عندما زار وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إيران والمملكة العربية السعودية مؤخرا، وصافح مسؤولي الحكومة، لم يتحدث بشكل علني عن إحدى المشاكل الأكثر إلحاحا في كلا البلدين: تدهور أوضاع حقوق الإنسان.
أخفق الملك سلمان، عاهل السعودية ،بشدة في تحسين سِجل بلاده الحقوقي خلال الشهور التسعة الأولى من حكمه. كما يشن تحالف تقوده السعودية، بدعم من الولايات المُتحدة، غارات جوية على اليمن، ويفرض عليه حصارا، وارتكب على ما يبدو انتهاكات متعددة لقوانين الحرب. ومن هذه الانتهاكات الهجمات العشوائية على المدنيين، التي يرقى بعضها إلى جرائم الحرب، واستخدام ذخائر عنقودية محظورة دوليا، تسببت في مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
أعدمت السعودية، في عهد الملك سلمان، أعدادا قياسية من الأشخاص، من بينهم مرتكبي جرائم مخدرات غير عنيفة، وقمعت نشطاء إصلاحيين ومُعارضين سلميين مثل وليد أبو الخير الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 15 عاما بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان. وفي قضية أخرى، حُكم بقطع رأس علي النمر في العلن، بسبب مشاركته وتحريضه على احتجاجات، قبل أن يبلغ 18 عاما. أخفقت السلطات كذلك في اتخاذ خطوات لحماية حقوق العمال الوافدين، وواصلت التمييز المنهجي ضدّ المرأة والأقليات الدينية في البلاد.
تخيل مدى الصدمة والرعب إذا تم نشر مقاطع فيديو لكل سعودي تُقطع رأسه على يوتيوب؟ على ألمانيا، وغيرها من دول التحالف المُناهض لـ داعش، أن تُفكر ملِياً بشأن النموذج الذي يقدمه حلفاؤهم.
إنه لمن العبث أن ننتظر من شتاينماير التنديد بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان بلهجة حاسمة. سيكون مبرره رغبته في العثور على شركاء والمُساعدة في نزع فتيل الصراعات في المنطقة. بالطبع تُعد الحرب في سوريا والقتال ضد الجماعات المُسلحة مثل داعش وتنظيم القاعدة أسبابا مشروعة لعقد لقاءات دبلوماسية. إلا أن هذا لا يعني أن تغض ألمانيا الطرف عن انتهاك حقوق الناس.
تسببت الهجمات السعودية غير المشروعة، وكذلك الحصار، في نتائج وخيمة على المدنيين في اليمن. وبحسب الأمم المتحدة، يحتاج 21 مليون يمني، وهي نسبة تقارب 80 بالمائة من السكان، إلى المُساعدة، ويُواجه نصف اليمنيين انعدام الأمن الغذائي. ويفتقر أكثر من 15.2 مليونا إلى الرعاية الطبية الأساسية، ويفتقر أكثر من 20 مليون شخص إلى المياه النظيفة. وحيث أن الواردات التجارية تشكل 90 بالمائة من غذاء اليمن وإمداداته من الوقود، فإن الحصار الذي يفرضه التحالف قد يرقى إلى تجويع المدنيين كوسيلة حربية، وهي جريمة حرب.
على شتاينماير ومحاوريه من السعوديين مناقشة الحملة الجوية التي تقودها السعودية، والموافقة علنا على إنهاء الهجمات العشوائية، من بينها استخدام الذخائر العنقودية. كان ينبغي أن تكون زيارة شتاينماير إلى الرياض أكثر من مجرد شراكة إستراتيجية بشأن إيران والحرب على الإرهاب.
تزعم وزارة الخارجية أنها تثير قضايا حقوق الإنسان بانتظام، مثل قضية رائف بدوي، المُدوّن الليبرالي السجين. إلا أن هذه النقاشات تظل بلا قيمة إذا جرت خلف أبواب مُوصدة، فلن ينجُم عنها التزام بالتغيير، وليس هناك مؤشرات على ذلك.
تُعد الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية؛ والتي قتلت 65 مدنيا على الأقل، من بينهم 10 أطفال، وجرحت العشرات بمدينة المخا الساحلية اليمنية في 24 يوليو/تموز 2015، جريمة حرب مُحتملة. تتسبب ألمانيا دائما في تقويض خطابها البليغ حول الشراكات الإستراتيجية واحترام حقوق الإنسان عندما تتشارك مع دول مثل السعودية، التي ترفض تطبيق نفس القيم على أراضيها. على شتاينماير أن يضغط على السعودية لوقف تكميم أفواه الكُتاب والمُدونين والنشطاء، إذا كان يلتزم حقا بنهج شامل لمواجهة التطرف العنيف. ويُعد عدم إثارة الضرر الذي لحق بالمدنيين في اليمن جراء الحملة التي تقودها السعودية، والقمع السعودي فوق أراضيها، فرصة كبيرة مُهدورة.
زار شتاينماير طهران قبل رحلته إلى الرياض. ومن المؤسف أنه أهدر فرصة هناك كذلك للضغط من أجل إصلاحات طال انتظارها في مجال حقوق الإنسان.
حجب الملف النووي طويلا وضع حقوق الإنسان المُزري في إيران. تؤثر الانتهاكات الجسيمة، وأغلبها من جانب مسؤولين قضائيين وأمنيين وأعوان مخابرات، على آلاف الإيرانيين يوميا. ونادرا ما يُحاسب هؤلاء على ما يقترفونه من أعمال.
يأتي الاتفاق النووي في وقت يُشرف فيه القضاء الإيراني على إعدام مئات السجناء، العديد منهم ارتكبوا جرائم مخدرات غير عنيفة. كما شنق المسؤولون أكثر من 650 شخصا هذا العام فقط، من بينهم أشخاص يُزعم أنهم ارتكبوا جرائم، مثل الأطفال.
تضايق السلطات الأمنية محامين بارزين ونشطاء حقوق إنسان وتحيلهم إلى القضاء بشكل روتيني.
تعتبر إيران واحدة من أكبر سجون العالم بالنسبة للصحفيين. ويتعرض النشطاء والكُتّاب على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ضربة قوية كذلك، إذ تصدر المحاكم الثورية أحكاما قاسية بحقهم، من بينها الإعدام، جراء تدوينات على فيسبوك. ويخضع رموز المعارضة مير حسين موسوي ومهدي خروبي وزهرا رهنورد للإقامة الجبرية منذ 2011. كما رفضت طهران التعاون مع الهيئات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة، من بينها منع دخول أحمد شهيد، خبير الأمم المُتحدة في حقوق الإنسان في إيران.
يأمُل الكثير من الإيرانيين في أن يؤدي حل الأزمة النووية إلى رفع العقوبات الاقتصادية والمالية القاسية، وأن يحسّن من أحوالهم المعيشية. إلا أن الأمل في مُستقبل أكثر إشراقا لا يزال بعيد المنال بالنسبة لآلاف السجناء في انتظار تنفيذ حكم الإعدام، ولمئات السجناء السياسيين الذين يتعرضون للتعذيب أو يذبلون في أماكن الاحتجاز، وللمُنتمين للأقليات الدينية المحرومين ظلما من الحصول على تعليم ووظائف.
بينما تستعد بلدان أخرى للاستفادة من رفع العقوبات ضد طهران، عليها أن تتذكر أن زيادة التعاون الاقتصادي والمالي والدبلوماسي مع إيران سوف يمنحها قدرة أكبر، ليس فقط لعقد صفقات تجارية مربحة، ولكن للتحدث بقوة ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وعلى هذه البلدان الاستفادة من هذا النفوذ، ودفع طهران إلى احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، فالشعب الإيراني لا يستحق أقل من ذلك.
إلا أن شتاينماير لم يفعل أي من هذا حتى الآن.
انصب تركيزه فقط على جلب اثنين من الأعداء الألداء، إيران والسعودية، إلى طاولة واحدة في المُستقبل القريب رغم أن هذه خطوة مشروعة وضرورية من أجل السلام في المنطقة. وكان شتاينماير محقا في طلبه من طهران إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بوقف الهجمات البشعة التي تستهدف المدنيين بالبراميل المتفجرة، إلا أن هذا غير كافٍ بالمرة.
الاعتقاد بقدرة المرء على تحقيق السلام الدائم والاستقرار عن طريق تجاهل الوضع المزري لحقوق الإنسان في كلا البلدين هو اعتقاد ساذج، وليس له أدنى علاقة بالسياسة الواقعية. وضع حقوق الإنسان غير المقبول في إيران والسعودية هو العامل الأهم في عدم الاستقرار في المنطقة. وحدها السياسة المُلتزمة بحقوق الإنسان تستطيع تحقيق سلام دائم.
ألم يُبرز الربيع العربي وانهياره للعالم بوضوح تام مآل سياسات الاستقرار الخاطئة التي تنتج أنظمة قمعية؟ فالنتيجة التي ستحصل عاجلا أم آجلا هي الفوضى والعنف. لا يمكن الاختيار بين الاستقرار ومُحادثات السلام، وبين حقوق الإنسان والعدل. لن يحصل استقرار دون احترام حقوق الإنسان.