Skip to main content

على إيران التوقف عن استهداف المحامية الحقوقية

القبض على ستوده والحظر المفروض عليها لا يُبشران بالخير لمهنة المُحاماة

(بيروت) –  الحكومة الإيرانية التوقف عن احتجاز ومُضايقة المحامية الحقوقية البارزة، نسرين ستوده، والسماح لها بممارسة حقها في المُعارضة والتجمع السلميين. وينبغي على المسؤولين إنهاء تدخلهم في الشؤون الداخلية لنقابة المحامين الإيرانية، وعلى الحكومة والنقابة أن يضمنا عدم تعرض أي محامٍ للتأديب جراء دفاعه عن موكليه، وأن تتسم جلسات الاستماع التأديبية بالنزاهة والاستقلالية.

وكان رضا خندان، زوج ستوده، قد أخبر هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن ألقت القبض عليها وعلى 10 آخرين على الأقل، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، أثناء محاولتهم التجمع السلمي أمام وزارة الداخلية احتجاجاً على الموجة الأخيرة من الاعتداءات بمواد حارقة؛ والتي استهدفت النساء في وسط مدينة أصفهان في وسط البلاد. وكانت مظاهرات واسعة قد اندلعت ضد هذه الاعتداءات في أصفهان في 22 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "توحي المُضايقة والاستهداف الحكومي الموثق جيداً لنسرين ستوده؛ الذي يتضمن إدانتها ومُحاكمتها على نحو غير قانوني، توحي بتورط الحكومة التام في منعها من ممارسة عملها كمحامية. إن مُضايقة محامية مرموقة؛ تدافع عن حقوق الإنسان بشكل سلمي لا يضيف سوى المزيد من الإهانة إلى القضاء عقب حبسها جراء دفاعها عن موكليها".

وقال خندان إن المجموعة تجمعت في البداية أمام نقابة المحامين في طهران كي تحتج على قرارها الأخير بوقف ستوده عن ممارسة المحاماة لمدة 3 سنوات، إلا أن المجموعة حاولت قرب الظهيرة أن تنضم إلى مُظاهرة أمام وزارة الداخلية. أطلقت السلطات سراح الآخرين بعد وقت قصير من إلقاء القبض عليهم، إلا أنها قامت بنقل ستوده إلى مركز احتجاز تابع لوزارة الاستخبارات في طهران؛ حيث قاموا باحتجازها لمدة 7 ساعات، حسب ما أخبرت ستوده هيومن رايتس ووتش عقب إطلاق سراحها. كما قالت ستوده إن رجال الأمن قاموا بتهديدها مرة واحدة بتوجيه تهمة الحرابة، أو"مُعاداة الله" إليها، وهي تهمة من شأنها أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام، وأنهم حاولوا أن يعصبوا عينيها عُنوة إلا أنها قاومت.

ومنذ أن بدأت الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الاعتداءات بإلقاء مواد حارقة على غير المُحجبات، قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على عشرات المتظاهرين واحتجازهم في أصفهان وطهران، من بينهم مُصور صحفي يعمل لدى وكالة أنباء الطلبة الإيرانيين شبه الرسمية أثناء قيامه بتغطية الاحتجاجات. كما وردت تقارير عن استخدام الأمن لقنابل الغاز المُسيل للدموع والهراوات لتفرقة المُتظاهرين. وقد أعرب المتظاهرون عن تعاطفهم مع الضحايا، وشعورهم بالإحباط لما اعتبروه رد فعل غير متناسب من الحكومة على الاعتداءات. وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت السلطات عن قيامها بإلقاء القبض على 4 أشخاص على صلة بالاعتداءات، إلا أنها أطلقت سراحهم فيما بعد لعدم كفاية الأدلة.

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2014، أخبرت لجنة الانضباط في النقابة ستوده أنها أوقفت ترخيص ممارسة المحاماة الخاص بها لأن محكمة ثورية أدانتها على خلفية اتهامات غامضة تتعلق بالأمن القومي في 2011. وعلى الحكومة ونقابة المحامين أن يضمنا قدرة المحامين على الاستمرار في ممارسة مهنتهم بحرية دونما تمييز على أساس الرأي السياسي، وألا يتأثر أي محامٍ على نحو سلبي أويتعرض للعقاب جراء ممارسة مهنته والدفاع عن موكليه، بحسب هيومن رايتس ووتش.

أخبرت ستوده هيومن رايتس ووتش أن المجلس التأديبي لنقابة المحامين الإيرانية قام بفرض الحظر عليها بضغط من مسؤولي الأمن والاستخبارات والهيئة القضائية. وكان حُكم المحكمة الثورية الصادر في سبتمبر/أيلول 2011، عقب مُحاكمة غير عادلة، قد أدى إلى حبسها 6 سنوات وحظر مُمارستها لمهنة المُحاماة لمدة 10 سنوات. وتم إطلاق سراحها دون تفسير في 18 سبتمبر/أيلول 2013. وقد نجمت اتهامات تهديد الأمن القومي، التي أدت إلى حبسها، نجمت فقط عن ممارستها السلمية لحقوقها الأساسية وحماسها في الدفاع عن موكليها، ومن بينهم العديد من نُشطاء حقوق الإنسان.  

وأخبرت ستوده هيومن رايتس ووتش أنها مثلت أمام المجلس التأديبي لنقابة المحامين الإيرانية في 30 سبتمبر/أيلول لكي تدافع عن نفسها ضد شكوى تقدم بها مكتب المدعي العام لمدينة طهران، التي هدفت إلى منعها من ممارسة المُحاماة. وفي مُقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانيين شبه الرسمية، قالت ستوده إن مسؤولي نقابة المُحامين "كانوا قد أخبروها مراراً أنهم يتعرضون لضغط لوقف رخصة ممارسة المهنة الخاصة [بها]"، و"تمادوا إلى درجة أنهم اقترحوا [عليها] أن تقوم بتسليم الرخصة الخاصة [بها] طواعية، وهو ما رفضته".

وبموجب القانون الإيراني، يحق لمكتب المُدعي العام، إن لم يكن لزاماً عليه، أن يتقدم بشكوى أمام نقابة المحامين الإيرانية يطلب فيها وقفاً مؤقتاً لترخيص ممارسة المهنة الخاص بأحد المحامين إذا تمت توجيه اتهام إليه، وإلغاء الترخيص إذا تمت إدانته بارتكاب جريمة.

وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على ستوده في 4 سبتمبر/أيلول 2010، وحكمت عليها الدائرة 26 لمحكمة طهران الثورية بالحبس لمدة 11 عاماً، ومنعها من ممارسة مهنة المحاماة لمدة 20 عاماً في يناير/كانون الثاني 2011. ومن بين الاتهامات التي تم توجيهها إلى ستوده "العمل ضد الأمن العام"، و"الدعاية ضد الدولة"، و"الانضمام إلى مركز المُدافعين عن حقوق الإنسان"؛ المنظمة التي أسستها شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وعدد من المحامين الآخرين. وفي 14 سبتمبر/أيلول 2011، قامت الدائرة 54 من محكمة استئناف طهران الثورية بتخفيف الحكم الصادر بحق ستوده إلى 6 سنوات، وقلصت الحظر القانوني على ممارسة المهنة لمدة 10 سنوات. وقامت السلطات حينها بحظر وإغلاق مركز المدافعين عن حقوق الإنسان في عام 2008.

وأخبرت ستوده هيومن رايتس ووتش أنها لم تشرع في استئناف قرار المجلس التأديبي لأن القضية قد تُعرض أمام مجلس إشرافي يتكون من قضاة يتم تعيينهم من قِبل الحكومة -وأعضاء من ذات الهيئة القضائية التي أدانتها وحكمت عليها ظلماً- بدلاً من مثولها أمام لجنة تتكون من محامين ومن نظرائهم. وأكدت ستوده ومحامون آخرون أن نقابة المحامين الإيرانية هي الجهة صاحبة السلطة القانونية في فرض حظر على المُحامين، وليس المحاكم الثورية.

لن تستأنف ستوده القرار، ومع ذلك قالت: "أنا أعتزم بالفعل، رغم ذلك، أن أمارس حقوقي المدنية وسوف أعتصم أمام نقابة المحامين احتجاجاً على هذا القرار".

وقبيل إلقاء القبض عليها في 25 أكتوبر/تشرين الأول، كانت ستوده ومؤيدوها يتجمعون أمام نقابة المحامين، على نحو منتظم، منذ صبيحة يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، دون وقوع حوادث أوتدخل من السلطات. وكانت قد انضمت إلى عدة احتجاجات مُنفصلة دعماً لضحايا الاعتداءات بماء النار. وطالبت ستوده، كجزء من احتجاجها، المسؤولين بإزالة العوائق والحواجز القانونية التي تقوض استقلال نقابة المحامين الإيرانية، وتعوق المحامين عن الدفاع عن المُعارضين السياسيين وغيرهم أمام المحاكم الإيرانية.

ورفضت اللجنة الفرعية الأولى للمجلس التأديبي التابع لنقابة المحامين في 30 أغسطس/آب، شكوى تقدم بها مكتب مُدعي طهران العام تهدف إلى وقف رخصة المُحاماة الخاصة بها مؤقتاً. وقالت ستوده إنها اندهشت لقيام نقابة المحامين بمناقضة نفسها بعد مثل هذا الوقت القصير عن طريق قيامها فرض حظر عليها لمدة 3 سنوات.

لقد انتقص مسؤولو السلطة القضائية من استقلال نقابة المحامين الإيرانية عن طريق وسائل عدة في السنوات الأخيرة، مثل منع المحامين من تولي مناصب رفيعة بناءً على ما نُسب إليهم من آراء سياسية ونشاطات سلمية دفاعاً عن حقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال، قامت السلطة القضائية باستبعاد فريده غيرت، ومحمد على دادخواه، وعبد الفتاح سلطاني –كل أعضاء مركز المُدافعين عن حقوق الإنسان- من الترشح في الانتخابات لمجلس النقابة المركزي على خلفية نشاطهم كمدافعين عن حقوق الإنسان. ومن شأن مشروع القانون الشامل لأعمال المحامين والمُحاماة؛ وهو مشروع قانون مطروح أمام البرلمان الإيراني، من شأنه أن يزيد من انتقاص استقلال نقابة المحامين الإيرانية، وأن يمنح السلطة القضائية قدراً أكبر من الصلاحيات لتنظيم ومُعاقبة أعضاء المهنة القانونية. 

ولقد واكب تآكل استقلال نقابة المحامين الإيرانية مع ممارسات المسؤولين المتزايدة ضد محامي حقوق الإنسان منذ عام 2005، وخاصة في أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009. وأصدرت السلطة القضائية، في الأعوام القليلة الماضية، أحكاماً قاسية بالحبس جراء اتهامات مماثلة تتعلق بالأمن القومي، بحق محامين حقوقيين بارزين مثل محمد سيف زاده، وسلطاني، ودادخواه، بينما أخلت سبيل آخرين بكفالة مالية؛ مثل، خليل بهراميان، لينتظروا نتائج الطعون التي تقدموا بها خارج السجن. وكان كل من رئيس السلطة القضائية، محمد آية الله صادق لاريجاني، وجواد لاريجاني، رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للسلطة القضائية، كانا قد اتهما علناً محامين مثل ستوده بالإضرار بسمعة الحكومة في مُقابلات مع وسائل إعلام ناطقة باللغة الفارسية في الخارج.

وكان عدد من المحامين المعروفين، مثل عبادي، ومحمد مصطفائي، وشادي صدر، قد غادروا البلاد جراء الاعتقالات المُكررة، والاحتجاز، والمُضايقات منذ عام 2009.

وتنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحامين على أنه يجب السماح للمحامين بالقيام بعملهم "دون ترهيب، أوإعاقة، أومضايقة، أوتدخل غير مشروع". وتؤكد المبادئ الأساسية على حق المحامين في حرية التعبير، والتي تكفلها أيضاً المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومن بينها "الحق في المُشاركة في المناقشات العامة لما يتعلق بالقانون وإقامة العدالة وتعزيز وحماية حقوق الإنسان". ولقد صدقت إيران على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأصبحت مُلتزمة ببنوده.

وتُلزم المبادئ الأساسية للأمم المتحدة الحكومات والنقابات المهنية للمحامين بأن تكفل إمكانية التحاق المحامين بالمهنة، والاستمرار في ممارستها دون تمييز، بما في ذلك التمييز على أساس الآراء السياسية أوغيرها من الآراء. ويتطلب الأمر من الحكومات والنقابات المهنية أن تضمن قدرة المحامين على ممارسة مهنتهم دون ترهيب أوتدخل غير مشروع. كما يتطلب أيضاً من الحكومات أن تضمن قيام النقابات المهنية بأداء عملها دون تدخل خارجي.

قال إريك غولدستين: "يُعد الحظر المفروض على ستوده بمثابة حالة اختبار هامة في تحديد استقلالية مهنة المُحاماة في إيران، وقدرة المحامين المُدافعين عن حقوق الإنسان على أداء عملهم مُستقبلاً. وإذا تم السماح للجهات الأمنية والسلطة القضائية الإيرانية بأن تستأسد على نقابة المحامين لدرجة فرض حظر على محامية بارزة استناداً إلى إدانة غير عادلة بالكلية، فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أنهم سيتوقفون عند هذا الحد".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.