لقطات مروعة لمراكز توزيع المساعدات التي افتتحت حديثا في غزة برعاية إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة: فلسطينيون يتزاحمون للحصول على الطعام، وحشود يتم إبعادها، ودوي أصوات الأعيرة النارية.
في الأيام الأخيرة، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الفلسطينيين الذين يحاولون تأمين الطعام لعائلاتهم وأنفسهم حيث أفادت التقارير بمقتل ما لا يقل عن 163 شخصا.
لا تتسبب مراكز التوزيع هذه في مقتل الناس فحسب، بل إنها لا تتصدى للتجويع الجماعي الحاصل، والذي أعلن المسؤولون الفلسطينيون أنه مجاعة. توفي 60 طفلا على الأقل جوعا وأعلنت "الأمم المتحدة " أن "غزة هي أكثر الأماكن جوعا على وجه الأرض".
بدلا من إيصال الطعام إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليه في جميع أنحاء غزة، تزيد مراكز التوزيع هذه من التهجير القسري، وهو ما اعترف بعض المسؤولين الإسرائيليين علنا ودون خجل بأنه هدفهم المنشود.
لكن هناك طريقة أخرى لإيصال الغذاء إلى الناس في غزة: قافلة دبلوماسية إنسانية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.
جاءت مراكز توزيع المساعدات الحالية بعد أكثر من 11 أسبوعا من الحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل على غزة – لا غذاء ولا دواء، لا شيء سوى قنابل وقسوة بيروقراطية. بالكاد أحدثت المساعدات القليلة القادمة أثرا. الأمهات يحتضّن أطفالهن الرضع الذين أصبحوا هياكل عظمية ويبحثن عن بقايا الطعام. يُقتل الصيادون بالرصاص لإلقائهم الشباك، ويُترك المرضى الذي لديهم أمراض مزمنة دون الحصول على الدواء. شاحنات المساعدات تُنهب تحت أنظار المسيّرات الإسرائيلية.
هذا ليس ضررا جانبيا – إنها استراتيجية متعمدة لخلق ظروف حياة مدروسة لإحداث دمار مادي للفلسطينيين في غزة كليا أو جزئيا. لم يبدأ هذا الأمر فقط مع التصعيد الأخير - على مدار 18 عاما من الحصار على غزة و19 شهرا من الأعمال العدائية، ارتكبت السلطات الإسرائيلية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة وأعمال الإبادة الجماعية.
بدلا من وقف هذه الفظائع، تُسهّل الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، ارتكابها – هي التي تزود إسرائيل بالقنابل وتوفّر الدعم لتسريع التطهير العرقي، وتدعم الآن مخطط المساعدات الشائن هذا، وبالتالي تضفي الشرعية عليه. مراكز التوزيع هذه، التي تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية" المنشأة حديثا، والتي تعمل بتنسيق وثيق مع القوات الإسرائيلية ويديرها متعاقدون عسكريون من القطاع الخاص، تنتهك أحد أهم المبادئ الأساسية للقانون الإنساني: يجب أن تكون المساعدات غير متحيزة.
بدلا من أن تصل المساعدات إلى الفلسطينيين حيث هم، يتوجب على الفلسطينيين – ومعظمهم قد تهجّر بالفعل عدة مرات، وعشرات الآلاف منهم لديهم إصابات مزمنة – أن يتنقلوا الآن عبر مناطق الحرب النشطة للوصول إلى هذه المراكز التي تسمى مراكز التوزيع، والتي تقع في المناطق التي تسعى القوات الإسرائيلية، بسجلها المقلق في استخدام التجويع كسلاح حرب، إلى تركيز السكان فيها.
المعنى الضمني واضح: لن يأكل الفلسطينيون إلا ما تسمح به إسرائيل، في الزمان والمكان الذي تسمح به إسرائيل، ولن يأكل إلا من تسمح لهم إسرائيل، وهي قوة احتلال عازمة على إبادتهم.
أعلن المسؤولون الإسرائيليون صراحة عزمهم على إفراغ غزة. أنشأت السلطات الإسرائيلية في مارس/آذار 2025 هيئة حكومية لتسهيل هجرة الفلسطينيين "الطوعية" من غزة. يُطالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير "بحق العودة إلى غوش قطيف" (المستوطنات غير القانونية السابقة التي كانت موجودة في غزة). وهذه "المناطق الإنسانية" ما هي إلا فخ – وسيلة لحشد الفلسطينيين في مناطق مركزة حيث يمكن السيطرة عليهم بسهولة أكبر بل وطردهم، مما يسهل المزيد من التهجير القسري والتطهير العرقي.
الاستعانة بمتعاقدين عسكريين من القطاع الخاص للتنفيذ، والذين كانت لهم سجلات سيئة السمعة في العراق وأفغانستان وكان من الصعب مساءلتهم، أمرٌ بالغ السوء. الفراغ القانوني الذي يحيط بالمتعاقدين يجعلهم أدوات مثالية لسياسة الإنكار المعقول، كما رأينا سابقا عندما أنكرت السلطات الإسرائيلية في البداية إطلاق النار على الفلسطينيين الجائعين الذين يهرعون للحصول على المساعدات. من سيتحمل المسؤولية في هذه الحالات؟
لا يكفي أن ترفض البلدان في "الاتحاد الأوروبي" وحول العالم مراكز التوزيع الجديدة هذه. بل عليها أن تتخذ إجراءات ملموسة للتصدي للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة.
قضت "محكمة العدل الدولية" سابقا في يناير/كانون الثاني 2024 بأن تصرفات إسرائيل في غزة ترقى إلى "خطر حقيقي ووشيك" بأن يلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بـ"حق الفلسطينيين في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية". أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت.
بموجب "اتفاقية منع الإبادة الجماعية"، يقع على عاتق جميع الدول واجب منع الإبادة الجماعية بمجرد علمها بالخطر. وفقا لمحكمة العدل الدولية، يجب على الدول التعاون لإنهاء الاحتلال غير القانوني لفلسطين. وبموجب "اتفاقيات جنيف"، يقع على الدول واجب ضمان احترام الاتفاقية في جميع الظروف. تقع هذه الواجبات في صميم النظام القانوني الدولي الذي يُفترض أنه صُمم لمنع الجرائم التي تدمي ضمير الإنسانية. عندما تستخدم قوة الاحتلال التجويع كسلاح، يجب على الأطراف الأخرى أن تتحرك.
تدعو منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، إلى جانب أكثر من 900 منظمة مجتمع مدني أخرى، إلى إطلاق قافلة دبلوماسية إنسانية لكسر الحصار – أي تحالف من دبلوماسيي البلدان يرافقون شاحنات المساعدات عبر رفح أو عن طريق البحر، متجاوزين بذلك الحصار الإسرائيلي الخانق. الخطة بسيطة، حيث يُطلب من كل بلد الالتزام بإرسال وفد دبلوماسي لمرافقة إيصال المساعدات إلى غزة. إذا وقّع عدد كافٍ من البلدان على ذلك، قد يكون الضغط الدبلوماسي قويا بما يكفي لتحقيق هدف إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى الفلسطينيين. هذه ليست مجرد دعوات ممكنة من الناحية اللوجستية، بل هي دعوات ترتكز على الالتزامات القانونية الدولية للدول.
سيصرخ المتشككون قائلين: "لكن ماذا عن حماس؟" إليكم الحقيقة: المساعدات الإنسانية ليست مشروطة أبدا. تجويع المدنيين عمدا، حتى لو كان السبب المزعوم هو إضعاف المسلحين، هو جريمة حرب – دون أي مجال للنقاش.
سيُحذّر آخرون من خطر المزيد من التصعيد. لكن إسرائيل تُصعّد بالفعل. غزة أصبحت ركاما إلى حد كبير. والخطر الحقيقي هو التقاعس عن التحرك – مما يسمح لإسرائيل بجعل استخدام التجويع الجماعي كأداة حرب أمرا عاديا، وتوجّه بذلك ضربة قوية للنظام القانوني الدولي.
لا يتعلق الأمر بغزة فقط، بل بمدى اهتمام البلدان بالقانون الدولي. إذا قبِل العالم بالحصار الإسرائيلي – فنحن نعطي الضوء الأخضر لمستقبل تكون فيه القوة هي من تملي الحق والصواب.
القافلة الدبلوماسية الإنسانية لا تتمحور فقط حول توصيل الغذاء، بل باستعادة مبدأ أنه لا يحق لأي حكومة أن تقرر من يأكل ومن يجوع. لقد انتهى وقت التباكي. حان وقت العمل.
..
شهد حموري أكاديمية في جامعة كينت ومحامية دولية. عمر شاكر هو مدير إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش.