"العراق الجديد؟ تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم في حجز السلطات العراقية"

العراق الجديد؟

تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم في حجز السلطات العراقية

ملخص....
. مقدمة
. توصيات..
III. المنهج
. الإطار القانوني..
. الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات الوطني العراقي..
. تعرض أعضاء الجماعات السياسية والمسلحة للتعذيب وسوء المعاملة
VII. الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وسوء معاملة المشتبه فيهم جنائياً
VIII. التعذيب وسوء معاملة الأطفال المحتجزين في مراكز توقيف الكبار
. الفحوص الطبية والتحقيق في شكاوى التعذيب..
. مستشارو القوة المتعددة الجنسيات وجهود الإصلاح..
ملحق..
شكر وتقدير107

ملخص

وقع العراق في براثن حركة تمرد خطيرة بات تستهدف في المقام الأول قوات الشرطة وغيرها من قوات الأمن العراقية. وقد صارت حياة أفراد الشرطة عرضة لخطر حقيقي؛ ففي الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2004 وحدها قُتل قرابة 1300 من أفراد الشرطة، فضلاً عن العشرات من أفراد قوات الأمن العراقية الأخرى، على أيدي المتمردين. ويعتمل هذا التمرد في العراق في ظل حالة عامة من الانفلات الأمني بدأت في البلاد عقب استيلاء القوات التي تقودها الولايات المتحدة على بغداد وانهيار حكومة صدام حسين. وآثرت الولايات المتحدة وحلفاؤها ألا تحرك ساكناً في الوقت الذي اجتاحت فيه بغداد وغيرها من المدن والبلدات العراقية موجة من أعمال النهب والهجمات الانتقامية التي تحركها دوافع متعددة.

وقد حددت الأيام الأولى التي أعقبت سقوط حكومة صدام حسين اتجاه الأحداث التي أفضت إلى احتلال وعملية تحول سياسي حافلين بالعنف والدمار. ويروع المجرمون من معتادي الإجرام المواطنين العراقيين بعمليات الخطف ومؤامرات الابتزاز. ويستهدف المتمردون المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، فضلاً عن الأهداف العسكرية، بالتفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة التي يزرعونها على جوانب الطرق يومياً. وبدأت حوادث القتل الانتقامية متفرقة، ولكن تصاعدت وتيرتها حتى أصبحت من الأحداث شبه اليومية، حيث كانت تستهدف أول الأمر من يُعتقد أنهم من أنصار البعث، ثم أصبحت تستهدف من يُعتبرون من مؤيدي الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة. وصارت المدن التي كان يستشهد بها يوماً ما كدليل على نجاح احتلال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مثل الموصل، ساحة معارك دموية. وأسفرت العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد قوات المتمردين عن سقوط أعداد غير معروفة من القتلى والجرحى المدنيين وتدمير الممتلكات.

وخلال الاحتلال العسكري الذي قادته الولايات المتحدة عقب سقوط بغداد كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتحملان، بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949، المسؤولية الأساسية عن شروط الاحتجاز، وظروف احتجاز المعتقلين ومعاملتهم، وإتباع الإجراءات الواجبة للإنصاف القضائي، وضمانات المحاكمة العادلة، سواء بالنسبة للمتمردين المعتقلين أو بالنسبة للأشخاص الذين يُشتبه في أنهم من مرتكبي الجرائم العادية. وقد احتُجز آلاف من العراقيين وأُفرج عن أغلبهم خلال تلك الفترة. وبعد نقل السيادة في 28 يونيو/حزيران عام 2004 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1546، احتفظت القوات التي أُطلق عليها اسم "القوة المتعددة الجنسيات في العراق" (وهي بالأساس قوات الولايات المتحدة وحلفائها) بالمسؤولية عن اعتقال واحتجاز الأسرى من المتمردين وغيرهم من المحتجزين لأسباب أمنية، ومن بينهم من يوصفون بـ "المحتجزين ذوي القيمة العالية" مثل صدام حسين، ومسئولي الحكومة السابقة، والأشخاص المشتبه في كونهم إرهابيين أجانب. واضطلعت الحكومة العراقية المؤقتة بالمسؤولية عن احتجاز ومحاكمة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم جنائية عادية والمتمردين الذين تعتقلهم قوات الأمن العراقية.[1]

وقد انصب اهتمام دولي كبير، ومشروع، على التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة التي تعرض لها المحتجزون على أيدي القوات الأمريكية في سجن أبو غريب وغيره من مراكز الاحتجاز بالعراق. ولم تتحقق المحاسبة على هذه الانتهاكات، ولم تترسخ الثقة في أنها انتهت ولم تعد تتكرر؛ وفي الوقت نفسه تركز اهتمام أقل كثيراً على معاملة الأشخاص في حجز السلطات العراقية. وقد خلصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في التقرير الذي قدمته إلى الحكومة الأمريكية في فبراير/شباط عام 2004 بخصوص الظروف في عام 2003، إلى أن ممثلي السلطات العراقية قاموا "حسبما زُعم بجلد الأشخاص المحرومين من حريتهم بالأسلاك على ظهورهم، وركلهم في الأجزاء السفلى من الجسم، بما في ذلك الخصيتان، وتكبيلهم بالقيود الحديدية وتركهم معلقين في قضبان نوافذ أو أبواب الزنازين في أوضاع مؤلمة لعدة ساعات في المرة الواحدة، وتحريقهم بالسجائر المشتعلة (شاهد مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر علامات الحرق على الأجساد). وزعم عدة أشخاص من المحرومين من حريتهم أنهم أُرغموا على توقيع إفادة لم يُسمح لهم بقراءتها."[2] ولم تكن المتابعة العلنية لهذه القضية كافية.

ويعرض هذا التقرير بالتفصيل انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان ارتكبتها الشرطة العراقية ضد الأشخاص المشتبه بهم في جرائم تمس الأمن الوطني، بما في ذلك المتمردون، والأشخاص المشتبه بأنهم مجرمون جنائيون منذ أواخر عام 2003. وحتى منتصف عام 2004 ارتكبت قوات المخابرات العراقية أيضاًُ انتهاكات جسيمة تركزت بصفة أساسية على أعضاء الأحزاب السياسية التي ترى أنها تمثل خطراً على أمن الدولة.

وسجلت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال التحقيقات التي قامت بها في العراق الاستخدام المنهجي للاعتقال التعسفي، والاحتجاز لفترات مطولة قبل المحاكمة دون مراجعة قضائية، وتعرض المحتجزين للتعذيب وسوء المعاملة، وحرمان الأسر والمحامين من زيارة المحتجزين، والمعاملة غير المناسبة للأطفال المحتجزين، وتردي الظروف في مراكز الاحتجاز السابق على المحاكمة إلى مستويات مروعة. ويشوب المحاكمات نقص التمثيل القانوني وقبول الاعترافات المنتزعة تحت وطأة الإكراه كأدلة ضد المعتقلين. ولا تُتاح للأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة الرعاية الصحية الكافية كما لا يُتاح لهم أي سبيل قانوني واقعي للإنصاف. وتقاعست السلطات العراقية كلية عن التحقيق في الانتهاكات ومعاقبة المسئولين عن ارتكابها. وتجاهل مستشارو الشرطة الدوليون، وأغلبهم مواطنون أمريكيون يتم تمويلهم من خلال الولايات المتحدة، هذه الانتهاكات المتفشية.

وقد قُدِّمت الحكومة العراقية المؤقتة التي يقودها رئيس الوزراء أياد علاوي للمجتمع الدولي على أنها دليل على أن بطش حكومة صدام حسين وما كانت ترتكبه من انتهاكات قد انتهى وولى عهده، ولكن يبدو أنها تشارك بنشاط في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الأساسية، أو أنها متواطئة فيها على أقل تقدير. كما لم تثر الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو غيرهما من الحكومات المعنية هذه القضايا علناً كمسألة تبعث على القلق.

وتدرك منظمة هيومن رايتس ووتش الصعوبات الهائلة التي تكتنف مهمة إعادة تكوين قوات الشرطة في العراق اليوم، حيث تؤثر الظروف الأمنية السائدة على كل مناحي الحياة، وحيث يُعدّ المجندون الجدد في قوات الشرطة من الأهداف الرئيسية للهجمات. كما يتعين على المعنيين بإنفاذ القانون إضافة إلى ذلك أن يتصدوا لتركة حكومة صدام حسين التي كان سجلها في مجال حقوق الإنسان من أسوأ السجلات في العالم. ومع ذلك يظل العراق ملزماً بالوفاء بالتزاماته بموجب القانون الدولي. الذي يقضي بوضوح لا لبس فيه بأنه ليس بإمكان أي حكومة - لا حكومة صدام حسين، ولا حكومات دول الاحتلال، ولا الحكومة العراقية المؤقتة - أن تبرر إساءة معاملة الأشخاص في الحجز باسم الأمن. وتكفل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضم إليها العراق وأصبح من أطرافها، ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ضمانات أساسية لحماية الأشخاص حتى في ظل حالات الطوارئ التي يواجهها العراق الآن.[3]

ويسلم قانون حقوق الإنسان بأن احترام الحقوق وحكم القانون لا يمكن أن يقوم على انتهاكات جديدة. وإقامة حكومة عراقية جديدة لا تتطلب مجرد تغيير القيادة، بل تستوجب تغيراً في موقفها إزاء الكرامة الأساسية للإنسان. وينبغي للسلطات الجديدة أن تعلن بوضوح لا لبس فيه أنها لن تقبل أي تعذيب أو سوء معاملة للمحتجزين. كما ينبغي أن توضح للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، وكثير منهم كانوا يتولون نفس الوظائف في عهد الحكومة السابقة حين كان التعذيب هو القاعدة السارية، أن مثل هذه الانتهاكات لم تعد مقبولة ولن تمر دون عقاب. وقد تقاعست السلطات العراقية الحالية عن إبلاغ هذه الرسالة، كما تقاعس عن إبلاغها مستشاروها الدوليون خلال مساعدتهم لها في الاضطلاع بهذه المسؤولية. وفي ظل السماح بوقوع مثل هذه الانتهاكات دون ضابط أو رادع، مع الاستمرار في إعطاء أولوية مطلقة للسيطرة على الوضع الأمني، قد يكون من الصعب للغاية في نهاية المطاف تكوين قوة من الشرطة يمكن للشعب العراقي أن يثق فيها، وهو أمر يهدد الهدف النهائي المتمثل في إحلال الأمن الدائم الذي تحظى حقوق الإنسان في ظله بالاحترام.

I. مقدمة

قال المسئولون العراقيون مراراً، منذ تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة في يونيو/حزيران عام 2004، إن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون سيظل من أولويات الحكومة، وإن الإجراءات الصارمة الرامية للسيطرة على الوضع الأمني وتقليص مستوى الجريمة العنيفة ستظل في حدود تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. غير أن البحوث التي قامت بها منظمة هيومن رايتس ووتش بينت غير ذلك وأدت بها إلى استخلاص نتيجة مفادها أنه تحت شعار إحلال الأمن والاستقرار في شتى أنحاء العراق ما برح المجال واسعاً لقبول تعرض المحتجزين لسوء المعاملة على أيدي الأجهزة الحكومية.

ووجدت منظمة هيومن رايتس ووتش، استناداً إلى البحوث التي قامت بها في العراق في الفترة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، أن تعرض المحتجزين لسوء المعاملة على أيدي قوات الشرطة والمخابرات العراقية أضحى أمراً شائعاً مألوفاً. وتقوم أجهزة الشرطة والمخابرات بالقبض على الأشخاص دون مذكرات توقيف صادرة من السلطات القضائية المختصة[4]، وفي كثير من الحالات يتم القبض على الأشخاص بناء على معلومات يقدمها "مخبرون سريون" من داخل قوة الشرطة. وأفاد كثير من الأشخاص بتعرضهم للضرب عند القبض عليهم وتكبيلهم بالقيود الحديدية مع تضييق القيود بشدة على أيديهم أو مع إحكام عصب أعينهم. وفي مخالفة لأحكام قانون الإجراءات الجنائية العراقي الذي يقضي بعرض المتهم على قاض للتحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه[5]  احتُجز أغلب المعتقلين دون المثول أمام قاض لفترات تطول كثيراً عن هذه المدة، وتقرب في بعض الحالات من أربعة أشهر.

وأفاد أغلب المحتجزين الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش في إطار إعداد هذا التقرير بأن التعذيب وسوء المعاملة خلال فترة الاحتجاز الأولية من الأمور المعتادة في المنشآت الخاضعة لسلطة أجهزة الشرطة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية. ومن بين أساليب التعذيب أو سوء المعاملة التي وصفها المحتجزون الضرب المعتاد على الجسم باستخدام أدوات مختلفة مثل أسلاك الكهرباء والخراطيم والقضبان المعدنية. وأفاد المحتجزون بتعرضهم للركل والصفع واللكم؛ والتعليق لفترات مطولة من المعصمين مع تقييد اليدين خلف الظهر؛ وتعريض أجزاء حساسة من الجسم، بما في ذلك شحمتا الأذنين والأعضاء التناسلية، للصدمات الكهربية؛ وعصب العينين أو تقييد اليدين أو كلاهما طوال عدة أيام. وفي عدة حالات تكبد المحتجزون إصابات ربما تعد من قبيل العاهات البدنية المستديمة.

كما يعاني المعتقلون في الحجز السابق على المحاكمة من تدني ظروف الاحتجاز، فقد أفادوا بأنهم لا يحصلون لعدة أيام متواصلة إلا على القليل من الغذاء أو الماء أو لا يحصلون عليهما بالمرة، وباحتجازهم في ظروف غير صحية في زنازين بالغة الاكتظاظ لا يتوفر فيها للمرء مكان يرقد فيه للنوم وتفتقر إلى التهوية. وأفاد كثير من المحتجزين أيضاً بتعرضهم للضرب عند القبض عليهم وتكبيلهم بالقيود الحديدية مع تضييقها على أيديهم أو إحكام عصب أعينهم.

ولا يحظى المحتجزون بحماية تُذكر من تجريم الذات؛ ففي كثير من القضايا محط الاهتمام أفاد المحتجزون بأن مسئولي وزارة الداخلية دعوا بعض الصحفيين لتصويرهم وعرض صورهم في الصحف المحلية أو التليفزيون. وبات من المعتاد أن تصمهم الصحف بأنهم "مجرمون" قبل أن تُجرى معهم أي تحقيقات أولية. ومن بين الشكاوى الأخرى التي تتكرر على ألسنة مثل هؤلاء المحتجزين أن محققي الشرطة حملوهم على توقيع إفادات دون إطلاعهم على فحواها أو دون السماح لهم بقراءتها قبل التوقيع. وأفاد كثير من المحتجزين بأنهم أُرغموا على توقيع مثل هذه الإفادات أو أُخذت بصماتهم عليها وهم معصوبو الأعين، وكثيراً ما كان ذلك يحدث في نهاية جلسة استجواب يتعرضون خلالها لسوء المعاملة جسدياً. وفي كثير من مثل هذه القضايا التي تابعتها منظمة هيومن رايتس ووتش في المحاكم كان قضاة التحقيق يفرجون عن المحتجزين عند استجوابهم لعدم كفاية الأدلة بعد أن يكونوا قد تعرضوا لمثل هذه المعاملة.

ويمثل الفساد عقبة كبرى في سبيل احترام الحقوق الأساسية. فمن بين الشكاوى التي رددها أغلب المحتجزين تهديد مسئولي الشرطة لهم بالاحتجاز لأجل غير محدد إن لم يدفعوا لهم مبالغ مالية. وقال الغالبية العظمى من المحتجزين الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش إن الابتزاز مستشر، وإن رفض دفع مثل هذه الرشى أو عدم القدرة على دفعها يؤدي إلى بقاء المعتقلين رهن الاحتجاز إلى أن يُحالوا في نهاية الأمر إلى المحكمة، وهو ما يتم في الكثير من الحالات بعد عدة أسابيع. وكان من الأقوال التي ما تفتأ تتردد في الإفادات التي سجلتها منظمة هيومن رايتس ووتش أن "المجرمين الحقيقيين الذين يمكنهم دفع المال من عوائد جرائمهم يخرجون، أما  الفقراء فيظلون رهن الاعتقال."[6]

ودأب المسئولون في مرافق الاحتجاز على حرمان الأقارب والمحامين من مقابلة المحتجزين. وقال عدة محتجزين إنهم رأوا محامين يأتون إلى زنازينهم للحديث إلى آخرين محتجزين معهم، ومع ذلك فقد كان هذا، فيما يبدو، الاستثناء لا القاعدة. وقد تمكن بعض الأصدقاء أو الأقارب ممن قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش من مقابلة المحتجزين فيما يُعد كذلك من قبيل الاستثناء لا القاعدة. وأبلغ هؤلاء المنظمة بأنهم لم يتمكنوا من نيل مثل هذه المقابلات إلا من خلال دفع رشىً لمسئولي الشرطة أو من خلال صلتهم بأشخاص في مناصب رفيعة أو كليهما. وتقتصر حالات مقابلة المحتجزين كما سجلتها منظمة هيومن رايتس ووتش على مركز الاحتجاز التابع لمديرية الجرائم الكبرى في العامرية، وهو من المراكز الرئيسية الخاصة بالاحتجاز السابق على المحاكمة. ولم تتمكن المنظمة من العثور على أي حالات تمكن فيها المحامون أو الأقارب من مقابلة المحتجزين، حتى باستخدام الوسائل غير المشروعة، في مراكز الاحتجاز الأخرى الخاضعة لولاية وزارة الداخلية ولاسيما تلك الواقعة داخل مجمع الوزارة.

وليس ثمة مؤشرات تُذكر تدل على اتخاذ أي إجراءات جدية لإنفاذ القوانين القائمة ووضع نهاية لمثل هذه الممارسات. ولا تعلم منظمة هيومن رايتس ووتش إلا ببضع حالات أسفرت فيها التحقيقات في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة على أيدي موظفي إنفاذ القانون العراقيين عن إدانة مرتكبي تلك الانتهاكات. وورد إقرار رسمي بأن الشرطة قامت بإلقاء القبض على أشخاص دون مذكرة اعتقال في صورة تصريح من وزير الداخلية رداً على أسئلة وجهها إليه العديد من أعضاء المجلس الوطني المؤقت في جلسة المجلس يوم 18 أكتوبر تشرين الأول عام 2004. فقد نقلت الصحف عن وزير الداخلية فلح النقيب قوله إن ثمة أخطاء وقعت تتمثل في القبض على بعض الأشخاص دون الحصول على مذكرات اعتقال كما يقضي القانون، وإن الوزارة ستعمل جاهدة على منع وقوع هذه الأخطاء.[7] ولا تعلم منظمة هيومن رايتس ووتش بأي إجراءات جنائية يُحتمل أن تكون الحكومة العراقية المؤقتة قد اتخذتها منذ ذلك الحين فيما يخص المسئولين المخالفين للقانون أو بأي إجراءات اتُخذت لمنع تكرار مثل هذه الحالات مستقبلاً.

ومما زاد من تعرض المعتقلين الذين تحتجزهم أجهزة الشرطة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية للانتهاكات امتناع الوزارة عن تنفيذ إجراءات الإصلاح التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة.[8] ففي يونيو/حزيران عام 2003 أحالت سلطة الائتلاف المؤقتة المسؤولية عن إدارة جميع مرافق الاحتجاز والسجون التي كانت خاضعة من قبل لولاية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية إلى وزارة العدل.[9] وأُرفِقَت بالأمر الصادر بهذا التغيير مذكرة تنفيذية وضعت معايير أساسية لعمل كل المرافق من هذا النوع تنظم أموراً، من بينها ظروف الاحتجاز، والخدمات الطبية، والتأديب والعقاب، وشكاوى السجناء، وتفتيش المرافق.[10] وحسب معلومات منظمة هيومن رايتس ووتش، لا تُطَبَّق هذه القواعد التنظيمية عملياً على المنشآت الخاضعة لسيطرة وزارة الداخلية التي ما زالت تطبق نظاماً موازياً للاحتجاز خارج نطاق عمل مسئولي وزارة العدل والمفتشين.

وقد كرست الحكومة الأمريكية موارد كبيرة من أجل توفير مستشارين دوليين لمساعدة الحكومة العراقية المؤقتة على تدريب وتجهيز قوات الأمن والشرطة العراقية. ومن دواعي الأسف أن هؤلاء المستشارين يضعون التصدي للمشكلة ذات الأهمية الحاسمة المتمثلة في إساءة معاملة المحتجزين في مرتبة متدنية في سلم الأولويات على ما يبدو. ومن بواعث قلق منظمة هيومن رايتس ووتش أن مستشاري القوة المتعددة الجنسيات الذين يعملون بشكل وثيق مع وزارة الداخلية في القضايا المتعلقة بإنفاذ القانون والاحتجاز لا يولون سوى اهتمام ضئيل للانتهاكات التي ترتكبها الشرطة العراقية، وهم يعملون على زيادة قدرة هذه القوات وفعاليتها. ويعمل عدد من المستشارين الأساسيين على مستوى الوزارة بينما يقوم آخرون بالعمل الميداني في مراكز الاحتجاز الخاضعة لولايتها، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش لا تعلم بأي إجراءات جدية اتخذها هؤلاء المستشارون لمساعدة السلطات العراقية على التصدي للقضايا المتعلقة بتعرض المحتجزين لسوء المعاملة.

وثمة حاجة شديدة وملحة لتمكين مراقبين مستقلين من دخول مراكز الاحتجاز. وحتى كتابة هذا التقرير كانت قدرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر على القيام بزيارات دورية لأماكن الاحتجاز غير تلك التي تديرها سلطات القوة المتعددة الجنسيات ما زالت محدودة لأسباب أمنية. وحتى الآن لم يُتح لأي من منظمات حقوق الإنسان الدولية دخول مراكز الاحتجاز، سواء الخاضعة لولاية وزارة الداخلية أم الخاضعة لولاية وزارة العدل العراقيتين، بما في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش التي لم تتلق بعد رداً على طلبها دخول تلك المنشآت. وحسب علم منظمة هيومن رايتس ووتش كان ثمة مناقشات جارية لمنح العاملين في وزارة حقوق الإنسان حق دخول المنشآت التي تديرها الحكومة العراقية المؤقتة، لكن في الوقت الذي كانت المنظمة تقوم فيه بالبحوث اللازمة لإعداد هذا التقرير لم تكن تجري على ما يبدو زيارات تُذكر من هذا القبيل.

II. توصيات

توصيات للحكومة العراقية المؤقتة والحكومة العراقية الانتقالية التي سوف تخلفها

بخصوص التعذيب وسوء المعاملة:

·إدانة التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة علناً، والتصريح بوضوح لا لبس فيه بأنها لن تتسامح مع مرتكبي مثل هذه الانتهاكات.

·التحقيق على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، وضمان إخضاع الحراس والمحققين وغيرهم من العاملين في مراكز الاحتجاز المسئولين عن إساءة معاملة السجناء، لإجراءات تأديبية أو إقامة الدعاوى الجنائية عليهم حسب مقتضى الحال. وتحقيقاً لهذا الغرض ينبغي الأمر بإجراء تحقيق مستقل وشفاف في مزاعم التعذيب المعتاد والواسع النطاق المنسوبة إلى مديرية الجرائم الكبرى التابعة لوزارة الداخلية ومديرية المباحث الجنائية على وجه الخصوص.

·توقيع الفحص الطبي على المحتجزين الذين يزعمون عند إحالتهم إلى ولاية المحاكم أنهم تعرضوا لسوء المعاملة.

·ضمان حصول المحتجزين على الرعاية الصحية بصفة منتظمة.

·الوفاء بالمعايير الدولية الخاصة بمعاملة الأطفال المحتجزين، وخصوصاً من خلال احتجازهم في منشآت بمعزل عن المحتجزين البالغين، وتطبيق إجراءات مؤقتة لاحتجاز الأشخاص الذين يُحتمل أنهم أطفال بمعزل عن البالغين إلى أن تحدد السلطات أعمارهم في كل حالة على حدة.

·المسارعة بتقديم تعويضات كافية لضحايا التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي.

بخصوص حالات التوقيف والاحتجاز غير المشروعة:

·الإفراج فوراً عن كل المحتجزين حالياً دون تهمة أو إحالتهم إلى القضاء بتهم جنائية معترف بها.

·ضمان عرض كل من يوضع رهن الاحتجاز على قاض للتحقيق خلال 24 ساعة من إلقاء القبض عليه عملاً بقانون الإجراءات الجنائية العراقي.

·ضمان السماح للأقارب والمحامين بمقابلة المحتجزين على وجه السرعة.

بخصوص تطبيق العدالة:

·جعل استخدام الاعترافات كأساس للاحتجاز السابق للمحاكمة أو الإدانة مقصوراً على الاعترافات التي يدلي بها المتهم بحرية في وجود محام، ويؤكدها خلال 24 ساعة أمام قاض ومحامي المتهم. وتعليق العمل بأحكام قانون الإجراءات الجنائية التي تسمح باستخدام الاعترافات وغيرها من الأدلة المنتزعة تحت وطأة التعذيب أو غيره من وسائل الإكراه ريثما يتم إلغاؤها لاحقاً.

·اتخاذ خطوات لضمان التزام أجهزة تنفيذ القانون التابعة لوزارة الداخلية عند إلقاء القبض على أي شخص بالقانون المحلي الذي يستوجب استصدار مذكرة توقيف من سلطة قضائية.

·المسارعة باتخاذ خطوات لوضع حد لتفشي ابتزاز المحتجزين من قبل مسئولي الشرطة. وإجراء تحقيقات وافية في كل مزاعم الانتهاكات المنسوبة إلى مثل هؤلاء الأفراد، واتخاذ إجراءات تأديبية أو تحريك الدعاوى الجنائية، حسب مقتضى الحال، ضد كل من تتبين مسؤوليتهم عن مثل هذا السلوك.

بخصوص زيادة الشفافية والسماح بتفقد مراكز الاحتجاز:

·ضمان خضوع كل مراكز الاحتجاز التي تديرها أجهزة وزارة الداخلية لولاية وزارة العدل كما يقضي القانون المعمول به حالياً. وينبغي أن يكون من بين مثل هذه المنشآت المرافق الواقعة داخل مجمع وزارة الداخلية. كما ينبغي إيداع كل المعتقلين في أماكن احتجاز معترف بها، بحيث يتيسر دخولها لمفتشي الحكومة والمراقبين المستقلين وأقارب المحتجزين ومحاميهم.

·منح وزارة حقوق الإنسان حرية القيام دون معوقات بزيارات دورية لهذه المنشآت. وينبغي تشجيع هذه الوزارة على الاضطلاع بمهمة التقييم الدوري لمعاملة المحتجزين وظروف الاحتجاز. وينبغي إعلان نتائج مثل هذه الزيارات.

·ضمان إتاحة الظروف الضرورية لقيام مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة مراكز الاحتجاز السابق للمحاكمة أو للإدانة، مع ضمان  استمرار الظروف التي تيسر ذلك.

·السماح لمنظمات المراقبة المستقلة والمؤهلة، المحلية والدولية، زيارة مراكز الاحتجاز الخاضعة لسلطة وزارة الداخلية. وينبغي للسلطات السماح بأن تكون مثل هذه الزيارات متواترة وأن تتم دون معوقات.

بخصوص الوفاء بالمعايير الدولية:

·ضمان توافق الظروف في مراكز الاحتجاز مع المعايير الدولية، بما في ذلك "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء" و"مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن" الصادرة عن الأمم المتحدة. ومن حق المحتجزين تلقي ما يكفي من الطعام والماء، والحصول على وجه السرعة على العلاج الطبي، وأن تتوفر لهم مرافق الاغتسال الكافية والفراش النظيف والكافي. وينبغي ألا يتعرضوا لمعاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة.

·التصديق على "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" (اتفاقية مناهضة التعذيب). وينبغي كذلك النظر في الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب الذي يسمح للخبراء الدوليين المستقلين بالقيام بزيارات دورية لأماكن الاحتجاز في أراضي الدول الأطراف وتقييم ظروف الاحتجاز وتقديم توصيات من أجل تحسينها.

·تنفيذ التوصيات العامة التي قدمتها لجنة مناهضة التعذيب في مايو/أيار عام 2002، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب في عام 2003، لإنشاء آلية مستقلة تماماً لنظر شكاوى الأشخاص الذين تحتجزهم الأجهزة الرسمية.

توصيات لحكومة الولايات المتحدة وحكومات الدول الأخرى المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات:

·التحقق من أن مستشاري القوة المتعددة الجنسيات، الذين يقدمون المساعدة للحكومة العراقية في مجال عمل الشرطة واحتجاز الأشخاص، يعطون أولوية فورية وكافية للتحقيق في مزاعم تعرض المحتجزين للتعذيب أو سوء المعاملة على أيدي قوات الشرطة.

·الحث على إنشاء الآليات المناسبة للتحقيق في مزاعم تعرض المحتجزين لسوء المعاملة في المنشآت التي تديرها الأجهزة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية، وخصوصاً مديرية الجرائم الكبرى ومديرية المباحث الجنائية، والمساعدة في إنشاء تلك الآليات.

·التوصية بزيادة عدد مستشاري القوة المتعددة الجنسيات المنتشرين في مراكز الاحتجاز التي تديرها وزارة الداخلية. وتوضيح دور هؤلاء المستشارين فيما يتعلق بمراقبة معاملة المحتجزين في هذه المنشآت. وإنشاء آلية تتيح الإبلاغ بصورة فعالة وفي الوقت المناسب عن حالات تعرض المحتجزين لانتهاكات جسدية أو لغيرها من أشكال سوء المعاملة في المنشآت التي يوجد فيها مستشارون للقوة المتعددة الجنسيات.

·مساعدة السلطات العراقية على إنشاء آلية للتحقيق على وجه السرعة في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة على أيدي موظفي إنفاذ القانون التابعين لوزارة الداخلية.

·حث الحكومة العراقية على إنشاء آلية مستقلة للشكاوى يمكن أن تتضمن تعيين قاض للمظالم خاص بالشؤون الجزائية وشؤون الاحتجاز لتلقي شكاوى المحتجزين بخصوص التعرض لسوء المعاملة البدنية أو لغيرها من أشكال سوء المعاملة على أيدي مسئولي الاحتجاز والتحقيق في هذه الشكاوى؛ ومساعدة الحكومة العراقية في إنشاء هذه الآلية.

·مساعدة الحكومة العراقية على الالتزام بالمعايير الدولية فيما يخص معاملة الأطفال المحتجزين، وخصوصاً من خلال احتجازهم في منشآت بمعزل عن المحتجزين البالغين وتطبيق إجراءات مؤقتة لاحتجاز الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا أطفالاً بمعزل عن البالغين إلى أن يتم تحديد سنهم في كل حالة على حدة.

·ضمان عدم استخدام المساعدة المقدمة للحكومة العراقية في المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان.

·توجيه رسالة واضحة وثابتة، في إطار المساعدة المقدمة للحكومة العراقية، مفادها أن احترام حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من أي سياسة أمنية، وركن ضروري لنجاح مثل هذه السياسة، بما في ذلك عمليات مكافحة الإرهاب.

توصيات للجهات الدولية المانحة:

·أن ترقب عن كثب أي مساعدة تُقدم للحكومة العراقية في مجالات الشرطة والأمن ومكافحة الإرهاب لضمان الالتزام الصارم بمعايير حقوق الإنسان من جانب قوات الشرطة والمخابرات.

·إتاحة التدريب في مجال حقوق الإنسان كجزء لا يتجزأ من كل برامج بناء القدرة والتدريب المتعلقة بأجهزة الشرطة والمخابرات. وينبغي أن يتضمن مثل هذا التدريب جانباً يهدف لوقف استخدام التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة كأسلوب للاستجواب أو العقاب.

·ضمان اشتمال أي معونة مقدمة على المساعدة في إنشاء ودعم جماعات محلية لحقوق الإنسان ذات قدرة على المراقبة، وإنشاء لجنة مستقلة لحقوق الإنسان.

III. المنهج

قابلت هيومن رايتس ووتش تسعين من الموقوفين الحاليين والسابقين في العراق خلال الفترة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، وزعم اثنان وسبعون منهم أنهم تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة في الحجز. وفي الفترة التي أُجريت فيها المقابلات كان أربعة وسبعون منهم رهن التوقيف وكان الستة عشر الباقون قد أُفرج عنهم.

ويركز هذا التقرير على ثلاث فئات من الموقوفين؛ وتتألف الفئة الأولى من واحد وعشرين شخصاً أُلقي القبض عليهم فيما يبدو بزعم ارتباطهم بجماعة مسلحة أو بحزب سياسي معارض أو لأسباب تتعلق بأمن الدولة قد تكون ذات صلة بانتمائهم السياسي الحزبي. ولم تكن السلطة القانونية التي أُلقي القبض على مثل هؤلاء الأشخاص استناداً إليها محددة. وفي بعض الحالات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش احتُجز مثل هؤلاء الأشخاص لفترات غير محددة على أيدي الشرطة أو جهاز المخابرات ثم أُفرج عنهم دون أن تصل القضية قط إلى المحاكم. وركزت هيومن رايتس ووتش في تحقيقها في هذه الحالات على الأشخاص الذين اشتُبه في عضويتهم أو تعاطفهم مع جماعة جيش المهدي الموالية لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهي جماعة مسلحة أُنشئت في يونيو/حزيران عام 2003 بالمخالفة لتعليمات سلطة الائتلاف المؤقتة الخاصة بالقوات المسلحة والميليشيات في العراق[11]، وحركة حزب الله في العراق، وهي حزب سياسي أُنشئ في إيران عام 1982 لمعارضة حكومة صدام حسين، وتخلى عن المعارضة المسلحة عقب عودته إلى العراق. وقابلت هيومن رايتس ووتش أغلب هؤلاء الأشخاص بعد الإفراج عنهم دون أن تُوجه إليهم تهمة.

وتتألف الفئة الثانية من أربعة وخمسين شخصاً من المشتبه بهم جنائياً الذين أُحيلت قضاياهم إلى المحكمة الجنائية المركزية العراقية في بغداد. وقد أنشأت سلطة الائتلاف المؤقتة هذه المحكمة في يوليو/تموز عام 2003 لنظر الجرائم الجنائية الخطيرة، بما في ذلك جرائم الإرهاب والخطف وغسيل الأموال وتهريب المخدرات وأعمال التخريب.[12] وفي العادة يُحال الأشخاص الذين يُشتبه في أنهم من المتمردين الضالعين في جرائم جنائية أو في أنهم من أعضاء عصابات الجريمة المنظمة إلى المحكمة الجنائية المركزية. وتختص المحكمة أيضاً بنظر الجرائم الخطيرة المرتكبة في أوقات سريان حالة الطوارئ.[13] ومعظم هذه القضايا التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش أحالتها إلى المحكمة مديرية الجرائم الكبرى ومديرية استخبارات الشرطة الجنائية، بينما أحالت إليها مديرية أمن وسلامة الوزارة عدداً أصغر من القضايا (انظر الفصل الخامس).

أما الفئة الثالثة فتتألف من خمسة عشر موقوفاً احتُجزوا في سبعة مراكز مختلفة للشرطة بتهم جنائية مختلفة من بينها السرقة والقتل.[14] وقابلتهم هيومن رايتس ووتش لدى إحالتهم إلى محكمة للجنايات في بغداد غير المحكمة الجنائية المركزية وكانوا في المحكمة لحضور جلسات للتحقيق أو للمحاكمة. وكانت إفاداتهم بخصوص المعاملة التي لاقوها في الحجز متفقة إلى حد بعيد مع إفادات المحتجزين المحالين إلى المحكمة الجنائية المركزية. وفي هذا الإطار قابلت هيومن رايتس ووتش أيضاً خمسة من قضاة التحقيق في أربع من محاكم الجنايات التي تغطي قطاع الرصافة (شرق بغداد) وقطاع الكرخ (غرب بغداد). ويحوي الملحق الوارد في نهاية هذا التقرير مقتطفات من إفادات خمسة من هؤلاء المحتجزين.

وتتعلق كل القضايا التي يبرزها هذا التقرير بمحتجزين من الذكور من بينهم ثلاثة أطفال.[15] ولم تتسن لهيومن رايتس ووتش الفرصة لمقابلة محتجزات، حيث لم يُتح لها دخول مراكز التوقيف التي يُحتجزن بها مع قلة عدد الإناث اللاتي أُحلن إلى المحكمة الجنائية المركزية خلال الفترة التي أُجري فيها البحث.

وتتفق أنواع مزاعم سوء المعاملة الجسدية التي سجلتها هيومن رايتس ووتش مع التقارير الطبية التي تذكر بالتفصيل أنواع الإصابات الظاهرية التي سجلها الأطباء الشرعيون في قضايا متطابقة متعلقة بمتهمين أحالتهم محاكم الجنايات إلى معهد الطب العدلي في بغداد.[16] ومن بين الحالات السبع والثلاثين التي تم فحصها في المعهد أشارت السجلات الطبية في عشرين حالة إلى وجود إصابات خارجية حديثة، مثل الندوب أو الكدمات أو السحجات أو تغير لون الجلد. وسجلت هيومن رايتس ووتش أيضاً ملاحظاتها بخصوص الحالة الجسدية للمحتجزين الذين قابلتهم والذين كان ببعضهم إصابات ظاهرة تتفق فيما يبدو مع نوع المعاملة التي زعموا أنهم لاقوها. كما أيدت المعلومات التي قدمها قضاة التحقيق لهيومن رايتس ووتش بخصوص حالات فردية ملاحظات المنظمة بشأن طبيعة ما يتعرض له المحتجزون من سوء معاملة على أيدي الشرطة العراقية ونطاقه.

ولا يتصدى هذا التقرير للمعاملة التي يلقاها ما يقرب من 8500 من الموقوفين لأسباب أمنية الذين يحتجزهم الجيش الأمريكي في ثلاثة سجون رئيسية في العراق وفي مراكز توقيف ميدانية مؤقتة.[17]

وتخص أنواع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة التي سجلتها هيومن رايتس ووتش كل فئات المحتجزين، إلا أن أكبر مجموعة من المحتجزين الذين قابلتهم المنظمة هم الأشخاص المشتبه بهم جنائياً المحالين إلى المحكمة الجنائية المركزية. وبالإضافة إلى المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش، حضرت المنظمة كذلك جلسات التحقيق الخاصة بعشرات المحتجزين الآخرين. وكان أغلب المتهمين رهن التوقيف وأُحضروا إلى المحكمة ليأخذ المحقق العدلي بالمحكمة أقوالهم ثم ليواجهوا التهم المنسوبة إليهم أمام قاض للتحقيق.

وفي إطار توثيق حالات التعذيب وسوء المعاملة اللازم لإعداد هذا التقرير تلقت هيومن رايتس ووتش كثيراً من المزاعم الأخرى الخاصة بالتعرض لسوء المعاملة على أيدي الشرطة التي لم تتمكن من متابعتها أو التحقق منها. وقد فرضت الظروف الأمنية السائدة في البلاد قيوداً على قدرة المنظمة على الانتقال خارج منطقة بغداد لمقابلة بعض المحتجزين السابقين أو أفراد الأسر أو شهود العيان أو المسئولين في مدن أخرى. ففي حالة النجف على سبيل المثال قامت هيومن رايتس ووتش بالترتيب لانتقال بعض المحتجزين الذين أُفرج عنهم أخيراً إلى بغداد حتى تتمكن من مقابلتهم. وفي بغداد تمكنت المنظمة من مقابلة العديد من المحتجزين السابقين في مدينة الصدر لكن إمكانية دخول المنطقة كانت محدودة بسبب الإشتباكات المسلحة التي كانت جارية هناك. كما منعت الظروف الأمنية هيومن رايتس ووتش من متابعة حالات في مراكز الشرطة التي ما زالت هدفاً أساسياً لهجمات المتمردين.

IV. الإطار القانوني

مع إعلان نقل السيادة بدأ سريان قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية. وكانت سلطة الائتلاف المؤقتة قد أصدرت هذا القانون في الثامن من مارس/آذار عام 2004 بعد أن اعتمده مجلس الحكم المؤقت، ويُعتبر سارياً "حتى تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم"، وهو ما يُتوقع له أن يتم في نهاية عام 2005 بعد إجراء انتخابات عامة.[18] وينص قانون إدارة الدولة على أن كل المواطنين العراقيين سواء أمام القانون، وأن حقهم في التحرر من الاعتقال التعسفي، والتوقيف دون سند من القانون، والمحاكمات الجائرة، والتعذيب، هو حق يكفله القانون.[19] وخول ملحق للقانون صدر في أول يونيو/حزيران عام 2004 مجلس الوزراء العراقي سلطة "إصدار أوامر لها قوة القانون" على أن يقرها بالإجماع مجلس الرئاسة الذي يتألف من الرئيس ونائبين للرئيس.[20]

وفي ظل احتلال القوات الأمريكية وغيرها من قوات الائتلاف للبلاد كانت المسؤولية عن إنشاء أجهزة لإنفاذ القانون تقع على عاتق سلطة الائتلاف المؤقتة التي كان يرأسها آنئذ بول بريمر. وقد تم هذا بالتنسيق مع المسئولين الممَثلين في مجلس الحكم المؤقت والوزارات المعنية التابعة له.[21] وبعد 28 يونيو/حزيران عام 2004 انتقلت هذه المسؤولية إلى الحكومة العراقية المؤقتة على أن يكون للقوة المتعددة الجنسيات "سلطة اتخاذ جميع التدابير اللازمة للمساهمة في صونالأمن والاستقرار في العراق" وفقاً لبنود قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1546 الصادر في الثامن من يونيو/حزيران عام 2004 وملاحقه.[22] ويحدد القرار مسؤوليات القوة المتعددة الجنسيات، ومن بينها "بناء قدرة القوات والمؤسساتالأمنية العراقية [بما في ذلك الشرطة]، من خلال برنامج للتجنيد والتدريب والتجهيز بالمعدات والتوجيهوالرصد."[23] وتعبر ملاحق القرار عن التنسيق الوثيق بين الحكومة العراقية المؤقتة والقوة المتعددة الجنسيات الذي يتصوره الجانبان فيما يتعلق بشؤون الأمن ومكافحة الجريمة العنيفة.[24]

وأعلنت الحكومة العراقية المؤقتة، في أعقاب تعيينها في أوائل يونيو/حزيران عام 2004[25] اعتزامها إنشاء "الهياكل الأمنية المناسبة" لتمكين القوات العراقية من تولي المسؤولية عن الأمن تدريجياً، مع العمل في إطار الأجهزة التي أُنشئت بموجب سلطات سلطة الائتلاف المؤقتة لوضع السياسات في هذا الصدد. ومن بين هذه الأجهزة اللجنة الوزارية للأمن القومي[26] وجهاز المخابرات الوطني العراقي.[27] وأعلن رئيس الوزراء أياد علاوي في أول مؤتمر صحفي له في 20 يونيو/حزيران استراتيجية جديدة للأمن القومي تتضمن إعادة تنظيم القوات العسكرية وقوات الأمن، سيتم تنسيقها من خلال اللجنة الوزارية للأمن القومي وبالتشاور مع مستشارين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكان من بين التغييرات المزمعة وضع فيالق الدفاع المدني العراقي التي أنشأتها سلطة الائتلاف المؤقتة تحت سيطرة الجيش في إطار الحرس الوطني العراقي وإنشاء وحدات للتدخل السريع من أجل العمليات الخاصة. كما تضمنت إنشاء وحدات خاصة من الشرطة لنشرها "على الخط الأمامي" في المعركة ضد الإرهاب والتخريب، وأُنشئت مديرية جديدة للأمن الوطني.[28] وورد أن وزارة الداخلية عينت مستشاراً أمنياً جديداً للمساعدة في إنشاء مديرية جديدة للأمن العام على غرار مديرية الأمن العامة السابقة، وهي إحدى أجهزة حكومة صدام حسين التي حلتها سلطة الائتلاف المؤقتة في مايو/أيار عام 2003.[29]

وفي 3 يوليو/تموز عام 2004 أصدرت الحكومة العراقية المؤقتة أمر الدفاع عن السلامة الوطنية  (رقم 1 لسنة 2004)، في خطوة تستحدث تشريعاً للطوارئ وتمنح رئيس الوزراء سلطة إعلان حالة الطوارئ لمدة تصل إلى ستين يوماً قابلة للتجديد بموافقة مجلس الرئاسة.[30] ويتيح القانون أيضاً فرض حظر التجول، وفرض قيود على وسائل النقل والمواصلات البرية والجوية والمائية، وفرض قيود على عقد الاجتماعات العامة أو حظرها، وحل الجمعيات والنقابات وغيرها من الهيئات أو تجميدها مؤقتاً، ومراقبة الاتصالات الإلكترونية وغيرها من أشكال الاتصالات، وسلطات واسعة لتفتيش الأماكن واعتقال الأشخاص المشتبه بهم. وفي معرض إعلان الأمر في مؤتمر صحفي يوم 7 يوليو/تموز أشار وزيرا العدل وحقوق الإنسان العراقيان إلى البنود التي تتطلب عدم القبض على الأشخاص إلا بعد استصدار أمر قبض من السلطات القضائية[31] على أن يمثلوا أمام قاض للتحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من إلقاء القبض عليهم.[32]غير أن الأمر يجيز بالفعل اعتقال الأشخاص والقيام بعمليات التفتيش دون استصدار أمر قبض "في ظروف ملحة للغاية".[33] و"تخضع قرارات وإجراءات رئيس الوزراء لرقابة محكمة التمييز"،[34]إلا أن الأمر لا يحدد مثل هذه الحالات ولا يحاول وضع حدود لتفسيرها.[35] وشدد وزير حقوق الإنسان، بختيار أمين، على أن وزارته ستحقق في أي انتهاكات أو تجاوزات في تطبيق هذا التشريع الخاص بالطوارئ قائلاً إن مكتبه ستكون له القدرة الكاملة على التحقيق في أي تجاوزات.[36]

ومن بين الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة في إطار عزمها المعلن على التصدي لجرائم العنف إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي كانت سلطة الائتلاف المؤقتة أوقفت العمل بها في يونيو/حزيران عام 2003.[37] وتعارض هيومن رايتس ووتش تطبيق عقوبة الإعدام في كل الظروف بسبب ما تنطوي عليه من قسوة وعدم إمكان الرجوع عنها متى نُفِّذَت. وأصدرت الحكومة العراقية المؤقتة الأمر رقم 3 لسنة 2004 في الثامن من أغسطس/آب، وهو يعيد العمل بعقوبة الإعدام بالنسبة لمجموعة من الجرائم، من بينها بعض الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي والسلامة العامة وجرائم القتل العمد وتهريب المخدرات.[38] كما يقضي الأمر بتطبيق عقوبة الإعدام في جرائم الخطف.[39] ويقول مسئولو الحكومة إن تطبيق عقوبة الإعدام من شأنه أن يكون رادعاً يحول دون ارتكاب مثل هذه الجرائم وإن "إعادة العمل بعقوبة الإعدام محدودة جداً وتُستعمل في حالات استثنائية".[40]

وفي أغسطس/آب عام 2004 أعلن رئيس الوزراء أياد علاوي عفواً عن مرتكبي مجموعة من الجرائم ذات الصلة بحيازة الأسلحة والمتفجرات، وعدم إبلاغ الجهاتالمختصة أو الإدلاء بالمعلومات عن "أي شخص أو مجموعة تخطط أو تمول أو تنفذ الأعمالالإرهابية والعنف" و"الاشتراك مع العناصر الإرهابية بقصدارتكاب جرائم تمس أمن الدولة الداخلي أو أمن وممتلكات المواطنين" وإيواء "الأشخاصالمطلوبين للعدالة من أتباع النظام السابق أو منفذي الأعمال الإرهابية والعنف أوالتستر عليهم". ويستثني الأمر رقم 2 لسنة 2004، الصادر في 4 أغسطس/آب، من شروط العفو من أُدينوا بالقتل أو الخطف أو الاغتصاب أو السطو أو الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو تدميرها.[41]

ولم تعلن الحكومة العراقية المؤقتة حالة الطوارئ إلا في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، عشية حملة عسكرية قادتها الولايات المتحدة على بلدة الفلوجة. غير أن قوات الأمن والمخابرات العراقية نفذت حملات اعتقال واسعة أُلقي القبض خلالها على العديد من الأشخاص، سواء من المشتبه بهم جنائياً أم من أعضاء الأحزاب السياسية، دون أوامر قبض قبل صدور مرسوم إعلان حالة الطوارئ بوقت طويل. وفي هذا الإطار تواترت مزاعم تعرض المحتجزين للتعذيب وسوء المعاملة.

وتقع على عاتق الحكومة العراقية المؤقتة وكذلك الحكومة العراقية الانتقالية التي ستخلفها بعد انتخابات 30 يناير/كانون الثاني عام 2005 التزامات قانونية بموجب قانون معاهدات حقوق الإنسان والقانون العرفي. فكل حكومات العراق المتعاقبة ملزمة بتصديق الحكومات السابقة على المعاهدات. ولكل شخص بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الحماية من الاعتقال التعسفي[42] ؛ وفي إبلاغه على وجه السرعة بالتهم المنسوبة إليه؛ وفي الإسراع بعرضه على قاض؛ كما أن له الحق في تقديمه للمحاكمة خلال مدة معقولة أو الإفراج عنه[43] ؛ وفي معاملته بطريقة تحفظ كرامته أثناء وجوده في الحجز[44] ؛ وفي الحماية من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة[45] ؛ وفي إتباع الإجراءات الواجبة قانوناً والمحاكمة العادلة[46]، بما في ذلك الحق في الاستعانة بمحام.[47]

ويمثل حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة واحداً من أهم المبادئ الأساسية للقانون الدولي. وهدف حظر التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، كما أفادت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهي الهيئة الدولية المنوط بها مراقبة التزام الدول بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، "هو حماية كرامة الفرد وسلامته البدنية والعقلية على حد سواء. ومن واجب الدولة الطرفأن تقدم لكل شخص الحماية عبر التدابير التشريعية وسواها من التدابير، بحسب ماتقتضيه الضرورة، ضد الأعمال المحرمة بموجب المادة 7 [التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة]، سواء أتم ذلك على أيدي أشخاصيتصرفون بصفتهم الرسمية أو خارج نطاق صلاحياتهم الرسمية أم بصفتهم الخاصة."[48] وأعربت لجنة مناهضة التعذيب عن قلقها بخصوص التواني عن الإبلاغ عن القبض على الشخص مع التواني عن السماح له بالاتصال بمحام في الثماني والأربعين ساعة الأولى قائلة إن ذلك يُعد من قبيل الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي الأمر الذي يخلق الظروف التي قد تؤدي إلى سوء استعمال السلطة من جانب الموظفين الرسميين.[49]

وتدعو اللجنة المعنية بحقوق الإنسان الدول إلى اتخاذ خطوات لمنع التعذيب، من بينها وضع ما يلي موضع التنفيذ:

ينبغي إصدار أحكام ضد الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي. وفي هذا الصدد، ينبغي أنتضمن الدول الأطراف خلو أيٍ من أماكن الاحتجاز من المعدات التي يُمكن أن تستخدملإنزال التعذيب أو المعاملة السيئة. وتتطلب حماية المحتجز أيضاً السماح للأطباءوالمحامين بالدخول السريع والمنتظم لأماكن الاحتجاز، وكذلك لأفراد أسرة الشخصالمحتجز إذا ما تطلب التحقيق ذلك شريطة أن يتم تحت إشراف ملائم. من المهم من أجل ثني مرتكبي الانتهاكات التي تنص عليها المادة 7 [حظر التعذيب] عن ذلك أن يحرمالقانون وجوباً إمكان أن تُستخدم في الإجراءات القضائية الأقوال أو الاعترافات التييتم الحصول عليها عن طريق التعذيب أو سواه من ضروب المعاملة المحرمة.[50]

ودعت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان الدول أيضاً إلى ضمان أن يخضع للمساءلة الأشخاص المسئولون عن التعذيب أو غيره من صنوف سوء المعاملة، "سواء عن طريق التشجيع علىارتكاب أفعال محرمة أو إصدار أوامر بارتكابها أو التغاضي عنها أو اقترافها... ويتعين أن يتم التحقيق في الشكاوى [بخصوص سوء المعاملة] على نحو سريع ونزيه من جانب سلطات مؤهلة لذلك حتىيكون الإنصاف فعالاً."[51]

وينبغي للحكومة العراقية الجديدة أن تعتمد تشريعاً يحقق التوافق بين قوانينها والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويقصر قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي في صورته الحالية عن الوفاء بهذه المعايير في عدد من الجوانب المهمة، فهو لا يتصدى لبعض الحقوق الأساسية مثل حق الأشخاص المشتبه بهم جنائياً في التزام الصمت، وحقهم في أن يمثلهم محام في جميع مراحل الإجراءات، وحقهم في عدم استخدام الاعترافات المنتزعة تحت وطأة الإكراه كدليل ضدهم في المحكمة، وحقهم في افتراض البراءة إلى أن تثبت الإدانة أمام محكمة قانونية.

ومع ذلك يحوي قانون أصول المحاكمات الجزائية عدداً من ضمانات الحماية التي من شأنها إذا طُبقت أن تساهم في زيادة حماية الأشخاص المجردين من حريتهم. فهو يقضي بعدم إلقاء القبض على أي شخص دون أمر قبض قضائي (إلا في الحالات التي حددها القانون[52] مثل حالات التلبس بالجرم المشهود).[53] وينبغي عرض المتهم على قاض للتحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من إلقاء القبض عليه.[54] ويجوز للقاضي تمديد فترة توقيفه لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً في كل مرة، شريطة ألا تجاوز المدة الإجمالية ستة أشهر. وإذا لم يكتمل التحقيق الجنائي خلال ستة أشهر فينبغي الحصول على تصريح من المحكمة الجنائية المعنية لتمديد فترة التوقيف.[55] ويُحظر استخدام أي وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم بغرض انتزاع اعتراف.[56] ويُعتبر سوء المعاملة، أو التهديد بإلحاق الأذى أو الإغراء أو الوعود أو التأثير النفسي أو استخدام المخدرات أو المسكرات وسائل غير مشروعة.[57] ويُعاقب من تثبت إدانته من المسئولين بتعذيب المحتجزين أو إساءة معاملتهم في الحجز بالسجن مدة تقرب من خمسة عشر عاماً بموجب قانون العقوبات.[58] وللموقوفين الحق في تقديم شكوى فيما يتعلق بأي أذى يلحق بهم أو تهديد يُوجه إليهم بغرض تحريك الدعوى الجنائية ضد مرتكبي الانتهاكات.[59]

وقد عدلت سلطة الائتلاف المؤقتة عدداً من مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات بعد إبريل/نيسان عام 2003. ويتصدى بعض هذه التعديلات لأوجه القصور في القانونين. وكان لهذه التعديلات، حتى كتابة هذا التقرير، قوة القانون، ولكن سيتعين أن تبت في أمرها حكومة عراقية جديدة. ومن بين هذه التعديلات الحظر التام للتعذيب[60] وتعديل المادة 218 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي كانت تسمح باستخدام الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل في بعض الحالات.[61] وأكدت سلطة الائتلاف المؤقتة أيضاً حق المحتجزين لأسباب جنائية في التزام الصمت عند القبض عليهم واستشارة محام[62] وإبلاغهم على وجه السرعة بالتهم المنسوبة إليهم.[63] كما تم أيضاً تأكيد الحق في التزام الصمت واستشارة محام في مرحلة التحقيق.[64] وفضلاً عن ذلك، "إذا أبدى المتهم (أو المتهمة) رغبة في أن يمثله (يمثلها) محام، يجب أن يمتنع قاضي التحقيق أو المحقق عن استجواب المتهم (أو المتهمة) إلى أن يوكل المتهم (أو المتهمة) محامياً يمثله، أو إلى أن تقوم المحكمة بتعيين محام له."[65]

وتكفل مجموعة الحقوق الواردة في قانون إدارة الدولة عدداً من المبادئ الأساسية المتعلقة بالأشخاص المجردين من حريتهم. فهي تؤكد مبادئ المساواة أمام القانون والمحاكم وتكفل الحقوق التالية: حق الأشخاص في عدم القبض عليهم إلا بموجب أمر قبض قضائي؛ والحق في التحرر من الاعتقال أو الاحتجاز بشكل تعسفي؛ والحق في محاكمة عادلة وفي جلسات علنية أمام محكمة تتمتع بالاستقلال والنزاهة؛ وحق الشخص المشتبه به في افتراض البراءة إلى أن تثبت إدانته بموجب القانون، والاستعانة بمحام مستقل، والتزام الصمت دون إكراه على الإدلاء بأقواله، وإبلاغه بتلك الحقوق عند القبض عليه؛ والحق في محاكمة عادلة وسريعة وعلنية؛ والحق في الطعن في قانونية القبض أو الاحتجاز دون إبطاء؛ والحق في التحرر من التعذيب بكل أشكاله. ويحظر القانون استخدام الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل إذ ينص على أنه "لا يُقبل كدليل في المحكمة أي اعتراف انتزع بالإكراه أو التعذيب أو التهديد لأي سبب كان وفي أي من الإجراءات الجنائية الأخرى."[66]

V. الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات الوطني العراقي

يسلِّط هذا التقرير الضوء على حالات بعض المعتقلين الذين احتجزتهم عدة أجهزة رئيسية تتولى إلقاء القبض على الأشخاص المشتبه فيهم واحتجازهم والتحقيق معهم في القضايا التي تخص أمن الدولة والقضايا الجنائية. وتخضع جميع هذه الأجهزة لسلطة وزير الداخلية باستثناء هيئة واحدة تتبع رئيس الوزراء مباشرة. ففي أعقاب الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق في مارس/آذار 2003، حلَّت سلطة الائتلاف المؤقتة كل الأجهزة الخاصة بالأمن والمخابرات المرتبطة بحكومة صدام حسين.[67] وفي الأشهر التالية بدأت سلطة الائتلاف عملية إعادة تكوين قوة الشرطة النظامية وغيرها من أجهزة إنفاذ القانون المتخصصة في أعقاب قيامها بعملية لتطهير العراق من أعضاء حزب البعث.[68] وأُنشئت بعض هذه الأجهزة في البداية كوحدات ضمن وزارة الداخلية ثم وُسِّعَت فيما بعد لتتحول إلى مديريات، واتسع نطاق سلطاتها على ما يبدو.غير أن سلطة الائتلاف المؤقتة لم تعلن قيامها بإنشاء هذه الأجهزة ونطاق سلطاتها ومسؤولياتها في الجريدة الرسمية، الأمر الذي يصعب معه تمييز المسئول عن الانتهاكات ومن الذي ينبغي محاسبته.[69] وأنشأت الحكومة العراقية المؤقتة أحدث هذه الأجهزة في أعقاب نقل السيادة في أواخر يونيو/حزيران 2004، ويعمل بعضها في شتى أنحاء البلاد بينما يقتصر عمل بعضها الآخر في الوقت الراهن على بغداد ومحيطها.

ويتعلق عدد من حالات الاحتجاز التي يتناولها هذا التقرير بأشخاص وُضِعوا رهن التوقيف دونما سبب سوى ما زُعم عن انتسابهم لجماعات مسلحة أو أحزاب سياسية معارضة أو لأسباب تتعلق بأمن الدولة قد تكون ذات صلة بانتمائهم الحزبي. بيد أن أغلبهم أشخاص يُشتبه في ضلوعهم في جرائم جنائية خطيرة. وقد أُحيل المتهمون بارتكاب أفعال جنائية خطيرة، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة، إلى المحكمة الجنائية المركزية في بغداد، وكان للأجهزة الرئيسية التالية دور في ذلك:

·مديرية الجرائم الكبرى: أنشأتها سلطة الائتلاف المؤقتة في أغسطس/آب 2003، بعد نحو أربعة أشهر من سقوط حكومة صدام حسين، بالتنسيق مع المسئولين العراقيين الممثلين في مجلس الحكم المؤقت. وأُنشئت المديرية أول الأمر كوحدة في إطار وزارة الداخلية، لكنها وُسِّعَت في أوائل مارس/آذار 2004 لتصبح مكتباً ثم وُسِّعَت ثانية لتصبح مديرية في يوليو/تموز 2004.[70] وينتظم عمل المديرية في إطار أربعة مكاتب رئيسية هي: مكتب مكافحة الإرهاب، ومكتب الجريمة المنظمة، ومكتب غسيل الأموال، ومكتب الخطف والقتل.

وكان مقر مديرية الجرائم الكبرى يقع أول الأمر في منطقة العامرية بقطاع الكرخ (غرب بغداد) في مقر مكتب مكافحة الإجرام السابق الذي كان قائماً في عهد الحكومة العراقية السابقة. وبعد يوليو/تموز 2004، شهدت المديرية مزيداً من التوسع وصار لها فرع في قطاع الرصافة (شرق بغداد) كان حتى كتابة هذا التقرير يعمل انطلاقاً من مقر وزارة الداخلية (الذي يقع في منطقة ملعب الشعب) في انتظار الانتقال إلى مبنى آخر.[71] وبالإضافة لهذين الفرعين حصلت مديرية الجرائم الكبرى، في سبتمبر/أيلول 2004، على مقر رئيسي، وهو المقر الخاص بمديرية المخابرات العامة السابقة السيئة السمعة. ويقع المبنى، الذي يُعرف محلياً باسم حاكمية المخابرات، في منطقة الكرادة في بغداد.[72] ويرأس مديرية الجرائم الكبرى اللواء حميد فرج ضايع السامرائي؛ ويرأس فرع الكرخ العميد رعد ياس خضير الدليمي؛ أما فرع الرصافة فيرأسه العميد شلال إبراهيم محمود الجبوري.

ويقتصر نطاق عمل مديرية الجرائم الكبرى حالياً على منطقة بغداد ومحيطها المباشر، بما في ذلك مناطق مثل المحمودية واللطيفية واليوسفية، والتي تُعتبر مراكز للجريمة المنظمة وكذلك للجماعات الدينية المتطرفة الضالعة في هجمات على الأهداف الحكومية. وما زالت المسؤولية الأساسية لفرع المديرية في الكرخ هي التحقيق في الجريمة المنظمة وجرائم غسيل الأموال والإرهاب والخطف، بينما ورد أن المسؤولية الأساسية لفرع الرصافة تتركز على النشاط الإجرامي ذي الصلة بمدينة الصدر الشيعية.[73] ويتولى موظفو المديرية احتجاز الأشخاص المشتبه بهم والتحقيق معهم في منشآت توقيف في كل من الكرخ والرصافة (تقع الأخيرة داخل مبنى وزارة الداخلية)، ولا تتوفر معلومات لدى منظمة هيومن رايتس ووتش بخصوص مراكز الاحتجاز الموجودة حالياً في مقر المديرية الذي أُنشئ أخيراً في الكرادة.

·مديرية استخبارات الشرطة الجنائية: أُنشئت في إبريل/نيسان 2004 تقريباً في عهد سلطة الائتلاف المؤقتة، وهي تعمل في شتى أنحاء البلاد ويقع مقرها في وزارة الداخلية، ويرأسها اللواء حسين علي كمال. وكان الغرض من إنشاء مديرية استخبارات الشرطة الجنائية، كما يوحي اسمها، أن تكون الجهاز الذي يضطلع بالمسؤولية الأساسية عن جمع التحريات بخصوص بعض الأنشطة الإجرامية، غير أن مسؤولياته الرسمية غير واضحة، وكذلك نوع النشاط الإجرامي الذي يقع في نطاق اختصاصه وحدود سلطاته. أما في الواقع الفعلي، فإن موظفي المديرية يتولون القبض على المشتبه فيهم جنائياً واحتجازهم والتحقيق معهم ثم إحالتهم مباشرة إلى المحكمة الجنائية المركزية دون المرور بأي جهاز آخر. والظاهر، استناداً إلى حالات المحتجزين الذين أحالتهم هذه المديرية إلى المحكمة وتابعتها منظمة هيومن رايتس ووتش، أن ثمة تداخلاً كبيراً بين أنشطتها وأنشطة مديرية الجرائم الكبرى. وقد ظهر هذا بأوضح ما يكون بعد نقل السيادة إلى الحكومة العراقية المؤقتة، في يونيو/حزيران 2004، عندما قامت مديرية استخبارات الشرطة الجنائية بدور بارز في حملة الاعتقال الجماعي للأشخاص الذين زُعم أنهم ضالعون في حوادث الجريمة المنظمة التي نُفذت في منطقتي البتاويين وشارع الكفاح في بغداد في أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز 2004 (انظر الفصل السابع). وقام موظفوها باحتجاز من أُلقي القبض عليهم في تلك المداهمات، وكذلك في حالات اعتقال أخرى غير ذات صلة بتلك الأحداث، لبعض الوقت في منشأة للتوقيف تحت ولاية مديرية استخبارات الشرطة الجنائية تقع في مجمع وزارة الداخلية، وكذلك في مبنى الوزارة الرئيسي.

·مديرية أمن وسلامة الوزارة: أُنشئت في يوليو/تموز 2004 بعد قليل من صدور تشريع الطوارئ.[74] وتفيد معلومات منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الحكومة العراقية المؤقتة أنشأت هذا الجهاز أصلاً كوحدة تُعرف باسم شعبة أمن الوزارة ووسعتها على ما يبدو فيما بعد لتصبح مديرية. وهي من بين أحدث الأجهزة التي أنشأتها الحكومة العراقية المؤقتة بعد نقل السيادة. ويتردد أن دورها هو حماية المنشآت والعاملين في مجمع الوزارة،  غير أن موظفيها يقومون باعتقال الأشخاص المشتبه بهم في تهم لا صلة لها بهذا المجال، وتوقيفهم في الحجز التابع لهم في مجمع وزارة الداخلية، والتحقيق معهم.[75]

·مديرية الشؤون الداخلية: أُنشئت في أغسطس/آب 2003 في عهد سلطة الائتلاف المؤقتة، ويغطي نطاق عملها قطاعي الرصافة والكرخ في بغداد، ويقع مقرها في وزارة الداخلية، ويرأسها العقيد مهند حسام الدين. والمسؤولية الأساسية لهذه المديرية رسمياً هي مراقبة الجرائم التي يرتكبها أفراد الشرطة والتحقيق معهم، ومن هذه الجرائم الرشوة والفساد ومعاملة المحتجزين واستغلال السلطة. غير أن حدود سلطاتها غير واضحة كما هو الحال بالنسبة لبعض الأجهزة الأخرى. وورد أن موظفيها يقومون بالتحريات والتحقيق مع المشتبه بهم وإحالتهم إلى المحكمة الجنائية المركزية حيث يوجد لها مكتب دائم. ويبدو أن بعض هذه القضايا لا يرتبط بأية جرائم ارتكبها أفراد الشرطة، وإنما يتعلق بمدنيين عاديين اتُهموا بجرائم مثل التزوير والسطو المسلح. وتحتجز مديرية الشؤون الداخلية الموقوفين في الحجز التابع لها في وزارة الداخلية، غير أنه يتردد أن منشأة التوقيف الأساسية الخاصة بها تقع في مركز شرطة القناة في مدينة الصدر، الذي يقع جزء منه في نطاق ولايتها.

وبالإضافة إلى هذه المديريات الأربع، التي تساهم المديريتان الأوليان منها بالجانب الأكبر من القضايا المحالة إلى المحكمة الجنائية المركزية، ورد أن أجهزة أخرى تابعة لوزارة الداخلية أُنشئت بعد يونيو/حزيران 2004 تقوم أيضاً في بعض الأحيان بإحالة موقوفين في حجزها إلى هذه المحكمة. غير أنه لم يتسن لمنظمة هيومن رايتس ووتش التحقق من هذه المعلومات أو مقابلة مثل هؤلاء الموقوفين.[76] وعلى حد علم المنظمة، فإن مقرات العديد من الأجهزة المذكورة أعلاه تقع في مجمع وزارة الداخلية وتستخدم إما منشآت توقيف منفصلة داخل المجمع وإما المبنى الرئيسي للوزارة.[77]

والجهاز الرئيسي الذي يقوم حالياً بدور في اعتقال المشتبه بهم واحتجازهم والتحقيق معهم خارج إطار وزارة الداخلية هو جهاز المخابرات الوطني العراقي. وقد أنشأت سلطة الائتلاف المؤقتة هذا الجهاز في إبريل/نيسان 2004، ويرأسه حالياً اللواء محمد عبد الله الشهواني.[78] ويقضي الأمر رقم 69 لسلطة الائتلاف المؤقتة بأن يتبع المدير العام لجهاز المخابرات الوطني العراقي مباشرة المدير الإداري لسلطة الائتلاف آنذاك بول بريمر ثم رئيس الحكومة عند نقل السيادة.[79] وبرغم أن المادة 12 من هذا الأمر تقضي بأن جهاز المخابرات الوطني العراقي لا يملك "سلطة اعتقال أو احتجاز الأشخاص"، وتقصر سلطاته على جمع المعلومات بخصوص الانتهاكات الخطيرة للقانون الجنائي العراقي (بما في ذلك الشؤون المتعلقة بأمن الدولة الداخلي)، فقد احتجز الجهاز عشرات الموقوفين في حجزه دون تهم رسمية بعد أن ألقى القبض عليهم بدايةً دون أوامر قبض قضائية.[80] والتقت منظمة هيومن رايتس ووتش مع عدة موقوفين ممن احتُجزوا لدى جهاز المخابرات الوطني العراقي بعد أن أُفرج عنهم في أكتوبر/تشرين الأول 2004 (انظر الفصل السادس). وقد احتُجزوا في مديرية الجرائم الكبرى في العامرية (فرع الكرخ) بمعزل عن الموقوفين الآخرين الذين كانوا محتجزين هناك تحت ولاية المديرية. ولم تجر الحكومة العراقية المؤقتة أية تعديلات على أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 69 لتوسيع سلطات هذا الجهاز، على حد علم منظمة هيومن رايتس ووتش.

VI. تعرض أعضاء الجماعات السياسية والمسلحة للتعذيب وسوء المعاملة

على مدى عدة أشهر بدءاً من يوليو/تموز 2004، تلقت منظمة هيومن رايتس ووتش أنباء عديدة تفيد بتعرض أشخاص للتعذيب وسوء المعاملة بعد اعتقالهم للاشتباه في أنهم من أعضاء جماعة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أو أنصاره أو في أنهم مسلحون ينتمون إلى ميليشيا جيش المهدي. ووقعت معظم حالات الاعتقال في إطار اشتباكات مسلحة اندلعت في مدينة النجف، في بداية أغسطس/آب، بين قوات الحكومة العراقية والقوة المتعددة الجنسيات من جانب ورجال الميليشيا المسلحين الموالين لمقتدى الصدر من الجانب الآخر. ويجيز القانون الإنساني الدولي محاكمة الأشخاص الذين يحملون السلاح ضد قوات الحكومة بموجب القانون الجنائي للدولة. وهذا أمر يختلف عن الصراعات الدولية المسلحة بين الحكومات، حيث يمكن احتجاز من يقع في الأسر من أفراد قوات العدو المسلحة كأسير حرب، لكن لا يجوز محاكمته لرفعه السلاح.

وتردد أنه أُلقي القبض على مئات الأشخاص في المدينة سواء خلال الاشتباكات أو في أعقاب إعلان وقف العمليات العسكرية في نهاية أغسطس/آب 2004، عندما توصل مقتدى الصدر والحكومة العراقية المؤقتة إلى تسوية سياسية. وخلال الفترة نفسها اعتُقل آخرون ممن يُشتبه في أنهم من أعضاء الميليشيا أو المتعاطفين معها في بغداد، وقال بعضهم إنهم اتُهموا بمساعدة الميليشيا الشيعية في النجف. وتعذر في كثير من الحالات تحديد القوات التي نفذت عمليات الاعتقال بوضوح، حيث أفاد من اعتُقلوا خلال الاشتباكات بأن عدة قوات كانت ضالعة في اعتقال الأشخاص، بما في ذلك قوات الشرطة (بالزي الرسمي وبالثياب المدنية)، وأفواج التدخل السريع التابعة لوزارة الدفاع، والحرس الوطني العراقي، فضلاً عن مشاة البحرية الأمريكية. واحتجزت الشرطة عشرات على الأقل ممن أُلقي القبض عليهم في مواقع مختلفة في النجف حيث وردت مزاعم التعذيب وسوء المعاملة. وأفاد من اعتُقلوا في بغداد بأن الشرطة ألقت القبض عليهم ثم احتجزتهم في مركز التوقيف الخاص بأحد الأجهزة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية.

والتقت منظمة هيومن رايتس ووتش مع عشرة أشخاص اعتُقلوا في هذا الإطار بعد الإفراج عنهم في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2004. وكان من بين الذين قُبض عليهم في النجف بعض المقيمين في المدينة وكذلك آخرون من بغداد كانوا في النجف خلال الاشتباكات المسلحة. وفي أربع من هذه الحالات أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش المقابلات مع المحتجزين خلال بضعة أيام من الإفراج عنهم، حيث كانت الإصابات التي يُزعم أنها وقعت نتيجة للتعذيب ما زالت ظاهرة بوضوح على الضحايا. وكانت قوات الشرطة في النجف قد أفرجت عنهم جميعاً دون أن تحيلهم إلى محكمة أو تتهمهم بجريمة معترف بها. وفي خمس حالات أخرى ألقت الشرطة فيها القبض على الأشخاص في بغداد قبل اندلاع القتال في النجف، احتجزت مديرية الجرائم الكبرى التابعة لوزارة الداخلية المعتقلين ثم أحالتهم فيما بعد إلى المحكمة الجنائية المركزية حيث تمكنت منظمة هيومن رايتس ووتش من التحدث إليهم. وكان جميع من قابلتهم المنظمة من المقيمين في مدينة الصدر في بغداد.

وكان من بين المحتجزين الذين أُحيلوا إلى المحكمة الجنائية المركزية مجموعة تتألف من خمسة رجال اعتُقلوا معاً في يوليو/تموز 2004 في حي الكرادة في بغداد. وقد أبلغوا منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة اعتقلتهم إثر وقوع إطلاق للنار على مقربة منهم. وهم جميعاً من مدينة الصدر في بغداد. وقال أحدهم، ويُدعى مرتضى مهدي ويبلغ من العمر 24 عاماً:

حدث ذلك في 11 يوليو/تموز بين منتصف الليل والواحدة صباحاً. اعتقلتنا الشرطة واقتادتنا إلى مقر الاستخبارات [الجنائية]. وأخذونا إلى طابق علوي ووضعونا في زنزانة صغيرة ليس بها تهوية. وكان هناك محتجزون آخرون بالزنزانة، 15 أو 17 شخصاً إجمالاً. ومكثنا هناك ثمانية أيام. وكانوا يعصبون أعيننا خلال التحقيق واتهمونا بتفجير متجر يبيع الخمور. وقالوا إننا ننتمي إلى جيش المهدي. وتعرضت للضرب بالكابلات. وألقوا الماء على وجهي ثم وصلوا أسلاكاً كهربية بأذني. ثم أُخذنا إلى [مديرية] الجرائم الكبرى حيث حققوا معنا من جديد.[81]

وقال آخر من المجموعة نفسها، ويُدعى علي رشيد عبادي ويبلغ من العمر 21 عاماً، إن الشرطة اقتادتهم في البداية إلى مركز شرطة العلوية حيث أبقتهم ساعة أو نحو ذلك قبل أن تأخذهم إلى مديرية استخبارات الشرطة الجنائية:

جاء أفراد الشرطة وبدأوا يضربوننا. وصاحوا فينا يطالبوننا بالاعتراف بأننا من أعضاء جيش المهدي. وقد أبلغهم صاحب متجر الخمور بأنه لا يعرفنا، لكنهم ألقوا القبض علينا رغم ذلك. وأخذونا في البداية إلى مركز شرطة العلوية حيث مكثنا ساعة أو أقل. ومن هناك ذهبنا إلى الاستخبارات. كنا معصوبي الأعين وأيدينا مقيدة خلف ظهورنا. ووضعونا في غرفة صغيرة كان بها محتجزون آخرون، سبعة عشر شخصاً إجمالاً. ثم بدأوا يأخذوننا واحداً بعد الآخر للتحقيق. وجعلوني أجلس على الأرض. وعندما حاولت أن أتكلم قالوا "أأنت هنا كي تتكلم؟ اخرس، أنت إرهابي. اعترف فحسب بأنك من جيش المهدي." ثم صبوا علي ماءً بارداً وصعقوا أعضائي التناسلية بصدمات كهربية. كما ضربني عدة أشخاص بالكابلات على ذراعي وظهري. وكانوا أحياناً يأتون وقد غطوا رؤوسهم بأكياس حتى لا أتمكن من التعرف عليهم. وخلال الأيام الثمانية التي قضيناها هناك نُقلت مرتين إلى مستشفى ابن النفيس لأمراض القلب قرب ساحة الأندلس. عندي صمام صناعي بالقلب وأُجريت لي من قبل عملية قسطرة ولم يسمحوا لي بتناول أي أدوية. ونتيجة للضرب الذي تعرضت له ارتفع ضغط دمي وعانيت من صعوبة في التنفس، ولذلك أخذوني إلى المستشفى لإسعافي. وبعد ذلك نُقلنا إلى مديرية الجرائم الكبرى. وتم التحقيق معنا مرة أخرى لكننا لم نتعرض للتعذيب. وكان هناك مخبر سري أبلغهم بأننا لسنا الأشخاص الضالعين في الجريمة.[82]

وأدلى اثنان من المتهمين الآخرين في المجموعة نفسها لمنظمة هيومن رايتس ووتش بإفادات مماثلة بخصوص المعاملة التي تعرضا لها. وقالا كلاهما إنهما تعرضا على أيدي المحققين للركل والضرب بالكابلات والصعق بالصدمات الكهربية أحدهما في أعضائه التناسلية والآخر في عموده الفقري.[83] وبعد أن قضيا رهن التوقيف ثلاثة وعشرين يوماً قبل أن يُحالا إلى المحكمة، لم يبق عليهما سوى أقل القليل من علامات التعذيب، على حد قولهما. وعرض أحدهما على منظمة هيومن رايتس ووتش ندبة على الجانب الأيسر من جبهته قال إنها نتيجة لطمه بالقيود المعدنية، وعرض آخر سلسلة من الندوب الطويلة على باطن ذراعه الأيسر سبًّبَها فيما يبدو تعرضه للضرب بالكابلات. وبدت الإصابات في الحالتين حديثة.

وعقب المقابلات حضرت منظمة هيومن رايتس ووتش الجلسات الخاصة بالمحتجزين الخمسة جميعاً أمام قاضي التحقيق الذي أمر بالإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة. وأفاد اثنان منهم بأنهما أُرغما على توقيع "اعترافات" تحت وطأة التعذيب. ولم تعلم أسرهم بمكانهم طوال فترة احتجازهم ولم تُتح لهم أية سبل للاتصال بمحام. وأبلغ المتهمون منظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم وكلوا محامياً قابلوه صدفةً عندما زار مديرية الجرائم الكبرى من أجل محتجز آخر، لكنه لم يحضر إلى المحكمة في 3 أغسطس/آب، وهو اليوم الذي كانوا سيمثلون فيه أمام قاضي التحقيق، ومثلهم محامون عينتهم المحكمة.

وقد صاحبت القتال في النجف حملات اعتقال واسعة للأشخاص الذين يُشتبه في انتمائهم إلى جيش المهدي أو في أنهم من أنصار مقتدى الصدر. وأعلن رئيس الوزراء أياد علاوي في مؤتمر صحفي يوم 12 أغسطس/آب أن القوات العراقية والأمريكية في النجف "ألقت القبض على زهاء 1200 فرد".[84] وتحدث بعض المواطنين المقيمين في النجف وعراقيون من مدينة الصدر في بغداد كانوا في النجف في أوائل أغسطس/آب عن اعتقال الأشخاص دون تمييز عند نقاط التفتيش في المدينة. وأبلغوا منظمة هيومن رايتس ووتش بأن القوات التي نفذت عمليات الاعتقال استهدفت الأشخاص الذين يقيمون في مدن وبلدات وقعت فيها اشتباكات مع القوات العراقية أو الأمريكية، بما في ذلك الناصرية والعمارة والبصرة والكوت ومدينة الصدر.

وفي الأسبوع الثاني من أغسطس/آب 2004، التقت منظمة هيومن رايتس ووتش مع أربعة رجال من الشيعة من مدينة الصدر قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي الشرطة قبل ستة أيام في النجف. وقد استوقفوا في6أغسطس/آب عند نقطة تفتيش في حي النفط الذي يقع قبالة مقبرة وادي السلام حيث كان القتال يدور آنذاك. وقال الأربعة إنهم ذهبوا إلى النجف للصلاة على أقارب دُفنوا هناك وحضور جنازة. واقتيدوا إلى مقر أفواج التدخل السريع الذي يقع في حي النفط أيضاً على مقربة من نقطة التفتيش. وقالوا إن القوات التي رأوها هناك تتألف من الشرطة العراقية، والحرس الوطني العراقي، وأفواج التدخل السريع، ومشاة البحرية الأمريكية.

وعرض الرجال الأربعة جميعاً علامات واضحة على أجسادهم تدل على وقوع إصابات خارجية حديثة تتفق مع الإفادات التي أدلوا بها لمنظمة هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك كدمات ذات لون بنفسجي وأزرق وتهتكات بالجلد في الأطراف والبطن والمؤخرة والوجه. وقال أحدهم، ويدعى علي [حُجب الاسم الكامل] وهو سائق العربة التي كانوا يستقلونها عندما تم استيقافها عند نقطة التفتيش، ويبلغ من العمر 29 عاماً، لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

عندما دخلنا المقر طلب منا الضابط [العراقي] أن نركع أمامه. وضُربنا على القفا بعقب بندقية. ثم صعدوا بنا الدرج إلى الطابق الأول وأمرونا بأن نقف ووجهنا للحائط وانهالوا علينا ضرباً. وكان الأمريكيون هناك يقفون على بعد خمسة أو ستة أمتار. واكتفوا بالوقوف والمشاهدة. وضُربت بعصا على جبهتي، وتعرضنا جميعا للضرب على كل الجسم بالكابلات والصوندات. وقد حدث هذا حتى قبل أن يبدأ التحقيق.

وبعد ذلك وضعونا في زنزانة طولها أربعة أمتار وعرضها ثلاثة أمتار. وكان مجموعنا ثلاثة وستين في تلك الغرفة محشورون فيها معاً. وكان بعض الآخرين من الموجودين في الزنزانة قد تعرضوا أيضاً للتعذيب. وكان أحدهم، وهو مزارع من النجف يدعى خالد، قد تعرض لنزع أظافره وكسر أحد ذراعيه. وكان أغلبهم من البالغين، لكن كان هناك أيضاً عدة أطفال بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة. ولم يُقدم لنا أي طعام على مدى اليوم ونصف اليوم الأولين. وأبلغنا الحراس بأن علينا إن كنا نريد أن نأكل أن نشتري طعامنا.

وقد تم التحقيق معي ثلاث مرات. وفي كل مرة كنت أبلغهم بأنني لا شأن لي بجيش المهدي وأنني عضو في [حزب] الدعوة الإسلامية، بل وأبرزت لهم بطاقة عضويتي في الحزب. ولم يعيروها انتباها. وكان الشكل الوحيد للمعاملة الخاصة التي لاقيتها هو أنهم لم يعصبوا عيني أو يقيدوا يدي خلال التحقيق. وقد تعرضنا للضرب خلال التحقيق، وكان الغرض الأساسي من ذلك هو إرغامنا على سب مقتدى الصدر والأماكن المقدسة عندنا. وأُطلق سراحنا بعد ذلك بأربعة أيام.

أما الثلاثة الآخرون الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش، والذين قالوا أيضاً إنهم لا صلة لهم بجيش المهدي، فقد وصفوا تعرضهم لمعاملة مماثلة، مضيفين أن الشرطة عصبت أعينهم خلال التحقيق. وقالوا أيضاً إنهم أُرغموا تحت وطأة التعذيب على سب مقتدى الصدر والمذهب الشيعي.[85]

وفي حالة أخرى، ألقت قوات الشرطة والحرس الوطني العراقي القبض على ثلاثة رجال قالوا إنهم كانوا يحاولون توصيل إمدادات معونة إنسانية إلى السكان المدنيين في النجف واتهمتهم بأنهم من أنصار جيش المهدي. وفي مقابلة مع منظمة هيومن رايتس ووتش، قال ضياء فوزي شهيد، وهو من بغداد ويبلغ من العمر 30 عاماً، بأنه واثنين آخرين من زملائه كانوا متطوعين ينقلون الإمدادات نيابة عن وزارة التجارة عندما أُلقي القبض عليهم في أوائل أغسطس/آب، وأضاف قائلاً:

كنا ثلاثة نستقل سيارة عادية. وعندما اقتربنا من نقطة للتفتيش أطلق أفراد الشرطة والجيش النار في الهواء وأشاروا لنا أن نتوقف. وعندما ترجلت من السيارة عصبوا عيني وقيدوا يدي وراء ظهري. وفي مديرية شرطة النجف رفعوا العصابة عن عيني وأمكنني أن أرى في الغرفة أربعة أسلاك كهربية وأدوات مختلفة تُستخدم في ضرب الأشخاص. وخلال الاستجواب اتُهمنا بالانتماء إلى جماعة الصدر. وتعرضت أنا شخصياً للضرب بالكابلات والتعليق من يدي وهما مقيدتان خلف ظهري. وقد أُصبت بخلع في أحد كتفي نتيجة لذلك. لكنني رأيت شباناً محتجزين هناك راقدين على الأرض وأفراد الشرطة يدوسون على رؤوسهم بأحذيتهم الثقيلة. كان هذا أسوأ من نظام صدام. الشرطة في النجف تبتز المال من الناس لأنها تعتبرهم غنائم حرب.

قالوا لي إن التهمة الموجهة إلي هي تهريب السلاح، لكنهم سيفرجون عني إذا دفعت لهم ست ورقات.[86] وقالوا إن علي الاتصال بأسرتي لترتيب دفع المبلغ وهو ما رفضته. واحتُجزت ثلاثة عشر يوماً. وفي القاعة التي كنت محتجزاً بها كان عددنا يزيد على 300، بما في ذلك بعض الرجال المسنين والأحداث. وكان علينا أن ندفع ثمن طعامنا، إلا إن وزارة الصحة كانت توزع كل ثلاثة أو أربعة أيام عبوات من البسكويت.[87]

واستمر إلقاء القبض على مزيد من الأشخاص الذين يُشتبه في مشاركتهم في الاشتباكات في النجف بعد إعلان اتفاق لوضع حد للقتال بين قوات الحكومة العراقية والقوات الموالية لمقتدى الصدر. وورد أن قوات الشرطة والحرس الوطني العراقية ألقت القبض على عشرات من الرجال والشبان، وكذلك بعض الأطفال، عقب مداهمة منازلهم على أساس بلاغات أو معلومات قدمها مخبرون سريون، فيما يبدو. كما ألقت القبض على آخرين في الشوارع لأنها اعتبرتهم على ما يبدو مثيرين للريبة. واحتُجز بعض الذين اعتُقلوا في مديرية شرطة النجف، واحتُجز آخرون في مكتب مكافحة الإجرام الذي يقع قبالة فندق النجف السياحي على طريق الكوفة في المدينة.

وأبلغ بعض المعتقلين السابقين الآخرين، الذين وُضعوا رهن التوقيف في حجز الشرطة في النجف خلال أغسطس/آب 2004، منظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم لا يعلمون بأسباب القبض عليهم، لكنهم يفترضون أن الشرطة استهدفتهم، كما حدث في كثير من الحالات الأخرى، لأنها اشتبهت في أن لهم صلات بجيش المهدي. وقال بعضهم كذلك إنهم يعتقدون أنهم اتُهموا زوراً بأن لهم مثل هذه الصلات، لكن الدافع الحقيقي لإلقاء القبض عليهم هو الابتزاز. وتحدث اثنان من أمثال هؤلاء المحتجزين السابقين إلى منظمة هيومن رايتس ووتش شريطة عدم نشر اسميهما. وكانا قد احتُجزا في النصف الأول من أغسطس/آب. وقال أحدهما إن الشرطة ألقت القبض عليه واحتجزته عدة ساعات في مركز للشرطة في المدينة[88] وإنها اتهمته خلال الاستجواب بالانتماء لعضوية جيش المهدي. وأفاد بأنها أفرجت عنه بعد أن وافق تحت الإكراه على دفع 250 ألف دينار عراقي. وقيل له إن 50 ألف دينار ستذهب للضابط الذي ألقى القبض عليه والباقي لمدير الشرطة. وأضاف أنهم طلبوا في البداية 750 ألف دينار لكنهم خفضوا المبلغ من خلال المساومة. وقدر عدد المحتجزين الآخرين الذين كانوا في الزنزانة التي احتجزوه بها بنحو 90 محتجزاً، أُلقي القبض على كثيرين منهم بزعم أن لهم صلات بجيش المهدي، على ما يبدو.[89]

وكانت حالة الاعتقال الثانية بغرض الابتزاز هي حالة رجل أعمال يبلغ من العمر 40 عاماً، حيث أبلغ منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة احتجزته عشرة أيام في مكتب مكافحة الإجرام على طريق الكوفة الرئيسي في النجف. وقال إن أفراداً من الشرطة يرتدي بعضهم الزي الرسمي وبعضهم الآخر الثياب المدنية داهموا منزله في السادسة صباحاً وهو نائم هو وأسرته، وأضاف:

توجهوا إلى سطح المنزل حيث كنت نائماً أنا وزوجتي وأطفالي بسبب الحر، وأطلقوا أعيرة نارية في الهواء. عاملونا بطريقة وحشية، ولم يتيحوا لزوجتي الفرصة لترتدي عباءتها. ولطمني أحد الضباط واقتادني إلى الطابق الأسفل وبدأ تفتيش المنزل. سألتهم عما يبحثون عنه لكنني لم ألق رداً. وطلبت أن يبرزوا لي أمر قبض فقالوا لي إن معهم أمر قبض لكنهم لم يروني إياه. وبينما كنت أهم بركوب سيارتهم ضربني أحدهم بعقب بندقيته.

وبمجرد أن دخلت مكتب مكافحة الإجرام عصبوا عيني وقيدوا يدي بإحكام شديد بقطعة من القماش. ثم وسعتني رحمة الله. أخذوا يضربونني في غرفة المقدم. كان هناك أكثر من واحد منهم. لم يوجهوا إلي أي أسئلة، بل ظلوا يضربونني لنحو عشر دقائق. وضُربت بوجه خاص على ظهري بما أظن أنه أعقاب بنادق وكانوا يكيلون لي الإهانات والسباب طوال الوقت. وسقطت على الأرض فأخذوني ووضعوني في غرفة أخرى لنحو ساعتين ظللت خلالها معصوب العينين مقيد اليدين. ثم أخذوني إلى غرفة التعذيب حيث تعرضت للضرب من جديد باستخدام الكابلات والفلقة [الضرب على باطن القدمين]. لم أكن أستطيع تحديد الاتجاه الذي ستأتي منه الضربات. كان بوسعي أن أدرك من أصواتهم أن هناك أربعة أو خمسة منهم.

وبعد نحو ثمانية أيام بدأوا يساومونني على ثمن إطلاق سراحي، فكل شيء هنا بالمال طبعاً. إذا كنت تريد إبلاغ أسرتك بشيء فعليك أن تدفع، إذا كنت تريد أن تأكل فعليك أن تدفع. وأُبلغت بأن المقدم يطلب مليون دينار مقابل إطلاق سراحي. وقلت إن ذلك مبلغ ضخم فقالوا "أمورك جيدة فلك بيت وسيارة وتجارة رابحة." واتفقنا أخيراً على 350 ألف دينار وأفرجوا عني. وفي اليوم التالي أُرسل شرطي لأخذ المال وقال لي إنهم يراقبونني.

كما روى رجل الأعمال لهيومن رايتس ووتش ما رآه في الزنزانة التي احتُجز بها، قال:

كان هناك ما يزيد على 70 شخصاً في الزنزانة. كانت مكتظة إلى حد لا يتوفر معه للمرء مكاناً يرقد فيه. وكان نحو ثلث المحتجزين من جماعة جيش المهدي، هكذا قيل لي. وقد أبقوهم في جانب وحدهم. ولم يكن التعذيب الذي تعرضت له شيئاً يُذكر مقارنة بما لاقوه. فقد انتُزعت أظافر بعضهم. وشاهدت أسلاكاً كهربية في الزنزانة ومروحة سقف تتدلى منها أسلاك. وقال لي أحدهم إنهم قيدوا قدميه معاً وعلقوه رأساً على عقب من السقف. ورأيت جسمه مغطى بكدمات زرقاء من شدة الضرب. وكان الحراس يأتون كل يوم ويأخذون 10 أو 15 منهم، ولم يعيدوا من يأخذونهم قط. ولا أعرف إلى أين كانوا يأخذونهم. وكان الثمن المطلوب لإطلاق سراحهم مهولاً يصل إلى مليون ونصف المليون دينار. هذا أسوأ كثيراً من أيام صدام. فوقتها لم يكن يفعل ذلك سوى قوات الأمن أما الآن فتفعله الشرطة أيضاً. وقال اثنان آخران تحدثت إليهما إنهما جاءا من بغداد بحثاً عن شقيقهما، لكنهما اعتُقلا واتُهما بجلب أموال لجيش المهدي معهما. ومن المفترض أنه كان هناك عفو عن أعضاء جيش المهدي، لكنهم لم يفرجوا عن أحد من هنا.[90]

وفي 16 أغسطس/آب 2004، قام ممثلون لبعض الأحزاب السياسية وأنصارها بالتظاهر في مدينة الكوت بمحافظة الواسط للاحتجاج على القتال الدائر في مدينة النجف التي تقع على مقربة منها. ووصف متحدثون باسم المحتجين المظاهرة بأنها حدث سلمي فجرته أنباء مقتل عشرات الأشخاص، بما في ذلك بعض النساء والأطفال، نتيجة للقصف الجوي لحي الشرقية في الكوت على أيدي القوات الأمريكية مع امتداد القتال في النجف إلى المناطق القريبة منها.[91] وتجمع المتظاهرون أمام مبنى محافظة الواسط لتقديم قائمة مطالب إلى المحافظ، تضمنت دفع تعويض لأسر القتلى. وكان من بين ممثلي لجنة المتظاهرين الشيخ عمار عطا الحمداني، وهو إمام مسجد أبي تراب وعضو حزب الدعوة الإسلامية. وقد أبلغ منظمة هيومن رايتس ووتش بأن اللجنة لم تتمكن من مقابلة المحافظ لكن المتظاهرين وافقوا على العودة في اليوم التالي لتلقي رد على مطالبهم. غير أنه بدلاً من ذلك، ألقت الشرطة القبض عليه في الساعات الأولى من صباح 17 أغسطس/آب حيث تعرض للتعذيب، وقد روى وقائع ذلك قائلاً:

في نحو الثالثة صباحاً تعرض منزلنا للمداهمة. سمعنا طرقاً شديداً على الباب الأمامي ودخل شخصان. كانا يرتديان زي الحرس الوطني. وطوَّق آخرون المنزل وكان بعضهم ملثمين. وطلبت منهما أن يرياني أمر قبض فردا بتصويب بندقية نحو زوجتي ومسدس نحوي. وقالا "ستأتي معنا"، بينما ظللت أنا أردد أنني لم أرتكب جريمة. ركبت سيارتهم وأخذوني إلى مقر قوة شرطة الواسط. وبمجرد أن دخلت المبني أخذوا يضربونني. لم أستطع أن أرى لأنهم كانوا قد وضعوا كيساً فوق رأسي، وكانت يداي مكبلتين بقيود معدنية. وعذبوني دون أن يسألوني حتى عن اسمي أو يوجهوا إلي أي أسئلة أخرى. وتلقيت ضربة في حلقي كما ضُربت بشدة بالكابلات على رأسي الذي بدأ ينزف. واستمر التعذيب قرابة 45 دقيقة كان خلالها حوالي أربعة أو خمسة أشخاص يضربونني. لم يسألوني أي أسئلة ولم يتبادلوا الحديث فيما بينهم، ولذلك فلا أعرف أسماءهم. يبدو أنهم تعلموا ذلك الدرس. وتعرضت للركل، والسحل على الأرض، والضرب المبرح على ظهري وبطني. ثم ألقوني في زنزانة ورفعوا الكيس عن رأسي. وكان بالزنزانة حوالي 75 شخصاً، وكان اثنان منهم من الأحداث فيما يبدو. وظللت هناك حتى ظهر اليوم التالي تقريباً حين أُخذت لمقابلة معاون مدير الشرطة. سألني عن سبب وجودي هنا ورددت بأنني لا أعرف. أحضروا لي إفطاراً وبعد ساعة أًطلق سراحي.[92]

وأبلغ الشيخ عمار الحمداني منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه توجه عقب إطلاق سراحه إلى مستشفى الزهراء في الواسط حتى يُجرى له فحص طبي وحصل على تقرير طبي يسجل حالته. ولم تسنح للمنظمة الفرصة لفحص التقرير الطبي، لكنها تلقت صوراً فوتوغرافية لإصابات الشيخ عمار التُقطت في اليوم نفسه. وتظهر فيها كدمات ذات لون بنفسجي وأحمر وتمزقات في ظهره وكتفيه والجزء العلوي من ذراعيه تتفق مع التعرض للضرب بالسياط أو الكابلات أو غيرها من الأدوات. وقد عرض على هيومن رايتس ووتش ندوباً حول معصميه قال إن القيود المعدنية أحدثتها. وقال إنه يعتقد إن الشرطة أفرجت عنه على وجه السرعة وجروحه ما زالت حديثة وظاهرة كوسيلة لإبلاغ الآخرين رسالة تفيد بأن عليهم أن يمتنعوا عن أي نشاط لا ترضى عنه السلطات. وأضاف أن العادة جرت على الاحتفاظ بالمعتقلين في الحجز إلى أن تختفي كل آثار التعذيب أو سوء المعاملة، وأنه يعلم بما يزيد على 20 حالة أخيرة من هذا النوع. وفي أعقاب الإفراج عنه قدم إلى محكمة محلية شكوى رسمية ضد مدير الشرطة ومعاونه ومحافظ الواسط بخصوص إلقاء القبض عليه دون أمر قبض قضائي والمعاملة التي لاقاها في الحجز، إلا إن هيومن رايتس ووتش لم تعلم بنتيجة الشكوى حتى وقت كتابة هذا التقرير.

ولدى منظمة هيومن رايتس ووتش أيضاً معلومات عن حالات أخرى تتعلق بالقبض على بعض الأعضاء الذين ينتمون لعدة أحزاب سياسية في بغداد دون أمر قبض، واحتجازهم بشكل غير مشروع، وإساءة معاملتهم. وتمثل حالات الاعتقال من هذا القبيل انتهاكاً للحق في إتباع الإجراءات الواجبة قانوناً بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بل إنها تنتهك أيضاً الحق في حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها والحق في حرية التعبير. وفي جميع تلك الحالات كانت السلطة التي قامت باحتجاز الأشخاص هي جهاز المخابرات الوطني العراقي الذي يتبع رئيس الوزراء أياد علاوي مباشرة، ولا يملك بحكم القانون أي سلطة تخوله القبض على الأشخاص واحتجازهم (انظر الفصل الخامس). غير أنه في حالة واحدة على الأقل قام الجهاز وموظفو مديرية الجرائم الكبرى التابعة لوزارة الداخلية بعمليات الاعتقال بصورة مشتركة وكان للجهاز خلالها الدور القيادي. ويستخدم جهاز المخابرات الوطني العراقي أيضاً منشأة التوقيف التابعة لمديرية الجرائم الكبرى في العامرية في توقيف المعتقلين في حجزه، إلا إنهم يُحتجزون بمعزل عن غيرهم من الموقوفين هناك.

كما تلقت منظمة هيومن رايتس ووتش معلومات موثوق بها، لم تسنح لها فرصة التحقق منها بشكل مستقل، تفيد بأن جهاز المخابرات الوطني العراقي احتجز زهاء 96 معتقلاً في منشأة العامرية حتى أواسط أكتوبر/تشرين الأول 2004. وتردد أن من بينهم أشخاصاً على صلة بحزبين سياسيين شيعيين، وهما حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. ولم تعلم هيومن رايتس ووتش بأسباب اعتقال هؤلاء الأشخاص، غير أنه ورد أن بعض الحالات ذات صلة بمحاولات لجهاز المخابرات الوطني العراقي للمطالبة بمبان تردد أنها كانت تخص جهاز المخابرات العراقي السابق ويشغلها هذان الحزبان السياسيان منذ الحرب عام 2003. وورد أن الحراس الذين يستخدمهم هذان الحزبان في تلك المباني اعتُقلوا في إطار تلك العملية واحتُجزوا لدى جهاز المخابرات الوطني العراقي دون سند من القانون. وورد أن جميع عمليات الاعتقال نُفِّذَت دون أوامر قبض صادرة من سلطة قضائية. واحتجز جهاز المخابرات الوطني العراقي المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي دون السماح لهم بالاتصال بأفراد أسرهم أو بمحامين، واحتجزهم لفترات تتراوح بين ثلاثة وأربعة أسابيع دون إحالتهم إلى محكمة.

وتردد أيضاً أن من بين المعتقلين الستة والتسعين ثلاثة صحفيين يعملون بصحيفة "الشراع" المحلية. ولم تعرف هيومن رايتس ووتش بأسباب اعتقالهم كذلك، لكن يحتمل أن تكون ذات صلة بنشر مقال في "الشراع" بخصوص جهاز المخابرات الوطني العراقي يعرض بالتفصيل لما يُزعم من صلات لبعض أفراده بأجهزة المخابرات السابقة التي كانت تابعة لحكومة صدام حسين.[93] وورد أن رئيس تحرير الصحيفة ستار غانم اعتُقل عقب نشر هذا المقال. ولم تعرف هيومن رايتس ووتش إن كان من بين صحفيي "الشراع" الثلاثة الذين احتجزهم جهاز المخابرات الوطني العراقي في منشأة العامرية، ولم يتسن لها حتى كتابة هذا التقرير التأكد مما إذا كان أي من المعتقلين الستة والتسعين ما زال محتجزاً أو أُفرج عنه.

ووقعت حالات الاعتقال التي حظيت بأكبر قدر من الاهتمام الإعلامي في 16 أغسطس/آب 2004، عندما قام جهاز المخابرات الوطني العراقي بالاشتراك مع أفراد من مديرية الجرائم الكبرى بمداهمة مقر حركة حزب الله في العراق. ففي أعقاب سقوط حكومة صدام حسين احتلت، حركة حزب الله مقر جهاز المخابرات العامة السابق، وهو مبنى يُعرف محلياً باسم حاكمية المخابرات ويقع في منطقة الكرادة في بغداد.[94] وتلقت هيومن رايتس ووتش أنباء متعارضة بخصوص القوات الأخرى التي قدمت المساندة والدعم لجهاز المخابرات الوطني العراقي وأفراد وزارة الداخلية خلال المداهمة، فقال البعض إنها تتألف من جنود من الحرس الوطني العراقي "يرتدون ملابس مماثلة لتلك التي يرتديها جنود الجيش الأمريكي"، بينما قال آخرون إن القوات الأمريكية شاركت لكنها لم تدخل المبنى. وأُلقي القبض على 59 شخصاً، من بينهم الأمين العام لحزب الله حسن الساري، وعشرات من أعضاء الحزب وموظفيه، فضلاً عن ستة أشخاص تصادف وجودهم في المبنى كضيوف. وفتشت القوات العراقية المبنى وأخذت ممتلكات منه، وأبقت المعتقلين هناك 12 ساعة قبل اقتيادهم في حافلتين إلى مركز التوقيف التابع لمديرية الجرائم الكبرى في العامرية.

وأثارت حملة الاعتقال استنكار عدد من الأحزاب السياسية العراقية. وساهم الضغط الناجم عن ذلك في الإفراج عن زعيم الحزب، حسن الساري، في اليوم التالي. وقد أبلغ منظمة هيومن رايتس ووتش بأن المسئولين الذين نفذوا الاعتقال استخدموا العنف ضد المعتقلين عند إلقاء القبض عليهم، وأساءوا معاملتهم باستخدام أساليب عدة، من بينها تقييد أيديهم، وحملهم على الرقود على وجوههم على الأرض مدة تزيد على اثنتي عشرة ساعة، ومنعهم من الحديث، وحرمانهم من الطعام والماء. وأضاف أنه قدم شكوى رسمية، بخصوص إلقاء القبض عليهم بشكل غير مشروع والمعاملة التي لاقوها، إلى المحكمة الجنائية المركزية، حيث تحدثت إليه هيومن رايتس ووتش.[95]

وقام أفراد جهاز المخابرات الوطني العراقي باعتقال هؤلاء الأشخاص دون أوامر قبض صادرة من سلطة قضائية، واحتجزوهم، باستثناء حسن الساري، لفترات تتراوح بين عشرة أيام وشهرين دون إحالتهم إلى قاض للتحقيق أو توجيه تهم رسمية إليهم. وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2004 قابلت هيومن رايتس ووتش خمسة منهم بعد الإفراج عنهم. ووصف ناجي مولى نعمة، وهو أحد الحراس الشخصيين لحسن الساري، المداهمة والمعاملة التي لاقوها، قائلاً:

كانت الساعة حوالي الثانية والنصف صباحاً وكنا نائمين. واستيقظنا على أصوات أعيرة نارية وجرينا لنرى ماذا يحدث. وأبلغنا أحد الحراس بأن هناك قوات أمريكية بالخارج، مع مجموعات أخرى من الأفراد يرتدون زي الحرس الوطني، وكثير منهم ملثمون. وسألهم الحاج حسن الساري عما يجري وما إذا كانوا يمثلون الحكومة، وأجابوا "نعم نحن من الحكومة." ولكن لم تكن معهم أوراق رسمية. وإنما قاموا ببساطة بمداهمة مقر الحركة ثم أمرونا بالرقود على الأرض. كنا 20 شخصاً في بادئ الأمر، بما في ذلك حجة الإسلام السيد هاشم الشوكي، وهو عضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. وجذبوا عمامته من فوق رأسه فسقطت على الأرض. ثم مضوا بتقييد يديه خلف ظهره باستخدام جبته وأمروه بالرقود على الأرض هو أيضاً. وعندما صار الجميع راقدين على وجوههم على الأرض وضعوا القيود المعدنية في أيدينا. كما استخدموا جبة السيد هاشم الشوكي التي مزقوها إلى شرائط في تقييد أيادي الآخرين، واستخدموا تلك الشرائط أيضاً وقطعاً أخرى من القماش في عصب أعيننا. وظللنا في هذا الوضع من حوالي الثانية والنصف صباحاً حتى الثالثة عصراً. ولم يقدموا لنا طعاماً ولا ماء. ولم يسألوننا عن شيء ولم يُسمح لنا بالحديث فيما بيننا. وإذا حاول أحد أن يتكلم أو يسأل سؤالاً كانوا يأتون إليه ويركلونه في ظهره ويسبونه.[96]

وفي مديرية الجرائم الكبرى احتجز أفراد جهاز المخابرات الوطني العراقي المعتقلين في غرفة مساحتها خمسة أمتار في ستة أمتار اكتظت بهم اكتظاظاً شديداً، على حد قول ناجي نعمة، الذي أضاف: "كنا نتناوب النوم حيث لم يكن ثمة مكان كي ننام جميعاً في وقت واحد، ورغم ذلك فقد كنا نضطر للنوم في وضع القرفصاء حيث لم يكن هناك مكان يكفي كي نرقد على ظهورنا."[97] ووصف أحد المعتقلين الآخرين ظروف الاحتجاز قائلاً:

كان بالزنزانة وحدة "سبليت" [لتكييف الهواء] ومروحة في السقف. كان الجو حاراً للغاية. وكانوا يقطعون التيار الكهربي من الحادية عشرة ليلاً إلى الثالثة عصر اليوم التالي. وأغشي على ثلاثة منا بسبب الحر الخانق. ولم يقدموا لنا أي طعام أو شراب في اليوم الأول، وقالوا إن علينا أن ندفع ثمن الطعام والماء والسجائر بضعفي الأسعار العادية. ولم يسمحوا لنا بالاتصال بأسرنا أو توكيل محام. ولم نستطع حتى أن نطلب من أسرنا أن تحضر لنا شيئاً ننام عليه، وتعين علينا أن ننام على الأرض العارية.[98]

وذكر المعتقلون السابقون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أن أفراد جهاز المخابرات الوطني العراقي حققوا مع المحتجزين في بادئ الأمر، مركزين أسئلتهم على مزاعم وجود صلات بين حزب الله وإيران، وقال أحد هؤلاء المعتقلين:

خلال التحقيق اتهمونا بخدمة المصالح الإيرانية وبأننا عملاء للحكومة الإيرانية. ثم قالوا إننا منظمة إرهابية. وزعموا كذلك أن لديهم معلومات محددة تثبت أننا اشترينا أسلحة ومتفجرات. ولم يتعرض أي منا للتعذيب خلال التحقيق، لكنهم شنَّوا علينا حرب أعصاب، فكانوا يقولون لنا في بعض الأحيان إنهم سيفرجون عنا وفي أحيان أخرى إنهم سيحيلوننا لحجز مديرية الجرائم الكبرى لإطالة أمد احتجازنا.[99]

وما أن انتهى الاستجواب الأولي حتى قام أفراد مكتب مكافحة الإرهاب التابع لمديرية الجرائم الكبرى باستجواب المحتجزين فيما يبدو. ولم يقم أي من الجهازين بإحالة أي منهم إلى قاض للتحقيق أو بتوجيه تهم رسمية إليه. ثم أفرجوا عنهم على مراحل، فأُفرج عن عشرة في 26 أغسطس/آب، وعن 39 آخرين في 20 سبتمبر/أيلول وعن الأربعة الباقين في 13 أكتوبر/تشرين الأول. وبعد ذلك وضعت مديرية الجرائم الكبرى يدها على مبنى حاكمية المخابرات الذي أُجلي منه حزب الله، متخذة منه مقرها الرئيسي. واستناداً إلى الشكوى الرسمية التي قدمها زعيم حزب الله، حسن الساري، في 25 أغسطس/آب 2004، أصدر رئيس قضاة التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية آنذاك، زهير المالكي، سلسلة من طلبات الاستدعاء تطلب حضور عدة مسئولين أمام المحكمة للإجابة عن أسئلة تتصل بحالات الاعتقال. وأوفد العميد رعد ياس خضير الدليمي، رئيس مركز العامرية، مندوباً عنه استجابة لطلبات الاستدعاء التي تلقاها. وورد أن هذا المندوب أفاد بأن جهاز المخابرات الوطني العراقي احتجز معتقلي حزب الله في مركز التوقيف التابع لمديرية الجرائم الكبرى في العامرية وأنهم كانوا خاضعين لولاية المديرية. ولم يستجب المتحدث القانوني باسم وزارة الداخلية، ووزير الداخلية فلاح النقيب، ومدير جهاز المخابرات الوطني العراقي اللواء محمد عبد الله الشهواني لطلبات الاستدعاء التي صدرت لهم. وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2004، أُعفي القاضي زهير المالكي من منصبه كرئيس لقضاة التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية ونُقل إلى منصب آخر.

VII. الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وسوء معاملة المشتبه فيهم جنائياً

تحدثت هيومن رايتس ووتش، في المحكمة الجنائية المركزية، إلى أربعة وخمسين محتجزاً كان المسئولون بالشرطة قد اتهموهم بارتكاب شتى ضروب الجرائم الخطيرة، بما في ذلك القتل العمد، والاختطاف، وغسيل الأموال، وتجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة، وأعمال الإرهاب. وكانت الغالبية العظمى قد جاءت إلى المحكمة لأول مرة، للإدلاء بأقوالهم أمام المحقق العدلي، وحضور أولى جلسات التحقيق معهم، بعد أن ظلوا محتجزين عدة أسابيع، وهي فترة أطول كثيراً مما يسمح به القانون العراقي. ولم تكن قد وصلت إلى مرحلة المحاكمة إلى حفنة من القضايا، وشهدت هيومن رايتس ووتش الكثير من جلسات التحقيق وعدة محاكمات جرت لأصحاب هذه القضايا[100].

وكان عشرون محتجزاً على الأقل من الذين شاهدتهم هيومن رايتس ووتش في غرفة الجرائم الكبرى معصوبي العيون، وظلوا على هذه الحال حتى ساقتهم الشرطة إلى باب قاضي التحقيق، فأزالت العصابة عن عيونهم. وقال مسئولو الشرطة المنتدبين للعمل بالمحكمة لهيومن رايتس ووتش إن السبب هو منع المشتبه في انتمائهم للعصابات الإجرامية من معرفة رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليهم، وحمايتهم من التعرض لاعتداءات ثأرية في المستقبل. وفي حالتين من هذه الحالات سُمح للمحتجزين بإزالة العصابة عن عيونهما قبل محادثة هيومن رايتس ووتش، بشرط استمرارهما في مواجهة الحائط. وقالا إن الشرطة قد عصبت عيونهما بصفة مستمرة منذ إلقاء القبض عليهما قبل عدة أيام.

وقال معظم المحتجزين الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة أثناء التحقيق، وإن ذلك أمر معتاد، وقال البعض كذلك إن الشرطة استعملت العنف معهم عند إلقاء القبض عليهم. وكانت الأقوال التي أدلوا بها عن معاملتهم على أيدي الشرطة متفقة ومتسقة مع بعضها البعض إلى حد كبير. وقالوا إنهم كانوا في الغالب يتعرضون لعصب عيونهم وتقييد أيديهم وراء ظهورهم أثناء التحقيق معهم[101]. وقالوا إن المحققين أو الحراس كانوا يركلونهم ويصفعونهم ويلكمونهم، ويضربونهم في كل مكان بالجسم بالصوندات (الخراطيم)، والعصيّ الخشبية، والقضبان الحديدية والكابلات. وعندما فحصتهم هيومن رايتس ووتش وجدت على أجسامهم آثاراً واضحة للإصابات الخارجية بالرأس، وبالرقبة والذراعين والساقين والظهر. وكانت هذه الآثار تتفق، فيما يظهر، مع ما رواه هؤلاء عن تعرضهم للضرب بصورة متكررة. وظهرت على العديد منهم كدمات وتمزقات جديدة، وعلى البعض الآخر ندوب حديثة العهد فيما يبدو، وقال البعض، في حالات أخرى، إن المحققين عذبوهم بالصدمات الكهربائية، وكان أشد ألأساليب شيوعاً هو ربط أسلاك كهربائية بآذانهم أو أعضائهم التناسلية.

وقام أحد المحتجزين، وكان قد حوكم بتهمة الاختطاف وثبتت براءته، بعرض الخَلْع الذي أصاب كتفه على هيومن رايتس ووتش، وهو ما يتفق وما رواه عن قيام المحققين بتعليقه فترات مديدة من مقبض أحد الأبواب، من يديه بعد تقييدهما معاً خلف ظهره[102]. وجاء إلى المحكمة متهم آخر لا يكاد يستطيع السير دون مساعدة، فيما يبدو، ضمن خمسة من الذين اتهموا بارتكاب جريمة قتل، إذ ساعده اثنان من هؤلاء في الوصول إلى باب زنزانة الحجز في المحكمة الجنائية المركزية، حيث حادثته هيومن رايتس ووتش، وقال إنه تعرض لضربة شديدة في رأسه أثناء احتجازه في مركز شرطة البيّاع بعد القبض عليه في 13 أغسطس/آب 2003، وهي الضربة التي أضَرَّتْ بجهازه العصبي المركزي، ومن ثم لم يعد قادراً على استعمال رجليه على النحو الأكمل، إلى جانب ثقل في لسانه عند الكلام. وقال إن مسئولي الحجز أرسلوه ذات مرة إلى مستشفى مركز جراحة الأعصاب بحيّ باب الشيخ في بغداد، كما عرض على هيومن رايتس ووتش كسراً أصاب إحدى الأسنان في مقدمه فمه، قائلاً إنه كان نتيجة لكمة في وجهه[103].

وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع اثنين من بين ثلاثة من المحتجزين الذين أحضرهم موظفو مديرية أمن وسلامة الوزارة إلى المحكمة، وكانوا جميعاً، فيما يبدو، في حالة جسدية مزرية. وكان أحدهم في الخامسة والعشرين ويرتدي دشداشة بيضاء، ظهرت عليها في أماكن كثيرة بقع حمراء كبيرة، وكانت فيما يبدو من الدم. وكانت حول عينيه اليمنى سحجة سوداء، وكدمات في جبهته. كما ظهر أيضاً جرح في الجانب الأيسر من رأسه، سال منه الدم حتى وصل إلى أذنه، وكان يبدو أنه لم يجف إلا منذ عهد قريب. وقال لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة ألقت عليه القبض مع المحتجزين الآخرين في مساء اليوم السابق، 17 أغسطس/آب، بجوار مبنى وزارة الداخلية بحيّ الشعب وضربته ضرباً مُبَرّحاً، وأحضرته إلى المحكمة في اليوم التالي[104]. وقال إنه لا علم له بأية اتهامات وجهت إليه[105]. وأرادت هيومن رايتس ووتش حضور جلسة التحقيق معه، ولكنها عندما خاطبت القضاة في المحكمة أنكروا جميعاً أي علم لهم بقضيته وقالوا إن القضية لم تُحَلْ إليهم. وحاولت هيومن رايتس ووتش بعد ذلك الحصول على المزيد من المعلومات عن هذا المتهم من خلال مسئولي وزارة الداخلية الملحقين بالمحكمة، ولكنهم لم يقدموا أية معلومات ولم تتمكن المنظمة من التأكد مما حدث له.

وأحيطت هيومن رايتس ووتش علماً، كذلك، بأن محتجزاً آخر كان قد أحيل إلى المحكمة الجنائية المركزية في الأسبوع الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2004، ولكنها لم تُجْر أية مقابلة معه، وكان - وفقاً لما ذكره أحد قضاة التحقيق بالمحكمة – قد أُحضر في كرسي متحرك، بعد أن أُصيب بشلل جزئي نتيجة للتعذيب. وكان رجال مديرية الجرائم الكبرى قد احتجزوه، واتهموه بوضع بعض المتفجرات في المبنى الرئيسي لأحد الأحزاب السياسية على الرغم من نفي مسئولي الحزب ذلك، حسبما ورد. وكان المتهم قد تعرض أثناء احتجازه للضرب على العمود الفقري بأنبوبٍ معدني، الأمر الذي أضر بعدد من الفقرات وتسبب في إصابته بالشلل[106].

وتحدث معظم المحتجزين لدى مديرية استخبارات الشرطة الجنائية ومديرية الجرائم الكبرى، في مقابلاتهم مع هيومن رايتس ووتش، عن الأحوال المزرية في الحجز، واشتكوا بصفة خاصة من التكدس الشديد بحيث تعذر العثور على مكان للرقاد والنوم ليلاً. وقال بعضهم إنهم كانوا يتناوبون في النوم فيما بينهم، وقال الآخرون إنهم كانوا ينامون وقوفاً، إذ لم تكن الزنزانة تتسع إلا للوقوف. ولا يدعو للدهشة والحال هذه أن تكون الأحوال الصحية سيئة إلى أبعد آماد السوء، وهو ما يشهد عليه المظهر الخارجي لمعظم المحتجزين الذين شاهدتهم هيومن رايتس ووتش في المحكمة. واشتكى بعض المحتجزين من نقص لوازم الاغتسال والمراحيض واستمرار رائحة البول الكريهة التي تسود الزنزانات، والافتقار إلى لوازم الرعاية الطبية الأساسية، بما في ذلك ما يلزم لعلاج شتى ما يصيب البشرة مثل القمل. ومن الشكاوى الأخرى الشكوى من نقص الغذاء أو الماء. وذكر معظم المحتجزين أن مسئولي الشرطة الذين يديرون مراكز الاحتجاز المذكورة نادراً ما كانوا يقدمون الطعام إليهم، فكان عليهم أن يشتروه بأنفسهم لو حدث وكانت لديهم بعض النقود ساعة القبض عليهم، ولو لم تستول الشرطة على هذه النقود عند تفتيشهم. ورغم أن الشرطة لم تكن تسمح بأي زيارات عائلية إلى هذه المراكز، فلقد ورد أنها كانت تسمح لأفراد الأسرة الذين عرفوا بمكان احتجاز قريبهم بإحضار الطعام إلى المركز، وكان المحتجزون أحياناً ما يشاركون زملاءهم في الزنزانة في تناوله.

الاعتقالات الجماعية

قامت الحكومة العراقية المؤقتة، اعتباراً من أواخر يونيو/حزيران 2004، بعدة حملات دهم واسعة النطاق وأبرزتها وسائل الإعلام على بعض أحياء بغداد التي قيل إنها معاقل لعدد من العصابات الإجرامية المنظمة. ويعرض هذا التقرير لحملتين من هذه الحملات، قام بهما رجال وزارة الداخلية، بمساندة من أفراد القوة المتعددة الجنسيات، في أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز 2004 (انظر أيضاً الفصل العاشر). وفور الانتهاء من كل حملة، كان المسئولون بوزارة الداخلية يزعمون علناً أنهم نجحوا في تفكيك عدد من العصابات الإجرامية، وأنهم اعتقلوا المحتجزين استناداً إلى معلومات استخبارية دقيقة وبعد مراقبة المشتبه فيهم عدة أسابيع. وقد دعوا عدداً مختاراً من الصحفيين الدوليين والمحليين والعرب إلى تصوير المحتجزين وحضور عمليات الاستجواب معهم، مع وصف الحملة بأنها عملية ناجحة قامت بها الشرطة[107]. وكانت الصحف المحلية تنشر أنباء الحملات باستفاضة في الأيام التالية، مما كان يوحي بأن السلطات العراقية كانت تحرز تقدماً كبيراً في كفاحها ضد الجريمة المنظمة. وفي المثالين الواردين أدناه، أفرجت الشرطة عن معظم المشتبه فيهم بعد يوم أو يومين من القيام بالحملات، وإن لم يكن ذلك يحظى باهتمام يُذكر من الصحافة. وتابعت هيومن رايتس ووتش الحالات الباقية أثناء نظرها في المحاكم، ووجدت أن قضاة التحقيق كانوا يصدرون الأمر بالإفراج في الكثير من هذه القضايا، بمجرد مثول المشتبه فيهم أمامهم، لعدم كفاية الأدلة. ويبدو أن الشرطة قد ألقت القبض على عدد كبير منهم بصورة عشوائية أثناء العمليات، إما لأنهم كانوا حيث لا ينبغي أن يكونوا، أو حين ينبغي ألا يكونوا، وإما لأن القبض وقع بناءً على 'إخبارية' لم تتحقق الشرطة من صحتها، من جانب بعض أهالي الحي. وحينما حان الوقت لإطلاق سراح هؤلاء المحتجزين، كانت الشرطة قد احتجزتهم أسابيع أو شهوراً دون إحالتهم إلى المحكمة، وبعد أن تعرضوا، بالتأكيد، في بعض الحالات للتعذيب أو سوء المعاملة.

اعتقالات البتاويين في 27 يونيو/حزيران 2004

في يوم 27 يونيو/حزيران 2004 قامت عدة فرق تابعة لمديرية استخبارات الشرطة الجنائية بوزارة الداخلية بالقبض على الكثيرين في منطقة البتاويين، في قطاع الرصافة في بغداد، بالقرب من حي السعدون على الشاطئ الشرقي لنهر دجلة. وقد ذاع أن تلك المنطقة ترتادها جماعات إجرامية مزعومة، تمارس – بصفة خاصة – تجارة المخدرات. وقالت السلطات العراقية إن الحملة كانت تستهدف القبض على أفراد هذه العصابات، ومن ثم ألقت القبض على 149 شخصاً، وفقاً للمصادر الرسمية، كان من بينهم امرأة واحدة وعدد مجهول من المواطنين العرب. وقال قضاة التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية لهيومن رايتس ووتش إن الحملة قد جرت دون صدور أوامر بالقبض على أحد، بل بناءً، فيما يبدو، على الأمر المباشر الصادر من وزير الداخلية نفسه. وقالت الصحف المحلية في اليوم التالي إن المسئولين في الوزارة ذكروا أن حملة الشرطة نجحت في تفكيك خمس عشرة عصابة إجرامية، وقالوا إن بعضها كان قد ارتكب جرائم القتل العمد والاختطاف، والسرقة، وتجارة المخدرات، والدعارة. وقال اللواء حسين علي كمال، وكيل الوزارة المسئول عن شؤون استخبارات الشرطة الجنائية بوزارة الداخلية، إن الشرطة قبضت على المشتبه فيهم بناء على المعلومات التي جاءت عن طريق المراقبة واستخدام صور الأقمار الصناعية في رَصْدِ تحركات العصابات الإجرامية المشتبه فيها[108]. وقال إن بعض القوات المختارة بصفة خاصة من الأجهزة الأخرى، بما في ذلك مديرية الشؤون الداخلية بوزارة الداخلية، وفرق مكافحة الشغب، قد شاركت في الحملة، بمساندة من قوات الشرطة العسكرية الأمريكية[109].

وكان أفراد استخبارات الشرطة الجنائية قد احتجزوا المشتبه فهيم أول الأمر في مجمع وزارة الداخلية، في حي الشعب شرقيّ بغداد، بالقرب من ملعب الشعب لكرة القدم، وقاموا، طبقاً للأنباء التي تلقتها هيومن رايتس ووتش، بتعذيبهم وإساءة معاملتهم في مراحل مختلفة من احتجازهم، خصوصاً في الأيام القليلة الأولى التالية للقبض عليهم، وحرمانهم من الطعام والشراب لمدة يومين على الأقل.

وفي يوم 29 يونيو/حزيران، وهو اليوم الثالث بعد الاعتقالات التي قامت بها الشرطة، شاهد بعض جنود إحدى الوحدات العسكرية الأمريكية، التابعة لجيش الحرس الوطني لولاية أوريغون، في أثناء دورية لهم بالمنطقة بالقرب من مجمع وزارة الداخلية - شاهدوا الشرطة العراقية وهي تسيء معاملة المحتجزين، ومن ثم قرروا التدخل. وهذه هي الحالة الوحيدة المعروفة التي تدخلت فيها القوات الأمريكية لوضع حد لإساءة معاملة المحتجزين بعد نقل السيادة رسمياً من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى الحكومة العراقية المؤقتة. وقام بعض كشَّافة الكتيبة بالتقاط صور فوتوغرافية للمشهد من خلال منظار بندقيته المُقَرّب، ويظهر في هذه الصور عدد من المحتجزين لا يقل عن أربعة وعشرين، جالسين على الأرض، وأيديهم مقيدة وراء ظهورهم، وعيونهم معصوبة. وكان العديد منهم شبه عرايا وقد ظهر على ظهورهم وأرجلهم ما يبدو أنه آثار "الضرب والكدمات الجديدة". ومن المعتقد أن أحدهم كان صغيراً في نحو الرابعة عشرة من عمره، فيما ذهب إليه الظن. (انظر الفصل الثامن)[110].

وفيما يلي مقتطف من تقرير مكتوب حصلت عليه هيومن رايتس ووتش من النقيب جاريل ساوثهول، وهو من الجنود الأمريكيين، في فوج المشاة رقم 162، بالكتيبة الثانية من جيش الحرس الوطني لولاية أوريغون، يروي فيه ما شاهده في ذلك اليوم[111]:

عندما دخلنا المجمع دون أو يوقفنا أحد تقريباً، استطعت أن أشاهد بوضوح أولئك السجناء المقيدين بحبال من النايلون والخرق البالية. وكان معظم السجناء جالسين، وبعضهم يتلوى من الألم، أثناء اقترابنا من منطقة الاستجواب أو منطقة الاحتجاز. وكانت المنطقة تقع بأكملها في الهواء الطلق، وبها مكتب يجلس خلفه شرطي عراقيّ يطل على منطقة الحجز المذكورة. وحاول السجناء أن يشرحوا لنا أنهم لم يتلقوا إلا أقل القليل من الماء، ولم يتلقوا أي طعام على مدى ثلاثة أيام. وكانت تبدو على الكثير من هؤلاء السجناء كدمات وجروح وآثار الضرب بالأحزمة أو الخراطيم في شتى أنحاء الجسد. ...

وقدمنا لهم زجاجات الماء، ونقلنا السجناء إلى جوار الجدار الخلفي للمجمع، حتى يستريحوا من التعرض لضوء الشمس المباشر. وفي نفس الوقت وصل النقيب سيث مورغولاس، وهو من ضباط المدرعات، والمنتدب قائداً لهذه السرية من سرايا الشرطة العسكرية، ليبدأ في نزع سلاح رجال الشرطة العراقية وتفريقهم.

وطبقاً لما رواه النقيب ساوثهول، طلب قائد الكتيبة، المقدم هندريكسون، بعد ذلك، أن يخاطب الشخص المسئول. وقال له أحد المسئولين العراقيين "إنه لم تقع أي إساءة في معاملة السجناء، وإن زمام الأمور في أيديهم، وإنهم يحاولون الانتهاء من التحقيق مع 150 محتجزاً بأسرع وقت ممكن". كما أكد مسئول آخر بالشرطة العراقية "أن أي إساءة وقعت إنما يسأل عنها العاملون داخل المركز، وأما هو فمسؤوليته تنحصر في شؤون 'الأمن الخارجي'!".

وفي تلك الأثناء كان الجنود يقدمون المعونة للسجناء الذين بدا أنهم على شفا الهلاك، وبدأوا يوزعون المياه على من يحتاجها، ويحملون على النقالات إلى خارج المعسكر أولئك المرضى العاجزين عن الحركة. وشاهدت بعض السجناء الذين كانوا يتحاملون على أنفسهم حتى يسيروا وكان الكثيرون منهم يرتدون ملابس متسخة.

وعندما قام الجنود الأمريكيون بتفتيش المبنى وجدوا نحو ثمانية وسبعين محتجزاً آخر في غرفة تبلغ مساحتها 20 × 20 قدماً مربعاً. وقال النقيب ساوثهول إن معظمهم كانوا سودانيين، لأنهم "لم يكونوا يحملون ما يدل على هويتهم". وتقول روايته:

عندما دخلنا المكتب المجاور للغرفة المزدحمة، وجدنا عدة رجال يرتدون ملابس مدنية، جالسين حول منضدة من مناضد قاعات الاجتماع. وكان يقبع سجين مقيد بقيود وثيقة ومكمم الفم عند أقدام هؤلاء الجالسين حول المنضدة وهم يدخنون السجائر ... وكانت هذه الغرفة تتميز بأن بها جهاز تكييف هواء يعمل بكفاءة عالية، وهو ما كان يتناقض تناقضاً شديداً مع غرف السجناء. وقال لي رجال الشرطة العراقية إن هؤلاء السجناء كانوا جميعاً من المجرمين الخطرين، وكان معظمهم من اللصوص، ومستعملي الماريوانا، وغيرهم من ضروب الأشرار. ولم يقر أحد من أفراد الشرطة بضرب السجناء أو إساءة معاملتهم، ولكن سوء المعاملة والإهمال كانا واضحين تماماً. وفي انتقالنا من غرفة إلى أخرى كنا نشاهد السجناء وهم مقيدون ومعصوبو العيون ومكممو الأفواه. وكانت على أجسام الكثيرين كدمات وحروق بشعة. ورأينا في إحدى الغرف خراطيم، ومصابيح مكسورة (للصعق الكهربائي) ومواد كيميائية متنوعة[112].

وقد نُشِرَتْ منذ كتابة هذا التقرير روايات جنود أمريكيين آخرين كانوا حاضرين كذلك في مجمع وزارة الداخلية في ذلك الوقت، ومن بينها ما رواه الرقيب الأول كيفين ماريز، وحسبما جاء في صحيفة الأوريغونيان:

قال إن أحد السجناء كان يرقد على بطنه على الأرض، وكان يتعرض للضرب المتكرر على ظهره بخرطوم مطاطي. وبعد فترة شاهد ماريز واقعة ضرب استمر طويلاً لأحد السجناء، والتقط لها صوراً بمنظار بندقيته المقرب. وجاء فيما قاله ماريز إن شرطياً عراقياً يرتدي الزي الرسمي اشترك مع أحد المدنيين في الضرب "الذي كان أبشع وأطول مدة مما شاهدته آنفاً". وفي لحظة من اللحظات رُبِطَت قدما السجين الحافيتين في قضيب، ورُفعتا في الهواء، وانهال الحراس عليهما ضرباً بخرطوم من المطاط[113].

وطبقاً للأنباء الصحفية المستندة إلى المقابلات التي أجريت مع العديد من الجنود الأمريكيين الذين شهدوا تلك الأحداث، فإن المقدم دان هندريكسون، قائد الكتيبة، عند ذلك "أرسل باللاسلكي رسالة عبر سلسلة القيادة في فرقة الفرسان الأولى بالجيش، نقل فيها ما شاهده وطالباً إصدار التعليمات ... وسرعان ما جاء الأمر: تراجعوا. أعيدوا السجناء إلى السلطات العراقية واتركوا فناء مركز الاحتجاز"[114]. ولم يتضح إذا ما كان الأمر قد صدر من الفرقة أم من مصدر آخر في القيادة المركزية للجيش الأمريكي أم قيادة القوة المتعددة الجنسيات (انظر الفصل العاشر). وقد علق الفريق ريتشارد مايرز، رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة للجيش الأمريكي – فيما ورد – على هذه الحادثة بعد نحو شهرين قائلاً "من بالغ الأهمية لنجاحنا في العراق أن ندعم، حيثما أمكن لنا، سلطة الحكومة العراقية ومسؤوليتها عن معالجة شؤونها الداخلية"[115]. وفي ذلك الوقت، صورت بعض الصحف المحلية الحادثة في صورة محاولة من جانب القوات الأمريكية لإطلاق سراح أفراد العصابات الإجرامية[116].

وقد أفرج المسئولون بوزارة الداخلية عن عدد يُقدّر بثمانين من المحتجزين، في غضون أيام معدودة من القبض عليهم، واستمر احتجاز الباقين، وعددهم تسعة وستون، لمدة لا تقل عن شهرين دون إحالتهم إلى أحد قضاة التحقيق، كما حرموا من الاتصال بالمحامين أو بأفراد الأسرة حتى يحين موعد نقلهم إلى سجن التسفيرات[117]. وشاهدت هيومن رايتس ووتش أقارب العديد من المحتجزين الذين كانوا يحضرون بانتظام إلى المحكمة على أمل مثول المحتجزين أمام القضاة، وكانوا يصابون في جميع الأحوال بخيبة الأمل. وفي يوم 23 أغسطس/آب، ذكرت زوجة أحدهم لهيومن رايتس ووتش ما يلي:

قبضوا على زوجي في أحد المرائب التي تبيت فيها السيارات ليلاً في نحو الحادية عشرة من صباح يوم 27 يونيو/حزيران. ولم يمثل حتى هذه اللحظة أمام القاضي. وبعد القبض عليه باثني عشر أو ثلاثة عشر يوماً نقلوه إلى سجن التسفيرات. لم أكن أعرف أولاً أين مضوا به، ولكنني اكتشفت عن طريق أحد العاملين بالشرطة أن الاستخبارات الجنائية هي التي تحتجزه. وكان ذلك بعد القبض عليه بثلاثة أيام أو أربعة. وحاولت أن أراه لكنهم رفضوا السماح لي بذلك. أما الآن فأستطيع أن أزوره مرة واحدة في الأسبوع، في أيام الآحاد، وهي أيام الزيارة للنساء. وقال إنه تعرض للضرب أثناء احتجازه لدى الاستخبارات الجنائية، وأنهم كسروا أحد أصابعه، وضربوه على رجله اليمنى بقضيب حديدي. كان يريدون منه أن يعترف بأن أحد أقاربه ضالع في جريمة ما[118].

وفي أول سبتمبر/أيلول 2004، أخبر أحد موظفي سجن التسفيرات، وهو المسئول عن اصطحاب المحتجزين إلى المحكمة الجنائية المركزية، هيومن رايتس ووتش أن واحداً وستين محتجزاً من مجموعة البتاويين لا يزالون في الحجز في التسفيرات، ولم يستدعوا للمثول أمام قاضي التحقيق. وبحلول يوم 15 سبتمبر/أيلول، واستناداً إلى بعض المعلومات التي قدمها العديد من القضاة، استطاعت هيومن رايتس ووتش أن تعرف مصير واحد وأربعين منهم: أطلق سراح ثمانية لنقص الأدلة، وأفرج بكفالة عن ثمانية وعشرين، وتوافرت الأدلة الكافية في خمس حالات أخرى للإذن باستمرار احتجاز الخمسة بتهمة الاختطاف[119]. وفي الأسبوع الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2004، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أربعة من المحتجزين من مجموعة البتاويين، وكانوا لا يزالون قيد الحجز. وكانوا قد أحيلوا إلى المحكمة لأول مرة بعد مضي ما يقرب من أربعة أشهر على القبض عليهم، وقد وجهت إليهم تهم تتعلق بحيازة المخدرات. وكان ثلاثة منهم أشقاء من مدينة الكوت أصلاً ولكنهم كانوا يقيمون في بغداد ويقومون بأشغال عارضة. وكان أحدهم، واسمه حسن غضبان طُعمة، في الأربعين من عمره، ويعمل آنذاك في أحد المخابز. وقال ما يلي لهيومن رايتس ووتش:

كنت في المخبز، وكان شقيقاي يبيعان الفاكهة خارج المخبز، ووصلت مجموعة كبيرة من رجال الشرطة يرتدي بعضهم ملابس مدنية، ويرتدي آخرون أزياء الشرطة أو الجيش. وكان بعضهم أيضاً يرتدي أقنعة. وكانت الساعة بين الحادية عشرة والنصف والثانية عشرة. واستاقوا معهم كل من كان في المخبز والذين كانوا يعملون في الشارع. وبلغ مجموع الذين قبضوا عليهم نحو 160 شخصاً، وساقونا إلى المقر الرئيسي للاستخبارات [الجنائية]. وعصبوا أعيننا وقيدوا أيدينا خلف ظهورنا. وبدأوا يضربوننا على الفور، واستمر الضرب حتى حل الليل. وفي الأيام الثلاثة الأولى كان التعذيب مستمراً، وضربوني بقضيب من الألمونيوم وبالكابلات. كما تعرضت للتعذيب بالفلقة. ثم طلبوا مني التوقيع على بيان مكتوب ويداي مقيدتان وراء ظهري، وهكذا لم أتمكن حتى من الإطلاع على الورقة، ولا أعرف مضمون ما وضعت توقيعي عليه. وفي اليوم الثالث وصل الأمريكيون. وأخرجونا من الزنزانات وأعطونا ماءً وعالجوا الجروح الناجمة عن التعذيب. كما عاقبوا المسئولين [العراقيين] بنزع أسلحتهم، واصطحابهم إلى الخارج في الشمس، ومواجهتهم بحدة بشأن سلوكهم إزاءنا[120].

وقال أكبر الأشقاء الثلاثة، واسمه جابر، وكان في السادسة والأربعين، لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة أرغمته على أن يربض بحيث تمس ركبتاه وجبهته الأرض، ثم قيدت يديه خلف ظهره، واستمر في هذا الوضع بصفة مستمرة تقريباً مدة أربعة أيام[121]. وقال الأصغر، واسمه جاسم، وكان في الثانية والثلاثين، "لم يعطونا أي طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام عدا بصلة وثمرة طماطم، ولو لم يتدخل الأمريكيون، لانتهينا". وأضاف قائلاً إن "الأمريكيين عادوا" في اليوم التالي "ولكننا لم نشاهدهم بل رأينا الأطراف العليا لعرباتهم من نافذة الزنزانة. لكنهم لم يعودوا للتدخل"[122]. وقد ظل الثلاثة محتجزين لدى استخبارات الشرطة الجنائية طوال خمسة عشر يوماً قبل نقلهم إلى سجن التسفيرات. ولم تستطع أسرهم أن تلتقي بهم في خلال تلك الفترة. وأكد الأشقاء الثلاثة أن رجال استخبارات الشرطة الجنائية قاموا في اليوم الثاني بإطلاق سراح مجموعة كبيرة منهم، كان معظمهم من المسنين. وقالوا إنهم لم يشاهدوا أي امرأة محتجزة بين المقبوض عليهم، ولكنهم أضافوا إن ثلاثة من الذكور كانوا أطفالاً. وتمكن الأشقاء في سجن التسفيرات من توكيل محامٍ عنهم، وقد كان موجوداً في المحكمة لتمثيلهم في اليوم الذي قابلتهم فيه هيومن رايتس ووتش. وعندما سُئلوا عن المحتجزين الآخرين الذين كانوا قد قبض عليهم في أثناء الحملة نفسها، قالوا إن الشرطة قسمت مجموعة البتاويين، عند نقلها إلى سجن التسفيرات، إلى ثلاثة مجموعات، يشار إليها بالرموز "أ" و"ب" و"ج". وكان الأِشقاء الثلاثة ينتمون إلى المجموعة ج، ولكن أربعة من هذه المجموعة فقط هم الذين أحضروا إلى المحكمة في ذلك اليوم. وقالوا إن الشرطة قد أفرجت من قبل عن جميع أفراد المجموعة ب.

وكان المحتجز الرابع من أفراد هذه المجموعة الذي قابلته هيومن رايتس ووتش في ذلك اليوم سودانياً يقيم ويعمل في العراق منذ 1988، واسمه عبيد السيد مكي محمد، وكان في الرابعة والأربعين من عمره. وقال إنه كان، في اليوم الذي قبضت الشرطة فيه عليه، يبيع الملابس المستعملة في كشك بالشارع، وكان قد دخل لتوه أحد المقاهي حين وصلت الشرطة، وقال:

دخل رجال الشرطة المقهى وأمروا الجميع برفع أيديهم ومواجهة الحائط، ثم قاموا بتقييد أيدينا وراء ظهورنا بالحبال، وعصبوا أعييننا بغمامات من القماش، وأمرونا بالسير ونحن نقعي على أرجلنا نحو العربات الواقفة ... وفي وزارة الداخلية بدأوا في التحقيق معنا فرداً فرداً. وكنت ثاني من يستدعون إلى التحقيق، وضربوني وعذبوني وأنا لا أزال معصوب العينين ويداي مقيدتان وضربوني بالكابلات وبقضبان معدنية، وإن كنت غير واثق ثقة مطلقة من هذا لأنني لم أكن أستطيع الرؤية. واستمر التعذيب نحو نصف ساعة، وكان يشارك في ضربي عدد يبلغ نحو خمسة منهم في الوقت نفسه. ثم طلبوا مني أن أضع بصمة إصبعي على ورقة، أو أضع توقيعي عليها، ويداي لا تزالان مغلولتين وعيناي عليهما العصابة ... ولم يقدموا إلينا طعاماً وشراباً إلا في اليوم الثالث، فقدموا لكل فرد قطعة من الخبز وثمرة طماطم، ولكن أيدينا ظلت مقيدة وعيوننا معصوبة، وقاموا هم بإطعامنا. وعندما وصل الأمريكيون، فكوا القيود من أيدينا ورفعوا العصابة عن عيوننا واصطحبوا مجموعة من المحتجزين إلى الخارج وأعطوهم طعاماً وماءً. كما قاموا كذلك بنقل محتجزين آخرين كانوا يقفون في الشمس إلى مكان ظليل، ثم قدموا لنا العلاج الطبي[123].

وقال عبيد لهيومن رايتس ووتش إن هذه كانت المرة الوحيدة التي تقوم الشرطة فيها "بالتحقيق" معه خلال الأشهر الأربعة التي قضاها في الحجز، وأضاف أنهم احتجزوه في مركز استخبارات الشرطة الجنائية ثلاثة عشر يوماً ثم نقلوه إلى سجن التسفيرات، حيث كانوا يحتجزون عدداً يبلغ مجموعه واحداً وستين شخصاً من مجموعة البتاويين. وقال إن الشرطة قسمتهم إلى مجموعات ووزعتهم على الزنزانات المختلفة التي كان ينزل بكل واحدة منها آنذاك خمسة وخمسون محتجزاً. ووصف تحسن الأحوال هناك، إذ كان يقدم لهم فيها الطعام والماء، ويسمح لهم بزيارات أفراد الأسرة. وكان المحامي الذي يمثل الأشقاء الثلاثة من أسرة طعمة في المحكمة يمثله هو أيضاً، وكانت التهمة هي ذاتها وهي حيازة المخدرات. وحضرت هيومن رايتس ووتش جلسة التحقيق مع المحتجزين الأربعة يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول، وقد أجل القاضي الجلسة عدة أيام كي يتاح له الوقت الكافي لدراسة الملفات.

وتشير تقديرات عبيد إلى أنه حتى الأسبوع الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، كانت الشرطة لا تزال تحتجز نحو أربعين شخصاً من مجموعة البتاويين في سجن التسفيرات، بعد أن أفرجت عن الباقين في أوقات مختلفة. وقال إن تسعة من السودانيين كانوا لا يزالون بين المحتجزين حتى ذلك الوقت. وقال أحد المحامين لهيومن رايتس ووتش، وكان يمثل العديد من محتجزي البتاويين، إن نحو عشرين منهم يواجهون تهماً تتعلق بالمخدرات.

اعتقالات شارع الكفاح في 11 يوليو/تموز 2004

في حملة مماثلة للحملة على منطقة البتاويين، قامت القوات التابعة لمديرية استخبارات الشرطة الجنائية بوزارة الداخلية بحملة اعتقالات واسعة النطاق يوم 11 يوليو/تموز 2004 في منطقة شارع الكفاح الواقعة بالقرب من ساحة الأندلس في حي باب الشيخ في بغداد. وألقت القبض بصورة مماثلة على الكثيرين في المناطق المجاورة، وهي مناطق الفضل، والصدرية، والسباع. وألقت الشرطة القبض على 527 شخصاً، قال المسئولون إنهم يضمون أفراد العصابات الإجرامية التي ارتكبت جرائم خطيرة.

وعلى نحو ما حدث في حالة البتاويين، أعلن مسئولو وزارة الداخلية أن الحملات في منطقة شارع الكفاح والأحياء المجاورة أدت إلى تشتيت ست عشرة عصابة إجرامية كانت تمارس شتى ألوان الأنشطة الإجرامية، من بينها القتل العمد والسرقة والاختطاف وتجارة المخدرات. ونشرت الصحف المحلية تصريحاً للواء حسين على كمال، وكيل وزارة الداخلية المسئول عن شؤون استخبارات الشرطة الجنائية، يقول فيه إن الاعتقالات قد جرت "بالتعاون مع السلطات القضائية، حتى يتوافر الإطار القانوني اللازم للقبض على المشتبه فيهم والتحقيق معهم"[124]. وعلمت هيومن رايتس ووتش في وقت لاحق من السلطات القضائية أن الشرطة قبضت على هؤلاء الأشخاص دون الرجوع إلى المحاكم وأن القضاة لم يصدروا أي أوامر بالقبض عليهم، بل كان من المفهوم أن الأمر قد صدر مباشرة من وزير الداخلية. أضف إلى ذلك أن الشرطة منعت المحتجزين من الاتصال بأفراد الأسرة أو بالمحامين لمدة لا تقل عن أسبوعين بعد القبض عليهم.

وورد أن أفراد استخبارات الشرطة الجنائية أفرجوا عن 400 منهم في وقت لاحق من اليوم نفسه، واستمروا يحتجزون 118، وبعضهم لما يزيد على سبعة أسابيع، قبل تقديمهم إلى قضاة التحقيق؛ ولم يتضح على أي أساس قرروا الإفراج عن البعض فوراً، واعتقال آخرين. وتحدثت هيومن رايتس ووتش في المحكمة الجنائية المركزية إلى سبعة عشر محتجزاً من قبض عليهم أثناء المداهمة، وكانوا بين الذين أحيلوا إلى قضاة التحقيق خلال أغسطس/آب 2004، وكان من بينهم محمد فاتح نامق، وكان في الثلاثين من عمره ويعمل موظفاً في ورشة لإصلاح زجاج السيارات. وقال:

ألقوا القبض علينا في نحو السادسة مساء، إذ جاءت إحدى دوريات الشرطة، وأجبرنا رجالها على ركوب شاحنات صغيرة، وساقونا إلى وزارة الداخلية. وعندما وصلنا إلى المجمع قسمونا إلى مجموعتين. وأفرجوا عن أفراد المجموعة الكبرى على الفور تقريباً، واحتجزوا الباقين هناك. ولم يكونوا قد وضعوا العصابات على عيوننا حتى تلك اللحظة، وشاهدت خمسة أو ستة رجال يرتدون أقنعة من المخبرين أي الذين جاءوا إلى الشرطة ليبلغوهم بأشياء معينة عن بعض أفراد مجموعتي، إذ إنهم أشاروا إلى بعض الأشخاص قائلين إنهم شاركوا في عمليات اختطاف. ومن ثم نقل هؤلاء إلى الطابق العلوي، ووضعتنا الشرطة في قاعة ضخمة حيث سجلت أسماءنا[125].

وقال محمد إن رجال استخبارات الشرطة الجنائية احتجزوه هناك أسبوعين، وكانوا كثيراً ما يقومون خلال هذه الفترة بالتحقيق الفردي معه ومع أفراد مجموعته، بشأن شتى أنواع الجرائم، بما في ذلك الاختطاف والسرقة. وقال إنهم ضربوه أثناء التحقيق خصوصاً على ظهره وعلى صدره. وقال محتجز آخر كان معه في المحكمة، واسمه أركان رحيم لفته، وهو سائق سيارة أجرة في السابعة والعشرين من عمره - قال لهيومن رايتس ووتش إن المحققين صفعوه وركلوه ولكموه، وضربوه بعصاً من الخشب على جميع أجزاء جسمه[126]. ونقلت الشرطة الرجلين إلى مركز شرطة الكاظمية حيث ظلا محتجزين أسبوعين آخرين دون الإحالة إلى المحكمة. وقال الرجلان إن مسئولي الحجز لم يسمحوا لهما بالزيارات العائلية سواء في مركز توقيف شرطة الاستخبارات الجنائية أو في مركز الشرطة.

واستمعت هيومن رايتس ووتش إلى روايات مماثلة من ثلاثة من المحتجزين الآخرين الذين قُبض عليهم في حملة الدهم بشارع الكفاح ولم يحالوا إلى المحكمة إلا يوم 21 أغسطس/آب، أي بعد القبض عليهم بستة أسابيع. وكان من بينهم سعد حسون كاظم، وهو رجل في التاسعة والعشرين من عمره، من النجف، وكان يعمل في أحد مخابز بغداد في ذلك الوقت، وقال:

كنت داخل المخبز عندما وصلت الشرطة في حوالي الساعة 7:15 مساءً، وبعد أن فتشوني أنا واثنين آخرين، اقتادونا إلى استخبارات الشرطة الجنائية. ومكثت هناك سبعة عشر يوماً. وضعونا في قاعة مع آخرين من مجموعة شارع الكفاح. كان أحدهم صبياً صغيراً يبلغ الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة. وأخذوا مجموعة صغيرة من الذين قبضوا عليهم إلى الطابع السابع [في المبنى الرئيسي للوزارة] وسمعت أن خمسة وعشرين شخصاً من المقبوض عليهم في حملة البتاويين كانوا محتجزين هناك كذلك. ولم يقدموا إلينا أي طعام بل كان علينا أن نشتريه بأنفسنا. ولم يسمحوا لنا هناك بأية زيارات عائلية. وحتى الآن وبعد نقلي إلى مركز شرطة الخضراء، لا يزورني أحد وأسرتي لا تعرف مكان وجودي. والحقيقة هو أن الضابط ضربني أثناء التحقيق معي، وأرغموني في النهاية على توقيع ورقة ما، لكنني لا أدري مضمونها لأنني كنت معصوب العينين آنذاك. وكان معي شخص يدعى حازم حميد، في نحو السابعة والعشرين من عمره، وكان لديه وشم على جبينه، وقد تعرض للضرب المبرح وللتعذيب بالكهرباء[127].

وقال سعد لهيومن رايتس ووتش إن السبب الذي جعل استخبارات الشرطة الجنائية تنقل المحتجزين إلى مختلف مراكز الشرطة كان تعرض مبنى وزارة الداخلية للاعتداء بمدافع الهاون. وأضاف أن الشرطة أرغمته، هو والمحتجزين الآخرين معه في الزنزانة بمركز شرطة الخضراء، على شراء طعامهم بأنفسهم، ولم تسمح له هو وبعض أولئك بتلقي أية زيارات عائلية. ونُقل اثنان آخران من المحتجزين هما موظف في وزارة النفط في السادسة والعشرين من عمره، وحداد في الثامنة عشرة، إلى مركز شرطة بغداد الجديدة، ووصفا المعاملة المماثلة التي تلقياها أثناء احتجازهما لدى استخبارات الشرط الجنائية، بما في ذلك التعرض للضرب والإكراه على توقيع بيانات[128].

وكان ما رواه هؤلاء المحتجزون الأربعة متفقاً مع ما رواه الآخرون الذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم فيما يتعلق باعتقالات شارع الكفاح. وكان معظمهم فيما يبدو قد احتجزوا لمدة تبلغ أسبوعين، في المتوسط، في مجمع وزارة الداخلية قبل نقلهم إلى شتى مراكز الشرطة في أرجاء بغداد. وقال العديد من المحتجزين في مقابلاتهم مع هيومن رايتس ووتش إن استخبارات الشرطة الجنائية استمرت تحتجز ثمانية وأربعين شخصاً من الذين قُبض عليهم في حملة 11 يوليو/تموز، لفترة زادت عن الأسبوعين الأولين، وأنهم كانوا لا يزالون محتجزين هناك حتى أوائل أغسطس/آب 2004، ولكن المنظمة لم تستطع التحقق من صحة ذلك بنفسها. وقال الذين نقلوا على مراكز الشرطة إن أحوال الحجز فيها كانت أفضل بصورة عامة، بما في ذلك السماح لهم بتلقي زيارات أفراد العائلة في معظم الحالات، وعدم التعرض لسوء المعاملة. وقال لفيف منهم لهيومن رايتس ووتش إن المحققين لم يعرضوهم للتعذيب في مركز استخبارات الشرطة الجنائية "بسبب عدم وجود أدلة ضدنا" ولكن بعض الآخرين قالوا إنهم تعرضوا للضرب أو سوء المعاملة لإرغامهم على الاعتراف بارتكاب شتى الجرائم، بما في ذلك السرقة.

وحضرت هيومن رايتس ووتش عدة جلسات وتحدثت مع القضاة بشأن الأدلة التي جمعتها الشرطة، واتفقت آراء القضاة قائلين إنه باستثناء حفنة من القضايا، لا تكاد تكون هناك أدلة يُعتدُّ بها تبرر تمديد فترة الاحتجاز وإنهم لم يجدوا بُدًّا من الأمر بإطلاق سراح المحتجزين. وفي إحدى الجلسات التي حضرتها المنظمة في منتصف أغسطس/آب، مثلاً، أمر قاضي التحقيق بالإفراج عن ستة عشر محتجزاً بعد استجوابهم مدة لم تزد عن دقائق معدودة، قائلاً إنه "لا يوجد شيءٌ في ملفاتهم"[129]. وكانت هيومن رايتس ووتش قد تحدثت مع خمسة من هؤلاء المحتجزين قبل الجلسة، فقالوا إن استخبارات الشرطة الجنائية قد احتجزتهم ستة عشر يوماً قبل نقلهم إلى مركز شرطة الرشاد، وأنهم لم يكونوا يعرفون التهم المنسوبة إليهم، وإنهم قد احتُجزوا في ذلك المركز واحداً وأربعين يوماً قبل مقابلتهم للقاضي. وقال محتجز آخر أحيلت قضيته إلى المحكمة يوم 30 أغسطس/آب، لهيومن رايتس ووتش إن استخبارات الشرطة الجنائية احتجزته خمسة عشر يوماً قبل نقله إلى مركز شرطة الدورة. وبلغ طول المدة التي قضاها في الحجز قبل أن يقابل قاضي التحقيق خمسين يوماً[130]. وعلى غرار ما حدث للكثيرين من زملائه المتهمين، أمر القاضي بالإفراج عنه في ذلك اليوم بسبب عدم وجود أدلة.

وقد أمر قضاة التحقيق بالإفراج عن معظم المحتجزين الذين قبض عليهم في حملة شارع الكفاح وأحيلوا إلى المحكمة الجنائية المركزية، وقال القضاة لهيومن رايتس ووتش في منتصف سبتمبر/أيلول 2004 إنه على الرغم من أن المحاكم لم تنته بعد من نظر القضايا، فإنه لا توجد سوى عشر حالات تتوافر فيها الأدلة الكافية لتبرير تمديد احتجاز المتهمين بما يكفي للانتهاء من التحقيقات الجنائية.

حالات أخرى

وأجرت هيومن رايتس ووتش أيضاً مقابلات مع ثلاثة وثلاثين محتجزاً قبض عليهم خارج نطاق حملات الاعتقال الجماعية، للاشتباه في ارتكابهم شتى الجرائم ومن بينها الاختطاف والقتل العمد وغسيل الأموال. وقد أحيل معظمهم إلى المحكمة الجنائية المركزية عن طريق مديرية الجرائم الكبرى، ومديرية استخبارات الشرطة الجنائية، ومديرية أمن وسلامة الوزارة. وكان معظمهم يحضرون إلى المحكمة للمرة الأولى حتى يقوم قاضي التحقيق باستجوابهم، ولكن عدداً صغيراً من قضاياهم قد وصل إلى مرحلة المحاكمة. وكانت أحاديثهم عن معاملتهم على أيدي المحققين وعن أحوال الحجز بصفة عامة تتسم بالاتساق الشديد فيما بينها، وكانت هناك إصابات ظاهرة على أجساد المحتجزين، في عدة حالات، وكان يبدو أنها حديثة العهد وتتفق مع ما قالوه عن المعاملة التي ذكروا أنهم عانوا منها في الحجز.

ولم يقم مسئولو الاحتجاز بإحضار المتهمين للمثول أمام قاضي التحقيق في غضون أربع وعشرين ساعة من القبض عليهم إلا في ست حالات فقط من الحالات التي فحصتها هيومن رايتس ووتش في المحكمة الجنائية المركزية، بل كان المعتاد هو احتجازهم فترات تتراوح ما بين أسبوع واحد وثمانية أسابيع[131]. ولم يكن يسمح في معظم الحالات للمحتجزين بالاتصال بالمحامي قبل الحضور إلى المحكمة، وكان يمثلهم في المحاكمة محامون عينتهم المحكمة لهم دون أن يكون لديهم علم بقضايا موكليهم أو سابق إطلاع على الأدلة الموجهة ضدهم. ونورد أدناه تفاصيل ست حالات أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع المتهمين فيها أو حضرت جلسات التحقيق معهم، أو قابلتهم وحضرت جلساتهم:

الحالة 1

تحسين خليل إبراهيم، في الثالثة والثلاثين من عمره، من محافظة الواسط، ويقيم في بغداد. قبضت عليه الشرطة يوم 5 أغسطس/آب 2004 في منزله بحيّ الحسين في قطاع الرصافة من المدينة، واتهمته بتيسير ارتكاب حادثة اختطاف وقعت قبل شهر من ذلك التاريخ. وقد احتجزته وأجرت التحقيق معه في مديرية الجرائم الكبرى لمدة خمسة أيام قبل إحالته إلى المحكمة الجنائية المركزية. وكان من بين المحتجزين الكثيرين الذين قالوا إن الشرطة حاولت ابتزاز النقود منه في مقابل الإفراج عنه، وقال لهيومن رايتس ووتش:

داهمت منزلنا فرقةٌ يرتدي أفرادها الزي المدني ويحملون شارات الشرطة وكان ذلك في نحو الساعة السابعة صباحاً. وأخذوا بطاقة هويتي وساقوني إلى [مديرية] الجرائم الكبرى. وقيدوا يديّ في السيارة ثم عصبوا عينيّ لمدة تبلغ خمس ساعات تقريباً بعد أن وصلنا إلى السجن. وتعرضت أثناء التحقيق للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربية. وظللت أسأل الضابط أن يخبرني عن التهمة المنسوبة إليّ حتى أرد عليه، لكنه قال إنه غير مسموح لي بالكلام، واستمر التعذيب وحسب. وكانت جلسات التحقيق تتكون من ضابط واحد رئيسي وضابط آخر أو اثنين يقومان بضربي. وكان ذلك أحياناً ما يستمر لمدة خمس ساعات دون توقف، وعادة بالليل. وقد سمعت بوجود الأمريكيين في السجن ولكنني لم أشاهد أحداً منهم. وقد احتُجِزْتُ في غرفة مساحتها أربعة أمتار في خمسة، وفيها اليوم ثمانية وخمسون محتجزاً. ولم يسمح لنا بزيارات عائلية أو بالاتصال بأحد المحامين. وقد طلبوا مني أن أدفع مليوني دينار في مقابل إطلاق سراحي، لكنني لا أملك هذا المبلغ الهائل. وقد طلبوا من الآخرين أيضاً دفع النقود في مقابل إطلاق سراحهم، خصوصاً مرتكبي جرائم الاختطاف، إذ كانوا يطالبون بدفع مبلغ 10 ألاف دولار أمريكي[132].

الحالة 2

فراس عماد صادق الدليمي، العمر مجهول، يقيم في حي الشعب في بغداد، وهو أحد المحتجزين الثلاثة الذين أحيلوا إلى المحكمة الجنائية المركزية في 18 أغسطس/آب 2004، بتهمة ارتكاب العديد من الجرائم ومنها السرقة والاختطاف والقتل العمد. وقد قبض عليه أفراد مديرية استخبارات الشرطة الجنائية يوم 23 يونيو/حزيران 2004، واحتجزوه ثمانية أسابيع قبل إحالته إلى قاضي التحقيق. وعندما شاهدته هيومن رايتس ووتش يوم 18 أغسطس/آب، كان فراس في حالة صحية سيئة، إذ كان به عرجٌ نتيجة الإصابة الظاهرة لقدمه اليسرى، وكانت ذراعه اليمنى تسندها حمالة مؤقتة، كما شاهَدَتْ في أعلى ذراعه اليسرى تهتكاتٍ واضحةً ومحمرَّة، وكانت فيما يبدو حديثة العهد، وكان يجد صعوبة، على ما يظهر، في التركيز، ويعاني من ألم واضح.

وعند استجواب فراس في جلسة التحقيق الخاصة به والتي حضرتها هيومن رايتس ووتش، اعترف بأنه شارك في اختطاف شخصين وطلب فدية مقابل إطلاق سراحهما قدرها (1150000 دينار عراقي)، وبأنه حصل على تلك الفدية؛ وأنكر التهم الأخرى الموجهة إليه. وعندما سُئِلَ عن الإصابات التي لحقته قال للقاضي إن إصابات ذراعه اليسرى (وهي كسرٌ في العظام وجُرْحٌ في أعلى الذراع) وقعتْ يوم القبض عليه عندما انقلبت سيارته أثناء مطاردة الشرطة له. وقال إنه لم يتلق أي علاج في الحجز لذراعه المكسورة، وإن رجال الشرطة ضربوه بعصا خشبية على الجرح في أعلى ذراعه اليسرى أثناء التحقيق معه. وأضاف أنهم ضربوه على قدمه اليسرى حيث أجريت له فيها عملية جراحية في الماضي، الأمر الذي جعله يعرج من الألم.

وأمر قاضي التحقيق بإحالة فراس إلى الفحص الطبي للبت في صحة ما زعمه من تعرضه للتعذيب. وذهبت هيومن رايتس ووتش إلى معهد الطب العدلي الذي تحال إليه عادة أمثال هذه الحالات، ولكنها لم تجد في السجل ما يدل على أن مسئولي الحجز قد نفذوا أمر الإحالة الذي أصدره القاضي في الأسابيع الأربعة التالية لمثول فراس في المحكمة يوم 18 أغسطس/آب.

الحالة 3

خالد محمد عطية عباس البديري: في السادسة والثلاثين من عمره، وأب لأثنين، من بغداد، ومتهم بسرقة مبلغ هائل من المال من البنك المركزي العراقي، في أعقاب سقوط حكومة صدام حسين. وقال لهيومن رايتس ووتش إنه تعرض للقبض عليه ثلاث مرات بنفس التهمة، واحتجزته القوات الأمريكية في إحدى تلك المرات. وآخر مرة قبض عليه فيها كانت يوم 20 أغسطس/آب 2004، واحتجزته الشرطة في مديرية الجرائم الكبرى في الرصافة. وقال لهيومن رايتس ووتش:

قبضوا عليّ استناداً إلى المعلومات التي أدلى بها إليهم مخبر سري. أخذوني وقت الغداء قبيل صلاة الظهر، من موقف سيارات في حي الإسكان. كانوا ثمانية يرتدون ملابس مدنية ويقودون سيارتين مدنيتين. قيدوا يديّ وغمّموا عينيّ، وصوبوا سلاحاً إليّ لإرغامي على ركوب السيارة. وعندما وصلنا إلى مبنى [مديرية] الجرائم الكبرى، تلقيت ضربة شديدة على ظهري حتى دون أن يسألني أحد سؤالاً واحداً. ثم أدخلوني في غرفة صغيرة كان بها أكثر من خمسين شخصاً. كان التكدس شديداً حتى وجدت صعوبة في التنفس. وفي وقت لاحق من عصر ذلك اليوم، نقلوني إلى غرفة أخرى حيث اتهمني النقيب [الاسم محذوف] بأنني سرقت من البنك (1,300,000000 دينار). وأجبت قائلاً إنني لو كان لدي ذلك المبلغ الهائل لما مكثت في العراق. وغادر الغرفة. وفجأة وجدت نفسي هدفاً للضرب الذي ينهال عليّ من جميع الجهات. واستخدموا أنبوباً معدنياً في ضربي على الظهر، وما زالت آثاره بادية...

تركوا يديّ مقيدتين بقيود حديدية لمدة يومين. ثم أخذوني إلى غرفة أخرى كان بها نحو خمسة وسبعين أو ثمانين محتجزاً. لم يكن المكان يتسع حتى للجلوس على الأرض. وكان الجميع، فيما يبدو، مصابين بالقمل. وفي اليوم الثالث عادوا للتحقيق معي. وهذه المرة فكوا قيود يديّ ورفعوا العصابة عن عينيّ. وقال النقيب: "لدينا معلومات استخبارية عنك، لكن إذا لم تتكلم فلن نطلق سراحك". وهددني باستعمال الصدمات الكهربية، وقال إنه سوف يأتي بوالديّ ويعذبهما أمام عينيّ. وهكذا اضطررت للموافقة، ووقعت بياناً أعترف فيه بأنني سرقت مبلغاً أقل، وهو 350 مليون دينار[133].

وقال خالد لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة قد قبضت على أخويه رائد، وهو في الثلاثين من عمره، ورعد، وهو في السادسة والعشرين، قبل ذلك بخمسة شهور، في نفس القضية الخاصة بسرقة البنك. وقامت الشرطة بتعذيبهما أثناء احتجازهما بمركز شرطة بلاط الشهداء، وقال إنه لم يعرف بذلك إلا حين زارتهما أمهم هناك. وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة شخصية منفردة مع رائد بعد ذلك بنحو ستة أسابيع أثناء زيارة إلى محكمة جنايات الكرادة (انظر الملحق، الحالة د).

الحالة 4

محمد حسن السيد مُلاّ حسن: كردي في الحادية والأربعين من عمره، من السليمانية، قبض عليه في 20 أغسطس/آب 2004 أفرادُ مديرية أمن وسلامة الوزارة. وكان من بين سبعة أشخاص قُبض عليهم أثناء انقضاض الشرطة على فندق في حي البتاويين في بغداد، وكان خمسة منهم من نزلاء الفندق والآخران من العاملين به، وقال لهيومن رايتس ووتش عندما أحيل إلى المحكمة بعد ذلك بأسبوع إنه جاء إلى بغداد من السليمانية لإجراء جراحة في رجله، ولم يكن قد أجراها بعد عندما ألقوا القبض عليه. وطبقاً لما يقوله:

كان عددهم كبيراً، يرتدون الملابس المدنية ويحملون الأسلحة. وكانت الساعة في نحو العاشرة مساءً، وكنت في غرفتي آنذاك، فأخذوني وأخذوا كذلك أحد أصدقائي. وعصبوا عينيّ ولم يقولوا لي سبب القبض عليّ. ولم أعرف أين أخذوني إذ كنت وظللت معصوب العينين ثلاثة أيام ودون استجواب. وعندما بدأوا التحقيق معي سألوني عن سيارة مُفَخَّخة واتهموني بأنني جئت بها من الفلوجة إلى بغداد. وقلت لهم إنني لا أعلم شيئاً عنها. وكنت معصوب العينين أثناء التحقيق معي طوال الوقت، وفي النهاية طلبوا مني التوقيع على ورقة حتى وأنا معصوب العينين. وضربوني بالكابلات والصوندات على ظهري وعلى رجليّ. وحدث الشيء نفسه لصديقي حيدر. وقالوا لنا قبل الحضور إلى المحكمة إننا إذا لم نعترف أمام قاضي التحقيق، فسوف نلقى المعاملة نفسها عند العودة إلى الزنزانة. ولم يسمح لنا بزيارات أفراد العائلة ولم تُتَحْ لنا إمكانية الاتصال بأحد المحامين[134].

وتحدثت هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى موظفيْ الفندق اللذين قُبض عليهما في الحملة نفسها، وكان الأول يعمل موظف استقبال والآخر من عمال النظافة[135]. ورويا قصصاً مماثلة للحملة وما تلاها من احتجازهما. وعندما شاهدت هيومن رايتس ووتش هذه المجموعة في المحكمة، كان العديد منهم شبه عارٍ، إذ كان البعض لا يرتدي إلا سروالاً، وآخرون بفانلة دون قميص. وتقدم أحد الذين يرتدون قميصاً بإعارته إلى الآخرين كلما حان دور أحدهم للمثول أمام قاضي التحقيق. وأوضحوا له أنه حين قبضت الشرطة عليم لم تُتح لهم فرصة ارتداء ملابس، بل ألقت القبض عليهم بالملابس التي تصادف أنهم كانوا يرتدونها في تلك اللحظة.

وفي نهاية جلسة التحقيق التي حضرتها هيومن رايتس ووتش، أمر القاضي بتجديد احتجازهم لمدة يومين حتى يتمكن من استجواب المخبر السري الذي أدلى بالمعلومات التي أدت إلى القبض عليهم. وقال أحد المسئولين بمديرية أمن وسلامة الوزارة، وكان قد اصطحب المتهمين إلى المحكمة، إنه يطلب نقلهم إلى حجز مديرية الجرائم الكبرى ريثما يحين موعد جلسة المحاكمة التالية. وقال للقاضي في حضور هيومن رايتس ووتش، إن المكان لا يتسع بالوزارة لاستمرار احتجازهم فيها، وإن أفراد المديرية يحتجزون المتهمين في غرفة أحد الضباط. وقام القاضي في اليوم التالي باستجواب المخبر السري أي يوم 29 أغسطس/آب، وبعدها أمر بالإفراج عن سبعة من المتهمين بسبب نقص الأدلة.

الحالة 5

سيف سعد إلياس، عراقي في الثلاثين من عمره يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان يزور بغداد عندما قبضوا عليه يوم 5 فبراير/شباط 2004. وقال لهيومن رايتس ووتش إنه كان في منزله في حي العلوية بالمدينة عندما وصل رجال الشرطة:

بدأوا يضربونني وهم يفتشون المنزل، لكنهم لم يجدوا شيئاً. ثم اقتادوني إلى أحد فروع مصرف الرشيد، حيث فهمت فيما بعد وجود مخبر سرّي فيه. واتهموني بأنني سرقت المال من البنك أثناء الأحداث [سقوط حكومة صدام حسين في إبريل/نيسان 2003] لكنني كنت في ديالى في ذلك الوقت. ثم أخذوني إلى مركز شرطة بغداد الجديدة حيث تلقيت المعاملة نفسها، إذ عمموا عينيّ وقيدوا يديّ وضربوني بالعصيّ والقضبان المعدنية لإرغامي على الاعتراف بالسرقة. ومكثت هناك لمدة تزيد على شهر ثم نُقلت إلى مركز شرطة العلوية، ثم إلى سجن التسفيرات لمدة ثلاثة أشهر. وبعد ذلك قضيت شهرين في أبو غريب، ثم عدت إلى التسفيرات. وكان والدي قد دفع للشرطة حتى تلك اللحظة للشرطة مبلغاً يتراوح بين عشرين وخمس وعشرين ورقة [2000 – 2500 دولار أمريكي] في مقابل إطلاق سراحي لكنهم لم يفرجوا عني بعد، فهم يطلبون ثلاثة دفاتر [30 ألف دولار أمريكي][136].

وبعد حضور سيف إلى المحكمة يوم 18 سبتمبر/أيلول 2004، عاد إلى مديرية الجرائم الكبرى. وأخبر مسئولو الشرطة هيومن رايتس ووتش إن مكتب غسيل الأموال بالمديرية كان يريده لمزيد من الاستجواب.

الحالة 6

ياسر عبد الحميد عبد الرزاق، وعمار عبد الحميد عبد الرزاق، وفاروق كريم محيي زامل: أخَوَان وخالُهم، قُبِض عليهم في أواخر يناير/كانون الثاني وأوائل فبراير/شباط 2004، واحتجزوا في مركز مديرية الجرائم الكبرى في العامرية. وقام المحققون باستجوابهم بشأن عدة جرائم من بينها السرقة والاختطاف. وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة معهم في أوائل سبتمبر/أيلول 2004 في محكمة جنايات الكرادة، حيث استدعتهم الشرطة للإدلاء بشهاداتهم في قضية أخرى. وقال الخال، فاروق كريم محيي زامل، البالغ من العمر 39 سنة، لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة قبضت عليه مع أحد ابني أخته، وهو عمار، يوم 4 فبراير/شباط 2004:

أثناء التحقيق ضربوني بقبضات أيديهم وركلوني. وتعرضت للتعذيب بالصدمات الكهربائية في أذني وأعضائي التناسلية. كما ضربوني أيضاً بزجاجات من البلاستيك مملوءة بالماء، وهي التي سببت لي آلاماً شديدة، خصوصاً في جانب من ذراعي اليسرى حيث أجريت عملية جراحية لإصلاح تشويه به. وكان من نتيجة ذلك أن تورمت ذراعي وأصيب الجرح بالتلوث الجرثومي لكنني لم أتلق أي علاج طبي لذلك. واستمر التحقيق أربعة أيام دون توقف، مع استمرار الضرب والتعذيب. وفي يوم 23 فبراير/شباط أصدر قاضي التحقيق [بالمحكمة الجنائية المركزية] أمراً بإرسالي إلى [معهد] الطب العدلي بعد أن أخبره ابن أختي، ياسر، عن التعذيب الذي أتعرض له. لكنهم لم يرسلوني إلى ذلك المعهد مطلقاً، بل عادوا إلى تعذيبي من جديد، وفي 12 مارس/آذار نقلوني إلى [سجن] التسفيرات في الرصافة. ولم أتعرض للتعذيب أو للتهديد من جانب أحد هناك، ولكننا مازلنا هناك، وجئنا للمحكمة اليوم فقط كشهود في قضية أخرى[137].

وقال ياسر، ابن أخت فاروق، وهو في الحادية والثلاثين من عمره، لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة قبضت عليه قبل أن تقبض على خاله وأخيه بثمانية أيام، في 27 يناير/كانون الثاني 2004. وطبقاً لمـا رواه، كان قد ذهب إلى مركز شرطة السعدون للرد على التهم التي وجهها إليه أحد رجال الشرطة هناك، واحتجزته الشرطة عند ذلك. وقال إنه يعتقد أن السبب الحقيقي للقبض عليه هو إدلاؤه بشهادة ضد أحد رجال الشرطة في قضية من قضايا الفساد، تتعلق بابتزاز المال من المحتجزين في مقابل إطلاق سراحهم، وأن رجل الشرطة المذكور قام عندها بتوجيه اتهامات مُلفقّة إليه:

تعرضت في البداية للضرب أثناء التحقيق، خصوصاً بالفلقة، لمدة يوم ونصف، إذ عصبوا عينيّ وقيدوا يديّ وراء ظهري، وأخذ ثلاثة منهم يركلوني في كل مكان بجسدي، كما استعملوا الكهرباء بتوصيل أسلاك إلى أذنيّ. وكانوا يحضرون الأشخاص إلى مركز الشرطة ليروا إن كان أحدهم سوف يتعرف عليّ باعتباري مرتكب شتى جرائم السرقة والاختطاف، وتكرر هذا سبع مرات دون أن يتعرف عليّ أحد. وفي يوم 29 يناير/كانون الثاني أحالوني إلى المحقق العدلي، وفي منتصف فبراير/شباط نقلوني إلى [مديرية] الجرائم الكبرى. وفي 23 فبراير/شباط أحالوني إلى قاضي التحقيق، فأخبرته أن خالي فاروق يتعرض للتعذيب، هو وغيره. وأمر القاضي بإحالة خالي إلى [معهد] الطب العدلي، واستدعى منسق الشرطة بالمحكمة وسلمه الأمر المكتوب، وهدده بالقبض عليه إذا لم يقم بتنفيذ الأمر. وبعد الجلسة عدت إلى [مديرية] الجرائم الكبرى حيث لم يسيئوا إليّ ولكنهم أخذوا فاروق وعذبوه من جديد بالفلقة والكهرباء ستة أيام. وسألوه لماذا اشتكى، عن طريقي، من التعذيب، وقالوا له إنه إذا عاد إلى ذلك فسوف يوجهون إليه تهماً جديدة. وعلى أية حال لم يأخذوه إلى [المعهد] لإجراء الفحص الطبي. والسبب الوحيد الذي جعلهم يعاملوننا هذه المعاملة هو أننا لا نملك نقوداً. ولكنهم أخذوا أموالاً طائلة من آخرين وأطلقوا سراحهم[138].

وفي 12 مارس/آذار نُقل فاروق وابنا أختـه إلى سجن التسفيرات في الرصافة، وبقوا فيه حتى شهر مايو/أيار، ثم نقلوا إلى سجن أبو غريـب حيث ظلوا نحو أربعين يوماً ثم عادوا إلى سجن التسفيرات في أوائل يونيو/حزيران 2004. وعندما أجرت هيومن رايتس ووتش تلك المقابلات معهم كان الثلاثة قد قضوا ما يقرب من ثمانية أشهر رهن التوقيف.

وكان المتهمون، أثناء العديد من المحاكمات التي حضرتها هيومن رايتس والمتعلقة بالجرائم الخطيرة، يقولون لهيئة المحكمة إن الشرطة قد عذبتهم أثناء التحقيق؛ وجدير بالذكر أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص على عدم جواز إكراه المتهم على الاعتراف بأي ذنب[139]. وقد أفتت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بأن الدولة هي التي تتحمل عبء إثبات أن المتهم قد أدلى باعترافه دون إكراه[140]. وفي القضايا الثلاث التالية لم يتضح إذا ما كان القضاة قد أقاموا أحكامهم على أساس اعترافات جاءت، فيما زُعم، نتيجة التعذيب.

في 31 يوليو/تموز 2004 جرت محاكمة لثلاثة متهمين بالسرقة، وقال كل منهم إنه تعرض للضرب أو التعذيب منذ القبض عليهم في 28 سبتمبر/أيلول 2003. وقال أحدهم للقاضي إن ضابط التحقيق أملى "الاعتراف" عليه. كما قال إنه أصيب بجرح من رصاصة في ساقه اليسرى أثناء القبض عليه، ولم يعالج في الوقت المناسب، الأمر الذي أدى إلى بتر تلك الساق تحت الركبة. وكان المتهمـون الثلاثة في هذه القضية من بين سبعة متهمين في قضية أخرى بتهمة اختطاف فتاة في السابعة من عمرها طلباً للفدية، وأجريت محاكمتهم كذلك في اليوم نفسه. وفي أثناء مداولات هيئة المحكمة تحدثت هيومن رايتس ووتش مع المتهمين السبعة، وقد أجمعوا على أن المحققين في مديرية الجرائم الكبرى قد قاموا بتعذيبهم نحو ثلاثة أسابيع بعد القبض عليهم في سبتمبر/أيلول 2003 وكان من أساليب التعذيب المذكورة التعليق من مقابض الأبواب فترات طويلة والأيدي مقيدة وراء ظهورهم؛ والصدمات الكهربية الموجهة لشحمة الأذن؛ ونزع أظافر اليد والقدم؛ والضرب المبرح باستخدام العصي الخشبية والكابلات والأحزمة[141].

وعلى الرغم من أن المتهمين قد عرضوا على هيومن رايتس ووتش الندوب المتبقية في شتى مناطق أجسامهم، قائلين إنهم أصيبوا بها من جرّاء التعذيب، فإن التعذيب الذي قالوا به كان قد مضت على وقوعه عشرة شهور. ولم تتوافر أية تقارير طبية تَبُتُّ في طبيعة الإصابات التي وصفوها، وهذا يعني إما أنهم لم يدلوا بأقوال تفيد ذلك عندما مثلوا أمام قاضي التحقيق أول مرة، وإما أنه لم يصدر أي قرار بإحالتهم للكشف الطبي. وفي المحاكمة الأولى حكم القاضي بالسجن ست سنوات على كل متهم[142]. وفي المحاكمة الثانية حكم على ستة من المتهمين بالسجن المؤبد وبالبراءة على السابع بسبب نقص الأدلة[143].

وفي قضية أخرى أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع متهمين اثنين كانا يحاكمان يوم أول أغسطس/آب 2004 بتهمة السطو المسلح في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، وقال كلاهما لهيئة المحكمة إن الشرطة قد عذبتهما ابتغاء انتزاع الاعترافات منهما أثناء احتجازهما في مديرية الجرائم الكبرى، وقال أحدهما واسمه صباح على حمادي لهيومن رايتس ووتش:

عذبوني بربط الأسلاك إلى أعضائي التناسلية وتوصيل الكهرباء بها لإرغامي على الاعتراف. كما ضربوني على كعب قدمي اليسرى، وكان في داخله قضيب من البلاتين رُكِّب في عملية جراحية قديمة. وضربوني في تلك المنطقة بالكابلات وبالعصيّ الخشبية، مما سبب لي آلاماً مبرّحة، وقيدوا يديّ من المعصم خلف ظهري، وعلقوني فترة طويلة، مما تسبب في خَلْع أحد مفاصل كتفي. وحاولوا إرغامي على الجلوس فوق رقبة زجاجة مكسورة ولكنني لم أجلس. كنا جميعاً في زنزانة جماعية، نحو 17 من المحتجزين الذين حُشروا في الزنزانة معاً. لم نستطع الاتصال بأي المحامين، ولم يزرنا أحد من أفراد الأسرة. وكان التعذيب يجري عادة بعد الخامسة عصراً، عند مغادرة الأمريكيين. كانوا يعصبون عيوننا ويقتادوننا في عربة إلى مبنى قريب على مسيرة دقائق معدودة بالسيارة، وعادة أثناء الليل، للتحقيق معنا وللتعذيب. ومكثتُ شهرين في مديرية الجرائم الكبرى حتى حان موعد نقلي إلى أبو غريب في منتصف يناير/كانون الثاني 2004[144].

وروى زميله في التهمة عيسى عبود سردار قصة مماثلة عن معاملته في الحجز، إلى هيومن رايتس ووتش فقال إن المحققين كانوا عادة ما يقومون بتعذيبه وهو معصوب العينين ويداه مقيدتان خلف ظهره، وأنهم ذات مرة استمروا في التحقيق معه سبع ساعات دون توقف. وقال إن الأحوال تحسنت بعد الانتقال إلى أبو غريب، وأضاف "كانت معاملة الأمريكيين لنا أفضل كثيراً. وأثناء وجودي هناك احتجت إلى إجراء جراحة لاستئصال الزائدة الدودية، فدبروا لي إجراءها. ولو كنت عند العراقيين ما فعلوا. المعاملة بشعة على أيدي العراقيين. لا يزال صدام موجوداً هنا معنا"[145]. وعلى نحو ما حدث للمتهمين الآخرين الذين حضرت هيومن رايتس ووتش محاكماتهم، أخبرهما القاضي الذي كان يرأس المحكمة أن عليهما أن يدعما أي مزاعم تعذيب بشهادات طبية. ولم تكن لدى أيهما هذه الشهادات في هذه القضية، فنظرت المحكمة فيها وفحصت أدلة الإثبات المتوافرة ضدهما، وحكمت على كل منهما بالسجن ثماني سنوات[146].

VIII. التعذيب وسوء معاملة الأطفال المحتجزين في مراكز توقيف الكبار

لا تزال هيومن رايتس ووتش تتلقى أنباء عن الأطفال المحتجزين مع الكبار في مراكز توقيف الكبار الخاضعة للولاية القضائية لوزارة الداخلية. ومن بين هؤلاء الأطفال بعض المشتبه فيهم جنائياً وآخرون يشتبه في أنهم شاركوا في الاشتباكات مع القوات الحكومية، بما في ذلك من يشتبه في صلتهم بجيش المهدي. وكان العديد من المحتجزين البالغين الذين قبض عليهم في سياق الاشتباكات التي وقعت في النجف في أغسطس/آب 2004 قد أخبروا هيومن رايتس ووتش أنهم شاهدوا أطفالاً صغاراً معهم في نفس الزنزانة، وقدّروا أعمارهم بأنها تتراوح ما بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة. وكذلك قال المحتجزون البالغون المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة إن العديد من الأطفال محتجزون معهم في مركز التوقيف التابع لمديرية الجرائم الكبرى بالعامرية. وقال مسئولو الشرطة لهيومن رايتس ووتش أيضاً إن لديهم في الحجز أطفالاً.

وقد انضمت العراق إلى اتفاقية حقوق الطفل[147] في عام 1994، وهي التي تنص على فصل الأطفال الذين يحرمون من حريتهم عن البالغين "إلا إذا كانت مصلحة الطفل تقضي بخلاف ذلك"، وأما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فلا يتضمن مثل هذا الاستثناء[148].

وحق المحتجزين من الأطفال في أن يُفصلوا عن البالغين منصوص عليه أيضاً في قانون رعاية الأحداث العراقي[149]. إذ تنص المادة 52 (2) من هذا القانون على أنه إذا لم تتوافر في بعض المناطق مراكز توقيف منفصلة، فيجب اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الأطفال من الاختلاط مع المحتجزين البالغين. وتقول بذلك أيضاً الأوامر التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة، وعلى وجه التحديد إنه "يتم الفصل بين السجناء القصر الذين لم يقدموا للمحاكم بعد، والسجناء البالغين، ويحتجزون في سجون منفصلة حيثما أمكن "[150].

ولكن هذا النص على ضرورة الفصل بين الكبار والصغار في الحجز لم يُنفذ في بعض الحالات. وقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن السبب في هذه الحالات يرجع أحياناً إلى أن الشرطة تقبض على الأطفال في إطار حملة دهم واسعة النطاق في منطقة معينة، وكانت تقبض على عشرات الأشخاص، وأحياناً على المئات في سياق الجهود الحكومية للقضاء على الجرائم المصحوبة بالعنف. ودائماً ما تقوم الشرطة بهذه الحملات دون استصدار إذن بالقبض على أحد، وأحياناً ما يكون الأطفال بين المقبوض عليهم[151]. إذ قال الجنود الأمريكيون التابعون لجيش الحرس الوطني في ولاية أوريغون، مثلاً، إنهم شاهدوا، بين الأشخاص المقبوض عليهم في حي البتاويين يوم 27 يونيو/حزيران، والبالغ عددهم 149 شخصاً، صبياً صغيراً، قالوا إنه في الرابعة عشرة من عمره بين المحتجزين الذين تعرضوا لسوء المعاملة في المكان التابع لوزارة الداخلية[152]. وتحدثت هيومن رايتس ووتش في المحكمة الجنائية المركزية إلى زوجة أحد المحتجزين الذين قبض عليهم في حملة البتاويين، وقالت إن الشرطة قبضت لا على زوجها فقط بل على أخيه أيضاً [وهيومن رايتس ووتش حجبت اسمه] والبالغ من العمر أربعة عشر عاماً يوم 27 يونيو/حزيران:

حاولت إقناعهم بنقله من [مديرية] شرطة الاستخبارات الجنائية إلى [سجن] التسفيرات، لكن المسئولين هناك رفضوا قبوله لحداثة سنه، وقالوا إنه يجب أن يذهب إلى سجن الأحداث. ولكن المسئولين في سجن الأحداث لم يقبلوه أيضاً بسبب عدم اكتمال أوراقه، وهكذا ظل في الاستخبارات. ومكث هناك مدة تزيد على شهر، ثم جاءوا به إلى محكمة [الجنايات] المركزية، وأمر القاضي بإطلاق سراحه. وعندما جاءوا به إلى المحكمة، قال له المحقق القضائي إنه قد اعترف، طبقاً لما جاء في ملف الدعوى، بحيازة المخدرات عند القبض عليه. لكنه قال إنه لم يُدْل بمثل ذلك الاعتراف، وأنه أُرغم على توقيع بيان وهو معصوب العينين، وأنه تعرض للضرب على ظهره وبالفلقة[153].

وقال أربعة من المحتجزين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم، وكانوا من مجموعة البتاويين، في أكتوبر/تشرين الأول 2004، إن ثلاثة أطفال كانوا بين المقبوض عليهم (انظر عاليه) وقال أحد الذين أجريت مقابلات معهم، وهم مواطن سوداني، إن الأطفال "جيء بهم إلى مركز توقيف وزارة الداخلية معنا، وتعرضوا للضرب والتعذيب مثلنا، وقد ظلوا هناك خمسة عشر يوماً، وعندما انتقلنا إلى [سجن] التسفيرات، رفض المسئولون هناك قبولهم، ولم نعرف ماذا حدث لهم بعد ذلك، ولكننا سمعنا أنهم قد أطلق سراحهم"[154].

وفي أمثال هذه الحالات، أي عندما لا تجد الشرطة وثائق الهوية التي يثبت فيها تاريخ ميلاد الحدث، فعادة ما تحتجزه الشرطة مع المحتجزين الآخرين وتعامله نفس المعاملة. ويصدق هذا بصفة خاصة على الحالات التي تكون فيها أعمار الأطفال دون الثامنة عشرة بقليل ولا يدل مظهرهم الجسدي على أنهم في الحقيقة أطفال. وقد صادفت هيومن رايتس ووتش عدة حالات من هذا النوع في المحكمة الجنائية المركزية، حيث كانت أجهزة وزارة الداخلية قد احتجزت الأشخاص أياماً أو أسابيع متوالية قبل إحالتهم إلى قاضي التحقيق. ولما كانوا قد منعوا من الاتصال بأفراد الأسرة أو المحامين، فإن مثولهم أمام قاضي التحقيق يعتبر أول فرصة تتاح لهم لإطلاع المسئولين – بخلاف الذين يحتجزونهم أو يحققون معهم – على أنهم أطفال. ولا يبدو أن مسئولي مديرية الجرائم الكبرى يبذلون أي جهد لتحديد أعمار هؤلاء المحتجزين مسبقاً، وقال الكثيرون من قضاة التحقيق لهيومن رايتس ووتش إنهم عادةً ما يأمرون سلطات الشرطة في أمثال هذه الحالات بالاتصال بأسر المحتجزين ابتغاء الحصول على التحديد المطلوب للعمر، أو يطلبون من الأطفال أنفسهم أني قوموا بذلك.

ولكن أحداً لا يقوم في العادة بمهمة المتابعة لضمان تنفيذ سلطات الشرطة لقرارات القضاة بصورة ناجزة وفي الوقت الصحيح، فالمحتجزون أنفسهم لا يكونون كقاعدة عامة في موقف يتيح لهم هذه المتابعة بأنفسهم حتى يحين نقلهم إلى مكان احتجاز تسمح السلطات فيه بالزيارات العائلية، مثل مراكز الشرطة أو سجن التسفيرات، وقد يستغرق ذلك عدة أيام أو أسابيع. ولم يكونوا يستطيعون بصفة عامة أن يعتمدوا على محاميهم للقيام بدلاً عنهم بهذه المهمة، فالمحامون الذين تُعَينهم المحكمة يرون أن دورهم يقتصر على قاعة المحكمة، ولا يقومون عملياً إلا بمهام لا تذكر، أو بأية مهام على الإطلاق، لصالح موكليهم خارج نطاق جلسات التحقيق أو جلسات المحاكمة، وهم يمثلون الغالبية العظمى من المحتجزين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم.

وفي حالة عدم توافر أوراق تحديد الهوية، قد يلجأ قضاة التحقيق في بعض الأحيان إلى إحالة المحتجزين إلى معهد الطب العدلي في بغداد لإجراء الاختبارات اللازمة لتحديد أعمارهم[155]. ولكن الواقع يقول إن هذه الإحالة نادرة، بل إن أحد قضاة التحقيق قال لهيومن رايتس ووتش إنه في كثير من الأحيان لا يكون في صالح المحتجز تقدير عمره، لأن ذلك ليس سوى تقدير، وقد يُظنُّ أن المتهم تجاوز الثامنة عشرة[156]. وقد فحصت هيومن رايتس ووتش سجلات الإصابات الخارجية في معهد الطب العدلي فوجدت أن قضاة التحقيق لم يحيلوا إليه أحداً في الفترة من أول يونيو/حزيران إلى 14 سبتمبر/أيلول 2004، رغم مرور عدة حالات من هذا النوع في المحاكم المختلفة في الفترة نفسها. وطبقاً لما قاله بعض القضاة، كان المحتجزون يزعمون أحياناً أنهم أطفال على أمل نقلهم إلى مركز توقيف للأحداث حيث أحوال الحجز أفضل، وعلى أمل معاملتهم معاملة أقل شدة.

وأقر مسئولو القضاء والشرطة لهيومن رايتس ووتش بأن من الحكمة إفادة أمثال هؤلاء المحتجزين من الشك وضمان نقلهم إلى مراكز توقيف الأحداث حتى يتسنى البت في سنّهم، لكنهم أوضحوا أن هذه المراكز لا تقبل كقاعدة عامة أي نزيل تحتجزه دون توافر أوراق الهوية التي تثبت أنهم أطفال. وقال مسئولو الشرطة في المحكمة الجنائية المركزية أيضاً إن رجال مديرية الجرائم الكبرى ليست لديهم المراكز الكافية لفصل الأطفال المحتجزين عن الكبار. وأيَّاً ما كان الخيار المطبق في محاولة تحديد سنّ المحتجزين الذين يقولون إنهم أطفال، فجميع الخيارات تستتبع فترات تأخير متواصلة، ويظل المحتجزون خلالها ينزلون في مراكز توقيف الكبار، كما يتعرضون للمعاملة نفسها، بما في ذلك التعذيب.

وكان من بين الأحداث المحتجزين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش فتًى يُدعى فيصل [وهيومن رايتس ووتش حجبت باقي الاسم] وهو تلميذ بالمدرسة يقيم في منطقة أبو غريب في بغداد، وقال إنه يبلغ الخامسة عشرة من عمره، وألقت الشرطة القبض عليه مع ابن خاله يوم 25 يوليو/تموز 2004 بعد اتهامهما بالتورط في اختطاف أحد المواطنين اللبنانيين قبل ذلك بأسبوع. وقال فيصل لهيومن رايتس ووتش:

أذكر أن ذلك كان يوم الأحد. قبضت عليّ شرطة الاستخبارات الجنائية، وساقتني إلى [وزارة] الداخلية، واحتجزتني في الطابق السابع، في زنزانة مع اثنين وعشرين رجلاً بالغاً. وأثناء التحقيق عصبوا عينيّ وقيدوا يديّ خلف ظهري ثم ضربوني بالكابلات والفلقة. وظللت أكرر أنه لا شأن لي بحادث الاختطاف، وليس لديّ ما أدلي به بخصوصه. عاملوني معاملة بالغة السوء في ذلك المكان، ولم يقدموا إلينا أي طعام، وكان علينا أن نشتريه بأنفسنا[157].

وقام أفراد شرطة الاستخبارات الجنائية بنقل فيصل إلى مركز شرطة القناة قبيل مثوله أمام المحكمة[158]. وقدم في جلسة التحقيق معه في وقت لاحق من اليوم نفسه، وهي الجلسة التي حضرتها هيومن رايتس ووتش، وصفاً للمعاملة التي تلقاها في الحجز[159]. وعندما طلب منه القاضي إثبات عمره قال إنه لا يملك وسيلة تقديم أوراق هوية لأنه ممنوع من الاتصال بالعالم الخارجي ولا يسمح له بالزيارات العائلية. وعرض على القاضي أن يذكر اسم مدرسته حيث يمكن للمُعلّمين فيها أن يشهدوا بأنه مازال تلميذاً ويحددوا سِنّه، وقرر القاضي في هذه القضية أنه – تجنباً لمزيد من التأخير وتحاشياً لاحتمال تقرير الأطباء في معهد الطب العدلي بأنه قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره – على سلطات الحجز أن تتصل بأسرته للحصول منها على أوراق الهوية اللازمة. وبعد ستة أيام، وفي غضون متابعة هذه القضية، قال قاضي التحقيق لهيومن رايتس ووتش إن أحداً لم يقدم إليه أية أوراق هوية حتى تلك اللحظة. وفي اليوم نفسه، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع ثلاثة من المحتجزين لدى شرطة الاستخبارات الجنائية، وقالوا للمنظمة إنه يوجد معهم في الغرفة نفسها "حدثان أو ثلاثة أحداث" وأحدهم متهم بالتورط في اختطاف مواطن لبناني[160]. وفي آخر الأمر قام مسئولو الشرطة بنقل فيصل إلى سجن الأحداث في أوائل سبتمبر/أيلول، وكان ذلك طبقاً لما قاله قاضي التحقيق المكلّف بهذه القضية، عندما جاء أقاربه إلى المحكمة بأوراق تثبت سنه. ومعنى هذا أنه ظل محتجزاً لدى شرطة الاستخبارات الجنائية لمدة لا تقل عن شهر مع المحتجزين البالغين، وأسبوعين آخرين في مركز الشرطة، قبل الوصول إلى مركز توقيف الأحداث.

وفي قضايا عديدة أخرى شهدتها هيومن رايتس ووتش كان المحتجزون، على ما يظهر، عاجزين عن معرفة سنهم على وجه الدقة، لم يكن بمقدورهم سوى ذكر العام الذي ولدوا فيه. وكان من بين هذه القضايا قضية علي [حجبت هيومن رايتس ووتش اسمه الكامل] وهو تلميذ في المدرسة، قال إنه من مواليد عام 1986. وعندما طلبت منه هيومن رايتس ووتش تحديداً أكثر دقة لتاريخ مولده أجاب قائلاً إنه غير واثق من اليوم لكنه يعرف أنه ولد في شهر ديسمبر/كانون الأول، الأمر الذي يعني أنه كان أقل من ثمانية عشر عاماً بأربعة أشهر. وكانت الشرطة قد قبضت عليه قبل ذلك بيومين، أي يوم 26 أغسطس/آب 2004، في الشارع بالقرب من منزله الواقع في مجمع سكني بجوار مدينة الألعاب (لونابارك) في قطاع الرصافة في بغداد. وقال إنه غير واثق من التهم المنسوبة إليه، لكن رجال الشرطة وجدوا قطعة كابل بالقرب من البقعة التي قبضوا فيها عليه، واشتبهوا في أنه قام بسرقتها لاستعمالها في أغراض غير مشروعة. وأضاف أنه كان معه في ذلك الوقت شخص يدعى حيدر [باقي الاسم حجبته هيومن رايتس ووتش] وأنه تمكن من الفرار من الشرطة:

كان ذلك يوم الخميس الماضي، إذ وصلت مجموعة من رجال الشرطة وأرغموني على الركوب في سيارتهم. وكانت الساعة نحو السادسة مساءً. وعصبوا عينيّ وقيدوا يديّ خلف ظهري قبل أن أجلس في السيارة. وظللت معصوب العينين حتى صباح اليوم، فأحضروني إلى المحكمة. كنت محتجزاً في غرفة مع سبعة أشخاص آخرين. وأخذوني في اليوم الأول للتحقيق معي. طرحوا عليّ أسئلة بشأن جيش المهدي وشتى الهجمات بمواقع الهاون التي وقعت، وسألوني إذا ما كنت أعرف حيدر. ضربوني بالكابلات وبأنبوب معدني وبأيديهم. كما ضربوني ثانية في نحو الثالثة صباحاً بعد أن عادوا بي إلى الزنزانة. ولكن أغلب التعذيب كان بالفلقة. ووالداي لا يعرفان مكاني الآن. في اليوم الأول أنفقت ما كان لدي من مال على الطعام. وفي اليوم الثاني أعطانا بعض الحراس نقوداً لنشتري الطعام[161].

وعرض عليَّ على هيومن رايتس ووتش أربع ندوب على ساعده الأيسر، يتراوح طولها ما بين عشرة وخمسة عشر سنتيمترا، وقال إنها من آثار الضرب بالكابلات. وقال إن لديه كذلك آثاراً على ظهره، لكنه رفض الكشف عنها لهيومن رايتس ووتش لأن المقابلة كانت تجري في غرفة الجرائم الكبرى وفي حضور مسئولي الشرطة. وحضرت هيومن رايتس ووتش الجلسة التي عُقدت في وقت لاحق من ذلك اليوم أمام قاضي التحقيق الذي طلب منه خلع قميصه والكشف عن ظهره له، وكان به ما بدا أنه تهتكات وآثار ضرب حديثة في أعلى الظهر. وسأله القاضي عن كيفية إصابته بهذه الجروح وعمّن ضربه، فأجاب عليٌّ قائلاً "لا أعرف لأنني كنت معصوب العينين طوال الوقت". وبدا أنه عازف عن تكرار ما قاله لهيومن رايتس ووتش بشأن معاملته في الحجز، ولم يأمر القاضي بإحالته للكشف الطبي. وصدر الأمر بأن يظل قيد الحجز أسبوعاً آخر، وذلك، فيما يبدو، لإتاحة مزيد من الوقت للشرطة حتى تقبض على المشتبه به الثاني في القضية. وجاء في ملف قضيته أنه محتجز لدى مديرية أمن وسلامة الوزارة.

وكان من بين المحتجزين الذين قبض عليهم في سياق مصادمات أغسطس/آب 2004 في النجف، وأُجريت المقابلات معهم بعد إطلاق سراحهم (انظر الفصل السادس) طفل يدعى حسن موهان عبود، في السابعة عشرة من عمره، من بغداد. قال لهيومن رايتس ووتش إنه كان يزور النجف مع مجموعة من أصدقائه عندما قبض عليه رجال الشرطة الذين يرتدون ملابس مدنية عند إحدى نقاط التفتيش في منتصف أغسطس/آب 2004. قال:

كان ذلك يوم الأربعاء، في نحو التاسعة صباحاً. وكنا سبعة، بما في ذلك السائق. وبعد أن أطلقت الشرطة أعيرة نارية في الهواء أوقفنا السيارة عند نقطة التفتيش وكانت في شارع نيسان بالقرب من مستشفى الحكيم. ووضعوا القيود الحديدية في أيدينا وأدخلونا سيارتين ومضوا بنا إلى إحدى المدارس. ولا أعرف أية مدرسة كانت. ورغم أننا لم نكن معصوبي العيون، فقد كنا جميعاً من بغداد ولا نعرف النجف معرفة وثيقة. وعندما وصلنا إلى المدرسة وجدنا المزيد من رجال الشرطة بالملابس المدنية. وساقونا على إحدى قاعات التدريس واتهمونا بأننا أعضاء في جيش المهدي. وأخرج أحدهم حربة البندقية وهددنا بها، ووجّه إلينا الصفعات واللكمات. مكثنا هناك نحو ساعة ثم أخذونا إلى مديرية الشرطة. وهذه المرة كان كل منا معصوب العينين مقيد اليدين بالحديد. وما إن دخلنا حتى انهالوا علينا ضرباً. ولما كنا نقف عند مدخل الباب فإن أي شرطي تصادف مروره كان يلكمنا أو يضربنا. وبعد ذلك أخذونا إلى قاعة كبيرة حيث تعرضنا كذلك للضرب. واستجوبونا كلاً على انفراد. وكان أحياناً ما يدخل إلى القاعة ثلاثون أو أكثر منهم ويبدأون في ضربنا بصورة عشوائية. وأطلق سراحي بعد ذلك بعشرة أيام[162].

وقال أحد الآخرين الذين قُبض عليهم مع حسن موهان عبود لهيومن رايتس ووتش إنه كان يرتدي قميصاً أسود عندما قبض عليه، وهو الذي جعل الشرطة – في رأيه – تشتبه في انتمائه على جيش المهدي. وقال إنه لقي معاملة مماثلة في الحجز[163].

IX. الفحوص الطبية والتحقيق في شكاوى التعذيب

في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2004، زارت منظمة هيومن رايتس ووتش معهد الطب العدلي في بغداد ودرست السجلات المحفوظة المتعلقة بالمحتجزين الذين أُحيلوا إلى المعهد للفحص الطبي فيما يتصل بمزاعم التعذيب.[164] وبحثت المنظمة في السجلات الخاصة بالفترة من أول يونيو/حزيران إلى 14 سبتمبر/أيلول 2004 مركزةً على الفترة التي تلت تعيين الحكومة العراقية المؤقتة. ولغرض المقارنة درست هيومن رايتس ووتش أيضاً السجلات الخاصة بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2004.

ويُذكر أن أجهزة التحقيق، التي قد تكون أجهزة قضائية أو أجهزة شرطية تعمل تنفيذاً لأمر محكمة، تحيل كل حالات الإصابة الظاهرية إلى معهد الطب العدلي. وتقوم لجنة من ثلاثة أطباء بفحص كل فرد يُحال إلى المعهد ثم يقوم مدير المعهد الدكتور فائق أمين بكر بإجراء فحص إضافي. ويحدد الأطباء ما إذا كانت هناك آثار ظاهرة لإصابات خارجية، وما إذا كانت هذه الإصابات قد أحدثها شخص آخر أم أن الأرجح أن يكون الشخص الخاضع للفحص قد أحدثها بنفسه، والسبب المحتمل لمثل هذه الإصابات، والمدة التقريبية التي مضت على حدوثها. وقد أبلغ الدكتور فائق منظمة هيومن رايتس ووتش بأن مثل هذه الحالات، وخصوصاً تلك المحالة من محاكم الجنايات ومراكز الشرطة، ترد إلى المعهد بشكل متواتر كل شهر، لكنه قال إنه لا يستطيع أن يحدد المتوسط الشهري لعدد مثل هذه الحالات.[165]

وتبين السجلات الطبية للمحتجزين الذكور، الخاصة بالفترة من بداية يونيو/حزيران إلى منتصف/سبتمبر أيلول 2004، أن السلطات أحالت 16 حالة من هذا النوع،[166] من بينها 14 أُحيلت تنفيذاً لأوامر قضائية صادرة من محاكم الجنايات أو من المحققين العدليين في مراكز الشرطة، واثنتان من مديرية الجرائم الكبرى.[167] وخلصت التقارير الطبية الخاصة بعشر من تلك الحالات، وإحداها تتعلق بطفل، إلى أن ثمة أدلة على وجود إصابات خارجية، مثل ندوب حديثة أو سحجات أو كدمات أو رضوض أو تغير في لون الجلد أو نزيف داخلي.[168] وتتعلق هذه الإصابات في أغلب الحالات بالوجه والأطراف والظهر. ولا تحوي الملفات الطبية التي فحصتها هيومن رايتس ووتش معلومات تتصل بتاريخ القبض على المحتجز المعني، إلا إنه في نصف الحالات (خمس حالات على وجه الحصر) أشار تقدير الأطباء الذين أجروا الفحص الطبي إلى وقوع الإصابات خلال مدة تتراوح بين أربع وعشرين ساعة وأسبوعين قبل إجراء الفحص.[169] وأشارت السجلات الطبية الخاصة بالمحتجزات للفترة نفسها، التي تمتد من بداية يونيو/حزيران إلى منتصف سبتمبر/أيلول 2004، إلى إحالة ثلاث حالات إلى معهد الطب العدلي.[170] وفي اثنتين من هذه الحالات الثلاث خلص التقرير الطبي إلى أن ثمة أدلة على التعرض لإصابة خارجية حديثة في صورة كدمات ورضوض. وقد أحال مكتب وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات إحدى هاتين الحالتين، وأفاد تقدير الأطباء الذين أجروا الفحص الطبي إلى أن الإصابات وقعت قبل ما يتراوح بين سبعة أيام وعشرة أيام من إجراء الفحص.[171]

وفي الفترة السابقة التي تمتد من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2004، أحالت السلطات العراقية 18 حالة على وجه الإجمال،[172] من بينها خمس حالات تتعلق بمعتقلين احتُجزوا في مديرية الجرائم الكبرى، وتتعلق بقية الحالات بمعتقلين احتُجزوا في مراكز مختلفة للشرطة.[173] ووجد الأطباء الذين أجروا الفحص الطبي أدلة على وقوع إصابات حديثة في ثمانٍ من هذه الحالات، بما في ذلك ندوب وسحجات وكدمات، وخلصوا إلى أن الإصابات وقعت في ست منها خلال مدة تتراوح بين يومين و14 يوماً قبل الفحص الطبي.[174] ويتفق غياب أي اختلاف ملحوظ في عدد ونوع الحالات المتعلقة بالمحتجزين من الذكور المحالة إلى معهد الطب العدلي بين الفترتين المعنيتين مع ما أبلغ به معظم قضاة التحقيق منظمة هيومن رايتس ووتش. فقد أجمعوا على أن مزاعم سوء المعاملة التي يدلي بها المحتجزون لم تشهد تغيراً ملحوظاً سواء في العدد أو النوع بعد 1 يوليو/تموز عام 2004. غير أن أحد القضاة أشار إلى زيادة في عدد المحتجزين الذين يزعمون تعرضهم أثناء الاستجواب للصدمات الكهربية، التي قال إن محققي الشرطة يستخدمونها باطراد فيما يبدو "لأنها لا تترك أثراً يُذكر ربما باستثناء علامات حرق صغيرة على شحمتي الأذنين أو أماكن أخرى."[175]

ولاحظت منظمة هيومن رايتس ووتش أن التقارير الطبية في معهد الطب العدلي تضمنت وصفاً للأدلة على وقوع الإصابات الجسدية استناداً إلى الفحص بالنظر، إلا إنها أفادت كذلك بأن من المتعذر تحديد أنواع الأدوات التي يُرجح أن تكون قد سببت الإصابات. وقد قال قضاة التحقيق الذين تحدثت إليهم منظمة هيومن رايتس ووتش إنهم يعتمدون تماماً على تقديرات المعهد، ولكن أحدهم أعرب عن رأي مفاده أن العاملين الطبيين في المعهد قليلو العدد ويفتقرون إلى الوسائل اللازمة لإجراء فحوص طبية فعالة وفي الوقت المناسب، وأضاف قائلاً إن: "نقص الموارد يؤدي أيضاً إلى غموض التقارير الطبية الواردة بحيث لا يتبين ما إذا كانت الإصابات التي تم رصدها هي في الحقيقة نتيجة تعذيب أم أحدثها الشخص بنفسه."[176]

وعندما سُئل أحد الأطباء الشرعيين في معهد الطب العدلي عن هذا قال إن "دقة التقرير الطبي تتوقف على سرعة إحالة الشخص المعني للفحص."[177] ولم يُذكر التاريخ الذي أحال فيه قاضي التحقيق أو المحقق العدلي المحتجز المعني إلى الفحص الطبي سوى في اثنين من خطابات الإحالة الواردة من الشرطة المحفوظة في السجلات الطبية التي فحصتها منظمة هيومن رايتس ووتش، الأمر الذي يصعب معه تقدير الوقت الفاصل بين صدور هذه الأوامر وتنفيذها.[178] وأبلغ الطبيب الشرعي منظمة هيومن رايتس ووتش بأن هذا يكون متعمداً في كثير من الحالات، وأن هناك فترة تأخير تبلغ في المتوسط 20 يوماً بين صدور أمر الإحالة وتنفيذه، وهو وقت كاف لاختفاء جانب كبير من الأدلة المادية على وقوع التعذيب. وأضاف "أحياناً يقول لنا المحتجزون أنفسهم عندما يُجلبون إلينا إنه لا جدوى من إجراء فحص طبي لأنهم تعرضوا للتعذيب قبل شهرين مضيا."[179] وقد أيد هذه الإفادة أحد العاملين الآخرين بالمعهد. وقال هذا الطبيب لهيومن رايتس ووتش:

يتعلق النوع الغالب من بين الحالات التي نراها هنا بالضرب باستخدام الكابلات والصوندات والعصي الذي يسبب إصابات مثل السحجات والكدمات، وهي إصابات تختفي خلال مدة أقصاها نحو 21 يوماً. وبسبب تأخير الشرطة في تنفيذ قرارات المحاكم يصعب، إن لم يتعذر علينا تماماً، تحديد الأدوات المستخدمة في التعذيب، لاسيما وهذه الأنواع من الإصابات يمكن التسبب فيها بعدد لا يُحصى من الطرق. وفي بعض الأحيان تتعمد الشرطة التسبب في التعطيل. فمثلاً قد تحضر المحتجز إلينا دون الختم المطلوب على رسغه الأيسر ودون ختم على صورته. وهم يعرفون أن علينا أن نرفض هذه الحالات إلى أن يتم إتباع الإجراءات الصحيحة، وبذلك يتسببون في مزيد من التأخير قبل إجراء الفحص الطبي. لكن هناك أيضاً أنواعاً أخرى من التعذيب من الممكن استخدامها، مثل الصدمات الكهربية التي لا تترك آثاراً مادية باستثناء علامة حرق صغيرة على الجلد وليس من السهل رصدها.[180]

وقد أتضح من فحص منظمة هيومن رايتس ووتش للسجلات الطبية أن عدد حالات الإحالة إلى معهد الطب العدلي للتحقق من صحة مزاعم التعذيب منخفض للغاية بالمقارنة مع كثرة أنباء التعذيب وسوء المعاملة التي تلقتها وعدد الحالات التي وثقتها.[181] فمن بين المحتجزين الذين قابلتهم المنظمة في الفترة من يوليو/تموز حتى منتصف سبتمبر/أيلول 2004 لم يتم إحالة سوى شخص واحد على ما يبدو للفحص الطبي على الرغم من وجود آثار إصابات ظاهرة في بعض الحالات تشير إلى التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة.[182]

ويبدو أن احتجاز المعتقلين عدة أسابيع، بل وعدة أشهر في بعض الحالات، قبل أول مثول لهم أمام المحكمة من بين العوامل الرئيسية التي تساهم في عدم إحالة الضحايا في الحالات التي يُزعم فيها التعرض للتعذيب إلى الفحص الطبي. ومما يؤدي إلى تفاقم المشكلة أن الشرطة تعتقل الأشخاص المشتبه بهم في كثير من الحالات دون عرضهم على قاض في مدة الأربع والعشرين ساعة التي يتطلبها القانون، ويسهِّل هذا الوضع عدم الحصول على أوامر قبض في البداية، وهو ما يعني عدم علم أية سلطة قضائية باحتجازهم. ويخوِّل القانون قضاة التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية القيام بزيارات تفتيش لمنشآت التوقيف التابعة لمديرية الجرائم الكبرى، إلا إن ذلك نادراً ما يحدث عملياً. وقد أشار القضاة إلى الظروف الأمنية الحالية وضخامة عبء القضايا كسببين أساسيين لعدم القيام بزيارات التفتيش.[183] وسعت منظمة هيومن رايتس ووتش لمناقشة هذه المسألة مع ممثل الادعاء العام في محكمة التحقيق بالمحكمة الجنائية المركزية، الذي يخوله القانون أيضاً القيام بمثل هذه الزيارات، لكنه امتنع عن مقابلة المنظمة. وليس لدى هيومن رايتس ووتش علم بما إذا كان المفتش العمومي لوزارة الداخلية قد اتخذ أية خطوات لتقييم مدى اتفاق سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون ومن يقومون بدور في احتجاز الأشخاص مع القوانين السارية المفعول حالياً، ولا ما إذا كانت أية شكاوى تتعلق بالاحتجاز غير المشروع للمعتقلين أو إساءة معاملتهم قد وصلت إلى مكتب المفتش العمومي.[184] وأبلغ أحد مسئولي الشرطة الملحقين بمديرية الجرائم الكبرى منظمة هيومن رايتس ووتش بأن ثمة هيئة داخل مكتب المفتش العمومي لوزارة الداخلية تُعرف باسم هيئة تفتيش قوى أمن الداخلية تُناط بها عدة مهام، من بينها فحص السجلات المعنية للتحقق من أن حالات التوقيف تتم بتصريح من السلطات القضائية، لكن "عملياً لا يأتي أحد للتحقق من هذا".[185]

ويحدث التعذيب في أغلب الحالات في الفترة التي تعقب القبض مباشرة، حيث يُحتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي أثناء استجوابهم ويكونون في أضعف حالاتهم. وبحلول الوقت الذي يُعرضون فيه على قاض للتحقيق يكون جانب كبير من الأدلة المادية على التعذيب، إن لم يكن كلها، قد اختفى. وعند هذه المرحلة، ما لم تكن الإصابات الجسدية ما زالت ظاهرة، لا يرى قضاة التحقيق سبباُ للأمر بالإحالة إلى معهد الطب العدلي حتى لو زعم المحتجزون أن الشرطة انتُزعت إفاداتهم أو اعترافاتهم بالإكراه. وفي غياب أي دليل مادي من غير المرجح أن يحرك القضاة تحقيقاً جنائياً في سلوك المسئولين الذين ارتكبوا الجريمة. ويمكن للقضاة تحريك الإجراءات الجنائية ضد مسئولي الشرطة لعدم تنفيذ أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة من السلطات القضائية،[186] مثل الأمر بإحالة محتجز إلى الفحص الطبي، وعقوبة مثل هذه الجريمة أقل من عقوبة جريمة التعذيب بموجب قانون العقوبات.[187] وقد حرك قضاة التحقيق الدعاوى الجنائية ضد بعض مسئولي الشرطة للتأخير في تنفيذ أوامر قضائية، إلا إن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتلق أية معلومات بخصوص وضع هذه الدعاوى حتى وقت كتابة هذا التقرير.

وفي حالات أخرى، طلب المحتجزون أنفسهم عدم إحالتهم للفحص الطبي خشية أن يطيل هذا أمد توقيفهم ويؤخر البت في قضاياهم. وأبلغ عدد من قضاة التحقيق منظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم يستجيبون عموماً لمثل هذه الطلبات. ويخشى بعض المحتجزين الآخرين عواقب الحديث عن أي تعذيب قد يكونون تعرضوا له قبل مثولهم أمام المحكمة. وقال عدة محتجزين ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن مسئولي الشرطة هددوهم بأن يلقوا المعاملة نفسها من جديد إذا أفادوا أمام القاضي بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة أو التعذيب. ومن المفترض أن يُنقل المحتجز إلى سجن التسفيرات الخاضع لولاية دائرة الإصلاح العراقية بمجرد انتهاء عرضه لأول مرة على قاض للتحقيق. أما عملياً فكثيراً ما يستمر احتجاز المعتقلين الذين يحتجزهم جهاز أو آخر من أجهزة وزارة الداخلية لدى الجهاز نفسه حتى بعد مثولهم أمام المحكمة. أو بعبارة أخرى يظلون محتجزين لدى نفس الجهاز المسئول عن تعذيبهم أو إساءة معاملتهم.

وقال قضاة التحقيق الذين ناقشت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه المشكلة معهم إن المسألة لا تتعلق بمكان احتجاز المعتقلين بقدر ما تتعلق بالمسئولين المناط بهم التحقيق في جرائم التعذيب التي يُزعم وقوعها. وأوصى عدد منهم بالفصل في السلطات بين سلطة القبض والتوقيف من ناحية، وسلطة التحقيق من الناحية الأخرى، مشيرين إلى أن هذا من شأنه أن يوفر للمحتجزين مزيداً من الحماية من التعرض لسوء المعاملة الجسدية. غير أنهم أعربوا في الوقت نفسه عن شكهم في إمكان تحقيق هذا في المستقبل المنظور. وأضاف أحد القضاة قائلاً:

ينبغي أن يكون للسلطات القضائية وحدها سلطة إجراء تحقيقات جنائية كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية. فعندئذ فقط سيتوقف التعذيب وإلا فسيستمر. وهذا من بين الأسباب التي تجعل المتهمين لا يتحدثون عندما يأتون أمامي، برغم أنه يكون بوسعي أن أرى أنهم تعرضوا للضرب.[188]

وفي الحالات التي توجد فيها أسباب تدعو للاعتقاد بأن المحتجز تعرض للتعذيب على أيدي الشرطة يمضي قاضي التحقيق قدماً بالقضية، برغم ذلك، شريطة توفر أدلة أخرى تشير إلى أن الجريمة ارتُكبت. وقال أحد القضاة إن المحتجزين عادة ما يتراجعون عن اعترافاتهم الأولية قائلين إنهم أدلوا بها تحت وطأة التعذيب أو التهديدات. غير أن القاضي لا يحرك أي تحقيق جنائي ضد من يُزعم ارتكابهم مثل هذه الانتهاكات ما لم تكن هناك أدلة مادية باقية على وقوعها. وفي مثل هذه القضايا لا يمكن بدء تحقيق جنائي إلا على أساس شكوى رسمية مقدمة من المحتجز المعني.[189] وهذا أمر نادر الحدوث نظراً لأن المعتقل يظل لبعض الوقت محتجزاً لدى المسئولين الذين سيقدم ضدهم الشكوى.[190] ولا تعلم منظمة هيومن رايتس ووتش بوجود أية آلية أخرى يمكن عن طريقها تقديم مثل هذه الشكاوى. وعشية نقل السيادة، صرحت سلطة الائتلاف المؤقتة بتعيين محقق للشكاوى للشؤون الجزائية وشؤون التوقيف، الأمر الذي يتيح للمحتجزين تقديم الشكاوى المتعقلة بتصرفات سلطة التوقيف. وعلى حد علم منظمة هيومن رايتس ووتش، لم يتم تعيين مثل هذا المحقق حتى وقت كتابة هذا التقرير.[191]

وعلمت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن قضاة التحقيق حركوا حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2004 تحقيقات في تصرفات 20 من ضباط الشرطة، بعضها استناداً إلى معلومات تفيد بأنهم أساءوا معاملة موقوفين في حجزهم. ومن بين هذه التحقيقات أسفر خمسة أو ستة عن إدانة ضباط الشرطة الذين عُوقبوا بعقوبات لا تتضمن الحبس، مثل التغريم. ولم يكن قد تم البت في باقي التحقيقات حتى كتابة هذا التقرير، وقال المسئولون القضائيون إنهم لم يلقوا تعاوناً يُذكر من مسئولي الوزارة في جهودهم لضمان امتثال الضباط رهن التحقيق لأوامر الاستدعاء القضائية. وقال أحد القضاة: "في إحدى المرات رأيت أحد هؤلاء الضباط يسير في المحكمة. وذهبت لإبلاغ مسئولي الشؤون الداخلية الذين لهم مكتب في المحكمة. وأشرت إلى الضابط وسألت لماذا لا يُتخذ أي إجراء. فأبلغوني بأن هذا يتطلب موافقة سلطة أعلى".[192]

X. مستشارو القوة المتعددة الجنسيات وجهود الإصلاح

تتمثل إحدى مسؤوليات القوة المتعددة الجنسيات في بناء قدرات قوات الأمن العراقية، بما في ذلك الشرطة، في إطار الدور الذي تقوم به القوة المتعددة الجنسيات في المساهمة في الحفاظ على أمن العراق واستقراره، بموجب ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1546[193]. أما سبيل تحقيق ذلك فمن خلال برنامج للتجنيد والتدريب والتوجيه والرصد، الأمر الذي يقتضي مساعدة شبكة من المستشارين الدوليين المدنيين والعسكريين، الذين يعملون بالتعاون مع الوزارات العراقية المعينة، وخصوصاً وزارات الدفاع والداخلية والعدل. وقد قامت حكومة الولايات المتحدة بدور قيادي في تخطيط البرنامج وتمويله والإشراف عليه. ومن أجل إعداد هذا التقرير تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ستة من المستشارين الذين يعاونون وزارتي الداخلية والعدل في القضايا المتعلقة بضبط الأمن والنظام واحتجاز الأشخاص. ووافق اثنان منهم على الإفصاح عن اسميهما في التقرير.

وحتى كتابة هذا التقرير كانت مجالات مسؤولية كبار المستشارين العاملين مع وزارة الداخلية على مستوى ضبط الأمن والنظام تتضمن ما يلي: التخطيط وإدارة العمل؛ مناهضة الإرهاب والعمليات؛ مديرية الجرائم الكبرى (المتعلقة ببعض الجرائم مثل الاختطاف والابتزاز وغسيل الأموال)؛ ومديرية الشؤون الداخلية؛ والاستخبارات؛ ودوريات الطرق العامة والمرور. وتعمل طبقة أخرى من مستشاري الشرطة تحت كبار المستشارين، وبعض أفراد هذه الطبقة يعملون في مراكز التوفيق لا في الوزارة نفسها. ويشرف على عمل هذه الشبكة كبير مستشاري وزارة الداخلية، الذي يتولى مسألة الممارسة الشرطية وغيرها[194].

وبالإضافة إلى التدريب المتخصص، الذي لا يتناوله هذا التقرير بالتفصيل، وضع المستشارون الدوليون العاملون مع الحكومة العراقية المؤقتة برنامجين أساسيين لتدريب الشرطة العراقية، أحدهما للملتحقين الجدد بها والآخر لأفراد قوة الشرطة العراقية السابقة. ويدير البرنامجين فريق المساعدة في تدريب الشرطة المدنية، والذي كان حتى أواخر سبتمبر/أيلول 2004 تحت قيادة ضابط بريطاني هو العميد أندرو ماكاي. أما منهج التدريب العراقي الأساسي للملتحقين الجدد، فهو برنامج مدته ثمانية أسابيع ويجري في أكاديمية تدريب أنشئت خصيصا لهذا الغرض في الأردن، ويتكون من دروس مختلفة مقسمة إلى ثماني وحدات وتبلغ مدتها الإجمالية 320 ساعة. وتتضمن الوحدة الأولى موضوعات مهمة مثل المبادئ الديمقراطية في عمل الشرطة؛ وعمل الشرطة في المجتمع الديموقراطي؛ وحقوق الإنسان؛ وحظر التعذيب[195]. وتتضمن الوحدة الثانية موضوعات خاصة بأساسيات القانون الدولي، وسلوك الشرطة قبل المحاكمة وما يمكن أن ينشأ من انتهاكات لحقوق الإنسان، وأخلاقيات وقيم الشرطة، والمعايير الدولية التي تحكم  استخدام الشرطة للقوة[196]. وتتضمن الوحدة الثالثة بعض الموضوعات الأخرى مثل إجراء المقابلات مع الضحايا والشهود والمشتبه فيهم وأخذ أقوالهم، إلى جانب إجراءات الدوريات والتحقيقات الأولية[197]. ويخصص لكل موضوع من هذه الموضوعات عدد يتراوح بين ساعتين وأربع ساعات من المنهج الكلي. وتركز الوحدة الرابعة على القانون الجنائي العراقي  وإجراءاته (وتتكون من أربعين ساعة)[198] والوحدات 5-8 تتناول الأسلحة النارية وغير ذلك من جوانب التدريب العملي.

وأما التدريب الخاص بأفراد قوة الشرطة العراقية السابقة، وهو المعروف ببرنامج الدمج الانتقالي للشرطة العراقية، فهو برنامج للتدريب مدته ثلاثة أسابيع ويبلغ عدد ساعاته الكلي 126 ساعة، ويجري تنفيذه في كلية الشرطة في بغداد[199]. ويشمل هذا البرنامج بصورة موجزة كثيراً من الموضوعات التي يشملها برنامج تدريب الملتحقين الجدد، وهدفه المعلن هو "تغيير فلسفة جميع أجهزة الشرطة العراقية وأنماط سلوكها وأفعالها وأنشطتها، بغض النظر عن المهمة المنوطة بها" من خلال تقديم وتحسين سبل استيعاب "المعرفة بحقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية لعمل الشرطة، والأساليب الحديثة في عمل الشرطة، والقوانين والإجراءات الجنائية العراقية المعمول بها، وقوانين القبض والاحتجاز، وإتقان استخدام الأسلحة النارية"[200].

وقال العميد ماكاي لهيومن رايتس ووتش إن برامج التدريب قد أدخلت فيها بعض التعديلات "لمواكبة الاحتياجات الحاضرة، ومن ثم فقد أصبحت تتضمن قدراً أكبر من الممارسة الشرطية العملية بسبب مناهضة التمرد" وإن كان "المضمون الجوهري لحقوق الإنسان" لا يزال جزءاً من المنهج. وقال إنه حتى منتصف سبتمبر/أيلول 2004، تم تدريب عدد يتراوح بين 27 ألفاً و28 ألفاً "من رجال شرطة النظام السابق" إلى جانب ما يتراوح بين 35 ألفاً و37 ألفاً من الملتحقين الجدد. ورغم أن حجم قوة الشرطة العراقية كان آنذاك يقدر بنحو 88 ألفاً، فإن العميد ماكاي يقول "إن الفرق بين الرقمين [23000-26000] يشير إلى من نعتبرهم غير مدربين". وقد تؤدي المراجعة الجارية حالياً لجميع الذين التحقوا بالشرطة إلى الاستغناء عن عدد يتراوح بين 20 ألفاً و30 ألفاً من الذين سبق لسلطة الائتلاف المؤقتة تعيينهم، ثم اعتبروا "غير لائقين" بسبب عجزهم عن "المشاركة في العمل الشرطيّ بروح ديموقراطية أو بصورة لائقة"[201]. وقيل إن وزير الداخلية يبدي كامل التعاون مع جهد المراجعة الجاري[202].

وبحلول منتصف سبتمبر/أيلول 2004 كانت القوة المتعددة الجنسيات قد قامت بتوزيع عدد يبلغ 465 من المستشارين الدوليين في مجال الشرطة، معظمهم من الولايات المتحدة، على سبعة وثلاثين موقعاً في شتى أرجاء العراق، وقد تقرر أن يزداد العدد إلى 500 في المستقبل القريب. وأما فيما يتعلق بدورهم في الرقابة على ما يمكن أن يقع من انتهاكات للمحتجزين على أيدي رجال الشرطة، قال العميد ماكاي لهيومن رايتس ووتش ما يلي:

من واجبهم دخول مراكز الشرطة، وإسداء المشورة بشأن المحتجزين والتحقق من أحوالهم. ولقد اكتشفوا حالات تقطع بوضوح بأن المحتجزين تعرضوا للضرب في بعض مراكز الشرطة. وفي مثل هذه الحالات، يقومون بإعداد تقرير، مصحوب بالصور الفوتوغرافية حيثما كان ذلك ممكناً، وتقديمه إلى رئيس جهاز الشرطة وسؤاله عن سبب ذلك. ولم أحتفظ أنا شخصياً بسجلات عن الأماكن التي وقعت فيها هذه الحالات، فهي تنشأ استناداً إلى رد فعل المستشارين الدوليين إزاء ما يعترضون عليه بشدة. ولا يستهين أحد بالصعوبات التي نواجهها، وقد تفاقمت الأوضاع بسبب حملة التمرد الشرسة، والتي لا بد من قهرها حتى يسود الاستقرار هذا البلد. وتقف الشرطة في الخطوط الأمامية في هذه المعركة[203].

وتعتقد هيومن رايتس ووتش أن النظام المعمول به حالياً للإبلاغ عن انتهاكات الشرطة لا يزال ناقصاً إلى درجة محزنة، ولا يتمتع بأولوية عالية، وذلك استناداً إلى نقص المتابعة بل وعدم الإحاطة بأمثال تلك الانتهاكات. ومن بين المواقع التي تم توزيع المستشارين الدوليين عليها مركز توقيف مديرية الجرائم الكبرى في العامرية، وهو المركز الذي صدرت منه كثير من المزاعم التي تلقتها هيومن رايتس ووتش عن تعذيب المحتجزين أو سوء معاملتهم. وقال العميد ماكاي لهيومن رايتس ووتش إن أحداً من المستشارين الدوليين "لم ينبهني حتى الآن إلى أي إساءة لأي سجين" هناك. ولكن أحد قضاة التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية، وكان قد زار مركز توقيف العامرية عدة مرات، قال إنه أحاط المستشار الشرطيّ الأول هناك إحاطة تامة بالإساءات الجارية للمحتجزين في المركز، ولكن المستشار لم يتخذ أي إجراء بصدد ذلك فيما يبدو [204]. وأما عن مزاعم التعذيب الواردة من مديرية استخبارات الشرطة الجنائية، فقد قال العميد ماكاي إنه، في حدود ما يعرف، لا يعمل أي مستشار في أجهزة الاستخبارات. وأثارت هيومن رايتس ووتش معه كذلك قضية أحوال الاحتجاز العامة داخل مراكز التوقيف المذكورة، وضربت له من بين الأمثلة العديدة مثال عدم تقديم الطعام إلى المحتجزين الذين يضطرون إلى شراء طعامهم بأنفسهم. وأجاب قائلاً "لن أنكر حدوث هذا. لكننا لن نستطيع التصدي لهذه القضية حتى يستتب الأمن ويسود الاستقرار حقاً قي ربوع البلاد"[205].

وفي أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2004 أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات كفلت لها السرية مع اثنين من مسئولي الشرطة العراقية الملحقين بمديرية الجرائم الكبرى، فاعترفا بصراحة أن الشرطة العراقية تستعمل التعذيب للحصول على المعلومات من المحتجزين أثناء استجوابهم. وقال أحدهما إنه يتطلع إلى اليوم الذي تتوافر فيه الوسائل الكافية لإجراء "التحقيقات الجنائية العادية"، بما في ذلك توافر العدد الكافي من الزنزانات بحيث يتسنى الفصل فيها بين المشتبه فيهم من المتهمين في قضية واحدة وبحيث لا يشتركون في تلفيق قصة تُنْجيهم، وحتى يأتي ذلك اليوم سوف يستمر استعمال التعذيب باعتباره الوسيلة المؤكدة الوحيدة للحصول على المعلومات اللازمة من المحتجزين. وأشار إلى أن وجود المستشارين الدوليين في مجال الشرطة لم يغيِّر أي شيء، وأضاف قائلاً "كنا نستخدم أساليب التحقيق الحالية قبل أن يأتي الأمريكيون بزمن طويل، وسوف نستمر في استخدامها بعد أن يرحلوا بزمن طويل"[206].

وأشار المسئول الثاني إلى عامل إضافي آخر أدى، من وجهة نظره، إلى تعذيب المحتجزين قائلاً إن عدد ضباط التحقيق في مديرية الجرائم الكبرى أقل مما ينبغي ولا يتناسب مع عدد القضايا التي على كل منهم أن يتصدى لها. ففي كل مكتب من المكاتب الرئيسية الأربعة في المديرية، يعمل نحو عشرة من محققي الشرطة، وعلى كل منها "التحقيق فيما لا يقل عن خمس وعشرين أو ثلاثين قضية من قضايا المحتجزين، بالإضافة إلى الحالات غير المسجلة والتي يبلغ عددها 150 حالة" ومن ثم فإن محققي الشرطة محرومون من ترف قضاء الوقت اللازم لإجراء التحقيقات الجنائية العادية، ويستغلون الوقت بكفاءة أكبر من خلال انتزاع المعلومات من المحتجزين بالضرب. وقد أشار العميد ماكاي أيضاً إلى ممارسة انتزاع المعلومات كَرْهاً قائلاً: "أعرف أن الكثير من المعلومات يُنتزع انتزاعاً عن طريق الاعترافات، لكنه من الصعب تقدير نطاق انتشار ذلك"[207].

وتقوم دائرة الإصلاح العراقية بوزارة العدل بإجراء فحص طبيّ للمحتجزين الذين ينقلون إلى مراكز التوقيف التابعة للوزارة، ويصلح هذا الفحص في إجراء تقدير، ولو كان غير كامل، لمدى التعذيب أو الانتهاكات التي تنزلها أجهزة وزارة الداخلية بالمحتجزين قبل نقلهم. وقال المستشارون الدوليون العاملون مع الدائرة المذكورة لهيومن رايتس ووتش "إنهم كشفوا عن حالات وقع فيها ذلك". فإذا اتبعت السلطات الإجراءات المقررة، كان "لا بد من إحالة المتهمين إلى دائرة الإصلاح العراقية بمجرد مثولهم أمام قاضي التحقيق، ولكن هذا لا يحدث"[208]. وقد أثبت البحث الذي أجرته هيومن رايتس ووتش أيضاً أن المتهمين الذين تحيلهم الأجهزة المتخصصة بوزارة الداخلية إلى المحكمة الجنائية المركزية، كثيراً ما يظلون خاضعين للولاية القضائية لتلك الأجهزة بعد مثولهم أمام قاضي التحقيق، الأمر الذي يزيد من تعرضهم للمزيد من الانتهاكات إذا هم صرحوا للقاضي بالمعاملة التي تلقوها في الحجز. وهناك أمثلة غير قليلة عن إحجام المحتجزين الذين صرحوا لهيومن رايتس ووتش بتعرضهم للتعذيب، وحضرت المنظمة جلسات التحقيق معهم، عن تكرار نفس المزاعم أمام القاضي، حتى في الحالات التي كانت الإصابات الخارجية الدالة على ذلك لا تزال بادية بوضوح. وطبقاً لما قاله أحد المستشارين، ما إن ينقل هؤلاء المحتجزون إلى دائرة الإصلاح العراقية حتى يُجرى لهم الكشف الطبي باعتباره من الإجراءات المقررة، ومن ثم يُكْتبُ التقرير اللازم، وترفق به الصور الفوتوغرافية حيثما كانت لها صلة بالموضوع، بحيث يتضمن تفاصيل أية إصابات يمكن تحديدها وربما أصابتهم قبل وصولهم. وقال لهيومن رايتس ووتش إن الدائرة المذكورة ترسل مثل هذه التقارير بعد ذلك إلى المسئولين بوزارة الداخلية، وأردف قائلاً "ولكننا لا نعرف ما يحدث لهذه التقارير بعد ذلك، فقد خرج الأمر من أيدينا"[209].

وقال دافيد هاميلتون، المستشار الدولي في شؤون الشرطة والملحق بوزارة الداخلية، إن جانباً من المشكلة يتمثل في نقص المراقبة الفعالة لسلوك الشرطة في مرحلة ما بعد التدريب:

تقول الوزارة إنه يجب عدم تعذيب السجناء، ولكن هذه هي العراق، والتعذيب يحدث. يجب أن تكون حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من التدريب، والمجندون الجدد يدرسون حقوق الإنسان فعلاً، ولكن ذلك لا يجري إلا في البداية فقط، في الكلية، دون مواصلة المتابعة أو الرقابة. والمشكلة هي أنه ما إن يوزع المجندون الجدد على مراكز الشرطة حتى يقول لهم القدماء "انسوا ما تعلمتوه، فهذا هو أسلوب أداء العمل هنا. لا يكفي أن تقول فحسب "لا ترتكب التعذيب" بل عليك أن توفر البديل، وهو يتضمن التدريب على اكتساب مهارات التحقيق الجيدة"[210].

وقال هاميلتون لهيومن رايتس ووتش إن إحدى الأفكار التي ينظر فيها المستشارون حالياً لتحسين ورفع مستوى مراقبة سلوك الشرطة ومعاملة المحتجزين تتمثل في الشروع في "تنفيذ نظام مستقل للزوار من غير المتخصصين". ويقتضي ذلك أن تقوم "مجموعة من الأشخاص الذين يُختارون لتمثيل المجتمع المحلي، بزيارات غير معلن عنها للتفتيش في مراكز الشرطة، وأن يؤذن لهم بأن يتحدثوا مع المحتجزين وتقييم الأحوال في الحبس"، ثم يبلغون وزارة الداخلية بعد ذلك بالنتائج التي توصلوا إليها. ومن الأفكار الأخرى التي قال إنه يجب النظر فيها إلى إنشاء جهاز للمساعدة القانونية يهدف إلى زيادة فرص اتصال المحتجزين بالمحامين، وإن كان قد أبدى شكوكه فيما إذا كانت "هذه الحكومة مستعدة لدفع أتعاب المحامين الذين يدافعون عن المجرمين الخطرين". وقال هاميلتون إنه من أنصار زيادة تواجد المراقبين الدوليين في مراكز الشرطة، كما أكد ضرورة وضع خطة قومية للعمل الشرطي تتضمن التصدي لبعض القضايا الأخرى مثل فساد الشرطة، بهدف زيادة ثقة الجمهور في النظام؛ ووضع نظام لترقية رجال الشرطة يتميز بالشفافية ويستند إلى التفوق في الأداء؛ ووضع نظام اختيار الملتحقين بالدورات التدريبية، يقوم على أساس تقييم ما يمكن "أن يعود به المرشحون من نفع على العمل بالشرطة لا على من يعرفونه"[211].

وحاول مستشارون دوليون آخرون، من الذين يعملون بالتعاون الوثيق مع وزارة الداخلية في مجال عمل الشرطة وغيره، إيضاح الصعوبات التي تكتنف إعادة تنظيم قوة الشرطة وتدريب أفرادها وتجهيزها بالمعدات اللازمة، خصوصاً في الظروف الأمنية السائدة حالياً في العراق، وهي الصعوبات التي تدركها هيومن رايتس ووتش. وقال أحدهم للمنظمة:

نحاول تحويل الشرطة العراقية إلى قوة شرطة على النمط الغربي، كما نحاول في الوقت نفسه ألا نبُثَّ في نفوس الناس آمالاً أكبر من الواقع. فالشرطة غير مدربة وغير مجهزة على الوجه الصحيح، وعلينا أن نقهر الصورة السلبية التي كانت للشرطة في عيون الناس قبل الحرب. والآن يتوقع الناس من الشرطة أن تخوض حرب عصابات، وهو ما لا يتوقعه أحد من الشرطة في أي مكان في العالم[212].

وأشار المستشار أيضاً إلى المشكلات الخاصة بتجنيد أفراد الشرطة وتدريبهم، وهي المشكلات التي ورثها المستشارون الحاليون بوزارة الداخلية من سلطة الائتلاف المؤقتة قائلاً "إننا نحاول التخلص من الأشخاص غير اللائقين، طالبين الكيف لا الكم، مع تطبيق أساليب اختبار أفضل في قبول الأفراد الجدد". وأكد أن وزارة الداخلية تقوم حالياً بمراجعة نظام التجنيد القديم في الشرطة، وأنها اكتشفت في أثناء المراجعة أن بعض رجال الشرطة الذين ألحقتهم بالشرطة سلطة الائتلاف المؤقتة كانوا أميين وأن آخرين يفتقرون إلى أبسط مبادئ العمل الشرطيّ. وأضاف قائلاً "بل إننا اكتشفنا حالة قامت سلطة الائتلاف المؤقتة فيها بإلحاق قبيلة كاملة بالشرطة" حتى تزيد من عدد رجال الشرطة في الشوارع[213]. وقال مستشار آخر في الوزارة لهيومن رايتس ووتش إنه قد تشكلت لجنة من أربعة أشخاص داخل الوزارة، تضم ممثلين للشرطة، والشؤون الداخلية، والمالية، والإدارة، وإنها تعقد "اجتماعات ثلاث مرات في الأسبوع، ومدة كل اجتماع أربع ساعات، وأن عملها قد استمر في الشهور الثلاثة الأخيرة بهدف وضع نظام [المراجعة]". وأما الهدف فهو وضع المعايير اللازمة "لإعادة تأهيل" رجال الشرطة الحاليين لشغل مناصبهم، مع عدم إغفال عوامل معينة تتسم باتساع النطاق، من اللياقة الجسدية إلى مزاعم الفساد، وكذلك لتحديد "قاعدة الانطلاق لتجنيد الأفراد في المستقبل". وقال إن أربعة من المستشارين الدوليين كانوا يساعدون لجنة المراجعة في عملها، ولكن "بصفة استشارية فقط ودون أن تكون لهم سلطات اتخاذ القرارات"[214].

وأكد كلا المستشارين أن وزارة الداخلية تأخذ قضية فساد الشرطة مأخذ الجد، وأنها تبذل جهودها للتحقيق في جميع أمثال تلك المزاعم[215]. وقالا إن مديرية الشؤون الداخلية، المسئولة عن التحقيق في سلوك الشرطة وفي الانحرافات، قامت بالتحقيق في نحو اثنتين وأربعين حالة، بمساعدة "اثنين من المخبرين الدوليين"[216]. وقيل لهيومن رايتس ووتش إن هذه القضايا كانت "في معظمها قضايا فساد" وعندما سألتهما إذا كانا قد قاما بالتحقيق في مزاعم انتهاكات رجال الشرطة لحقوق المحتجزين، قال أحدهما إنه لا يدري شيئاً عن هذه القضايا لكنه سوف يستفسر. وأثناء هذه المناقشات أكد المستشاران للمنظمة أنهما يشاركان الوزارة في بذل الجهود اللازمة لمراقبة سلوك الشرطة، وضرب المثل باستحداث مدونة لقواعد السلوك تتكون من ثلاثين بنداً في أواخر مايو/أيار أو أوائل يونيو/حزيران 2004، وهي التي "وقّع عليها بعض ضباط الشرطة"[217]. وقالا لهيومن رايتس ووتش إنهما سوف يوافيانها بمدونة قواعد السلوك المذكورة. وحتى وقت كتابة هذه السطور، لم تكن المنظمة قد تلقت شيئاً – لا مدونة قواعد السلوك ولا أية معلومات بخصوص أية تحقيقات قد تكون قد أجريت في أحداث الإساءة إلى المحتجزين.

وعندما ضربت هيومن رايتس ووتش أمثلة من أحداث التعذيب وسوء المعاملة التي سجلتها فيما يتعلق بالمحتجزين في مركز توقيف مديرية الجرائم الكبرى في العامرية، أجاب أحد المستشارين قائلاً إن المستشارين الدوليين في مركز التوقيف "لا يقابلون المحتجزين، ومن ثم فهم لا يشاهدون أية إساءات". وأكد المحتجزون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عدم وجود أي اتصال مباشر بينهم وبين المستشارين. وعندما سُئلوا لم يقل أحد إن أحداً قد قام بمثل هذا الاتصال، وهو في رأي المنظمة يثير أسئلة عن مدى فاعلية الدور الذي ينهض به المستشارون الدوليون في العراق وهم الذين يهدفون، وفقاً لما يقولونه بأنفسهم، إلى الارتقاء بتنفيذ القوانين إلى المستويات التي تكفل تحقيق المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان. وقال المستشار لهيومن رايتس ووتش إن التركيز حالياً ينصب على "بناء قدرات الشرطة وفاعليتها، ونحن نزيد من هذه وتلك الآن". وفي إطار مناقشة حالتي الاعتقالات الجماعية المشار إليهما في هذا التقرير (أي حملتي البتاويين وشارع الكفاح – انظر الفصل السابع) قال:

إن جهد وزارة الداخلية الآن مَنصبُّ على التأكد من قدرتها على معرفة أماكن هؤلاء الناس [المشتبه فيهم] بدقة، وتجنب الاعتقالات الجماعية ونحن نحاول توفير الإحداثيات الرياضية لمواقع منازلهم بواسطة النظام العالمي لتحديد المواضع، ولكن محاولة جمع الأدلة مسبقاً لا يزال يعتبر ترفاً في حالتنا. وسوف نستمر في الضغط على وزارة الداخلية[218].

وعندما سئل إذا كان يعرف أن معظم المشتبه فيهم الذين ألقت الشرطة القبض عليهم في حملتي شارع الكفاح والبتاويين، والذين أحيلوا إلى المحكمة، قد أفرج عنهم آخر الأمر بسبب عدم كفاية الأدلة، وأن ذلك يعني الشك في فاعلية الشرطة في هاتين الحادثتين، قال المستشار إنه لم يتابع القضيتين في أعقاب القبض على الأشخاص، وإنه لا يعرف ما حدث لهم. وعندما سئل عن أجهزة وزارة الداخلية – مثل مديرية شرطة الاستخبارات الجنائية – التي تتعدى حدود اختصاصاتها بما تقوم به من الاعتقالات، رد قائلاً "في حدود ما أعرف، لا تتمتع الاستخبارات الجنائية بأي سلطات للقبض على الأشخاص أو احتجازهم"[219].

وربما كانت الملاحظات التي أبداها ستيفن كاستيل، كبير المستشارين الدوليين بوزارة الداخلية، أكثر دلالة على الأولوية الممنوحة لتصوير الحكومة العراقية في صورة من يتخذ إجراءات حازمة وحاسمة إزاء جرائم العنف على حساب حماية حقوق الإنسان بل والممارسة الشرطية الفعالة. فعندما سألته صحيفة 'بوسطن جلوب' في يوليو/تموز 2004 عن عمليات الشرطة قال:

هناك دائماً بندول يتأرجح بين الحرية والأمن، وقد سمح الناس دائماً في إطار ثقافة الشرق الأوسط لذلك البندول أن يجنح جنوحاً أكبر نحو الأمن. فالشعب العراقي يتطلع إلى أن تتخذ هذه الحكومة موقفاً قوياً ... ولا شك أننا ندعم حقوق الإنسان، بطبيعة الحال، والشرطة العراقية تدرك أنه ليس من المفترض لها أن تفعل أي شيء خارج النطاق القانوني العراقي. ولكن هذا النطاق القانوني ليس النطاق القانوني الأمريكي[220].

وقد أجرت الصحفية التي تعمل في صحيفة بوسطن جلوب مقابلات أيضاً مع المسئولين بشأن حملة البتاويين التي تدخّل فيها الجنود الأمريكيون لمنع الشرطة العراقية من الإساءة إلى المشتبه فيهم، وقالت:

أحس مسئولو وزارة الداخلية بالإهانة والغضب بسبب ما اعتبروه انتهاكاً لسيادة الوزارة، فاستدعوا كاستيل، وهو يقول إنه قضى ثلاث ساعات أو أربع في محاولة لتهدئة الموقف. وفي النهاية وافقت الشرطة العسكرية على أن يكون العراقيون مسئولين عن السجناء. وقال صباح الأنبكي، المتحدث باسم وزارة الداخلية "بعض الجنود يظنون أنهم لا يزالون يمثلون قوات الاحتلال ويتصرفون بهذا الأسلوب" ولكن العميد حسين علي كمال، في وزارة الداخلية، قال إن الحادثة رفعت الحالة المعنوية لأن السيطرة العراقية هي التي انتصرت[221].

وقال كاستيل من ناحيته إنه يعتبر أن مداهمة البتاويين "نموذج للتعاون الأمريكي العراقي، إذ قدم الجنود الأمريكيون صور الأقمار الصناعية للمنطقة المعنية للعراقيين، ودعموا جهود الشرطة بسيارات الهمفي". وقد اتفق مع أحد مسئولي الشرطة العراقية في القول بأن:

مسئولي وزارة الداخلية أكدوا حقوق الإنسان والشرعية الأخلاقية وهم يقومون بتجهيز أكثر من ثمانين فرداً للمشاركة. ولقد أحضروا معهم خمسة وعشرين شرطياً من شرطة الشؤون الداخلية لمراقبة العملية. وقال كاستيل إنه لم تقع سوى حادثة سرقة واحدة، وذلك لصندوق من علب الجعة، وإن الشرطيّ الذي سرقه يجري تأديبه حالياً[222].

في غضون إجراء البحث اللازم لهذا التقرير، بذلت هيومن رايتس ووتش جهودها عبثاً في محاولة العثور على أي أدلة توحي بأن المسئولين العراقيين قد أجروا تحقيقات جادة في قيام الشرطة بانتهاك حقوق المحتجزين، أو بأنهم اتخذوا الإجراءات التأديبية الكافية أو رفعوا الدعوى الجنائية على الذين ثبت ارتكابهم لهذه الانتهاكات، أو بأنهم قاموا، على الوجه الصحيح، بتوجيه مثل هذه الرسالة، حتى تكون رادعاً للآخرين.

ملحق

فيما يلي مقتطفات من إفادات خمسة محتجزين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في محكمة جنايات الكرادة في بغداد في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2004. وكانوا من بين خمسة عشر محتجزاً قابلتهم المنظمة لدى إحالتهم إلى المحكمة بتهم جنائية مختلفة، من بينها السرقة والقتل، وكانوا في المحكمة لحضور جلسات للتحقيق أو المحاكمة. وكانوا جميعاً محتجزين في مراكز للشرطة في بغداد، من بينها السعدون والمسبح وبغداد الجديدة وبلاط الشهداء والمثنى. والإفادات التي أدلوا بها بخصوص المعاملة التي لاقوها في الحجز على أيدي الشرطة العراقية تتفق إلى حد بعيد مع الإفادات التي تلقتها هيومن رايتس ووتش من المعتقلين الموقوفين في حجز أجهزة الشرطة المتخصصة التابعة لوزارة الداخلية والذين أُحيلوا إلى المحكمة الجنائية المركزية.

الحالة (أ)

علي برغوث علوان: وهو رجل في الثلاثين من عمره يعيش في حي السيدية في بغداد ويعمل حارساً في معرض للسيارات. وأبلغ هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة ألقت القبض عليه في يونيو/حزيران عام 2004 [لم يستطع أن يتذكر اليوم المحدد] عندما عثرت بحوزته على قنبلة يدوية. وقال إنه اشتراها مقابل 1500 دينار من مجموعة من الرجال خارج مطعم في البتاويين ألحوا عليه وقالوا إنها صفقة رابحة:

وبعد بضع دقائق توقفت سيارة وترجل منها أربعة من أفراد الشرطة بعد أن شاهدوا القنبلة اليدوية في يدي. وكبلوا يدي خلف ظهري بالقيود المعدنية وعصبوا عيني بقطعة من القماش ثم انهالوا علي ضرباً أمام المارة. لكموني وركلوني وضربوني بأعقاب بنادقهم في رأسي وكل جسمي. ثم ونحن في السيارة في الطريق إلى مركز الشرطة قال أحدهم إنه لو أعطيته 50 ألف دينار فسيتركني أذهب قبل الوصول إلى المركز، لكنني رفضت.

وفي مركز شرطة السعدون أخذوني إلى غرفة الضابط المحقق. ورفعوا العصابة عن عيني لكنهم تركوا يدي مقيدتين. كان هناك ستة منهم إجمالاً. وبدأ الملازم الأول يسألني أسئلة والآخرون يلكمونني ويركلونني ويضربونني بالكابلات والصوندات على ظهري ورأسي. وقال أحدهم إن علي أن أقول إن القنبلة تخصني وأن أكشف من أين حصلت عليها. وظلوا يضربونني ويوجهون إلي السباب والشتائم، واستمر هذا حتى الثانية صباحاً ولم يتوقف إلا لدقائق معدودة. وفي نهاية جلسة الاستجواب طلبوا مني أن أوقع إفادة، ورغم أنني لا أقرأ ولا أكتب، فلم يقرأها لي أحد وأُرغمت على توقيعها.

ولم يُسمح لي بالاتصال بأسرتي لأبلغها بأنني اعتُقلت، ولذا فلم يزرني أحد. وعندما وصلت إلى مركز الشرطة في بادئ الأمر كان زهاء ستين أو سبعين شخصاً محتجزين هناك. لم يكن هناك مكان كي أنام أو أستريح ولذا نمت على أرضية المرحاض. ولم تقدم لنا الشرطة طعاماً، وأكلت من الطعام الذي جلبته أسر محتجزين آخرين لهم. لم تكن هناك أسرة، وكان الجميع مضطرين للنوم على جنوبهم لعدم وجود مكان.

وبعد أسبوع عُرضت على قاضي التحقيق في المحكمة في الكرادة. لم يكن لدي محام ولم تعين المحكمة لي واحداً يحضر معي الجلسة. وقلت للقاضي إنني تعرضت للضرب أثناء استجوابي في مركز الشرطة، لكنه لم يرد على ما قلته. لم يسألني سوى إن كان لدي ما أضيفه، وقال إن قضيتي ستُحال إلى محكمة الجنح.[223]

وأبلغ علي هيومن رايتس ووتش بأنه بعد عشرين يوماً من القبض عليه نقلته الشرطة إلى سجن أبو غريب. وأُحيلت قضيته في وقت لاحق إلى محكمة الجنايات، وفي اليوم الذي قابلته فيه المنظمة أُجلت محاكمته بسبب غياب القاضي.

الحالة (ب)

تحسين درعم بلاسم: وهو رجل في الخامسة والعشرين من عمره من محافظة العمارة ويعمل في بغداد ويقيم بها. وأبلغ هيومن رايتس ووتش بأنه ينتمي إلى منظمة بدر.[224] وقد ألقت دورية عسكرية أمريكية القبض عليه هو وشقيقه على جسر 7 نيسان في بغداد يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2003 واقتادتهما إلى مركز شرطة المثنى في منطقة الزيونة. وقال تحسين إنه كان يحاول العثور على شخص يعتقد أنه مسئول عن قتل ابن خالته والإمساك به:

ما أن دخلنا مركز الشرطة حتى عصب أفراد الشرطة العراقية عيني وقيدوا يدي خلف ظهري واقتادوني إلى غرفة الاستجواب. وبدأ المحقق يستجوبني وقال لي أن اعترف بارتكاب جرائم سطو وخطف. وأنكرت هذا فبدأوا يضربونني بالكابلات. كما استخدموا الصدمات الكهربية من خلال ربط أسلاك بأذني وقضيبي. بعد ذلك اعترفت. وفي اليوم التالي عُرضت على قاضي التحقيق، وأنكرت التهم قائلاً إنني اعترفت تحت وطأة التعذيب. ولم يُحِلني إلى [معهد] الطب الشرعي على الرغم من أنني أريته جسمي وآثار التعذيب. وقلت للقاضي إنني لست مجرماً، وإنني جئت لحل قضية عشائرية. وقلت إن شخصاً ما قتل ابن خالتي وإنني أردت الثأر منه. ولذا فتحوا قضية أخرى ضدي لكنهم لم يسقطوا التهم الأولى.

وبعد أن أعادوني إلى مركز شرطة المثنى ضربني أفراد الشرطة من جديد واستخدموا الصدمات، الكهربية حيث صعقوني بها في أذني وقضيبي. واستمر التعذيب قرابة أربع ساعات. وسألوني لماذا أنكرت التهم أمام القاضي، ولماذا قلت إن قضيتي من نوع عشائري. وبعد عشرة أيام أحضروا مجموعة من الأشخاص سُرقت سيارتهم، وتعرف علي أحدهم على أنني الشخص الذي سرقها. وهكذا فتحوا قضية أخرى ضدي. ولكن رغم أنهم عذبوني من جديد لساعتين أخريين كي أعترف بهذه الجريمة، فلم أعترف، سواء لهم أم أمام قاضي التحقيق. وبعد فترة طويلة أُحلت إلى محكمة الجنايات في الكرادة وبُرئت من هذه التهمة الأخيرة، لكنني ما زلت في السجن بسبب التهمتين الأخريين.[225]

الحالة (ج)

نصير غني محسن: وهو حارس يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً ويعمل في وزارة الصحة، وقد ألقت الشرطة القبض عليه في 12 أغسطس/آب عام 2004 في منطقة الباب الشرقي في بغداد. وأبلغ هيومن رايتس ووتش بأنه في ذلك اليوم سرقه أفراد عصابة في الشارع حيث سطوا على ساعته، وحقيبة تحوي ملابس، و120 دولاراً أمريكياً. وقال إنه طلب من أحد المارة 500 دينار حتى يتمكن من العودة إلى بيته، وإن ذلك الشخص أشار إلى سيارة للشرطة تقف على مقربة منهما وقال إنهم قد يتمكنون من مساعدته:

توجهت نحو السيارة، وجاء الرجل الذي طلبت منه المال ورائي. وعندما وصلنا إلى هناك اتهمني الرجل بأنني حاولت أن أسرقه. كان الشرطيان يرتديان الزي العادي للشرطة، لكنهما ما كانا مسلحين وما كانا يضعان الشارات التي تثبت أنهما من الشرطة. وكانت سيارتهما سوداء اللون من طراز بي.إم.دبليو. وبعد أن استمعا إلى الشكوى ضدي أخذا يضربانني بعصا أمام المارة، ثم وضعاني في صندوق السيارة وأخذاني إلى مركز شرطة السعدون. كان ذلك يوم خميس في نحو الواحدة ظهراً.

وما أن دخلت مركز الشرطة حتى أخذاني إلى الطابق الثاني. وسألني المحقق عن قضيتي فأبلغته بأنني لا أعرف. كل ما فعلته هو أنني طلبت من شخص ما 500 دينار فشكاني إلى الشرطة. وأمر الضابط بأن يضربوني حتى أقول الحقيقة فلكمني أحد الآخرين في ظهري وبطني وفي رأسي ووجهي. ولطمني في فمي بعقب بندقيته فجعلت شفتاي تنزفان. بعد ذلك قلت لهم إنني مذنب وإنني حاولت أن أسرق الرجل الذي قدم الشكوى. وقد تعرضت للتعذيب بضع دقائق لكن بمجرد أن اعترفت توقف التعذيب. ودون الضابط إفادتي وطلب مني أن أوقعها وهو ما فعلته.

وبعد ذلك أخذوني إلى زنزانة التوقيف في المركز. كنا عشرين شخصاً في الغرفة. ولم تقدم لنا الشرطة أي طعام أو ماء. شربنا الماء من المرحاض وتقاسمنا الطعام الذي تلقاه بعض المحتجزين من أسرهم. ولم يسمحوا لي بالاتصال بأسرتي لأخبرهم بأنني في مركز شرطة السعدون، لكن بعد ذلك بخمسة أيام تمكنت من إرسال الخبر لهم بعد أن أُفرج عن أحد المحتجزين. أعطيته عنوان أسرتي وطلبت منه أن يتصل بهم.

وفي 20 أغسطس/آب عرضوني على قاضي التحقيق في الكرادة. وكان هناك رجل آخر في الغرفة. لم أعرف إن كان محامياً عينته لي المحكمة حيث أنه لم يتكلم معي على الإطلاق، وإنما قال للقاضي إن المشتكي لم يحضر وعنوانه غير معروف. ولذا أجل القاضي الجلسة إلى أن يتم العثور على المشتكي. وأُعدت إلى مركز الشرطة لأسبوع آخر، ثم نُقلت إلى سجن التسفيرات لشهر، ثم إلى أبو غريب لقرابة أسبوعين. واليوم بُرئت، ولم يظهر المشتكي قط، لكنني متهم بتهمة أخرى ما زالت قائمة ضدي تتعلق بحيازة مسدس غير مرخص. وسيتولى نفس المحامي الذي دافع عني في التهمة الأولى والذي وكله أبواي الدفاع عني ثانية.[226]

وأضاف نصير في نهاية المقابلة أن أبويه تمكنا من زيارته ما أن علما بمكان احتجازه. إلا أنه قال إنهما اضطرا في كل مرة لدفع خمسة آلاف دينار للشرطة حتى يمكنهما القيام بالزيارة التي كانت تستمر عادة ما بين خمس عشرة وثلاثين دقيقة.

الحالة (د)

رائد محمد عطية عباس البديري: وهو سائق شاحنة يبلغ من العمر ثلاثين عاماً ويعيش في بغداد ويعمل بها. وقد اتهمته الشرطة بسرقة سيارة وكمية من الذهب من البنك المركزي العراقي في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط حكومة صدام حسين.[227] وأبلغ هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة ألقت القبض عليه هو وشقيقه رعد في نحو السابعة صباحاً يوم 24 مارس/آذار عام 2004 في منزلهما بحي الأطباء في بغداد. وقال إن الشرطة أخذت عند تفتيش منزلهما حلياً ذهبية من غرفة النوم الخاصة بوالدته، كما أخذت سيارتين كانتا في المرأب قال إن إحداهما تخص شخصاً لبنانياً هو شريك شقيقه في العمل التجاري. واقتادتهما الشرطة هو وشقيقه إلى مركز شرطة بلاط الشهداء في منطقة الدورة:

عند وصولنا إلى مركز الشرطة وضعوني أنا وشقيقي في زنزانة التوقيف وفكوا وثاق أيدينا. وبعد نصف ساعة استُدعيت للاستجواب. وكبلوا يدي خلف ظهري بالقيود المعدنية. واستجوبني أربعة منهم وطلبوا مني أن أعترف بسرقة السيارتين. كما اتهموني بسرقة الذهب وطلبوا مني أن أعترف بذلك. فقلت إنني لا علاقة لي به. وأمسكني اثنان منهم من الخلف واستخدم المقدم [حُجب الاسم] عصا ضربني بها على باطن قَدَمَيّ. كما ضربني على ظهري وأجزاء أخرى من جسمي وهو يطلب مني طول الوقت أن أعترف بسرقة السيارتين والذهب. واستمر هذا مع السباب والشتائم البذيئة ساعة كاملة.

بعد ذلك أعادوني إلى الزنزانة واستدعوا أخي على الفور. واستُجوب بنفس الطريقة مع التعذيب والضرب. ولم يسمحوا لنا بزيارات من الأسرة ولم يقدموا لنا أي طعام. واشترى محتجزون آخرون طعاماً من خلال تسليم أفراد الشرطة المال ليشتروه لهم، واقتسموه معنا. وشربنا الماء من الصنبور في المرحاض الذي استخدمناه أيضا في الاغتسال. وعندما وصلنا في البداية إلى مركز شرطة بلاط الشهداء كان هناك خمسة وثلاثون محتجزاً. كانت هناك أسرة مثبتة في الجدار للجميع لكن بعد فترة رُفعت من الزنزانة وبات علينا أن ننام على الأرض.

واستمر الاستجواب قرابة أسبوع. وفي كل مرة كانوا يأخذونني أنا أو أخي ويعذبوننا لساعة أو نحو ذلك، عادة في حوالي الظهر. ثم وصل محام وقال إن أبوي وكلاه للدفاع عنا. وتحدثنا عشر دقائق. وفي اليوم التالي أحالونا أنا وأخي إلى المحقق العدلي في مركز الشرطة. وتوقف التعذيب وسمحوا لنا بزيارات الأسرة.[228]

وحسب إفادة رائد أحاله مسئولو التوقيف هو وشقيقه بعد شهرين ونصف الشهر إلى قاض للتحقيق في محكمة جنايات البياع أبلغهما بأنه سيتم إسقاط تهمة سرقة السيارة. وبعد ثلاثة أيام نُقلا إلى مركز شرطة باب الشيخ حيث قضيا سبعة عشر يوماً دون أن يُوجه إليهما سؤال. ثم نقلتهما الشرطة بعد ذلك إلى سجن التسفيرات لينتظرا مثولهما أمام المحكمة بتهمة سرقة كمية من الذهب من البنك المركزي العراقي. وأبلغ رائد هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة جاءت به إلى محكمة جنايات الكرادة على سبيل الخطأ بسبب تشابه اسمه مع اسم محتجز آخر. وقال إنهم سيعيدونه إلى سجن التسفيرات، وتساءل عما سيحدث له ولأخيه.

الحالة (ه)

حميد فرحان سلمان: وهو كاسب باليومية يعيش في منطقة الزعفرانية في بغداد، وألقت الشرطة القبض عليه في 15 مارس/آذار عام 2004 بتهمة القتل. وقال لهيومن رايتس ووتش:

نشب نزاع حاد بيني وبين سائق شاحنة أثناء المرور في الشارع، وبدأنا نتبادل إطلاق النار من مسدسينا، ونتيجة لذلك قُتل أحد المارة. وفي الوقت نفسه بدأ مجموعة من أشخاص من مقر حزب الدعوة القريب إطلاق النار أيضاً، وكذلك عدد من رجال الشرطة. وأمسكت مجموعة حزب الدعوة بسائق الشاحنة وسلمته إلى مركز شرطة الزعفرانية وهربت أنا. وبعد نصف ساعة ذهبت إلى مركز الشرطة لتسليم نفسي. وكان ذلك في نحو الساعة السابعة والنصف مساءً.

واعترفت بدوري في النزاع، ولم أكن متأكدا مما إذا كان أحد قد قُتل. وأُلقي القبض علي على الفور، وبعد خمس عشرة دقيقة أخذوني أنا وسائق الشاحنة إلى غرفة المحقق. واستجوبونا دون أن يضربونا. وأنكر سائق الشاحنة أنه يعرفني أو أنه كان ضالعاً في نزاع معي، وهو ما لم يكن صحيحاً. وبعد أسبوع عُرضت على قاضي التحقيق. ولم يكن لدي محام ولذا عينت لي المحكمة واحداً، لكنه لم يقل لي كلمة واحدة ولم أره ثانية بعد ذلك. وعدت إلى مركز شرطة الزعفرانية، وبعد أسبوع استُجوبت من جديد.

عُصبت عيناي وقُيدت يداي خلف ظهري. واتهمني المقدم بأنني رشوت المحقق في قضيتي، وأخذ يضربني بكابل على ظهري حتى أعترف. واستمر هذا نحو عشر دقائق. ثم أمسكني اثنان منهم وتعرضت للكم في كل جسدي. وفي اليوم التالي قدمت شكوى ضد ضابط الاستجواب إلى قائد مركز الشرطة، ونُقل الضابط إلى مركز آخر. وبقيت هناك قرابة شهر ونصف الشهر، ثم نقلوني أنا وسائق الشاحنة إلى مركز شرطة المسبح. وأحسنت  الشرطة هناك معاملتنا لكنها لم تقدم لنا طعاماً قط. وكانت أسرتي تزورني كل يوم خميس، وفي الأيام الأخرى كانت الشرطة تسمح لهم بزيارتي بعد الساعة الثالثة عصراً لعشر دقائق في كل مرة مقابل مبلغ من المال. وبعد حوالي شهرين أُفرج عن سائق الشاحنة بكفالة، وبعد ذلك بأسبوعين نُقلت إلى سجن التسفيرات. وفي اليوم التالي أُرسلت إلى أبو غريب.[229]

ووصف حميد المعاملة في سجن أبو غريب بأنها جيدة. وقال إنه يتلقى ثلاث وجبات في اليوم، ويستقبل زيارات من أسرته مرة كل أسبوع، ويُسمح له بالخروج إلى فناء السجن للتريض دون سلاسل مرة كل أسبوعين، وقابلته اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وفي الوقت الذي أُجريت فيه المقابلة كان ما زال محتجزاً في أبو غريب. وأبلغ هيومن رايتس ووتش بأنه حل القضية مع أسرة الرجل الذي قُتل بالأسلوب القبلي التقليدي الفصل العشائري. فمقابل مبلغ قدره خمسة ملايين دينار وافقت الأسرة على إسقاط تهمة القتل الموجهة إليه. وقال إنه برغم ذلك فلم يُفرج عنه. وكان من المقرر محاكمته في اليوم الذي قابلته فيه هيومن رايتس ووتش، إلا أن القاضي أجل الجلسة حتى 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 2004.

شكر وتقدير

قامت بالبحوث الخاصة بهذا التقرير وكتبته هانية المفتي، المدير الإقليمي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش. وتولت مهمة تحريره سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش. وقامت بمراجعته ويدني براون، نائبة مدير البرامج في هيومن رايتس ووتش، وجيمس روس كبير المستشارين القانونيين لهيومن رايتس ووتش. وشارك في إعداد هذا التقرير للنشر كل من ليلى هل وطارق رضوان، مساعدان بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفيرونيكا ماتوشاج، محررة الصور والمدير المساعد لقسم الخدمات الفنية، وأندريا هولي، مديرة الدعاية والنشر. وقدم كل من فيتزروي هيبكينز، مدير البريد، وجاغديش باريخ، منسق محتوى اتصالات الانترنت، مساعدة إضافية في إنتاج التقرير.

وتود هيومن رايتس ووتش أن تعبر عن تقديرها لتعاون العديد من الأفراد في بغداد والنجف، الذين قدموا مساعدة إضافية لتيسير إجراء المقابلات، ولكن لا يمكن الإفصاح عن أسمائهم حيث أنهم باقون في العراق. أما بالنسبة لمن هم خارج العراق، فنقدم الشكر إلى مايك فرانسيس من جريدة "ذى أوريغونيان"، والكابتن جاريل ساوثهول من الحرس الوطني في ولاية أوريغون. كما نقدر التعاون الذي لاقيناه من الشرطة العراقية، والعاملين في الهيئات القضائية والطبية، ومستشاري القوة المتعددة الجنسيات في العراق، في جمع المعلومات اللازمة لإعداد هذا التقرير.

وتود هيومن رايتس ووتش كذلك أن تشكر مؤسسة روكفلر براذرز فاند، ومؤسسة جون دي، وكاثرين تي. مكارثر فاونديشن، وستيتشتينغ فلوشتلينغ، وإن.أو.في.آي.بي.، ومؤسسة جيه.إم. كابلان فاند، ومؤسسة ديفيد ولوسيل باكارد فاونديشن، ومؤسسة أوك فاونديشن، ومؤسسة روث مكلين باومان بوارز فاونديشن، وإيه.سي.تي. هولندا، وهي مشروع مشترك بين كيركيناكتي وآي.سي.سي.أو.، وكثيراً من الأفراد الذين ساهموا في صندوق هيومن رايتس ووتش للطوارئ في العراق.

[1]بدأت السلطات العراقية ممثلة في "مجلس الحكم العراقي" الاضطلاع بالمسؤولية عن المحتجزين في إطار نظام العدالة الجنائية في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول عام 2003، حيث احتجزت أفراداً متهمين بما يسمى جرائم "العراقيين ضد العراقيين".

[2]اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص معاملة قوات الائتلاف لأسرى الحرب وغيرهم من الأشخاص الذين يتمتعون بحماية اتفاقيات جنيف في العراق خلال القبض والاحتجاز والاستجواب، فبراير/شباط 2004، ص 16. وورد أن هذا التقرير الذي لم تصدره اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد سربه مسئول أمريكي لوسائل الإعلام بعد تكشف فضيحة أبو غريب في مايو/أيار عام 2004. وكان العديد من مراكز الاحتجاز التي أشار إليها تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر فيما يتصل بإساءة معاملة النزلاء من بين المنشآت التي تلقت منظمة هيومن رايتس ووتش منها أيضا مزاعم مماثلة، بما في ذلك مديرية الجرائم الكبرى ومراكز الشرطة في الدورة والبياع والقناة والصالحية.

[3]تنص المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصاً صريحاً على أنه لا يجوز للدول الأطراف أن تحل نفسها في حالات الطوارئ من الالتزام بحقوق أساسية من بينها حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وتقول هذه المادة: "1 يجوز للدول الأطراف في العهد الحالي، في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة والتي يعلن عن وجودها بصفة رسمية، أن تتخذ من الإجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقا للعهد الحالي إلي المدى الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع، على أن لا تتنافى هذه الإجراءات مع التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي ودون أن تتضمن تمييزاً على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل الاجتماعي فقط. 2. ليس في هذا النص ما يجيز التحلل من الالتزامات المنصوص عليها في المواد 6 و7 [الخاصة بحظر التعذيب والعقوبة أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة] و8 (فقرة 1و2) و11 و15 و16 و18." وقد صدق العراق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1971.

[4]قانون الإجراءات الجنائية، رقم 23 لسنة 1971، بنصه المعدل، المادة 92. وقد عدلت سلطة الائتلاف المؤقتة قانون الإجراءات الجنائية في أوقات مختلفة منذ أبريل/نيسان عام 2003.

[5]قانون الإجراءات الجنائية، المادة 123.

[6]تتراوح المبالغ التي يُزعم أن المحققين أو غيرهم من مسئولي الشرطة يطالبون بها بين مائة دولار أمريكي وعدة آلاف من الدولارات، وهي مبالغ في غير متناول معظم العراقيين اليوم. وأبلغ بعض من أُجريت معهم المقابلات منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه في بعض الأحيان تتم عملية تفاوض تفضي إلى تخفيض المبالغ التي يطالب بها المسئولون أو قبول دفعها بما يعادلها بالدينار العراقي أو كليهما. ومنذ نقل السيادة في أواخر يونيو/حزيران عام 2004 تراوح سعر صرف الدولار الأمريكي بين 1,40 و1,46 دينار للدولار الواحد.

[7]انظر"Sacking of crusading judge fans concerns over Iraq rights record", Agence France Presse, October 18, 2004.

[8]وفقاً للمادة 26 (أ) من قانون إدارة الدولة المؤقت "ستبقى القوانين النافذة في العراق في 30 (يونيو) حزيران 2004 مطبقة فيه، إلاإذا نص هذا القانون على خلاف ذلك إلى حين قيام الحكومة العراقية الانتقالية بإلغائها وفقاً لهذا القانون." وقبيل نقل السيادة، قام رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة بنقل السيطرة على نظام السجون العراقي إلى وزير العدل (أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 100 الصادر في 28 يونيو/حزيران عام 2004 الخاصة بالقوانين واللوائح التنظيمية والأوامر والإشعارات العامة المؤقتة الصادرة عن سلطة الائتلاف المؤقتة). وينص الجزء رقم 6(2) من أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 100 على أن يظل وزير العدل مسئولا مسؤولية كاملة عن نظام السجون العراقي على أن يقدم تقارير دورية إلى رئيس الوزراء فيما يتعلق بوضع نظام السجون العراقي. وفي حدود علم منظمة هيومن رايتس ووتش لم تُجر منذ ذلك الحين أي تعديلات أخرى على القانون الذي أصدرته سلطة ائتلاف المؤقتة فيما يتعلق بإدارة السجون ومرافق الاحتجاز.

[9]أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 10 الصادر في 8 يونيو/حزيران عام 2003 (إدارة السجون ومرافق احتجاز السجناء).

[10]المذكرة رقم 2 الصادرة عن سلطة ائتلافية المؤقتة بتاريخ 8 (يونيو) حزيران 2003 (إدارة السجون ومرافق احتجاز السجناء). ينص الجزء 14(5) من المذكرة على السماح لمندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدخول السجون "كلما طلبت اللجنة ذلك ويُسمح لهم كذلك بتفقد الترتيبات الصحية في السجن وترتيبات الصرف الصحي وظروف المعيشة ومقابلة جميع المحتجزين على انفراد"؛ كما يُسمح لهم أيضاً بنقل رسائل من الشخص المحتجز إلى أسرته وبالعكس.

[11]أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 91 الصادر في 2 يونيو/حزيران عام 2004 (تنظيم القوات المسلحة والميليشيات في العراق). وقد أعلن مقتدى الصدر عند تأسيس جيش المهدي أن وظيفته هي حماية السلطات الدينية الشيعية في النجف.

[12]أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 13 (منقَّح ومعدل) الصادر في 11 يوليو/تموز عام 2003 (المحكمة الجنائية المركزية في العراق). والجرائم التي تقع في نطاق ولاية المحكمة الجنائية المركزية هي أساساً، وليس حصراً، جرائم الإرهـاب؛ والجريمةالمنظمة؛والفسادالحكومي؛وأي أعمالالغرضمنهازعزعةاستقرارالمؤسساتأوالعملياتالديمقراطية؛ وأعمالالعنفالتيتقعبسببالانتماءالعرقيأوالوطنيأوالإثنيأوالديني. وتنظر المحكمة أيضاً القضايا فيالحالاتالتيقديتعذرفيها علىالمتهمبارتكابجريمةماالحصولعلىمحاكمة منصفةفيمحكمةمحلية .(القسم 18 (2) من أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 13 المعدل في 22 إبريل/نيسان عام 2004) وكانت سلطة الائتلاف المؤقتة قد أعلنت عزمها إنشاء المحكمة الجنائية المركزية في إشعار عام (إنشاء محكمة جنائية مركزية للعراق وإدخال تعديلات على قانون أصول المحاكمات الجزائية) صدر بتاريخ 18 يونيو/حزيران عام 2003.

[13]أمر الدفاع عن السلامة الوطنية، رقم 1 لسنة 2004 الصادر في 3 يوليو/تموز عام 2004. وتنص المادة 7(1) على أن: "تتولى المحكمة الجنائية المركزية في العراق النظر في الجرائم الكبرى المرتكبة خلال مدة سريان حالة الطوارئ التي يحيل قضاياها القاضي المختص كجرائم القتل والتسليب والاغتصاب والخطف وتخريب أو تفجير أو إحراق أو إتلاف الأموال العامة والخاصة وحيازة الأسلحة الحربية وعتادها أو صنعها أو نقلها أو تهريبها أو المتاجرة بها."

[14]مراكز الشرطة السبعة هي: السعدون وبلاط الشهداء والمسبح والزعفرانية والمثنى وبغداد الجديدة وجسر ديالى.

[15]تماشياً مع اتفاقية حقوق الطفل التي انضم إليها العراق وصار من أطرافها تعَرِّف هيومن رايتس ووتش الطفل بأنه أي شخص دون سن الثامنة عشرة.

[16]معهد الطب العدلي هو المركز الرئيسي في العراق للطب الشرعي.

[17] انظر:Douglas Jehl and Neil A. Lewis, "U.S. Said to Hold More Foreigners in Iraq Fighting," New York Times,  Jan. 8, 2005.

[18] قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، 8 مارس/آذار 2004، المادة الثانية (أ).

[19] هذه الحقوق وغيرها، بما في ذلك الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والانضمام إليها والاعتقاد الديني، والحق في عدم التعرض للتمييز على أساس الجنس أو القومية أو الديانة أو الأصل، مكفولة بموجب الباب الثاني من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الحقوق الأساسية: المواد من العاشرة إلى الثالثة والعشرين).

[20] ملحق قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، 1 يونيو/حزيران 2004 (القسم الثاني: مؤسسات الحكومة العراقية المؤقتة وصلاحياتها).

[21] عينت سلطة الائتلاف المؤقتة مجلس الحكم العراقي المؤقت في 13 يوليو/تموز 2003 (اللائحة التنظيمية رقم 6، سلطة الائتلاف المؤقتة-مجلس الحكم العراقي (CPA/ REG/ 13 July 2003/ 06، وحل المجلس نفسه لدى تعيين الحكومة العراقية المؤقتة في 1 يونيو/حزيران 2004 (اللائحة التنظيمية رقم 9، سلطة الائتلاف المؤقتة-حل مجلس الحكم العراقي CPA/REG/9 June 2004/9)

[22] قرار مجلس الأمن رقم 1546، S/RES/1546 (2004). وتوضح ملاحق القرار، وهي نصا خطابين من رئيس الوزراء العراقي المؤقت أياد علاوي ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول، بتاريخ الخامس من يونيو/حزيران عام 2004، إلى رئيس مجلس الأمن، دور القوة المتعددة الجنسيات في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق.

[23] المرجع السابق.

[24] في خطابه المؤرخ بتاريخ الخامس من يونيو/حزيران عام 2004 إلى رئيس مجلس الأمن يشير رئيس الوزراء العراقي أياد علاوي إلى أنه يعتزم أن ينشئ "بالتعاون مع القوة المتعددة الجنسيات أجهزة على الصُعد الوطني والإقليمي والمحلي تضم قادة القوات الأمنية وزعماء مدنيين لكفالة التنسيق بين القوات الأمنية العراقية والقوة المتعددة الجنسيات بشأن جميع السياسات والعمليات الأمنية..." وكذلك تبادل المعلومات  "ومع تحسن القدرات العراقية، ستتولى القوات الأمنية العراقية المزيد من المسؤوليات تدريجيا."

[25]اللائحة التنظيمية رقم 10 الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة في 9 يونيو/حزيران 2004 (أعضاء الحكومة العراقية المؤقتة المعينة).

[26] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 68 الصادر في 4 إبريل/نيسان عام 2004 (اللجنة الوزارية للأمن القومي). ويقضي الأمر بإنشاء اللجنة الوزارية للأمن القومي وبأن تعمل اللجنة "تحت إمرة وتوجيه وسيطرة المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة... إلى أن يتم نقل كامل سلطة الحكم إلى الحكومة العراقية الانتقالية." ويرأس اللجنة حالياً رئيس الوزراء، وأعضاؤها الدائمون هم وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والمالية. وتضم اللجنة الوزارية للأمن القومي أيضاً عدة أعضاء استشاريين دائمين، كما يُدعى قائد القوة المتعددة الجنسيات  للمشاركة في اجتماعاتها حسب مقتضى الحال. أما فيما يتعلق بدورها فيكتفي الأمر رقم 68 بالإفادة بأن "مهمتها تسهيل وتنسيق سياسة الأمن القومي بين وزارات ووكالات الحكومة العراقية المكلفة بقضايا الأمن القومي." (القسم 1 (1)).

[27] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 69 الصادر في 1 إبريل/نيسان 2004 (تفويض بإنشاء جهاز المخابرات الوطني العراقي).

[28] انظر "نص بيان رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي حول مستقبل حماية العراق وأمنه"، جريدة الصباح الجديد، 22 يونيو/حزيران 2004؛ انظر أيضاً:

Jim Krane, "Iraq's interim leader plans security shake-up," Associated Press, June 21, 2004; Tom Lasseter and Hannah Allam, "Iraqi leader outlines security overhaul; Iraqi Prime Minister Iyad Allawi announced an ambitious plan for reestablishing an Iraqi military, including an air force, coast guard and special forces," Knight Ridder News Service, June 21, 2004;

وصادق رحيم وعلي خليل، "علاوي يتهم أطرافاً خارجية بالتورط في تنفيذ العمليات الإرهابية ويعلن تأسيس مديرية عامة للأمن الوطني"، الزمان، 21 يونيو/حزيران 2004. وأدلى رئيس الوزراء بتصريحات أخرى بخصوص إنشاء هيئة أمنية جديدة في مؤتمر صحفي آخر في 16 يوليو/تموز عندما أعلن القبض على أشخاص زُعم أنهم من شخصيات القاعدة الرئيسية. انظر "إنشاء جهاز أمني جديد لملاحقة الإرهاب والمتعاونين معه: تجدد المواجهات في الفلوجة وانتشال جثة ثانية مقطوعة الرأس في نهر دجلة"، المدى، 17 يوليو/تموز 2004، و"علاوي يعلن عن إنشاء جهاز أمني جديد ويؤكد اعتقال رؤوس كبيرة من القاعدة، بغداد، 17 يوليو/تموز 2004.

[29] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 2 الصادر في 23 مايو أيار عام 2003 (حل الكيانات العراقية). وورد أن المستشار الأمني الجديد لوزارة الداخلية هو اللواء عدنان ثابت السامرائي ("إعادة هيكلة مديرية الأمن العامة"، النهضة، 21 يونيو/حزيران 2004).

[30] بموجب المادة 1 من الأمر يمكن إعلان حالة الطوارئ " عند تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم يهدد الأفراد في حياتهم، وناشئ من حملةمستمرة للعنف، من أي عدد من الأشخاص لمنع تشكيل حكومة واسعة التمثيل في العراق أوتعطيل المشاركة السياسية السلمية لكل العراقيين أو أي غرض آخر".

[31] انظر مثلاً: Betsy Pisik, "Human rights a priority in Iraq; Official tried to allay fears on security law, hits U.N.," The Washington Times, July 9, 2004.

[32] أمر الدفاع عن السلامة الوطنية، المادة 4.

[33] المرجع السابق، المادة 3 (أولا وثانيا).

[34] المرجع السابق، المادة 9 (ثانيا).

[35] تنص المادة الخامسة عشرة (ب) من قانون إدارة الدولة على سبيل المثال على "أن ظروفاً مُلحة للغاية, كما تقررّه محكمة ذات اختصاص, قد تبرّر إجراء التفتيش بلا إذن, ولكن يجب عدم التوسع في تفسير مثل هذه الظروف المُلحة, وفي حالة إجراء تفتيش بلا إذن عند عدم وجود ظرف مُلح للغاية فإن الأدلة أو القرائن التي يُعثر عليها في مثل هذا التفتيش لا يُعتد بها بشأن تهمة جنائية، إلا إذا قررت المحكمة أن الذي قام بالتفتيش بلا إذن كان يعتقد بشكل مقبول وبحسن نية أن التفتيش موافق للقانون."

[36] انظر: Betsy Pisik, "Human rights a priority in Iraq," The Washington Times, July 9, 2004. انظر أيضاً محمد عبد الخالق، "الحكومة توقع على قانون الدفاع عن السلامة الوطنية"، الصباح الجديد، 8 يوليو تموز 2004.

[37] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 7 الصادر في 9 يونيو/حزيران 2004. ينص القسم 3 (1) من الأمر على أن "تـُعلقعقوبةالإعدام . فيكلحالةتكونفيهاعقوبةالإعدامهيالعقوبةالوحيدةالمنصوصعليها لمعاقبة مرتكب الجناية، يجوز للمحكمة أن تستعيض عنها بمعاقبة المتهم بالسجن مدى الحياة أو بفرض عقوبة أخرى عليه أقل منها، وفقاً لما ينص عليه قانون العقوبات."

[38] وأُعيد العمل بعقوبة الإعدام كذلك بالنسبة لجريمتين أخريين وهما استخدام مواد جرثومية ضارة بالصحة العامة وتسبب الوفاة والاعتداء على سلامة النقل ووسائل المواصلات.

[39] أمر إعادة العمل بعقوبة الإعدام، رقم 3 لسنة 2004، 8 أغسطس/آب 2004. ويقضي الأمر كذلك بتخفيف أحكام الإعدام التي صدرت وباتت قطعية  قبل سريان مفعول الأمر إلى السجن المؤبد (المادة 7). وتعلم هيومن رايتس ووتش بعدة أحكام بالإعدام صدرت قبل أغسطس/آب 2004، ومعظمها إن لم يكن كلها بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار. وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول 2004 قال وزير العدل العراقي في حديث صحفي إن ما بين 150 و160 من "المقاتلين العرب" اتُهموا بتنفيذ أعمال إرهابية وقد يُعاقبون بالإعدام إذا أدانتهم المحاكم الجنائية. وتردد أن من بينهم مصريين وأردنيين ولبنانيين ومغاربة وسوريين ويمنيين وكذلك إيرانيين. انظر:"About 150 Arab fighters face death penalty in Iraq: minister," Agence France Presse, October 24, 2004.

[40] نقلاً عن تصريحات لوزير حقوق الإنسان العراقي بختيار أمين في مؤتمر صحفي في بغداد في 8 أغسطس/آب 2004. انظر فؤاد جاسم حمودي، "إعادة العمل بعقوبة الإعدام"، النهضة، 9 أغسطس/آب 2004 و"حمايةً لأمن العراق وأرواح سكانه وحقوق الإنسان فيه: تقرر إعادة العمل بعقوبة الإعدام"، الصباح الجديد، 9 أغسطس/آب 2004.

[41] أمر العفو، رقم 2 لسنة 2004، الصادر في 4 أغسطس/آب 2004.  وقصر هذا الأمر الاستفادة من شروط العفو على المواطنين العراقيين الذين ارتكبوا الجرائم المنصوص عليها في الفترة الواقعة بين 1 مايو/أيار عام 2003 وتاريخ نفاذ مفعول الأمر. وكان من المقرر أصلا أن يسري الأمر لمدة 30 يوماً إلا أنه تم تمديد العفو شهرا آخر في أواسط سبتمبر/أيلول عام 2004. ولم تعرف هيومن رايتس ووتش بعدد من استفادوا من العفو.

[42] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 9. وينبغي لأي دولة، حتى تفي بالتزاماتها بموجب المادة 9، أن تحدد في تشريعاتها الأسباب التي من شأنها أن تعرض الشخص لتجريده من حريته والإجراءات المتبعة في تنفيذ القبض والاحتجاز. ولا تُعد أي إجراءات في هذا الصدد مشروعة ما لم تُتخذ وفقاً لهذه القواعد، وهو ما يحد من السلطة التقديرية للموظفين الرسميين الذين ينفذون عملية القبض. وفضلاً عن ذلك يعني حظر التعسف أن تجريد الأشخاص من حريتهم، حتى إذا كانت نصوص القانون تجيزه، ينبغي أن يكون متناسباً مع أسباب الاعتقال وأن يكون في حدود مقررة سلفاً. ويُعتبر إلقاء القبض على الأشخاص لممارستهم حقوقهم الأساسية  تعسفياً ويمثل في هذه الحالة انتهاكاً للقانون الدولي. وتقتضي المادة 9 كذلك، وعلى وجه الخصوص، إبلاغ المعتقلين على الفور بأسباب اعتقالهم وإبلاغهم على وجه السرعة بأي تهم منسوبة إليهم والإسراع بعرضهم على قاض له صلاحية البت في شرعية احتجازهم.

[43] ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 9 (3) على أنه "يجب تقديم المقبوض عليه أو الموقوف بتهمة جزائية فوراً أمام القاضي أو أي موظف آخر مخول قانونياً ممارسة صلاحيات قضائية، ويكون من حق المقبوض عليه أو الموقوف أن يُقدم إلى المحاكمة خلال زمن معقول أو أن يُفرج عنه".

[44] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 10 (1).

[45] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 7.

[46] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 14.

[47]العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 14 (3) (ب) (إعداد الدفاع). وينص التعليق العام رقم 13 للجنة المعنية بحقوق الإنسان على أنه ينبغي بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية "أن يُعطى المتهم من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه... تنص هذه الفقرة الفرعية على أن يتصل المحامي بالمتهم في شروط تضمن التقيد الكامل بسرية اتصالاتهما. وينبغيأن يكون بإمكان المحامين أن يقدموا المشورة إلى موكليهم وأن يمثلوهم وفقا لمعاييرهموأفكارهم المهنية الثابتة دون أية قيود أو تأثيرات أو ضغوط أو تدخلات لا مبرر لهامن أي جهة." وثيقة الأمم المتحدة رقم: . HRI/GEN/1/Rev.6 at 135 (2003) الفقرة 9. وتنص وثيقة مبادئ أساسية بشأن دور المحامين الصادرة عن الأمم المتحدة على أن "توفر لجميع المقبوض عليهم أو المحتجزين أو المسجونين فرص وأوقات وتسهيلات تكفى لأنيزورهم محام ويتحدثوا معه ويستشيروه، دونما إبطاء ولا تدخل ولا مراقبة، وبسريةكاملة. ويجوز أن تتم هذه الاستشارات تحت نظر الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين،ولكن ليس تحت سمعهم." مبادئ أساسية بشأن دور المحامين، A/CONF.144/28/Rev.1 at 118 (1990)، الفقرة 8.

[48] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 20، المادة 7 (الدورة الرابعة والأربعون 1992)، وثيقة الأمم المتحدة رقم: HRI\GEN\1\Rev.1 at 30 (1994), para. 2.

[49] لجنة مناهضة التعذيب، بحث التقرير الدوري الأول للمملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية. CAT/C/SR.91, November 15, 1991. وكررت لجنة مناهضة التعذيب التعبير عن قلقها بخصوص الاستجواب بمعزل عن العالم الخارجي عند بحثها للتقرير الدوري الثاني للمملكة المتحدة.  انظر، لجنة مناهضة التعذيب، بحث التقرير الدوري الثاني للمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية. الفقرة 29.

[50] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 20، المادة 7 (الدورة الرابعة والأربعون، 1992)، مجموعة التعليقات العامة والتوصيات العامة التي اعتمدتها الهيئات المعنية بمعاهدات حقوق الإنسان. وثيقة الأمم المتحدة رقم: HRI\GEN\1\Rev.1 at 30 (1994),، الفقرتان 11 و12.

[51] المرجع السابق، الفقرتان 13 و14.

[52] قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 92.

[53] قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 102 (أ).

[54] قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 123.

[55] قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 109 (أ) و(ج).

[56] قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 127.

[57] تنص المادة 213 (ج) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه يجوز للمحكمة أن تعتمد على الاعتراف وحده "إذا ما اطمأنت إليه ولم يثبت كذبه بدليل آخر".

[58] تنص المادة 333 من قانون العقوبات (رقم 111 لسنة 1969) على أن يُعاقب بالسجن أو بالتوقيف أي مسئول أو موظف عمومي يعذب أو يأمر بتعذيب متهم أو شاهد أو مخبر بغرض إرغامه على الاعتراف بارتكاب جريمة أو الإدلاء بإفادة أو تقديم معلومات بخصوص هذه الجريمة أو لحجب معلومات أو الإدلاء برأي معين فيما يتعلق بها. ويشمل التعذيب استخدام القوة أو التهديدات. والتوقيف حسب تعريفه بموجب المادتين 25 و26 من القانون هو الحبس مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات أما السجن فهو الحبس مدة تتراوح بين خمس سنوات و15 سنة.

[59] قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادة 3 (2).

[60] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 7 الصادر في 9 يونيو/حزيران عام 2003 (قانون العقوبات). وينص الجزء 3 (2) من الأمر على أنه "يُحظر التعذيب وتُحظر المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة أو غير الإنسانية."

[61] كانت المادة 218 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص قبل تعديلها على أنه "يشترط في الإقرار أن لا يكون قد صدر نتيجة إكراه مادي أو أدبي أو وعد أو وعيد. ومع ذلك إذا انتفت رابطة السببية بينها وبين الإقرار أو كان الإقرار قد أيد بأدلة أخرى تقتنع معها المحكمة بصحة مطابقته للواقع أو أدى إلى اكتشاف حقيقة معا جاز للمحكمة أن تأخذ به". ونصت مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 3 على أن "يُحذف كل ما ورد في الفقرة 218 بعد ورود كلمة قسر فيها للمرة الأولى." مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 3 الصادرة بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2004 (الإجراءات الجنائية)، الجزء 3 ج (7). وبموجب المذكرة نفسها عُدلت المادة 213 ج من قانون أصول المحاكمات الجزائية أيضاً بحيث صارت تجيز للمحكمة قبول الاعتراف "إذا ما اطمأنت إليه" مع حذف عبارة "ولم يثبت كذبه بدليل آخر" الجزء 3 ج (6).

[62] مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 3 الصادرة بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2004 (الإجراءات الجنائية). وينص الجزء 4 على "عند قيام مسئول عراقي معني بتطبيق القانون بإلقاء القبض على أي شخص، يجب عليه إبلاغ الشخص الموقوف بحقه في التزام الصمت والامتناع عن الإجابة على الأسئلة واستشارة محام."

[63] المرجع السابق، الجزء 5 (أ)(ج) الذي ينص على أنه "يجب إبلاغ المحتجز الجنائي على وجه السرعة بحيثيات التهم الموجهة إليه من السلطات التي تتولى مذكرة الاعتقال، ويكون هذا الإبلاغ مكتوباً بلغة يفهمها الشخص المحتجز."

[64] المرجع السابق، الجزء 3 (ب) الذي ينص على أنه "قبل استجواب الشخص المتهم، يجب أن يبلغه قاضي التحقيق بما يلي: 1) إن الامتناع عن الإجابة على الأسئلة والتزام الصمت حق للمتهم (أو المتهمة)، ولن يؤدي قراره ممارسة هذا الحق إلى استنتاجات تعود عليه بالضرر؛ 2) للمتهم (أو المتهمة) الحق في الحصول على محام يمثله، وإذا تعذر عليه دفع أتعاب محام، تقوم المحكمة بتوفير محام لا يتحمل المتهم أتعابه."

[65] المرجع السابق، الجزء 3 (ج).

[66] قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، 8 مارس/آذار 2004، المادة الخامسة عشرة (ي).

[67] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 2 الصادر في 23 مايو/أيار 2003 (حل الكيانات العراقية).

 [68]أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 5 الصادر في 25 مايو/أيار 2003 (تأسيس المجلس العراقي لتطهير المجتمع العراقي من حزب البعث). وقد أُلغي هذا الأمر عند نقل السيادة إلى الحكومة العراقية المؤقتة في نهاية يونيو/حزيران 2004 (أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 100 الصادر في 28 يونيو/حزيران 2004 (انتقال القوانين واللوائح التنظيمية والأوامر والتوجيهات الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة).

[69] كان الاستثناء الوحيد هو إشعار عام فيما يخص جهاز المخابرات الوطني العراقي الذي أنشئ بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 69 الصادر في 1 إبريل/نيسان 2004 والذي يقع خارج نطاق ولاية وزارة الداخلية (انظر ما يلي).

[70] لأغراض هذا التقرير سيُشار دائماً إلى مديرية الجرائم الكبرى، برغم أن بعض حالات التعذيب التي يبرزها ترجع إلى فترات لم تكن المديرية قد أًنشئت فيها رسمياً بعد وكانت لا تزال وحدة أو مكتباً ضمن وزارة الداخلية.

[71] تفيد معلومات منظمة هيومن رايتس ووتش بأن من المرجح أن يكون المبنى الجديد لفرع الرصافة التابع لمديرية الجرائم الكبرى في منطقة الأعظمية في بغداد.

 [72]أقامت مديرية الجرائم الكبرى هذا المقر بعد طرد حركة حزب الله في العراق من حاكمية المخابرات في أواسط أغسطس/آب 2004 (انظر الفصل السادس).

[73] سُميت منطقة مدينة الصدر بهذا الاسم بعد سقوط حكومة صدام حسين في إبريل/نيسان 2003؛ وهي منطقة واسعة تقع في شمال شرق بغداد كانت تعرف من قبل باسم "مدينة الثورة" ثم باسم "مدينة صدام".

[74] أمر الدفاع عن السلامة الوطنية، رقم 1 لسنة 2004 (انظر الفصل الرابع).

[75] أبلغ أحد قضاة التحقيق منظمة هيومن رايتس ووتش بأن من بين مثل هذه الحالات حالة متهم أُحيل إلى المحكمة الجنائية المركزية بتهم تتعلق ببيع آثار بصورة غير مشروعة.

[76] يتردد أن من بين هذه الأجهزة مديرية الجرائم المهمة التي أنشأتها الحكومة العراقية المؤقتة بعد يوليو/تموز 2004، ويرأسها اللواء طارق البلداوي، ويقع مقرها في وزارة الداخلية، وكان لها في البداية فرعان يقع أحدهما في حي المنصور (قطاع الكرخ) والآخر في الكرادة (قطاع الرصافة)، غير أنه يتردد أن هذا الفرع الأخير لم يعد يعمل. وليس من الواضح أنواع الجرائم التي تقع في نطاق ولاية هذه المديرية، ولكن ورد أن من بين القضايا التي أحالتها إلى المحكمة الجنائية المركزية قضايا أشخاص اتُهموا بسرقة سيارات. ويتردد أن مكتب وزير الداخلية يحيل بين الحين والآخر قضايا فردية إلى هذه المحكمة مباشرة بما في ذلك قضية تتعلق بحالة خطف إلا إن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من هذا بشكل مستقل.

[77] ورد أن طابقين في المبنى الرئيسي للوزارة يُستخدمان في احتجاز الأشخاص المشتبه بهم بمعزل عن العالم الخارجي. وذكر عديد من المحتجزين الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الطابق السابع هو أحدهما.

 [78]أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 69 الصادر في 1 إبريل/نيسان 2004 (تفويض الصلاحية بإنشاء هيئة المخابرات الوطنية العراقية). وقد ألحق ميثاق الجهاز بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 69.

[79] المرجع السابق، القسم 1(3).

[80] تنص المادة 27 (د) من قانون إدارة الدولة أيضاً على أن يقوم جهاز المخابرات العراقي "بجمع المعلومات وتقييم التهديدات الموجهة للأمن الوطني وبتقديم المشورة للحكومة العراقية. وتكون هذه الدائرة تحت السيطرة المدنية وتخضع للرقابة من الهيئة التـشريعية وتعمل وفق القانون وبموجب مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها."

[81] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مرتضى مهدي، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 3 أغسطس/آب 2004.

[82] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي رشيد عبادي، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 3 أغسطس/آب 2004.

[83] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أسيل عباس حسين ويوسف شاكر عوفي، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 3 أغسطس/آب 2004.

[84] انظر: "Falah al-Nakib Holds a News Conference on Najaf", Federal Document Clearing House, Political Transcripts, August 12, 2004.

[85] مقابلات هيومن رايتس ووتش مع جبار وعلي وصادق وعدنان [حُجبت الأسماء الكاملة]، بغداد، 12 أغسطس/آب 2004.

[86] تشير كلمة "ورقة" في العامية العراقية عادة إلى ورقة نقد من فئة 100 دولار أمريكي، بينما تشير كلمة "دفتر" إلى 10 آلاف دولار.

[87] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ضياء فوزي شهيد، بغداد، 5 سبتمبر/أيلول 2004.

[88] حُجب اسم مركز الشرطة بناء على طلبه.

[89] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محتجز سابق من النجف [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم والمعلومات الشخصية]، بغداد، 21 سبتمبر/أيلول 2004.

[90] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رجل أعمال من النجف [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم والمعلومات الشخصية]، بغداد، 21 سبتمبر/أيلول 2004.

[91] انظر على سبيل المثال:

Michael Howard, "Armed clashes claim 172 Iraqi lives", The Guardian, August 13, 2004.

وانظر: "US bombing of Iraq city of Kut kills 75, wounds 148: official", Agence France Presse, August 12, 2004.  ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من عدد الأشخاص الذين قُتلوا خلال القصف الجوي في الكوت. وقال شخص من النجف قابلته المنظمة إن عدد القتلى 45 وعدد الجرحى 150.

[92] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الشيخ عمار عطا الحمداني، بغداد، 20 سبتمبر/أيلول 2004.

[93] لم تعرف هيومن رايتس ووتش بتاريخ نشر المقال أول الأمر في "الشراع"، إلا إن حركة "حزب الله في العراق" أعادت نشره في صحيفتها الأسبوعية "البينة" (العدد 99، الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول 2004)، تحت عنوان "ماذا تعرف عن جهاز مخابراتنا الجديد؟"

[94] أبلغ مسئولو حركة "حزب الله" هيومن رايتس ووتش بأن احتلالهم للمبنى تم بتصريح من سلطة الائتلاف المؤقتة آنذاك، وأبرزوا للمنظمة وثائق تفيد بذلك.

[95] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع حسن الساري، الأمين العام لحركة "حزب الله"، بغداد، 25 أغسطس/آب 2004.

[96] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ناجي مولى نعمة، بغداد، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[97] المرجع السابق.

[98] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أبي مصطفى الساعدي، بغداد، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[99] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد محمد المسعودي، بغداد، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[100]كان ضباط الاحتجاز يُحضرون بعض المتهمين إلى المحكمة من سجن التسفيرات في الرصافة، وكان البعض الآخر يأتي مباشرة من مراكز الشرطة في منطقة بغداد، والباقون من المراكز الخاضعة لسلطة مديرية الجرائم الكبرى أو مديرية استخبارات الشرطة الجنائية. وكان هؤلاء الضباط عند الوصول إلى المحكمة يضعون المتهمين في زنزانات المحكمة ثم يحضرونهم إلى ما كان يسمى بغرفة الجرائم الكبرى، حيث ينتظرون حلول أدوارهم للمثول أمام القاضي. وحصلت هيومن رايتس ووتش من مسئولي السلطة القضائية على الإذن بالحديث إلى المحتجزين، كما حظيت بالتعاون الكامل من جانب مسئولي الشرطة المنتدبين بصفة دائمة للعمل بالمحكمة، فقد أتاحوا لهيومن رايتس ووتش حق الاتصال دون أية عوائق بالمحتجزين، وإن لم تُتَحْ الفرصة لمحادثتهم على انفراد. وكان المحتجزون عادة ما يجلسون على الأرض في مواجهة الحائط ويؤمرون بعدم الحديث مع أي شخص أو مع بعضهم البعض. وحتى أوائل سبتمبر/أيلول 2004 كانت معظم المقابلات أو المناقشات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش مع المحتجزين تدور في غرفة الجرائم الكبرى، على مرأى من مسئولي الشرطة الذين صاحبوهم من أماكن احتجازهم، ولكن الأحاديث لم تكن في معظم  الأحوال على مسمعٍ منهم. وفي يوم 7 سبتمبر/أيلول أمر رئيس المحكمة الجنائية المركزية بتغيير النظام بإبقاء جميع المحتجزين في زنزانات المحكمة حتى يصبح القضاة أو المحققون العدليون جاهزين لاستقبالهم، وبإغلاق غرفة الجرائم الكبرى. ومنذ ذلك الحين بدأت هيومن رايتس ووتش إجراء مقابلاتها في زنزانات المحكمة، وهي التي أتاحت فرصة أكبر للمناقشات الفردية مع المحتجزين، دون وجود أيٍّ من مسئولي الاحتجاز.

[101]في بعض الحالات كان المحتجزون يصرحون لهيومن رايتس ووتش بالأسماء الأولى ورتب مسئولي الشرطة الذين يزعمون أنهم قاموا بتعذيبهم أو أنهم أمرا بتعذيبهم أثناء التحقيق.

[102]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حيدر أحمد ميرزا أحمد النعيمي، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 31 يوليو/تموز 2004.

[103]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رائد عبد السلام حميد، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 11 سبتمبر/أيلول 2004، وقال حميد أيضاً إنه قضى نحو شهرين في مديرية الجرائم الكبرى، ثم نقل إلى القسم التابع لدائرة الإصلاح العراقية في سجن أبو غريب. وعلمت هيومن رايتس ووتش منه ومن زملائه المتهمين الأربعة أن محاكمتهم تأجلت أربع مرات بسبب عدم إحضار الشرطة للمتهم السادس في القضية نفسها. وفي ذلك اليوم لم يحضر إلا هؤلاء الخمسة إلى المحكمة، وتأكل نظر القضية من جديد.

 [104]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عامر رحيم ذري، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 18 أغسطس/آب 2004.

[105]قال أحد مسئولي الشرطة في غرفة الجرائم الكبرى لهيومن رايتس ووتش إن سبب القبض على الثلاثة قد يكون أنهم شوهدوا وهم "يتجولون بصورة مريبة" بالقرب من الوزارة.

[106]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق، المحكمة الجنائية المركزية، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[107]انظر:Ann Barnard, "Setting a tough tone in Baghdad roundup", Boston Globe.بتاريخ 17 يوليو/تموز 2004، وطبقاً لما جاء في مقالها، تلقت برنارد اتصالاً من "مسئول رفيع المستوى في وزارة الداخلية العراقية" وقال لها فيه "لقد ألقينا القبض على 500 مجرم. تعالى إلى الوزارة الآن، وأحضر آلة التصوير معك، ولك أن تلتقطي صورهم".

[108] انظر مثلاً المقال الذي نشرته صحيفة "الصباح" يوم 28 يونيو/حزيران 2004 بعنوان "الأقمار الصناعية تساهم في القبض على 13 عصابة".

[109]انظر مقال جمال هاشم علي بعنوان "تفكيك 15 شبكة إجرامية عشية انتقال السلطة: الداخلية تقتحم أوكار البتاويين" في صحيفة "الزمان"، 28 يونيو/حزيران 2004.

[110] يمكن مشاهدة بعض هذه الصور في الإنترنت:http://tinyurl.com/4uze6

[111]نشرت أولى أنباء هذه الحادثة صحيفة The Oregonian بتاريخ 11 أغسطس/آب 2004 في مقال كتبه مايك فرانسيس (Mike Francis) بعنوان "الأمر بالانصراف وحسب" (Ordered to just walk away).

[112] مقتطفات من البيان الذي كتبه النقيب جاريل ساوثهول (Jarrell Southall) من الكتيبة الثانية، بفوج المشاة رقم 162، جيش الحرس الوطني في أوريغون، وتاريخ البيان 29 يونيو/حزيران 2004.

[113]انظر مقال مايك فرانسيس في صحيفة The Oregonian بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2004 بعنوان:

"Abuse by Iraqis 'astonished' guardsman,".

[114]المرجع السابق.

[115] انظر:"Joint Chiefs of Staff Chairman praises Oregon soldiers' action," The Oregonian, October 9, 2004.

وقيل إن تعليق الفريق مايرز ورد في خطاب أرسله إلى السناتور رون وايدن العضو الديموقراطي عن ولاية أوريغون  (Ron Wyden) رداً على ما طالب به الأخير من إجراء تحقيق في الحادث.

[116] انظر مثلاً المقال الذي نشرته صحيفة "الصباح" يوم 30 يونيو/حزيران 2004 بعنوان "فشل محاولة أمريكية لإطلاق سراح أفراد عصابات البتاويين". وقالت بعض الصحف الأخرى إن القوات الأمريكية قد قبضت على بعض الضباط العراقيين. انظر مثلاً مقال جمال هاشم علي بعنوان "قوى أمريكية تحتجز ضباط الشرطة الذين يستجوبون عصابات البتاويين" في صحيفة "الزمان" بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2004.

[117]يقضي نظام السجون الذي وضعته الحكومة العراقية السابقة بأن على السجناء الذين يحالون إلى المحكمة أو المقرر تحويلهم إلى سجن آخر داخل المدن نفسها أو فيما بين المحافظات المختلفة أن يمروا بما يسمى سجن الموقف والتسفيرات ويشار إليه اختصاراً باسم "التسفيرات". وكان في بغداد سجنان من هذا النوع، أحدهما في الكرخ، ويغطي القسم الغربي من المدينة، والآخر في الرصافة ويغطي القسم الشرقي منها. وفي وقت كتابة هذا التقرير كان سجن تسفيرات الرصافة هو المستعمل وحده دون الآخر. ويوجد السجن في حي الشعب، قريباً من ملعب كرة القدم وفي مواجهة كلية شرطة بغداد.

[118] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع زوجة أحد المحتجزين في حملة البتاويين [وقد حجبت الاسم هيومن رايتس ووتش] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أغسطس/آب 2004.

[119] مناقشات هيومن رايتس ووتش مع زهير المالكي، وسالم رضوان الموسوي، وحقي إسماعيل الشمري، قضاة التحقيق، المحكمة الجنائية المركزية، 15 سبتمبر/أيلول 2004.

[120]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حسن غضبان طعمة، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أكتوبر/تشرين أول 2004.

[121] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جابر غضبان طعمة، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أكتوبر/تشرين أول 2004.

[122] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جاسم غضبان طعمة، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أكتوبر/تشرين أول 2004.

[123]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عبيد السيد مكي محمد، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أكتوبر/تشرين أول 2004.

[124] انظر مقال جمال هاشم علي بعنوان "اقتحام أوكار عصابات منظمة في الفصل والكفاح والصدرية" صحيفة الزمان، 14 يوليو/تموز 2004.

[125] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد فاتح نامق، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 7 أغسطس/آب 2004.

[126] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أركان رحيم لفتة، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 7 أغسطس/آب 2004.

[127] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سعد حسون كاظم، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 21 أغسطس/آب 2004.

[128]مقابلتا هيومن رايتس ووتش مع حسين عادل كريم خان وأمجد سعدي محمد، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 21 أغسطس/آب 2004.

[129]. مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق [وقد حجبت اسمه هيومن رايتس ووتش] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 30 أغسطس/آب 2004.

[130]. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عمار راشد عميد، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 30 أغسطس/آب 2004.

[131]قال مسئولو الشرطة لهيومن رايتس ووتش إنهم في بعض الحالات قد لا يحضرون المتهم إلى المحكمة الجنائية المركزية بشخصه في غضون أربع وعشرين ساعة حسبما هو منصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، ولكن ملف المتهم يحال إلى قاضي التحقيق خلال أيام معدودة من تاريخ القبض عليه. ورداً على ذلك قال القضاة للمنظمة إنهم لا يعتبرون ذلك متسقاً مع القانون ولا بد من مثول المتهمين أمامهم بأشخاصهم.

[132] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع تحسين خليل إبراهيم، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 10 أغسطس/آب 2004.

[133]. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع خالد محمد عطية عباس البديري، المحكمة الجنائية المركزية، 25 أغسطس/آب 2004.

[134]. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد حسن السيد مُلاّ حسن، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد 28 أغسطس/آب 2004.

[135]. مقابلتا هيومن رايتس ووتش مع ساوه إفرايم وشمعون موسى أوديشو، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 28 أغسطس/آب 2004.

[136]. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سيف سعد إلياس، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 18 سبتمبر/أيلول 2004.

[137]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فاروق كريم محيي زامل، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 9 سبتمبر/أيلول 2004.

[138] قابلة هيومن رايتس ووتش مع ياسر عبد الحميد عبد الرزاق، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 9 سبتمبر/أيلول 2004.

[139] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 14 (3) (ز).

[140] انظر اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليقات الختامية بشأن رومانيا، وثيقة الأمم المتحدة رقم: CCPR/C/79/Add. 111 (1999).

[141]مقابلات هيومن رايتس ووتش مع عدنان طالب دايخ، ورياض محمد حميد، وفايز فاضل علوان الجنابي، وأحمد نعيم عباس الزيدي، ومحمد حاتم عبد الجبار التميمي، وحيدر أحمد ميرزا النعيمي، وشهرزاد داخل محسن، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 31 يوليو/تموز 2004.

[142] بموجب المادة 443 (2، 3 و5) من قانون العقوبات.

[143]بموجب المادة 421 و422 من قانون العقوبات، بعد التعديل.

[144]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع صباح علي حمادي، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 1 أغسطس/آب 2004.

[145]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عيسى عبود سردار، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 1 أغسطس/آب 2004.

[146]بموجب المادة 443 (1 و3 و4) من قانون العقوبات.

 [147]انظر اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 44/25، وثيقة الأمم المتحدة رقم UN.Doc. A/RES/44/25(الذي أصبح ساري المفعول في 2 سبتمبر/أيلول 1990) المادة 37 (ج) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المعتمد في 16 ديسمبر/كانون الأول 1966 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم . 2200A (XXI), 999 U.N.T.S. 171 (الذي أصبح ساري المفعول في 23 مارس/آذار 1976) المادة 10 (ب).

[148]العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 10 (3).

[149]القانون رقم 76 لعام 1983، بعد التعديل. وتقضي المادة 3 (2) من هذا القانون بأن تعريف الحدث هو من تجاوز التاسعة من عمره ولم يتجاوز الثامنة عشرة. والمادة العاشرة تحدد أنواع الأماكن التي يجوز احتجاز الأطفال فيها، وفقاً لأعمارهم. والمادة رقم 48 تنص على أنه عند القبض على الأحداث يجب تسليمهم فوراً إلى قوة شرطة الأحداث، وهي المسئولة عن إحالتهم إلى أحد قضاة التحقيق أو محاكم الأحداث. والمادة رقم 52 (2) تنص على أنه إذا لم تتوافر أماكن احتجاز منفصلة، فيجب اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الأحداث من الاختلاط بالمحتجزين البالغين.

 [150]مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 2 بتاريخ 8 يونيو/حزيران 2003 (إدارة السجون ومرافق احتجاز السجناء) القسم 30 (5). حتى سقوط الحكومة العراقية السابقة في إبريل/نيسان 2003، كان الأحداث يُحتجزون في سجون أو مراكز توقيف تابعة لسلطة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وبموجب سلطة 'سلطة الائتلاف المؤقتة' وُضعت مديرية سجون الأحداث في إطار الولاية القضائية لوزارة العدل (الأمر الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 10 في 8 يونيو/حزيران 2003: إدارة مراكز الاحتجاز والتوقيف والسجون، القسم 1).

 [151]تنص المادة 63 من قانون رعاية الأحداث على عدم جواز الكشف عن أسماء المحتجزين من الأحداث أو عناوينهم وأسماء مدارسهم، أو التقاط صور فوتوغرافية لهم أو اتخاذ أي من شأنه الكشف عن هويتهم، وقد ورد وجود أربعة من الأحداث بين المشتبه فيهم الذين قُبض عليهم في حملة البتاويين في 27 يونيو/حزيران 2004، وهم الذين دعا مسئولو وزارة الداخلية الصحفيين إلى التقاط صورهم الفوتوغرافية أو أفلام متحركة لهم، وحدث ذلك فعلاً.

[152]انظر مقال مايك فرانسيس في صحيفة The Oregonian بتاريخ 11 أغسطس/آب 2004 بعنوان "Ordered to just walk away,".

[153]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع إحدى نسيبات أحد الأحداث من مجموعة البتاويين [حجبت هيومن رايتس ووتش اسمها بناءً على طلبها] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أغسطس/آب 2004.

[154]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عبيد السيد مكي محمد، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[155]وفقاً لما تنص عليه المادة 4 من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لعام 1983، المعدل.

[156]قال أحد الأطباء الشرعيين في معهد الطب العدلي لهيومن رايتس ووتش إن الأسلوب الرئيسي المستعمل في تقدير أعمار الأشخاص، للبت فيما إذا كانوا أحداثاً أم لا، هو فحص تطور العظام، استناداً إلى صور الأشعة السينية الملتقطة للمفاصل، مثل مفاصل العجز، والمرافق والمعاصم والركب. وأحياناً ما يؤخذ في الاعتبار كذلك تطور الأسنان. وأضاف الطبيب قائلاً "لقد أصبح لدينا من الخبرة ما يكفي بحيث نستطيع، استناداً إلى الفحص بالأشعة السينية، وتقديرنا للمظهر العام للشخص، أن نقلل هامش الخطأ في هذا الصدد إلى حد لا يُعْتَدُّ به" (مناقشة هيومن رايتس ووتش مع طبيب شرعي [هيومن رايتس ووتش حجبت اسمه] بمعهد الطب العدلي، بغداد، 14 سبتمبر/أيلول 2004).

[157]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فيصل [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم الكامل] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 18 أغسطس/آب 2004.

[158]قال حسن، ابن خاله، وهو في العشرين من عمره، لهيومن رايتس ووتش إن رجال شرطة الاستخبارات الجنائية قاموا مراراً وتكراراً بتوجيه الضربات واللكمات والصفعات والركلات إليه أيضاً أثناء التحقيق معه، وجعلوه يوقع بياناً وهو معصوب العينين. وبعد أسبوعين من القبض عليه، نقلوه إلى نفس مركز الشرطة، وقال إن المعاملة فيه كانت أفضل، رغم أنه لم يكن يسمح له بزيارات عائلية به كذلك. (مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حسن [الاسم الكامل محذوف] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 18 أغسطس/آب 2004).

[159]حضر تلك الجلسة مسئول من شرطة الاستخبارات الجنائية، وهو الذي أومأ إلى فيصل أن يلزم الصمت عندما بدأ يقول للقاضي إن شخصين آخرين قبض عليهما في القضية ذاتها قد شهدا من قبل أنه لا شأن له بالاختطاف.

[160]رفض المحتجزون الثلاثة الإفصاح عن أسمائهم عند إجراء هيومن رايتس ووتش المقابلة معهم في المحكمة الجنائية المركزية يوم 24 أغسطس/آب 2004، وقالوا إنهم اتهموا أيضاً بالحيازة غير المشروعة للأسلحة، وقبض عليهم قبل خمسة عشر يوماً. وقالوا إنهم لقوا "المعاملة المعتادة" أثناء التحقيق، أي الضرب المتكرر بالكابلات والصوندات والأدوات الأخرى.

[161]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي [الاسم الكامل محذوف] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 28 أغسطس/آب 2004.

[162]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حسن موهان عبود، بغداد، 5 سبتمبر/أيلول 2004.

[163]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حسين علي كاظم، بغداد، 5 سبتمبر/أيلول 2004.

[164] تم الحصول على التصريح اللازم للإطلاع على هذه السجلات من المسئولين القضائيين في المحكمة الجنائية المركزية.

[165] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع الدكتور فائق أمين بكر، معهد الطب العدلي، بغداد، 10 أغسطس/آب 2004.

[166] كان عدد الحالات في كل شهر كالتالي: 11 حالة في يونيو/حزيران، وأربع حالات في يوليو/تموز، وحالة واحدة في أغسطس/آب. ولا تتضمن السجلات أية حالات للفترة من 1 سبتمبر/أيلول حتى 14 من الشهر نفسه.

[167] مراكز الشرطة التي أُحيل منها المحتجزون الأربعة عشر هي: البياع والرشاد والدورة وباب الشيخ وحي العامل وبغداد الجديدة وأبو غريب والشعب ومديرية شرطة الأحداث في الكرخ. وإحدى الحالتين المتعلقتين بمديرية الجرائم الكبرى محالة من مكتب غسيل الأموال، أما الحالة الأخرى فأُحيلت استناداً لأمر من قاض للتحقيق في المحكمة الجنائية المركزية.

[168] بالنسبة للحالات الست الباقية، خلصت التقارير الطبية في أربع حالات إلى عدم وجود أدلة على وقوع إصابات خارجية، وفي حالة واحدة إلى أن الندوب "قديمة". أما الحالة السادسة فتتعلق بطفل أُحيل للفحص الطبي للتحقق من مزاعم تعرضه للواط، غير أنه لم يكن واضحاً من السجلات ما إذا كانت المزاعم تتعلق بمحتجز آخر أم بمسئول من الشرطة. وفي هذه الحالة خلص التقرير الطبي إلى أنه لا يمكن استبعاد التعرض للواط برغم عدم وجود أدلة خارجية ظاهرة تؤكد هذا. وقدر الأطباء عمر الصبي بما بين 16 و17عاماً.

[169] في الحالات الخمس الباقية أشار تقدير الأطباء إلى وقوع الإصابات خلال مدة تتراوح بين أسبوعين وشهرين قبل إجراء الفحص الطبي (في حالة واحدة تراوحت المدة المذكورة بين شهرين وأربعة أشهر).

[170] كانت هناك حالة واحدة في كل من يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/ آب 2004.

[171] كانت الحالة الثانية محالة من مركز شرطة حي العامل وفيها أفاد تقدير الأطباء الذين أجروا الفحص الطبي بأن الإصابات وقعت خلال مدة تتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع قبل إجراء الفحص. أما الحالة الثالثة التي كانت محالة من مركز شرطة الأعظمية فتتعلق بالتحقق من مزاعم التعرض للواط وغيره من الأفعال الجنسية. ولم يتبين من السجلات ما إذا كانت المزاعم تتعلق بمسئول من الشرطة.

[172] كان عدد الحالات في كل شهر كالتالي: سبع حالات في يناير/كانون الثاني، وحالتان في فبراير/شباط، وتسع حالات في مارس/آذار.

[173] تتصل ثلاث حالات من الحالات الخمس المتعلقة بمديرية الجرائم الكبرى بمكتب الخطف والقتل، والرابعة بمكتب غسيل الأموال، والخامسة بمكتب الجريمة المنظمة. أما الحالات الأخرى المحالة إلى معهد الطب العدلي فتتعلق بمراكز الشرطة التالية: الجميلة وحي الأمل والدورة والقدس والمأمون ومديرية شرطة الأحداث في الكرخ. وفي الحالة الأخيرة قدَّر التقرير الطبي عمر المحتجز بما بين 19 عاماً و20 عاماً.

[174] لم تُتح لهيومن رايتس ووتش الفرصة لفحص السجلات المتعلقة بالمحتجزات الخاصة بالفترة نفسها.

[175]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم]، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 22 أغسطس/آب 2004.

[176] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع زهير المالكي الذي كان آنذاك كبير قضاة التحقيق، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 30 أغسطس/آب 2004.

[177] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد الأطباء الشرعيين [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم]، معهد الطب العدلي، بغداد، 14 سبتمبر/أيلول 2004.

[178] تتعلق إحدى الحالتين بمعتقل كانت تحتجزه مديرية الجرائم الكبرى في الرصافة وأحاله أحد قضاة المحكمة الجنائية المركزية للفحص الطبي. وتبين سجلاته في معهد الطب العدلي أن القاضي أحاله للفحص الطبي في 8 يوليو/تموز 2004، إلا إن مسئولي التوقيف لم ينفذوا الإحالة إلا في 17 يوليو/تموز أي بعد عشرة أيام. وأجري الفحص الطبي في 18 يوليو/تموز، وأفاد التقرير الطبي في هذه الحالة بعدم العثور على أدلة على وقوع إصابات خارجية.

[179] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد الأطباء الشرعيين [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم]، معهد الطب العدلي، بغداد، 14 سبتمبر/أيلول 2004.

[180] المصدر السابق.

[181] أبلغ بعض قضاة التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه في بعض الأحيان يُحال المحتجزون الذين يزعمون تعرضهم للتعذيب أو سوء المعاملة إلى مستشفى لا إلى معهد الطب العدلي لإجراء فحص طبي أولي، لكن لم تسنح للمنظمة الفرصة لفحص سجلات المستشفيات بحثاً عن تفاصيل مثل هذه الحالات. غير أن القضاة أجمعوا على أنهم يعتبرون التقارير الطبية الصادرة من معهد الطب العدلي هي وحدها التي يمكن الاعتماد عليها في النهاية. وفي المعهد أبلغ أحد الأطباء منظمة هيومن رايتس ووتش بأن مثل هذه الفحوص الأولية في المستشفيات يقوم بها أطباء مناوبون غير متخصصين في مجال الطب الشرعي، ومن ثم فهم غير مؤهلين لتقديم تقدير يُعتمد عليه. وإحالة الحالات إلى هناك ليس من شأنه سوى أن يسبب "تأخيراً غير ضروري".

[182] في حالة فراس عماد صادق الدليمي (انظر الفصل السابع، الحالة 2) تأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش من أن قاضي التحقيق أحاله بالفعل للفحص الطبي، إلا إنها لم تجد أية سجلات في معهد الطب العدلي تبين أن مسئولي التوقيف نفذوا أمر الإحالة خلال الأسابيع الأربعة التالية.

[183] استشهد بالسببين نفسيهما قضاة التحقيق في أربع محاكم أخرى للجنايات (البياع والكرادة والرصافة والثورة) الذين ناقشت معهم هيومن رايتس ووتش موضوع زيارات التفتيش لمراكز الشرطة.

[184] في فبراير/شباط 2004 أمرت سلطة الائتلاف المؤقتة بإنشاء مكتب للمفتش العمومي في كل من الوزارات العراقية يرأسه مفتش عمومي يُعين في هذا المنصب لفترة خمسة أعوام (أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 57 الصادر في 5 فبراير/شباط 2004: المفتشون العموميون العراقيون). ويحدد القسم 5 من الأمر رقم 57 مهام المفتش العمومي، التي تتضمن تلقي الشكاوى المتعلقة بإساءة استخدام السلطة وتقييم فحواها وإحالتها إلى سلطات التحقيق المختصة؛ وتوفير المعلومات والأدلة المتعلقة بأعمال قد تكون إجرامية وتقديمها للمسئولين المناسبين المعنيين بتطبيق القانون؛ وإحالة الأمور إلى الجهات الإدارية والنيابية المناسبة لاتخاذ الإجراءات الإضافية المدنية والجنائية والإدارية بشأنها؛ والتعاون الكامل مع الأجهزة والجهات المعنية بتطبيق القانون ومع المحققين والمحاكم لمساعدتها على تأدية مهامها. ويمنح القسم 6 من الأمر المفتش العمومي إمكانية الإطلاع دون قيود على جميع السجلات والبيانات الخاصة بالوزارة؛ وسلطة إصدار طلبات استدعاء الشهود؛ وسلطة إلزام العاملين في الوزارة بتبليغ مكتب المفتش العمومي معلومات تتعلق بما يقع في الوزارة من أعمال الغش والتبذير وإساءة استخدام الموارد والفساد وأعمال مخالفة للقانون. ويقضي القسم 9 بأن "يقدم المفتش العمومي إلى الوزير المعني وإلى المسئولين المناسبين المنتخبين والمعينين تقريراً يبين فيه ملاحظاته وتوصياته المستخلصة من تنفيذ مهام المكتب، ويتيح المفتش العمومي هذا التقرير للجمهور، باستثناء ما قد يتضمنه التقرير من معلومات حساسة تتصل بتطبيق القانون أو بالمعلومات السرية." وكان المفتش العمومي لوزارة الداخلية حتى كتابة هذا التقرير هو اللواء حسن السراي.

[185] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع مسئول بالشرطة من مديرية الجرائم الكبرى [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم]، بغداد، 7 أغسطس/آب 2004.

[186] المادة 329 من قانون العقوبات. وعقوبة هذه الجريمة هي السجن مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات أو التغريم.

[187] بموجب المادة 333 من قانون العقوبات يُعاقب مرتكب جريمة التعذيب بالسجن مدة تقرب من 15 عاماً.

[188] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم]، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 22 أغسطس/آب 2004.

[189] بموجب المادة 3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (القانون رقم 23 لسنة 1971 المعدل).

[190] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق [حجبت هيومن رايتس ووتش الاسم]، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 15 سبتمبر/أيلول 2004.

[191] أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 98 الصادر في 27 يونيو/حزيران 2004 (دائرة تفتيش المعتقلات والسجون العراقية). وتضم سلطات التوقيف، حسب الأمر، أفراداً عراقيين أو من القوة المتعددة الجنسيات أو من المتعاقدين. ويخُول المفتش الذي يعينه رئيس الوزراء بتوصية من وزير العدل سلطة التحقيق في الشكاوى التي يتلقاها بعد دخول الأمر حيز التنفيذ (القسم 4(1))؛ ودخول مراكز التوقيف وتفتيشها والإطلاع على وثائقها في أي وقت ودون قيود، و"يخضع فقط للتقييد لقائد القوة المتعددة الجنسيات أو من ينوب عنه بأن يرفض دخول لأسباب الحاجات العسكرية كاستثناء وإجراءاً وقتياً أو منع تفتيش الوثائق التي هي عملياتياً مصنفة" (القسم 11)؛ وتقديم التوصيات المناسبة إلى رئيس الوزراء ووزير العدل ورئيس سلطة التوقيف المعنية (القسم 14(4)). ويمكن أن تتضمن مثل هذه التوصيات في حالات "سوء السلوك الخطير" الطرد أو النقل أو المعاقبة لسلطة التوقيف المعنية بالتحقيق (القسم 15). وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 50 من قانون إدارة الدولة المؤقت التي تقضي بإنشاء هيئة وطنية لحقوق الإنسان على أن "تضم هذه الهيئة مكتباً للتحقيق في الشكاوى، ولهذا المكتب صلاحية التحقيق بمبادرة منه أو بشكوى ترفع إليه، في أي ادعاء بأن تصرفات السلطات الحكومية تجري بغير وجه حق وخلافاً للقانون." وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش لم تُتخذ أية خطوات بعد نقل السيادة لإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان.

[192] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق [حُجب الاسم]، المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[193] انظر قرار مجلس الأمن رقم S/RES/1546 (2004).

[194]ويشغل هذا المنصب، منذ انتقال السيادة، ستيفن و. كاستيل، وهو مواطن أمريكي كان يعمل سابقاً مديراً مساعداً للاستخبارات في الإدارة الأمريكية لمكافحة المخدرات.

[195]ومن الموضوعات الأخرى التي تشملها الوحدة (1) الحق في الحياة، والاتجار في البشر، وحقوق الطفل والأحداث، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات أو الانتماء إليها.

[196]ومن الموضوعات الأخرى التي تشملها الوحدة (2) حق الحرية والأمن، قضايا نوع الجنس، عمل الشرطة في المجتمع المحلي، والعمل الشرطي في المجتمع المتعدد الأعراق.

[197]ومن الموضوعات الأخرى التي تشملها الوحدة (3)  موضوع دور المرأة في تنفيذ القانون، والعنف المنزلي، وكتابة التقارير والوعي بالألغام.

[198]هذا القسم من المنهج يتضمن نظرة شاملة على نظام العدالة الجنائية العراقي، وقوانين القبض على الأشخاص، وقوانين التفتيش والحجز، ودور المحاكم، وحقوق الإنسان.

[199]تم تمديد البرنامج بعد أن كانت مدته لا تتجاوز 108 ساعات.

[200]"برنامج الدمج الانتقالي للشرطة العراقية" (المنقح) الذي قدمه إلى هيومن رايتس ووتش العميد أندرو ماكاي، قائد فريد المساعدة في تدريب الشرطة المدنية، في 19 سبتمبر/أيلول 2004، كما قدم العميد ماكاي للمنظمة وثائق تتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وهي التي يستخدمها من يتولون التدريب في بعض الدروس التي يشملها المنهج، وحصلت هيومن رايتس ووتش أيضاً على وثائق مماثلة حول موضوعات إضافية من مصادر أخرى.

[201]انظر:Gethin Chamberlaine, "Critics warn plan to sack 30,000 Iraqi police will create enemies",

The Scotsman, August 23, 2004.

[202]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع العميد أندرو ماكاي، قائد فريق المساعدة في تدريب الشرطة المدنية، بغداد، 19 سبتمبر/أيلول 2004.

[203]المرجع السابق.

[204]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد قضاة التحقيق [حجبت المنظمة اسمه] المحكمة الجنائية المركزية، بغداد، 22 أغسطس/آب 2004.

[205] مناقشة هيومن رايتس ووتش مع العميد أندرو ماكاي، بغداد، 19 سبتمبر/أيلول 2004.

[206]تمثل هذا الموقف حادثة شاهد فيها أحد الصحفيين العاملين في بغداد، على حد قوله، الشرطة وهي تنتهك حقوق بعض المشتبه فيهم جنائياً. انظر مقال باتريس كلود في صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 10 أغسطس/آب 2004 بعنوان:

"Les droits de l'homme, on n'obtient rien avec ça!"وهو يستشهد في المقال بما ذكر من أن أحد رجال الشرطة الموجودين في الموقع قد قاله، وهو "يقول الأمريكيون لنا إن علنيا أن نحترم حقوق الإنسان. ولكننا لا نجني شيئاً من ذلك. علينا بالأسلوب العراقي القديم الموثوق به، فهو وحده الفعال".

[207]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع العميد أندرو ماكاي، بغداد، 19 سبتمبر/أيلول 2004.

[208]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع مستشاري دائرة الإصلاح العراقية [حجبت المنظمة أسماءهم] بغداد، 9 سبتمبر/أيلول 2004.

[209]المرجع السابق.

[210]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع دافيد هاميلتون، كبير مستشاري الشرطة بوزارة الداخلية في شؤون التخطيط وإدارة الأعمال، بغداد، 7 سبتمبر/أيلول 2004. قال هاميلتون إن تدريب رجال الشرطة على التعامل مع موقع ارتكاب الجرائم قد بدأ بالفعل في خمسة وثلاثين موقعاً على مستوى البلاد كلها، بما في ذلك التدريب على أساليب جمع الأدلة المادية للتحليل العلمي.وأضاف إن النفع العائد من هذا التدريب سوف يظل محدوداً حتى تتوافر مراكز المختبرات الفعالة "إذ توجد حالياً مراكز يستعملها محققو الشرطة في تحليل فصيلة الدم، ولكنها لا تتضمن تحليل فصائل الدم الفرعية، ولا توجد مختبرات لتحليل الحامض النووي أو مضاهاة الألياف". وقال إن تجربة تجرى حالياً لإعداد "مركز شرطة نموذجي يتمتع بالأجهزة التي تحقق المعايير الغربية"، ولكن هذا مقصور حالياً على المنطقة الخضراء.

[211]المرجع السابق.

[212]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد مستشاري وزارة الداخلية [الاسم حجبته المنظمة] بغداد، 21 سبتمبر/أيلول 2004.

[213]المرجع السابق.

[214]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع أحد مستشاري وزارة الداخلية [الاسم حجبته المنظمة] بغداد، 21 سبتمبر/أيلول 2004.

[215]من الأمثلة التي ذُكرت العمل بما يسمى "صحيفة البيانات" الخاصة بكل رجل من رجال الشرطة على حدة، بعد اكتشاف أن الرواتب تدفع لعدد يبلغ نحو 120 ألف شرطي، والعدد الفعلي يتراوح ما بين 88 ألفاً و90 ألف شرطي.

[216]لم تعرف هيومن رايتس ووتش بنتيجة هذه التحقيقات حتى وقت كتابة هذا التقرير.

[217]كان وزير الداخلية آنذاك هو سمير الصميدعي، الذي يعمل حالياً مندوباً للعراق بالأمم المتحدة في نيويورك.

[218]مناقشة هيومن رايتس ووتش مع مستشار في وزارة الداخلية، بغداد، 21 سبتمبر/أيلول 2004.

[219]المرجع السابق.

[220]. انظر مقال آن بارنارد، في صحيفة بوسطن جلوب 4 يوليو/تموز 2004، بعنوان:

"Iraqis to give security forces a freer hand, government stops short of martial law"

[221]المرجع السابق.

[222]المرجع السابق.

[223]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي برغوث علوان، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[224]كانت منظمة بدر تُعرف سابقاً باسم "فيلق بدر"، وكانت الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهو حزب سياسي شيعي؛ وتم تغيير الاسم امتثالاً للتعليمات التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة في يونيو/حزيران عام 2004، والتي تحظر الميليشيات الحزبية (أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 91 الصادر في 2 يونيو/حزيران عام 2004: تنظيم القوات المسلحة والميليشيات في العراق).

[225]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع تحسين درعم بلاسم، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 15 سبتمبر/أيلول 2004.

[226]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نصير غني محسن، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[227]نُسب إلى شقيق ثالث يدعى خالد الاشتراك أيضاً في سرقة البنك المركزي. وقابلته هيومن رايتس ووتش بصورة مستقلة عند إحالته إلى المحكمة الجنائية المركزية قبل ما يزيد على ستة أسابيع. (انظر الفصل السابع، الحالة 3).

[228]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رائد محمد عطية عباس البديري، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2004.

[229]مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حميد فرحان سلمان، محكمة جنايات الكرادة، بغداد، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2004.