ملخص
في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2015، حققت الحكومة العراقية انتصارا عسكريا كبيرا ضد الدولة الإسلامية، التي تعرف أيضا باسم داعش، عندما طردت قواتها الجماعة المسلحة المتطرفة من مدينة تكريت ومناطق أخرى من محافظة صلاح الدين، شمال شرق بغداد. شملت القوات المشاركة في هذه العمليات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والميليشيات المدعومة من الحكومة، والدعم الجوي الذي وفرته قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
في أعقاب القتال، قامت الميليشيات بنهب وإحراق وتفجير مئات المنازل والمباني المدنية في تكريت والبلدات المجاورة من الدور والبوعجيل والعلم على طول نهر دجلة، في انتهاك لقوانين الحرب. كما اعتقلت بصورة غير قانونية نحو 200 رجل وصبي ما زال 160 منهم على الأقل مفقودين ويُخشى أن يكونوا قد تعرضوا إلى الإخفاء القسري.
شملت الميليشيات التي يغلب عليها الشيعة، المسؤولة عن الأعمال الوحشية في أعقاب القتال، فيلق بدر، ولواء علي الأكبر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا خراسان، وجند الإمام. في مدينة العلم، قامت قوات من المتطوعين السنة المحليين بأعمال التدمير. وتشكل قوى الميليشيات هذه مجتمعة ما يسمى قوات الحشد الشعبي التي تشكلت ردا على استيلاء داعش على مدينة الموصل الشمالية يوم 10 يونيو/حزيران 2014.
ويماثل نمط التدمير غير القانوني ذلك الذي قامت به بعض الميليشيات عينها حول بلدة آمرلي في محافظة صلاح الدين خلال فترة 3 أشهر تمتد من سبتمبر/أيلول إلى ديسمبر/كانون الأول 2014 بعد فك حصار داعش عن البلدة.
لم تجد تحقيقات هيومن رايتس ووتش أي مبرر عسكري مشروع للتدمير الشامل للمنازل في تكريت والمناطق المحيطة بها. أخبر قيس الخزعلي، زعيم جماعة عصائب أهل الحق، حشدا كبيرا قبل العمليات في فبراير/شباط 2015، أنه يعدهم "بالنصر في المعارك [في صلاح الدين]، للثأر وتحقيق العدالة". وزعم بعض العراقيين الشيعة البارزين أن الكثير من السكان السنة يدعمون داعش التي سيطرت على المنطقة، وبالتالي يتحملون نصيبهم من المسؤولية عن مذبحة يونيو/حزيران 2015 التي ارتكبتها داعش وأسفرت عن مقتل 1700 طالبا عسكريا شيعيا في معسكر سبايكر، شمال تكريت .
في ديسمبر/كانون الأول 2014، وفي أعقاب الانتقادات الدولية لانتهاكات الميليشيات خلال عمليات لاستعادة السيطرة على قرية آمرلي، وعد رئيس الوزراء حيدر العبادي بوضع الميليشيات – وهي رسميا جزء من الحشد الشعبي، ولكنها بالواقع مستقلة - تحت سيطرة الدولة. ويُظهر التدمير غير القانوني الهائل للمنازل في أعقاب استعادة تكريت أن كبح جماح الميليشيات ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم يبقى أولوية ملحة. اعترف مجلس الوزراء العراقي رسميا في 7 أبريل/نيسان بأن قوات الحشد الشعبي هي من قوات أمن الدولة، تقع مباشرة تحت مسؤولية رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة. لكن السلطات العراقية لم توفر أية تفاصيل تشير إلى زيادة مسؤولية القيادة والمساءلة المحدودة جدا عن الجرائم السابقة.
وتمثل إعادة تأكيد سلطة المؤسسات الحكومية على المناطق الواقعة الآن تحت سيطرة الميليشيات أمرا حاسما لإقناع عشرات الآلاف من السُّنة النازحين من صلاح الدين بالعودة إلى ديارهم. فبينما عاد بضعة آلاف من السكان الى تكريت، فإن المقيمين في الدور والبوعجيل لم يعودوا بعد. وقال أولئك الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا خائفين من مزيد من الأعمال الانتقامية على يد الميليشيات. كما وقالوا إن الكثير منهم ليس لديه منزل يعود إليه في غياب خطة حكومية لإعادة الإعمار.
***
سبق الدمارَ الواسعَ في الممتلكات الذي يوثقه هذا التقرير انتهاكاتٌ خطيرةٌ ارتكبتها داعش خلال حكم امتد 9 أشهر على هذه المناطق، ابتداء من يونيو/حزيران 2014.
في 12 يونيو/حزيران 2014، قامت داعش بإعدام ممنهج لعدة مئات من مجندي الجيش الشيعة المتمركزين في معسكر سبايكر. قابلت هيومن رايتس ووتش أحد الناجين، واستعانت بمقاطع الفيديو الخاصة بداعش وصور الأقمار الصناعية لتحديد 3 مواقع جرت فيها أعمال القتل. وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن عدد القتلى كان على الأقل ما بين 560 و770، في حين زعمت داعش قتل 1700 رجل. وفقا لسكان من تكريت والمناطق المحيطة بها ممن أُجريت معهم مقابلات لهذا التقرير، بالإضافة إلى لقطات فيديو من داعش، فقد أعدمت هذه الجماعة أيضا عشرات السكان المحليين المتهمين بالتجسس للحكومة العراقية في مدينة تكريت والدور والعلم.
وحتى قبل سيطرتها على مدينة تكريت والمناطق المحيطة بها، عملت داعش على ابتزاز رجال الأعمال واغتيال ضباط أمن الدولة. وبعد أن أحكمت الجماعة السيطرة على المناطق، طلب عناصرها من ضباط الأمن "التوبة" مقابل وعد بشطب أسمائهم من قائمة المطلوبين. أنشأت داعش نسختها من المحاكم الشرعية الإسلامية، التي فرض قُضاتها أحكام الإعدام من دون أن تكون المحاكمات عادلة في الظاهر. أما المخالفون الذين يدخنون، أو الذين لم ترتدِ الإناث من أفراد أسرهم الحجاب بشكل صحيح، فقد جُلدوا.
دخلت داعش تكريت والبلدات المحيطة بها من دون قتال، ما أثار الشكوك في بغداد أن السكان المحليين كانوا متواطئين مع الجماعة. وقال بعض السكان لـ هيومن رايتس ووتش إن العديد منهم رحّب بالفعل في البداية بـ داعش بسبب سنوات من التهميش على يد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ولكنهم قالوا إن السكان اختلفوا سريعا مع الجماعة، وبحلول فبراير/شباط 2015 كان أغلب السكان قد غادروا بلداتهم.
وفقاً للقانون الدولي، فإن الدمار الذي حل في أعقاب استعادة تكريت والبلدات المجاورة غير قانوني، بصرف النظر عن موقف السكان تجاه داعش أو الأنشطة السابقة للأفراد.
في مدينة تكريت والبوعجيل، وكذلك الدور والعلم القريبتين، أيّد تحليل صور الأقمار الصناعية إفادات السكان بالدمار واسع النطاق بعد هزيمة داعش. كانت الجماعة قد دمرت بعض المباني قبل إخراجها بينما دُمّر أو تضرر بعض المباني خلال الاشتباكات العسكرية. وبعد استعادة المنطقة، عمدت قوات الحكومة العراقية والمليشيات إلى الاستعانة بفرق فنية لتعطيل أو تفجير ما قالت إنها كانت مئات العبوات الناسفة التي زرعتها داعش على الطرق وفي المباني لإبطاء تقدمها. بالتالي، يمكن أن تُعزى بعض الأضرار التي لحقت إلى تفجير هذه العبوات الناسفة. ولكن حجم الدمار وطبيعته، مع عشرات المنازل التي انهارت بالكامل، يشيران إلى استخدام متفجرات أقوى، وبصورة منهجية.
استنادا إلى تحليل التسلسل الزمني لثماني صور التقطتها الأقمار الصناعية من 28 ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 26 مايو/أيار 2015، حددت هيومن رايتس ووتش ما لا يقل مجموعه عن 1425 مبنى من المرجح أن تكون الميليشيات الموالية للحكومة قد دمرتها في تكريت والبوعجيل والدور والعلم في أعقاب سيطرتها على المنطقة. من بين هذا المجموع، من المرجح أن حوالي 950 مبنى هُدم بمواد شديدة الانفجار و400 مبنى آخر دمرته النيران.
وبما أن الأضرار الناتجة عن الحرائق غالبا ما تقتصر على البناء من الداخل ولا يمكن تحديدها عبر صور الأقمار الصناعية، فمن المرجح أن العدد الإجمالي للمباني المتضررة أو التي دمرتها النيران في المدن التي قيّمتها هيومن رايتس ووتش عبر صور الأقمار الصناعية أقل من العدد الحقيقي بشكل كبير. ويدعم هذه الملاحظة أيضا عدد واسع من الصور التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش. تظهر الصور حالات مختلفة من الخسائر الناجمة عن الحرائق الشديدة التي لحقت بالهيكل الداخلي للمباني السكنية والتجارية، التي استطاعت هيومن رايتس ووتش التعرف عليها وتحديد مكانها.
شملت العلامات البصرية في المباني المدمرة بفعل المواد شديدة الانفجار (على النحو المحدد في صور الأقمار الصناعية) الانهيار الكلي لهياكل المباني الكبيرة الاسمنتية والمتعددة الطوابق، والتي عادة ما تسقط أسقفها سليمة وتكون كُتل حطامها كبيرة. تتوافق هذه الآثار مع تفجير المواد شديدة الانفجار، بكميات أكبر بكثير من تلك المستخدمة عادة في العبوات الناسفة، التي تستعملها داعش على نطاق واسع.
الدور
وفقا للسكان المحليين، سيطرت القوات المسلحة العراقية بسرعة على الدور، جنوب تكريت، منذ 6 مارس/آذار، إثر مقاومة مسلحة لا تكاد تذكر من جانب داعش. تقدم الجيش شمالا نحو البوعجيل في اليوم التالي. ويُظهر الفيديو الذي يبين وصول كتائب حزب الله، وهي إحدى الميليشيات الشيعية، إلى الدور، في 8 مارس/آذار، يُظهر المباني على طول الشارع الرئيسي سليمة إلى حد كبير. وتظهر صور الأقمار الصناعية التي أٌخذت على فترات متباينة بدءا من 9 مارس/آذار مساحات واسعة من المدينة وهي مدمرة. أما صور الأقمار الصناعية المسجلة في 26 مايو/أيار فتظهر أدلة على تدمير واسع النطاق لأكثر من 400 مبنى في الأحياء السكنية من الدور، بما فيها مجمع صلاح الدين السكني جنوبي الدور.
بعد 3 أسابيع من السيطرة على الدور، وصف سكان وأفراد من الشرطة المحلية عادوا إلى المدينة مشاهد الدمار لـ هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك النيران وتفجير المحال التجارية والمنازل. قدمت مجموعة من 4 أشخاص من سكان الدور لـ هيومن رايتس ووتش قائمة من 520 منزلاً مهدما، و430 منزلاً أحرق، و95 متجرا متضررا. حصلت هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل على صور من 40 منزلا دُمر.
خصّ سكان الدور كتائب حزب الله بالمسؤولية الرئيسة عن الدمار.
ورغم أن داعش دمرت بعض الممتلكات وتسبب قصف المدفعية والقصف الجوي من قوات التحالف بالمزيد من الضرر، إلا أن تعليقات السكان والفيديوهات وصور الأقمار الصناعية تشير إلى أن الأضرار الناجمة عن هذه الأسباب كانت محدودة. فالتدمير الظاهر عبر صور الأقمار الصناعية والصور الملتقطة بعد سيطرة الميليشيات يؤكد الرواية بأن المنازل دُمرت بمواد شديدة الانفجار، لا بالقنابل التي أطلقتها الطائرات أو المدفعية.
وبالنظر إلى غياب قوات داعش وخطر أي هجوم مضاد وشيك، فلم تكن ثمة ضرورة عسكرية ملموسة للتدمير واسع النطاق للممتلكات في أعقاب السيطرة على الدور.
العلم
أفاد زعماء قبليون وسكان محليون في العلم، على بعد بضعة كيلومترات شمال تكريت على الضفة الشرقية لنهر دجلة، بأن مقاتلين محليين متطوعين من السنة يعملون تحت إمرة المليشيات الشيعية أقدموا على تفجير أكثر من ثلاثين منزلاً وإضرام النيران فيها.
أعلن مجلس العشائر المحلية في العلم (التي تتكون من السنة)، في بيان عام: "إن أبناء العلم قاموا بأنفسهم بتدمير المنازل" العائدة للاشخاص الذين يشتبه في تعاونهم مع داعش. قال أحد زعماء المقاتلين المتطوعين لـ هيومن رايتس ووتش إن أعمال هدم المنازل هذه وقعت في منطقة مختلفة عن تلك التي هدمتها داعش قبل ذلك بأشهر.
تقع المنازل الـ 28 المدمرة التي حصلت هيومن رايتس ووتش على معلومات عنها، في ناحية ريفية جنوب العلم تدعى العلي، وهي منطقة يقول السكان المحليون إنها لعبت دورا هاما في معركة استعادة العلم في يونيو/حزيران 2014. تقع العلي بين نقطة جنوبية من المدينة حاول سكان العلم الدفاع عنها ضد داعش، ونقطة شمالية، لجأ إليها المقاتلون المحليون بعد اتهام السكان المحليين بتمكين داعش من التقدم.
دمر المقاتلون المحليون بيوت عدد من سكان العلي، رغم أنهم غادروا بعد وقت قصير من تولي داعش السيطرة على العلم في يونيو/حزيران 2014 ولم يعودوا منذ ذلك الحين. قال سكان العلي الموصومون بمساعدة داعش، ممن تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش إثر تدمير منازلهم، إنهم ظلوا خائفين من العودة ومواجهة الهجمات ضدهم.
فحصت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية الملتقطة في مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار بعد سيطرة الميليشيات على العلم ووجدت أدلة على أن ما لا يقل عن 45 مبنى قد دُمر خلال هذه الفترة، بما في ذلك الممتلكات التي تعود للسكان المحليين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش والتي هُدمت أو التي ظهر في صور الأقمار الصناعية من الفضاء تضررها من جراء الإحراق العمدي. ومن هذا المجموع، من المرجح أن يكون 30 مبنى قد هُدم بالمواد شديدة الانفجار بينما تدمر 15 مبنى آخر بفعل النيران المضرمة عمدا.
تكريت
استمرت معركة الإطاحة بداعش من مدينة تكريت طوال شهر مارس/آذار، واستمر القتال المتقطع حتى بعد أن أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي الانتصار في 1 أبريل/نيسان. قصفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أجزاءا من المدينة خلال حملة دحر داعش وقال السكان إن داعش أيضا دمرت المباني.
دعمت صور الأقمار الصناعية وكذلك مقاطع فيديو من الطائرات الأمريكية والعراقية المتاحة في المجال العام، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، روايات السكان بأن تدمير المباني في الأسابيع التي سبقت الاستيلاء على المدينة اقتصر في أغلبه على مناطق محددة من المدينة، وكان نتيجة استهداف أهداف عسكرية في معظمها، وتحديدا المباني الواقعة في نطاق القصور الرئاسية التي احتلتها داعش في أوائل يونيو/حزيران 2014، أو المتاخمة لها. وتعرفت هيومن رايتس ووتش على أكثر من 75 موقعا في تكريت تأثر بوضوح، عبر صور تتفق مع استخدام الذخائر الكبيرة التي أسقطتها الطائرات بين أوائل فبراير/شباط وأواخر مارس/آذار 2015.
راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 21 مارس/آذار و5 أبريل/نيسان – وهي الفترة التي سيطر خلالها الجيش العراقي وقوات التحالف على المدينة - ووجدت أدلة على 75 مبنى سكنيا مدمرا في حي القادسية شمال تكريت، وهي موطن لضباط حاليين ومتقاعدين بالجيش العراقي وأحد معاقل داعش في المعركة من أجل المدينة. تحمل جميع المباني آثار الأضرار التي تتفق مع استخدام كميات كبيرة من المواد شديدة الانفجار، ويوحي التحليل السياقي، بما في ذلك عدد الطلعات الجوية التي نفذها التحالف خلال هذه المدة، وقرب المباني الـ75 التي تدمرت إلى المباني الأخرى التي تعرضت للدمار في وقت لاحق، كل هذا يوحي بهدمها بمواد انفجارية أرضية.
تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 26 مايو/أيار، أي بعد أقل من شهرين من هزيمة داعش في تكريت، 90 مبنى سكنيا إضافيا هُدم على الأرجح بمواد شديدة الانفجار في منطقة القادسية نفسها، في وقت ما بعد صباح 5 أبريل/نيسان.
قال حارس أمن محلي عاد في 2 أبريل/نيسان أنه أحصى تدمير أكثر من 200 منزل، وغيرها العديد من المتاجر التي أُحرقت ونُهبت في جميع أنحاء تكريت خلال أسبوعين من مزاولته الحراسة في أنحاء المدينة. وقع دمار كبير في حي القادسية شمالا. وقال عنصرا شرطة لـ هيومن رايتس ووتش إنهما شهدا بنفسيهما إحراق الميليشيات منازل خاصة بعد انتهاء الاشتباكات مع داعش.
كما وزعم مسؤولون وسكان في تكريت أن الميليشيات تورطت في عمليات نهب وقتل خارج القضاء على نطاق واسع. وقال شرطي لـ هيومن رايتس ووتش إنه شهد استسلام نحو 20 مقاتلا من داعش في القادسية. وقال إن مقاتلي فيلق بدر وعصائب أهل الحق فصلوا السجناء إلى مجموعات، وأعدمت كل ميليشيا بعضا منهم على الفور. تحاكي إفادة الشرطي وقائع مماثلة في أماكن أخرى في المدينة في الوقت ذاته. في 3 أبريل/نيسان، شهد مراسلو رويترز أيضا قتلا خارج نطاق القضاء على أيدي عناصر الشرطة الفيدرالية.
حددت هيومن رايتس ووتش 75 عمود دخان منفصل ناتج عن نيران حية في المباني في منطقة البوعجيل، التي تقع على الجانب الآخر من نهر دجلة مقابل تكريت، وذلك في صور الأقمار الصناعية الملتقطة صباح أيام 9 و10 و11 مارس/آذار 2015، بما يتفق مع مزاعم بوجود حملة واسعة النطاق من أعمال الحرق العمدي. كما حددت هيومن رايتس ووتش في 7 مواقع منفصلة على الأقل في البوعجيل، تجمعات كبيرة أخرى من السيارات المدنية والعسكرية المختلطة (ربما تشمل الدبابات والمدرعات الأساسية في المعركة) في المنطقة المجاورة مباشرة لمبان تحترق وأخرى هُدمت حديثا صباح أيام 9 و10 و11 مارس/آذار. ويدل هذا على وجود نشاط للقوات الحكومية العسكرية والميليشيات وقت انتشار الحرق العمد وهدم المباني.
الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري
تلقت هيومن رايتس ووتش إفادات بأن الميليشيات أو القوات الحكومية اعتقلت أشخاصا بشكل تعسفي في جلام الدور، وهي منطقة ريفية تقع شرق الدور، حيث فر بعض من تبقى من سكان الدور قبل دخول الحكومة والقوات المتحالفة معها. وصف شخصان لـ هيومن رايتس ووتش اعتقال واحتجاز نحو 200 رجل وصبي في 8 مارس/آذار تقريبا من قبل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق. حتى فترة كتابة هذا التقرير، ما يزال أكثر من 160 رجلا وصبي مفقودين ومجهولي المصير، ويبدو أنهم اختفوا قسرا.
لم تستجب الحكومة لنداءات ضياء الدوري، العضو المحلي في البرلمان، للتحقيق في أماكن وجود هؤلاء الرجال والصبية.
***
يشكل الدمار واسع النطاق للممتلكات المدنية على أيدي الميليشيات الموالية للحكومة، الوارد بالتفصيل في هذا التقرير، انتهاكا واضحا للقانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب. تحظر قوانين الحرب الهجمات المتعمدة ضد الأهداف المدنية، وهي الأهداف التي لا تُستخدم لأغراض عسكرية في حينه. كما تحظر قوانين الحرب على وجه التحديد تدمير ممتلكات العدو، إلا إذا اقتضت ذلك الضرورة العسكرية. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على أن التدمير وقع بمقتضى الضرورة العسكرية، بل وقع بعد انتهاء القتال في المنطقة، وبعدما غادرتها داعش ولم يكن تجدد القتال وشيكا.
تُعدّ الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب التي ارتُكبت بالقصد الجنائي جرائم حرب. وتشمل جرائم الحرب المحتملة التدمير غير المشروع للممتلكات والعقاب الجماعي والتهجير القسري. ولا تشمل المسؤولية عن هذه الأفعال من شارك بالأفعال الجُرمية فحسب؛ فالقادة متورطون بحُكم مسؤوليتهم في القيادة.
لقد كان لإخفاق الحكومة العراقية في حل أو إحكام القيادة والسيطرة الفعالة على الميليشيات وتقديم المسؤولين عن التدمير غير المشروع للممتلكات وغيرها من الانتهاكات للعدالة، عواقب وخيمة. فهو إشارة إلى السكان السنة من هذه المناطق، بأن خوفهم من العودة إلى منطقة تقع تحت حكم الميليشيات الذي لا رقيب عليه، له ما يبرره. كما أنه لا يبشر بخير بالنسبة إلى مجتمعات محافظتي الأنبار ونينوى الواقعتين الآن تحت سيطرة داعش المسيء، مُذ أمَر رئيس الوزراء العبادي قوات الحشد الشعبي بالمشاركة في حملة لاستعادة هذه المحافظات.
على الأمم المتحدة والولايات المتحدة وإيران والدول الأخرى المشاركة في النزاع الدائر في العراق أن تدين علنا انتهاكات الميليشيات في النزاع المسلح ضد داعش والضغط على الحكومة العراقية لتحقق بشكل كامل ونزيه في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها الميليشيات. وعلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تمديد ولاية لجنة تقصي الحقائق والتحقيق في انتهاكات الميليشيات.
وفي ضوء انتهاكات المليشيات الموالية للحكومة العراقية، الموثقة في هذا التقرير وغيره، على الولايات المتحدة وإيران والدول الأخرى التي تقدم المساعدات العسكرية للعراق أن تحث وتدعم العراق لأجل تنفيذ إصلاحات ملموسة ويمكن التحقق منها لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة، ودمج الميليشيات الموالية للحكومة ضمن هيكل قيادة مركزي يخضع لمراقبة وسيطرة مدنية، وضمان التزام هذه القوات الكامل بالقانون الدولي الإنساني. كما وعلى هذه الدول أن تطلب من العراق أن يبلغ علنا في غضون عام واحد عن التقدم المحرز باتجاه تنفيذ هذه الإصلاحات، وأن يقوموا بعد ذلك بتعليق المساعدات والمبيعات العسكرية بما يتناسب مع الفجوات في التزام العراق بهذه الإصلاحات.
التوصيات
للحكومة العراقية
- اتخاذ خطوات فورية لإحكام القيادة والسيطرة الفعالة على الميليشيات الموالية للحكومة؛ وحل الميليشيات التي تقاوم سيطرة الحكومة؛
- ضمان إجراءات التأديب أو المقاضاة المناسبة بحق أفراد قوات الأمن العراقية، بما فيها جميع الميليشيات، المتورّطة في انتهاك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. يشمل هذا القادة العسكريين والرسميين المدنيين المسؤولين عن الانتهاكات باعتبارها تتعلّق بمسؤولية القيادة؛
- اتخاذ جميع الخطوات اللازمة فورا لإنهاء التدمير غير القانوني والإضرار بالمنازل والممتلكات المدنية الأخرى لأي سبب من الأسباب على يد الميليشيات وقوات أمن الدولة؛
- تقديم تعويض مناسب أو مساكن بديلة للسكان الذين دُمّرت منازلهم بشكل غير قانوني من قبل قوات الأمن العراقية أو الميليشيات الموالية للحكومة؛
- التأكد من تمكن الوكالات الإنسانية من الوصول الفوري وغير المقيد إلى جميع المدنيين المحتاجين، بمن فيهم من هم في حاجة ماسة إلى السكن؛
- تيسير وصول الصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان المستقلين ووكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في العراق، إلى جميع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بما فيها تلك التي تسيطر عليها الميليشيات، فورا ودون عوائق؛
- الانضمام إلى نظام روما الأساسي بحيث تكون الجرائم الخطيرة التي تشمل انتهاك القانون الدولي في العراق من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. كما وعلى العراق أن يودع إعلانا بموجب المادة 12(3) لنظام روما لمنح المحكمة الجنائية الدولية ولاية بأثر رجعي.
إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
- تمديد الولاية الحالية للجنة التحقيق في العراق والتأكد من أنها تشمل انتهاكات قوانين الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف، وليس فقط التي ترتكبها داعش والجماعات المرتبطة بها؛
- استحداث منصب مقرِّر خاص حول الوضع في العراق لمراقبة الحالة الخطيرة لحقوق الإنسان في البلاد وتقديم توصيات بشأن التدابير الرامية إلى منع الانتهاكات وضمان المساءلة.
إلى مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان
- دعم التحقيقات السريعة والشاملة من قبل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في ما يتعلّق بجرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع ودعم نشر نتائجها وتوصياتها في الوقت المناسب.
إلى الولايات المتحدة وإيران وغيرهما من الدول التي تقدم مساعدات أو مبيعات عسكرية إلى العراق
- حث الحكومة العراقية على تنفيذ إصلاحات ملموسة وقابلة للتحقق من قبل الحكومة العراقية لوضع حد للانتهاكات الخطيرة المرتكبة من قبل الميليشيات من خلال محاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان؛ ودمجها تدريجياً في هيكل قيادة مركزي، وإخضاعها للرقابة والسيطرة المدنيتين، وضمان التزامها الكامل بالقانون الدولي الإنساني؛
- إلزام العراق بالإبلاغ علنا في غضون عام واحد عن التقدم المحرز باتجاه تنفيذ تلك الإصلاحات، وبعدها تعليق المساعدات والمبيعات العسكرية بما يتناسب مع الفجوات في امتثال العراق لهذه الإصلاحات؛
- تعديل التشريعات ذات الصلة التي تخول وتخصص المساعدات الأمنية والمبيعات أو التوريدات العسكرية إلى العراق لضمان، من دون صياغة تتضمن تنازلا، أن تنص على:
- معايير الإصلاح بالنسبة إلى الحكومة العراقية مثل دمج جميع الميليشيات التي تعمل خارج نطاق السيطرة الفعلية لقوات الأمن العراقية تحت قيادة الحكومة المركزية العراقية؛ وإنهاء انتهاكات قوات الأمن، بما فيها حالات الاختفاء القسري والتعذيب؛ والإفراج عن السجناء المحتجزين بتهم الدوافع السياسية؛
- نصوص عن المستخدمين النهائيين للأسلحة وضوابط ما بعد الشحن من أجل تقليل نقل الأسلحة والمعدات الأمريكية إلى القوات المنتهكة؛
- تدقيق واضح لمستقبلي المساعدات الأمنية لاستبعاد أولئك الذين توجد مؤشرات ذات مصداقية بشأن تورطهم في انتهاكات خطيرة؛
- ضمان حصول سفارات الدول التي تزود العراق بالأسلحة على ما يكفي من الموارد المالية والتقنية و الموظفين للقيام بفحص صارم من ناحية حقوق الإنسان لجميع مستقبلي المساعدات العسكرية والمبيعات العسكرية الخارجية المساعدات الأمنية، وضمان قيام السفير والملحقين العسكريين والمستشارين السياسيين بزيارات مراقبة مشتركة بشكل منتظم لمواقع تدريب قوات الأمن لتقييم فعالية التدريبات، بما في ذلك التدريبات المتعلقة بحقوق الإنسان؛
- الإبلاغ العلني عن الاستخدام النهائي لمبيعات العسكرية وتدقيق القوات المشاركة في التدريبات، بما في ذلك ضلوع المستخدمين النهائيين في انتهاكات لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي والخطوات المتخذة للتصدي لذلك؛
- أن تقوم الدول ووكالات الأمم المتحدة التي تقدم المساعدة المالية أو الخبرة لإصلاح قطاع الأمن في العراق، بما في ذلك المحاسبة على الانتهاكات السابقة، بالإبلاغ العلني عن أهدافها المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ووسائل قياس التقدم، وتقييمات الدعم المستقبلي في حال عدم الوفاء بهذه الأهداف.
- حث العراق على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية أو القبول الطوعي لسيادة المحكمة المؤقتة على الوضع الحالي.
منهجية البحث
يستند هذا التقرير إلى مقابلات مع 29 شخصاً من تكريت، الدور، العلم، والبوعجيل. أجرينا 20 مقابلة شخصية بين 27 أبريل/نيسان و7 مايو/أيار 2015 في أربيل والسليمانية في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي في العراق، وفي مدينة كركوك، التي تقع على بعد 120 كيلومتر شمال شرق تكريت و9 مقابلات عبر الهاتف بين شهري مايو/أيار ويوليو/تموز 2015. لجأ معظم الذين تمت مقابلتهم إلى المنطقة الكردية وكركوك أثناء أو بعد فترة وجيزة من استيلاء داعش على مدنهم، وغادر البعض الآخر في وقت قريب من هزيمة التنظيم. لم تزر هيومن رايتس ووتش تكريت أو غيرها من المدن التي يغطيها هذا التقرير لأن مسؤولي الأمن ووسائل إعلام مختارة فقط حصلوا على إذن للزيارة في ذلك الوقت.
أُجريت جميع المقابلات تقريبا باللغة العربية. وقد أخبرنا كل من قابلناهم بالهدف والطابع الطوعي للمقابلات، والسبل التي سيتم من خلالها جمع المعلومات واستخدامها، وحصلنا على موافقة كل من قابلناهم، والذين فهموا أنهم لن يحصلوا على أي تعويض مقابل مشاركتهم. وخشية الانتقام، حجبت هيومن رايتس ووتش الأسماء والمعلومات التي تشير إلى هوية العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، ولا سيما عناصر الشرطة.
حصلت هيومن رايتس ووتش على أكثر من 100 صورة فوتوغرافية للمباني المتضررة، وعملت مع السكان على تحديد مواقعها. تحدث الباحثون إلى الأشخاص الذين التقطوا الصور في معظم الحالات، للتحقق من أن المنازل التي صُوِّرت موجودة في المناطق الخاضعة للفحص.
أجرت هيومن رايتس ووتش تقييما مفصلا للأضرار التي لحقت بتكريت وبلدات العلم والبوعجيل والدور باستخدام سلسلة زمنية من 8 صور عبر الأقمار الصناعية التجارية بدقة عالية جدا تم التقاطها في الفترة بين 28 ديسمبر/كانون الأول 2014 و26 مايو/أيار 2015، قبل وأثناء وبعد التدمير. تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد موقع وهويّة عدد من المنازل المصورة، والتحقق من تدميرها.[1] استخدمنا صور الأقمار الصناعية لتحديد مجالات الدمار، وتحديد مستويات الضرر، وتقييم إفادات الشهود، وتقييم حجم وتوزيع وتوقيت تدمير المباني. علاوة على ذلك، استخدمنا صور الأقمار الصناعية لتحديد الطرق المحتملة للتدمير، ولتحديد مواقع انتشار الآليات العسكرية العائدة إلى الميليشيات والحكومة في المناطق التي يحدث فيها الدمار، وكذلك لحصر الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية وقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة المحتملة التي وقعت قبل 6 مارس/آذار خلال المعركة التي اندلعت على المناطق الواقعة بين قوات جماعة داعش والقوات الموالية للحكومة.
كما وراجعت هيومن رايتس ووتش لقطات الفيديو التي تم الحصول عليها من مواقع وسائل التواصل الاجتماعي والتي تزعم قوات الميليشيات أنها سجلتها بعد الاستيلاء على الدور والبوعجيل، وكذلك لقطات فيديو متاحة في المجال العام، للغارات الجوية الأمريكية والعراقية على تكريت، لتقييم الأضرار التي تتصل بالغارة الجوية بشكل أفضل والتحديد التقني للنوع المحتمل للمتفجرات الكبيرة التي تم استخدامها من قبل الميليشيات لهدم المباني المُحددة في هذا البحث.[2] في سبيل المساعدة في التحقق من الوقت والمكان المحتملين، وسياق مقاطع الفيديو، قامت هيومن رايتس ووتش بمطابقة المعالم الواضحة في الفيديو مع صور الأقمار الصناعية والصور الأرضية المتاحة من السكان المحليين حيثما أمكن ذلك.[3]
قدمت هيومن رايتس ووتش النتائج الأساسية للحكومة العراقية من خلال رسالة في 17 يوليو/تموز 2015، تطلب فيها معلومات، وتلتمس فيها الرد بحلول 10 أغسطس/آب. وحتى 24 أغسطس/آب لم تكن هيومن رايتس ووتش تلقت أي رد.
I. انتهاكات داعش في محافظة صلاح الدين
كانت داعش مسؤولة عن العديد من الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب وحقوق الإنسان خلال الأشهر التسعة التي فرضت فيها سيطرتها على تكريت والعلم والدور وغيرها من المناطق في محافظة صلاح الدين.
من أسوأ الفظائع التي ارتكبتها داعش كان الإعدام الجماعي لما لا يقل عن 770 مجندا شيعيا في قاعدة سبايكر الى الشمال مباشرة من مدينة تكريت في يونيو/حزيران 2014، خلال الأيام التي تلت السيطرة مباشرة. زعمت داعش بنفسها أنها أعدمت 1700 رجلا من معسكر سبايكر وتقول الحكومة انها استرجعت حوالي 600 جثة.[4]
وخلال سيطرتها على المحافظة، قامت داعش في كثير من الأحيان بعمليات إعدام بإجراءات موجزة. من ضمن الضحايا الجواسيس المزعومون وغير المسلمين والمثليون، وغيرهم.[5]
في العلم، نفذت داعش في 15 ديسمبر/كانون الأول 2014 عملية إعدام علني بحق 13 شخصا، معظمهم من رجال من البلدة، وأيضا من تكريت والدور.[6] كان أولئك من بين مجموعات كبيرة من الناس من المنطقة، ألقى مقاتلو داعش القبض عليهم بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ويُزعم أنهم عرضوهم للتعذيب في مقراتهم في القصور الرئاسية في تكريت.[7] وفقا لتقارير إعلامية وأحد السكان، الذي كان شقيقه من بين المعتقلين وتحدث إلى هيومن رايتس ووتش، اشتبهت داعش بأنهم يشكلون مقاومة سرية ويبلغون عن إحداثيات مواقعها للقوات الحكومية، التي تشن غارات جوية ضد الجماعة.[8] كما أعدمت داعش 7 أشخاص من العلم بين نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وفبراير/شباط 2015.[9]
في تكريت، نفذت داعش عمليات إعدام بالإضافة إلى مجزرة معسكر سبايكر. قال عديد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 12 يونيو/حزيران 2014، أي بعد يوم واحد من استيلاء داعش على المدينة، حاول 4 مسؤولين أمنيين محليين وسائقهم مغادرة تكريت. لم يعد سوى السائق، مع جثث الضباط الأربعة الذين قُتل كلّ منهم برصاصة في الرأس. قال أحد الشهود إنه تعرف على هويتي اثنين من القتلى من جيرانه من عائلة رجب، وأنه سلّم جثتيهما لأسرتهما قبل مساعدة السائق على الهرب.[10]
زود الشيخ ضياء محسن، وهو زعيم عشيرة سنية من الدور، هيومن رايتس ووتش بقائمة من 4 أشخاص من هذه البلدة، قال إن داعش أعدمتهم بين ديسمبر/كانون الأول 2014 وفبراير/شباط 2015: عبد الجبار علي الهندي، وسفيان ثابت نعمان، وياسر نامس دحام، ومروان حبيب سعيد، وأسماء 9 أشخاص آخرين، قال إن داعش اعتقلتهم وأن أنباء لم ترد عنهم منذ ذلك الحين.[11]
قال مسلمون سنة من الدور وتكريت والعلم لـ هيومن رايتس ووتش إن العديد من سكان البلدات في محافظة صلاح الدين رحبوا بوصول داعش، أو أعطوا على الأقل انطباعا بأنهم يرحبون بها. قال أحد سكان الدور: "دخلوا واستولوا على المدينة بصوت بوق سيارة".[12] كانت قوات الأمن المحلية قد تخلت عن مواقعها على عجل بعد شيوع أنباء يوم 10 يونيو/حزيران عن سقوط الموصل. قال شرطي من الدور لـ هيومن رايتس ووتش إن "قائد الشرطة غادر مع حراسه في وقت متأخر بعد الظهر". وأضاف، "ثم تفرقنا جميعا. لم تحدث أي معارك ضد داعش في الدور. بلغت أعداد داعش المئات على الأكثر".[13] وفقاً لأحد رجال الأعمال في تكريت، قدم مقاتلو داعش أنفسهم على أنهم "ثوار" لدعم السكان السنة المهمشين منذ مدة طويلة من قبل الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.[14]
قال آخرون من الدور أيضاً لـ هيومن رايتس ووتش إن إبعاد السكان المحليين عن الحكومة في بغداد سهّل استيلاء داعش السريع على هذه المناطق.[15]
نفذت داعش عمليات قتل مستهدفة وشاركت في أعمال سلب لعدة أشهر قبل الاستيلاء على بلدات في محافظة صلاح الدين. وصف محمود زكي، وهو مدرّس من الدور، كيف قتل من يظنه من قناصي جماعة داعش، شرطيا من أقاربه:
في 23 مايو/أيار، كان ابن خالي في خدمته عند نقطة تفتيش محلية، مرتديا زيه العسكري. أصابته رصاصة وتوفي. قال لي زملاؤه إن من أرداه قتيلا كان قناصا يقف على سطح منزل مجاور. وكانت داعش الوحيدة في ذلك الوقت التي تقتل قوات الأمن. حافظت داعش في المناطق الريفية على تحصيناتها وأسلحتها، في حين كان لديها خلايا نائمة في المدينة.[16]
قال محمد جاسم، صاحب مركز تجاري لبيع الأجهزة في تكريت لـ هيومن رايتس ووتش إنه قبل أشهر قليلة من وصول داعش، تلقى اتصالاً هاتفياً من مجهول قال له: "نحن نعرفك. افعل الصواب وادفع حصتك. نحن الدولة الإسلامية". وقال جاسم إن أحد أصدقائه الذي يدير متجراً لإطارات السيارات المستعملة تلقى اتصالاً مماثلاً من الرقم نفسه وفي اليوم نفسه. وقال إنه بحلول المساء، اندلعت النيران في متجر صديقه لأنه لم يدفع.[17]
لم يكن الترحيب الأولي بجماعة داعش شاملا ولا مطلقا. وقد عرفت قوات الأمن الرسمية والشخصيات السياسية أنه من المرجح أن تستهدفهم داعش بصفتهم عملاء للدولة التي كانوا يحاربونها. أخبر صحفي وعامل إغاثة في منظمة دولية ومسؤول حكومي في لجنة الانتخابات هيومن رايتس ووتش أنهم تركوا تكريت بعد وقت قصير من وصول داعش، حيث أدركوا أن عملهم سيجعلهم في مواجهة مع السلطات الجديدة.[18]
غادرت أعداد كبيرة من السكان المسلمين السنة بسرعة وبمحض إرادتهم بعد وصول داعش. ومع حلول فبراير/شباط 2015، كان الجميع باستثناء 10% من السكان الأصليين قد هجروا منازلهم لينتقلوا إلى الأماكن التي تبدو آمنة، في بغداد أو الأنبار أو كركوك أو في المنطقة الكردية، وفقا لما أفاد به عدد من السكان لـ هيومن رايتس ووتش. [19]
أُغلقت المدارس والمحلات التجارية، وفي حين ظلت المواد الأساسية متاحة، ارتفع سعر الغاز والوقود إلى 3 أضعاف.[20]
قال سكان سابقون لـ هيومن رايتس ووتش إن الحياة العامة أصبحت مقيّدة بدرجة أكبر. استحدثت داعش تدريجياً القواعد الجديدة على أساس رؤيتها للشريعة: فلم يعد يستطيع الرجال الالتقاء في المقاهي للتمتع بالأرجيلة والألعاب، ولم يعد باستطاعة الناس ارتداء الجينز والملابس الغربية الأخرى، وكان باستطاعة المرأة أن تخرج من المنزل فقط بصحبة أحد أقاربها الذكور وأن تكون محجبة بشكل كامل.[21] فرضت داعش عقابا على التدخين يصل إلى 500 جلدة، و50 جلدة على الرجال الذين تكون قريباتهنّ غير محجبات بشكل صحيح في الأماكن العامة.[22]
أصدرت داعش "بطاقة التوبة" لجنود الجيش وضباط الشرطة مقابل تسليم بندقيتهم العسكرية ومسدسهم، أو إذا تعذر ذلك، دفع رسوم تصل إلى 2500 دولار أمريكي. وكان على القضاة والمحققين القضائيين والمحامين دفع رسوم أقل. ومن لم يمتثل للأوامر يبقى ضمن قائمة المطلوبين. نشر أنصار داعش المحليون ممن كانوا يرتدون الأقنعة حتى لا يعرفهم السكان، قوائم بأسماء المطلوبين على الملأ. كانت القوائم في كثير من الأحيان تضم مئات الأسماء وبدأت داعش خلال أسابيع بإلقاء القبض على عناصر الأمن.[23]
وقال مرشح سني لمجلس محافظة صلاح الدين، كان قد خسر في الانتخابات الماضية، إن قوات داعش اعتقلته في بدايات 2015، وانهالت عليه بالضرب، واقتادته معصوب العينين إلى "قاضي الشريعة" الجديد الذي عينته الجماعة. حكم عليه القاضي بالموت بتهمة نشاطه السياسي، ولكن شفاعة صديق متنفذ أنقذته، على حد قوله، وتم إطلاق سراحه.[24]
بقي بعض السكان على الرغم من الشكوك حول داعش، وفي بعض الحالات عمل البعض منهم ضد الجماعات المسلحة.[25] وقال الشيخ مالك، شقيق رئيس بلدية الدور، لـ هيومن رايتس ووتش إنه ساعد في إنقاذ 5 ناجين من مذبحة معسكر سبايكر ممن انتهى بهم الأمر على ضفاف نهر دجلة، حيث لديه مزرعة للأسماك. قال إنه أعطاهم وثائق هوية أبنائه، وقادهم إلى بر الأمان من خلال الطرق الصحراوية ليلاً.[26]
قال الشيخ مالك إنه غادر الدور في بدايات أغسطس/آب 2014، وغادر ابنه مروان في أواخر سبتمبر/أيلول، بعد أن ألحقت جماعة داعش الأضرار بمنزله، دون أن تدمره. وقال إن زعماء القبائل في الدور قد تطوعوا بتقديم رجال القبائل للقتال من أجل استعادة السيطرة على المدينة، ولكن فالح فياض، رئيس جهاز الأمن الوطني في الحكومة، وهادي العامري، قائد فيلق بدر، وقيس الخزعلي قائد عصائب أهل الحق، رفضوا العرض في يناير/كانون الثاني 2015.[27]
وقال الشيخ مالك إنه بعد دحر داعش في أوائل مارس/آذار 2015، دمرت الميليشيات الشيعية منزله وسرقت مبالغ كبيرة من النقود والذهب من خزينته. وأظهر صورا أرسلها له شرطي محلي يوم 11 أبريل/نيسان لمنزله وخزينته المحطمة.[28]
وتمكن مزيج من قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والميليشيات الشيعية وغيرها من قوات الحشد الشعبي التي حاربت ببطء حتى استولت على دجلة، من فرض السيطرة على الدور في 6 مارس/آذار، وفي وقت لاحق على بلدة العلم الريفية في 8 مارس/آذار تقريبا قبل العودة مرة أخرى إلى تكريت من الشمال ودحر مقاتلي داعش المتبقين إلى الخارج.
في 1 أبريل/نيسان، زار رئيس الوزراء حيدر العبادي تكريت وأعلن تحقيق النصر على مقاتلي داعش. بعد ذلك، كما حدث في الدور بعد 6 مارس/آذار وفي العلم بعد 8 مارس/آذار، زعم السكان أن الميليشيات الشيعية بدأت بتجريف البلدات في ما يبدو أنه انتقام من الدعم المتصور لجماعة داعش ومن أجل تصفية حسابات قديمة ضد الضباط السنة الذين خدموا تحت قيادة صدام حسين.
II. تدمير الممتلكات المدنية
الدور
تقع بلدة الدور على بعد 20 كيلومتر جنوب تكريت على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وكان عدد سكانها يبلغ حوالي 120 ألفا.[29] استولت داعش على الدور في 11 يونيو/حزيران 2014، واستعادها الجيش العراقي في 6 مارس/آذار. ومع ذلك انسحب الجيش بعد يوم أو يومين وترك البلدة لقوات الحشد الشعبي.[30] دمرت هذه الميليشيات معظم البلدة بشكل كامل، بسبب اعتقادها على ما يبدو أنّ السكان يدعمون قضية داعش.
قال الشيخ مالك رجل الأعمال البارز وشقيق رئيس بلدية الدور لـ هيومن رايتس ووتش إنّه خلال تجمّع قَبَلي حضره في أبريل/نيسان 2015، تفاخر عضو سُني من تكريت في قوات الحشد الشعبي، قائلاً: "أحرقنا ودمرنا الدور، لأنهم [سكانها] داعشيون وبعثيون".[31] ظهر مقطع فيديو نُشر في مارس/آذار 2015، يصوره شخص يتنقل بسيارة في الدر ويتحدث عن مسجد محلّي: "هذا مسجد الكلاب".[32] وفي فيديو آخر نُشِر في مارس/آذار ظهر رجل يطلق على نفسه أبو نمر ويذكر الإمام علي، صهر النبي محمد،، يشرع في تفجير منزل ويقول: "هذا بيت من بيوت الدواعش"، وهي جمع مفردة داعشي التي اشتقت من اختصار لقب "دولة الإسلام في العراق والشام".[33]
وفي الشبكة المعقدة من العداوات التاريخية التي تتجلى في الصراع الحالي في العراق، يميل الخطاب السياسي الشيعي إلى جمع أنصار داعش مع القوات الموالية لحزب البعث المنحل وكبار الضباط المتقاعدين الذين خدموا في عهد صدام حسين.[34] تماشيا مع هذا الخطاب تظهر القوات الموالية للحكومة المشاركة في العمليات العسكرية ضد داعش، أنها قد خلطت داعش مع البعث. قال مراسل في الدور لقناة الاتجاه التلفزيونية الموالية للحكومة، خلال استعادة البلدة للمشاهدين: "البعث وداعش وجهان من نفس العملة".[35]
أشار محللون مختصون بداعش بالفعل إلى دور كبير يلعبه بعثيون سابقون في التنظيم.[36] ولكن عديدا من البعثيين السابقين، بعضهم قابلتهم هيومن رايتس ووتش، يزعمون أن ليس لديهم أي اتصال بالمجموعة المتطرفة.[37]
كان من بين الأهداف التى تسعى الميليشيات الشيعية لتدميرها في الدور منازل فاخرة تابعة لضباط الجيش العراقي السابقين.[38] وكان كبار الضباط الذين خدموا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في الغالب أعضاء في حزب البعث وشاركوا في حرب 1980-1988 ضد إيران.[39]
كان الانتقام لمجزرة معسكر سبايكر نداءً يحشد الميليشيات الشيعية التي تقاتل لاستعادة القرى والبلدات والمدن في محافظة صلاح الدين من داعش. أظهر مقطع فيديو لتفجير عن بعد يستهدف قصر عزة الدوري، نائب الرئيس في عهد صدام حسين، عناصر الميليشيات وهم يستحضرون شعارات شيعية، ويهتفون "يا زهراء، يا حسين"[40]. يُبين تاريخ الفيديو أنه تم التقاطه في 24 مارس/آذار 2015، أي بعد أكثر من أسبوعين من إطاحة الجيش والميليشيات والقوات المحلية بمقاتلي داعش، ويُظهر الفيديو عنصرا من الميليشيا يقول أمام الكاميرا: "هذا هدية لشهداء سبايكر، لجميع الشهداء على أرض الوطن".[41]
حجم الدمار في الدور
تتفاوت التقديرات عن مدى تدمير المنازل حرقا أو تفجيرا في الدور. إذ يبدو أنه لا توجد قائمة نهائية للمباني المتضررة والمدمرة. جمع سكان الدور الذين فروا إلى المنطقة الكردية لائحة بالمباني المتضررة، بما في ذلك 520 منزلا مدمرا و430 منزلا محترقا و95 متجرا متضررا.[42] أحصى آخرون، بمن فيهم ضباط الشرطة الذين عادوا إلى المدينة، تدمير 660 منزلا و450 متجرا ومكاتب حكومية استناداً إلى السجلات التي جُمعت من خلال دورياتهم في المدينة. [43] حصلت هيومن رايتس ووتش على صور 40 منزلا سكنيا مدمّرا، وكذلك صور لعدد من هذه البيوت قبل تدميرها، وتمكنت من تحديد مواقع البيوت الموجودة في هذه الصور على الخريطة. تظهر صور الأقمار الاصطناعية التي التقطت بعد استعادة الدور، أيضاً تلك المنازل وقد دُمرت، بالإضافة إلى الدمار والضرر الكبير في أجزاء أخرى من المدينة.
قارنت هيومن رايتس ووتش الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت عند استعادة قوات الحكومة الدور، مع أخرى التقطت على مدى 6 أسابيع تلت انسحاب الجيش. تم الحصول على الصور التي التُقطت عند استعادة الدور، من الأقمار الصناعية، والتغطية التلفزيونية، ومقاطع الفيديو التي سجّلتها ميليشيات. أما صور الدمار اللاحق فتم الحصول عليها من الأقمار الصناعية وصور ومقاطع فيديو خاصة سجلها سكان من الدور، معظمهم من الشرطة المحلية. وتظهر الصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية التدمير التدريجي على نطاق واسع في الأسابيع التالية لاستعادة الدور من قبل الميليشيات الشيعية.
قال قاسم، وهو شرطي من الدور أمضى أسبوعين في المدينة أوائل أبريل/نيسان، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه في بداية جولته التي استهلها في 2 أبريل/نيسان، رأى بيت رائد غياث وكان سليما. رآه بعد ساعتين يحترق عندما مر به مجددا، ولم يكن هناك أي نشاط عسكري. وقال إنه في يوم آخر، مر أمام متجر لبطاريات السيارة. كان المتجر سليما لكنه كان يحترق في اليوم التالي.[44]
المسؤولية عن التدمير
يبدو أن الميليشيات الشيعية كانت مسؤولة عن تدمير الممتلكات في الدور في أعقاب هزيمة داعش. إلى حد بعيد، كانت المدينة غير متضررة قبل دخولهم، وكانت الميليشيات فقط وبعض أفراد الشرطة المحلية موجودين في وقت وقوع الدمار. يبدو من غير المحتمل أن تكون الشرطة المحلية من الفاعلين، نظرا لما وفرته علنا من المعلومات حول الدمار. بالإضافة إلى ذلك كان لدى الميليشيات الشيعية دافع: الانتقام من الفظائع الطائفية التي قامت بها داعش.
تعرض عدد محدود من المباني للدمار عندما كانت الدور تحت حكم داعش أو نتيجة القتال. وقال سكان من الدور لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش فجرت مركزا للشرطة و3 منازل، أحدها تابع لرئيس البلدية الشيخ مقصود شهاب، و2 من عناصر الشرطة نوفل الجوري وعادل صقر.[45] قال العميد المتقاعد زكي خطاب فدعم لـ هيومن رايتس ووتش في 27 يونيو/حزيران إن 4 صواريخ أطلقتها طائرة يفترض أنها للحكومة العراقية أو الولايات المتحدة ضربت منزله في الدور، لينهار عليه.[46]
كان من بين عدد قليل من المنازل التي تضررت من القصف الجوي. وقال ساكن آخر إن هناك نحو 10 غارات جوية ضربت الدور مباشرة بعد استلاء داعش عليها في يونيو/حزيران 2014.[47]
أكدت مصادر أخرى أن المدينة كانت سليمة إلى حد كبير عندما استعادها الجيش والميليشيات. بث تلفزيون الإتجاه، الذي صاحب دخول كتائب حزب الله إلى الدور في 8 مارس/آذار 2015، أظهر ضررا ضئيلا في عشرات المباني.[48]
قال قيس الذي غادر قبل يوم واحد من دخول الجيش والميليشيات إن معظم مباني الدور كانت سليمة، رغم أن "مسلحي الدولة الإسلامية كانوا يتنقلون مع عبوات المتفجرات [حاويات محمولة غالبا ما تستخدم لنقل الوقود أو غيرها من السوائل القابلة للاشتعال]"، وهم يُعدون كمائن متفجرة في المنطقة، "ولم يكن هناك معركة كبيرة داخل البلدة".[49]
بحسب وصف مسؤولين أمنيين محليين، عادوا على الفور بعد دخول القوات العراقية، كانت المدينة سالمة إلى حد بعيد. قال شرطي لـ هيومن رايتس ووتش إن ضابط مخابرات دخل الدور مع الميليشيا كجزء من الحشد الشعبي، اتصل به قائلا: "أنا أقف أمام بابك" وأضاف أن المنزل كان سليما.[50] وقال الشرطي نفسه إنه عندما عاد بعد عدة أسابيع وجد منزله مدمرا.[51]
قال الشيخ مالك الذي كان على اتصال مع كبار مسؤولي الأمن المحليين إن كتائب حزب الله دخلت بعد يوم أو يومين من خروج داعش من البلدة.[52]
راجعت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو التُقط من قبل أحد أفراد الميليشيات في مدينة الدور في أوائل مارس/آذار 2015. يظهر الفيديو رجلا مجهولا يشعل فتيل حاوية بلاستيكية بيضاء كبيرة في منزل أحد السكان المحليين، ويركض إلى الخارج. بعد ثوان تنفجر العمارة السكنية، لتتدمر بشكل كامل.[53]
خلُص خبراء الأسلحة في هيومن رايتس ووتش إلى أن العبوة المتفجرة يبدو أنها قنبلة أسمدة معدة يدويا، تتألف من صاعق وجرة غاز وأكياس أسمدة الزراعية. جميع المكونات يمكن الحصول عليها بسهولة محليا وسهلة التصنيع والاستخدام.
قال ضباط الشرطة وغيرهم من المقيمين لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش انسحب بعد استعادة الدور وبقيت الميليشيات وحدها مع الشرطة المحلية في المدينة.[54]
هيومن رايتس ووتش غير قادرة على تحديد أي ميليشيا أو ميليشيات كانت مسؤولة عن أفعال تدمير بعينها. شارك عديد من الميليشيات الشيعية في السيطرة على الدور، بما في ذلك:
فيلق بدر-فوج "كربلاء" التاسع،[55]
لواء علي الأكبر،
وكتائب حزب الله،
وعصائب أهل الحق،[56]
أشار عديد من السكان إلى أن كتائب حزب الله وراء التدمير. قال شريف (اسم مستعار)، ضابط الشرطة، إن المقاتلين المتطوعين المحليين الذين دخلوا الدور بإذن من كتائب حزب الله، أخبروه أن عناصر هذه الميليشيا قالوا إنهم دمّروا منازل تعود لضباط في الخدمة وآخرين متقاعدين وإنهم لم يدمروا المنازل التي علّمها واحتلّها تنظيم داعش لأنه "تركناها للحشد الشعبي في الدور فتولّوا أنتم أمرها".[57]
العلم
تقع بلدة العلم على مسافة حوالي 12 كيلومتر شمال شرق مدينة تكريت على الضفة الشرقية لنهر دجلة. في الأوقات العادية يبلغ عدد سكانها حوالي 60 ألفا. تحدّ البلدة منطقة ريفية فيها مجموعات من المنازل تتخللها الحقول التي تتبع منطقة العلم والتي سيطر عليها تنظيم داعش في 24 يونيو/حزيران تقريبا، بعد أن خطف الأسر الهاربة من العلم لإجبار القادة المحليين للتفاوض بشأن دخوله بسلام. استعادتها القوات الموالية للحكومة في 8 مارس/آذار تقريبا. كان تدمير الممتلكات في منطقة العلي، إحدى النواحي الريفية في العلم، يتبع نمطا مختلفا عن الدمار الذي وقع في الدور وبعده في تكريت. ففي العلي فجّر المقاتلون المتطوعون السُّنة المحليين وأضرموا النار في منازل جيرانهم تحت حماية المليشيات الشيعية.
راجعت هيومن رايتس ووتش صورا لـ 12 مبنى مدمر وجمعت المعلومات عن 16 مبنى آخر تعرض للحرق أو التفجير، بما مجموعه 28. بعض من هذا الدمار كان مرئيا من خلال صور الأقمار الصناعية، وأشار إلى 45 مبنى دُمرت في مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار بعد أن سيطرت قوات الميليشيا على منطقة العلم، بما في ذلك ممتلكات السكان المحليين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش والتي هُدمت أو بدت عليها مظاهر الإحراق العمدي التي ظهرت من الفضاء في صور الأقمار الصناعية.
من بين إجمالي الـ45 مبنى التي دُمرت والظاهرة في صور الأقمار الصناعية، تعرض 30 مبنى إلى الهدم على الأرجح بمواد شديدة الانفجار و15 مبنى بالنيران مع وجود مؤشرات على الحرق المتعمّد.
تقع المنازل المدمرة الـ 28 التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في منطقة فرعية ريفية جنوب العلم تدعى العلي، وتحديدا بين نقطتين من الطريق الذي قال سكان محليون إنه لعب دورا هاما في القتال عندما سيطر تنظيم داعش على العلم منتصف يونيو/حزيران 2014.[58] دُمرت تقريبا كل المنازل على امتداد هذا الطريق.
في يونيو/حزيران 2014، قاوم المقاتلون القبليون داعش في العلم، ولكن سرعان ما تراجعوا من موقع دفاعي جنوبي إلى آخر على بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال (أنظر الخريطة).[59] تقع منطقة العلي بين هذين الموقعين
الدفاعيين، وقال 3 من سكان العلي لـ هيومن رايتس
ووتش إنه بعد استعادة القوات الموالية للحكومة للعلم
في مارس/آذار 2015، اتهمت قوات المتطوعين
المحلية سكان العلي بعدم حمل السلاح لمحاربة داعش، وأنهم يشاركون التنظيم بالهدف، وأضافوا أنه يوجد في المنطقة أيضا منازل بعض الأسر التي انضم أعضاؤها في وقت لاحق إلى داعش.[60]
اعترف مسؤولون أن الميليشيا التي دمرت الممتلكات في العلي التي تعود إلى من يشتبه بتعاونهم مع داعش. قالوا إن هذا التدمير شكل من أشكال العقاب المماثل. في 28 مارس/آذار كتب زعيم عشائري سني محلي، الشيخ جاسم جبارة، تعليقا على صفحته في فيسبوك فيه اقتباس
من القرار القبلي: "إن أبناء العلم أنفسهم نفذوا تدمير
منازل الذين تعاونوا وتعاملوا مع الدولة الإسلامية".[61]
قال خليل جبارة، الزعيم السني للمتطوعين المحليين في قوات الحشد الشعبي، لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما "وجدت (قواته) عديداً من المنازل دمرتها الدولة الإسلامية" في العلم، "تم تنفيذ القرار القبلي" بتدمير منازل "مناصري داعش" في المنطقة.[62] في اتصال هاتفي، أكد جاسم جبارة من بغداد القرار القبلي، ولكنه ادعى أنه لم يُنفذ. جاسم جبارة هو رئيس لجنة الأمن في مجلس محافظة صلاح الدين، وهو منصب أمني هام في المحافظة.[63]
وقع التدمير في العلي خلال الأسبوع الممتد من 8 مارس/آذار، قبل أن يتمكن عديد من سكان البلدة من العودة.[64] بعض سكان العلي الذين دُمرت منازلهم على يد المقاتلين المتطوعين المحليين، غادروا بعد وقت قصير من سيطرة قوات داعش على منطقتهم في يونيو/حزيران 2014 ومن غير المرجح أن يكونوا متعاونين مع داعش.[65]
قال أحد سكان لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض سكان تكريت انتقلوا إلى العلم في يناير/كانون الثاني 2015 بشكل مؤقت، وسكنوا في شقق مؤجرة بسبب قيام داعش بالاعتقالات في تكريت بشكل متزايد.[66] بعض من سكان تكريت هؤلاء بقي في العلم حتى دخول الميليشيات الشيعية وقوات المتطوعين المحلية، وتحدثوا في وقت لاحق عن المنازل غير المدمرة المتبقية حتى ذلك الحين.
قال عدد من السكان لـ هيومن رايتس ووتش إن مقاتلي داعش دمروا بعض المنازل شمال العلم، وتحديداً منازل عشيرة جبارة (عائلة سنية) الذين اشتبه مقاتلو داعش بضلوعهم في التخطيط لانتفاضة ضد التنظيم في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.[67] تلك المنازل تقع شمال العلي. يُقدر عدد المنازل التي دمرها داعش في العلم من 37 إلى أكثر من 100.[68]
هناك روايات مختلفة عن معركة العلم التي وقعت في مارس/آذار 2015. يقول البعض إن داعش انسحب دون قتال، في حين تحدث آخرون عن معارك ضارية.[69] على حد علم هيومن رايتس ووتش، لا توجد روايات عن معارك أو قصف جوي في منطقة العلي الجنوبية، ولا يوجد دليل على معارك أو تفجير في الصور الجوية.[70]
وقال أحد السكان لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الميليشيا الرئيسية التي دخلت العلم تنتمي إلى فيلق بدر، ولكن عصائب أهل الحق كانت موجودة أيضا.[71] قال خليل جبارة زعيم المقاتلين السنة المحليين من الجبوري، الذين انضموا إلى القتال ضد داعش، إن عدد رجاله بلغ عدة مئات.[72]
نور (اسم مستعار) وهو من سكان العلي وعاد بعد وقت قصير من استرجاع المدينة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الجبوري المحلية قامت بالتدمير. ووفقا لنور، قال القائد في فيلق بدر بشكل صريح في لقاء خارج المحافظة إن هناك اتفاقا بين فيلق بدر وعصائب أهل الحق لحراسة الشوارع ولكن "الشؤون الداخلية" تُركت لمقاتلي الجبوري المحليين.[73] وقال أحد سكان العلم لـ هيومن رايتس إنه بعد دخول فيلق بدر وفي الوقت الذي وقع فيه تدمير البيوت، قال قيادي في فيلق بدر في العلم لثلاثة من أقارب نور، سعوا للعودة من مزرعة التجأوا إليها إلى منازلهم في العلي، إنه لا يمكنهم العبور بينما يتنقل مقاتلو الجبوري من منزل لآخر.[74]
تلقّت هيومن رايتس ووتش شهادات عن عديد من المنازل في العلي كانت سليمة عند دخول الميليشيات. قال رائد (اسم مستعار) الذي غادر بعد وقت قصير من سيطرة داعش على العلم، إنه تحدث مع مقاتل متطوع من قبيلة العزاوي، قال له إن منزله ظل على حاله. وبعد أسبوع واحد، قال رائد أن أصدقاء أبلغوه أن بيته وبيت شقيقته المجاور تم تفجيرهما.[75] وقال جلال (اسم مستعار) إنه اتصل هاتفيا بصديق من تكريت كان يستأجر بيته غير المتضرر كمستأجر حتى يوم قبل استرجاع المدينة. بعد عدة أيام أخبر أصدقاء محليين جلال أن منزله سُوّي بالأرض.[76]
بعد وصفهم بالمتعاونين مع داعش وتدمير منازلهم، ظل سكان العلي خائفين من العودة.[77] أحد الضحايا، الذي قدم شكوى في المحكمة ضد أطراف مجهولة لتدمير ممتلكاته، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن القاضي طلب منه تغيير "أطراف مجهولة" إلى "الدولة الإسلامية" إذا كان يأمل في الحصول على تعويض.[78]
تكريت
ركزت التغطية الإعلامية الدولية في القتال بمحافظة صلاح الدين بشكل كبير على معركة مدينة تكريت. يبلغ عدد سكان تكريت حوالي 150 ألفا في الأوقات العادية، وهي عاصمة محافظة صلاح الدين وتقع على الضفة الغربية لنهر دجلة على بعد 180 كيلومتر شمال بغداد. سيطر عليها تنظيم داعش في 11 يونيو/حزيران. خلال معركة تكريت، قصفت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة أهدافاً لداعش في المدينة. وردت تقارير إعلامية عن قتال شوارع شديد الضراوة، خصوصا في منطقة القادسية شمالي المدينة. استغرقت المعركة شهر مارس/آذار كله، واستمر القتال المتقطع حتى بعد أن أعلن رئيس الوزراء العبادي النصر خلال جولة في المدينة يوم 1 أبريل/نيسان.
أصر عدد من سكان تكريت على القول لـ هيومن رايتس ووتش، إنه وبصرف النظر عن القصف والقصف الجوي قبل دخول الجيش والميليشيات، تركز القتال أساسا في حي القادسية.[79]
رامي (اسم مستعار) عضو في فرقة شرطة طوارئ تكريت، عاد في أوائل أبريل/نيسان. قال رامي لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش دمر أيضا الممتلكات في تكريت خلال حكمه إياها مدة 9 أشهر، كما فعل قصف التحالف.[80] قال جاسم، رجل الأعمال المحلي، إن داعش فجر بين 10 و15 منزلا.[81] وقال عمرو، وهو عنصر في حماية أمن المرافق، إنه وجد منازل خاصة سليمة إلى حد كبير عندما دخل تكريت في 2 أبريل/نيسان. على مدى أسبوعين بعد ذلك خلال جولاته في المدينة، أحصى 279 منزلا تم تدميره على يد المليشيات، وأكثر من 400 متجر تم حرقه ونهبه.[82] قال عمرو إنه شهد شخصيا سلسلة هجمات إحراق متعمدة وتفجيرات.[83]
قال عمرو إن الميليشيات استهدفت منازل الطبقة العليا من المجتمع، ومعظمها لضباط الجيش والشرطة في القادسية.[84] قال محمود الذي غادر تكريت عشية سيطرة الميليشيات إنه كان على اتصال مع 14 أسرة عادت، وأشار أيضا إلى أن جميع المنازل تقريبا التي دمرتها الميليشيات تابعة لضباط الجيش السابقين.[85] غادر فادي تكريت في يونيو/حزيران 2014، وهو ينسق توثيق الأضرار التي لحقت بالمنازل في تكريت من خلال شبكة من العائدين. قال إن منزل شقيقته في منطقة الشهداء من القادسية نُسف بعد وصول الميليشيات، وكذلك منزل شاهين ياسين القريب، وهو قائد في القوات الجوية العراقية تقاعد عام 2001.[86]
قال رامي إنه شهد إحدى الميليشيات، سرايا خراسان، تحرق منزل في تكريت:
أحرقوا منزل شرطي عراقي أمام عينيّ، قلت لهم: "لكنه شرطي"، فردت الميليشيا "اهتم بشؤونك
الخاصة".[87]
أيدت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو المتاحة في المجال العام، التي التُقطت من الطائرات الأمركيية التي تعمل ضمن التحالف ضد داعش وراجعتها هيومن رايتس ووتش، أكّدت روايات السكان أن معظم التدمير الذي لحق بالمباني في الأسابيع ما قبل الاستيلاء على المدينة اقتصر على مناطق معينة[88]. ضربت هجمات التحالف في تكريت أثناء المعركة مبان معظمها غير سكنية، بما فيها ما تبقى من القصور الرئاسية من عهد صدام والتي احتلتها داعش مباشرة بعد السيطرة على المدينة في يونيو/حزيران 2014. تعرّفت هيومن رايتس ووتش من خلال صور الأقمار الصناعية وفيديوهات قمرة القيادة في طائرات التحالف على أكثر من 70 مواقع تم استهدافها في تكريت يتفق نمط تدميرها مع استخدام الذخائر الكبيرة، التي أسقطتها الطائرات بين أوائل فبراير/شباط وأواخر مارس/آذار 2015.
راجعت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية التي سُجلت ما بين 21 مارس/آذار و5 أبريل/نيسان وهي الفترة التي استولت فيها القوات الحكومية والميليشيات على المدينة، ووجدت دليلا على بداية حملة لهدم الأبنية في القسم السكني من حي القادسية في شمال تكريت.
من خلال صور التقطت بالأقمار الصناعية صباح 5 أبريل/نيسان، بعد عدة أيام من بدء التدمير المفترض، حدّدت هيومن رايتس ووتش 75 من المباني السكنية المدمرة ومسجد محلي مدمّر (ربما مسجد الفرقان)، وكذلك وجود 16 مركبة موزعة في مجموعتين رئيسيتين على طرفيّ حي القادسية الغربي والجنوبي.
كان شكل الضرر في جميع المباني يتفق مع استخدام كميات كبيرة من المتفجرات العالية. في حالة واحدة، حدّدت هيومن رايتس ووتش تصاعد أعمدة دخان من سقف مبنى منهار جزئيا، ما يدل على أن هدم المبنى وقع قبل فترة وجيزة من التقاط الصورة بواسطة الأقمار الصناعية صباح 5 أبريل/نيسان.
تظهر صور الأقمار الصناعية المسجلة في 26 مايو/أيار، أي بعد أقل من شهرين فقط من انسحاب داعش من تكريت، 90 مبنى سكني إضافي دُمّر على الأغلب بمواد شديدة الانفجار في المنطقة نفسها من القادسية، في وقت ما بعد صباح يوم 5 أبريل/نيسان.
نظراً للتقارب المكاني، والأساليب المماثلة المستخدمة، والنشر الواضح لعدة مركبات تابعة للميليشيات أو الحكومة في الموقع يوم 5 أبريل/نيسان، فمن المحتمل أن هذه المباني التي بلغ عددها 165 في حي القادسية تعرضت كليا للتدمير خلال واقعة أو حملة هدم واحدة في أوائل أبريل/نيسان، بدأت بعد الاستيلاء على المدينة في 1 إبريل/نيسان تقريبا. دمرت الحملة حوالي 75 مبنى صباح 5 أبريل/نيسان، ثم استمرت في الأيام التالية لتدمر 90 مبنى إضافي.
هناك عديد من التقارير عن وضع داعش عبوات ناسفة مموهة ككمائن في مدينة تكريت وحولها على طول الطرق، ولكن أيضا في المنازل والمباني العامة.[89] أبطأت معالجة هذه الكمائن تَقدم القوات الحكومية كما ذكرت التقارير. وهناك روايات عن إصابات ووفيات في صفوف أعضاء فرق التخلص من المتفجرات أثناء معالجتهم هذه الكمائن.[90] لا تشمل هذه التقارير الدمار الواسع الذي أصبح ظاهرا بعد دخول الميليشيات المدينة في أبريل/نيسان.[91] في 2 أبريل/نيسان على سبيل المثال، أكد اللواء شاكر جودت، رئيس الشرطة الاتحادية، أن "القوات العراقية نجحت أيضا في إزالة أكثر من 500 عبوة ناسفة مزروعة في شتى أنحاء [تكريت]، وكذلك الاستيلاء على 13 مصنع يستخدم لصنع مثل هذه العبوات".[92]
البوعجيل
تقع البوعجيل شرق تكريت مباشرة على الضفة الأخرى من نهر دجلة. سيطر عليها تنظيم داعش وقت استيلائه على تكريت يوم 11 يونيو/حزيران 2014 واستعادتها القوات الموالية للحكومة حوالي 8 مارس/آذار. يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي 60 ألفا. تظهر صور الأقمار الصناعية للبوعجيل دمارا واسعا في المباني المدنية. وتظهر الصور أن مساحات واسعة من المباني السكنية دُمرت هدما أو حرقا في كامل البوعجيل من 10 مارس/آذار وحتى 5 أبريل/نيسان.
في مقطع فيديو بتاريخ 9 مارس/آذار، يصرخ الشخص الذي يصور من داخل سيارة تتحرك، مرارا وتكرارا "احرقوهم! احرقوهم!"، مخاطبا رجال يرتدون الزي العسكري وهو يقول:" هذه منطقة البوعجيل، والتي هي الآن تحت سيطرة عصائب أهل الحق". ويظهر الفيديو تقريبا كل المباني التي مرت بها السيارة تحترق مع أعمدة دخان كبيرة تتصاعد إلى السماء.[93]
قابلت هيومن رايتس ووتش عقيل (اسم مستعار)، وهو رجل أعمال غادر البوعجيل عندما كانت تحت سيطرة داعش، لكنه بقي على اتصال مع عدد قليل من أهل السنة الذين تطوعوا في لجان الحشد الشعبي الموالي للحكومة. قال إنه سمع من هذه المصادر أنه بعد 3 أيام من دخول ميليشيا عصائب أهل الحق إلى البوعجيل بدأ عناصرها بإحراق المنازل على نطاق واسع. وقال إن هذا كان "انتقاما من جرائم داعش ضد الشيعة"، مضيفا "استهدفوا في البداية منازل فاخرة، ولكن في وقت لاحق دمروا منازل المزارعين الفقراء أيضا".[94]
النهب والقتل خارج القضاء في تكريت
قامت الميليشيات في تكريت أيضا بعمليات نهب كبيرة. محمد جاسم، رجل الأعمال الذي يدير متجرا كبيرا للأجهزة المنزلية، عرض صورا لـ هيومن رايتس ووتش للميليشيات وهي تنهب متجره وتشعل النيران به. وفي فيديو التُقط بتاريخ 31 مارس/آذار، يظهر أحمد الكريّم، رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، وهو يقوم بجولة في تكريت، وتظهر شاحنة بيضاء أمام متجر جاسم في حين يقوم رجال يرتدون بزّات موحدة ويقومون بتحميل الأجهزة.[95] أظهرت الصور التي التقطت في وقت لاحق وقدمها جاسم لـ هيومن رايتس ووتش، المحل بثلاثة طوابق فارغة ومحروقة.[96]
قال شهود إن الميليشيات الشيعية نفّذت أيضا ما يبدو أنها عمليات قتل خارج نطاق القضاء في تكريت. قال الشرطي رامي إنه بينما كان يقوم بدوريات في منطقة حي القادسية أوائل أبريل/نيسان، شاهد بضع عشرات من مقاتلي داعش يخرجون من المباني في مجموعات صغيرة ويستسلمون لمقاتلي الميليشيات الموجودين، أغلبهم من فيلق بدر وعصائب أهل الحق؛ أمكن التعرف عليهم من خلال شعاراتهم. وقال مقاتلو داعش إن طعامهم وذخيرتهم نفذا. جمعتهم الميليشيات خمسة في كل مجموعة تقريبا ووزعت السجناء في ما بينها. بعدها، قال رامي إنه رأى أعضاء الميليشيات يعدمون بعض سجناء داعش في الشارع أمام عينيه.[97]
في 3 أبريل/نيسان، شهد مراسلو رويترز في تكريت ضباط الشرطة الفيدرالية يطعنون حتى الموت شخص مشتبه بأنه مقاتل في داعش. رأى المراسلون أيضا الميليشيات الشيعية تنهب الممتلكات وتسحب جثة شخص مشتبه بأنه مقاتل في داعش خلف مركبة.[98]
خزعل الثويني ضابط سابق رفيع المستوى في الجيش ممن بقوا في تكريت تحت حكم داعش. وجده شرطي مقتولا بالرصاص على عتبة منزله، كما قال علي نجل الثويني لـ هيومن رايتس ووتش.[99] تحدثت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل مع غزوان ابن أخ الثويني الذي قال إن خزعل استجاب لمكالمة هاتفية صباح 28 مارس/آذار.[100] وقال علي إنه عندما اتصل في وقت لاحق من ذلك اليوم، أجابه شخص قال إنه من عصائب أهل الحق وإن والده بخير ولكنه نائم، وطلب رشوة على شكل رصيد للهاتف المحمول. قال رامي إن ضابط شرطة سمع عن مقتل الثويني بينما كان في تكريت، وإن الميليشيا تركت جثته في الشارع لمدة 4 أيام، ومنعت أي شخص من الاقتراب.[101]
شاركت عديد من الميليشيات في المعركة من أجل تكريت وانتشرت في المدينة. وقال رجال الشرطة المحلية إنهم رأوا مقاتلين من لواء علي أكبر وسرايا خراسان وكتائب حزب الله وجند الإمام وفيلق بدر بالإضافة إلى عصائب أهل الحق.
III. حالات الاحتجاز والاختفاء القسري
قام أربعة أشخاص تم اختطافهم وشاهد عيان وشخصان كانوا على اتصال بستة أشخاص آخرين اختُطفوا، باتهام قوات عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله بالاحتجاز غير القانوني لأفراد في المناطق الخاضعة لسيطرة هذين الطرفين في منطقة جلام الدور الريفية، شرقي مدينة الدور. كما تحمل تنظيم داعش مسؤولية اختطاف مدنيين، بما في ذلك أثناء اعتقالات جماعية، واحتجازهم لفترات مطولة، بحسب سكان من الدور والعلم وتكريت.
بحسب المزاعم، قامت قوات من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق في الفترة من 6 إلى 8 مارس/آذار باحتجاز أكثر من 200 شخص في منطقة جلام. من بين هؤلاء الناس، ما زال أكثر من 160 رجلاً وصبياً في عداد المفقودين، ويبدو أنهم قد تعرضوا للاختفاء القسري.[102]
يعُرف الاختفاء القسري بأنه احتجاز شخص من قبل مسؤولين بالدولة أو أعوانهم ثم رفض الإقرار باحتجاز الشخص أو الكشف عن مصيره ومكانه. يُعتبر المحتجزون سراً أكثر عرضة من الغير للقتل والتعذيب وغير ذلك من الانتهاكات، وتعاني عائلاتهم جراء عدم توفر المعلومات عنهم.
تعرّف ثلاثة شهود في عمليات اختطاف على شعارات عصائب أهل الحق المنقوشة على ثياب الجناة، وقالوا إنهم عرفوها إبان رؤيتها على شاشات التلفزة. وهناك صبي يبلغ من العمر 14 عاماً، تم احتجازه لمدة يومين برفقة مجموعة من النساء والأطفال من جلام الدور، وقد تمكّن من التعرّف على أحد قادة عصائب أهل الحق من صورة فوتوغرافية، وقال إن هذا الرجل كان موجوداً أثناء اختطافه.[103] وقد تعرف آخرون – منهم رجال شرطة – على قوات كتائب حزب الله في مسرح عمليات الاختطاف، وعلى وجود كتائب بدر في الأيام القليلة الأولى.[104]
وقال منير – وهو من سكان منطقة جلام الدور – إن قوات من عصائب أهل الحق دخلت إلى المنطقة في 6 مارس/آذار من دون قتال بعد مغادرة داعش بأيام.[105] وقال إنه كان هناك 600 شخص من حوالي مائة عائلة ما زالوا يقطنون في منطقة جلام. ينحدر الكثيرون من الدور، وقد التمسوا اللجوء في مناطق ريفية كانت أكثر أمناً قبيل المعركة المنتظرة في البلدة. وقال إنه لم تكن هنالك لا قوات شرطة ولا قوات أمن محلية أخرى.[106]
تباينت معاملة المحتجزين بحسب الميليشيا التي تحتجزهم وما إذا كانت مجموعة المعتقلين هذه أو تلك تضم رجالاً وصبية أقرب إلى سن الرشد.
اعتقالات عصائب أهل الحق
قام منير – وهو من سكان جلام الدور – بإمداد هيومن رايتس ووتش برواية تفصيلية عن عمليات اختطاف لمدة يومين بدءاً من 6 مارس/آذار، على يد قوات عصائب أهل الحق. أما غيث (اسم مستعار) وهو ساكن آخر، فقد أكد بشكل عام هذه الرواية.[107] قال منير إنه رحّب بالميليشيات وأعد لهم طعاماً، لكن قائد الميليشيات قال بغلظة: "نريد الانتقام من مذبحة كامب سبايكر. أنتم جميعاً من البوعجيل" مشيراً إلى القبيلة التي تقيم شمالي الدور، ويعتقد البعض أنها لعبت دوراً مع داعش في تلك المذبحة.[108] قال منير إن 11 رجلاً من رجال الميليشيات احتلوا منزله مساء يوم 6 مارس/آذار. في الليل، بعد انضمام ضباط استخبارات من الميليشيا إليهم، استجوبوا نحو ستة رجال في البيت، بزعم أنهم انضموا إلى داعش. قام أحد رجال الميليشيا بضرب منير على رأسه بكعب البندقية، ما أدى إلى نزيف في الأذن، وقال: "دعوني أذبحه"، لكن قائد الميليشيا تدخل، على حد قول منير.[109]
قال منير إنه نال بعض الحماية لأنه مذكور في بطاقة هويته العراقية أن مكان ميلاده هو منطقة الشعلة، وهي منطقة شيعية في بغداد. قال منير إنه عندما كانت قوات عصائب أهل الحق على وشك إعدام ابن عم له لأنهم وجدوا صورة لرغد صدام حسين على هاتفه، قام هو بالاتصال بشيخ شيعي من الشعلة كان يعرفه منذ طفولته، وتدخل الشيخ لإنقاذ ابن عمه.[110]
قال منير إن في ليلة 6 مارس/آذار تلك أخذه عناصر عصائب أهل الحق، ومعه الحاج خير الله وعبد الله مطلق، وهما من الجيران، وأربعة أشخاص آخرين من الدور، مسيرة نحو سبعة كيلومترات شرقاً باتجاه طريق البو خدو، من جلام إلى بيت سمير مخلف. وهناك كان سبعة أشخاص يستجوبون ثلاثة شبان، هم أبناء وربما أبناء أخ رجل يُدعى علي هاشم، وكان من الدور. قال منير إن المحققين القائمين بالاستجواب أرادوا أن يعترف الثلاثة بأنهم انضموا إلى صفوف داعش. قال منير إن العديد من الشبان من عشيرة البو خدو كانوا قد انضموا بالفعل إلى داعش قبل مجيء عصائب أهل الحق إلى المنطقة.[111]
قال منير إن المحقق الرئيسي كان طبيباً يبلغ من العمر 43 عاماً، وكان يطرح الأسئلة، في حين قام الآخرون بربط الثلاثة وضربهم. في نهاية المطاف قال الثلاثة إنهم من أعضاء داعش وورطوا معهم علي هاشم. قال منير إنه كان يعرف علي هاشم وأنه كان في واقع الأمر من أعضاء قوات الحشد الشعبي، التي قاتلت في المعركة ضد داعش.[112]
وفي ساعة مبكرة من صباح 7 مارس/آذار وصل رجل دين ينتمي إلى عصائب أهل الحق، وقال عنه منير إنه شاهده على شاشات التلفزة لكن لا يذكر اسمه، ومع وصوله أمر بربط الرجال السبعة الذين أُخذوا من جلام الدور الليلة الماضية – ومعهم 50 آخرين كانوا في البيت بالفعل وقد كانوا في حجرتين بالمنزل – ثم تعصيب أعينهم وتحميلهم في شاحنات سلفيرادو والمسير بهم.[113]
ومن تحت عصابة العين، رأى منير بنايات تبين منها أنهم ينتقلون إلى سامراء، وثم إلى بيت في قرية طيوب؛ شمالي سامراء مباشرة.[114]
قال منير إن هناك قام عناصر الميليشيا بضربهم وبضرب 17 محتجزاً من سامراء كانوا موجودين بالمكان بالفعل، وأجبروهم على الجلوس في وضع القرفصاء المجهد. بعد قليل، أمر رجل دين آخر – يبدو أنه على صلة بعصائب أهل الحق – بالوقوف في طوابير من أربعة، حفاة الأقدام، أمام البيت حيث تجمع أكثر من 20 شخصاً من وسائل الإعلام ومعهم كاميرات. قال قائد الميليشيا: "هؤلاء هم المسؤولون عن كامب سبايكر" ثم اصطحبهم بعيداً. عندما أمرهم عناصر الميليشيا بالوقوف لصق جدار، ظنّ منير لوهلة أنهم سوف يقومون بإعدامهم. لكن في تلك اللحظة وصل المحقق الأساسي، الطبيب، وقال إن هذه المجموعة التي قوامها 50 شخصاً لا تنتمي إلى داعش.[115]
قال منير إن أثناء الوقوف لصق الجدار رن الهاتف النقال الخاص بمحتجز آخر، وهو عبد الله مطلق، ويبدو أن رجال الميليشيا لم يكونوا قد عثروا عليه. أمر الطبيب مطلق بأن يجيب، لكن ألا يقول أي شيء. لكن سرعان ما قال مطلق للمتصل: "نحن في طيوب، في بيت مطشر السامرائي". فأنهى الطبيب المكالمة على عجل وأخذ مطلق معه. قال منير إنه كان بإمكانه هو والمحتجزين الآخرين سماع صرخات مطلق طوال المساء، وحتى انتصف الليل؛ وحينئذ عاد إلى الآخرين. كان مطلق يئن من الألم، ثم أخذه رجال الميليشيا مرة أخرى.[116]
في اليوم التالي – 8 مارس/آذار – وفد رجل دين آخر من قيادات الميليشيا وقال إنهم سوف يسلمون المحتجزين إلى سلطات سامراء. بعد ظهر ذلك اليوم، أثناء استقلال الشاحنات إلى سامراء، اقترب أحد المحققين السبعة من منير وقال له: "أخبر أسرة عبد الله مطلق أننا قضينا عليه. وجدنا رسالة على هاتفه مكتوب فيها: هزمنا الصفويين في بيجي".[117] يستخدم بعض السنة، وداعش تحديداً، مصطلح "الصفويين"، وهو مصطلح تاريخي لوصف الشيعة يحط من شأنهم. قال منير لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يسمع عن مطلق بعد ذلك قط، وأضاف أنه كان يعرف بشأن الرسالة النصية، التي قال إن أحد أقارب مطلق، كان قد انضم إلى داعش، أرسلها إليه في 2014. قال منير إن الشبان الثلاثة الآخرين الذين تعرضوا للضرب قد أُفرج عنهم فيما بعد.[118] وكان مصير الآخرين في المجموعتين، اللتين ضمت إحداهما أكثر من 50 رجلاً وكانت في بيت سمير مخلف، بينما كان قوام الأخرى 17 شخصاً احتجزوا في بيت قرية طيوب، معروفاً لدى إحالتهم إلى السلطات والإفراج عنهم.[119]
اعتقالات كتائب حزب الله
يُزعم أن كتائب حزب الله احتجزت مجموعات عدة من الأفراد من جلام الدور، ثم أفرجت عنهم بعد ذلك في مواقع مختلفة. وقت كتابة هذه السطور، كانت هناك مجموعة وربما اثنتين ما زالت رهن احتجاز كتائب حزب الله.
قال صبي يبلغ من العمر 14 عاماً كان محتجزاً يوم 6 مارس/آذار إن الميليشيات تحفظت عليه برفقة مجموعة قوامها نحو 50 امرأة وطفلاً بعد القبض عليهم ثم فصل الرجال عن النساء والأطفال. كانت الميليشيات مكونة من كتائب بدر وكتائب علي أكبر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، على حد قول الصبي، لكنه لم يتذكر أيّ ميليشيا منها كانت المسؤولة عن مجموعته. دخلت الميليشيات منطقة جلام بعد دخول الجيش النظامي مباشرة، والذي غادر بعد دخوله بقليل.[120]
روى الصبي كيف أن عناصر الميليشيا فتشوا النساء والأطفال وتحفظوا عليهم في حجرات ببيت من البيوت ليومين. ثم قام عناصر الميليشيا الذين قالوا إنهم من حزب الله، بأخذه وحده إلى منزل أكثر عزلة، كان فيه رجال آخرين تابعين للميليشيات، على حد قوله. هناك سألوه مراراً عن اسمه، وهو اسم شيعي شائع لكن يستخدمه السنة أيضاً. عندما أجاب، صاح فيه أحد الرجال: "لا، بل اسمك عمر!" مشيراً إلى اسم سني شائع نادراً ما يستخدمه الشيعة، على حد قول الصبي.[121]
في النهاية أعادوه إلى مجموعة النساء والأطفال. في اليوم التالي نقلت شاحنة جيش هذه المجموعة إلى مدينة سامراء، على مسافة 40 كيلومتراً تقريباً إلى الجنوب. استغرقت الرحلة القصيرة عدة ساعات، على حد قول الصبي، لاضطرار الشاحنة للانتظار عند نقاط تفتيش حزب الله. مع تقدم جندي الجيش من العربة لتفتيشها، كان الصبي يختبئ تحت البطانيات ووراء الأشخاص الآخرين، حتى لا يتم أخذه، إذ كان الاتفاق هو ترك النساء والأطفال الصغار يغادرون، دون غيرهم. في سامراء، استقبلهم كامل أشرف، وهو سياسي محلي، في بيته، ثم أرسلهم إلى بيوت أقارب في المدينة، على حد قول الصبي.[122]
قالت فاطمة (اسم مستعار) التي تنحدر من الدور، لـ هيومن رايتس ووتش إنها وأطفالها الثلاثة وفدوا إلى جلام الدور قبل انتقال الميليشيات إلى مناطق جلام بثلاثة أيام. قالت إن قوات بدر احتجزت جميع العائلات في البداية وفصلت الذكور عن الإناث، مع بقاء الصبية تحت 13 عاماً مع السيدات والفتيات. كانت في مجموعة من 25 سيدة وفتاة وصبياً تم فصلها عن مجموعة أخرى من الرجال والصبية الأكبر قوامها 17 فرداً. قالت إنهم عاملوهم معاملة جيدة، إلى أن جاءت قوات حزب الله في اليوم التالي فصادرت هواتفهن النقالة وأوراقهن الثبوتية، لكن لم تصادر مجوهرات السيدات.[123] كانت تعرف هوية الميليشيات من الرايات المرفوعة على عرباتهم.
قامت كتائب حزب الله في 7 مارس/آذار بتعصيب أعين الرجال وتقييد أيديهم، على حد قول فاطمة. ثم أخذوا الرجال في سيارة بيك آب طراز تويوتا والنساء في شاحنة طراز كيا إلى عيادة طبية في قرية نعيمة، على طريق تكريت طوز خورماتو، وكانت توجد هناك عائلات أخرى وقت وصولهم. ومع حلول منتصف نهار اليوم التالي تقريباً، أخذت عناصر الميليشيات الرجال، ومنهم شقيق زوج فاطمة وأبناء عم زوجها الذين ما زالوا مجهولي المصير.[124] تلك الليلة، أخذ عناصر الميليشيات نحو 70 سيدة وطفلاً وتركوهم مع بدو من المنطقة في الصحراء، على حد قول فاطمة. وهناك كانت وحدات من سرايا خراسان – وهي ميليشيا شيعية أخرى – وكانت هي المسؤولة، وقامت برعاية النساء والأطفال. عندما حاولوا العودة إلى الدور، منعتهم العناصر المتواجدة على نقاط تفتيش حزب الله على الطريق. قالت إنهم تمكنوا في النهاية من بلوغ سامراء.[125]
قالت فاطمة إن أحد الصبية أخبرها بأن حزب الله احتجزوه مع ذكور آخرين في مدرسة الحمراء في طيوب، شمالي مدينة سامراء مباشرة، واحتجزوا آخرين في "مبنى أصفر" في البلد، على مسافة 40 كيلومتراً جنوبي سامراء. وباستثناء الصبية التسعة المفرج عنهم، فما زال الرجال والصبية الآخرين في عداد المفقودين.
هناك رجل شرطة كان في الدور وجلام الدور بعد أيام من دخول الميليشيات إلى الدور، أخبر هيومن رايتس ووتش بأنه كان على اتصال بمجموعة من الصبية أفرج عنهم في أواخر أبريل/نيسان. قال رجل الشرطة إن أحد الصبية روى كيف تم احتجازه في "مبنى أصفر" غير مكتمل التشطيبات، على مسافة كيلومترين تقريباً من وسط بلدة البلد. قال الشرطي إنه وبحسب أقوال الصبي المفرج عنه، فقد مات ثلاثة سجناء في عهدة حزب الله.[126] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد هذه الوفيات.
في 21 مارس/آذار، قام ضياء الدوري – نائب البرلمان عن الدور – بإثارة مسألة مصير الرجال والصبية المائة وستين المفقودين، وذلك بشكل علني.[127] بحلول أواسط يونيو/حزيران لم يكن قد وصله أي رد على هذا الموضوع، كما أخبر هيومن رايتس ووتش. قال إنه لم يتم الاعتراف بأخذ الصبية والرجال المفقودين، أو الكشف عمن أخذهم أو إلى أين نُقلوا. قال الدوري إنه لجأ إلى رئيس قوات الحشد الشعبي في سامراء، ولجأ إلى مجلس صلاح الدين المحلي وإلى المحافظ ولجنة الأمن والدفاع البرلمانية، ومكتب رئيس الوزراء العبادي، على مدار الشهور السابقة.[128]
VI.المساعدات العسكرية الدولية المقدمة للعراق
فرض مجلس الأمن حظر أسلحة على العراق في أغسطس/آب 1990، وهو الحظر الذي تم تعديله، وكان التعديل الأخير بموجب قرار 1546 الصادر عام 2004، بحيث سمح بعمليات تسليم أسلحة إلى الحكومة العراقية، مع الاحتفاظ بالحظر على المستخدمين الآخرين للأسلحة في العراق.[129]
ولقد ذكر معهد ستوكهولم لدراسات السلم الدولية 20 دولة، منها الولايات المتحدة وإيران وروسيا وأوكرانيا وبولندا والمجر، أمدت العراق بأسلحة ومعدات وتدريبات عسكرية.[130] وكانت الولايات المتحدة مورد العتاد العسكري الأكبر للعراق.[131]
في حين تتطلب التشريعات الأمريكية قدراً كبيراً من المراقبة على الاستخدام النهائي للأسلحة والمعدات العسكرية، فليس من الواضح إلى أي مدى نفذت الحكومة الأمريكية هذه المتطلبات القانونية. ليس لدى هيومن رايتس ووتش معلومات حول ما إذا كانت هناك دول موردة أخرى تُطبق متطلبات من هذا النوع.[132] من الواضح أن هناك ميليشيات عراقية غير نظامية متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتشمل بعض الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير، قد استعملت أسلحة أمريكية وإيرانية في عملياتها.
في القرار 1747 الصادر عام 2007 فرض مجلس الأمن حظراً على نقل "أي أسلحة أو عتاد ذي صلة"، وهو القرار المطبق إلى الآن.[133] لكن إيران قدمت مساعدات عسكرية للعراق على هيئة عتاد وتدريبات وخبرات عسكرية. في فبراير/شباط 2015 أفادت صحيفة الغارديان نقلاً عن مسؤول عسكري إيراني أن إيران أمدت العراق بما قيمته 16 مليار دولار من المنقولات العسكرية منذ يونيو/حزيران 2014.[134] وفي فبراير/شباط 2014 ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن مراسليها رأوا عقوداً بمبيعات أسلحة إيرانية للعراق بقيمة 195 مليون دولار.[135] حسب تقارير على موقع Bellingcat.com ودورية "جان ديفينس" الأسبوعية، يبدو أن إيران أمدت الجيش العراقي وميليشيات شيعية وقوات البشمركة الكردية بدبابات روسية الصنع معدلة في إيران طراز T72، وسيارات جيب طراز سفير، وبنادق قناصة "صياد"، فضلاً عن معدات أخرى.[136]
بحسب وكالة التعاون الأمني التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، فقد أمد الجيش الأمريكي العراق بذخائر ومقذوفات ومركبات مصفحة وطائرات مقاتلة طراز إف 16 وقطع غيار دبابات أبرامز M1A1.[137] قامت الحكومة الأمريكية بتدريب 11 ألف عنصر من وحدات الجيش العراقي الجديد ومن وحدات مقاتلي العشائر.[138] بحسب مقال نُشر في مارس/آذار 2015 في "نيوزويك"، قال مسؤولون أمريكيون إن الحكومة جمدت نقل الأسلحة والعتاد العسكري لبعض الوحدات العسكرية العراقية، لكن الحكومة الأمريكية لم تقدم أية معلومات إضافية، رغم القوانين التي تُلزم الحكومة بالكشف علناً عن المعلومات الخاصة بالوحدات الخاضعة للتجميد "بالقدر الأقصى الممكن عملاً".[139]
يُلزم قانون الرقابة على صادرات الأسلحة الأمريكي الحكومة بأن تضطلع بالمراقبة بحيث تبقى القوات الحكومية العراقية هي الجهة الحاصلة على المنقولات العسكرية الأمريكية المقدمة للعراق.[140] لكن الحكومة الأمريكية لا توفر إلا تقارير مبسطة وضحلة عن نتائج مراقبة الاستخدام النهائي (برنامج بلو لانترن التابع لوزارة الخارجية)، وليس من الواضح إن كانت الحكومة الأمريكية قد حققت في استعمال ميليشيات عراقية غير نظامية متورطة في انتهاكات – منها الانتهاكات الموصوفة في التقرير – لأسلحة أمريكية. ورد في التقرير السنوي لوزارة الخارجية لعام 2014 حول البرنامج أن المحققين قد بحثوا في 48 حالة خرق محتمل للاستعمال النهائي لمعدات عسكرية أمريكية في منطقة الشرق الأدنى، وأوصوا بإنهاء أو تعديل النقل العسكري في 13 حالة.[141] لم تعلن الحكومة الأمريكية مزيداً من التفاصيل عن الدول أو الجهات المستقبلة أو أنواع المنقولات العسكرية المعنية، بما في ذلك على سبيل المثال ما إذا كانت التحقيقات تشتمل على ميليشيتين شيعيتين بارزتين مدعومتين من الحكومة الإيرانية، وهما كتائب حزب الله وكتاب بدر، بعد نشر مقاطع فيديو وصور تزعم الكشف عن ميليشيات لديها معدات عسكرية أمريكية، منها دبابات أبرامز M1.[142]
كما أن قانون المساعدات الأجنبية يطالب الحكومة الأمريكية بتجميد المساعدات المقدمة لوحدات متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.[143] فضلاً عن أن مشروع قانون مخصصات الميزانية الدفاعية لعام 2016 الصادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي – إن كان سيتحول إلى قانون – يستدعي فيما يخص الحاصلين على المنقولات العسكرية ضمن بنود "صندوق تدريب وتجهيز العراق" بواقع 1.6 مليار دولار "التدقيق [معهم] بالقدر المناسب بما في ذلك – على الأقل – من خلال عمل تقييم للعناصر لمعرفة ما إذا كانت على صلة بجماعات إرهابية أو جماعات على صلة بالحكومة الإيرانية، وأن يتم الحصول على تعهدات من هذه العناصر بتعزيز احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون".[144]
على ضوء الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات الموالية للحكومة العراقية التي يوثقها هذا التقرير وغير ذلك من الانتهاكات، فإن الحكومات التي تقدم مساعدات عسكرية للعراق يجب أن تحث العراق على وتدعمه في إجراء إصلاحات ملموسة قابلة للإثبات من أجل محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، وعلى مسار دمج الميليشيات الموالية للحكومة في هيكل قيادة مركزية يخضع لإشراف ورقابة مدنية، وضمان التزام هذه القوات بالكامل بالقانون الدولي الإنساني. يتعين على هذه الحكومات أن تطالب العراق بالإبلاغ علناً – بنهاية سبتمبر/أيلول 2016 – عن التقدم المحرز على طريق تنفيذ هذه الإصلاحات، وبعد ذلك عليها تجميد المساعدات والمبيعات العسكرية بالقدر المواكب للثغرات التي ستبقى قائمة في تنفيذ الحكومة العراقية لهذه الإصلاحات.
V. معايير القانون الدولي
يحكم القانون الدولي الإنساني (أو قوانين الحرب) القتال في النزاعات المسلحة غير الدولية، مثل النزاع القائم بين القوات الحكومية العراقية والميليشيات المدعومة من الحكومة على جانب، والجماعات المعارضة المسلحة مثل داعش على الجانب الآخر. يُلزم هذا القانون جميع الأطراف؛ سواء كانت من الدول أو جماعات مسلحة غير تابعة لدول.[145]
تتحمل الحكومة العراقية مسؤولية القوات الخاضعة لسيطرتها الفعلية. ولقد أشارت إلى أن الميليشيات الشيعية هي قوات ذات مشروعية ويعترف بها القانون. في 7 أبريل/نيسان 2015 ضُمت الحكومة العراقية قوات الحشد الشعبي إلى القوات التابعة للدولة، التي تأخذ أوامرها من رئيس الوزراء العبادي بصفته رئيساً للأركان.[146] بعد أيام من استعادة تكريت، أصدر العبادي دعوة لتوقيف القائمين بأعمال النهب. ويبدو أنه كان يشير تحديداً إلى الميليشيات الشيعية.[147]
تشتمل قوانين الحرب الخاصة بالنزاعات المسلحة غير الدولية على المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والتي تنص على المعاملة الإنسانية للمدنيين والمقاتلين الأسرى. ويُحظر القتل والتعذيب والمعاملة القاسية.[148] كما يُحظر الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.[149]
منصوص على القواعد الخاصة بأساليب ووسائل القتال بالأساس في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف (البروتوكول الأول).[150] تعكس أغلب بنود البروتوكول الأول القانون الدولي العرفي المنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية.[151]
ويقع في القلب من قوانين الحرب مبدأ التمييز، وهو المبدأ الذي يطالب أطراف النزاع بالتمييز طوال الوقت بين المقاتلين والمدنيين. لا يمكن توجيه العمليات إلا ضد المقاتلين والأعيان العسكرية الأخرى. أما المدنيون والأعيان المدنية فلا يمكن أن يكونوا أهدافاً للهجمات.[152] الأعيان المدنية هي كل الأشياء التي لا تعتبر أعياناً عسكرية. والأعيان العسكرية هي تلك الأعيان "التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة". وتبقى الأعيان المدنية خاضعة للحماية من الهجمات ما لم تكن وقت مهاجمتها أعياناً عسكرية.[153]
على أطراف النزاع أثناء الاقتتال بذل رعاية متواصلة من أجل تفادي السكان المدنيين والأعيان المدنية.[154] مطلوب منها – تلك الأطراف – اتخاذ احتياطات من أجل تجنب إحداث الخسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية، وذلك بصفة عرضية، وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.[155]
تحظر قوانين الحرب تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورة الحرب.[156] وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر في "التعليق" على البروتوكولات الإضافية الضرورة العسكرية أو ضرورة الحرب بصفتها "حتمية التدابير اللازمة لتحقيق أهداف الحرب، والتي هي قانونية بموجب قوانين وأعراف الحرب".[157]
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الدمار واسع النطاق اللاحق بالممتلكات من قبل الميليشيات الموالية للحكومة في الحالات المعروضة تفصيلاً في هذا التقرير كان انتهاكاً ظاهراً للحظر على تدمير الأعيان المدنية. لم تظهر أدلة على أن ذلك التدمير كان يستوفي متطلبات الضرورة العسكرية. إنما يبدو أن الميليشيات دمرت الممتلكات بعد انتهاء القتال في المنطقة وبعد أن فرت عناصر داعش، ولم يكن تجدد القتال وشيكاً.
تُعدّ الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، المرتكبة بقصد إجرامي، جرائم حرب. وتشمل جرائم الحرب "تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورة الحرب"،[158] والعقاب الجماعي، ويُعرف بصفته فرض عقوبات أو مضايقات من أي نوع على أساس جماعي وليس على أساس المسؤولية الفردية.[159] ويمكن أيضاً أن يمثل الاختفاء القسري جريمة حرب، وإذا تم تنفيذه كسياسة دولة أو سياسة منظمة بشكل واسع أو ممنهج، فهو إذن يعتبر جريمة ضد الإنسانية.[160]
وبمقتضى قوانين الحرب، يترتب على الدول واجب التحقيق في جرائم الحرب المزعوم ارتكابها على يد عناصر قواتها المسلحة والأفراد الآخرين الخاضعين لولايتها. يمكن تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية جراء محاولة ارتكاب جريمة حرب، وكذا جراء تقديم العون أو التحريض أو المساعدة أو الحث على جريمة حرب. كما يمكن أن تقع المسؤولية على الأفراد الذين خططوا أو حرضوا على ارتكاب جريمة حرب.[161] ويمكن ملاحقة القادة العسكريين والمدنيين قضائياً على جرائم الحرب من واقع مسؤولية القيادة، إذا كان القائد المعني قد علم أو يفترض أن يكون قد علم بارتكاب جرائم الحرب ولم يتخذ تدابير كافية لمنعها أو لمعاقبة المسؤولين عنها.[162]
يجب أن يخضع من تتبين مسؤوليتهم للملاحقة القضائية النزيهة أمام محاكم تستوفي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.[163] كذلك تطالب قوانين الحرب الدول بتقديم التعويض الكامل لضحايا انتهاكات جرائم الحرب.[164]
كما أن القانون الدولي لحقوق الإنسان – ويشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد صدق العراق على العهدين – يبقى منطبقاً أثناء النزاعات المسلحة. يكفل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لجميع الأفراد الحقوق الأساسية التي تماثل العديد من تدابير الحماية المكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني، وتشمل الحماية من التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وعدم التمييز والحق في المحاكمة العادلة للمتهمين بجرائم.[165]
أصبح العراق في عام 2010 دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والذي يشمل "الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها".[166]
يتصدى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – من بين جملة حقوق – للحق في المأوى، وينص على قواعد تعالج إخلاء السكان وتدمير المنازل.[167] يستحق المهددون بإجلائهم عن مساكنهم خارج إطار أعمال الاقتتال أن يحصلوا على إخطار مسبق قبل فترة كافية، والتشاور معهم بشكل حقيقي، وإمدادهم بتعويضات مناسبة أو إسكان بديل.[168]
ثم إنه وبالإضافة إلى انتهاكات قوانين الحرب التي ارتكبتها الميليشيات المدعومة من الحكومة في الحالات المعروضة في التقرير؛ فمن الواضح أن هذه القوات قد خالفت أيضاً القانون الدولي لحقوق الإنسان، في ما يتعلق بحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاختفاء القسري والتدمير غير القانوني للمنازل.
شكر وتنويه
أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. قام جوش ليونز محلل صور القمر الصناعي في هيومن رايتس ووتش بإجراء تحليل لصور القمر الصناعي الواردة في التقرير. وراجع التقرير وحرره كل من جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتوم بورتيوس نائب مدير البرامج. وقدم جيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات، المراجعة القانونية.
عاون في الإنتاج المنسق بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سركيس بلخيان. أعد التقرير للنشر كل من كاثي ميلز أخصائية المطبوعات وفيتزروي هوبكنز المدير الإداري.
قام المصور الصحفي الحر ماني بإنتاج كل الصور والمقاطع المستخدمة في الوسائط المتعددة المصاحبة للتقرير. قامت بتصميم التقرير والخرائط غرايس تشوي مديرة المطبوعات.
تتقدم هيومن رايتس ووتش بكل الشكر للأفراد الذين أطلعونا على تجاربهم وخبراتهم، والتي من دونها كان إعداد التقرير ليصبح مستحيلاً. كما وأمدنا أفراد في حالات عدة بمعلومات رغم مخاطر شخصية جمة تهددهم وفي ظروف شديدة الصعوبة.