرية لمجموعات المعارضة المسلحة في سوريا. وتشير مقابلات مع نشطاء من المعارضة السورية وكذلك تقارير إخبارية إلى أن كلّاً من السعودية وقطر وتركيا تقوم بتزويد عدد من المجموعات المسلحةبمساعدات مهمة. كما تعهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بتقديم مساعدات غير متعلقة بأسلحة مميتة لمجموعات المعارضة. ودعت هيومن رايتس ووتش الدول التي تقدم مساعدات لمجموعات المعارضة إلى التنديد العلني بانتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وثقت هيومن رايتس ووتش بشكل متكرر وأدانت الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها ضباط وقوات الأمن التابعين للحكومة السورية، بما في ذلك تنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وعمليات قتل أخرى غير قانونية بحق مدنيين، وعمليات اختفاء قسري، وممارسات تعذيب، واعتقالات التعسفية. وخلصت هيومن رايتس ووتش الى أن قوات الحكومة ارتكبت جرائم ضدّ الانسانية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على مجلس الأمن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي لها ولاية التحقيق في الانتهاكات التي ترتكبها القوات الحكومية وقوات المعارضة. ويتعين على روسيا والصين دعم إحالة الملف.
وقال نديم حوري: "إن إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية سوف يعطيها صلاحية التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها الحكومة والمعارضة. وهو إجراء لن يجد جميع أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا، أي صعوبة في تبنيه، إذا كانوا فعلا قلقين بشأن الانتهاكات التي تشهدها سوريا".
تعذيب وإساءة معاملة المعتقلين
أثناء البعثة البحثية التي قامت بها هيومن رايتس ووتش في محافظة حلب في أغسطس/آب، سمح لها المجلس الثوريوالمجلس العسكري في محافظة حلب، وسلطات المعارضة في الباب، وتل رفعت، ومارع بدخول مراكز الاعتقال الخاضعة لإشرافها. بينما رفض زعماء المعارضة في أعزاز، بلدة على الحدود التركية السورية، دخول هيومن رايتس ووتش مراكز الاعتقال التابعة لهم.
وقال ستة من أصل 12 معتقلا طرف المعارضة قابلتهم هيومن رايتس ووتش في مقابلات تتمتع بالخصوصية إنهم تعرضوا لانتهاكات ترقى إلى التعذيب أو أنواع أخرى من سوء المعاملة غير القانونية على يد قوات المعارضة المسلحة أثناء المراحل الأولى من الاعتقال في مراكز احتجاز مؤقتة. وشمل التعذيب الضرب أمّا على باطن الأرجل أو باستخدام الكابلات والركل.
أحد المعتقلين، وكان محتجزًا في إحدى المدارس، قال لـ هيومن رايتس ووتش ان مقاتلي الجيش السوري الحر قاموا بضربه بشكل منتظم لمدة 25 يومًا قبل أن يتم نقله إلى مركز الاعتقال حيث التقت به هيومن رايتس ووتش:
كانوا يضربونني كل يومين أو ثلاثة. يشدون وثاقي إلى صليب ووجهي إلى الأسفل، ويشرع خمسة رجال في ضربي بالكابلات. في المرة الأولى دام ذلك حوالي ساعة، أما المرة الثانية فتواصل الضرب من الصباح الباكر إلى منتصف النهار. وضربوني أيضًا على وجهي. كان مقاتلو الجيش السوري الحر يريدون أن اعترف لهم بأنني قتلت العديد من الأشخاص بسكين. وفي نهاية المطاف، اعترفت بذلك لكثرة الضرب رغم أنني لم أقتل أحدًا. وقال لي مقاتلو الجيش السوري الحر إنهم سوف يقتلونني لو تحدثت عن التعذيب.
وكانت الكدمات على جسم الشخص المحتجز متناسبة مع روايته ولازالت واضحة رغم مضي عدة أسابيع عن الفترة التي قال إنه تعرض خلالها للضرب. كما أطلع المعتقل هيومن رايتس ووتش على ظافر أزرق في يده اليمنى قال إنه أصيب به فيما كان يحاول حماية نفسه من الضرب.
كما قال معتقل آخر إن مقاتلي الجيش السوري الحر ضربوه أثناء احتجازه في مدرسة لمدة أربع أو خمس ساعات قبل أن يتم نقله إلى مركز الاعتقال حيث التقت به هيومن رايتس ووتش:
اتهمونا بالانتماء الى الشبيحة (ميليشيا مساندة للحكومة)، وضربونا بالهراوات. كنّا معصوبي الأعين، ولذلك لا أستطيع تحديد عددهم، ولكنهم كانوا كُثرًا.
وكان هذا المعتقل مصاباً بكدمات تحت عينه اليُسرى، وكدمة كبيرة أخرى على كتفه الأيمن، وكدمات صغيرة على كتفه الأيمن أيضًا وظهره.
وقال المعتقلون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لا يعرفون أسماء أو عناوين المدارس التي كانوا يُحتجزون فيها في البداية.
وحصلت هيومن رايتس ووتش على تقارير تفيد بوقوع أعمال تعذيب وإساءة معاملة المعتقلين في القاعدة المركزية للجيش السوري الحر في مدينة حلب، التي تم استخدامها كمركز احتجاز لفترة من الوقت. وبينما لم يتمكن المعتقلون الذين التقينا معهم من تحديد المكان الذي احتجزوا فيه في بداية الأمر، قال مقاتلون من الجيش السوري الحر ممن يعملون في المعتقلات وشهود آخرون لـ هيومن رايتس ووتش إن المعتقلين عادة ما يُنقلون في البداية إلى تلك القاعدة في حلب. وقال ثلاثة أشخاص قابلتهم هيومن رايتس ووتش وكانوا في القاعدة في أغسطس/آب إنهم سمعوا وشاهدوا إساءة معاملة معتقلين جُلبوا إلى هذه القاعدة التابعة للجيش السوري الحر.
واستنادًا إلى معلومات حصلت عليها هيومن رايتس ووتش، قام الجيش السوري الحر بنقل قاعدته الأساسية إلى مكان جديد في أغسطس/آب بعد تعرضها إلى هجوم.
واعترفت سلطات معارضة محلية في حلب، أثناء اجتماعات عقدتها مع هيومن رايتس ووتش، بحصولها على تقارير حول إساءة معاملة المعتقلين، وأن هذه التقارير دفعتها إلى إنشاء مركزين للاعتقال. ولكن قال شهود التقت بهم هيومن رايتس ووتش إن الضرب والركل وأنواع أخرى من المعاملة السيئة تواصلت في قاعدة الجيش السوري الحر في حلب حتى بعد إنشاء مركزي الاعتقال.
وقامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق ممارسات التعذيب وإساءة المعاملة في مركز اعتقال مارع، وهو أحد مراكز الاعتقال الرئيسية التي تم إنشاؤها مؤخراً. وقال اثنان من المعتقلين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهما تعرضا إلى معاملة سيئة وقاسية أثناء الاستجواب. ويبدو أن المعاملة التي وصفوها ترقى إلى التعذيب باعتبارها تعمد إلحاق أذى شديد لغرض محدد.
وقال "سمير"الذي اعتقله الجيش السوري الحر في بداية أغسطس/آب، لـ هيومن رايتس ووتش:
قام مقاتلو الجيش السوري الحر الذين اعتقلوني بنقلي إلى قاعدتهم. وأمضيت ليلة واحدة هناك برفقة سجين آخر. لقد ضربوني كثيرًا بهراوة خشبية على باطن رجليّ لمدة ساعتين. في البداية رفضت الاعتراف، ولكنني بعد ذلك أرغمت عليه. وبعد الاعتراف، توقفوا عن ضربي.
قاموا باستجوابي هنا [في سجن مارع] أيضًا ، وضربوني مجددًا على باطن رجليّ بهراوة وكابل لمدة 30 دقيقة تقريبًا. كنت مستلقي على الظهر ورجليّ مشدودتان إلى الأعلى. لم أنكر التّهم المنسوبة إليّ، ولكنهم كانوا يريدون مني تكرار اعترافي.
وقال ثلاثة معتقلين آخرين إنهم لم يتعرضوا لسوء المعاملة في سجن مارع. وكان هؤلاء أول السجناء الذين سُمح لـ هيومن رايتس ووتش بمقابلتهم على انفراد، بعد أن رفضت الإدارة السماح بذلك في بداية الأمر. وأثناء المقابلات الثلاث بدا المعتقلون متخوفون ومترددون في تقديم معلومات حول طريقة معاملتهم. ولذلك اشتبهت هيومن رايتس ووتش في أنهم تلقوا تعليمات من المسؤولين عن المكان بعدم التحدث عن تجاربهم. وبعد أن عرض باحثو هيومن رايتس ووتش المسألة على إدارة مركز الاعتقال، سُمح لهم بالتحدث إلى اثنين من المعتقلين تم اختيارهما عشوائيًا، فاشتكى كلاهما بحرية من التعرض للمعاملة السيئة.
وتوصّلت هيومن رايتس ووتش إلى أن قادة المعارضة في العديد من الأماكن يتغاضون عن ضرب المعتقلين على باطن الأرجل، وهي طريقة تعذيب تستخدمها أيضًا بشكل مكثف قوات الحكومة السورية وتُسمى الفلقة. وقال رئيس المجلس الثوري في محافظة حلب لـ هيومن رايتس ووتش إن سلطات/هيئات المعارضة لا تقوم بإعدام أو تعذيب المعتقلين بل تستخدم الضرب على باطن الأرجل وهو أمر "مسموح به" لأنه لا يتسبب بجروح. وعندما شرحت له هيومن رايتس ووتش أن الضرب على باطن الأرجل يُعتبر تعذيبًا، وهو عمل غير قانوني استنادًا إلى القانون الدولي، قال إنه سوف يرفع تعليمات جديدة لمقاتلي الجيش السوري الحر والمشرفين على مراكز الاعتقال بأن الضرب على باطن الأرجل لن يعود مسموحًا به.
وقال اثنان من مقاتلي كتيبة أنصار محمد في اللاذقية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم اعتقلوا قرابة 40 شخصًا بعد اقتحام مركز للشرطة في الحفة في يونيو/حزيران. وأضافا أن قيادة الكتيبة وشيوخ المجلس القضائي قدموا لهم تعليمات تتعلق بمعاملة المعتقلين:
أسدى لنا الشيوخ تعليمات بعدم تعذيب المعتقلين تعذيبًا قاسيًا، ويُسمح لنا فقط باستخدام الفلقة. لا يحق لنا ضرب المعتقلين على الوجه، أو الظهر، أو أي مكان آخر باستثناء باطن الأرجل، ولمدة لا تتجاوز ساعة واحدة في اليوم. كنا نقوم بذلك لإجبارهم على الاعتراف وكانت هذه الطريقة مجدية.
وطلبت هيومن رايتس ووتش من سلطات المعارضة المحلية في أعزاز السماح لها بزيارة مركز الاعتقال التابع لها ومقابلة معتقلين على انفراد. ويثير رفضهم قلقًا بشأن معاملة المعتقلين هناك. ويتضاعف هذا القلق بالنظر إلى الروايات المتضاربة التي قدمها أعضاء في المجالس السياسية والعسكرية في أعزاز حول عدد المعتقلين الذين كانوا تحت إشرافهم والمدة التي قضوها رهن الاحتجاز، وعن كيفيّة تحديد العاملين لمن يتم إرساله إلى مركز الاعتقال الرئيسي في مارع.
عمليات إعدام خارج نطاق القضاء
قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق 12 عملية إعدام خارج نطاق القضاء وبإجراءات موجزة نفذتها قوات المعارضة.
في 31 يوليو/تموز، ظهرت مزاعم بأن أفرادًا من عائلة برّي في حلب قتلوا 15 جنديًا من الجيش السوري الحر في مواجهات بمدينة حلب. وأظهر مقطع فيديونُشر على موقع يوتيوب في نفس اليوم أشخاصًا يبدو أنهم من مقاتلي الجيش السوري الحر بصدد إعدام أفراد من عائلة برّي.
وأكّد عضوان من المجلس الثوري لمحافظة حلب إعدام أربعة رجال ولكنهما زعما أن المجلس القضائي قام بمحاكمتهم وأصدر في حقهم عقوبة الإعدام، كما قال عضو آخر إنه تم إطلاق سراح 21 فردًا آخر من عائلة برّي. وقال عضو في المجلس الثوري لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا توجد أية سجلات من المحاكمة.
ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد طبيعة الإجراءات القضائية أو ما إذا كانت فعلا قد اتخذت. لكن يبدو مستحيلا أن يكون الرجال قد تحصلوا على محاكمة عادلة في محكمة عادية بالنظر إلى الظروف العامة وسرعة المحاكمة وتنفيذ الإعدام. ولذلك خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أنه يجب اعتبار ما حدث إعداما جماعيًا.
وشاهدت هيومن رايتس ووتش شخصاً آخر من عائلة برّي رهن الاحتجاز لدى الجيش السوري الحر أثناء مراسم دفن ثمانية مقاتلين من الجيش الحر في تل رفعت يُزعم أنهم قُتلوا في المواجهات التي حصلت مع عائلة بري في مدينة حلب في 31 يوليو/تموز. ولكن مسؤولين محليين من الجيش السوري الحر أكدوا لـ هيومن رايتس ووتش أن الشخص المعتقل سوف يلقى معاملة حسنة قبل نقله إلى السلطات المدنية التي تُشرف على المعتقلين في تل رفعت. إلّا أنّ أحد الشهود ممن حضروا الدفن قال لـ هيومن رايتس ووتش إن مقاتلين آخرين من الجيش السوري الحر أحضروا المعتقل إلى المقبرة بقوة السلاح و بعد ذلك غادر الشاهد المكان.
ولما عاد في وقت لاحق شاهد تسعة قبور رغم أنه تم دفن ثمانية مقاتلين فقط. ورغم تقدم هيومن رايتس ووتش بمطالب متكررة في اليوم التالي للالتقاء بالشخص المعتقل رفضت سلطات المعارضة السماح لها بذلك. كما رفض عناصر من المعارضة أن يشرحوا لـ هيومن رايتس ووتش ماذا حلّ بالشخص المعتقل ولكنهم لم ينكروا المزاعم المتعلقة بإعدامه.
وقال اثنان من مقاتلي كتيبة أنصار محمد في اللاذقية لـ هيومن رايتس ووتش إن الكتيبة أعدمت أربعة أشخاص بعد أن اقتحمت مركزًا للشرطة في الحفة في يونيو/حزيران 2012:
قمنا مباشرة بقتل اثنين من القناصة على السطح [بعد القبض عليهما] دون محاكمة. كان الجميع يشاهدهما وهما بصدد إطلاق النار علينا لقتل عناصر من الجيش السوري الحر ولذلك لم تكن هناك حاجة لمحاكمتهم. وكان شخصان آخران ممن تم اعتقالهم في مركز الشرطة متهمين بالاغتصاب والقتل، ودامت محاكمتهما شهرًا كاملا قبل أن يُحكم عليهما بالإعدام. لدى تعرّف الفتاة التي تم اغتصابها على واحد منهما، أعدم كل منهما رميًا بالرصاص.
كما هو الحال في محاكمة أشخاص من عائلة برّي، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد طبيعة الإجراءات القضائية التي تم اتخاذها ولكن تشير الأدلة بقوة إلى أنها لم تكن مستوفية للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. وقال أحد عناصر الجيش السوري الحر لـ هيومن رايتس ووتش: "لم نقم بتعذيب الشخص الذي ارتكب الاغتصاب ولكننا استخدمنا معه طريقة الفلقة. كان قد اعترف بذنبه قبل ذلك ولكننا استخدمناها كعقاب له".
كما قال أحد زعماء المعارضة في بلدة دير حافر لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر من الجيش السوري الحر قاموا بإعدام ثلاثة ضباط في البلدة عينها بعد أن تم إلقاء القبض عليهم ولكنه لم يوفر أية معلومات إضافية حول الإعدام.
وقامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة أكثر من 15 مقطع فيديو على موقع يوتيوب يبدو أنها تظهرعمليات إعدام خارج نطاق القضاء في حق أشخاص رهن الاعتقال لدى مجموعات مسلحة من المعارضة. وتم نشر مقطع فيديواخر في 10 سبتمبر/أيلول يعرض ما بدا أنه عمليات إعدام خارج نطاق القضاء بحق 21 جنديًا حكوميًا في مدينة حلب. لكن هيومن رايتس ووتش لا تستطيع التأكد من مصداقية هذه المقاطع.
وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام من حيث المبدأ.
انتهاكات مبادئ المحاكمة العادلة
قالت لنا سلطات من المعارضة المحلية إنها قامت بتعيين مجالس قضائية تقوم بمراجعة التهم الموجهة إلى المعتقلين وإصدار أحكام في حقهم. وتعتمد هذه المجالس في بعض البلدات على الشريعة الإسلامية بشكل كامل بينما تعتمد في أماكن أخرى على الشريعة في المسائل المدنية وعلى القانون الجنائي السوري في المسائل الجنائية.
ليس لـ هيومن رايتس ووتش أي موقف مساند أو معارض للشريعة الإسلامية أو أي نظام قانوني آخر ولكنها معنية بمنع وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في جميع الدول مهما كانت أسبابها ومبرراتها القانونية. وعملا بالقانون الدولي فإنه يُسمح فقط للمحاكم المشكلة تشكيلا نظاميًا والتي تستوفي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة بإصدار الأحكام.
وعملا بقانون حقوق الإنسان تُعتبر بعض الحقوق أساسية جدًا لدرجة أنه لا يمكن تعليقها حتى في حالات الطوارئ. ولا ترتكز فقط هذه الحقوق على حظر التعذيب وسوء المعاملة وإنما تشمل أيضًا منع الاعتقال التعسفي وخاصة ضرورة الحصول على مراجعة قضائية للمعتقل وضمانات المحاكمة العادلة. بناءً على ذلك، يحق فقط للمحاكم القانونية المكونة من قضاة مستقلين ومحايدين، بما في ذلك أثناء فترات الطوارئ، محاكمة وإدانة الأشخاص. كما أنه من غير الممكن محاكمة الأفراد إلا على جرائم محددة بشكل واضح في القانون الوطني أو القانون الدولي، ويجب على تلك الأخيرة أن تقع في فئة الجرائم إثر ارتكابها. كما يتمتع المعتقلون بحق التمثيل القانوني وإعداد الدفاع ومواجهة جميع الأدلة وشهود الإثبات.
قال أحد أعضاء المجلس الثوري في حلب لـ هيومن رايتس ووتش أن المجالس العسكرية لم تقم بإصدار أحكام بالإعدام. ولكن هذه المزاعم متضاربة مع ما بدا أنه إعدام بإجراءات موجزة لأربعة أفراد من عائلة برّي. وذكرت صحافية دولية زارت بدورها مدينة حلب لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد أعضاء المجلس العسكري في حلب قال لها إن المجلس القضائي يُحاكم المشتبه بهم ثم يُصدر عقوبة الإعدام التي يتم تنفيذها في حق الذين ارتكبوا عمليات قتل واغتصاب.
كما تعرب هيومن رايتس ووتش عن قلقها مما بدا أنه احتجاز أشخاص لدى قوات المعارضة من أجل الابتزاز أو لاستعمالهم في استبدال الأسرى. وعندما زارت هيومن رايتس ووتش مركز اعتقال مارع، اتصل مدير السجن بعائلات المعتقلين بحضور هيومن رايتس ووتش، وأعلمهم بصدور أحكام بغرامات مالية في حق المعتقلين وأنه سوف يتم إطلاق سراحهم في حال قامت العائلة بدفع الغرامة.
وقال أحد المعتقلين ممن التقت بهم هيومن رايتس ووتش إن الجيش السوري الحر طلب منه دفع مبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية (قرابة 45 ألف دولار أمريكي) لكي يُطلق سراحه بينما طُلب من الآخرين دفع مبلغ مائتي ألف فقط. ويعتقد الشخص المعتقل أنه طُلب منه مبلغ مالي أكبر لأنه ينحدر من بلدة تُعتبر مساندة للنظام. وقال عناصر من الجيش السوري الحُر في اللاذقية إنهم يحتجزون قرابة 40 أسيرًا ليستعملوهم في عمليات تبادل الأسرى.
المحاسبة على الجرائم الدولية
فيما يتعلق بالأشخاص الخاضعين لسيطرة القوات التابعة لأحد الأطراف المتحاربة ينص القانون الدولي الإنساني على معاملة المدنيين والمقاتلين الذين وقعوا في الأسر أو غير القادرين على القتال بسبب إصابات أو أسباب أخرى معاملة إنسانية. ويمنع الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية - لا سيما القتل والتشويه - والمعاملة القاسية والتعذيب.
وعملا بالقانون الدولي فإن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني يمكن أن تتمثل بجرائم الحرب. وتشمل هذه الانتهاكات القتل، والتعذيب، والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، أو إصدار الأحكام وتنفيذ عمليات إعدام بلا حكم من محاكم مشكلة تشكيلا نظاميًا تضمن جميع الحقوق الأساسية في المحاكمة العادلة.
ويتحمل الأفراد المسؤولية عن جرائم الحرب التي يرتكبونها أو يتورطون فيها، بما في ذلك تقديم المساعدة والتحريض، والتسهيل، والأمر والتخطيط لارتكاب جرائم. وتتم محاكمة القادة العسكريين والمدنيين على جرائم يرتكبها مرؤوسوهم من باب مبدأ مسؤولية القيادة عندما يكونون على علم – أو عليهم أن يعلموا – بوقوع جرائم حرب أو انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بلا اتخاذ التدابير الكافية لمنع حصولها ومعاقبة مرتكبيها.
ويبقى القانون الدولي لحقوق الإنسان قابلا للتطبيق في النزاعات المسلحة، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتضمن هذه المعاهدات لكل شخص حقوقه الأساسية، التي يتوافق كثير منها مع الحماية الممنوحة بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك حظر التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والمهينة، وعدم التمييز، والحق في محاكمة عادلة للمتهمين بارتكاب مخالفات جنائية، والحق الأساسي في عدم التعرض للاعتقال التعسفي.
ويُعتبر الحظر المفروض على التعذيب والمعاملة السيئة من أهم أنواع المنع التي ينص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وتنص المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، المطبّقة في النزاعات المسلحة التي لا طابع دوليا لها، على حماية أي شخص رهن الاحتجاز، بما في ذلك المقاتلين والمدنيين الذين تم القبض عليهم وحمايتهم من "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب"، و"الاعتداء على الكرامة الشخصية، وبالأخص المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة".
وبما أنه لا توجد إطلاقاً أي ظروف استثنائية تبرر التعذيب وبما أن سوريا طرف في أهم المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في جميع الظروف، بما في ذلك أثناء حالات الطوارئ. فإن هذه المعاهدات تنص على أن تقوم جميع الدول الأطراف، وهي معظم دول العالم، بالتحقيق مع أي شخص على أراضيها توجد حوله أدلة على أنه مارس التعذيب، ومحاكمته أو تسليمه لمواجهة محاكمة. وعندما يُمارس التعذيب كجزء من هجوم واسع ومنتظم على السكان المدنيين، في إطار سياسة منتظمة، فهو يعدّ في هذه الحالة جريمة ضد الإنسانية عملا بالقانون العرفي الدولي ونظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
وتُعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وبإجراءات موجزة انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهي ترقى إلى كونها جرائم حرب في النزاعات المسلحة. أما إذا تم تنفيذها في إطار سياسة واسعة ومنتظمة، فهي تُعد جرائم ضد الإنسانية.
معظم الدولوقعتعلى معاهدات تلزمها باعتقال الأشخاص الموجودين على أراضيها والمتهمين بارتكاب جرائم دولية، ومحاكمتهم أو تسليمهم، بما في ذلك أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب والاختفاء القسري، بغض النظر عن المكان الذي وقعت فيه الجرائم. وتشمل الجرائم ضد الإنسانية عمليات القتل غير القانوني (بما في ذلك الإعدام خارج نطاق القضاء وبإجراءات موجزة)، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، عندما يتم على نطاق واسع وبشكل منتظم في إطار سياسة ممنهجة لإحدى الدول أو الكيانات المنظمة.
كما تنص المعاهدات عينها على أن تقوم الدول باعتقال ومحاكمة، أو تسليم، جميع من أمر بتنفيذ هذه الجرائم، أو ساعد في ارتكابها بما في ذلك القادة العسكريين والمدنيين الذين كانوا على علم – أو كان من الواجب أن يعلموا – بأن مرؤوسيهم ارتكبوا هذه الجرائم, ولم يقم أولئك القادة بالحؤول دون ارتكابها. وليس من حق الدول إصدار عفو أو إسقاط الدعاوى ضمن آجال زمنية معينة في ما يتعلق بمحاكمة الجرائم الدولية، ما يعني أن مرتكبي هذه الجرائم الفارين من المحاكمة في البداية يمكن محاكمتهم عليها وإن بعد عشرات السنين.