(أديس أبابا) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الإثيوبيين الذين يخوضون الرحلة الخطرة بالقوارب عبر البحر الأحمر وخليج عدن يواجهون خطر الاستغلال والتعذيب في اليمن، على يد شبكة من مجموعات الإتجار بالبشر. كما يواجهون ظروف احتجاز مسيئة في السعودية، قبل ترحيلهم قسرا دون اتباع الإجراءات الواجبة إلى أديس أبابا. لم تتخذ السلطات في أي من إثيوبيا أو اليمن أو السعودية تدابير تُذكر – إن وُجدت – للحد من العنف الذي يواجهه المهاجرون، أو فرض إجراءات لطلب اللجوء، أو التحقق من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن التابعة لها.
هناك مجموعة من العوامل، تشمل البطالة والمصاعب الاقتصادية الأخرى والجفاف وانتهاكات حقوق الإنسان، دفعت بمئات آلاف الإثيوبيين إلى الهجرة على مدار العقد الماضي، فسافروا بالقوارب عبر البحر الأحمر ثم برا عبر اليمن، إلى السعودية. السعودية ودول الخليج المجاورة لها هي وجهات مفضلة نظرا إلى توفر فرص العمل فيها. تسافر الغالبية بصورة غير نظامية ويفتقرون إلى الوضع القانوني لدى وصولهم إلى المملكة.
قال فيلكس هورن، باحث أول معني بأفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الكثير من الإثيوبيين الذين كانوا يأملون في حياة أفضل في السعودية يواجهون مخاطر هائلة في الرحلة إليها، منها الموت في البحر، والتعذيب، وكافة أصناف الانتهاكات. ينبغي للحكومة الإثيوبية، بدعم من شركائها الدوليين، أن تدعم العائدين إلى إثيوبيا والذين ليس معهم إلا ما يرتدون من ثياب، ولا يعرفون إلى من يلجؤون لطلب العون".
قابلت هيومن رايتس ووتش 12 إثيوبيا في أديس أبابا رُحِّلوا من السعودية من ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى مايو/أيار 2019. قابلت أيضا عاملين بمنظمات إنسانية ودبلوماسيين معنيين بالقضايا المتصلة بهجرة الإثيوبيين.
تُقدر "المنظمة الدولية للهجرة" أن ما يناهز 500 ألف إثيوبي كانوا في السعودية عندما بدأت الحكومة السعودية حملة الترحيلات في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. اعتقلت السلطات السعودية ولاحقت قضائيا ورحّلت أجانب خالفوا نظم العمل والإقامة، وكذلك من عبروا الحدود بصورة غير نظامية. نحو 260 ألف إثيوبي – أي 10 آلاف شهريا في المتوسط – رُحِّلوا من المملكة إلى إثيوبيا بين مايو/أيار 2017 ومارس/آذار 2019، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، والترحيلات مستمرة.
أعلنت وزارة الداخلية السعودية عبر "تويتر" في 2 أغسطس/آب أنها أوقفت 3.6 مليون شخص، بينهم 2.8 مليون على خلفية مخالفات لنظم الإقامة، و557 ألفا لمخالفة نظام العمل، و237 ألفا جراء مخالفات عبور الحدود. كما أوقفت السلطات 61,125 شخصا بتهمة عبور الحدود بصورة غير قانونية إلى المملكة، 51 بالمئة منهم إثيوبيين، وأحالت 895 ألف شخص للترحيل. بخلاف ما يتعلق بمن عبروا الحدود بصورة غير قانونية، الأرقام المذكورة غير مقسمة بحسب الجنسية.
هناك 11 شخصا من الـ 12 الذين قابلناهم بعد ترحيلهم كانوا قد تعاملوا مع شبكات تهريب وإتجار متصلة إقليميا في كل من إثيوبيا، وجيبوتي، وأرض الصومال، وأرض البونط، واليمن والسعودية. لجأ المُتَّجِرون خارج إثيوبيا – لا سيما في اليمن – إلى استخدام العنف أو التهديد به لابتزاز فدية من أقارب المهاجرين أو الأشخاص الذين هم على اتصال بهم، بحسب من قابلتهم هيومن رايتس ووتش. الشخص الـ 12 كان يعمل في السعودية بصورة قانونية، لكن رُحِّل بعدما حاول مساعدة أخته التي وفدت إلى المملكة بصورة غير قانونية.
وصف من قابلناهم أنهم خاضوا رحلات عرضت حياتهم للخطر لمدة وصلت حتى 24 ساعة، عبر خليج عدن والبحر الأحمر لبلوغ اليمن، وفي أغلب الحالات كان العبور في قوارب مكتظة دون طعام أو ماء، مع منع المهربين المسلحين إياهم من الحركة في القوارب.
قال أحد الرجال: "كان هناك نحو 180 شخصا في القارب، ومات 25 منّا. كان القارب في خطر، تتقاذفه الأمواج. كان مكتظا بالركاب وعلى وشك الغرق، لكن الدلالين [الوسطاء] أمسكوا ببعض الأشخاص - نحو 25 شخصا - ورموا بهم في البحر ".
قال من قابلناهم إن المُتَّجِرين قابلوهم وأسروهم لدى الوصول إلى اليمن. قال 5 إن المُتّجِرين اعتدوا عليهم بدنيا لابتزاز النقود من أقاربهم أو معارفهم في إثيوبيا أو الصومال. بينما كان يمنيون هم من يديرون المخيمات التي أُسر المهاجرون فيها، فإن أشخاصا إثيوبيين هم من ارتكبوا الانتهاكات في الأغلب. في حالات عديدة، قال الأقارب إنهم باعوا ممتلكات كالبيوت أو الأراضي لتحصيل نقود الفدية المطلوبة.
بعد سداد الفدية للمُتّجِرين أو الهرب، يمضي المهاجرون في العادة شمالا إلى الحدود اليمنية-السعودية، فيعبرون مناطق ريفية وجبلية. قال من قابلناهم إن حرس الحدود السعوديين أطلقوا عليهم النار فقتلوا وأصابوا الكثيرين من العابرين معهم، وإنهم رأوا جثثا في الدروب الحدودية. سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش قيام حرس الحدود السعوديين بإطلاق النار على المهاجرين وقتلهم أثناء عبورهم الحدود.
قال رجل (26 عاما): "كانت هناك جثث تتعفن على الحدود، تتحلل. كأنه قبر".
قال 6 أشخاص ممن قابلناهم إن شرطة الحدود السعودية أوقفتهم، في حين تمكن 5 من العبور لكن اعتُقلوا لاحقا. وصفوا ظروف السجن المسيئة في عدة منشآت احتجاز جنوبي المملكة، منها عدم كفاية الطعام وعدم ملائمة دورات المياه أو الرعاية الطبية؛ وغياب مرافق الصرف الصحي؛ والاكتظاظ؛ والتعرض للضرب على يد الحراس.
الطائرات التي تعيد المُرحَّلين من السعودية تصل إلى أديس أبابا عادة إما عند محطة الطيران الداخلي أو محطة الشحن بمطار بولي الدولي. تجري عدة منظمات إنسانية فحصا أوليا للتعرف على أكثر الحالات عرضة للخطر، مع ترك المُرحَّلين الآخرين دون مساعدة. قال عاملو إغاثة في إثيوبيا إن المُرحَّلين يصلون عادة دون أمتعة، أو نقود لشراء الطعام أو ركوب المواصلات، أو مأوى. عند وصولهم، يحصلون على القليل من المساعدة في التعامل مع إصاباتهم البدنية والنفسية، أو نقلهم إلى موطنهم، والذي يبعد في بعض الحالات مئات الكيلومترات عن أديس أبابا.
علمت هيومن رايتس ووتش أن قسما كبيرا من تمويل الهجرة الواردة من شركاء إثيوبيا في مجال التنمية مخصص لإدارة الهجرة على المسارات من القرن الأفريقي إلى أوروبا، ولمساعدة الإثيوبيين المبعدين من أوروبا، فلا يبقى سوى القليل لمساعدة العائدين من السعودية.
قال هورن: "أعادت السعودية قسرا ودون اتباع الإجراءات اللازمة مئات آلاف الإثيوبيين إلى أديس أبابا، والذين لم يحصّلوا خلال رحلتهم سوى على الديون والصدمة. ينبغي للسعودية أن تحمي المهاجرين على أراضيها والخاضعين لسيطرتها من خطر المُتَّجِرين، وأن تضمن عدم تواطؤ موظفيها مع هؤلاء المجرمين، مع إمداد المهاجرين بفرصة الطعن قانونيا في احتجازهم وترحيلهم".
أجريت جميع المقابلات بلغات الأمهرية والتيغرانية والأفان أورومو مع وجود ترجمة إلى الإنغليزية. كان من قابلناهم من 4 مناطق، هي منطقة شعوب وأمم وقوميات أثيوبيا الجنوبية، وأورومو، وأمهرة، وتغراي. تاريخيا، ينحدر أغلب الإثيوبيين المهاجرين إلى الخارج من هذه المناطق. لحماية من قابلناهم من إمكانية التعرض للانتقام، استخدمنا أسماء مستعارة بدلا من الأسماء الحقيقية. راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومتين الإثيوبية والسعودية لتطلب تعليقاتها على الانتهاكات التي وصفها المهاجرون الإثيوبيون على امتداد درب الهجرة إلى الخليج، لكن حتى كتابة هذه السطور لم نستلم ردود من الحكومتين.
رحلة القارب الخطرة
أغلب الـ 11 شخصا الذين قابلناهم دخلوا السعودية دون وثائق وتصاريح السفر اللازمة، ووصفوا رحلة القارب المهددة للحياة عبر البحر الأحمر، من جيبوتي وأرض الصومال وأرض البونط إلى اليمن. وصفوا كيف كانت القوارب شديدة الاكتظاظ، وما تعرضوا له من ضرب، وعدم كفاية الطعام أو المياه في الرحلات التي تراوحت بين 4 ساعات و24 ساعة. هذه المشكلات تفاقمت بسبب الظروف الجوية الخطرة أو مواجهات مع سفن للتحالف بقيادة السعودية والإمارات كانت تقوم بدوريات قبالة سواحل اليمن.
قال "بيرهانو" إن المهربين الصوماليين ضربوا من كانوا يعبرون معه في القارب قادمين من شمال الصومال: "أنشأوا نظاما كانوا يضعون الناس بموجبه في أماكنهم بالقارب بحسب وزنهم، ليصبح القارب متوازنا. إذا تحركت، يضربونك". قال إن رحلته استغرقت مدة طويلة عندما اضطر المهربون إلى العودة بالقارب بعد أن شاهدوا ضوءا من قارب بحرية قبالة ساحل اليمن، وانتظروا عدة ساعات لكي يمرّ.
منذ 26 مارس/آذار 2015 تقود السعودية تحالفا من الدول في حملة عسكرية ضد جماعة الحوثي المسلحة في اليمن. ضمن الحملة، فرض التحالف بقيادة السعودية والإمارات حصارا بحريا على الموانئ اليمنية الخاضعة للحوثيين، بزعم منع المتمردين الحوثيين من استيراد الأسلحة بحرا، لكن التحالف قيّد أيضا تدفق الأغذية والوقود والدواء للمدنيين باليمن، مع شن هجمات على المدنيين في البحر. سبق ووثقت هيومن رايتس ووتش هجوما بمروحية في مارس/آذار 2017 شنّته قوات التحالف على قارب يُقِل مهاجرين ولاجئين صوماليين عائدين من اليمن، ما أودى بحياة 32 شخصا على الأقل من بين 145 مهاجرا ولاجئا صوماليا على متن القارب، ومدني يمني واحد.
الاستغلال والانتهاكات في اليمن
لدى الوصول إلى اليمن الذي تمزقه الحرب، قال المهاجرون الإثيوبيون إنهم واجهوا الاختطاف والضرب وانتهاكات أخرى على يد المُتَجِرين الذين حاولوا ابتزاز فدية مالية منهم أو من عائلاتهم.
ليس هذا بجديد. وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في 2014 انتهاكات شملت التعذيب بحق مهاجرين بمخيمات احتجاز في اليمن يديرها مُتَّجِرون يحاولون تحصيل نقود ممن يأسروهم. في 2018 وثقت هيومن رايتس ووتش قيام حراس يمنيين بتعذيب واغتصاب مهاجرين إثيوبيين ومهاجرين آخرين من القرن الأفريقي، بمركز احتجاز في عدن، وتعاونهم مع المهربين لإعادتهم إلى بلادهم. تشير مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش مؤخرا إلى أن الحرب في اليمن لم تؤثر كثيرا على الانتهاكات بحق المهاجرين الإثيوبيين في الطريق من اليمن إلى السعودية. بل زاد النزاع الذي تصاعد في 2015 من خطورة الرحلة بالنسبة للمهاجرين الذين يعبرون إلى منطقة قتال فعلي.
قال 7 من المهاجرين غير النظاميين الـ 11 الذين قابلناهم إنهم تعرضوا للاحتجاز والابتزاز طلبا للفدية، على يد المُتَّجِرين، في اليمن. حدث هذا في حالات عديدة ما إن وطأت أقدامهم الشاطئ، إذ نسق المهربون بالقوارب مع المُتَّجِرين اليمنيين. قال المهاجرون إن مجموعات المهربين والمُتَّجِرين اليمنيين كانت تضم دائما إثيوبيين، عادة ما يكون أحدهم من مجموعات الأورومو والتيغراي والأمهرة العرقية، وهم من قاموا عموما بضرب وتعذيب المهاجرين لاستخلاص النقود منهم. كان المهاجرون يُحتَجزون عادة في مخيمات لأيام وأسابيع إلى أن يتمكنوا من سداد نقود الفدية، أو من الهرب. كانت الفدية تُدفع عادة بتحويلات مصرفية من أقارب ومعارف في إثيوبيا.
وصف "أبيبي" تجربته:
عندما رسونا... أخذونا [المُتَّجِرون] إلى مكان بعيد عن الطريق منصوبة به خيمة. كان الجميع هناك مسلحون بالبنادق، وراحوا يتقاذفوننا كأننا أكياس قمامة. كان المُتَّجِرون شخص يمني و3 إثيوبيين، واحد تيغراني وواحد أمهري وواحد من الأورومو... بدأوا يضربوننا بعد أن رفضنا دفع النقود، ثم اضطررنا للاتصال بعائلاتنا... لدى شقيقتي [في إثيوبيا] بيت. اتصل بها المُتَّجِرون وأطلقوا رصاصة بالقرب مني حتى تسمعها. باعت البيت وأرسلت النقود [40 ألف بر، 1,396 دولار أمريكي].
قال "تيسفاليم" إنّ يمنيين وإثيوبيين ضربوه في مخيم يعتقد أنه قريب من مدينة عدن الساحلية:
"طلبوا النقود، لكن قلت إن ليس معي شيء. قالوا لي أن أجري اتصالا لكنني قلت إن لا أقارب لي. ضربوني وعلقوني على جدار من يد واحدة وأنا وافق على كرسي، ثم أبعدوا الكرسي عني ورحت أتأرجح هكذا من ذراعي. ضربوني على رأسي بعصا حتى تورّم ونزف دما".
هرب بعد 3 أشهر، واحتُجِز في مخيم آخر 3 أشهر أخرى، ثم هرب أخيرا من جديد.
قال "بينيام" إن الرجال تناوبوا على ضرب المهاجرين الأسرى. قال: "[الإثيوبي] الذي يتكلم لغتك يضربك. كل من ضربونا إثيوبيين. لم نفكر في مقاومتهم لأننا كنا متعبين للغاية، وكانوا ليقتلوك إن حاولت ذلك".
قال شخصان إنهم عندما نزلوا من القوارب عرض عليهم المهربون فرصة دفع نقود فورا للانتقال بالسيارة إلى الحدود السعودية، وبالتالي تفادي مخيمات الاحتجاز. قال أحدهم، "غيتاشو" إنه دفع 1,500 بر (52 دولار أمريكي) للسيارة وهرب من سوء المعاملة.
تجنب آخرون الأسر عند وصولهم، لكنهم واجهوا مصاعب رحلة مسافتها 500 كيلومتر على الأقدام، مع القليل الموارد بينما كانوا يحاولون تجنب الأسر.
تفاقمت المخاطر التي تواجه المهاجرين اليمنيين الذين يسافرون شمالا، بالنسبة للذين يهربون نحو مناطق تشهد معارك بين قوات الحوثي والمجموعات الموالية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات. قال مهاجران إن رحلتهما تأخرت، لأسبوع في حالة الأول وشهرين في حالة الثاني، لتجنب مناطق القتال.
لم يكن لدى المهاجرين قنوات انتصاف لدى السلطات المحلية، ولم يبلغوا عن الإساءات أو لم يطلبوا المساعدة من السلطات. قامت قوات موالية للحكومة اليمنية والحوثيين باحتجاز المهاجرين في ظروف مزرية، ورفضت منحهم تدابير الحماية واللجوء اللازمة، ورحَّلت المهاجرين جماعيا في ظروف خطرة، وعرضتهم للأذى. في أبريل/نيسان 2018، قالت هيومن رايتس ووتش إن مسؤولين بالحكومة اليمنية عذبوا واغتصبوا وأعدموا مهاجرين وطالبي لجوء من القرن الأفريقي في مركز احتجاز بمدينة عدن الساحلية. أُغلِق المركز فيما بعد.
أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في مايو/أيار أنها أطلقت برنامج للعودة الإنسانية الطوعية من أجل المهاجرين الإثيوبيين غير النظاميين، الذين تحتجزهم السلطات اليمنية في مواقع احتجاز في جنوب اليمن. قالت المنظمة الدولية للهجرة إن نحو 5 آلاف مهاجر بثلاث مواقع كانوا محتجزين في "ظروف لا يمكن تحملها" وأن الرحلات الجوية من عدن إلى إثيوبيا قد توقفت بسبب عدم تقديم التحالف بقيادة السعودية والإمارات التصاريح اللازمة لإقلاع الطائرات. يسيطر التحالف على المجال الجوي اليمني.
عبور الحدود؛ احتجاز تعسفي داخل السعودية
واجه المهاجرون تحديات جديدة في محاولتهم عبور الحدود السعودية اليمنية. قال الأشخاص الذين قابلناهم إن نقاط العبور التي يستخدمها المهربون تقع في المناطق الريفية والجبلية حيث الحدود الفاصلة بين محافظة صعدة اليمنية ومنطقة جازان السعودية. قال اثنان منهم إن المهربين فصلوا الإثيوبيين بحسب عرقيتهم وأمروا مجموعات مختلفة بالعبور من نقاط حدودية مختلفة.
لم يتمكن جميع المهاجرين الإثيوبيين الذين قابلناهم من تحديد المواقع التي عبروا منها. أشار معظمهم إلى نقاط بالقرب من قرى جبلية في اليمن وهي سوق الرقو وعزلة الثابت، والتي أطلقوا عليها اسم راجو والثابت. لطالما وصفت وسائل الإعلام الموالية للسعودية سوق الرقو بالخطر إذ يعبر منه مهربو المخدرات والمهاجرون غير الشرعيين نحو السعودية.
روى المهاجرون الضغوط التي تعرضوا لها لدفع ثمن عبورهم وذلك بتهريب المخدرات إلى داخل السعودية. قال "عبدي" إنه مكث في سوق الرقو 15 يوما ووافق في النهاية على حمل كيس قات وزنه 25 كيلوغرام مقابل 500 ريال سعودي (133 دولار أمريكي). القات منبّه خفيف يُزرع في المرتفعات الإثيوبية واليمن ويحظى بشعبية بين اليمنيين والسعوديين، لكنه غير قانوني في السعودية.
تصف "باديسا" سوق الرقو بـ "مدينة الجريمة"
لا تعلم من منهم مُتَّجِرا وأيُّهم يعمل في مجال المخدرات ولكن لكلّ مصلحة من نوع ما. حتى اليمنيون يخشون المكان، إذ يديره إثيوبيون. المكان أيضا عبارة عن مدفن إذ تُجمَع فيه جثث من يُطلَق النار عليهم على طول الحدود ويدفنون هناك. لا وجود للشرطة.
قال أربعة من المهاجرين الـ 11 الذين عبروا الحدود مشيا على الأقدام إن حرس الحدود السعوديين أطلقوا النار عليهم أثناء عبورهم، أحيانا بعد أن يأمرونهم بالتوقف وأحيانا أخرى دون سابق إنذار. قال بعضهم إنهم وجدوا جثثا على طول الطريق وذكر ستة منهم أنهم اعتقلوا من قبل حرس الحدود السعودي أو شرطة المخدرات على الحدود، بينما قُبِض على خمسة منهم لاحقا.
قال "أبيبي" إن حرس الحدود السعوديين أطلقوا النار على مجموعته أثناء عبورهم من عزلة الثابت:
أطلقوا الرصاص وتبعثر الجميع. ثم أطلقوا النار على الفارّين وأصيب صديقي في ساقه ... كما أصيب شخص آخر في صدره وقُتل. أرغمونا [حرس الحدود السعودي] على حمله إلى مكان كان فيه حفارة كبيرة ولم يدعونا ندفنه؛ إذ قامت الحفارة بعمل حفرة ثم دفنوه فيها.
وصف برهانو المشهد في المنطقة الحدودية: "كان هناك العديد من القتلى على الحدود. كنا نعبر فوق الجثث. لم يأت أحد لدفنها".
أضاف غيتاشو: "المكان كالمقبرة. لا كلاب أو ضباع لتأكل الجثث، كانت الجثث في كل مكان".
قال اثنان من الخمسة الذين قابلناهم والذين عبروا الحدود دون تعرضهم للاحتجاز إن المهربين والمُتّجِرين السعوديين والإثيوبيين نقلوهم إلى معسكرات احتجاز غير رسمية في مدن جنوب السعودية واحتجزوهم بهدف الحصول على فدية. قال "يوناس" إنهم اقتادوه هو و14 آخرين إلى معسكر في محافظة فيفاء في منطقة جازان: "كانوا يضربونني يوميا حتى اتصلت بعائلتي. أرادوا 10 آلاف بر إثيوبي (349 دولار) فباع والدي أرضه الزراعية وأرسل 10 آلاف بر لكنهم قالوا لي إن هذا لا يكفي وأنهم بحاجة إلى 20 ألف بر (698 دولار). لم يتبق لي شيء فقررت الهرب أو الموت". وهرب.
بعد أسرهم، وصف المهاجرون الظروف التعسفية التي واجهوها في مراكز الاحتجاز والسجون الحكومية السعودية، بما في ذلك الاكتظاظ وعدم كفاية الطعام والماء والرعاية الطبية. كما وصف المهاجرون الضرب على أيدي الحراس السعوديين.
تسعة من المهاجرين الذين أُسروا أثناء عبورهم الحدود بصورة غير قانونية أو ممن يعيشون في المملكة العربية السعودية دون وثائق قضوا مدة تصل إلى خمسة أشهر رهن الاحتجاز قبل أن تُرحّلهم السلطات إلى إثيوبيا. أُدين الثلاثة الآخرون بجرائم جنائية شملت الإتجار بالبشر وتهريب المخدرات ما أدى إلى احتجازهم لفترات أطول قبل ترحيلهم.
حدد المهاجرون حوالي 10 سجون ومراكز احتجاز احتُجزوا فيها لفترات مختلفة. والأكثر ذكرا من بينها كان مركزا بالقرب من محافظة الداير الحدودية في منطقة جازان وسجن جازان المركزي في مدينة جازان ومركز الشميسي للاحتجاز شرقي جدة، حيث يتم تحضير المهاجرين للترحيل.
قالوا إن الظروف في مركز الداير كانت الأسوأ مشيرين إلى الاكتظاظ وعدم كفاية المرافق الصحية والغذاء والماء والرعاية الطبية. قال يوناس:
قيدوا أقدامنا بالسلاسل وضربونا بينما كنا مقيّدين، أحيانا لا يمكنك الحصول على الطعام لأنك مكبّل. إذا قيّدوك بالمرحاض، ستفيض المياه الآسنة وتتدفق من تحتك. إذا كنت عدوانيا تُقيّد بالمرحاض وإذا أحسنت التصرف، تُقيّد بشخص آخر وبالتالي يمكنك التنقل.
كان وصف أبراهام مشابها:
الناس هناك ضربونا. تقاتلت المجموعات العرقية [من إثيوبيا] مع بعضها البعض. المرحاض كان يفيض والمكان كالمقبرة لا يصلح للعيش. كان الناس يتبولون ويقضون حاجتهم في كل مكان. كانت الرائحة فظيعة.
وصف مهاجرون آخرون ظروف سيئة مشابهة في سجن جازان المركزي. قال "إبراهيم" إنه كان مهاجرا قانونيا يعمل في السعودية لكنه سافر إلى جازان لمساعدة أخته التي احتجزتها السلطات السعودية بعد عبورها من اليمن بطريقة غير شرعية. فور وصوله إلى جيزان، اتهمته السلطات بالإتجار البشر واعتقلته وحاكمته وحكمت عليه بالسجن عامين قضى جزءا منها في سجن جازان المركزي:
سجن جازان صعب للغاية ... قد تنام مع [بجانب] شخص مصاب بالسل، وإذا طلبت من مسؤول نقلك لن يهتم بل إنه سيضربك. لا يمكنك تغيير ملابسك ولديك طقم واحد إلا أن الحراس قد يحضرون بعض الملابس بشكل غير قانوني ويبيعونها لك خلسة في الليل أحيانا.
اشتكى أيضا من الاكتظاظ: "حينما تود النوم تطلب من الآخرين ذلك فيتدافعون لإفساح المجال لك، وما تلبث أن تنام حتى تستيقظ إذ أن الجميع يتدافعون فيما بينهم".
قال معظم المهاجرين إن الطعام غير كاف. وصف يوناس الوضع في الداير قائلا: "عندما يعطوننا الطعام، يتجمع 10 أشخاص ويتقاتلون عليه. إذا لم تملك الطاقة للقتال على طعامك لن تأكل. كانوا يتقاتلون على الأرز والخبز".
قال المحتجزون أيضا إن الرعاية الطبية غير كافية وأن المحتجزين الذين يعانون من أعراض السل (مثل السعال، ـأو الحمى، أو التعرق الليلي أو فقدان الوزن) لم يُعزَلوا عن السجناء الآخرين. قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة محتجزين سابقين كانوا يعالَجون من السل بعد ترحيلهم، قال اثنان منهم إنهما احتُجزا مع معتقلين آخرين رغم ظهور أعراض السل النشط عليهم.
وصف محتجزون تعرضهم للضرب على أيدي حراس السجون السعوديين عندما طلبوا الرعاية الطبية. قال عبدي:
تعرضت للضرب ذات مرة في جازان بعصا تشبه قطعة من الفولاذ مغطاة بالبلاستيك. كنت مريضا في السجن وكنت أتقيأ. كانوا يقولون لي: "لماذا تفعل ذلك بينما يأكل الآخرون؟" ثم يضربوني بقسوة فطلبت من الحارس قتلي فتوقف في النهاية.
قال إبراهيم إنه تعرض للضرب أيضا عندما طلب رعاية طبية بسبب السل:
[حراس السجن] لديهم قاعدة تقضي بأن لا تطرق الباب [وتزعجهم]. عندما مرضت في الأشهر الستة الأولى وطلبت الذهاب إلى العيادة، ضربوني بأسلاك كهربائية على أسفل قدمي. استمريت في طلبي فاستمروا في ضربي.
قال المحتجزون إن السبب الآخر لتعرضهم للضرب على أيدي الحراس كان القتال بين المجموعات العرقية المختلفة من الإثيوبيين رهن الاحتجاز وتحديدا بين الأوروم والأمهرة والتغرانيين. التوترات العرقية شائعة بشكل متزايد في إثيوبيا.
أشار المعتقلون إلى أن الظروف تحسنت بشكل عام بمجرد نقلهم إلى مركز الشميسي للاحتجاز بالقرب من جدة حيث مكثوا أيام قليلة فقط قبل استلام وثائق السفر المؤقتة من السلطات القنصلية الإثيوبية وترحيلهم إلى إثيوبيا. لم تُتح للمهاجرين المتهمين والمدانين بجرائم أي فرصة لاستشارة محام.
لم يذكر أي من المهاجرين منحهم فرصة للطعن قانونا في ترحيلهم، ولم تُنشئ المملكة العربية السعودية نظاما للجوء يمكن بموجبه للمهاجرين التقدم بطلب للحصول على الحماية من الترحيل إذا كان هناك خطر تعرضهم للاضطهاد إن أعيدوا إلى بلادهم فال السعودية ليست طرفا في "اتفاقية اللاجئين لعام 1951".
الترحيل وآفاق المستقبل
قال عاملون في المجال الإنساني ودبلوماسيون لـ هيومن رايتس ووتش إنه ومنذ بداية حملة الترحيل في السعودية نُقِل أعداد كبيرة من المرحَّلين الإثيوبيين عبر رحلات جوية خاصة على متن الخطوط الجوية السعودية إلى مطار بولي الدولي في أديس أبابا حيث أنزلوا في منطقة شحن بعيدة عن المحطة الدولية الرئيسية أو في المحطة المحلية. عند زيارة هيومن رايتس ووتش في مايو/ أيار، بدا أن الرحلات الجوية السعودية عُلِّقت خلال شهر رمضان، حين يصوم المسلمون من شروق الشمس حتى غروبها. قال جميع من قابلناهم في مايو/أيار إنهم عادوا في رحلات تجارية منتظمة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية ونزلوا في المحطة الرئيسية مع ركاب آخرين.
قال جميع من تم رُحِّلوا إنهم عادوا إلى إثيوبيا بالملابس التي كانوا يرتدونها فقط وأن السلطات السعودية صادرت هواتفهم الخلوية وحتى أحذيتهم وأحزمتهم في بعض الحالات. قال إبراهام: "بعد البقاء في جدة ... وقفنا في صف وجعلونا نخلع أحذيتنا ونترك أي شيء قد يربط مثل الأحزمة. كنا حفاة عندما ذهبنا إلى المطار".
غالبا ما يكون للمبعدين حاجة ماسة للمساعدة بما في ذلك الرعاية الطبية إثر إصابة بعضهم بأعيرة نارية مثلا. قال أحد العائدين الذي يتعافى من السل إنه لم يكن يملك ما يكفي من المال لشراء الطعام وكان جائعا. قال عبدي إنه عندما غادر إلى المملكة العربية السعودية كان يزن 64 كيلوغرام ولكنه عاد بوزن 47 أو 48 كيلوغرام فقط.
أوضح عمال إغاثة ودبلوماسيون مطلعون على قضايا الهجرة في إثيوبيا إن القليل من المساعدات الدولية خُصّصت لمساعدة المُرَحَّلين من السعودية في الحصول على الرعاية الطبية والمأوى أو المال للعودة وإعادة دمجهم في قراهم الأم.
في إثيوبيا، البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، يحتاج أكثر من 8 ملايين شخص إلى المساعدات الغذائية. يستضيف البلد أكثر من 920 ألف لاجئ من البلدان المجاورة وأكثر من 2.4 مليون نازح داخلي في 2018 هربوا من أعمال عنف عرقية إلا أن الكثير منهم قد عاد الآن.
تسجل المنظمة الدولية للهجرة المهاجرين فور وصولهم إلى إثيوبيا وتسهل عودتهم من السعودية. بعد ساعات من وصولهم وبمجرد تسجيلهم، يغادرون المطار ويجب عليهم إعالة أنفسهم. قال البعض إنهم لم يذهبوا إلى أديس من قبل.
في 2013 و2014، أجرت السعودية حملة طرد مماثلة لتلك التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وفقا لمنظمة الهجرة الدولية فقد طردت الحملة السابقة حوالي 163 ألف إثيوبي. وجد تقرير لـ هيومن رايتس ووتش في 2015 أن المهاجرين تعرضوا لانتهاكات خطيرة أثناء الاحتجاز والترحيل بسبب هجمات لقوات الأمن والمواطنين العاديين في السعودية وظروف الاحتجاز غير المناسبة والتعسفية. وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا سوء معاملة المهاجرين الإثيوبيين من قبل المُتَّجِرين ومراكز الاحتجاز الحكومية في اليمن.
قال عمال إغاثة ودبلوماسيون إن التمويل غير الكافي لمساعدة المهاجرين العائدين يعود إلى عدة عوامل أبرزها تركيز العديد من الممولين الأوروبيين على وقف الهجرة إلى أوروبا وتسهيل العودة منها، إلى جانب تضارب الأولويات وضعف تغطية هذه القضية مقارنة بالهجرة إلى أوروبا.
قال عمال إغاثة إنه وخلال عمليات العودة الجماعية السابقة من السعودية، كان هناك المزيد من التمويل لإعادة الدمج والمزيد من الاهتمام من قبل وسائل الإعلام الدولية والذي يعزى جزئيا إلى هذا التدفق الكبير في وقت قصير.