(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على الحكومة السعودية، بعد اعترافها المتأخر في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بمسؤوليتها عن مقتل جمال خاشقجي، العمل فورا على إحقاق العدالة في ما يتعلق بدورها في الجريمة، والإفراج عن منتقدي الحكومة المسجونين. ينبغي توفير سبل الانتصاف والاعتذار لأفراد الأسرة والمقربين المتأثرين، وإنهاء المراقبة والاضطهاد غير القانونيين للمواطنين الذين يعبرون عن آرائهم، في الداخل والخارج.
عرقلت السلطات السعودية أي مساءلة حقيقية عن مقتل خاشقجي. ولا تزال المحاكمة المستمرة لـ11 شخصا محاطة بالسرية، مع رفض الحكومة التعاون مع تحقيق تشرف عليه المقررِّة الخاصة الأممية المعنية بعمليات القتل خارج القانون أنييس كالامار. تستمر السلطات السعودية في حملة قمعها الشاملة ضد المعارضين والناشطين، والتي وقع خاشقجي ضحيةً لها. قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال مقابلته مع البرنامج الإخباري "60 دقيقة" في 29 سبتمبر/أيلول 2019 إنه لم يأمر بقتل خاشقجي ولكنه يتحمل "المسؤولية الكاملة كقائد في السعودية"، مشيرا إلى أن القتلة كانوا عناصر حكوميين.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "لا يكفي تحمّل ولي العهد محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل خاشقجي دون أن يُلام. إذا كان جادا، عليه وحكومته إضفاء الشفافية على المحاكمة الجارية، والكشف عن كل ما يعرفونه عن التخطيط لقتل خاشقجي، وتنفيذه، وتداعياته. بدل ذلك، تضاعف السلطات السعودية قمعها، وتستمر في إسكات الأصوات السعودية المستقلة التي سعى خاشقجي إلى الدفاع عنها".
قالت هيومن رايتس ووتش إنه، ردا على هذا الانتهاك وباقي الانتهاكات السعودية الفظيعة، على الدول الأخرى دعم العقوبات المستهدِفة ضد أعضاء القيادة السعودية المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية المستمرة، وإبقائها حتى وقف الانتهاكات.
لا يبدو أن السلطات السعودية تقصّت الدور المحتمل لقادة سعوديين كبار في عملية القتل، ولا كشفت عن مكان رفات خاشقجي وحالتها. بموجب القانون الدولي، تكون الدولة مسؤولة عن الأفعال غير القانونية لعناصرها الذين يتصرفون بصفتهم الرسمية: في هذه الحالة، الإعدام المتعمد والمقصود خارج نطاق القضاء لأحد منتقدي الحكومة. بالنسبة للجرائم الدولية مثل التعذيب، يمكن اعتبار القادة حتى أعلى المستويات مسؤولين عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم بموجب مبدأ مسؤولية القيادة.
نوّهت كالامار في 19 يونيو/حزيران، خلال نشرها النتائج التي توصلت إليها، بوجود أدلة على أن المسؤولية عن مقتل خاشقجي تتجاوز الـ11 شخصا قيد المحاكمة، وأن مهمة إعدام خاشقجي تطلبت قدرا مهما من التنسيق والتمويل والموارد من جانب الحكومة. استنتجتْ وجود أدلة موثوق بها تستدعي تحقيقا جنائيا أُمميا بحق مسؤولين سعوديين رفيعين، بمن فيهم ولي العهد، بشأن ضلوعهم في جريمة القتل.
رغم أنها لم تجد أدلة قاطعة تربط ولي العهد بالجريمة، لم تستبعد تورطه، قائلة إنه لعب دورا أساسيا في حملة قمع المعارضين. أضافت أن الخبراء وجدوا أنه لا يُعقل تنفيذ عملية واسعة النطاق مثل هذه من دون علم بن سلمان "ببدء مهمة جُرمية الطابع ضد السيد خاشقجي".
قالت ويتسن: "يبغي للحكومة السعودية إظهار استعدادها للتعاون مع تحقيق أُممي أمام العالم بأسره، بما يشمل السماح بالوصول إلى الأدلة والمشتبه بهم المتورطين في الجريمة في المملكة. مثلما طالبت الحكومة السعودية بتحقيق أممي في الهجوم الأخير على منشآتها النفطية، عليها أيضا إظهار التزامها والتعاون في التحقيق في جريمة القتل هذه".
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة السعودية إنصاف المتضررين من جريمتها بالاعتذار من عائلة خاشقجي وأصدقائه وشركائه، والاعتذار من الحكومتين الأمريكية والتركية على قتل حامل إقامة أمريكية على الأراضي التركية. ينبغي تعويض أولئك الذين تضرروا بالاعتراف بالخطأ، وليس بشراء صمتهم بمكافآت سرية.
ينبغي للحكومة السعودية، بعد الاعتراف بمسؤوليتها، التأكيد للمجتمع الدولي بأنها ستنهي هجماتها على الصحفيين والكتاب وباقي منتقدي الحكومة، وإطلاق سراح المعتقلين ظلما. وقع مقتل خاشقجي ضمن موجات اعتقالات متتالية ضد معارضين ورجال دين وصحفيين ومفكرين ورجال أعمال وأفراد من الأسرة الحاكمة ونشطاء حقوقيين سعوديين بعد أن أصبح بن سلمان وليا للعهد في يوليو/تموز 2017. أخضعت السلطات العديد منهم لمحاكمات جائرة، وادعى بعضهم تعذيبه على يد السلطات أثناء الاحتجاز.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الإجراء الأكثر إلحاحا الآن هو إطلاق سراح القابعين في السجون لتعبيرهم عن رأيهم. ينبغي للحكومة أيضا إرفاق إطلاق سراحهم بالتزام جاد بمجموعة إصلاحات تضمن قدرة السعوديين على التعبير بحرية. عليها إعادة هيكلة أجهزتها الاستخبارية التي تستهدف المعارضين، ووضع قوانين ترسخ حق النقد السلمي وقانون عقوبات يوضح أركان الجرائم الحقيقية، وإنشاء قضاء مستقل.
دعت هيومن رايتس ووتش سابقا إلى فرض عقوبات فردية على محمد بن سلمان على خلفية قيام التحالف بقيادة السعودية في اليمن بقصف المدنيين عشوائيا والمنع غير القانوني لدخول السلع الأساسية. تعزز مسؤولية حكومته عن استمرار الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، التي ترقى إلى مستوى جرائم حرب في اليمن، أحقيّة فرض عقوبات على كبار القادة السعوديين طالما استمرت تلك الانتهاكات الخطيرة.
بالإضافة إلى دعم العقوبات المستهدِفة، ينبغي للدول وقف مبيعات معدات المراقبة المتقدمة إلى السعودية ما لم تتوقف عن قمع المعارضين والناشطين المستقلين، وما لم تفرج عن المدانين في محاكمات جائرة. ينبغي للشركات الناشطة تجاريا في السعودية الالتزام بالمعايير الحقوقية الدولية وإنشاء أنظمة رصد تضمن عدم إضرار أنشطتها التجارية بحقوق الإنسان.
قالت ويتسن: "تعود الشركات بهدوء إلى مزاولة أعمالها المربحة في السعودية، لكن ذلك لن يعفيها من مسؤولياتها الحقوقية، ومنها التحقق من عدم إسهام أنشطتها في الانتهاكات الحقوقية المستمرة في المملكة أو الاستفادة منها".