(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن السلطات المصرية ترفض منهجيا في السنوات الأخيرة إصدار الوثائق الثبوتية أو تجديدها لعشرات المعارضين، والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان المقيمين في الخارج. يبدو أن الرفض يهدف إلى الضغط عليهم للعودة إلى مصر ليواجهوا الاضطهاد شبه المؤكد.
أدى تعذّر استصدار شهادات الميلاد أو تجديد الوثائق الأساسية كجوازات السفر والبطاقات الشخصية إلى عرقلة إحقاق الحقوق الأساسية للمعارضين في الخارج وأفراد أسرهم الذين يعولونهم. قوّض ذلك فعليا قدرتهم على السفر والعيش والعمل بشكل قانوني، وأحيانا هدد قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والخدمات التعليمية أو لمّ شملهم مع أفراد أسرهم الآخرين.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تشدد حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الخناق على المعارضين في الخارج بحرمانهم من الوثائق الثبوتية الأساسية. بعد إطلاق العنان لسحق المعارضة الداخلية والاعتراض العلني من خلال الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الجائرة والتعذيب المتفشي أثناء الاحتجاز، تكثف الحكومة جهودها لمعاقبة الموجودين في الخارج وإسكاتهم".
قابلت هيومن رايتس ووتش 26 معارضا، وصحفيا، ومحاميا مصريا يعيشون في تركيا، وألمانيا، وماليزيا، ودولة أفريقية، وقطر، ودولة خليجية أخرى من يونيو/حزيران إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، وراجعت عشرات الوثائق كالمراسلات المكتوبة، وجوازات السفر، والوثائق الرسمية، ونماذج تتعلق بقضايا تسعة من الذين تمت مقابلتهم. 17 كانوا يمتلكون شكلا من أشكال تصاريح الإقامة المؤقتة أو الدائمة، وثلاثة قدموا طلبات لجوء، بينما يعيش 16 مع أزواجهم أو زوجاتهم وأطفالهم في الخارج، وحُرم أقرباء 10 أفراد من الوثائق.
واجه المعارضون المصريون في تركيا تحديات إضافية لأن القنصلية المصرية في إسطنبول أغلقت أبوابها فعليا أمام المصريين منذ العام 2018 تقريبا. وقال الأشخاص الذين قابلناهم إنها لا تقبل طلبات التوثيق الرسمي إلا من خلال صفحتها على "فيسبوك"، بينما تلزم المتقدمين بجميع الطلبات تقريبا بملء نماذج غير رسمية خارج نطاق القانون، راجعتها هيومن رايتس ووتش. تتطلب هذه النماذج تفاصيل خاصة مثل سبب مغادرتهم مصر وروابط حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
أبلغ مسؤولو القنصلية المتقدمين بشكل معتاد أن جميع الطلبات يجب أن تحظى بموافقة الأجهزة الأمنية في مصر قبل أن تقدم القنصلية طلباتهم إلى السلطات المختصة. منعت هذه الممارسة آلاف المصريين في تركيا من تقديم طلبات روتينية للحصول على وثائق رسمية، بما فيها جوازات السفر والبطاقات الشخصية.
تسببت سياسة عدم التسامح مع أي شكل من المعارضة التي تنتهجها حكومة السيسي بإحدى أكبر موجات الهجرة إلى الخارج المنبثقة عن دوافع سياسية في تاريخ مصر الحديث. ووفقا للأرقام والتقديرات الحكومية الرسمية المنشورة في السنوات الأخيرة، يعيش ما بين 9 و14 مليون مصري في الخارج. ومن بين هؤلاء، يعيش عشرات الآلاف في المنفى لتجنب القمع في الداخل، وفقا لتقديرات تقارير إعلامية وحقوقية.
قال المعارضون والنشطاء الذين تمت مقابلتهم إنه يكاد يستحيل الطعن قانونا في رفض السلطات المصرية منح الوثائق الرسمية، لا سيما عندما ترفض السفارات والقنصليات التعامل مع طلبات التوكيل لتفويض محامين في مصر نيابةً عن الموجودين في الخارج. لم يتلق أي من الذين تمت مقابلتهم رفضا رسميا كتابيا. قال أولئك الذين تلقوا ردا شفهيا إن مسؤولي السفارة أو القنصلية أبلغوهم فقط أن الأجهزة الأمنية لم توافق على إصدار الوثائق. طلب المسؤولون من البعض صراحة العودة إلى مصر "لحل مشاكلهم" مع الأجهزة الأمنية. في حالات أخرى، لم يقدم المسؤولون أي رد أو قالوا فقط إن الطلبات معلقة منذ أشهر أو سنوات دون تفسير أو رفض رسمي.
قال الغالبية إنه ليس لديهم قضايا جنائية معلقة ضدهم في مصر. إلا أن ستة قالوا إن السلطات المصرية صنفتهم قانونا بأنهم "إرهابيون" بموجب قانون تعسفي وتشوبه عيوب في مصر، يمنع تلقائيا الأشخاص المعنيين من الحصول على جوازات سفر أو تجديدها. قال المصنفون كـ "إرهابيين" إن السلطات، بالإضافة إلى رفض تجديد جوازات سفرهم، رفضت منحهم وثائق أخرى كشهادات الميلاد والبطاقات الشخصية أو التوكيل القانوني الرسمي، وجميعها إجراءات تعسفية غير منصوص عليها حتى بموجب قوانين الإرهاب المصرية القاسية والتي تشوبها عيوب.
قال مهندس مصري يعيش في ألمانيا مع زوجته وأطفاله لـ هيومن رايتس ووتش إن إجراءات تجنيسه في ألمانيا توقفت بسبب انتهاء صلاحية جواز سفره، ما أدى أيضا إلى بطلان تصريح إقامته في ألمانيا. قال إن السلطات المصرية رفضت إصدار جواز سفر جديد له لأنه موضوع تعسفا على قائمة "الإرهاب" المصرية منذ 2018 مع مئات آخرين، بناء على قرار قضائي صادر دون جلسات استماع ودون تمكينهم من الطعن في الادعاءات في إجراءات عادلة.
بحرمان مواطنيها في الخارج تعسفا من جوازات سفر سارية وغيرها من الوثائق الثبوتية، تنتهك السلطات المصرية كُلا من الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان. بموجب القانون الدولي، يحق لكل فرد أن يُعتَرف به كشخص أمام القانون في كل مكان، بالإضافة إلى حقه في تسجيل المواليد.
ينبغي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن يأمرا الأجهزة الأمنية والبعثات الدبلوماسية فورا بإنهاء جميع المعوقات الخارجة عن القانون التي تقف بوجه إصدار وثائق ثبوتية وتسهيل مثل هذه الطلبات. كما ينبغي للدول التي تستضيف معارضين متأثرين ألا ترحّل أي شخص إلى مصر، إن كان عُرضة لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو غيره من الأذى الجسيم عند عودته، وأن تسمح للأشخاص الذين يعبرون عن هذه المخاوف بتقديم طلب اللجوء. عند تقييم طلبات اللجوء هذه، ينبغي للحكومات و"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" وغيرهم من محكّمي اللجوء أن يأخذوا بعين الاعتبار التقارير التي توثق القمع المستمر في مصر وكذلك عجز العديد من المعارضين في الخارج عن الحصول على وثائق ثبوتية.
قال كوغل: "تصدير الحكومة المصرية القمع عبر سفاراتها وقنصلياتها في الخارج يهدف إلى تدمير سبل عيش المصريين في المنفى وأصبح جانبا مهما من هجومها المستمر على جميع أشكال المعارضة".
خلفية
منذ أن أطاح الجيش بحكومة محمد مرسي المنتخبة ديمقراطيا في يوليو/تموز 2013، أشرفت حكومة الرئيس السيسي على حملة قمع واسعة ضد المنتقدين استهدفت في البداية أعضاء فعليين أو متصوَّرين في جماعة "الإخوان المسلمين"، التي حظرتها الحكومة آنذاك، قبل أن تتوسع بسرعة إلى خنق جميع أشكال المعارضة بوحشية.
يؤثر الحرمان من جوازات السفر، والبطاقات الشخصية، وشهادات الميلاد، وغيرها من الوثائق المدنية بشكل كبير على الحقوق الأساسية الأخرى مثل الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والعمل؛ والحق في الحياة الأسرية؛ وحرية التنقل؛ والحق في مغادرة الوطن. جميع البلدان مُلزمة بتسجيل مواليد الأطفال وضمان حقهم في الجنسية. بما أنه غالبا ما يتم التعامل مع جوازات السفر على أنها الدليل الرئيسي على الجنسية والهوية المعترف بها خارج البلد الأصلي، فإن الحرمان من جوازات السفر قد يضع الأشخاص في وضع يشبه انعدام الجنسية.
ينص "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، ومصر طرف فيه، على أن "لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده". قالت "لجنة حقوق الإنسان"، المشرفة على تفسير العهد، إن الحق في المغادرة "يجب أن يشمل الحق في الحصول على وثائق السفر اللازمة". كما انتقدت اللجنة العقبات البيروقراطية والمعوقات الأخرى التي تحول دون الحصول على جوازات السفر كالرسوم الباهظة، ومضايقة المتقدمين، و"رفض إصدار جواز سفر لافتراض إضرار مقدم الطلب بسمعة البلد".
في أبريل/نيسان 2022، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى حوار سياسي "مع جميع القوى [السياسية] دون إقصاء أو تمييز"، لكن في الوقت نفسه لم تخفف الحكومة حملتها الشعواء ضد المعارضين. اعتقلت سلطات أمن المطارات المصرية العديد من المعارضين، والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين غادروا مصر أو وصلوا إليها في السنوات الأخيرة، فيما منعت تعسفا العشرات من مغادرة البلاد إلى أجل غير مسمى. أفرجت السلطات في الأشهر الأخيرة عن عدد من المعارضين من السجن وسمحت لعدد صغير من نشطاء حقوق الإنسان بالسفر إلى الخارج بعد سنوات من منعهم، لكن هذه التحسينات ما تزال ضئيلة مقارنة بالتوجهات العامة لأشكال القمع.
الصعوبات والمخاطر في الخارج
في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، قال ناشط مصري في إسطنبول يحمل تصريح إقامة لمدة عامين صادر لأسباب إنسانية إنه لا يمكنه الحصول على وثائق مصرية رسمية للمصادقة على زواجه من امرأة سودانية.
قال رجلان وُلدا في تركيا ولم يتمكنا من الحصول على جواز سفر أو شهادة ميلاد إنهما لم يتمكنا من الحصول على اللقاحات المطلوبة لطفليهما لعدم حيازتهما على وثائق تعريفية، رغم أن آخرين قالوا إنهم لم يواجهوا هذه المشكلة. قالا إن الطفلين محرومان من خدمات الرعاية الصحية العامة المتاحة للمقيمين في تركيا. يخشى الوالدان أن يعاني الطفلان أيضا من مشاكل عندما يحين وقت دخولهما في المدرسة.
قال رجلان على الأقل تمت مقابلتهما إنهما اعتُقلا لفترة وجيزة في تركيا بسبب انتهاء صلاحية جواز السفر وتصريح الإقامة، وقال أشخاص آخرون عدة إنهم استُجوبوا عند نقاط التفتيش وشهدوا اعتقال آخرين بسبب انتهاء صلاحية تصاريح إقامتهم.
قال أشخاص عدة تمت مقابلتهم إن أفراد أسرهم المقيمين في مصر لم يتمكنوا من زيارتهم في الخارج بسبب مخاوف من المضايقات الأمنية أو منع السفر، ما أدى فعليا إلى انقطاعهم عن اللقاءات الشخصية لسنوات.
قال العديد ممن قابلناهم إنهم بدون وثائق ثبوتية سارية، ويعيشون هم وأفراد أسرهم في خوف دائم من الترحيل إلى مصر، حيث يُرجح أن يُسجنوا بسبب معتقداتهم وأنشطتهم السياسية.
تستضيف تركيا وقطر العديد من المصريين، منهم نشطاء إسلاميون فروا من قمع الحكومة المصرية ومحاكماتها الجائرة منذ أواخر العام 2013. رغم أن المصريين غير مؤهلين للحصول على وضع اللجوء الكامل في تركيا بسبب القيود الجغرافية التي اعتمدتها تركيا للانضمام إلى "اتفاقية اللاجئين لسنة 1951"، يمكن النظر في منحهم وضع اللاجئ "المشروط" أو أشكال الحماية التكميلية الأخرى بموجب القانون التركي بشأن الأجانب والحماية الدولية لسنة 2013.
وفقا لصحفي ومحامٍ تمت مقابلتهما في اسطنبول ويترأسان جمعيتين في تركيا تتوسطان لدى السلطات التركية بشأن مثل هذه الحالات، منحت السلطات التركية في السنوات الأخيرة مئات المصريين في تركيا تصاريح إقامة لأسباب إنسانية أو حتى الجنسية التركية، معترفة بذلك بظروفهم الخاصة حول الفرار من الاضطهاد في مصر. إلا أن تصاريح الإقامة هذه لا تشمل في كثير من الأحيان تصريح العمل.
ومع تقارب حكومتَي رجب طيب أردوغان والسيسي بعد سنوات من العداء السياسي، قال معارضون مصريون في تركيا إنه يتزايد شعورهم بانعدام الأمان. قال رجل عمره 29 عاما يعيش في تركيا: "أنا لعبة في منافسة سياسية". قال إن السلطات الأمنية المصرية اعتقلته وعذبته مرتين قبل مغادرته في يوليو/تموز 2016 متوجها إلى تركيا، حيث قال إنه عمل في ظروف تنقصها السلامة في مصانع التبغ واضطر لاحقا إلى دفع رشى لفتح شركته الخاصة لأن جواز سفره انتهت صلاحيته.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، اعتقلت الشرطة التركية الصحفي المصري حسام الغمري واحتجزته لبضعة أيام، ثم أعادت اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني لمدة شهر تقريبا، بسبب منشورات كتبها على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم دعوات إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مصر، بحسب تقارير. قال إنه وُضع في مركز ترحيل للأجانب ثم نُقل إلى منطقة حدودية، وأخبرته السلطات التركية أنه يتعين عليه مغادرة تركيا لأنه "لم يعد مرحّبا به". ثم غادر تركيا. في أوائل 2022، أرغمت السلطات التركية عدة قنوات تلفزيونية معارضة مصرية مقرها هناك منذ 2013 على الإغلاق وطلبت أن يغادر بعض موظفيها البارزين البلاد.
رحّلت دول عدة أشخاصا إلى مصر رغم مخاطر الاضطهاد والتعذيب الجسيمة التي واجهوها هناك. مؤخرا، خلال العام 2022، رحّلت السعودية أو سلّمت معارضا مصريا واحدا على الأقل، كما رحّلت السودان أو سلّمت تسعة على الأقل. كما رحّلت أو سلّمت الكويت وماليزيا في العام 2019 مجموعات من أربعة وثمانية معارضين مصريين على الأقل، حُكم عليهم لاحقا بالسَّجن لسنوات في محاكمات جائرة. بحسب تقارير إعلامية، أساءت الحكومة المصرية أكثر من مرة استخدام نظام النشرة الحمراء لـ "الإنتربول" لتسليم أو مضايقة النشطاء في الخارج، غالبا بناء على اتهامات كاذبة أو مسيسة.
دفعت الصعوبات في الحصول على وثائق مدنية سارية أو الاحتفاظ بها العديد من المعارضين المصريين في الخارج إلى المخاطرة باتباع حلول خطيرة أو غير نظامية. قال بعض من قابلناهم إنهم يفكرون في محاولة الهجرة بشكل غير نظامي من تركيا إلى أوروبا لطلب اللجوء. قال العديد إنهم دفعوا رشاوى قيمتها مئات أو أحيانا آلاف الدولارات للحصول على جوازات سفر من خلال البعثات الدبلوماسية المصرية أو في القاهرة. قال أولئك الذين دفعوا رشى إن الوسطاء الذين يتعاملون مع المسؤولين المصريين استفسروا عن وضعهم القانوني في مصر مسبقا وحددوا المبلغ بحسب خطورة وضعهم.
دفع اليأس بعض الذين تمت مقابلتهم إلى الوقوع ضحية الاحتيال. قال صحفي مصري في تركيا إن وسطاء أقنعوه في العام 2020 بإمكانية "تمديد" جواز سفره منتهي الصلاحية في بعثة دبلوماسية في دولة أخرى مقابل مدفوعات. لكنه قال إنه عندما حاول السفر بجواز السفر "الممدد" هذا، استجوبه مسؤولو الأمن في بلد المقصد، ومنعوه من الدخول، ورحّلوه إلى تركيا في الرحلة التالية. راجعت هيومن رايتس ووتش نسخة من جواز السفر "الممدد"، والذي يحمل ختما رسميا من بعثة مصرية بالخارج [تم حجب اسم البلد] يقول "تم تمديد صلاحية جواز السفر إلى [تم حجب التاريخ] بتاريخ [محجوب]". إلا أن قائمة الخدمات التي تقدمها البعثات المصرية في الخارج، كما هو موضح في مواقعها على الإنترنت، لا تشمل تجديد جوازات السفر.
بيئة الخوف
بالإضافة إلى عدم قدرتهم على الحصول على الوثائق، وصف الذين تمت مقابلتهم جوا عاما من الترهيب والتهديد من قبل المسؤولين المصريين عند زيارة البعثات الدبلوماسية المصرية. أفادت تقارير إعلامية في السنوات الأخيرة أن السلطات المصرية تنشط في التجسس على الجاليات المصرية المعارضة في الخارج. منذ العام 2020، اعتقلت دولتان على الأقل، ألمانيا والولايات المتحدة، أشخاصا بتهمة التجسس لصالح الحكومة المصرية ووجهت إليهم تهما، منها جمع معلومات حول المعارضين هناك.
عمرو حشاد (29 عاما) هو ناشط مصري في تركيا عمل مع عدة منظمات حقوقية. قال حشاد إن السلطات في مصر ساءلته كمتهم وسجنته مرات عدة بين 2014 و2019 على خلفية تهم عدة منها التورط المزعوم مع جماعة غير مشروعة ومحاولة الإطاحة بالنظام. وصف حشاد ما اعتبره محاولة محتملة لاستجوابه أو اختطافه خلال زيارة للقنصلية المصرية في إسطنبول في سبتمبر/أيلول 2020 لطلب وثيقة.
قال حشاد إنه عندما ذهب لتقديم النماذج اللازمة لإصدار توكيل لمحاميه، صوّر أحد حراس القنصلية جواز سفره وأرسل معلومات عبر الهاتف إلى مسؤولين آخرين داخل القنصلية، وقال لحشاد إنها ضرورية للحصول على تصريح أمني. قال حشاد إنهم أعطوه تعليمات بالعودة في اليوم التالي.
قال إن الحارس أخبره في اليوم التالي أن القنصل يريد مقابلته شخصيا بعد مغادرة زوار آخرين، ورأى ثلاثة رجال بدا أنهم حراس في انتظاره. قال حشاد إنه بدأ يشعر بعدم الأمان وقرر استعادة جواز سفره والمغادرة. عندما رفض حشاد مقابلة القنصل، أجبره الرجال على التحدث مع القنصل عبر هاتف داخلي. قال إن القنصل أخبره أنه ليس لديه حقوق ولن يُسمح له بالحصول على أي وثائق.
كما أخبر القنصل حشاد أنه كان يعلم أنه سُجن من قبل وأنه موجود الآن على "أراض مصرية". وقال حشاد: "كل ما استطعت التفكير فيه في تلك المرحلة كان منشار خاشقجي"، في إشارة إلى قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتقارير التي تقول إن جثته قُطعت باستخدام منشار عظام في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018. قال حشاد إنه بدأ يركض نحو المخرج، وركض أحد الرجال الثلاثة وراءه وهو يصرخ عليه ليتوقف. تمكن حشاد من الخروج من القنصلية لكن بدون جواز سفره.
قال حشاد إنه بقي خارج أسوار القنصلية وهو يطالب بإعادة جواز سفره. قال حشاد إنه عرض فيديو للحراس على هاتفه يصوره وهو يسلم جواز سفره في وقت سابق، وقال لهم إنه سيتصل بالشرطة التركية للإبلاغ عن سرقة جواز السفر إذا لم يعيدوه، وبعد ذلك أعادوه.
راجعت هيومن رايتس ووتش نسخا من التهديدات التي قال حشاد إنه تلقاها عبر "فيسبوك مسنجر"، ورسالة بخط اليد متروكة على باب منزله تأمره بإسقاط شكوى قانونية قدمها إلى السلطات التركية بشأن حادثة القنصلية. أسقطت السلطات التركية التحقيق في النهاية، لكن حشاد قال إن عناصر "قطاع الأمن الوطني" هددوا والدته، وضايقوها، واستجوبوها، كما استجوبوا شقيق له مسجون في مصر.
في سبتمبر/أيلول 2021، بث أحمد طه، وهو مذيع تلفزيوني مصري في قناة "الجزيرة" يعيش في قطر بتصريح عمل، فيديو على فيسبوك يظهر مسؤولي السفارة المصرية في الدوحة بينما يتحدث طه إلى الكاميرا، قائلا إن المسؤولين صادروا جواز سفره عندما طلب خدمة في السفارة. بعد أن بث الفيديو وانتظر داخل القنصلية لمدة ساعتين، أعاد مسؤولان بالسفارة جواز السفر إلى طه واعتذرا. قال إنه تمكن من الحصول على جواز سفر جديد في ديسمبر/كانون الأول 2021. وفي مايو/أيار 2022، حكمت محكمة عسكرية على طه بالسجن 15 عاما غيابيا في قضية مسيّسة تشمل 25 شخصا بينهم المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح.
في السنوات الأخيرة، وثّقت هيومن رايتس ووتش استهداف السلطات المصرية العشرات من أقارب المعارضين في مصر الذين غادروا البلاد بالاعتقالات، ومداهمات المنازل، والاستجواب، ومنع السفر. أعرب المسؤولون بشكل مباشر في بعض المناسبات عن عدائهم للمعارضين في الخارج. في العام 2019، قالت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج آنذاك لمجموعة من المصريين في كندا: "أي شخص [في إشارة إلى منتقدين في الخارج] يقول كلمة واحدة عن بلادنا سيُقطّع". أشارت الوزيرة بقطع الرقبة وهي تقول ذلك.
تفاصيل بعض حالات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم
"منى ت." في تركيا
"منى ت." (اسم مستعار)، وهي امرأة عمرها 32 عاما ولها ابن واحد، تعمل في مؤسسة إعلاميّة بريطانية. قالت إنها غادرت مصر في أغسطس/آب 2013 مع زوجها وابنها الذي كان عمره عامين آنذاك بعد أن تعرّضت للتهديد من قبل عناصر الأمن بسبب أنشطتها السياسية احتاجاجا على عزل الرئيس مرسي آنذاك.
قالت إنهم لم يواجهوا مشاكل في السفر من مطار القاهرة إلى اسطنبول بتأشيرة سياحية في 2013. كما قالت إنهم كانوا يعتقدون في ذلك الوقت أنهم سيغادرون مصر "لبضعة أسابيع حتى تهدأ الأمور"، لكنهم لم يعودوا قط بسبب اتساع الحملة على المعارضة. في سياق حديثها عن منفاها المفاجئ، لا سيما أنها كانت لا تتكلّم التركيّة، قالت: "مازلت مصدومة. كلما فكّرت في الانتقال [إلى مكان جديد]، يغمرني القلق".
قالت إنّ جواز سفرها المصري سُرق منها في 2019 في منطقة تسوّق، فقدمت طلبا للحصول على جواز سفر جديد من القنصليّة المصريّة في اسطنبول في 2020. وبعد حوالي 18 شهرا، قال لها موظف في القنصليّة: "[أجهزة الأمن المصرية] ترغب في عودتك إلى مصر، ووثيقة السفر [الصالحة لمرّة واحدة] جاهزة".
قالت إنّ وثيقة الهويّة الوحيدة التي تمتلكها الآن هي رخصة القيادة التركيّة، وإنها لم تتمكّن من تجديد تصريح إقامتها في تركيا منذ أن فقدت جواز سفرها. لا تعرف منى لماذا ما يزال الأمن المصري مهتمّا بها رغم أنها وزوجها لم يواجها أي تهم جنائيّة. قالت إنها كفّت عن النشاط السياسي بعد انتقالها إلى تركيا.
من دون وثائق مدنية، واجهت منى مشاكل عدّة في تركيا. تعرّضت لحادث مرور في 2021، وحين ذهبت إلى مركز للشرطة، حاول عناصر شرطة أتراك في البداية نقلها إلى مركز للترحيل لأنّ تصريح إقامتها كان منتهي الصلاحية. لكنهم في الأخير أفرجوا عنها بعد أنّ أعلمتهم أنها في طور تجديد تصريح الإقامة.
قالت إنها لديها مرضا مناعيا ذاتيا مزمنا يتطلّب علاجا أسبوعيا أو شهريا، لكنّها أزيلت من وثيقة التأمين الصحي التابع لزوجها لأنها لا تحمل جواز سفر أو تصريح إقامة. تسبّب لها هذا الوضع في تحديات ماليّة حيث دفعوا مئات الدولارات كلّ شهر لعلاج مرضها. قالت إنّ وضعها تسبب في فقدان ابنها تصريح إقامته، فحُرم من التغطية الصحيّة أيضا.
قالت إنّ عجزها عن السفر أعاق حياتها المهنيّة. مؤخرا، لم تتمكن من السفر إلى هولندا للالتحاق بجامعة هولندية حيث حصلت على منصب كمُحاضرة وطالبة دكتوراه.
لم تتمكّن من رؤية إخوتها منذ سنوات لأنها لا تستطيع السفر بدون جواز سفر، ويتجنب إخوتها السفر إليها كي لا يثيروا انتباه الأمن المصري. قالت إنّ أحد أقاربها حاول زيارتها في 2017، لكنّ عناصر الأمن اعترضوه في مطار القاهرة، وصادروا جواز سفره، واحتجزوه في غرفة اعتقال في المطار لمدة 12 ساعة، واستجوبوه بشأنها هي وزوجها على حدّ قولها. كما أوقف قريب آخر حاول زيارتها في 2021، وأخذوا منه جواز سفره وطلبوا منه استلامه من مركز "الأمن الوطني" في بلدته.
محمّد محيي في تركيا
يعمل محيي (39 عاما) مقدّما تلفزيونيا ويركز على الشؤون الاقتصاديّة. عمل في محطّة تلفزيونية مصريّة معارضة في تركيا منذ عدّة سنوات، وأسّس "رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج"، وهي جمعيّة مهنيّة مقرها تركيا. قال إنّ الجمعيّة لعبت دورا رائدا في التوسّط مع السلطات التركيّة للحصول على تصاريح إقامة والجنسيّة التركيّة لمئات الإعلاميين المصريين وأفراد أسرهم الذين كانوا بدون وثائق مدنيّة.
غادر محيي مصر بعد مذبحة رابعة في أغسطس/آب 2013، عندما قتلت قوات الحكومة على الأرجح ما لا يقلّ عن ألف متظاهر مناهض للحكومة في يوم واحد، قائلا إنه لم يعد يشعر بالأمان لأنّه عارض تنحية الرئيس مرسي من قبل الجيش. كما قال إنّ جواز سفره المصري سُرق منه في إسطنبول في 2016. تقدّم مرات عدّة بطلب للحصول على جواز جديد من القنصليّة في إسطنبول، لكن في كلّ مرّة كان يستغرق الأمر أشهر أو أعواما ثمّ يُعلمه المسؤولون أنّ الأجهزة الأمنية عرقلت طلبه وأن عليه العودة إلى مصر. مثل غيره ممن تمت مقابلتهم، قال محيي إنّ القنصليّة طلبت منه ملء استمارة بتفاصيل شخصيّة عن نفسه وعائلته. كما قال إنّه لا توجد قضايا جنائيّة ضدّه في مصر.
بدون جواز سفر، واجه محيي مشاكل في التعامل مع البنوك والكيانات الحكومية التركيّة. قال: "أدفع المال لأحد أصدقائي كلّ شهر حتى يساعدني في المعاملات من خلال حسابه البنكي". لكن ما يقلق محيي أكثر من غيره هو أنّه لم يتمكّن من رؤية ابنته، وعمرها سبعة أعوام، والتي مُنعت من دخول تركيا لخمس سنوات في 2020 لأنها بقيت بما يتجاوز مدّة التأشيرة، وهي تعيش مع أمها في كندا. لم يتمكّن محيي من الحصول على التأشيرة اللازمة لابنته لأنه فقد جواز سفره. قال: "لديها مشاكل في النطق وأنا بحاجة لأن أكون معها".
م. ب. أ. في دولة خليجيّة
هاجر م. ب. أ. (46 عاما) إلى دولة خليجيّة (تم حجبها لأسباب أمنيّة) مع زوجته وأولاده في 2004، وهو يعمل في مجال طبّي. زار مصر لآخر مرّة في 2012، وكان يعيش في الدولة الخليجيّة بتأشيرة عمل. قال إنّه كان ناشطا سياسيا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتعرّض للاعتقال التعسفي مرّة واحدة منذ حوالي 20 عاما، واستُدعي للاستجواب خارج نطاق القانون من قبل الأمن الوطني مرات عدّة في بداية أعوام الـ 2000. قال إنّه تخلّى لاحقا عن نشاطه، فتقلّصت الاستجوابات الأمنيّة.
قال انه زار القنصليّة المصريّة في الدولة الخليجيّة التي يعيش فيها في 2019 لتقديم طلب للحصول على بطاقة هويّة وطنيّة (رقم قومي) جديدة. قال إنّه قدّم كل الوثائق المطلوبة، لكنّ القنصليّة لم تردّ على طلبه قط. قال: "لم أرغب في الاتصال بالقنصليّة مجددا لمتابعة الموضوع حتى لا أجذب مزيدا من الاهتمام".
أثناء تواجده في هذا البلد، رُزق م. ب. أ. بطفل جديد في 2021، وهو أيضا أب لعدّة أطفال آخرين. للحصول على شهادة ميلاد للمولود الجديد، طلبت منه القنصليّة تقديم نسخة حديثة من شهادة ميلاده هو. ذهب أحد أقارب زوجته إلى "مصلحة الأحوال المدنية" للحصول على الشهادة لكنّ العاملين هناك أعلموه بأنهم لا يستطيعون إصدار أي وثيقة لـ م. ب. أ. لأنه "عليه حظر أمني". قال قريب زوجته إنّ عناصر الأمن هدّدوا باعتقال من يتجه إلى المصلحة.
بدون شهادة الميلاد، لم يتمكن م. ب. أ. أيضا من الحصول على جواز سفر للمولود الجديد. ظلّ الطفل بدون جنسيّة بحكم الأمر الواقع، وتمكّنت العائلة فقط من الحصول على تصريح إقامة مؤقت له، يتمّ تجديده كل أربعة أشهر، اعتمادا على تسجيل ميلاد مؤقت من القنصليّة يصدر لنفس الفترة. راجعت هيومن رايتس ووتش نسخا من هذه الوثائق. قال م. ب. أ.: "أثناء إصدار هذه الوثائق، عاملني الموظفون معاملة سيئة للغاية". كما قال إنّ موظفي القنصليّة أصدروا في أغسطس/آب 2022 وثيقة جديدة مؤقتة لمدة أربعة أشهر للطفل وقالوا له إنهم لن يسلّموها له مجددا. ومنذ ذلك الوقت، قالت العائلة إنّ الطفل صار بدون جنسية بحكم الأمر الواقع في بلد قد تواجه فيه الأسرة عواقب قانونية وغرامة تصل إلى ستة دولارات أمريكية في اليوم. كما قال إنّ المسؤولين رفضوا إصدار بطاقة تأمين صحي للطفل لأنه لا يحمل تصريح إقامة.
في 2022، غادر م. ب. أ. الدولة الخليجيّة إلى دولة أوروبيّة مع أطفاله الأكبر سنّا، وهناك قدّموا طلب لجوء. لكن زوجته اضطرّت للبقاء مع المولود الجديد في الخليج، ولم تتمكن من السفر. قال: "اضطررت للمغادرة لأنّ جواز سفري كان على وشك الانتهاء ولا أعتقد أنّني سأتمكن من الحصول على جواز جديد من القنصليّة [...] زوجتي في حالة نفسيّة سيئة جدّا بسبب هذا الوضع".
أحمد في ألمانيا
قال أحمد (اسم مستعار)، وهو مهندس عمره 38 عاما، إنّه غادر مصر في 2015 نحو ألمانيا بتأشيرة دراسة لأنّ الوضع السياسي أثار سخطه. أكمل دراسة الماجستير في ألمانيا وحصل على "البطاقة الزرقاء"، وهي تصريح للعمل والإقامة. تمكّن من زيارة مصر بشكل عادي في 2017، فعلم بشكل غير رسمي أنّه قد يواجه مشكلة أمنية. قال أحمد إنه كان عضوا في "حزب الحرية والعدالة"، الذراع السياسي "للإخوان المسلمين"، ومن بين أقاربه العديد من الأعضاء الكبار في الإخوان. في 2018، أدرجت محكمة مصريّة اسم أحمد مع حوالي 1,550 شخصا آخر كإرهابيين دون احترام للإجراءات أو جلسات استماع.
انتهت صلاحيّة جواز أحمد في أكتوبر/تشرين الأول 2021. قال إنّه فقد بالفعل وضعه القانوني في ألمانيا لأنه لم يتمكّن من حلّ مشكلة جواز السفر. قال إنّ مكتب الأجانب في المدينة الألمانية حيث كان يعيش رفض تجديد تصريح إقامته وأعلمه أنّ السلطات ستتخذ إجراءات قانونية ضدّه، بما في ذلك دفع غرامة والترحيل، إذا لم يقدّم لهم جواز سفره قبل نهاية 2021. استعان أحمد بمحام للقيام بالعديد من الإجراءات القانونية، لكنّه ما يزال يعيش في مأزق قانوني. تسامحت الشركة الألمانية التي يعمل فيها مع وضعه، لكنّه قال إنّه يُشرف على مشاريع في مواقع حكوميّة حسّاسة، وقد يتسبّب له التفتيش بمشاكل.
في مايو/أيار 2021، قدّم أحمد استمارات للحصول على جواز سفر جديد في القنصليّة المصرية في فرانكفورت ومعها كل الوثائق اللازمة. قال إنّ موظفي الأمن في القنصليّة منعوه في أغسطس/آب 2021 من الدخول حين ذهب للاستفسار عن وضع طلبه. قال إنّ المسؤول قال له: "اذهب وحلّ مشكلتك في مصر. إذا علم القنصل أنّك هنا، فسيأتي ويصادر جواز سفرك".
راجعت هيومن رايتس ووتش نسخا من الرسائل الإلكترونيّة التي أرسلها أحمد إلى القنصل طالبا فيها خطاب رفض رسميّ، لكنّه لم يتلق أي ردّ بشأنها. كما تجاهلت القنصليّة في فرانكفورت رسائل عدّة من محامي أحمد.
قال أحمد إنّ السلطات الألمانيّة وافقت على تجنيسه ليُصبح مواطنا ألمانيا في أبريل/نيسان 2022، لكنّ العمليّة لم تتم بسبب جواز سفره. لم تردّ السلطات المصريّة على طلبه القانوني بالتخلّي على جنسيته المصريّة، وهو إجراء يفرضه القانون الألماني. لكن زوجته أكملت الإجراءات وحصلت على جوازها الألماني. قال أحمد إنه يعيش في خوف في انتظار حلّ مشكلته. قال: "ذات مرّة شهدت حادث مرور، فطلبت مني الشرطة تقديم شهادة لإدراجها في التقرير. كنت خائفا"، مضيفا أنه يحرص على تجنّب كل ما يتطلب منه استخدام جواز سفره.
في مصر، رفضت السلطات إصدار شهادة ميلاد لأحمد حين ذهب أحد أقاربه لاستخراجها في 2021. قال أحمد إنّ قريبه أعلمه أنّ مسؤولا في المصلحة المدنية أجابه قائلا: "أنت تعلم ما فعله [أحمد]. لن نُصدر له أيّ أوراق".
إبراهيم أبوعلي في ماليزيا
قال إبراهيم أبوعلي (29 عاما) إنّه غادر مصر في مطلع 2015 إلى ماليزيا لدراسة العلوم السياسية. وفي أواخر 2015، حكمت عليه محكمة عسكريّة في المنصورة غيابيا بالسَّجن المؤبد بتهم تتعلق بالعنف في قضيّة تضمّ 30 متهما مدنيّا آخرين. قال أبوعلي إنّه كان مقرّبا من العديد من الجماعات السياسية في مصر، وشارك في احتجاجات مناوئة للحكومة بعد أن خلع الجيش مرسي في يوليو/تموز 2013، لكنّه توقف عن جميع أشكال النشاط بعد أن غادر مصر.
قال إنّ جواز سفره انتهت صلاحيته في مارس/آذار 2021، وكان قد طلب جواز سفر جديد من السفارة المصريّة في كوالالمبور في 2020 فطلب منه موظف هناك إعداد الوثائق اللازمة وتقديمها. لم يتمكّن من الحصول على وثيقتين: الأولى توضح وضع التجنيد والثانية بطاقة شخصية سارية المفعول. لم تسمح السلطات المصريّة لوالدته باستخراج هاتين الوثيقتين نيابة عنه، رغم أنّه قال إنّه أرسل إليها توكيلا رسميّا حصل عليه من السفارة في 2020. كما تقدّم بطلب عبر الإنترنت للحصول على جواز سفر، لكن السلطات لم تعمل على طلبه. قال أبو علي إنّ موظفا في السفارة قال له عام 2021، حين طلب تجديد جوازه: "من الأفضل أن تعود إلى مصر وتستأنف حكم المحكمة".
قال أبو علي إنّه لم يتمكّن من تجديد تصريح إقامته في ماليزيا أو متابعة دراساته العليا بعد انتهاء صلاحية جواز سفره. قال: "أودّ أن أعيش حياة طبيعيّة، فأنا أجنبي [بدون وثائق] الآن". منذ أن انتهت صلاحية جواز سفره وتصريح إقامته، لم يتمكن من استئجار منزل، وظلّ يتنقّل بين منازل أصدقائه. كما قال إنّ أصحاب العمل يرفضون تشغيله، حتى في الأعمال في خارج اختصاصه، بسبب وضعه القانوني.
قال أبو علي أيضا إنّ الضغوط الناتجة عن وضعه ساهمت في إصابته بالسكري. كما قال إنّه أصبح لديه اكتئاب وقلق وحاول إيذاء نفسه في 2020 و2021. قدّم طلب لجوء لدى مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في ماليزيا في 2020 لكنه تمكن فقط من الحصول على رسالة فيها موعد في ديسمبر/كانون الأول 2022. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، جذب الكثير من الاهتمام من خلال فيديو نشره على فيسبوك وقال فيه إنّه سيُقدم على الانتحار. قال في الفيديو: "لم أحصل على أي نوع من أنواع الدعم من أي نوع من المؤسسات التي تُعنى بمثل هذه الحالات... ولهذا سجلت الفيديو. هذا أملي الأخير قبل أن أقتل نفسي. لا أحد سيشعر بي ما لم يعش نفس التجربة". بعد هذا الفيديو، ساعدته منظمة محليّة على دخول مركز لإعادة التأهيل.