- وضعت القوات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة والمتعاقدون الخاصون نظاما عسكريا معيبا لتوزيع المساعدات حوّل عمليات توزيع المساعدات إلى حمامات دم منتظمة.
- الوضع الإنساني المزري هو نتيجة مباشرة لاستخدام إسرائيل لتجويع المدنيين كسلاح حرب - وهو جريمة حرب -- فضلا عن استمرار إسرائيل في حرمان المدنيين المتعمد من المساعدات والخدمات الأساسية، مما يرقى إلى الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالإبادة، وأعمال الإبادة الجماعية.
- على الدول أن تضغط على السلطات الإسرائيلية حتى تتوقف فورا عن استخدام القوة المميتة للسيطرة على حشود المدنيين الفلسطينيين، ورفع قيود إسرائيل غير القانونية الشاملة على دخول المساعدات، والضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لتعليق نظام التوزيع المعيب هذا.
(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن القوات الإسرائيلية المتواجدة في مواقع الآلية الجديدة المدعومة من الولايات المتحدة لتوزيع المساعدات في غزة أطلقت النار بشكل متكرر على المدنيين الفلسطينيين الجائعين في أعمال ترقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وجرائم حرب.
تقع يوميا تقريبا حوادث يسقط فيها عدد كبير من الضحايا في، أو بالقرب من، أربعة مواقع تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تعمل بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. قتل الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 859 فلسطينيا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات في مواقع مؤسسة غزة الإنسانية بين 27 مايو/أيار و31 يوليو/تموز 2025، وفقا لـ"الأمم المتحدة". الأزمة الإنسانية الحادة هي نتيجة مباشرة لاستخدام إسرائيل للتجويع كسلاح حرب، وهو جريمة حرب، بالإضافة إلى حرمان إسرائيل المستمر والمتعمد للفلسطينيين من المساعدات والخدمات الأساسية، وهي أفعال مستمرة ترقى إلى الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، وأفعال الإبادة الجماعية.
قالت بلقيس والي، المديرة المشاركة لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "لا تتعمد القوات الإسرائيلية تجويع المدنيين الفلسطينيين فحسب، بل إنها الآن تُطلق النار عليهم بشكل شبه يومي وهم يبحثون يائسين عن الطعام لأسرهم. وضعت القوات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة والمتعاقدون الخاصون نظاما عسكريا معيبا لتوزيع المساعدات، حوّل عمليات توزيع المساعدات إلى حمامات دم متكررة".
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول أن تضغط على السلطات الإسرائيلية حتى تتوقف على الفور عن استخدام القوة المميتة كوسيلة للسيطرة على حشود المدنيين الفلسطينيين، وترفع القيود الشاملة وغير القانونية على دخول المساعدات، وتُعلق نظام التوزيع المعيب هذا. عوضا عن ذلك، ينبغي السماح للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى باستئناف توزيع المساعدات في جميع أنحاء غزة على نطاق واسع ودون قيود، بما أنها أثبتت قدرتها على إطعام السكان وفقا للمعايير الإنسانية ووفقا لما تقتضيه الأوامر الملزمة الصادرة عن "محكمة العدل الدولية" في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
في مايو/أيار، بعد أكثر من 11 أسبوعا من الحصار الشامل الذي فرضته إسرائيل على غزة، بدأت آلية توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية تعمل. بحسب تقارير، كانت السلطات الإسرائيلية تهدف في نهاية المطاف إلى استبدال عمليات تسليم المساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى.
بررت السلطات الإسرائيلية هذه التحركات زاعمة أن حماس حوّلت هذه المساعدات، لكن تقارير "نيويورك تايمز"، بناء على مصادر عسكرية إسرائيلية، تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي ليس لديه أدلة على أن حماس حوّلت بشكل منهجي المساعدات من الأمم المتحدة. لا يزال النظام الذي تقوده الأمم المتحدة يعمل، لكنه يخضع لقيود كبيرة من السلطات الإسرائيلية، بما يشمل كمية ونوع المساعدات التي يمكن إدخالها ووجهتها.
نظام مؤسسة غزة الإنسانية تديره شركتان أمريكيتان خاصّتان تعملان بموجب عقود فرعية، هما "سايف ريتش سيليوشنز" (Safe Reach Solutions) و"يو جي سيليوشنز"( UG Solutions) بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. قالت الشركتان إنهم "ملتزمتان فقط بإيصال الغذاء إلى المدنيين الذي يعانون" وإنهما مستقلتان عن أي حكومة، لكن مواقع التوزيع الأربعة تقع جميعها داخل مناطق عسكرية. ثلاثة من هذه المراكز في رفح، التي سوتّها السلطات الإسرائيلية بالأرض تقريبا، واقترحت تجميع سكان غزة فيها. ويقع وموقع واحد في المنطقة الأمنية الإسرائيلية التي طهّرتها إسرائيل عرقيا والمعروفة بـ"ممر نتساريم"، الذي يقسم غزة إلى نصفين. لا يمكن لسكان شمال غزة الوصول إلى أي من هذه المواقع ويعتمدون بدلا من ذلك على نظام التوزيع الذي تقوده الأمم المتحدة.
في يوليو/تموز، قابلت هيومن رايتس ووتش عشرة أشخاص كانوا يعملون في غزة في الأشهر الأخيرة وشهدوا أعمال عنف في مواقع توزيع المساعدات أو بالقرب منها، أو عالجوا الجرحى أو القتلى فيه، من ضمن الذين قابلتهم، أنتوني بيلي أغيلار، وهو مقدّم متقاعد في القوات الخاصة بالجيش الأميركي، عمل في غزة كمتعاقد أمني لدى يو جي سيليوشنز، بما يشمل في مراكز التحكم وفي عشرات عمليات التوزيع في جميع مواقع التوزيع الأربعة بين مايو/أيار ويونيو/حزيران؛ وعامل إغاثة أجنبي عمل في غزة في يونيو/حزيران؛ وطبيبين أجنبيين عملا في غزة في مايو/أيار ويونيو/حزيران ويوليو/تموز وعالجا مدنيين أصيبوا في مواقع توزيع المساعدات التابعة لـ مؤسسة غزة الإنسانية أو بالقرب منها؛ وستة فلسطينيين شهدوا على حوادث عنف مرتبطة بعمليات التوزيع. حلل الباحثون صور الأقمار الصناعية ذات دقة مكانية مختلفة، وتحققوا من الفيديوهات والصور، بما يشمل المحتوى الذي التقطه أغيلار، وحللوا البيانات الوصفية للوثائق، وراجعوا منشورات مؤسسة غزة الإنسانية على وسائل التواصل الاجتماعي.
أرسلت هيومن رايتس ووتش في 19 يوليو/تموز رسائل إلى مؤسسة غزة الإنسانية وسايف ريتش سيليوشنز ويو جي سيليوشنز والجيش الإسرائيلي والحكومة الأمريكية، تضمنت ملخصا للنتائج وقائمة بالأسئلة. ردّ كل من الجيش الإسرائيلي، وشركة يو جي سيليوشنز، والمستشار القانوني لـ يو جي سوليوشنز، والمستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية/ سايف ريتش سيليوشنز، وتم تضمين ردودهم الإجمالية أدناه.
فقال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش الإسرائيلي اختار وبنى مواقع التوزيع الأربعة التابعة للمؤسسة. من خلال صور الأقمار الصناعية، تأكد الباحثون من أن المواقع تقع في مناطق عسكرية وتحيط بها مراكز عسكرية متقدمة. قال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية إنها تعاقدت مع شركة سايف ريتش سيليوشنز لتشغيل مواقع التوزيع، والتي بدورها تعاقدت مع شركة يو جي سيليوشنز لتوفير الأمن في المواقع.
بدلا من توصيل الطعام إلى الناس في مئات المواقع التي يسهل الوصول إليها في جميع أنحاء غزة، تفرض الآلية الجديدة على الفلسطينيين السير عبر تضاريس خطرة ومدمرة. وفقا لأربعة شهود وأغيلار، تسيطر القوات الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين إلى المواقع باستخدام الذخيرة الحية. داخل مواقع المساعدات، يكون توزيع المساعدات نفسه "فوضى عارمة"دون رقابة، بحسب وصف أغيلار، مما يترك الأشخاص الأكثر ضعفا وأكثرهم احتياجا غالبا دون شيء. حللت هيومن رايتس ووتش الإعلانات المنشورة على صفحة مؤسسة غزة الإنسانية على "فيسبوك" عن 105 عمليات توزيع في المواقع الأربعة، ووجدت أن 54 فترة من فترات التوزيع استغرقت أقل من 20 دقيقة، وأن 20 عملية منها أُعلِن عن انتهائها قبل موعد بدئها الرسمي.
قال رجل فلسطيني لـ هيومن رايتس ووتش إنه غادر منزله حوالي الساعة 9 مساء، محاولا الوصول إلى موقع كان من المقرر أن يفتح في الساعة 9 صباحا في اليوم التالي. قال إنه في الطريق، أطلقت دبابة إسرائيلية النار عليه وعلى آخرين أثناء سيرهم نحو الموقع. قال: "إذا توقفت عن المشي، أو فعلت أي شيء لا يريدونه، يطلقون النار عليك". في حادث منفصل، قال أغيلار إنه شاهد دبابة تطلق النار على مركبة مدنية خارج "الموقع رقم 4" مباشرة، مما أسفر حسبما يعتقد عن مقتل أربعة أشخاص بداخلها، وذلك في 8 يونيو/حزيران. وصف متعاقد آخر تحدث إلى قناة"آي تي في نيوز" الهجوم نفسه على السيارة.
وصف رجل فلسطيني آخر ذهب إلى أحد مواقع التوزيع الرحلة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر: "الكثير من الناس الذين يحتاجون إلى المساعدات لا يحصلون عليها لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى هناك. أولئك الذين يذهبون يخاطرون بحياتهم، ومن المستغرب أن يعودوا أحياء".
وفقا لسبعة شهود قابلتهم هيومن رايتس ووتش، أطلقت القوات الإسرائيلية بانتظام على المدنيين. زعم ثلاثة شهود فلسطينيين وأغيلار أيضا أنهم شاهدوا حراسا مسلحين ضمن مواقع مؤسسة غزة الإنسانية يستخدمون الذخيرة الحية وأسلحة أخرى ضد المدنيين خلال عمليات التوزيع. كان هؤلاء الحراس المسلحون حسب الافتراض من المتعاقدين مع يو جي سيليوشنز، نظرا إلى أن رسالة المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية وسايف ريتش سوليوشنز أكدت أن المتعاقدين الذين يحملون أسلحة داخل مواقع التوزيع هم فقط من يو جي سوليوشنز. أنكرت مؤسسة غزة الإنسانية وسايف ريتش سوليوشنز ويوجي سوليوشنز مزاعم أن المتعاقدين لديها استخدموا القوة ضد المدنيين وقالت إن موظفي يو جي سوليوشنز يستخدمون القوة المميتة فقط كملاذ أخير ولم يُقدِموا أبدا على إيذاء المدنيين أو الأشخاص الذين يسعون إلى الحصول على المساعدات.
قالت هيومن رايتس ووتش إن آلية المساعدات تقاعست عن التصدي للمجاعة الجماعية في غزة. قال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية إن المؤسسة سلمت 95 مليون وجبة غذائية في غزة حتى 28 يوليو/تموز. مع ذلك، وحتى عند تشغيل المواقع الأربعة بكامل طاقتها، فإن خطة مؤسسة غزة الإنسانية قادرة على توفير حوالي 60 شاحنة من المواد الغذائية يوميا، وفقا لأغيلار، مقارنة بـ 600 شاحنة يوميا دخلت غزة في إطار خطة المساعدات التي قادتها الأمم المتحدة خلال وقف إطلاق النار في أوائل 2025.
في 29 يوليو/تموز، قال "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" الذي يضم أبرز خبراء العالم في مجال انعدام الأمن الغذائي، إن "أسوأ سيناريو للمجاعة يلوح في الأفق حاليا في قطاع غزة". أفادت وزارة الصحة في غزة بأنه، حتى 30 يوليو/تموز، توفي 154 شخصا، بينهم 89 طفلا، بسبب سوء التغذية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أغلبهم منذ 19 يوليو/تموز. في 27 يوليو/تموز، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيستأنف عمليات الإنزال الجوي [للمساعدات] وحدد مسارات آمنة لدخول المساعدات وتطبيق "هدنات إنسانية في المناطق المأهولة لتسهيل توصيل المساعدات.
يفرض القانون الدولي الإنساني، أي قوانين الحرب، الساري على الأعمال العدائية بين القوات الإسرائيلية والجماعات المسلحة الفلسطينية، على جميع الأطراف التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين. لا يجوز توجيه الهجمات إلا ضد الأهداف العسكرية - الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية، والهجمات العشوائية، محظورة. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينطبق أيضا على غزة، استخدام أجهزة إنفاذ القانون عمدا للأسلحة النارية المميتة إلا "عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح". تنطبق هذه المعايير على أفراد الأمن الخاص الذين يمارسون صلاحيات الشرطة.
بموجب كلا القانونين، يجوز للسلطات اتخاذ تدابير لضمان إيصال المساعدات، لكن استخدام القوة الفتاكة ضد المدنيين مقيّد للغاية. مثلا، إذا خرج المدنيون عن مسار حددته القوات الإسرائيلية، فإن ذلك لا يجعلهم في حد ذاته أهدافا يمكن مهاجمتها بشكل قانوني. كما أن ذلك لا يُبرر في حد ذاته الاستخدام المتعمد للقوة الفتاكة من قبل سلطات الشرطة على أنه "لا يتعذر تماما تجنبه لحماية الأرواح". يشكل القتل المتعمد وغير القانوني لأفراد مدنيين من سكان الأراضي المحتلة جريمة حرب.
استخدام القوات الإسرائيلية المتكرر للقوة القاتلة ضد المدنيين الفلسطينيين، دون مبرر، ينتهك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. هيومن رايتس ووتش ليست على علم بأي أدلة في الحالات الموثّقة على أن القتلى كانوا يشكلون تهديدا وشيكا للحياة عند مقتلهم. الاستخدام المتعمد للقوة المميتة من قبل الأشخاص الذين يمارسون صلاحيات الشرطة دون مبرر قانوني ينتهك أيضا قانون حقوق الإنسان. عمليات القتل المنتظمة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بالقرب من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، تشكل أيضا جرائم حرب، بالنظر إلى أن جميع الأدلة تشير إلى أن هذه عمليات قتل متعمدة ومستهدفة لأشخاص تعلم السلطات الإسرائيلية أنهم مدنيون فلسطينيون.
في 26 يونيو/حزيران، بعد شهر من بدء سايف ريتش سيليوشنز توزيع المساعدات في المواقع، أعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستخصص 30 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية، لكن مصدر تمويل الشهر الأول من عمليات التوزيع التي قامت بها المؤسسة لا يزال غير معروف. في رسالته إلى هيومن رايتس ووتش، قال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية، إن المؤسسة "تلقت 100 مليون دولار أمريكي من حكومة أخرى غير الولايات المتحدة وإسرائيل"، من دون تحديد حكومة أي بلد.
أرسلت إدارة ترامب المخصصات متجاوزة جميع موافقات الكونغرس. الولايات المتحدة متواطئة في انتهاكات قوانين الحرب التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية في غزة، نظرا لتقديمها مساعدات عسكرية كبيرة رغم علمها بالانتهاكات الجسيمة المستمرة.
على الكونغرس الأمريكي أن يطلب إبلاغه بشأن أي تمويل إضافي مخصص لمؤسسة غزة الإنسانية، وأن يطالب بتقرير عن كيفية استخدام الأموال الأمريكية حاليا، بما في ذلك تقييم فعالية المساعدات المقدمة للفلسطينيين الجائعين.
وفقا لالتزاماتها بموجب "اتفاقية منع الإبادة الجماعية"، يتعين على الدول استخدام جميع أشكال نفوذها، بما في ذلك العقوبات الموجهة، وحظر الأسلحة، وتعليق اتفاقيات التجارة التفضيلية، لوقف الجرائم الفظيعة المستمرة التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية.
قالت والي: "ليس هناك ما يبرر أن تقوم الولايات المتحدة، بدلا من أن تستخدم نفوذها الكبير للضغط على إسرائيل لوقف أعمال الإبادة الجماعية المستمرة، بدعم، بل وتمويل، آلية قاتلة ينتح عنها قتل القوات الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين الجائعين كوسيلة للسيطرة على الحشود. على الدول أن تتحرك بسرعة لوقف إبادة الفلسطينيين".
قتل إسرائيل الفلسطينيين الساعين للحصول على المساعدات الغذائية
وفقا للأمم المتحدة، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 1,373 فلسطينيا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء بين 27 مايو/أيار و31 يوليو/تموز، من ضمنهم 859 شخصا كانوا في محيط مواقع مؤسسة غزة الإنسانية.
قالت الدكتورة فيكتوريا روز، وهي طبيبة بريطانية عملت في مستشفى كبير في غزة في مايو/أيار ويونيو/حزيران، إن الموظفين تم تنبيههم في 1 يونيو/حزيران بوقوع إصابات جماعية في الموقع 1 في ذلك الصباح. قالت إنها لم تر طوال شهر مايو/أيار أي معالَجين مصابين بطلقات نارية، وإنما إصابات جراء انفجارات فقط. لكنها قالت إن أكثر من 100 شخص، معظمهم من الرجال، لكن بينهم بعض النساء والفتيان المراهقين، نقِلوا إلى المستشفى في ذلك اليوم مصابين بطلقات نارية. كان اثنان من الرجال الذين عالجتهم مصابين بطلق ناري في مؤخرة الساق. قالت: "بحلول وقت متأخر من الصباح، كان هناك أكثر من 10 جثث مكدسة على أحد جوانب غرفة الطوارئ". وفقا لوزارة الصحة في غزة، لقي31 شخصا حتفهم في ذلك اليوم.
أكد الدكتور نيك ماينارد، وهو طبيب بريطاني آخر عمل في نفس المستشفى في غزة في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، أن زيادة في عدد الإصابات بالرصاص سُجلت مع زيادة توزيع المساعدات عبر آلية مؤسسة غزة الإنسانية. قال إن الأفراد الذين أصيبوا في مواقع التوزيع أو بالقرب منها كانوا في الغالب من الصبيان المراهقين الذين أصيبوا بطلقات نارية في البطن أو الرقبة أو الرأس أو بين الفخذين.
وثّقت المنظمات الإنسانية على الأرض اتجاهات مماثلة. أشارت "أطباء بلا حدود" إلى "زيادة حادة في عدد المعالَجين المصابين بجروح ناجمة عن طلقات نارية" تزامنا مع توسيع نطاق توزيع المساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية. في 8 يوليو/تموز، سلّطت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" الضوء كذلك على "ارتفاع حاد في حوادث الإصابات الجماعية المرتبطة بمواقع توزيع المساعدات"، قائلة إن فريقها الطبي عالج "أكثر من 2,200 حالة من الإصابات الناجمة عن الأسلحة" وسجل أكثر من 200 حالة وفاة، وإن "حجم هذه الحوادث وتواترها غير مسبوقين". بعد حادث الإصابات الجماعية في 1 يونيو/حزيران، أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن "جميع هؤلاء الأشخاص ]كانوا[ يحاولون الوصول إلى موقع لتوزيع المساعدات".
رد الجيش الإسرائيلي إلى حد كبير على الأسئلة المتعلقة بقتل الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدات بالقول إنهم أطلقوا النار على أشخاص اعتبروهم"تهديدا"، أو عندما تحركت الحشود بطريقة "تهدد القوات"، أو أنهم أطلقوا مجرد "طلقات تحذيرية". أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، استنادا إلى روايات ضباط وجنود إسرائيليين، أن الجنود "أُمِروا بإطلاق النار على حشود غير مسلحة بالقرب من نقاط توزيع الطعام في غزة، حتى في حالة عدم وجود تهديد"، وهو ما شهده أغيلار في مناسبات عديدة. قال أغيلار لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يراقب عملية توزيع في الموقع 4 في غرفة التحكم برفقة قائد إسرائيلي رفيع المستوى، الذي طلب من أغيلار أن يأمر المتعاقدين بإطلاق النار على ثلاثة أطفال غير مسلحين رفعهم رجل بالغ ووضعهم على حاجز "هيسكو" [وهو عبارة عن حاوية كبيرة قابلة للطي مصنوعة من الشبك السلكي ومبطنة بقماش متين جدا، يتم ملؤها بالرمل أو التراب أو الحصى لإنشاء جدار صلب] لتجنب أن يدهسهم الناس. عندما رفض تنفيذ الأمر، رد القائد: "أخبر رجالك أن يطلقوا النار عليهم الآن وإلا سنطلق نحن النار عليهم". قال إن في نهاية المطاف لم يحدث إطلاق نار في تلك المرة لأن الأطفال نزلوا من تلقاء أنفسهم.
في رسالته إلى هيومن رايتس ووتش، قال الجيش الإسرائيلي إنه أجرى "تحقيقات معمقة" في "تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين بالقرب من مواقع التوزيع" وإن "الحوادث قيد المراجعة من قبل الهيئات المختصة"، لكنه لم يقدم أي تفاصيل إضافية. لطالما اعتبر مراقبو حقوق الإنسان نظام إنفاذ القانون الداخلي في إسرائيل "منظومة لطمس الحقائق".
قالت يو جي سوليوشنز في رسالتها المؤرخة في 29 يوليو/تموز، إن أغيلار لم يكن بوسعه أن يشهد انتهاكات الجيش الإسرائيلي، لأنه "لم يغادر موقع التوزيع الثابت خلال العمليات، ولم يكن في مكان تتاح له منه رؤية مواقع الجيش الإسرائيلي خلف السواتر الترابية العالية التي تحمي المواقع". غير أن هيومن رايتس ووتش راجعت فيديوهات متعددة يظهر فيها متعاقدون مع يو جي سوليوشنز متمركزين فوق سواتر ترابية عالية، وكان لديهم مدى رؤية يشمل مناطق كانت تعمل فيها القوات الإسرائيلية. تحققت أيضا من فيديو صوره أغيلار في 8 يونيو/حزيران يُظهر دبابة إسرائيلية قرب الموقع 4.
روايات من الساعين إلى الحصول على المساعدات في مواقع التوزيع
قال أحد الساعين إلى الحصول على المساعدات وهو من ذوي الإعاقة لـ هيومن رايتس ووتش إنه مشى 12 ساعة إلى موقع توزيع تابع لمؤسسة غزة الإنسانية في رفح في أوائل يونيو/حزيران للحصول على المساعدات من عملية توزيع بدأت في الساعة 2 صباحا. قال إن القوات الإسرائيلية أجبرته هو وعشرات آلاف الأشخاص الآخرين الذين وصلوا إلى الموقع مبكرا على الانتظار في الخارج لعدة ساعات. قرر هو والعديد من الآخرين الاستلقاء في حفرة في الأرض حتى فتح الموقع لتجنب إطلاق النار عليهم من قبل القوات الإسرائيلية. قال إن دبابات الجيش الإسرائيلي كانت متمركزة في المنطقة وعند مدخل الموقع. قال إنه شاهد قذيفة دبابة تصيب شابا في رأسه عندما أطلقت الدبابات النار على الحشد، لمنع الناس من الاقتراب قبل فتح الموقع رسميا حسب الافتراض. وهو يعتقد أن الرجل توفي.
تمكن الرجل من الدخول وأخذ بعض الطعام في تلك المناسبة، لكنه قال إن في المرة التالية:
الأذكى والأقوى حصلوا على المساعدة أولا. سحق الحشد بعض الناس. في غضون ساعة، نفدت كل المساعدات، وعادت الدبابات بينما كانت مسيّرة من طراز "كوادكوبتر" تحلق في السماء. هرعت مبتعدا بأسرع ما يمكنني خالي الوفاض. شخص مثلي لديه إعاقة لا يستطيع فعل الكثير. أسمينا هذه المساعدات مساعدات الموت.
سلط أغيلار الضوء أيضا على كيف أن طريقة توزيع المساعدات التي تتّبعها مؤسسة غزة الإنسانية مُجحفة في حق أولئك الذين لا يستطيعون الركض بسرعة وشق طريقهم عبر الحشود للحصول على المساعدات، مشيرا إلى أن "الآخرين، لا سيما كبار السن والنساء والأطفال، كانوا ينبشون في التراب بحثا عن فتات مثل الحبوب المتناثرة".
قال رجل آخر ذهب إلى مواقع التوزيع مرتين في يونيو/حزيران إنه في المرة الأولى، عندما كان في مقدمة الطابور ينتظر أن تسمح القوات الإسرائيلية للناس بالدخول إلى الموقع، شاهد دبابات عسكرية إسرائيلية تطلق النار على الحشد، ما أسفر عن مقتل رجل واحد على الأقل بالقرب منه في المقدمة. بمجرد السماح له بالدخول إلى الموقع، تمكن من الحصول على بعض المساعدات. في المرة الثانية، انتظر في مكان أبعد، ونتيجة لذلك لم يتمكن من الحصول على أي مساعدات بحلول الوقت الذي دخل فيه الموقع. وقال إنه شاهد عدة مسيّرات من طراز كوادكوبتر تلقى قنابل صوتية على الحشد في تلك المناسبة أيضا.
عمليات مؤسسة غزة الإنسانية
وفقا لـ"وول ستريت جورنال"، التي استشهدت بأشخاص قالوا إنهم شاركوا في المناقشات، فإن آلية المساعدات التي توفرها مؤسسة غزة الإنسانية صُممت من قبل حوالي 10 جنود احتياط ورجال أعمال إسرائيليين بدأوا في الاجتماع في وقت مبكر من ديسمبر/كانون الأول 2023 في محاولة لإقصاء الأمم المتحدة. قال أغيلار إنه هو والمتعاقدون الآخرين دخلوا إسرائيل بتأشيرات سياحية من الفئة "بي 2"، مضيفا: "كنا مجرد سياح يحملون أسلحة. كان أمرا لا يصدق". أطلع أغيلار هيومن رايتس ووتش على صور للتأشيرة وفاتورة الضرائب التي استلمها.
قبل التوزيع، يضع موظفو سايف ريتش سيليوشنز الصناديق ثم يفتحون المواقع، وبعد ذلك يندفع الفلسطينيون إلى الداخل ويأخذون ما يستطيعون ويغادرون. وفقا لأغيلار وشهود آخرين، يفتقر نظام التوزيع إلى التسجيل، أو التدقيق، أو التتبع، أو آليات التوزيع العادل.
قال أغيلار: "ما من رقابة على هوية المستفيدين من المساعدات، الفوضى كانت عارمة. يأخذ أناس عدة صناديق، ويغادر الكثيرون دون أن يحصلوا على شيء".
تقع مواقع التوزيع الأربعة التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية في مناطق عسكرية حددها الجيش الإسرائيلي في ممرات أمنية ومناطق عازلة في أجزاء كبيرة من قطاع غزة. تقع ثلاثة من مواقع التوزيع (المواقع 1 و2 و3) في محافظة رفح داخل المناطق العازلة التي أنشئت على طول محوري "فيلادلفي" و"موراغ"، حيث تتواصل عمليات الجيش الإسرائيلي. ويقع الموقع الرابع (الموقع 4) في المنطقة العازلة التي أنشأتها القوات الإسرائيلية في محور نتساريم الواقع في وسط غزة. جرفت القوات الإسرائيلية هذه المناطق بالكامل وأخلتها من الفلسطينيين، في أعمال تشكل جريمة ضد الإنسانية تتمثل في التهجير القسري والتطهير العرقي.
في المقابل، عند السماح لها بالعمل دون قيود، توزع الأمم المتحدة المساعدات في مئات المواقع في جميع أنحاء غزة لتحسين قدرة الناس على الحصول على المساعدات بأمان في منطقتهم وتخفيف مشاكل السيطرة على الحشود. ويأخذ توزيع المساعدات في الاعتبار الاحتياجات المحددة على مستوى المجتمع المحلي، والفئات الضعيفة، وحجم الأسرة.
وفقا لصور الأقمار الصناعية، لم يكن أي من المواقع الأربعة قد أُنشئ حتى 26 أبريل/نيسان. بدأت أعمال تحضير الأرض في أواخر أبريل/نيسان للموقعين 1 و4، وفي أوائل مايو/أيار للموقعين 2 و3. ويفترض أن أعمال البناء اكتملت في حوالي 17 مايو/أيار للموقع 4، وبحلول 23 مايو/أيار للمواقع 1 و2 و3، أي قبل أقل من ثلاثة أيام من بدء عمل الموقع 1.
كل موقع من مواقع التوزيع الأربعة المفتوحة في الهواء الطلق له تصميم مستطيل محاط بسواتر ترابية، مع أربعة أبراج حراسة في الزوايا. ويتم التحكم في وصول المدنيين إلى منطقة التوزيع من خلال نقاط دخول وخروج ضيقة، موجهة بواسطة ممرات ضيقة أو حواجز خرسانية، بينما يتيح مسار منفصل لشاحنات المساعدات الوصول إلى منطقة التخزين.
قال أغيلار إنه، قبل بدء عمليات التوزيع في 26 مايو/أيار، أثار مخاوف بشأن تصميم وبناء جميع المواقع الأربعة، بما يشمل على نحو خاص الموقع 3. وثّقت هيومن رايتس ووتش كيف أن إجراءات "الأمن" الأخرى التي أضيفت إلى بعض المواقع في بداية يونيو/حزيران قد تضر بالفلسطينيين الساعين إلى الحصول على المساعدات، وأن المواقع كانت خطيرة بشكل خاص عند الازدحام، وأن المواقع كانت قريبة من القوات الإسرائيلية. تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 5 يوليو/تموز سياجا إضافيا أضيف إلى الساتر الترابي الشمالي للموقع 3. قال أغيلار إن هذا هو سياج من الأسلاك الشائكة ثلاثية الخيوط أضيف في أوائل يونيو/حزيران لردع المدنيين عن الاندفاع عبر الساتر الترابي. وقد يكون خطرا إذا دُفع الناس نحوه.
غالبا ما تشهد المداخل والمخارج ازدحاما شديدا بسبب الحشود الكبيرة. تظهر صور الأقمار الصناعية للموقع 4 أن هناك عادة مركبات مدرعة إسرائيلية تتمركز عادة عند مدخل ومخرج المسارات المخصصة للمدنيين.
المواقع محاطة ببنية تحتية عسكرية تشمل مراكز أمامية ومعدات ومركبات، بعضها متمركز على طول المسارات التي يستخدمها المدنيون. في حين أن بعض البنية التحتية تم إنشاؤها مسبقا من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء إنشاء هذه الممرات، إلا أنه قد تم بناء مراكز أمامية إضافية، وصفها أغيلار بأنها مناطق تجمع لـ"قوات الرد السريع" التابعة للجيش الإسرائيلي، أثناء إنشاء مواقع التوزيع. قال أغيلار إنه عندما تكون عملية التوزيع جارية، ينشر الجيش الإسرائيلي دبابات وجنودا في مناطق الانتظار القريبة.
من الصعب أيضا بالنسبة للفلسطينيين الذين يحتاجون إلى المساعدات الحصول على معلومات أساسية ودقيقة حول عمليات مؤسسة غزة الإنسانية: بدءا من 29 مايو/أيار، طلبت المؤسسة من الناس مراجعة صفحتها على "فيسبوك" حيث تنشر معلومات يوميا، على الرغم من أن الكثيرين في غزة ليس لديهم اتصالا بالإنترنت أو بطاريات مشحونة بالقدر الكافي لهواتفهم. يعود ذلك إلى قطع إسرائيل الكهرباء، واستهدافها وتدميرها البنية التحتية للاتصالات، والقيود التي فرضتها على دخول الوقود. كان هناك انقطاع شبه تام للاتصالات بين 11 و13 يونيو/حزيران.
تفصّل هذه المنشورات المواقع التي كانت مفتوحة ومغلقة، ما سمح للباحثين بتحديد المدة التي قالت مؤسسة غزة الإنسانية إن عمليات التوزيع استمرت فيها كل يوم. نشرت المؤسسة أيضا إشعارات هامة بالتغييرات في نظامها. كان فيسبوك المنصة الرئيسية التي تواصلت من خلالها المؤسسة باستمرار مع الفلسطينيين، على الرغم من وجود مجموعات لها على "واتساب" و"تلغرام" أيضا. في 18 يونيو/حزيران، نشرت المؤسسة أن جميع الإعلانات الرسمية المتعلقة بالمواقع والأوقات ستُنشر حصريا على صفحتها على فيسبوك.
من خلال تحليل منشورات مؤسسة غزة الإنسانية على فيسبوك من 29 مايو/أيار إلى 21 يوليو/تموز، والتي شملت 105 عملية توزيع، كان الموقع 2 قد أجرى 39 عملية توزيع، يليه الموقع 3 بـ 29 عملية، ثم الموقع 4 بـ 22 عملية، وأخيرا الموقع 1 بـ 15 عملية.
رغم أن المواقع الأربعة كانت قيد التشغيل بعد 26 مايو/أيار، فإنها لم تبدأ العمل جميعها مرة واحدة في اليوم إلا في 16 يونيو/حزيران. غير أن ذلك لم يستمر سوى يومين، هما 16 و17 يونيو/حزيران. كان هذان هما اليومان الوحيدان اللذان عملت فيهما المواقع الأربعة جميعها. كان موقعان أو ثلاثة مواقع فقط قيد التشغيل في غالبية الأيام التي حللت هيومن رايتس ووتش المعلومات المتعلقة بها. في 18 يونيو/حزيران، نشرت مؤسسة غزة الإنسانية أن الموظفين سيوزعون المساعدات مرتين في اليوم في مواقع التوزيع "عندما يتسنى لهم ذلك". لم يتمكن الموظفون من القيام بذلك سوى في تسع مناسبات. خلال 54 يوما بين 29 مايو/أيار و21 يوليو/تموز، لم يتم توزيع أي مساعدات في أي من المواقع على مدار 12 يوما في تلك الفترة، وكان السبب المعلن في أغلب الأحيان هو أعمال الصيانة والتجديد.
في 14 مناسبة، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية عن إغلاق المواقع في نهاية عمليات التوزيع، لكنها لم تعلن قط متى بدء التوزيع، ما جعل من المستحيل على الفلسطينيين معرفة متى كانت تُوزَّع المساعدات. وفي 54 مناسبة، كانت مدة التوزيع أقل من 20 دقيقة، وفي 20 مناسبة أخرى، أُعلن انتهاء عملية التوزيع قبل الإعلان عن بدايتها. في15 و16 يونيو/حزيران، مثلا، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية أن الموقع 1 سيُفتح في الساعة 10 صباحا، لكنها نشرت لاحقا في 15 يونيو/حزيران أن التوزيع انتهى في الساعة 5:50 صباحا وفي 16 يونيو/حزيران في الساعة5:06 صباحا على التوالي. جرت 15 عملية توزيع في الموقع 1. ورغم أن 10 من هذه العمليات كانت مقررة في أوقات فتح محددة، إلا أنها لم تلتزم بهذا التوقيت إلا في ثلاث مناسبات. حلل الباحثون 21 عملية توزيع في الموقع 2 في الفترة من 15 يونيو/حزيران إلى 5 يوليو/تموز، ووجدوا أن متوسط مدة كل عملية توزيع كانت 11 دقيقة.
تمت 11 عملية توزيع في ساعات الليل بين الساعة 1:00 و3:00 صباحا. في 15 يوليو/تموز، نشرت مؤسسة غزة الإنسانية أنه ينبغي للأشخاص عدم الاقتراب من المواقع خلال ساعات الليل لأسباب تتعلق بالسلامة. جاء ذلك بعد إدخال نظام العلمين الأحمر والأخضر في الموقع 3 في 14 يوليو/تموز والموقع 2 في 17 يوليو/تموز. كان اللون الأخضر يشير إلى أن الموقع مفتوح، والأحمر إلى أنه مغلق، وفقا لمنشور مؤسسة غزة الإنسانية في 14 يوليو/تموز. ليس لدى هيومن رايتس ووتش مزيد من المعلومات عن كيفية عمل هذا النظام المفترض، أو مكان وضع الأعلام، وكم مرة تم فتح المواقع وإغلاقها. في رسالتها المؤرخة في 28 يوليو/تموز، قالت مؤسسة غزة الإنسانية إن سايف ريتش سوليوشنز أضافت أنظمة أعلام لتحديد أوقات فتح وإغلاق المواقع، وأنظمة مكبرات صوت لتحسين التواصل مع السكان، وأنها أجرت تحسينات على دفاعات المواقع لمنع الاحتكاكات التي قد تؤدي إلى التصعيد، كما أبلغت السكان بالقواعد المتبعة في المواقع باستخدام مجموعة متنوعة من منصات التواصل الاجتماعي".
بعد يوم من بدء العمل بنظام الأعلام في الموقع 3، نشرت مؤسسة غزة الإنسانية في 15 يوليو/تموز أنها اضطرت إلى إغلاق الموقع بسبب الاكتظاظ. في 16 يوليو/تموز، قُتل ما بين 17 و21 فلسطينيا دهسا في ذلك الموقع في حادثة تدافع، بحسب ما قال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية في رسالته، مضيفا أن الحادثة نجمت عن "مثيري شغب وسط الحشود". لم ينشر حساب مؤسسة غزة الإنسانية على فيسبوك قط أن الموقع 3 والموقع 2 كانا مفتوحين في ذلك اليوم، ونشر فقط عند الساعة 1:05 ظهرا أنهما لن يفتحا أبوابهما مجددا في ذلك اليوم. قالت وزارة الصحة في غزة إن 15 فلسطينيا لقوا حتفهم في حادثة تدافع بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع على حشد من الناس كانوا ينتظرون المساعدات، وإن القوات الإسرائيلية قتلت ستة أشخاص آخرين بالرصاص.
في 18 يوليو/تموز، كانت المواقع كلها مغلقة حسب الافتراض. نُشرت معلومات محدودة في 19 و20 يوليو/تموز، تفيد فقط بأن المواقع مفتوحة، لكن لم يُحدد موعد التوزيع.
من شبه المستحيل على الفلسطينيين اتباع التعليمات الصادرة عن مؤسسة غزة الإنسانية، والبقاء في أمان، وتلقي المساعدات، لا سيما في ظل العمليات العسكرية الجارية، وحظر التجول الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي، والرسائل المتكررة من مؤسسة غزة الإنسانية التي تطلب من الناس عدم التوجه إلى المواقع قبل بدء فترة التوزيع.
قال مدير مؤسسة غزة الإنسانية في بث مباشر يوم 2 يوليو/تموز إن المؤسسة تخطط لفتح أربعة مواقع توزيع جديدة في الأسابيع المقبلة.
استخدام القوة المزعوم من قبل متعاقدي شركة يو جي سيليوشنز
قابلت هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل أربعة أشخاص، هم أغيلار وثلاثة فلسطينيين، زعموا أنهم شاهدوا حراسا مسلحين يستخدمون الذخيرة الحية وأسلحة أخرى ضد المدنيين أثناء توزيع المساعدات داخل مواقع مؤسسة غزة الإنسانية. نفت كل من مؤسسة غزة الإنسانية ويو جي سوليوشنز ذلك. في رسائل من يو جي سوليوشنز والمستشار القانوني للشركتين، أفادوا أن أفراد يو جي سوليوشنز لا يستخدمون القوة القاتلة إلا كملاذ أخير، وأنهم لم يلحقوا الأذى قط بالمدنيين أو الساعين إلى الحصول على المساعدات.
قال رجل فلسطيني عمره 39 عاما، ذكر أنه قصد مواقع توزيع المساعدات التابعة للمؤسسة نحو 30 مرة، لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان بالقرب من شقيقه، وهو أب لثلاثة أطفال، عندما أصيب هذا الأخير برصاصة قاتلة في الرأس قرب مدخل الموقع 4 في وادي غزة حوالي الساعة 9:50 مساء في 29 يونيو/حزيران. قال الرجل إنه رأى إطلاق النار الذي قتل شقيقه يأتي من رجال مسلحين داخل الموقع بعد وقت قصير من انسحاب دبابة إسرائيلية كانت في المنطقة، وهي الإشارة التي استحدثها الجيش الإسرائيلي للدلالة على موعد فتح الموقع للتوزيع. قال رجل ثانٍ كان موجودا في عملية التوزيع نفسها إنه رأى حارسَيْن مسلحَيْن في الموقع يفتحان النار على الحشود بعد انسحاب دبابة إسرائيلية. قال إنه، بينما كانوا يندفعون إلى الموقع، قتلت رصاصة في الرأس صديقه، واضطر إلى حمل جثته من الموقع، وأصابت رصاصات رجلَيْن آخرَيْن بجانبه، أحدهما في الصدر والآخر في الساق. وهو غير متأكد ما إذا كانا قد نجوا. يذكر حساب مؤسسة غزة الإنسانية على فيسبوك أن عملية توزيع في الموقع 4 انتهت حوالي الساعة 10:00 مساء تلك الليلة. قال رجل فلسطيني ثالث، قصد مواقع التوزيع مرتين في يونيو/حزيران: "رأيت أشخاصا يتعرضون لإطلاق نار في الساق والذراع والرأس، داخل مواقع التوزيع أثناء وجودي هناك".
زعم أغيلار أن المتعاقدين مع يو جي سوليوشنز أطلقوا النار باتجاه مدنيين، بينهم نساء وأطفال، كان من الممكن رؤية أنهم غير مسلحين، وذلك كوسيلة للسيطرة على الحشود حسب الافتراض. قال أيضا إنه خلال فترة عمله مع الشركة، لم يتلقَّ قط أي قواعد اشتباك مكتوبة. زعم أغيلار أنه رأى متعاقدين يطلقون النار نحو الحشود أثناء عمليات التوزيع، بما في ذلك بالقنابل الصوتية ورذاذ الفلفل، وفي بعض الحالات، بالذخيرة الحية. قال: "كانت آلية السيطرة على الحشود هي إطلاق الذخيرة الحية، ما حوّل هذه المواقع إلى مصائد للموت. كنا نهيئ الظروف ليموت الناس. لم أستطع أن أكون متواطئا في ذلك". زعم أغيلار أن المتعاقدين أطلقوا النار على الناس، خاصة نحو أقدامهم، أثناء دخولهم الموقع، لإجبار الحشود على الالتزام بمسار معين. زعم أنه في بعض الأحيان، بعد نفاد جميع صناديق المساعدات – غالبا بعد دقائق من بدء التوزيع –رأى متعاقدين يطلقون النار مرة أخرى على الحشود، بما في ذلك بالقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل، لإجبار من تبقوا على الخروج، والذين كانوا ينبشون في التراب بحثا عن حبوب متناثرة، أو يحاولون أخذ الخشب من الطبليات التي نُقل عليها الطعام.
زعم أغيلار أنه، بناء على ما رآه، لم تكن حياة الموظفين العاملين في مواقع التوزيع في أي خطر على الإطلاق، ولم يرَ أيا من الفلسطينيين القادمين للحصول على المساعدات يحمل سلاحا. غير أن المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية قال إن عدة موظفين أصيبوا أثناء توزيع المساعدات، وإن حماس "قتلت" 12 من موظفي المؤسسة و"عذّبت آخرين". طلبت هيومن رايتس ووتش من المؤسسة مزيدا من المعلومات حول الإصابات والقتلى في صفوف موظفيها، لكن الشركة لم تقدم تفاصيل إضافية بشأن الموظفين الـ 12 الذين قُتلوا. تشير تقارير إخبارية إلى أنهم تعرضوا للهجوم بينما كانوا في طريقهم إلى إحدى عمليات توزيع المساعدات. نفت حماس مسؤوليتها عن عمليات القتل المزعومة. أضاف المستشار القانوني للمؤسسة أن اثنَيْن من أفراد أمن يو جي سوليوشنز أصيبا بقنبلة يدوية في 5 يوليو/تموز، مستشهدا بمقالة لـ "رويترز"، وأنه "في 16 يوليو/تموز، طعن شخص مجهول مسعفا من يو جي سوليوشنز بمخرز ثلج عندما نجح هذا الأخير في انتزاع سلاح شخص مجهول هدد موظفي ´يو جي سوليوشنز´ وعمالا محليين بمسدس".
وصف أغيلار حادثتين أخريين شهدهما يزعم فيهما أن متعاقدين خاصين أطلقوا الذخيرة الحية في الحادثة الأولى، وقنابل صوتية في الثانية، على حشود من الفلسطينيين في مواقع توزيع المساعدات، ما أسفر عن مقتل شخص في كل مرة، بحسب اعتقاده. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق بشكل مستقل من عمليتي القتل هاتين، والتين نفت الشركتان حدوثهما. قدم أغيلار فيديوهات وصورة التقطها تتضمن عناصر من كلتا الحادثتين، حللتها هيومن رايتس ووتش مع مصادر أخرى من البيانات حيثما أمكن.
في واحدة من الحوادث، التي صوّر أغيلار أجزاء منها، في الموقع 4 في 29 مايو/أيار، وصف أغيلار كيف أطلق أحد المتعاقدين مع يو جي سوليونشز النار على الحشد ثم سقط رجل على الأرض دون حراك. هتف متعاقد آخر وقال: "اللعنة يا رجل، أعتقد أنك أصبت أحدهم". رد مطلق النار صارخا: " لقد فعلت!".
حللت هيومن رايتس ووتش سبعة فيديوهات صوّرها أغيلار في الموقع 4 بين الساعة 12:03 و 12:30 ظهرا بالتوقيت المحلي يوم 29 مايو/أيار، بحسب البيانات الوصفية للملفات.
يُظهر أحد هذه الفيديوهات، الذي صُوّر في الساعة 12:17 ظهرا يوم 29 مايو/أيار وتم تحديد موقعه الجغرافي عند المسار المخصص لوصول المدنيين في الموقع 4، أكثر من12 مسلحا داخل الموقع. يقول رجل بلكنة أمريكية: "لدي دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي متمركزة الآن في الزاوية الشمالية الغربية. لقد أدخلتهم وتحدثت معهم؛ سيستعرضون قوتهم". قال أغيلار إن عملية التوزيع قد انتهت لذلك اليوم وإن الناس كانوا يغادرون لأنه لم يتبق أي صناديق مساعدات.
يقول صوت آخر: "طلبت منهم [الجيش الإسرائيلي] أن يتمركزوا هناك، لا أريد أن يكون الأمر عدائيا للغاية لأن الوضع يهدأ". أطلق شخص خارج نطاق الكاميرا، على الأرجح من الجانب الآخر من الساتر الترابي، 29 طلقة. يصرخ صوت بلكنة أمريكية احتفالا، ثم يقول شخص ثانٍ بلكنة أمريكية: "اللعنة يا رجل، أعتقد أنك أصبت أحدهم". فيرد عليه شخص آخر: "نعم، لقد فعلت". ثم يأتي صوت آخر بلكنة أمريكية عبر جهاز لاسلكي قريب ويقول: "نحن نقضي الآن على الثقة، فلنذهب."
يُظهر فيديو ثانٍ، صُوّر بعد حوالي 30 ثانية من انتهاء الفيديو الذي يوثق إطلاق النار المزعوم، متعاقدا يطلق النار من بندقيته في اتجاه الفلسطينيين. يظهر المتعاقد في الفيديو وهو يرتدي زيا رماديا ويحمل بندقية، ويتم التعريف به على أنه أحد "رجالنا" من خلال اتصال لاسلكي، أجراه متعاقد آخر بلكنة أمريكية، مع القوات الإسرائيلية. يمكن سماع المتعاقدين وهم يخبرون القوات الإسرائيلية بأنهم يطلقون طلقات تحذيرية. لا تظهر أي جثث أو جرحى في هذا الفيديو الذي تبلغ مدته ست دقائق وصُوّر من أعلى ساتر ترابي.
في حادثة ثانية وقعت في 2 يونيو/حزيران في الموقع 1، زعم أغيلار أنه شاهد أحد المتعاقدين من يو جي سوليوشنز يُطلق قنبلة صوتية على الحشد، أصابت امرأة في رأسها بينما كانت تلتقط الحبوب المتناثرة على الأرض. قال إنها سقطت على الأرض على ما يبدو فاقدة الحياة، ونُقلت بعربة يجرها حمار.
راجعت هيومن رايتش ووتش صورة من أغيلار للمرأة على العربة، صُوِّرتفي 2 يونيو/حزيران الساعة 5:31 صباحا بالتوقيت المحلي، وفقا للبيانات الوصفية. إصاباتها غير ظاهرة في الصورة لكن أغيلار قال إنه لمس جسدها بعد الحادثة ولم يجد أي علامات على الحياة.
قال أغيلار أيضا إن المتعاقدين مع يو جي سوليوشنز استخدموا كميات هائلة من الذخائر الأقل فتكا، بما في ذلك القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل. أضاف أنه في 16 يونيو/حزيران في الموقع 1، مثلا، استخدم المتعاقدون 18 قنبلة صوتية-مسيلة للدموع، و19 قنبلة صوتية، و27 عبوة غاز مسيل للدموع، و60 عبوة من رذاذ "أو سي" (OC) – وهو مادة كيميائية مسببة للالتهاب أقوى بكثير من رذاذ الفلفل العادي وقادرة على شل حركة الأشخاص بدلا من مجرد تفريق الحشود – خلال عملية توزيع دامت 8.5 دقائق لـ 25 ألف صندوق طعام لنحو 8 آلاف من الأشخاص الساعين للحصول على المساعدات، الذين لم يكن يعتقد أن أيا منهم شكّل "أي خطر".
في رسالة بتاريخ 28 يوليو/تموز إلى هيومن رايتس ووتش، قال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية إن "قواعد الاشتباك الخاصة بشركة سايف ريتش سيليوشنز تسمح باستخدام القوة القاتلة ’فقط في حالات الضرورة القصوى، وفقط عندما تفشل الوسائل الأقل شدة أو يتعذر استخدامها بشكل معقول. فيما يتعلق بأدوات السيطرة على الحشود، نحن نستخدم أدوات غير فتاكة في حالات محدودة، وفقط عند الضرورة القصوى لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين. لم يقم أي موظف في المؤسسة أو متعاقد معها بإطلاق النار على أي مدني قط، أو قتل أو جرح الساعين إلى الحصول على المساعدات".
قالت يو جي سوليوشنز إنها استخدمت رذاذ الفلفل وغيره من الذخائر الأقل فتكا بهدف "منع تدافع حشود المدنيين الساعين إلى الحصول على المساعدات"، مُشيرة إلى أن هذا أنقذ أرواحا. أكدت رسالة الشركة أن المتعاقدون الذين يحملون أسلحة داخل مواقع التوزيع هم فقط من "يو جي سوليوشنز" وأضافت:" لم يُطلق أي موظف لدى يو جي سوليوشنز طلقات تحذيرية نحو المدنيين قط"، بل كانوا يوجهونها "إلى الأعلى، في الهواء وباتجاه الشاطئ". رغم طلب هيومن رايتس ووتش الحصول على مزيد من المعلومات حول الأسلحة الفتاكة والأقل فتكاً المُسلَّمة للمتعاقدين مع يو جي سوليوشنز في المواقع، قال المستشار القانوني لمؤسسة غزة الإنسانية إن المؤسسة "لن تُفصح" عن تفاصيل بهذا الشأن.