(بيروت)- قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن السلطات القضائية اللبنانية تفشل عموماً في محاسبة أرباب العمل عندما ينتهكون الحقوق الأساسية لعاملات المنازل المهاجرات. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على الحكومة اعتماد خطة عمل لضمان قدرةالعاملات على الاعتماد على المحاكم اللبنانية لحماية حقوقهن.
تقرير "بلا حماية: إخفاق القضاء اللبناني في حماية عاملات المنازل الوافدات"، الذي أتى في 49 صفحة، يستعرض 114 حُكماً قضائياً لبنانياً في قضايا تخص عاملات منازل وافدات. وجد التقرير أن الافتقار إلى آليات شكوى يسهل الوصول إليها والإجراءات القضائية المطولة، وسياسات الإقامة التقييدية؛ تثني العديد من العاملات عن تقديم شكاوى أو متابعتها ضد أرباب عملهن. حتى عندما تتقدم العاملات بشكاوىً، تهمل الشرطة والسلطات القضائية بانتظام التعاطي مع بعض الانتهاكات بحق عاملات المنازل على أنها جرائم.
وقال نديم حوري، مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في بيروت: "عبر غض النظر عن الانتهاكات بحق عاملات المنازل، تكون الشرطة والسلطات القضائية اللبنانية متواطئة في الانتهاكات المستمرة من قبل أرباب العمل ضد هذه الفئة المستضعفة". وأضاف:"احتجاز شخص ما أو صفعه هو جريمة بغض النظر عن هوية الضحية".
لم تعثر هيومن رايتس ووتش على حالة واحدة من بين القضايا الـ 114 التي استعرضتها، واجه فيها رب العمل ملاحقة قضائية لحبس العاملات داخل المنازل، أو حجز جوازات سفرهن، أو حرمانهن من الطعام، على الرغم من أن هذه الانتهاكات للقانون أصبحت شائعة للغاية. توظف العائلات اللبنانية ما يقدر بمائتي ألف عاملة منزل، يأتين في المقام الأول من سريلانكا، وأثيوبيا، والفلبين، ونيبال.
كثيراً ما تبقى الشكاوى المقدمة من قبل هاتين العاملات بحق أرباب العمل في المحاكم لشهور، ولسنوات في بعض الأحيان. وهذا يشكل عبئاً إضافياً على العاملات، لأن سياسات الإقامة التقييدية في لبنان تُصعِّب عليهن البقاء في البلاد لمتابعة القضية. راجعت هيومن رايتس ووتش 13 قضية جزائية رفعتها عاملات بحق أرباب العمل ووجدت أنها استغرقت في المتوسط 24 شهراً للفصل بها. استغرقت الشكاوى من عدم دفع الرواتب بين 21 و 54 شهراً. حتى الشكاوى المبسطة التي قُدِمت أمام مجالس العمل التحكيمية استغرقت 32 شهراً في المتوسط. بموجب نظام الكفالة، تفقد العاملة التي تترك رب عملها - وإن كان بغرض تقديم شكوى - الحق في العيش في لبنان، وتواجه احتمال الاعتقال والترحيل.
كثيراً ما تفشل حالات العنف البدني بحق العاملات في كسب اهتمام كافٍ من رجال الشرطة والمدعين العامين. في قضية يعود تاريخها إلى عام 2005، انتظرت الشرطة 21 يوماً لبدء التحقيق بعد تلقيها شكوى بأن رب العمل كان يضرب العاملة. استعراض محاضر الشرطة في العديد من حالات العنف بحق العاملات يظهر أنه خلال التحقيق في هذه الحالات تسأل الشرطة بانتظام أرباب العمل أسئلة عامة فقط وتقبل بإفاداتهن على أنها الحقيقة دون مقاطعة أقوالهم مع شهود آخرين محتملين.
وفي حين وجهت السلطات اتهامات في حالات معينة من الضرب المبرح للعاملات، إلا أن هذه الحالات لا تزال نادرة، وأدت إلى أحكام خفيفة فقط. في قضية كانت محل ترحيب واسع، حكم قاضي جزائي لبناني في 9 ديسمبر/كانون الأول 2009، على ربة العمل بالسجن، لضربها المتكرر لعاملة منازل فلبينية. غير أن الحكم كان السجن 15 يوماً فقط. أقسى حكم لضرب عاملة علمت به هيومن رايتس ووتش كان السجن لشهر واحد صدر من قبل قاضي جزائي في 26 يونيو/حزيران 2010، ضد رب عمل كان يضرب عاملة سريلانكية بصورة متكررة أثناء حبسها عنوة في المنزل.
حتى أرباب العمل الذين يقتلون عاملاتهم، فغالباً ما يحصلون على أحكام مخففة. في قضية تعود لعام 1999، حكمت محكمة الجنايات على ربة عمل ضربت عاملة سريلانكية حتى الموت بالسجن لسنة ونصف فقط.
وقال نديم حوري:"هذه الأحكام هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تبقى غير كافية في وجه العدد الكبير من حالات سوء المعاملة". وأضاف: "على السلطات أن تضمن أن أرباب العمل الذين يعتدون على عاملات المنازل ينالون عقوبات تتناسب مع مستوى جريمتهم وتكون رادعة للآخرين".
وثّقت هيومن رايتس ووتش عدداً من الانتهاكات للإجراءات القانونية الواجبة والحق في المحاكمة العادلة في قضايا اتهمت فيها عاملات المنازل بارتكاب جريمة، وهي السرقة عادة. من أصل 84 قضية جزائية ضد العاملات راجعتها هيومن رايتس ووتش، لم تحصل 37 عاملة (44٪)على محام دفاع. معظم العاملات- ما لا يقل عن 57 من الحالات الـ 84 التي جرى استعراضها- واجهن الشرطة وإجراءات المحاكم دون مساعدة مترجمين معتمدين، على الرغم من حقيقة أن كثيراً منهن لا يتحدثن اللغة العربية بطلاقة. وجود المترجمين كان نادراً حتى في الحالات التي اتهمت فيها العاملة بجريمة خطيرة.
وجد التقرير أيضاً أن الحبس الاحتياطي منتشر على نطاق واسع في صفوف العاملات المتهمات بارتكاب جرائم. ما لا يقل عن 76% من العاملات في الحالات التي جرى استعراضها (64 قضية من أصل 84) اعتقلن احتياطياً. معظم العاملات اللاتي تمت تبرأتهن في نهاية المطاف اعتقلن احتياطياً لمدة ثلاثة أشهر في المتوسط قبل الإفراج عنهن، غير أن ما لا يقل عن أربعة عاملات أمضين أكثر من ثمانية أشهر في السجن قبل أن تبرأهن المحاكم.
وقال نديم حوري: "غالباً ما ينتهي الأمر بعاملات المنازل في السجن على أساس اتهامات أرباب عملهن، ودون الاستفادة من مساعدة محام أو مترجم". وأضاف: "إنهن يستحققن المعاملة بمبدأ البراءة حتى ثبوت الذنب، وضمانات إجراءات التقاضي السليمةالمكفولة لغيرهن من الأفراد".
على الرغم من التصريحات الأخيرة لمسؤولين لبنانيين، بمن فيهم وزيري الداخلية والعمل، بأنهم بصدد تحسين معاملة عاملات المنازل المهاجرات؛ فقد اقتصر تحرك الحكومة على مبادرات إصلاح محدودة، مثل عقد عمل موحد إلزامي لعاملات المنازل وضع قيد الاستخدام في يناير/كانون الثاني 2009. فشلت الحكومة أيضاً في صياغة آليات فعالة لتفتيش أماكن عمل عاملات المنازل المهاجرات.
دعت هيومن رايتس ووتش السلطات اللبنانية إلى:
-
وضع خطة وطنية لزيادة إمكانية أن تنتهي الشكاوى المقدمة ضد أرباب العمل عن الجرائم التي ارتكبت ضد عاملات المنازل المهاجرات بالملاحقة القضائية.
-
سن تشريع لإنشاء آلية تسوية منازعات مبسطة لتسوية النزاعات المتعلقة بالرواتب بين أرباب العمل والعاملات خلال وقت مناسب.
-
تأمين الحصول على مساعدة قانونية ومترجمين للعاملات ضحايا سوء المعاملة أو المتهمات بارتكاب جريمة.
-
تنفيذ برامج تدريب لعناصر قوى الأمن الداخلي والأمن العام والقضاة لتحديد شكاوى إساءة معاملة عاملات المنازل المهاجرات والاستجابة لها.
-
إصلاح نظام الكفالة بحيث لا تبقى العاملة مرتبطة بكفيل واحد، وبذلك تتمكن العاملات من تقديم شكاوى دون الخوف من الاعتقال والترحيل.