Skip to main content
تبرعوا الآن

العمالة المنزلية الوافدة في الأردن

حيثما توجد الإرادة.. توجد الوسيلة

بدأ الربيع العربي فنسي الجميع مصير ملايين العمال الوافدين الذين يعملون في الشرق الأوسط. لكم تحتاج عاملات المنازل الوافدات – من مربيات ومدبرات منازل من سريلانكا والفلبين وأندونيسيا – إلى ثورة أخرى.

هؤلاء النساء يقدمن خدمات منزلية قيّمة، والطلب عليها كبير، إلا أنهن ما زلن مستبعدات من قوانين العمل التي توفر ضمانات الحماية الأساسية، من قبيل أيام العطلة الأسبوعية، ويخضعن لنظام كفالة المهاجرين الذي يصعّب عليهن الهرب من أرباب العمل المنتهكين للحقوق، وبل وتتعامل السلطات مع الهرب بصفته جريمة أحياناً.

فلنأخذ مثالاً... مارجوري ل.، سيدة فلبينية أجبرها أرباب عملها على العمل ساعات طويلة للغاية دون أن يمنحوها أجرها، وحبسوها في البيت، قبل أن "يسلّفوها" لمدة شهور، ضد رغبتها، لأصدقاء على الجانب الآخر من المدينة. وهناك أيضاً لم تحصل على أجرها، وفي نهاية المطاف قررت الهرب، ثم احتجزتها السلطات، ولم تتمكن من العودة إلى بلدها.

ورغم هذا يُعدّ الأردن استثناءً حميداً؛ فهو البلد العربي الوحيد الذي ضم عاملات المنازل إلى قوانين العمل، ولا يُفعِّل رسمياً نظام الكفيل. وبدأ الأردن منذ عام 2008 في فرض قوانين وأنظمة تنظم حقوق وواجبات عاملات المنازل وأرباب العمل ومكاتب الاستقدام للعمل.

وبينما تتفوق تدابير الحماية القانونية في الأردن على تلك المفروضة في دول الجوار، إلا أن الوضع على الأرض يبدو مماثلاً بشكل محبط للحالة في البلدان الأقل تنظيماً للعمل المنزلي. أصدرت هيومن رايتس ووتش ومركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان من عمان تقريراً جديداً بعنوان "ظلم في الدار: فشل التشريعات، والمسؤولين وأرباب العمل ومكاتب الاستقدام في الأردن في حماية عاملات المنازل الوافدات المظلومات"، يتناول تعرض عاملات المنازل في الأردن لنفس الإساءات التي يتعرضن لها في بلدان أخرى، وتشمل هذه الإساءات الضرب ومصادرة جوازات السفر وتحديد الإقامة داخل البيت والتعرض للإهانات، وعدم الحصول على الرواتب، وساعات العمل الطويلة دون أيام عطلة أسبوعية.

وليست القوانين والأنظمة الأردنية إلا جزء من المشكلة، إذ وبينما أصبح متاحاً للمسؤولين الأردنيين الآن الأدوات الكافية لمنع الانتهاكات والرد عليها؛ فما زالت تنقصهم الإرادة السياسية والتنسيق اللازمين لاستخدام تلك الأدوات.

وهناك مجالات خمس أساسية يمكنهم البدء بها: أولاً، لابد أن يعرف أرباب العمل وعاملات المنازل جميعاً بحقوقهم وواجباتهم القانونية؛ فقد تعرضت الكثيرات من عاملات المنازل للغش والخداع وهن في بلدانهن قبل السفر للأردن، كما أنهن لا يفهمن الثقافة والتقاليد والقوانين الأردنية. لابد أن تضمن الحكومة حصول عاملات المنازل على نسخ من العقود، مع منحهن الإرشاد المبدئي اللازم لدى وصولهن للأردن، عن إلى من يلجأن في حال الحاجة للمساعدة.

ثانياً، شكوى عدم تلقي الرواتب شائعة للغاية، وهي مشكلة ضخمة ومحبطة لأقصى حد للسيدات اللاتي ضحين وتركن أسرهن أملاً في كسب الدخل الذي يحتجن إليه بشدة. لقد شكلت وزارة العمل لجنة عاملات المنازل في عام 2010 لتسوية منازعات الأجور، إلا أنها تستغرق شهوراً في إصدار قراراتها. لابد أن تمنح الوزارة الأولوية لتنفيذ القرار الوزاري الذي أصدرته في عام 2011، والمُلزم لأرباب العمل بدفع رواتب عاملات المنازل في حسابات بنكية؛ وهو ما يصعّب من خداع العاملات في أجورهن، ويسهّل تسوية الخلافات على الرواتب ويكرّس لعدالة هذه العملية.

ثالثاً، نادراً ما يلجأ مفتشو العمل الخمسة، الذين خصصتهم وزارة العمل لقطاع العمل المنزلي، إلى استخدام سلطتهم القانونية الخاصة بزيارة المنازل. قال مفتشون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يستخدموا هذه الصلاحيات مطلقاً في تغريم أرباب العمل على أمرهم عاملات المنازل بالعمل طوال أيام الأسبوع السبعة دون راحة لمدة 16 ساعة يومياً، رغم معرفتهم بأن هذه الظروف قائمة، وهذا هو متوسط ساعات العمل للعاملات اللاتي تمت مقابلتهن أثناء إعداد التقرير. كما يتعين على وزارة العمل أن تزيد من عدد المفتشين، وأن تُخضِع أدائهم للتقييم، على أن يكون محكّ التقييم هو التطبيق الحازم للقانون. ولابد أن يحقق مفتشو العمل الأردنيون في تلك القضايا، ضمن قضايا عاملات المنازل، التي ترقى لمستوى العمل الجبري أو الإتجار بالبشر، بموجب قانون منع الإتجار الصادر عام 2009.

رابعاً، لابد أن يغير الأردن من عقد العمل الموحد الذي أصدرته وزارة العمل في عام 2009، والذي يحظر على عاملات المنازل ترك البيت دون موافقة صاحب العمل، حتى ولو بعد ساعات العمل. إذ أن تحديد الإقامة في البيت، وفضلاً عن أنه حرمان من حق من الحقوق الأساسية، يؤدي إلى حصار العاملة المنزلية في البيت ويسهل من تعرضها للإساءات.

وأخيراً، لابد أن ييسر الأردن على هؤلاء السيدات العودة إلى بلادهن؛ إذ أن عاملات المنازل اللاتي يهربن بسبب الانتهاكات يلجأن عادة إلى مكاتب الاستقدام أو سفارات بلدانهن، أو يعملن في سوق العمل غير الرسمية، وفي أغلب الحالات يتحفظ أرباب العمل السابقون على جوازات سفرهن.

وكما ظهر في حالات كثيرة، تتجاوز العاملة الهاربة مدة الإقامة القانونية المحددة لها، بما أن أرباب العمل لا يتقدمون بطلب تصريح إقامة، كما يقتضي القانون. وبما أن القانون الأردني يفرض غرامات على كل شخص يتجاوز مدة الإقامة المدونة في تصريحه، تتراكم على عاملات المنازل غرامات ثقيلة لا يمكنهن تسديدها. لابد إذن من تعديل القانون بحيث يتحمل رب العمل المسؤولية عن هذا الأمر، مع السماح للعاملة بالعودة سريعاً إلى بلدها.

لقد لعب الأردن دوراً قيادياً في حماية عاملات المنازل على الورق، داخل الأراضي الأردنية وخارجها؛ ففي يونيو/حزيران 2011 دعم الأردن تبني معاهدة دولية عمالية جديدة من أجل حماية عاملات المنازل. إلا أن الاختبار الحقيقي لتلك الإصلاحات هو إن كان الأردن سيصلح العيوب والثغرات المتبقية في سياساته، وإن كان سيجد الإرادة القوية لتنفيذ الإصلاحات تنفيذاً فعالاً. لو حدث، فلا أقل إذن من اعتبار التحسن  في ضمان حقوق عاملات المنازل الوافدات فعلاً ثورياً.

* كريستوف ويلكى باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة