Skip to main content
تبرعوا الآن

احتجاز إسرائيلييْن بمعزل عن العالم الخارجي بعدما دخلا غزة

الرجلان المختفيان يعانيان من اضطرابات نفسية

(القدس) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الجناح العسكري لـ "حماس" يحتجز على ما يبدو رجلين إسرائيليين يعانيان من أوضاع نفسية صعبة، كانا قد عبرا من إسرائيل إلى قطاع غزة بشكل منفصل في عامي 2014 و2015. لم يُسمع أي خبر عن أفيرا مانغستو وهشام السيد، اللذان لهما سوابق في السير بعيدا على الأقدام، منذ دخولهما غزة. في حالة السيد، فإنه سبق وأن تجاوز الحدود دون تصريح.

 

اعترفت سلطات حماس، بشكل غير مباشر، باحتجاز الرجلين في تصريحات إعلامية، لكنها قالت إنها لن تفصح عن أي شيء متعلق بهما – أو تأكيد احتجازهما – حتى تًحرر إسرائيل مجموعة من عناصر حماس المحتجزين. تشير سلطات حماس إلى الرجلين كجنود، إلا أن التحقيق الذي أجرته هيومن رايتس ووتش يشير إلى أن الرجلين لم يكونا مقاتلين أو تابعين للحكومة الإسرائيلية عند دخولهم غزة.

قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "رفضت حماس تأكيد ما بدا أنه احتجاز لمدة مطولة لرجلين يعانيان من اضطرابات نفسية وليس لهما صلة بالأعمال العدائية، وهو أمر قاس ولا يمكن الدفاع عنه. لا يوجد أي هدف أو تظلم يبرر احتجاز الناس بمعزل عن العالم الخارجي ومقايضة مصيرهم".

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات عديدة مع عائلات وأصدقاء الرجلين ومع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، وزارت بيوت الرجال وأحيائهما، واستعرضت وثائق طبية وعسكرية رسمية.

أفيرا مانغستو  © خاص

على سلطات حماس أن تكشف بشكل رسمي ودون شرط عما إذا كان الرجلان ما زالا رهن الاحتجاز، وأن تفرج عنهما ما لم تقدّم أساسا قانونيا موثوقا به لمواصلة احتجازهما. في انتظار الافراج عنهما، على حماس معاملتهما معاملة إنسانية والسماح لهما بالاتصال بأسرتيهما، كما سُمح للجندي الإسرائيلي المعتقل سابقا جلعاد شاليط، وإن كان ذلك بشكل محدود ولم يتجاوز 3 رسائل.

بحسب ما قاله ممثل للحكومة الإسرائيلية مطّلع على القضية لـ هيومن رايتس ووتش، فقد صورت كاميرات دخول مانغستو (30 عاما)، وهو مواطن إسرائيلي يهودي من أصل إثيوبيّ، عاش في مدينة عسقلان الساحلية، إلى غزة متجاوزا سياجا من الأسلاك الشائكة قرب الشاطئ في 7 سبتمبر/أيلول 2014. أطلعت السلطات الإسرائيلية هيومن رايتس ووتش على الوثائق التقنية المتعلقة بعبور مانغستو، وشاهد أفراد الأسرة نفس المادة وأكدوا أنها تظهر مانغستو. كما قال المسؤول الإسرائيلي إن معدات تكنولوجية قدمت دليلا على مرور السيّد (29 عاما)، وهو مواطن فلسطيني بدويّ الأصل من إسرائيل وعاش في بلدة الحورة في صحراء النقب، عبر الحدود مع غزة من جهة الشرق في 20 أبريل/ نيسان 2015.

يبدو أن جمعة أبو غنيمة (20 عاما)، مواطن إسرائيلي ثالث، عبر من إسرائيل إلى غزة في يوليو/تموز 2016. قالت عائلته لـ هيومن رايتس ووتش إنهم قلقون بشأن صحته النفسية وأنه دخل غزة أثناء رعيه للأغنام قرب الحدود. إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تستطع تأكيد روايتهم أو خبر احتجازه أو حالته بشكل مستقل. أشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن السلطات الإسرائيلية تفتقر إلى أدلة على أنه "مفقود ومحتجز ضد إرادته"، ولم يرد جيش الدفاع الإسرائيلي على طلب معلومات عنه. أثارت هيومن رايتس ووتش محنته مع غازي حمد، وكيل وزارة خارجية حماس آنذاك، فقال: "أنا لا أعلم باحتجاز إسرائيلي ثالث". قال أفراد عائلة أبو غنيمة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يسمعوا منه منذ اختفائه.

أشار مقطع فيديو صادر عن "كتائب عزالدين القسام"، الجناح العسكري لحماس، في أبريل/نيسان 2016 لكل من مانغستو والسيد كجنود، وظهر كل منهما في صور فتوغرافية بدت معدّلة بتقنية الفوتوشوب وهما في زي عسكري، إضافة إلى صور أورون شاؤول وهادار غلودن، وهما جنديان تابعان لجيش الدفاع الإسرائيلي يبدو أنهما قتلا خلال حرب 2014، وأفادت تقارير أن رفاتهما ما زال محتجزا لدى سلطات حماس. دعت السلطات الإسرائيلية حماس إلى إعادة مانغستو والسيد، الذين أكدت أنهما ليسا جنودا ولا صلة لهما بالحكومة الإسرائيلية عند دخولهما غزة، وجثث الجنديين.

هشام السيد  © خاص

رفض محمود الزهار، أحد مؤسسي حماس، الاعتراف باحتجاز مانغستو والسيد في اجتماع مع هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول 2016، لكنه قال إنه "لا يوجد مدنيون في إسرائيل" لأنهم جميعا يخدمون الجيش، وأن "الإسرائيليين الذين يدخلون غزة هم جواسيس".

أثار البحث الذي أجرته هيومن رايتس ووتش شكوكا قوية بشأن هذه الادعاءات. تشير الوثائق التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن لجنة طبية تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي خلصت في مارس/آذار 2013 إلى أن مانغستو "غير مؤهل للخدمة [العسكرية]"، وأعفته من التجنيد الإلزامي. تشير الوثائق أيضا إلى أن السيد تطوع للخدمة العسكرية في أغسطس/آب 2008، ولكنه فصل بعد أقل من 3 أشهر حينما صنفه الجيش "غير ملائم للخدمة"، وهو ليس جزءا من قوات الاحتياط.

أثناء المقابلات، قالت عائلتا الرجلين وأصدقاؤهما إن وضعهما الصحي والنفسي تدهور في السنوات التي سبقت اختفائهما. أظهرت وثائق وزارة الصحة الإسرائيلية أن مانغستو قضى 19 يوما في الاستشفاء النفسي في يناير/كانون الثاني 2013 - 12 يوما في مستشفى بئر السبع على أساس طوعي و7 أيام على أساس غير طوعي - رغم أنه تم سحب تشخيصه من الوثائق التي تم إصدارها لأسرته.

كشفت تقارير طبية أيضا أن الأطباء شخصوا حالة السيد بالفصام و"اضطراب الشخصية"، من بين أعراض أخرى، وأدخلوه المستشفى لعدة مرات. وصفه إصدار عن مستشفى بئر السبع في عام 2013 بأنه "مريض تناوبي" وهو معروف لـ "خدمات الطب النفسي لسنوات عدة"، مشيرا إلى أنه فر من المؤسسة بعد دخوله إلى المستشفى قبل أن يتم القبض عليه قرب الحدود مع غزة وحجز "لفترة طويلة" في عيادة للصحة النفسية في شمال إسرائيل.

اختفى مانغستو والسيد سابقا. قال إيلان، أخ مانغستو، إن شقيقه ذهب إلى شمال إسرائيل مرتين أو 3 مرات، وقال والد السيد إن ابنه ذهب إلى الضفة الغربية 15 مرة على الأقل، ومرتين إلى الأردن ومرتين إلى غزة. قال مسؤول إسرائيلي مطلع على الحالتين إن السجلات الإسرائيلية تبين أن السيد دخل غزة والأردن في مناسبات عديدة. أشارت تقارير إخبارية صادرة في فبراير/شباط 2010 إلى وجود رجل يلائم صورة السيد ويعاني من حالة صحية نفسية صعبة وقد عبر نحو غزة - عرّفه أحد التقارير باسمه.

أعلن خالد مشعل، زعيم حماس، في خطاب ألقاه في 15 أبريل/نيسان 2017 أن "أي معلومات عن الأسرى الإسرائيليين تأتي مع ثمن". ذكر مسؤولو حماس في غزة، لـ هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/أيلول 2016، أنهم لن يفشوا بأي شيء عن الإسرائيليين المفقودين إلى أن تفرج إسرائيل عن 54 من عناصر حماس الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم في الضفة الغربية في يونيو/حزيران 2014 بعد تحريرهم كجزء من صفقة الإفراج عن السجين السابق جلعاد شاليط قبل 3 سنوات. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن الاعتقالات، في ذلك الوقت، جاءت ردا على اختطاف 3 مراهقين إسرائيليين في الضفة الغربية، و"أرسلت رسالة هامة" إلى حماس التي اتهمها بعمليات الاختطاف. عثر على المراهقين مقتولين فيما بعد.

في ضوء الأدلة التي تشير إلى أن مانغستو والسيد وربما أبو غنيمة كانوا في مرحلة ما في عهدة حماس، على مسؤولي حماس الكشف رسميا ودون شرط عما إذا كان، أو مازال، أي من الرجال محتجزا، وما إذا كانت لها أي معلومات عن مكانهم الحالي. الكشف عن هوية الأشخاص المحتجزين هو التزام غير مشروط بموجب القانون الدولي ولا يمكن أن يتوقف على تنفيذ الإجراءات المطلوبة من الطرف الآخر. احتجاز الرجال بمعزل عن العالم الخارجي، لا سيما بسبب ظروفهم الصحية النفسية، قد يرقى إلى العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو حتى التعذيب.

رفض الحكومة الاعتراف رسميا باحتجاز شخص ما أو الكشف عن مكان وجوده أو مصيره بعد أو خلال الاعتقال، وبالتالي وضع المحتجز خارج نطاق حماية القانون، يشكل إخفاء قسريا بموجب القانون الدولي. ينتهك الإخفاء القسري العديد من الحقوق المكفولة بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صدقت عليه دولة فلسطين عام 2014، بما في ذلك اشتراط عرض المحتجزين على قاض بشكل فوري. الاختفاء القسري يجعل المحتجزين عرضة للتعذيب وغيره من أشكال الإيذاء.

الأفراد الـ 54 التابعون لحماس، الذين تطالب حماس بتحريرهم من عهدة الإسرائيليين، هم من بين 6159 أسيرا تحتجزهم إسرائيل لأسباب "أمنية"، أغلبهم فلسطينيون، ومن بينهم 493 معتقلا إداريا تم احتجازهم بدون تهمة، وفقا لأرقام صادرة عن مصلحة السجون الإسرائيلية في 4 أبريل/نيسان 2017، حصلت عليها "هاموكيد"، وهي مجموعة إسرائيلية غير حكومية. وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام إسرائيل لـ "قانون المقاتلين غير الشرعيين" لعزل الفلسطينيين عن غزة دون مراجعة قضائية ذات مغزى، مع فرض قيود مفرطة على الزيارات العائلية للمساجين الفلسطينيين من غزة.

قالت ويتسن: "مانغستو والسيد - الأول يهودي إثيوبي والثاني بدوي فلسطيني - يعانيان من اضطرابات نفسية وينحدران من أكثر الفئات تهميشا في المجتمع الإسرائيلي. اخفاؤهم قسرا ليس عملا وطنيا ولا بطوليا".

أفيرا مانغستو

قال إيلان إن أفراهام (أفيرا) مانغستو، وهو الرابع بين 10 أطفال، هاجر إلى إسرائيل من إثيوبيا مع عائلته في سن الخامسة. استقرت العائلة في شقة متواضعة في حي فقير في عسقلان، حيث عاش حتى اختفائه. تعمل والدته أغورنيش في تنظيف المنازل لكسب رزقها، بينما كان والده هايلي مانغستو عاطلا عن العمل خلال العقد الماضي. انفصل الوالدان في عام 2012، وعاش والد مانغستو، الذي لم يكن قادرا على تحمل تكاليف السكن، مع أقاربه، حتى تلقى تعويضا بعد اختفاء ابنه وتمكن من الانتقال إلى شقة.

وصف صديق من أيام الطفولة، طلب عدم الكشف عن هويته، أفيرا مانغستو على أنه "صبي عادي تماما، يضحك، يجلس في المطاعم، ولديه أصدقاء". قال إيلان مانغستو، إنه عند إنهائه المدرسة الثانوية، عمل أفيرا في الرسكلة ووظائف وقتية أخرى.

قال ايلان إن الحالة النفسية لشقيقه تدهورت عام 2011 بعد وفاة شقيقه الأكبر، مسراشاو، بسبب مضاعفات تتعلق بفقدان الشهية لفترات طويلة. لم تتمكن الأسرة من الحصول على العلاج المناسب له. قال صديق من أيام الطفولة إن مانغستو تعامل مع حزنه وحده، بالانسحاب من العائلة والأصدقاء، والجلوس لساعات، والذهاب في رحلات بمفرده، وأصبح أنحف بشكل واضح.

قال ايلان إن أفيرا أخبره أنه يُحسّ بشقيقه المتوفى في يديه.  بدون علم عائلته، ربط خيطا حول إصبع في يده اليمنى، قاطعاً تدفق الدم، وأبقى إصبعه مخفيا في جيبه حتى لا تراه أسرته، إلى أن اكتشف أفراد العائلة أن اصبعه مات عضويا. اضطر الأطباء إلى بتر الإصبع. استقال من العمل، ورفض حتى الحصول على راتب من مؤسسة التأمين الوطني، وقضى الكثير من وقته يتجول في الحي ويطلب المال من الناس الذين يعرفهم.

تشير سجلات المستشفى التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش إلى أن مانغستو تقدم طوعا إلى الاستشفاء النفسي في مستشفى بئر السبع في الفترة الممتدة من 3 إلى 15 يناير/كانون الثاني 2013. قال إيلان إن شقيقه كان يرفض العلاج، ولكنه وافق عليه بعد أن فُقد وحددت الشرطة موقعه على شاطئ بحر الجليل في طبرية، على بعد 200 كم تقريبا من المنزل. قال ايلان إنه مع ذلك أطلق سراحه دون تحسن ملحوظ. بعد 5 أيام، ألزم أفراد الأسرة أفيرا بمصحة عقلية لمدة 7 أيام بموجب "أمر القبول العاجل غير الطوعي". ألقى مانغستو الأدوية النفسية التي وصفها الأطباء بمجرد مغادرته المستشفى، واستأنف تجوله، واختفى في أجزاء أخرى من إسرائيل مرة أو مرتين.

قال شقيقه إنه " يزعج الناس ويصرخ ويرمي الأشياء. كان الوضع مؤلما جدا. تفاقمت حالته، وكانت لديه أفكار انتحارية ... بإمكانه القيام بأفعال خطيرة - يضع يده في النار ويقول انها لا تؤلمه ".

في مارس/آذار 2013، وجدت لجنة طبية في جيش الدفاع الإسرائيلي أن مانغستو "غير ملائم" وأعفته من الخدمة العسكرية الإجبارية، وفقا للوثائق التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش.

قال صديق طفولته إن الحالة العقلية لمانغستو أصبحت "أسوأ بكثير" قبل اختفائه بعام: "بدأ يؤذي نفسه. يمكنك أن ترى علامات تؤكد أنه لم ينم لبضعة أيام. بدأ يتحدث عن أشياء لم تكن منطقية".

في 7 سبتمبر/أيلول 2014، عند منتصف النهار تقريبا، طلب مانغستو المال من والدته. غضب عندما قالت إنها لا تملك شيء، ثم غادر المنزل دون أن يقول أي شيء.

أخبر ممثل للحكومة الإسرائيلية مُطّلع على الحالات هيومن رايتس ووتش إن في وقت لاحق من ذلك اليوم، لاحظ جنود إسرائيليون على الكاميرا رجلا ذا بشرة داكنة يكافح من أجل تسلق سياج أسلاك شائكة على الحدود بين غزة وإسرائيل قرب الشاطئ. صرخ الجنود عند وصولهم على الرجل، الذي وصل إلى أعلى السياج، وأطلقوا النار في الهواء، إلا أنه لم يرد، وفقا لما قاله المسؤول.

ترك الرجل خلفه حقيبة مدرسية. لم يكن الجنود متأكدين من دوافعه، فقرروا تقييم محتوياتها قبل أن يقرروا ما إذا كانوا سيطلقون النار عليه أو الاشتباك على نحو آخر، وأحضروا روبوت التخلص من الذخائر المتفجرة. قال ايلان إن الحقيبة كانت تحتوي على خُفّين ومنشفة وكتاب الإنجيل وكتبا أخرى، منها كتاب محاسبة يحمل اسم أفيرا مانغستو، ما سمح للجنود بالتعرف عليه. استغرقت عملية تحديد الهوية بضع ساعات، حينها دخل مانغستو غزة، كما أظهرت كاميرات أمنية إسرائيلية بالقرب من الحدود. قال ممثل الحكومة الاسرائيلية إن اللقطات أظهرت أنه مرّ قرب صياد لم يلاحظه، ثم تحدث مع أشخاص بجانب كوخ.

لم يُسمع عن مانغستو من ذلك الحين. قال المسؤول الإسرائيلي، ردا على استفسارات من طرف ثالث حول اختفاء مانغستو بعد فترة من فقدانه، إن حماس قدمت رجلا آخر، قالت إنه إريتري حوصر في مرفق حدودي بين إسرائيل وغزة طالبا اللجوء الدولي.

أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميا اختفاء مانغستو في يوليو/تموز 2015 بعد رفع حكم بالتعتيم الإعلامي كانت قد التمست فرضه على القضية. قال موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لـ "الجزيرة"، في نفس الشهر، إن مانغستو قد اختفى أثناء القتال خلال حرب 2014، وليس بعده، ونفى معاناته من اضطرابات نفسية. أظهر مقطع فيديو صادر عن الجناح العسكري لحركة حماس في أبريل/نيسان 2016 مانغستو في زي عسكري، لكنه بدا أنه نسخة معدّلة بالفوتوشوب من نفس الصورة المستخدمة في تقارير إعلامية في العام السابق.

صورة من فيديو نشره الجناح العسكري لـ "حماس" في 1 أبريل/نيسان 2016 زعم أنه يُظهر صورا فوتوغرافية لأفيرا مانغستو وهشام السيد في أزياء عسكرية.  الفيديو متاح على: https://www.youtube.com/watch?v=7K5dVM3I-DQ

قالت أغورنيش مانغستو لـ هيومن رايتس ووتش إنها تفتقد ابنها كثيرا: "ما زلت أفكر فيه وأبكي طوال الوقت ... أحيانا أخرج... ذكراه تبقيني مستيقظة حين أعود في الليل... أريد فقط أن يعود ابني إلى هنا حتى أتمكن من رؤيته ".

هشام السيد

ولد هشام السيد (29 عاماً)، وهو الأكبر بين 8 أطفال، وترعرع في قرية السيد البدوية، التي تم دمجها في نهاية المطاف في بلدة الحورة، في صحراء النقب. قال شعبان السيد، والد هشام، إن ابنه أنهى المدرسة الثانوية، لكنه كان ضعيفا. أخبر شعبان هيومن رايتس ووتش أنه حاول إشراك ابنه في أعمال البناء، لكنه رفض العمل وظل في المنزل.

قالت والدته، منال، إنه "لم يكن راضيا عن الحياة التي يعيشها في البيت، وينظر دائما إلى الآخرين، متمنيا لو يملك ما لديهم". وأشار شعبان أنه "إذا رأى سائق شاحنة، أراد أن يصبح سائق شاحنة؛ وإذا رأى طبيبا، أراد أن يصبح طبيبا". قالت منال إنه أراد الزواج والحصول على وظيفة. تزوج السيد، لكن زوجته طلقته في غضون أسبوع. اتصل السيد بأمه قبل أسبوع من اختفائه للتعبير عن رغبته في الزواج مرة أخرى. قالت إنه كان يقضي وقتا طويلا في مشاهدة التلفزيون، والاستماع إلى الموسيقى والتجول في المنازل والمحلات التجارية التابعة للجيران، الذين كانوا يغيظونه أحيانا أو يطردونه. أضاف شعبان أن الكثيرين منهم كانوا على علم بحالته الصحية النفسية. قال إنهم أرسلوه إلى برنامج دراسي قصير الأجل في قبرص في عام 2005 ولندن في عام 2010، على أمل أن يساعده تغيّر المناظر.

قال أحد أصحاب المحلات في الحورة، يعرف العائلة منذ سنوات، إن السيد كان يتجول في متجره كل أسبوع أو أسبوعين، وصوره بأنه "نوع الشخص الذي إذا كان في ذهنه شيء يفعله؛ إذا كان يريد الذهاب إلى مكان معين، يذهب إلى ذلك المكان". أضاف أن السيد "يشارك كل شيء مع الجميع ولا يخفي أي شيء ".

تُظهر سجلات طبية للسيد استعرضتها هيومن رايتس ووتش تشخيصا ذكر أنه يعاني من فقدان السمع والدوار والطنين عام 2007، و"اضطراب في الشخصية واضطرابات سلوكية وعاطفية غير محددة" في عام 2009، و"اضطراب ذهاني حاد" في عام 2010، وانفصاما في العام 2013. كما أمضى السيد وقتا طويلا يتراوح بين أيام وأسابيع في المستشفيات ومؤسسات الطب النفسي في جميع أنحاء البلد، بأمر من المحاكم والأطباء. قال شعبان إن ابنه حاول الهروب من مؤسسة واحدة على الأقل، وأن "هناك صوتا في رأسه يخبره بما يجب فعله ولا يمكنه السيطرة عليه".

تشير رسالة في أواخر عام 2013 من مركز للصحة النفسية إلى أن قبوله يتعلق "بسلوك غير منطقي". كما تذكر أنه تمّ قبوله "بعد أن تم القبض عليه وهو يقفز من سياج في تل أبيب من أجل الوصول إلى سيارات الأجرة الفلسطينية لتنقله الى الأردن" وأنه "يريد الذهاب إلى الأردن أو تايلاند والعيش هناك من أجل رؤية المسلمين واليهود معا".

قال والده إنه حاول الذهاب إلى الأردن 5 مرات.  منعه أفراد الأمن وغيرهم، في 3 من تلك المحاولات، من العبور. في المرتين التي دخل فيها الأردن، احتجزته الشرطة، والمرة الثانية كانت لمدة 10 أيام تقريبا، قبل أسبوع من اختفائه في غزة في أبريل/نيسان 2015. قال ممثل للحكومة الإسرائيلية على علم بالقضايا إن السيد عبر إلى الأردن مرتين، لكنه لم يتمكن من تأكيد أن إحدى مرّات العبور وقعت في نيسان/أبريل 2015.

قال شعبان أيضا إن ابنه دخل الضفة الغربية في 15 حادثة منفصلة على الأقل، مما أدى إلى احتجازه من قبل الأمن الوقائي الفلسطيني 3 مرات.

قال شعبان لـ هيومن رايتس ووتش إن ابنه عبر إلى غزة في عامي 2010 و2013. قال المسؤولون الإسرائيليون إن السجلات الإسرائيلية تُظهر أنه اجتاز الحدود في 2 فبراير/شباط 2010 و16 يناير/كانون الثاني 2013. ذكرت "رويترز"، "وكالة فرانس بريس"، "هآرتس"، وموقع "واي نت"، من بين آخرين، في 3 فبراير/شباط  2010، أنه في اليوم السابق عبر إلى غزة رجل بدوي يطابق وصفه للسيد ويعاني من اضطرابات نفسية. حدد مصدر آخر اسمه بأنه هشام السيد. قال المسؤول الإسرائيلي أيضا إن السيد قد عبر إلى غزة في 8 مايو/أيار 2011، لكن شعبان قال إنه لم يكن على علم بذلك.

جاء في بيان صادر عن جيش الدفاع الإسرائيلي عام 2016، استعرضته هيومن رايتس ووتش، أن السيد تطوع للخدمة العسكرية في 18 أغسطس/آب 2008، لكنه تم تسريحه في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بعد أن وُجد "غير ملائم للخدمة". ذكرت الرسالة أيضاً أنه "ليس جزءا من قوات الاحتياط".

في 20 أبريل/نيسان 2015، غادر السيد المنزل ومعه هاتفه الخلوي وهويته دون الإفصاح عن مكان ذهابه. قال المسؤول الإسرائيلي لـ هيومن رايتس ووتش إن الصور التي حصلت عليها السلطات الإسرائيلية في ذلك اليوم تبين أنه اجتاز حدود غزة من الشرق.  قال والداه إنهما أفادا أنه مفقود، عندما لم يعد إلى المنزل بعد عدة أيام، وبحثا عنه في أماكن كان قد اختفى فيها من قبل، بما في ذلك الأردن.

لم يُسمع عنه أي شيء منذ ذلك الحين.

لاحظت السلطات الإسرائيلية في بيانها الصادر في يوليو/تموز 2015، الذي اعترفت فيه باحتجاز مانغستو، أن رجلاً ثانيا، وهو "مواطن بدوي من الجنوب"، قد "فقد أيضا في غزة"، لكنها لم تكشف عن هويته. نشرت عائلة السيد خبر اختفاء ابنها بعد وقت قصير من ظهور صورته في فيديو صادر عن الجناح العسكري لحركة حماس في أبريل/نيسان 2016. ظهر في الصورة في زي عسكري، ولكن يبدو أنها نسخة معدلة عن نفس الصورة المستخدمة في تقارير إعلامية في السنة السابقة.

صورة فتوغرافية لهشام السيد، ظهرت في تقارير إعلامية منذ مايو/أيار 2015.  © 2015 خاص

قال الأب إن عائلة السيد، من أصل فلسطيني مسلم بدوي، لها روابط طويلة الأمد بقطاع غزة، بما في ذلك عن طريق الزواج. قال إن ابنه كان يراقب أخبار غزة ويتحدث في كثير من الأحيان عن جمالها.

وصفت والدته الفراغ الذي تركه السيد: "أشعر أن هناك شيئا مفقودا في المنزل. كأنني فقدت شيئا. أتعثّر دائماً، وشيء كبير قد تغير في حياتي. كان هشام نعمة. غاب لفترة طويلة الآن. أشعر بالارتباك ولا أعلم ماذا عليّ أن أفعل ".

جمعة أبو غنيمة

جمعة أبو غنيمة (20 سنة)، فلسطيني بدوي من سكان قرية بئر أبو الحمام، وهي قرية غير معترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، تقع قرب فرية نيفاطيم في صحراء النقب. تم إعلان أبو غنيمة مفقودا في 12 يوليو/تموز 2016، وفقا لعائلته وتقارير إعلامية. كان قد أنهى للتو دراسته في ثانوية قرية أبو تلول القريبة، لكنه لم يتقدم بعد للفحوص المطلوبة. كان عاطلا عن العمل.

أخبر إبراهيم أبو غنيمة، والد جمعة، هيومن رايتس ووتش أن ابنه ذهب في ذلك اليوم للمرة الأولى لرعي الأغنام التي تملكها العائلة بين ناحل عوز والحدود الشرقية مع غزة. لم يعد جمعة إلى المنزل في تلك الليلة كما كان مقررا، وفي اليوم التالي، اتصل جندي إسرائيلي بأحد إخوته للقول إن شخصا، يعتقد الجيش أنه جمعة بناء على ملابسه، قد عبر الى غزة في اليوم السابق. قال الأب إن "جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي" ("الشين بيت") استجوب العائلة على مدى 30 ساعة، لكنهم غادروا دون تزويدهم بمعلومات مؤكدة. قال إن العائلة لم تسمع عن ابنها أو تتلقى دليلا على وجوده في غزة، ولم تكن على اتصال مع السلطات الإسرائيلية أو الفلسطينية لمعرفة مكان وجوده.

قال الأب والعديد من إخوة جمعة، في مقابلات مع هيومن رايتس ووتش، إنهم كانوا قد بدأوا يقلقون بشأن صحته النفسية في السنة التي سبقت اختفائه. قالوا إنهم أخذوه لرؤية طبيب وشيخ لمعالجة حالته. لم يقدم الأقارب اسما أو تشخيصا لحالته. قال إخوة جمعة إنه كان يواجه صعوبة في التركيز، وينطوي على نفسه، لا يشارك الأشياء حتى مع عائلته، وليس لديه أصدقاء، ولم يكن نشطا على وسائل التواصل الاجتماعي. قالوا إن حالته لم تكن واضحة وإنه لم يكن يتناول الأدوية. أضافوا أنه لم يختف من قبل أو ذهب إلى غزة، ولم يكن متدينا أو سياسيا على وجه الخصوص، ولم يتعاطى المخدرات أو يدخن أو يشرب الكحول.

قدم معلم سابق له وصفا متسقا في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، وسلط الضوء على عدم قدرته على التركيز وميله إلى الانطواء على نفسه.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من إثبات هذه الرواية. لم تقدم الأسرة وثائق عن ماضيه الطبي. حاولت هيومن رايتس ووتش مقابلة آخرين في مجتمع أبو غنيمة، لكن الأسرة أشارت إلى أنه لا يعرفه أحد.

أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن السلطات الإسرائيلية تفتقر إلى أدلة على أنه "شخص مفقود ومحتجز ضد إرادته". كتبت هيومن رايتس ووتش إلى جيش الدفاع الإسرائيلي في 29 مارس/آذار 2017 للاستفسار عن وضع أبو غنيمة وتواريخ دخوله إلى غزة، ولكنها لم تتلق أي رد.

لم يشر مسؤولو حماس إلى أبو غنيمة في أي تصريح علني، لا بالاسم ولا بالصورة. عندما أثارت هيومن رايتس ووتش حالته مع وكيل وزير الخارجية آنذاك، غازي حمد، قال: "لا أعلم باحتجاز إسرائيلي ثالث. كانت هناك تقارير تفيد بأن [أبو غنيمة] كان يتجول قرب حدود غزة "

قال أفراد العائلة إنهم لم يسمعوا عنه أي شيء منذ اختفائه.

اعتبارات قانونية إضافية

بموجب القانون الدولي، على البلدان التحقيق في حالات الاختفاء القسري، ومحاسبة أي شخص مسؤول، والتعويض للضحايا. كما تنص "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي صدقت عليها دولة فلسطين في نيسان/أبريل 2014، على توفير الحماية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل تنشئة اجتماعية أو نفسية أو احتياجات خاصة، بما في ذلك التحرر من المعاملة القاسية واللاإنسانية والمساواة في الوصول إلى العدالة، والتي تتضمن التسهيلات المعقولة التي تأخذ في عين الاعتبار عجزهم.

إذا دخل مانغستو والسيد إلى غزة، كما يبدو الحال، في ظروف لا علاقة لها بالنزاع المسلح الدولي بين إسرائيل وحماس، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يتطلب من السلطات احتجازهما فقط وفقا لقانون داخلي واضح، وهو ما يعني إما توجيه تهم لهما بجريمة واضحة أو الإفراج عنهما. تنطبق نفس المبادئ على أبو غنيمة إذا كان رهن الاحتجاز.

مهما كان الأساس القانوني للحجز، فإن للرجال الحق في المعاملة الإنسانية التي تأخذ في عين الاعتبار حالتهم الصحية النفسية وكل الترتيبات التيسيرية المعقولة والمطلوبة أثناء الاحتجاز، وكذلك الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الرعاية الصحية النفسية على أساس الموافقة الحرة والمسبقة. كما أنه يحق للمعتقلين الاتصال بأسرهم والزيارات التي تقوم بها "اللجنة الدولية للصليب الأحمر". في حال المحاكمة الجنائية، ينبغي توفير المعلومات المتعلقة بأي اتهام بلغة يمكنهم فهمها، وينبغي أن تكون الترتيبات الإجرائية، مثل الأشخاص الذين يسهلون عملية التواصل، متاحة على أساس احتياجاتهم وأولوياتهم.

المنهجية

أجرت هيومن رايتس ووتش عدة مقابلات مع أفراد من عائلات مانغستو والسيد وأبو غنيمة منذ عام 2016، وزارتهم في منازلهم. سهلت "البعثة الدائمة لإسرائيل لدى الأمم المتحدة" في جنيف الاجتماع الأولي مع أسرة مانغستو في مارس/آذار 2016. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أشخاص يعرفون الرجال من بيئاتهم واستعرضت أدلة ومستندات واسعة النطاق عن مانغستو والسيد، بما في ذلك السجلات الطبية وأوراق الخدمة العسكرية، التي أعطت عائلات مانغستو والسيد الإذن لـ هيومن رايتس ووتش بمشاركتها.

بعد الحصول على إذن من السلطات الإسرائيلية لدخول غزة في سبتمبر/أيلول 2016 للمرة الأولى منذ عام 2008، رفعت هيومن رايتس ووتش القضايا الى مسؤول سياسي كبير في حماس، وهو محمود الزهار، وإلى مسؤولين في سلطة غزة، ووكيل وزير الخارجية غازي حمد، ووكيل وزير العدل عمر البرش، والمفتش العام لوزارة الداخلية محمد لافي، ثم وكيل وزير الداخلية كمال أحمد أبو ماضي. كما قابلت ممثل عن الحكومة الإسرائيلية على علم بحالتي مانغستو والسيد، وراجعت وثائق تقنية تقول السلطات الإسرائيلية إنها تظهر عبور مانغستو.

سعت هيومن رايتس ووتش للحصول على معلومات عن أبو غنيمة تتجاوز ما أخبرتنا به أسرته ومدرّسه السابق في الثانوية، لكنها لم تتمكن من ذلك. لم يكن لدى عائلته أية وثائق عن حالته الصحية، وعندما سألنا عن علاقته بأشخاص آخرين، قالوا إنه لا يعرفه أحد. حاولت هيومن رايتس ووتش الحصول على تعليق رسمي من جيش الدفاع الإسرائيلي بشأن وضع أبو غنيمة وتواريخ دخوله إلى غزة، لكنها لم تتلق أي رد.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة