لم ينجُ أحد من الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، وهي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990. المجموعات المهمشة أصلا منذ ما قبل الأزمة كانت الأكثر تأثرا بتبعاتها. مثلا، تحوّل وضع العاملات المنزليات المهاجرات المستثنيات من حماية قانون العمل، واللاتي يُقدّر عددهن بـ 250 ألفا، من سيء إلى أسوأ.
قبل الأزمة الاقتصادية، كان الأفراد والمؤسسات يستخدمون الدولار الأمريكي (دولار) والليرة اللبنانية (ليرة) على حد سواء بسعر الصرف الرسمي 1515 ليرة. لكن ركود النمو الاقتصادي وتراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين (انخفضت 7% في 2017) أدى إلى شحّ في الدولار. طبّقت المصارف قيودا غير رسمية على حركة الأموال، ووضعت سقفا على السحب والتحويل إلى الخارج بالدولار. خسرت الليرة اللبنانية جراء ذلك 40% من قيمتها في السوق غير الرسمية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، وارتفعت أسعار السلع المستوردة بشكل حاد.
اضطرت المؤسسات إلى الإقفال أو تقليص عملياتها جذريا. بحسب شركة "إنفوبرو" للأبحاث والاستطلاعات، ومقرها بيروت، فقد أكثر من 220 ألف شخص عملهم بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 وفبراير/شباط 2020، وقلّصت ثلث الشركات عديد موظفيها بحدود الـ 60%، وخفضت نصف الشركات التي شملها المسح رواتب موظفيها بأكثر 40%.
العاملات المنزليات المهاجرات مهمشات أصلا
العاملات المنزليات، اللاتي لا تشملهن حماية قانون العمل أصلا ولا يمكنهن الوصول إلى سبل الانتصاف القضائي، يعانين أيضا من الآثار القاسية للأزمة. قالت كثيرات إن أصحاب عملهن خفضوا رواتبهن – هذا إذا ما دفعوا لهن بالأصل. لكن حتى العاملات المحظوظات اللاتي لا زلن يحصلن على رواتبهن كاملة انخفضت قيمة رواتبهن بحدود الثلث مع تدهور قيمة الليرة. العاملة التي كانت تتقاضى 300 ألف ليرة شهريا، كان بإمكانها إرسال 200 دولار لأسرتها في الخارج، أما الآن لا يمكّنها نفس الراتب إلا من إرسال 120 دولار أمريكي حسب سعر الصرف غير الرسمي الذي يتقلب من يوم إلى آخر عند الصرافين. تشير التوقعات إلى استمرار تدهور قيمة الليرة.
ما يزيد الطين بلة أن رغم احتمال خسارة بعض العاملات المهاجرات نصف رواتبهن أو أكثر، لا يمكنهن ترك عملهن أو المطالبة بتحسين الراتب أو ظروف العمل. إقامتهن في لبنان تخضع إلى "نظام الكفالة" الذي شبّهه وزير العمل السابق كميل أبو سليمان "بالعبودية المعاصرة"، والذي يمنعهن من ترك عملهن أو تغييره دون موافقة صاحب العمل. إعطاء صاحب العمل هذا القدر من السلطة على حياة العاملة أدى إلى العديد من الانتهاكات التي توثّقها "هيومن رايتس ووتش" منذ سنوات، بما في ذلك عدم دفع الأجور، والحجز الإجباري، انعدام الإجازات، والاعتداء اللفظي والبدني والجنسي.
في ديسمبر/كانون الأول، قالت سفارة الفيليبين في لبنان إن أكثر من ألف عاملة فيليبينية "من اللاتي خسرن عملهن ومداخيلهن مؤخرا" سجّلن في برنامج العودة المجانية إلى الوطن. حتى كتابة هذا النص، لم تقدّم أي سفارة أخرى خدمات مشابهة لمواطنيها في لبنان.
صوِّبوا الأخطاء القديمة
دأبت الحكومة اللبنانية لسنوات على التهرب من واجباتها في حماية العاملات المنزليات المهاجرات تاركة إدارة علاقة العمل لأصحاب العمل، ومكاتب التوظيف، والسفارات – ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى نتائج كارثية على العاملات. مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتدهور وضع العاملات المنزليات المهاجرات، على الحكومة أن تتوقف عن غض النظر.
العام الماضي، مثّلتُ وأحد زملائي "هيومن رايتس ووتش" في مجموعة عمل أنشأها أبو سليمان وزير العمل آنذاك، برئاسة "منظمة العمل الدولية"، لإلغاء نظام الكفالة. في يوليو/تموز، أرسلنا توصياتنا إلى الوزير من أجل تعديل السياسات والقوانين. لو عُمل بها لكانت علاقة العمل أكثر عدلا، بما في ذلك السماح للعاملات باختيار إنهاء عقد العمل. غير أن الوزير استقال بُعيد انطلاق الاحتجاجات التي عمّت البلاد، قبل أن تسنح له الفرصة لتنفيذ هذه الإصلاحات.
لدى وزيرة العمل الجديدة لميا يمين فرصة لتصويب هذا الظلم التاريخي. إلغاء نظام الكفالة لن يحل الأزمة الاقتصادية لكنه سيضمن ألّا تتحمل أعباءها عشرات آلاف النساء اللاتي تركن أسرهن وأوطانهن للعمل في لبنان.