ضرب لبنان المثل لبلدان أخرى أكبر وأغنى باستقباله 1.1 مليون لاجئ سوريّ مُسجّل، بما في ذلك 500 ألف طفل في سن المدرسة. تقدر الحكومة العدد الإجمالي للاجئين، بما في ذلك غير المسجلين، بـ 1.5 مليون. أخذت وزارة التربية اللبنانية على عاتقها تسجيل كل الأطفال بين 3 و18 سنة، بغضّ النظر عن جنسيتهم أو وضعهم القانوني. لكن بعد 5 سنوات من اندلاع الحرب في سوريا، وبالرغم من المجهودات الجبارة، يبقى 250 ألف طفل سوري محرومين من التعليم. إنها أزمة طارئة.
تحاول رنا (31 عاما)، لاجئة سورية في لبنان، منذ سنوات تسجيل أطفالها، لكنها لم تستطع توفير مصاريف النقل التي تبلغ 45 ألف ليرة لبنانية شهريا لكل طفل. ابنها حمزة (10 أعوام) يبيع العلكة في الشارع بدل تلقي التعليم في المدرسة.
وجدت رنا عملا في محل لبيع المعجنات في صيدا، لكنها اضطرت لتركه عند انتهاء صلاحية إقامتها، خوفا من الاعتقال في طريقها إلى العمل. قالت لي رنا: "يجب أن يتعلم أبنائي كتابة أسمائهم، لقد انتهى كل شيء بالنسبة لنا، فهل يجب أن ينتهي كل شيء بالنسبة لهم أيضا؟"
وفّر لبنان العام الماضي 200 ألف مقعد للأطفال السوريين في المدارس العمومية، لكن 158 ألفا فقط سجلوا، بل ولم يلتحق بالمدرسة إلا 148 ألفا منهم. حسب وزارة التربية، فإن 87 ألفا آخرين سجلوا في مدارس خاصة أو "شبه خاصة". وجدتُ خلال أبحاثي لتقرير جديد لـ "هيومن رايتس ووتش" أن هناك عوائق متعددة تمنع السوريين من الالتحاق بالمدارس، من الممكن التغلب على بعضها بزيادة دعم المانحين. لكن شروط إقامة اللاجئين السوريين رُبّما تُسبب القدر الأكبر من الضرر.
تبنّى لبنان قوانين جديدة في يناير/كانون الثاني 2015 منعت فعليا عددا من اللاجئين السوريين من الحفاظ على إقامة قانونية. تواجه الأسر التي لا تملك إقامة صعوبة في التنقل وإيجاد عمل، وهي أكثر عرضة للاعتماد على عمل الأطفال، وقد لا تستطيع توفير المصاريف المرتبطة بالتعليم كما الحال بالنسبة لرنا. يشترط بعض مديري المدارس إقامة سارية المفعول للتسجيل، مخالفين بذلك سياسة وزارة التربية. وفي بعض الأحيان، يخاف آباء الأطفال الذين ليست لديهم إقامة من تسجيل أبنائهم في مدارس تتطلب عبور نقاط تفتيش، يخشون الوصول إليها.
بحسب شروط الإقامة في لبنان، فإن على كل السوريين البالغين 15 عاما فأكثر دفع 200 دولار سنويا للحفاظ على وضعهم القانوني. كما يجب عليهم توقيع التزام بعدم العمل أو بالحصول على كفيل لبناني - عادة بدفع مقابل مالي. تقدر المنظمات الانسانية نسبة السوريين في لبنان الذين لم يتمكنوا من تجديد وثائقهم بالثلثين.
يواجه الأطفال تحديات خاصة لتجديد إقامتهم لدى بلوغهم 15 عاما، حيث يجب تقديم بطاقة الهوية أو جواز السفر الخاص بهم، لكن الكثيرين منهم لا يملكون هذه الوثائق ويخافون الذهاب إلى السفارة السورية لاستصدارها. من دون إقامة، يصبحون مُعرضين للاعتقال عند نقاط التفتيش في طريقهم إلى المدرسة. لهذا السبب، ونظرا لتزايد حاجتهم للعمل، لا يتعدى عدد الأطفال السوريين في سن التعليم الثانوي المسجلين في الثانويات الحكومية 3 بالمئة.
ليس في صالح لبنان التشبث بشروط تُبقي الأطفال محرومين من التعليم وفقراء وفي وضع غير قانوني. عندما يتمكن أطفال اليوم من العودة إلى سوريا بأمان في المستقبل، أليس أفضل للبنان أن يضمن لهم التعليم والمهارات اللازمة لإعادة بناء بلدهم المدمر؟
أمام لبنان فرصة للاستعانة بالتمويل والاهتمام الدوليين لتقوية المنظومة التعليمية الحكومية التي كانت تواجه مصاعب جمة قبل أزمة اللاجئين، من خلال مشاريع لإعادة تأهيل المدارس ودعم تدريب المعلمين وتوفير تعليم شامل وجيّد للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. سبق واستفاد الأطفال اللبنانيون من المساعدات الدولية، حيث تكفل المانحون بمصاريف تسجيل 197 ألف طالب لبناني في التعليم الأساسي العام الماضي.
ستزيد هذه المشكلة سوءا. فقد استنفذت معظم العائلات السورية مدخراتها ولجأت إلى الاقتراض. ينبغي على لبنان السماح للسوريين بالحفاظ على وضعهم القانوني بالتنازل عن شروط الرسوم السنوية والالتزام بعدم العمل أو إيجاد كفيل. في دعوة لتقديم التبرعات في فبراير/شباط الماضي، اعترف لبنان بضرورة مراجعة الإطار القانوني المنظّم للإقامة ورُخص العمل. لكنه لم يتخذ بعد أية خطوات في هذا الاتّجاه.
بينما تترقّب الأُسر بداية السنة الدراسية 2016-17، على لبنان والمانحين الدوليين التأكد من ألّا يُحرم الأطفال من التعليم، فمستقبل الأطفال في جميع أنحاء البلاد في خطر.