(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الحكومة السورية تستخدم أساليب غير قانونية في هجومها على الغوطة الشرقية، مستفيدة من استمرار الدعم الروسي، بما في ذلك ما يبدو أنه استخدام أسلحة محظورة دوليا. هناك مخاوف كبيرة حول تعامل القوات الحكومية مع السكان في المناطق التي خضعت لسيطرتها، في ضوء تقارير سابقة عن الإعدامات الانتقامية.
على مجلس الأمن الدولي المطالبة بشكل عاجل بمنح فريق مراقبة أممي إمكانية الوصول الفوري إلى مناطق الغوطة الشرقية الخاضعة الآن لسيطرة الحكومة. على الفريق توثيق أي جرائم ارتُكبت بالفعل، كما أن وجوده قد يردع أي انتهاكات أخرى. على الفريق أيضا زيارة المواقع التي تنقل إليها الحكومة سكان الغوطة الشرقية، نظرا لوجود مخاوف كبيرة حيال معاملتهم. إذا استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ثانية ضد عمل المجلس، على الجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة إلى النشر الفوري للمراقبين.
قالت لما فقيه، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بدلا من مجرد مشاهدة التحالف العسكري السوري-الروسي وهو يفتك بالغوطة الشرقية، على مجلس الأمن الدولي العمل على إنهاء هذه الهجمات غير القانونية. إذا حاولت روسيا ثانية حماية الحكومة السورية عبر عرقلة قرارات المجلس، على الجمعية العامة طلب إرسال مراقبين إلى سكان الغوطة الذين تعرضوا للتجويع والقصف لأسابيع، والآن يواجهون خطر الاعتقال وحتى الإعدام".
تعرضت الغوطة الشرقية، إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق ويقطنها حوالي 400 ألف مدني، لهجوم التحالف العسكري السوري-الروسي منذ 19 فبراير/شباط. حاصرت القوات الحكومية السورية الغوطة الشرقية منذ عام 2013، مما قيّد بشدة وصول المساعدات الإنسانية، في انتهاك لقوانين الحرب، ومَنَع المدنيين من المغادرة. قصف التحالف الغوطة الشرقية ولم يميز بين أهداف مدنية وعسكرية، ودمّر المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق. وفقا لـ "المكتب الإغاثي الموحد في الغوطة الشرقية"، قُتل ما لا يقل عن 1,699 شخصا منذ 19 فبراير/شباط.
في 17 مارس/آذار، تلقت هيومن رايتس ووتش نداء استغاثة من أحد أفراد "الدفاع المدني السوري" والذي أخبر هيومن رايتس ووتش أنه و19 من زملائه، أصيب 5 منهم، محاصرون على يد القوات الحكومية. أضاف أن 90 عنصرا من الدفاع المدني السوري وعائلاتهم محاصرون في موقع ثان، وجميعهم يطلبون ممرا آمنا إلى مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة. قال إنهم يخشون الانتقام، بما في ذلك الإعدام غير المشروع، في حال سيطرت الحكومة على المنطقة.
بعد استعادة القوات الحكومية حلب، تلقت هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة تقارير عن أعمال انتقامية وإعدامات جماعية. لم تستطع هيومن رايتس ووتش التحقق من التقارير حول حلب ولم توثق بعد الأعمال الانتقامية ضد سكان الغوطة الشرقية ممن باتوا تحت سيطرة الحكومة، لكن سبق لها الإبلاغ عن إعدامات جماعية بحق المدنيين على يد قوات الحكومة السورية في المناطق التي سيطرت عليها.
جاء القرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016، بإنشاء آلية ادعاء شبه خاص في سوريا، نتيجة الغضب على الطريقة التي منعت بها روسيا المجلس من اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين خلال العملية السورية-الروسية الوحشية لاستعادة حلب.
في 24 فبراير/شباط، أصدر مجلس الأمن قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما في الغوطة الشرقية، للسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف الهجمات العشوائية على المدنيين، وفق القانون الدولي. لكن لم يُنفذ القرار بالكامل ولم يتخذ المجلس أي إجراء. روسيا، التي تتشارك المسؤولية عن الانتهاكات بسبب العمليات المشتركة لتحالفها العسكري، استخدمت الفيتو 11 مرة لحماية سوريا من المساءلة.
هناك أدلة على استخدام العملية السورية-الروسية في الغوطة الشرقية أسلحة محظورة دوليا، منها الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة والأسلحة الكيميائية.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 3 شهود ذكروا أنه في 7 مارس/آذار 2018، هاجم التحالف العسكري مناطق سكنية في حمورية بذخائر عنقودية أرض-أرض وجو-أرض وذخائر أخرى. بحسب أطباء محليين ومسعفين، قُتل 20 شخصا على الأقل في الهجوم. اطّلعت هيومن رايتس ووتش على صور لبقايا أسلحة التقطها ناشط إعلامي محلي في أحد مواقع الغارات، وحددت الذخيرة على أنها صواريخ بالستية تكتيكية أرض-أرض قصيرة المدى من طراز "أو تي آر-21" (OTR-21)، أو "توشكا". قال أحد المسعفين لـ هيومن رايتس ووتش إنه وقعت عدة هجمات متتالية بالذخائر العنقودية يومها، وأيضا في حمورية، لكنه لم يستطع تذكر تفاصيل دقيقة عن موقعها نظرا لقيامه بالإسعاف إثر هجمات عديدة مشابهة. قال إن الدفاع المدني السوري أنقذ أكثر من 40 ضحية يومها.
هناك أدلة على استخدام الذخائر العنقودية في عدة هجمات على الغوطة الشرقية في مارس/آذار. تُظهر الصور التي قدمها الدفاع المدني السوري لبقايا الأسلحة من هجوم تم الإبلاغ عنه في 11 مارس/آذار ذخائر "إيه أو-2.5 آر تي" (AO-2.5RT) غير منفجرة، نشرتها قنابل عنقودية "آر بي كي-500"(RBK-500) . زوّد شاهد على هجوم جوي على حمورية في 7 مارس/آذار هيومن رايتس ووتش بصورة لوحدة ذخيرة صغيرة من طراز إيه أو-2.5 آر تي قال إن الهجوم خلّفها. وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الحكومة السورية الذخائر العنقودية المحظورة منذ عام 2012.
أفاد تقرير الدفاع المدني السوري أنه حوالي الساعة 11:48 صباح 16 مارس/آذار، استُخدمت الذخائر الحارقة الملقاة جوا في منطقة كفر بطنا في الغوطة الشرقية، ما أسفر عن مقتل 61 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 200 آخرين. نقل التقرير أن معظم الضحايا نساء وأطفال احترقوا أحياء. تُظهر الصور الفوتوغرافية والفيديو التي قدمها أطباء لـ هيومن رايتس ووتش، والمتاحة للعموم، 15 جثة على الأقل مصابة بحروق بالغة.
تظهر الصور التي قدمها الدفاع المدني السوري على أنها التقطت فور وقوع الهجوم عدة حرائق صغيرة متوهجة، ما يشير إلى إمكانية استخدام الذخائر الصغيرة "زاب" (ZAB) الملقاة من قنابل سوفياتية أو روسية الصنع من طراز آر بي كي-500.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وثقت هيومن رايتس ووتش أضرارا بالمدنيين ناتجة عن استخدام الحكومة السورية أسلحة حارقة ملقاة جوا. يُمنع استخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا في المناطق المدنية بموجب البروتوكول 3 من "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة"، التي لم تصادق عليها سوريا.
قال أطباء في الغوطة الشرقية لـ هيومن رايتس ووتش إنهم عالجوا أعراض استخدام الكلور من هجمات متعددة، بما في ذلك في 25 فبراير/شباط في الشيفونية و7 مارس/آذار في حمورية و11 مارس/آذار في عربين. لم تؤكد هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل استخدام الكلور في هذه الهجمات، لكنها سبق لها توثيق استخدام الكلور كسلاح كيميائي في سوريا، بما في ذلك أثناء عملية الحكومة لاستعادة شرق حلب. انضمت سوريا إلى "اتفاقية الأسلحة الكيميائية" لعام 1993 في 2013.
مع دخول قوات الحكومة السورية بلدة حمورية في 14 مارس/آذار، كانت هناك حملة قصف جوي محمومة، حسب شهود عيان. كان من بين الضحايا أحمد حمدان، ناشط إعلامي مقيم في حمورية، والذي نقلت تقارير مقتله في غارة جوية. قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 14 مارس/آذار: "كنت أحاول الهرب مع عائلتي، ورأيت عائلة بأكملها تتطاير أمام عينيّ. عدت على الفور واصطحبت أطفالي إلى الطابق السفلي".
مع استعادة القوات الحكومية الأراضي في الغوطة الشرقية، بدأ المدنيون بالخروج. في 15 مارس/آذار، بثت وسائل الإعلام السورية والروسية مشاهد خروج ما يُزعم أنهم 12 ألف من السكان عبر معبر حمورية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. راجعت هيومن رايتس ووتش اللقطات التي أظهرت خروج الكثير من الناس. وفقا لأحد الشهود والتقارير الإعلامية، يُنقل السكان الذين خرجوا إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة إلى مواقع حول الغوطة الشرقية كالمخيمات والمدارس، حيث يتم فحصهم.
يحظر القانون الدولي بشكل قاطع الإعدام بإجراءات موجزة أو خارج نطاق القضاء. في حالات النزاع المسلح، يعتبر المقاتلون أهدافا مشروعة ما داموا يشاركون في الأعمال العدائية، لكن قتل الجنود الجرحى أو المستسلمين أو الأسرى عمدا (أي الفئات العاجزة عن القتال) يشكل جريمة حرب. يجب أن يكون أي إخلاء آمنا وطوعيا ومحميا بضمانات منح الأمان وعدم الانتقام. يحق للمدنيين الحصول على الحماية سواءً اختاروا المغادرة أو البقاء في منطقة ما، ويجب ألا تمنع أطراف النزاع المدنيين من المغادرة. يجب أن تسمح الأطراف بتوفير الإغاثة الإنسانية المحايدة للمدنيين المحتاجين، بغض النظر عما إذا كان لدى المدنيين خيار المغادرة.
يجب أن تضمن الحكومة السورية بشكل يمكن التحقق منه أن الحقوق الأساسية للأفراد الذين كانوا يعيشون تحت سيطرة الجماعات المسلحة غير الحكومية محترمة ومصانة، لا سيما عندما يخضعون لفحص أمني وأثناء الاحتجاز. على السلطات أن تكفل أن تدوم عملية التدقيق ساعات وليس أيام، وأن يعامل أي شخص يحتجز لفترة أطول كمعتقل يتمتع بكامل حقوق المعتقلين بموجب القانون الدولي. لا ينبغي اعتبار أي شخص مقاتلا اعتمادا على سنه أو جنسه عند غياب الأدلة الفردية على ارتكاب مخالفات جنائية. على السلطات السماح لمراقبين أمميين وغيرهم من المراقبين المستقلين بالوصول إلى جميع مراكز التدقيق والاعتقال.
قالت فقيه: "مع كل ساعة يحول فيها فيتو روسي محتمل دون أي إجراء حاسم من جانب مجلس الأمن الدولي، يواجه المدنيون على الأرض في الغوطة الشرقية خطرا حقيقيا يتمثل بالانتقام. أقل ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن الآن هو نشر مراقبين لتقديم بعض الحماية للمدنيين. إذا لم يتمكن المجلس من القيام بذلك، فعلى الجمعية العامة أن تتصرف كما فعلت في حالة حلب".