(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنه ينبغي لوزارة العمل اللبنانية بشكل عاجل اعتماد عقد معياري موحد يحترم حقوق العاملات المنزليات المهاجرات ويحميها، كخطوة أولى نحو إلغاء نظام الكفالة الذي ينطوي على انتهاكات. يجب أن يخضع العقد النموذجي الجديد إلى آلية إشراف تضمن تطبيقه ومحاسبة أصحاب العمل الذين يخالفون أحكامه.
هيومن رايتس ووتش عضو في مجموعة عمل ترأسها "منظمة العمل الدولية"، شكلها في أبريل/نيسان 2019 وزير العمل في حينها كميل أبو سليمان من أجل إلغاء نظام الكفالة اللبناني. في يونيو/حزيران 2019، رفعت المجموعة خطة عمل إلى وزارة العمل، تتضمن الخطوات التي على لبنان تنفيذها لإلغاء الكفالة ووضع حمايات للعاملات المنزليات المهاجرات. قدمت المجموعة أيضا، كخطوة أولى، عقدا موحدا للعاملات المنزليات المهاجرات، يجسد المعايير الدولية للعمل وحقوق الإنسان. خلال اجتماع 19 يونيو/حزيران 2020 مع مجموعة العمل، تعهدت وزيرة العمل الحالية لميا يمين باعتماد نسخة الوزارة من عقد جديد خلال الأسابيع القادمة انطلاقا من توصيات مجموعة العمل.
قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: "يحاصر نظام الكفالة اللبناني الاستغلالي بقيوده عشرات آلاف العاملات المنزليات المهاجرات في ظروف قد تؤدي إلى الأذى، إذ يربط وضعهن القانوني بأصحاب عملهن، ما يتيح انتهاكات شديدة تصل في أسوأ الحالات إلى العبودية المعاصرة. تعديل عقد العمل بشكل يعترف بحقوق العاملات المضمونة دوليا ويحميها من شأنه أن يكون خطوة أولى إيجابية نحو إلغاء نظام الكفالة وحماية هؤلاء العاملات".
تعمل نحو 250 ألف عاملة منزلية مهاجرة في لبنان، معظمهن من بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا. لا تشملهن حمايات قانون العمل اللبناني، بما في ذلك اشتراط حد أدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعي، وأجر العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات.
يتم تنظيم وضعهن في لبنان عبر نظام الكفالة – نظام قوانين، وقواعد، وممارسات عرفية يقيّد العاملات والعمال المهاجرين – الذي يربط إقامة العاملات المهاجرات القانونية بأصحاب عملهن. لا يمكن للعاملات ترك عملهن أو تغييره بدون موافقة صاحب العمل، ما يضعهن في مواجهة خطر الاستغلال وسوء المعاملة. أما اللواتي يتركن أصحاب عملهن بدون "إذن"، فيخاطرن بخسارة إقامتهن القانونية في البلد، ويواجهن خطر الاحتجاز والترحيل.
منحُ أصحاب العمل كل هذا التحكم بحياة العاملات أدى إلى مروحة واسعة من الانتهاكات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى على مدى سنين، ومنها عدم دفع الأجر، والاحتجاز القسري، ودوام عمل طويل جدا دون راحة أو عطلة، والاعتداءات الجسدية واللفظية والجنسية.
أدت الأزمة الاقتصادية، مضافة إلى تفشي فيروس "كورونا"، إلى تدهور أكبر في حياة العاملات المنزليات المهاجرات. أبلغ العديد منهن عن زيادة الانتهاكات خلال الحجر الصحي، بينما قالت أخريات إن أصحاب عملهن قلّصوا أجرهن – هذا إذا ما دفعوا في الأصل. منذ مايو/أيار، ترك أصحاب العمل مئات العاملات أمام قنصليات أو سفارات بلدانهن، وفي أغلب الحالات بدون مال أو جواز السفر أو ممتلكاتهن، وبدون تذكرة عودة للعاملات اللاتي لا يمكنهن تحمل تكاليف الرحلة إلى بلدانهن.
نقلت وسائل إعلام محلية أن منذ مارس/آذار، انتحرت سبع عاملات منزليات مهاجرات على الأقل. وثّقت هيومن رايتس ووتش في 2008 أن معدل الوفيات بين العاملات المنزليات المهاجرات كان أكثر من وفاة أسبوعيا، وكان الانتحار ومحاولة الهرب السببين الأساسيين للوفاة. وجد تحقيق لاحق أجرته هيومن رايتس ووتش أن القضاء اللبناني لا يحمي هؤلاء العاملات ولا يحاسب أصحاب العمل على انتهاكاتهم. كما خلص تقرير لـ "منظمة العفو الدولية" إلى أن الاعتداءات على العاملات المنزليات المهاجرات لا يزال منتشرا.
العقد المعياري الموحد الحالي للعاملات المنزليات المهاجرات يفتقر إلى الحمايات الأساسية ضد العمل القسري، ولا يحترم المعايير الدولية للعمل وحقوق الإنسان. من أبرز المشاكل فيه أنه لا يسمح للعاملات بترك منزل أصحاب عملهن بدون إذن أو إنهاء عقد العمل بدون موافقة صاحب العمل، إلا في حالات الاعتداء القصوى، مع تحميل العاملة عبء الإثبات.
أما العقد المعياري الموحد الذي تقترحه مجموعة العمل، فيعالج هذه النواقص واختلال ميزان القوى بين صاحب العمل والعاملة. ويتيح للعاملات جميع الحمايات المتاحة للعمال الآخرين في لبنان بموجب قانون العمل اللبناني، ويضع حمايات إضافية، آخذا بعين الاعتبار الانتهاكات التي وثّقتها المنظمات الحقوقية على مدى سنين. أدارت منظمة العمل الدولية مجموعتَي تركيز مع العاملات المنزليات المهاجرات حول العقد، وأدرجت مخاوفهن في نسخة العقد التي اعتمدتها مجموعة العمل. وطُرح العقد أيضا لاستشارة وطنية تضمنت ممثلات عن مجموعات عاملات منزليات مهاجرات.
قالت وزارة العمل اللبنانية إنها تعمل حاليا على مسودة عقدها الخاص، انطلاقا من نسخة مجموعة العمل.
ينبغي أن يتضمن أي عقد تعتمده وزارة العمل الضمانات التالية:
- حمايات للعاملات المنزليات تساوي تلك الممنوحة للعمال والعاملات الآخرين بموجب قانون العمل؛
- الحق في إنهاء عقد العمل و/أو تغيير صاحب العمل بدون موافقة صاحب العمل وبدون فقدان إقامتهن القانونية؛
- الحق في تشكيل الجمعيات، والتفاوض الجماعي عبر الانضمام إلى النقابات وتشكيلها؛
- الحق في الحد الأدنى الوطني للأجور؛
- الحق في الاحتفاظ بجواز سفرهن ووثائقن الثبوتية الأخرى؛
- الحق في حرية التنقل والتواصل، بما في ذلك الحق في اقتناء هاتف خاص ومغادرة المنزل خلال فترة الاستراحة؛
- إمكانية استخدام نظام فعال ومحايد للشكاوى، له صلاحيات التحقيق في الانتهاكات وإحالة القضايا الجرمية إلى قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة.
غير أن اعتماد عقد يحترم الحقوق ليس إلا الخطوة الأولى نحو إلغاء نظام الكفالة. شددت المجموعة في الخطة التي قدمتها إلى وزارة العمل على ضرورة أن تعدل الوزارة قانون العمل ليشمل العاملات المنزليات المهاجرات، وتعزيز آليات الوزارة للشكاوى وتطبيق القوانين، وتجريم احتجاز العاملات بسبب الافتقار إلى إقامة قانونية، وتسوية وضع العاملات المهاجرات اللواتي ليس لديهن وثائق، وتدريب القوى الأمنية والقضاء على الاستجابة للانتهاكات ضد العاملات المنزليات المهاجرات والتحقيق فيها. لبنان ملزَم، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بضمان تمتّع العاملات المنزليات المهاجرات بالحماية نفسها الممنوحة للعمال والعاملات الآخرين بموجب القانون.
قالت مجذوب: "لا يمكن استمرار السماح لأصحاب العمل بالتهرب من عواقب الانتهاكات ضد العاملات المنزليات المهاجرات. ينبغي للبنان تعديل قانون العمل فورا ليشمل هؤلاء العاملات، والنص على جميع الحمايات اللازمة في عقد العمل الجديد، ومنها آلية تطبيق صارمة وإلغاء نظام الكفالة نهائيا".
التزامات لبنان الدولية
يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان مجموعة من حقوق العمال، لا سيما تلك المتعلقة بظروف العمل العادلة والمؤاتية. يقرّ "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وهو جزء من "الشرعة الدولية حقوق الإنسان" التي وقعها لبنان في 1972، بحق كل شخص في التمتع بظروف عمل عادلة ومؤاتية.
كما صادق لبنان على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحماية العاملات المنزليات: (1) "اتفاقية إلغاء العمل الجبري" رقم 105 (وقعها لبنان في 1977)؛ (2) الاتفاقية رقم 111 "بشأن التمييز في مجال الاستخدام والمهنة"، التي تحظر أي تمييز على أساس الجنس في الاستخدام وظروف العمل (وقعها لبنان في 1977).
استثناء لبنان العاملات المنزليات من الحماية القانونية التي تشمل العمال والعاملات الآخرين يخالف مبدأ عدم التمييز المكرس في القانون الدولي. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان كل تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الآراء السياسية وغيرها، أو الجنسية أو المنشأ الاجتماعي، أو الملكية، أو الولادة، أو أي حالة أخرى. القوانين، والقواعد، والسياسات، والممارسات التي تبدو محايدة قد تكون تمييزية إذا كان أثرها كذلك.
استثناء فئة كاملة من العمال والعاملات، ومعظمهم نساء أجنبيات، من المساواة في حماية قانون العمل يشكل تمييزا على أساس الجنس وبلد الأصل – 97% من العمالة المنزلية نساء، بحسب إحصاء وزارة العمل اللبنانية في 2009. يخالف ذلك التزام لبنان بـ "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، ولبنان طرف فيها منذ 1997، و"الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، ولبنان طرف فيها منذ 1971. تشترط الاتفاقيتان إلغاء أشكال التمييز الخاصة بكل منها (الجندري والعرقي، بما في يشمل بلد الأصل) في جميع المجالات، ومنها التوظيف.
أعربت "لجنة سيداو"، المفوضة مراقبة التزام الدول الأعضاء بواجباتها بموجب الاتفاقية، عن "قلـق إزاء تعـرض النـساء العـاملات في خدمـة المنـازل في لبنـان إلى الإساءة والاسـتغلال" وأوصت بأن يضع لبنان "إجراءات لرصد وحمايـة حقـوق العـاملات في خدمـة المنازل وملاحقة ومعاقبة المسيئين من أربـاب العمـل علـى النحـو الواجـب". كما دعت لبنان إلى تأمين "سبل انتصاف ناجعة مـن الإسـاءة الـتي يسببها لهم أرباب العمل و... توعيـة العـاملات في خدمـة المنـازل بحقـوقهن وبمـا يتيحـه لهـن القـانون مـن حمايـة وضـمان إمكانيــة حــصولهن علــى المــساعدة القانونيــة".