(واشنطن) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر اليوم إن الميليشيات المدعومة من الحكومة العراقية نفذت أعمال تدمير موسعة لبيوت ومتاجر في شتى أرجاء مدينة تكريت في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2015، في خرق لقوانين الحرب. دمر عناصر من الميليشيات عمداً مئات البنايات المدنية دون سبب عسكري ظاهر، بعد انسحاب جماعة الدولة الإسلامية المسلحة المتطرفة من المنطقة. تُعرف الجماعة أيضاً بـ"داعش".
تقرير "دمار بعد المعركة: انتهاكات الميليشيات العراقية بعد استعادة تكريت"، الصادر في 60 صفحة، يستعين بصور القمر الصناعي للتثبت من شهادات الشهود الذين أفادوا بالدمار اللاحق بالبيوت والمتاجر في تكريت، وفي بلدات البوعجيل والعلم والدور، الذي طال أحياء كاملة. بعد فرار عناصر داعش، قامت كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق – وهما ميليشيتان أغلب عناصرهما من الشيعة ومواليتان للحكومة – باختطاف أكثر من 200 من السكان السنة، بينهم أطفال، وذلك على مقربة من الدور، جنوب تكريت. 160 شخصاً على الأقل من هؤلاء المختطفين ما زالت مصائرهم مجهولة.
قال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط: "على السلطات العراقية ضبط ومساءلة الميليشيات المارقة التي تدمّر بيوت السنة ومتاجرهم بعد دحر داعش. الميليشيات المسيئة، وقادتها الذين يتمتعون بالإفلات من العقاب، تضعف الحملة ضد داعش وتعرّض المدنيين جميعاً لخطر أكبر".
تعهد قادة للميليشيات الشيعية قبيل الحملة بالانتقام من مذبحة داعش في يونيو/حزيران 2014 التي اشتملت على مقتل ما لا يقل عن 770 شيعياً مسلحاً في معسكر سبايكر، على مقربة من تكريت. في مقاطع فيديو لهدم البيوت، يظهر مسلحو الميليشيات الشيعية وهم يشتمون السكان السنة ويرددون شعارات شيعية.
هذه الميليشيات تنتمي إلى قوات الحشد الشعبي، التي تتكون من عشرات الميليشيات الشيعية، والتي شكلتها الحكومة رداً على تقدم داعش السريع عبر أراضي محافظتي نينوى وصلاح الدين في يونيو/حزيران 2014.
تتلقى الميليشيات رواتب وأسلحة حكومية، لكنها تصرّف شؤونها بتنسيق غير محكم فيما بينها ومع الجيش العراقي وقوات الأمن الأخرى. في 7 أبريل/نيسان اعترفت الحكومة العراقية بقوات الحشد الشعبي كقوة أمن منفصلة تتبع رئيس الوزراء حيدر العبادي.
أكدت صور القمر الصناعي شهادات الشهود والتي أفادت بأن الدمار اللاحق بالمباني وقع بالأساس بعد دحر القوات الموالية للحكومة لـ داعش وبعد أن غادر الجيش العراقي المنطقة تاركاً إياها تحت سيطرة الميليشيات. كان الدمار الذي ألحقته الضربات الجوية التي نفذتها الحكومة وتحالف بقيادة أمريكية، وكذا الضربات المدفعية والدمار الذي ألحقته داعش – خلال حكمها لفترة 9 أشهر قبيل مارس/آذار – دماراً محدوداً.
من الأمثلة، عندما استعادت القوات العراقية والميليشيات الشيعية الدور، وهي بلدة يقطنها نحو 120 ألف نسمة على مسافة 20 كيلومتراً جنوب تكريت – ودون معركة كبرى، في 6 مارس/آذار – على حد قول السكان لـ هيومن رايتس ووتش. انسحب الجيش بعد يوم، تاركاً البلدة في يد الميليشيات. فر جميع السكان تقريباً أثناء سيطرة داعش أو قبل استعادة القوات الحكومية للبلدة بقليل. في 8 مارس/آذار بثت قناة الاتجاه مقاطع فيديو تظهر فيها كتائب حزب الله وهي تدخل البلدة وتفكك أجهزة متفجرة زرعتها عناصر داعش، ويظهر في مقاطع الفيديو أيضاً شارع الدور الرئيسي وميدان ومواقع أخرى تظهر سليمة إلى حد بعيد.
إلا أنه لدى عودة الشرطة المحلية للخدمة في مطلع أبريل/نيسان قام رجال الشرطة بإعداد قائمة من أكثر من 600 منزل ومتجر محترق ومتفجر. تُظهر صور القمر الصناعي الملتقطة في مايو/أيار مساحات كبيرة من مناطق الدور السكنية وقد دُمرت تماماً. قال الشيخ مالك شهاب – رجل أعمال بارز وشقيق عمدة الدور – لـ هيومن رايتس ووتش إن عضواً في قوات الحشد الشعبي قال متباهياً: "احرقنا الدور ودمرناها لأن [أهلها] دواعش وبعثيون".
في 8 مارس/آذار استعادت الميليشيات الشيعية ومقاتلون محليون متطوعون بلدة العلم، وهي على مسافة 12 كيلومتراً شمال شرقي تكريت، ويقطنها نحو 60 ألف نسمة. جمعت هيومن رايتس ووتش صوراً فوتوغرافية وشهادات شهود عن 28 بناية أحرقت أو انفجرت بعد استعادة العلم. بعض هذا الدمار يظهر في صور القمر الصناعي، التي تُظهر 45 بناية دُمرت في مارس/آذار وأبريل/نيسان من بعد استعادة الميليشيات للعلم. ويتحمل مقاتلون سنة محليون ومتطوعون – كانوا يعارضون سيطرة داعش ويعملون تحت حماية ميليشيات شيعية – مسؤولية الدمار اللاحق بالعلم.
دامت معركة مدينة تكريت – وتقع 180 كيلومتراً شمال بغداد وكان يقطنها وقت السلم نحو 150 ألف نسمة – منذ مطلع مارس/آذار إلى الأول من أبريل/نيسان، عندما أعلن رئيس الوزراء العبادي الانتصار، رغم استمرار القتال المتفرق بعد ذلك. قال بعض الأهالي لـ هيومن رايتس ووتش إن القتال الثقيل اقتصر إلى حد بعيد على حي القادسية شمالي المدينة، حيث دُمرت مئات البيوت بعد دحر الميليشيات لداعش وإخراج عناصرها من المدينة.
تورطت الميليشيات – في تكريت – في أعمال نهب موسعة. أظهر محمد جاسم – وهو رجل أعمال يدير متجراً كبيراً للأجهزة الإلكترونية والمنزلية – لـ هيومن رايتس ووتش صوراً لأعمال نهب الميليشيات وحرقها لمتجره. في أحد مقاطع الفيديو، وتم تصويره في 31 مارس/آذار، تظهر شاحنة بيضاء أمام متجر جاسم، مع قيام رجال يرتدون ثياباً مموهة بتحميل الأجهزة في الشاحنة.
قال شهود عيان إن الميليشيات الشيعية نفذت أيضاً عمليات قتل ميداني خارج نطاق القضاء في تكريت. قال رجل شرطة محلي إنه عندما تفقد منطقة في حي القادسية في مطلع أبريل/نيسان، رأى أكثر من عشرين مقاتلاً من داعش يسلمون أنفسهم لكتائب بدر، وهي ميليشيا شيعية أخرى، ومعها عناصر من عصائب أهل الحق، وذلك بعد أن نفدت منهم الذخيرة والطعام. قال الشرطي إنه رأى عناصر الميليشيات يعدمون بعض أسرى داعش في الشارع. في 3 أبريل/نيسان تناقل مراسلو رويترز للأنباء في تكريت إنهم شهدوا على قيام رجال شرطة اتحادية بطعن شخص اشتبهوا في أنه من مقاتلي داعش حتى الموت.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الولايات المتحدة وإيران بصفتهما أكبر الداعمين للجيش العراقي وقوات الأمن العراقية، عليهما إعلان رفض انتهاكات الميليشيات وأن يعلنا بوضوح مسؤولية الحكومة عن وقف هذه الانتهاكات ومحاسبة الجناة، بغض النظر عن الرتبة. على جميع البلدان التي توفر المساعدة العسكرية للعراق أن تعزز الرقابة على الوجهة النهائية للمعدات المُقدّمة. على هذه الدول أيضاَ ضمان أن الجهة المتلقية تحترم حقوق الإنسان. يتضمن ذلك نشر تقارير علنية عن التحقيقات في إساءة استخدام المساعدات والخطوات لتصحيح الخلل. ينبغي أن تدعم هذه الدول إنشاء أدوات لمراقبة الميليشيات والسيطرة عليها، بإشراف مدني، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب. إن أخفق العراق في ذلك خلال عام واحد، يجب إيقاف المساعدات بمقدار هذا الإخفاق.
وقال جو ستورك: "يجب ألا يُنظر إلى الانتقام والعقاب الجماعي كجزء من استراتيجية لهزيمة داعش. على العراق ضمان تحقق المساءلة الفردية على الجرائم، بغض النظر عما إذا كان مرتكبوها من المتطرفين السنة أو من عناصر الميليشيات الشيعة".