(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن المجموعات المسلحة في مدينة بنغازي شرقي ليبيا تمنع آلاف العائلات المهجّرة داخليا من العودة إلى ديارها في المدينة. تتهم المجموعات المسلحة التي يتحالف بعضها مع "الجيش الوطني الليبي" (الجيش الوطني) العائلات بـ"الإرهاب" أو "دعم الإرهاب".
يتحالف الجيش الوطني برئاسة المشير خليفة حفتر مع إحدى السلطتين المتنافستين على الشرعية والسيطرة في ليبيا. منذ مايو/أيار 2014، عندما أعلن حفتر بدء "عملية الكرامة" لاجتثاث "الإرهابيين" من بنغازي، فرّ ما يُقدّر بنحو 13 ألف عائلة من بنغازي إلى أماكن أخرى في ليبيا أو الخارج. قال النازحون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن المجموعات المرتبطة بالجيش الوطني صادرت ممتلكات أقاربهم الذين بقوا في المدينة وعذبتهم، أخفتهم قسرا، واعتقلتهم. إذا ثبت وقوع مثل هذه الهجمات على المدنيين فستشكل انتهاكات لقوانين الحرب، وإذا ارتُكبت بقصد إجرامي، فستكون جرائم حرب.
قال إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "على المشير حفتر أن يعمل بحزم لإنهاء الهجمات على المدنيين في بنغازي. من الممكن، بل يجب، محاسبة كبار ضباط الجيش الوطني، الذين وقفوا مكتوفي الأيدي منذ 2014 بينما تعذب قواتهم الناس وتخفيهم وتنهب ممتلكاتهم، أمام المحاكم المحلية أو الدولية".
نتيجة للنزاعات المسلحة في البلد والانقسامات السياسية، سقطت السلطة المركزية وظهرت بدلها 3 حكومات متنافسة، تقلص عددها الآن إلى اثنتين، وهي "الحكومة الليبية المؤقتة" التي تتخذ من مدينة البيضاء مقرا لها، والتي تتحالف مع الجيش الوطني ويدعمها مجلس النواب، و"حكومة الوفاق الوطني" في طرابلس التي يدعمها مجلس الأمن الدولي. بقيت المؤسسات الأساسية، ولا سيما الأمنية والقضائية، معطلة أو غائبة في معظم أنحاء البلد. كما انهارت الخدمات الأساسية.
أفادت "الهيئة البنغازية " التي تنسق دعم الإغاثة للنازحين من شرق ليبيا، ومقرها طرابلس، بأن المجموعات المسلحة في بنغازي تمنع ما لا يقل عن 3,700 عائلة من العودة إلى المدينة.
في 6 يناير/كانون الثاني 2018، أصدر حفتر بيانا يندد فيه بنهب الممتلكات الخاصة وتدميرها والاستيلاء عليها، فضلا عن التهجير القسري للناس من بنغازي. أصدر حفتر تعليماته للقوات التابعة للجيش الوطني بتسهيل عودة النازحين، ما لم تكن هناك "مبررات يسمح بها القانون".
أجرت هيومن رايتس ووتش 27 مقابلة مع نازحين في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2017 في مدينتي طرابلس ومصراتة الغربيتين، بما في ذلك 24 مقابلة وجها لوجه و3 مقابلات هاتفية. قال بعضهم إن أقاربهم قاتلوا ضد الجيش الوطني، بينما قال آخرون إن أقاربهم لم يشاركوا في القتال، ولو أنهم لم يكونوا يؤيدون الجيش الوطني.
كما اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور، شهادات وفاة، تقارير طبية، ووثائق دفن قدّمها النازحون، يبدو أنها تؤكد ادعاءاتهم بإساءة معاملة أقاربهم الذين بقوا في بنغازي. في إحدى الحالات، لاحظت باحثة من هيومن رايتس ووتش إصابات وعلامات على جسد مقيم سابق في بنغازي، قال إن مجموعة مرتبطة بالجيش الوطني عذبته في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
قال جميع الذين تمت مقابلتهم إنهم لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم في بنغازي بسبب تهديدات المجموعات المرتبطة بالجيش الوطني. وقال معظمهم إنهم غادروا بنغازي في أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعدما تكثفت المواجهات المسلحة بين الجيش الوطني و"مجلس شورى ثوار بنغازي"، وهو تحالف من المجموعات المسلحة المعارضة للجيش الوطني. قال بعضهم إنهم مُنعوا من العودة بعد تلقي تحذيرات مباشرة من المجموعات المسلحة الموالية للجيش الوطني بالبقاء بعيدا، أو بعد أن هاجمت أقاربهم تحذيرا لهم.
قال أشخاص في 18 مقابلة إن المجموعات المسلحة المنتسبة إلى الجيش الوطني في بنغازي استولت على ممتلكاتهم بذريعة أنهم أو عائلاتهم مرتبطون بتنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش"). في 20 مقابلة، قيل إن المجموعات المسلحة نهبت الممتلكات والمحلات التجارية أو دمرتها عمدا أو أضرمت فيها النار.
تعرض بعض أقارب الأشخاص المتهمين بمناهضة الجيش الوطني الذين بقوا في بنغازي أو حاولوا العودة إلى الهجوم من قبل المجموعات المسلحة التابعة له، وكثيرا ما حدث ذلك فقط للاشتباه في كونهم مناهضين للجيش أو لحفتر.
في 5 مقابلات، قال الناس إن أحد أقاربهم على الأقل أُلقي عليه القبض وتعرض للتعذيب في بنغازي من قبل الجيش الوطني أو المجموعات التابعة له، بسبب انتمائهم إلى عائلات تستهدفها هذه المجموعات. ألقي القبض على اثنين من ضحايا التعذيب هؤلاء وأسيئت معاملتهم بعد محاولتهم العودة إلى بنغازي في عامي 2016 و2017. قال 6 من الذين أجريت معهم مقابلات إن الجيش الوطني أو حلفاءه اعتقلوا أو اختطفوا أحد أقاربهم في بنغازي، وجد فيما بعد ميتا. ومنهم 5 رجال من بين 36 رجلا قُتلوا في إعدام جماعي خارج القضاء في مدينة الأبيار الشرقية.
حسين بن حميد عضو في المجلس البلدي ببنغازي، الذي عمل "من المنفى" في طرابلس ومصراتة منذ بدء القتال عام 2014. قال بن حميد لـ هيومن رايتس ووتش في مصراتة يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، إن الحكومات المتنافسة للسيطرة على ليبيا لم تعرض أي دعم مالي على المهجّرين قسرا من بنغازي. وقال إنه بينما سجل مجلس بنغازي 12,900 عائلة نازحة، من بينهم 3,700 نزحت قسرا، كان العدد على الأرجح أعلى بكثير، حيث أن الكثير من الناس لم يسجلوا لدى المجلس.
قال إن العائلات النازحة واجهت التمييز والعديد من العقبات، مثلا لدى محاولة الحصول على المال في بنوك بنغازي، ولدى محاولتها الحصول على وظائف أو على رواتبها، فضلا عن الرعاية الصحية والتعليم.
اجتمع أعضاء الهيئة البنغازية مع هيومن رايتس ووتش في طرابلس يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول. قالوا إن اللجنة وزعت أغذية على 7 آلاف أسرة نازحة من بنغازي شهريا ودفعت إيجارات لبعضهم. قال عضوا اللجنة تميم الغرياني وعبد المنعم حسن إنهما تلقيا تمويلا من جهات خيرية خاصة، وليس من حكومة الوفاق الوطني.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه نظرا للجرائم الخطيرة التي ترتكب في ليبيا والتحديات التي تواجهها السلطات، فإن ولاية "المحكمة الجنائية الدولية" للتحقيق في أسوأ الجرائم في ليبيا منذ عام 2011 ضرورية لإنهاء الإفلات من العقاب في ليبيا.
في 27 يناير/كانون الثاني، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى قيادة الجيش الوطني تدعو فيها إلى تقديم توضيحات حول تقارير تفيد بضلوع هذه القوات في التهجير القسري لسكان بنغازي، الاستيلاء على ممتلكاتهم، تعذيبهم، إخفائهم، وتهديدهم، طالبة الرد على هذه الاتهامات. لم يستجب الجيش الوطني بعد.
قال غولدستين: "السلطات في ليبيا ليست ملزمة فقط بالسماح للمدنيين الذين هُجّروا قسرا بالعودة إلى ديارهم، ولكن عليها أيضا أن تضمن عودة سكان بنغازي آمنين وحمايتهم من الأعمال الانتقامية".
وضع بنغازي
في مايو/أيار 2014، أعلن المشير حفتر بدء عملية عسكرية لاجتثاث "الإرهاب" من بنغازي. لم تؤد الانتخابات في مختلف أنحاء البلاد لانتخاب مجلس النواب في 25 يونيو/حزيران 2014 إلى إجماع، وعطلتها المجموعات المسلحة التي عارضتها. رافقت الانتخابات أيضا أعمال عنف شملت مقتل سلوى بوقعيقيص على أيدي جماعات مسلحة مجهولة الهوية، وهي محامية بارزة وناشطة من بنغازي، وقفت في طليعة المظاهرات ضد معمر القذافي في انتفاضة عام 2011.
في يوليو/تموز، وبعد انتشار النزاع إلى الجزء الغربي من البلاد واندلاع اشتباكات مسلحة في العاصمة طرابلس، انتقل معظم أعضاء مجلس النواب المنتخبين إلى مدينة طبرق الشرقية وعقدوا البرلمان هناك.
بدأت العمليات العسكرية إلى حد كبير في بنغازي في أكتوبر/تشرين الأول 2014 عندما اشتبكت القوات الموالية للجيش الوطني مع مقاتلين منتسبين إلى داعش، انسحبوا بعدها من بنغازي، وآخرين من مجلس شورى ثوار بنغازي.
في 5 يوليو/تموز 2017، أعلن حفتر عن "تحرير" بنغازي بالكامل من عناصر في مجلس شورى ثوار بنغازي كانوا متحصنين فيها، على الرغم من أن القتال في حي سيدي اخريبيش وسط المدينة، الذي يفترض أنه المعقل الأخير لهؤلاء المقاتلين، لم ينته إلا في يناير/كانون الثاني 2018.
تسيطر المجموعات المسلحة التابعة للجيش الوطني على مساحات واسعة من شرق ليبيا، باستثناء درنة، التي تحاصرها هذه المجموعات حاليا، وأجزاء من المنطقة الجنوبية. تسيطر قوات حكومة الوفاق الوطني على العاصمة طرابلس ومصراتة ومدن في غرب ليبيا، ومعظم المناطق الساحلية الغربية.
يتكون الجيش الوطني في شرق ليبيا من وحدات عادية وقوات خاصة. وقد تحالفت مجموعات مسلحة مختلفة، تعمل في الشرق منذ عام 2014، مع الجيش الوطني الذي يوفر لها التمويل والأسلحة والبدلات العسكرية. تشمل هذه المجموعات المسلحة ميليشيات أحياء وميليشيا تعرف باسم "كتيبة أولياء الدم"، التي فقد أفرادها أقرباء لهم في القتال مع "إرهابيين" في بنغازي. تشمل بعض وحدات الجيش الوطني أتباعا عقيدة المداخلة السلفية المتشددة، الذين ينظرون إلى حفتر كولي أمر تجب عليهم طاعته.
شهادات من نازحين
قال مسؤولون وضحايا وأقارب ضحايا قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن قوات الجيش الوطني وغيرها من المجموعات المسلحة التابعة لها مسؤولة عن ارتكاب جرائم ضدهم.
خالد الكبتي (50 عاما)، أب لثلاثة أطفال، من سكان بنغازي وموظف في وحدة الرقابة المالية في وزارة المالية، اعتُقل وعثر عليه قتيلا بعد عودته إلى بنغازي عام 2017. غادر الكبتي بنغازي مع عائلته في أكتوبر/تشرين الأول 2014 بسبب القتال هناك وعاد لقضاء حاجات إدارية، بحسب أحد الأقارب الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في طرابلس في 28 أكتوبر/تشرين الأول.
في 25 يوليو/تموز 2017، بعد 8 أيام من عودة الكبتي، اعتقله 8 رجال ملثمين في زي عسكري رفضوا التعريف بأنفسهم من منزله في وقت متأخر من الليل. أثناء القبض عليه، صوب أحد المهاجمين سلاحه باتجاه رأس قريب آخر وقال: "إذا لم تغادر، سنقتلك"، بحسب القريب. وقال إن أشخاصا منتسبين إلى الجيش الوطني سبق واستولوا على شقتين تملكهما الأسرة.
لم تعرف عائلة الكبتي مكانه إلا بعد العثور عليه قتيلا في 7 أغسطس/آب، مع جثث 5 آخرين من ضحايا الإعدام خارج القضاء، في مكب للقمامة بالقرب من بنغازي. وقال قريب الكبتي:
بحث أفراد العائلة عن خالد في كل مكان بعد اعتقاله. لم يكن أحد يعرف إلى أين أخذ. ذهب أحد أفراد العائلة إلى قائد القوات الخاصة التابعة للجيش (المعروفة أيضا باسم الصاعقة) الذي قال للأسرة إنه لا داعي للقلق، وإن خالد يستجوبه سليمان السعيطي (المعروف باسم "المسلوخ")، وإنه سيفرج عنه قريبا. لم تحصل العائلة على أي معلومات أخرى حتى رأى شخص خالد في صورة لعملية قتل جماعي. قال القريب الذي ذهب إلى المشرحة للتعرف عليه إن يديه كانتا مقيدتان خلف ظهره، وإن النار أطلقت عليه في أعلى الذراع والوجه. وقال أيضا إنه كان يرتدي قميصا أزرق، قال قريبه إنه ليس القميص الذي كان يرتديه عندما اعتُقل، وإنه بدا هزيلا.
أضاف أن الكبتي لم يكن ناشطا سياسيا ولا مقاتلا. ومع ذلك، منع رجال مسلحون ببدلات عسكرية وملابس مدنية الأقارب في بنغازي من استقبال المعزين بعد وفاته، قائلين: "إنه داعشي، ليس لكم الحق في إقامة عزاء له".
قالت مُنى الصويد، وهي محامية عمرها 46 عاما، إنها أجبرت برفقة والدتها، شقيقتيها، شقيقتي زوجها، و14 من أبناء وبنات إخوتها على مغادرة بنغازي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2014 بعد أن قصفت جماعات مسلحة، تابعة للجيش الوطني، وأضرت بشكل كبير بمنزلهم في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2014. فرت العائلة، التي كانت معروفة بمعارضتها للجيش الوطني والمشير حفتر، في البداية إلى الخمس في غرب ليبيا، ثم انتقلت بعد ذلك إلى طرابلس.
قالت الصويد إن جماعات مسلحة وأفراد مرتبطين بالجيش الوطني صادروا منزل عائلتها، ومبنى سكني يمتلكونه، ومقرات أعمالهم ونهبوا أثاثهم ومجوهراتهم. أضافت أن الهجوم المُسلح على منزلهم في 2014 استمر طوال الليل، وأن اثنين من أشقائها، خالد ومصطفى، الذين أطلقا النار دفاعا عن الأسرة، قُتلا. ألقي القبض على والدها، الحاج عبد السلام، وشقيق آخر، إبراهيم، اللذين كانا في مكان آخر عند وقوع الهجوم، أثناء محاولتهما الوصول إلى منزل الأسرة، ووُجدا قتيلين فيما بعد:
بدأ كل شيء الساعة 2:15 صباحا بينما كانت الأسرة بأكملها نائمة، موزعة على الطوابق الثلاثة لبيتنا. دق المهاجمون، الذين تم التعرف عليهم فيما بعد، وهم مزيج من مقاتلي الجيش الوطني، وأفراد من الصاعقة 21 [في إشارة إلى وحدة الـ 21 من القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني الليبي]، وأفراد الأمن الداخلي والصحوات [وهي جماعات مسلحة محلية تابعة للجيش الوطني] من بوهديمة والماجوري، في البداية على الباب الرئيسي، ورنوا طويلا على جرس الباب، وبدأوا بإطلاق النار في كل الاتجاهات. بعد أن رد إخواني بإطلاق النار، تراجع المهاجمون في البداية، ثم عادوا وأطلقوا قذائف "آر بي جي" وغيرها من الأسلحة الثقيلة على المنزل. استطعنا الهرب خلال هدوء الاشتباكات.
أوقفت جماعة مسلحة والدها وشقيقها الآخر عند نقطة تفتيش في بوهديمة، وهو حي في بنغازي، أثناء الهجوم. تمكنت الصويد من الاتصال بهما، لكن المحادثة توقفت بعد ذلك وسمعت شخصا يقول لأبيها: "أنت تحاول الهرب. الجميع يعرف من أنت". وقالت:
أُغلق الهاتف. حاولت الاتصال عدة مرات، لكن أخي إبراهيم اتصل أخيرا، من رقم غير رقمه. قال إنهما في مدرسة طيبة بالقرب من منزلهم. وقال: "إنهم يحتجزوننا ويُعذبوننا، أخبري إخواننا الذين يقاتلونهم في المنزل أن يُسلموا أنفسهم". اتصل مرة أخرى وطلب نفس الشيء، وكان باستطاعتي سماعهم يتعرضون للتعذيب. سمعت صُراخهم. ثم جاء الاتصال الثالث من نفس الرقم، لكن شخصا آخر كان يتحدث. قلت لهم إن شقيقي قُتلا.
قال الرجل: "أنتم خوارج إرهابيون". وُجد والدي، الذي كان يبلغ من العمر 75 عاما، وأخي إبراهيم، ميتين وسط القُمامة ونُقلا إلى المشرحة من قبل الهلال الأحمر. رأيت جُثتيهما في المشرحة. تعرضا للتعذيب الوحشي وكانا مُتسخين جدا. لم يتطرق التقرير الطبي لعلامات التعذيب. ذكر فقط أن لديهما إصابات مُتعددة من طلقات نارية. وقد اختفى ناصر الجروشي، وكيل النيابة الذي وقع على التقرير، ولا يزال مفقودا.
قالت إن جماعة مسلحة أوقفت محاولة العائلة لاستقبال المُعزين، وأطلقت النار على الخيمة التي أُقيمت خارج منزل عمهم، وكانوا يصرخون: "أخرجوا عائلة [السويد]".
قال مُقيم سابق في بنغازي، لم يرغب في الكشف عن اسمه خوفا من الانتقام، خلال مقابلة معه في طرابلس في 30 أكتوبر/تشرين الأول إنه اعتقل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2017 في بنغازي، عند نقطة تفتيش تابعة للجيش الوطني في موقع يُعرف باسم شارع 602 فيه رجال مسلحين يرتدون الملابس المدنية والعسكرية. أوقفه الرجال بينما كان يحمل حقيبة ويبكي بعد علمه بوفاة والدته في ذلك اليوم.
قال إن عددا من الرجال اقتادوه إلى قاعدتهم العسكرية بين بنينا والكويفية، وعذبوه لمدة 3 أيام ثم أطلقوا سراحه.
عندما أوقفوني عند نقطة التفتيش العسكرية، سألوني عن هويتي، وعندما رأى الجنود أنني من [حي] الصابري، بدأوا على الفور في الشك، كبلوا يدي إلى الخلف ووضعوني في صندوق سيارة. كنت خائفا جدا وتوقعت أن يحدث لي أي شيء. وبمجرد توقف السيارة في معسكر، ضربني أحدهم على الوجه وقال: "أريد أن أقتلك".
بدأوا في استجوابي عن أخي، الذي يعتقدون أنه قُتل خلال اشتباكات معهم في سيدي اخريبيش [حي في بنغازي حيث وقعت آخر النزاعات المُسلحة بين الجيش الوطني وقوات خصمة]، ونعتوه بالإرهابي. لكن ذلك ليس صحيحا. كان أخي في طرابلس منذ سنوات. قيدوا يدي لمدة 3 أيام بأصفاد معدنية، وعلقوني رأسا على عقب من قدميّ لعدة ساعات.
كانوا يضربونني بقبضاتهم، وأيضا بقضيب بلاستيكي على فخذي وأماكن أخرى. صب أحدهم الماء على أنفي وصعقني بالكهرباء على ذراعي. كان الضغط مكثفا على معصمي إلى درجة انكسار الأصفاد بينما كنت مُعلقا. كما تم سحبي من قبل أحد الحراس على الأرض القاسية بينما كنت مستلقيا على ظهري. وضربوا كلبا كان مربوطا بجواري، فعضني الكلب في أعلى فخذي الأيمن.
قال المقيم في بنغازي إنه شهد في اليوم الثالث تعذيب ووفاة رجل آخر. وقال إن المُعذبين كانوا ينعتون الرجل، الذي كانت بشرته داكنة، بـ "الكلب" و"الخائن". كان الرجل مُغطى بالدم، وكثيرا ما صُعق بالكهرباء مع وضع كابلات على ذراعيه وساقيه. كان يرتعد على الأرض، ثم توقف عن الحركة. ثم أخيرا نقله المعذِّبون.
قال أيضا إنه، خلال فترة وجوده في المُعسكر، كانوا يحتجزونه في سيارة نقل السجناء بين جلسات التعذيب. وأضاف أنهم كانوا يُعطونه قنينة صغيرة من الماء وخبز كل يوم. قال إنهم كانوا يحتجزونه مُكبل اليدين إلى أن يتم نقله للاستجواب، 3 إلى 4 مرات كل يوم. كما أعطوه قنينة للتبول:
أصبح الجزء الخلفي من السيارة حارا جدا. في البداية كان التعذيب مُؤلما جدا، لكن في اليومين الثاني والثالث، كان جسمي متورما جدا بحيث لم أعد أشعر. استخدموا جميع أشكال العصي والأسلاك لضربي. حتى أنهم صبوا عليّ الخمور وأحيانا البول. كان الذين يُعذبونني دائما نفس المجموعة من 8 أشخاص، اثنان في وقت واحد. وكانت أساليب تعذيبهم قذرة. لم أعد أنام. شعرت أني دُمرت تماما.
رأت "هيومن رايتس ووتش" نُدوبا على ظهر الرجل، وما يبدو أنها كدمات وجراح على ذراعيه، معصميه، ساقيه، وكاحليه. قال إنه يعاني من مشاكل في الكلى وألم شديد في الظهر بسبب التعذيب، مما تتطلب منه القيام بغسيل للكلى، ودعم ذلك بتقارير طبية.
بعد الإفراج عنه، قرر هو وأسرته مغادرة بنغازي إلى طرابلس.
التقت رجاء يونس وزوجها، محمود صالح، بـ هيومن رايتس ووتش في 27 أكتوبر/تشرين الأول في مصراتة حيث عاشا منذ فرارهما من بنغازي في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. قالت يونس إن جماعات مسلحة هاجمت منزل العائلة في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حيث كانت تتواجد هي وبناتها وأبيها. قالت إن الأسرة كانت مُستهدفة لأن أحد أبنائها كان "مطلوبا" كمقاتل في مجلس شورى ثوار بنغازي. قُتل في وقت لاحق أثناء القتال. صادرت جماعة مسلحة ممتلكات العائلة في حي قاريونس في بنغازي. وهم يواجهون الآن صعوبات مادية لأنهم غير قادرين على الولوج إلى حساباتهم المصرفية. لم تتمكن الأسرة من العودة إلى بنغازي. قالت رجاء:
قبل يوم واحد من الهجوم، كتب أحدهم على جدار منزلنا، "أخرجوا أو سنقتلكم". وعندما بدأ الهجوم على منزلنا، لم نفهم ما كان يجري. كانت هناك هجمات على المنطقة بأكملها، واضطررت إلى مغادرة منزلي خلال الاشتباكات. كانت بداية "عملية الكرامة"[التي قادها الجيش الوطني]، وقامت جماعات الجيش الوطني بتثبيت نقاط تفتيش، وشرعوا في توقيف الناس.
رأينا الصحوات [ميليشيات محلية] تقترب من المنطقة، لهذا غادرنا. كنا خائفين على بناتنا. ذهبتُ إلى منزل والدي في حي الليثي، لكننا غادرنا بعد ذلك، وذهبنا إلى مصراتة. وبعد أن استولى الجيش الوطني على حي قاريونس، تم نهب منزلنا ثم صادرته كتيبة تابعة للجيش الوطني تُعرف باسم الصاعقة 21 [في إشارة إلى وحدة الـ 21 من القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني الليبي]. كلنا الآن تحت التهديد بسبب ادعاء أن ابني كان ينتمي إلى داعش.
عز الدين الشحومي، ضابط عسكري متقاعد تم تهجيره قسرا من بنغازي، غادر المدينة في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014 لحضور حفل زفاف عائلي، وكان يعتزم العودة. قال إنه أصبح مُستهدفا بعد رفضه الانضمام إلى الجيش الوطني بقيادة حفتر، ولم يعد مُمكنا بالنسبة له أن يعود. قابلت هيومن رايتس ووتش الشحومي وعائلته في 27 أكتوبر/تشرين الأول في مصراتة، حيث يعيشون الآن.
قال الشحومي إنه رغم أن صاروخا طائشا أصاب منزله خلال القتال الذي اندلع عام 2014، إلا أنه تم نهب المنزل وصُودرت محتوياته فقط بعد "تحرير" حي الليثي في أغسطس/آب 2016. وقال إن كتيبة أولياء الدم استولت على ملكية ثانية له، وهو مبنى سكني كان يستأجره:
أرادوا منذ البداية أن يأخذوا بيتي. استحوذ عليه الآن شخص من الصحوات [ميليشيا محلية]. يؤجره للناس، أو يُسكن فيه أناسا، بمن فيهم أقاربه. طلبتُ من أحد معارفي الذهاب والتحدث مع الرجل الذي أخذ بيتي. رآه هذا الشخص وقال لي إن الرجل الذي أخذ بيتي ذهب إلى قائد القوات الخاصة للجيش في بنغازي، ونيس بوخمادة، وحصل منه على رسالة تُفيد أن المنزل كان يملكه "داعشي"، مما يسمح له باستخدامه. يقولون الآن إننا داعشيون. أنا ابن بنغازي، ولدي شركة خاصة، لم أكن أتوقع أن يحدث هذا لي.
الالتزامات بموجب القانون الدولي
على جميع أطراف النزاع التقيد بقوانين الحرب. إن ثبتت، فإن العديد من الانتهاكات التي زعمها من قابلتهم هيومن رايتس ووتش أعلاه تشكل انتهاكات لقوانين الحرب. تُعتبر بعض الانتهاكات الخطيرة لتلك القوانين، عندما تُرتكب بقصد إجرامي، جرائم حرب. يشمل ذلك التعذيب، الإخفاء القسري، التهجير القسري للمدنيين، والإعدام غير القانوني بحق المدنيين أو المقاتلين المُعادين الذين أُسروا أو سلموا أنفسهم.
كل من ارتكب جرائم حرب، أو أمر بها، أو ساعد عليها، أو يتحمل مسؤولية القيادة يمكن أن يُحاكم أمام محاكم محلية أو دولية. وقد يكون قادة الجيش الوطني، بمن فيهم كبار القادة، مسؤولين جنائيا عن جرائم حرب مرؤوسيهم إذا كانوا يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا بالجرائم ولم يتخذوا تدابير لمنعها أو تسليم المسؤولين عنها للمُسائلة القضائية.
تنص "المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي" (المبادئ التوجيهية)، التي تُعيد ذكر وتجميع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بشأن النازحين داخليا، على أن النزوح ينبغي أن يكون لفترة محدودة، وليس "أطول مما تقتضيه الظروف". وينص القانون الدولي أيضا على أن للمدنيين المهجرين قسرا أثناء النزاع الحق في العودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن دون شروط.
ينص المبدأ 21 من المبادئ التوجيهية على وجوب حماية ممتلكات وأموال النازحين من "النهب، الاعتداءات المباشرة أو العشوائية وأعمال العنف الأخرى"، ولا ينبغي "تدميرها أو الاستيلاء عليها كشكل من أشكال العقوبة الجماعية". كما ينص المبدأ أيضا على "حماية الأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخليا وراءهم، وذلك من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضا من شغلها أو استخدامها".
وبالنظر إلى الطابع الواسع النطاق والمُنتظم، على ما يبدو، للاستيلاء على الممتلكات في بنغازي من قبل قوات تنتمي إلى الجيش الوطني أو تحت قيادته، فإن ذلك يوحي بنية إجرامية لتهجير السكان قسرا، ما يُشكل جريمة حرب.
المحكمة الجنائية الدولية
المُدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، مكلفة بالتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية، التي ارتكبت في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. توصلت أبحاث هيومن رايتس ووتش في ليبيا منذ عام 2011 إلى انتهاكات مستشرية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قبل أطراف النزاع؛ منها الاعتقال التعسفي الجماعي الطويل الأجل، التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، التهجير القسري، والقتل غير المشروع.
في 15 أغسطس/آب 2017، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف، لأول مرة منذ عام 2011 بالنسبة إلى ليبيا، بحق محمود الورفلي، قائد القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني، لدوره المزعوم في مقتل 33 شخصا في 7 حوادث. ليبيا مُلزمة قانونا باعتقاله وتسليمه إلى المحكمة. في بيان مُتلفز يوم 17 أغسطس/آب، ذكر متحدث باسم الجيش الوطني أن المشير حفتر أمر في 2 أغسطس/آب - قبل أن تُصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة التوقيف - المدعي العام العسكري في شرق ليبيا بالتحقيق في الجرائم المزعومة المذكورة في مذكرة المحكمة.
لم تُعلن السلطات في الشرق عن نتائج تحقيقاتها، ولم يتضح بعد ما إذا تم إجراء هذا التحقيق.
في نوفمبر/تشرين الثاني، أكدت بنسودا أن ليبيا ما تزال أولوية بالنسبة لمكتبها خلال عام 2018، وأن التحقيقات تُحرز تقدما جيدا فيما يتعلق بالقضايا القائمة والمُحتملة في المستقبل.
في 24 يناير/كانون الثاني 2018، نشر شريط فيديو وصور على عدة مواقع إخبارية وصفحات للتواصل الاجتماعي، يظهر فيها الورفلي وهو يعدم 10 أشخاص بشكل غير قانوني على ما يبدو؛ زُعم أن هذه الإعدامات انتقام لتفجير مزدوج استهدف مسجدا في بنغازي في 23 يناير/كانون الثاني، وقتل 34 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 90، معظمهم من المدنيين وبينهم أطفال. وفي 26 يناير/كانون الثاني، جددت بنسودا دعوتها إلى السلطات الليبية بالقبض الفوري على الورفلي وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.