Skip to main content
تبرعوا الآن

ليبيا: يجب التعجيل بإصلاح المنظومة العدلية

ينبغي أن تتولى السلطات بنفسها مسؤولية المحتجزين وأن تحقق في انتهاكات المليشيات

 

(طرابلس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي على الحكومة الانتقالية في ليبيا التسريع بإدخال الإصلاحات اللازمة لتحسين وضعية حقوق الإنسان وسيادة القانون بعد 42 سنة من الديكتاتورية و ثمانية أشهر من الحرب.

عملت هيومن راتس ووتش في ليبيا لمدة أسبوعين ابتداءً من 6 ديسمبر/كانون الأول 2011 لتقييم وضعية حقوق الإنسان تحت إدارة الحكومة الجديدة. والتقت بعثة هيومن رايتس ووتش بمصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، وعبد الرحيم الكيب، رئيس الوزراء، ووزير العدل، والنائب العام، ونائب وزير الخارجية، ورئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي أنشئت حديثًا. كما التقت البعثة بمحامين وقضاة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وسجناء سياسيين سابقين.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش وهي التي ترأست البعثة أثناء عملها في طرابلس ومصراتة: "تواجه الحكومة الانتقالية في ليبيا تحديات كبيرة. يجب عليها الإسراع في إجراء الإصلاحات. نحن قلقون من إشراف المجموعات المسلحة على المعتقلين خارج إطار القانون، ونؤكد على ضرورة التعجيل بسنّ قوانين جديدة تحمي حرية التجمع والتعبير".

وأكدت هيومن رايتس ووتش على ثلاثة مجالات تستوجب رعاية مُلحة من طرف الحكومة، اثنان منها تتطلب تركيز منظومة عدلية جنائية.

(1) ضمان معاملة المعتقلين عملا بالقانون الجنائي الحالي وتقديم كل معتقل إلى العدالة. هذا الإجراء يقتضي إعادة إدماج المجموعات المسلحة ونقل آلاف المعتقلين إلى مراكز احتجاز تشرف عليها الدولة مع وجوب التسريع في مراجعة وضعهم القانوني، ومن ثمة توجيه تهم جنائية محددة لهم أو إطلاق سراحهم.

(2) ضمان فتح تحقيقات جنائية سريعة وشفافة ومستقلة في المزاعم المتعلقة بانتهاكات ارتكبتها القوات المناوئة للقذافي، مثل ما بدا أنه إعدام لـ 53 شخصًا في سرت في أكتوبر/تشرين الأول، والمضايقات التي مازال يتعرض لها سكان تاورغاء. ويجب أن تؤدي هذه التحقيقات إلى محاكمة كل شخص يثبت تورطه في هذه الجرائم.

(3) إصلاح القوانين التي تقيد حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك القانون الجنائي، وقانون النشر، وقانون الجمعيات، والنصوص القانونية المتعلقة بالحق في التجمع.

وقالت سارة ليا ويتسن: "تُعتبر سيادة القانون من أعلى الأولويات في ليبيا، ولكن تحقيقها لن يكون سهلا في وجود مجموعات مسلحة تعمل خارج إطار مراقبة الدولة ووجود معتقلين خارج إطار القانون. بعد أن انتهى النزاع، يجب على الدولة بشكل خاص التأكد من أنها تشرف بنفسها على المعتقلين والإسراع بمراجعة وضعهم القانوني ومن ثم توجيه تهم إليهم أو إطلاق سراحهم".

زارت هيومن رايتس ووتش سيف الإسلام القذافي في الزنتان في 18 ديسمبر/كانون الأول. وقالت المنظمة إن حالته البدنية بدت جيدة، لكن على الحكومة الانتقالية الليبية أن تتيح له بشكل عاجل مقابلة محامي.

المجموعات المسلحة والمحتجزين والتحقيق في الانتهاكات

استنادًا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوجد في ليبيا الآن ما يقارب ثمانية آلاف وخمسمائة محتجز موزعون على ما يقارب 60 مركز احتجاز في جميع أنحاء البلاد. وتقول الحكومة إنها أصبحت تشرف بشكل تدريجي على المعتقلين، ولكن أغلب المعتقلين لا يزالوا تحت سيطرة المجموعات المسلحة بعيدا عن مراقبة الدولة ودون وجود تكليف قانوني لتلك المجموعات باحتجازهم. وقال رئيس الوزراء، ووزير العدل، والنائب العام لـ هيومن رايتس ووتش إن تحويل المعتقلين إلى إشراف الدولة أولوية قصوى. ولكنهم جميعا لم يتمكنوا من تأكيد أن كل المعتقلين الذين تشرف عليهم الدولة قد مثلوا أمام أحد القضاة، وهو الأمر الذي تؤكد عليه قوانين حقوق الإنسان الدولية.

كما قال كل من عبد العزيز الحصادي، النائب العام، ووزير العدل، لـ هيومن رايتس ووتش، إنهما شرعا في دراسة وضعيات المعتقلين الذين هم تحت إشراف الدولة وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم يثبت تورطهم في ارتكاب جرائم. ولكن كلاهما عجز عن تحديد عدد المعتقلين الذين تمت دراسة وضعياتهم أو إطلاق سراحهم.

كما قال وزير العدل والنائب العام إنهما لا يعرفان عدد المعتقلين في المعتقلات التي لا تشرف عليها الدولة ولا جميع أماكن الاحتجاز.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن المعتقلين الذين في قبضة المجموعات المسلحة هم الأكثر عرضة للانتهاكات. وقامت هيومن رايتس ووتش بزيارة مراكز اعتقال تشرف عليها مجموعات مسلحة في طرابلس والزنتان ومصراتة، وفي بعض هذه الأماكن قامت بتوثيق حالات تعذيب وسوء معاملة، بما في ذلك حالات وفاة لشخص رهن الاحتجاز. ولم يتمكن العديد من المعتقلين من الحصول على المراجعة القضائية اللازمة.

كما عاودت هيومن رايتس ووتش زيارة سجنين في مصراتة، في مدرسة الوحدة ومبنى الأمن الداخلي سابقًا، ولاحظت علامات تحسن في المكانين. وكان المركزان قد انتقلا إلى إشراف الدولة والمدعون يستعدون لفتح تحقيقات رسمية مع المعتقلين الموجودين هناك. كما أكد المعتقلون في هذين السجنين، وقد تمت محاورة كل منهم على انفراد، أن الأوضاع قد تحسنت.

وقال عبد العزيز الحصادي إن مكتبه أصبح يشرف على خمسة سجون في الغرب: الجديدة ومفتوح في طرابلس، وسجن آخر في الزاوية وآخر في الزنتان وآخر في مصراتة. كما قال علي عاشور، وزير العدل، إن الحكومة صارت تشرف على سجن كويفة في بنغازي.

وأقر مسؤولون حكوميون أن الحكومة لا تسيطر على عشرات المليشيات في كامل أنحاء البلاد وأنها تواجه صعوبة في نزع أسلحة هذه المجموعات وإقناعها بتسليم المعتقلين. وتحدث عبد الرحيم الكيب، رئيس الوزراء، عن مخطط شامل للتشغيل والتدريب والمنح الدراسية والقروض وإعادة تأهيل وإدماج آلاف المقاتلين في المجتمع. وتعمل المخططات المطروحة على إدماج عناصر المجموعات المسلحة في الشرطة والجيش والحرس الوطني. وقال عبد الرحيم الكيب إن الدولة مستعدة لإدماج 25 ألفاً من هذه العناصر في وزارة الدفاع و25 ألفاً آخرين في وزارة الداخلية.

وقال عبد الرحيم الكيب لـ هيومن رايتس ووتش: "يجب علينا توفير عمل لهؤلاء الأشخاص. لا نستطيع فقط نزع أسلحتهم وشكرهم على جهودهم. هذه المجموعات هي التي جلبت لنا النصر، ومن ثم يتوجب علينا الاعتناء بها".

وفي نفس الوقت، دعت هيومن رايتس ووتش المجلس الوطني الانتقالي إلى عدم التسامح مع الجرائم الخطيرة وضرورة فتح تحقيقات في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها المجموعات المسلحة. وتشمل هذه الانتهاكات ما بدا أنه إعدام لـ 53 من مساندي القذافي في سرتيوم 20 أكتوبر/تشرين الأول، وما بدا أنه إعدام معمر القذافي والمعتصم القذافيوالمضايقات المتواصلة التي يتعرض لها قرابة 20 ألف مهجّر من تاورغاء، الذين كانوا يُتهمون بمساندة الحكومة السابقة والذين هم الآن عاجزون عن العودة إلى منازلهم قرب مصراتة.

كما قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب التحقيق في عمليات الاعتقال خارج إطار القانون وفرض العقوبات بصفة هذا الإجراء جريمة خطيرة. وتتطلب العدالة وجود منظومة قضائية جنائية فيها قضاة ومدعون مستقلون قادرون على التحقيق بشكل سريع ويضمنون وجود الأدلة لمقاضاة المتورطين في ظل الدعم الكامل من المجلس الوطني الانتقالي. وباستثناء لجنة تقصي الحقائق في مقتل القذافي وابنه، لا تعلم هيومن رايتس ووتش بوجود أي تحقيق آخر في مزاعم الجرائم التي ارتكبتها مجموعات المعارضة المسلحة.

وقال مصطفى عبد الجليل لـ هيومن رايتس ووتش إن لجنة تقصي الحقائق قد شرعت في النظر في ملابسات مقتل القذافي وإنها سوف تنشر نتائجها عندما تنهي عملها وتتحسن الظروف الأمنية. وأضاف أن النتائج الأولية تشير إلى أن القذافي قُتل أثناء قتال دار بين قوات مساندة له وأخرى مناوئة له.

وقالت سارة ليا ويتسن: "إن التحقيق مع جميع المسؤولين في طرفي النزاع سوف يطمئن الليبيين ويبعث برسائل مفادها أن في ليبيا الجديدة العدالة للجميع وليس فقط لضحايا القذافي. إن تجاهل ما بدا أنه إعدام لسجناء باسم الوحدة هو مقدمة للانقسام الوطني".

 

محاكمة سيف الإسلام القذافي

قال مصطفى عبد الجليل إن المجلس الوطني الانتقالي "عازم" على محاكمة سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، الذي هو رهن الاحتجاز في ليبيا وأنه سوف يحظى بمحاكمة عادلة. وقال النائب العام إنه فتح تحقيقًا في الجرائم التي يُزعم أن سيف الإسلام القذافي ارتكبها، بما في ذلك الانتهاكات التي وقعت أثناء النزاع المسلح سنة 2011 والفساد الذي سبق ذلك. وعملا بقرار مجلس الأمن 1970، فإن السلطات الليبية مطالبة بموجب القانون بالتعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية وأن توفر المساعدة اللازمة.

وقال مصطفى عبد الجليل إن ليبيا تستعد للطعن في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بمحاكمته في ليبيا وأنها كلفت محاميًا ليمثلها في لاهاي.

ضرورة مراجعة القوانين التي تقيد الحريات الأساسية

أكدت هيومن رايتس ووتش على ضرورة مراجعة القوانين الحالية التي تفرض قيودا صارمة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، والتي تعاقب بالإعدام أو السجن، التعبير عن الرأي الذي يطال الحكومة أو ينتقد مسؤولين حكوميين. وعلى سبيل المثال، تحظر المادة 159 من القانون الجنائي الليبي التعبير عن الرأي الذي يغذي الحرب الأهلية أو يقوض الوحدة الوطنية، وتحظر المادة 198 التعبير الذي "يهين مسؤولين عموميين"، وتحظر المادة 167 التعبير الذي "يقلب الضوابط السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة"، وتحضر المادة 230 "الاعتداء على الإسلام". كما تقيد المواد 166 و167 حرية تكوين الجمعيات والتجمع بينما ينص القانون 71 المتعلق بالجمعيات صراحة على تقييد حرية تكوين الجمعيات.

وقال مصطفى عبد الجليل إن الإعلان الدستوري الانتقالي في ليبيا يتمتع بعلوية على القوانين الموجودة التي لا تحترم مبادئ إعلان حقوق الإنسان، الذي يتضمن الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. وقال مدير مكتب رئيس المجلس الوطني الانتقالي إن الحكومة شرعت في إعداد قانون جنائي جديد.

وينص الإعلان الدستوري على العديد من الحقوق الواردة في القانون الدولي، بما في ذلك حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وعلى أنه يجب ألا تُطبق القوانين التي لا تتناسب مع الإعلان. ولكن الإعلان لا يحدد الطرف الذي يقرر ما إذا كانت القوانين غير متناسبة، وخاصة تلك المتعلقة بمنع الاعتقال التعسفي.

ودعت هيومن رايتس ووتش المجلس الوطني الانتقالي، بصفته السلطة التنفيذية والتشريعية الانتقالية، إلى أن يعلق على الأقل العمل بأحكام القانون الجنائي والقوانين الأخرى التي تفرض قيودا على الحقوق الأساسية في انتظار تبني قوانين جديدة في المستقبل. كما يجب على المجلس التأكيد على احترام جميع الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها ليبيا وعلى أنه لا يجب ترجمة هذه الحقوق بشكل أضعف مما هي عليه في القانون الدولي. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الإعلان الدستوري لا يضمن حماية كافية لهذه الحقوق التي لا تزال تنتظر التطبيق.

وقالت سارة ليا ويتسن: "من الصعب إجراء انتخابات نزيهة وحرة في الوقت الذي لا يزال فيه الليبيون يُحاكمون بسبب انتقاد مسؤولين حكوميين. يجب على الحكومة الليبية السماح لمواطنيها باختيار الرأي الذي يرغبون في الاستماع إليه".

تعدد الزوجات

في حديثه عن تعدد الزوجات، أوضح مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، أن القانون الحالي يفرض قيودًا عل تعدد الزوجات في ليبيا تتمثل في ضرورة أن يحصل الرجل على موافقة من أحد القضاة إضافة إلى موافقة زوجته الأولى قبل الزواج من سيدة ثانية، وقال إنه تم تعليق هذه الشروط في الإعلان الدستوري. كما قال إن هذه القيود تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي يعتبرها المجلس الوطني الانتقالي إحدى أهم مصادر التشريع. وأضاف مصطفى عبد الجليل لـ هيومن رايتس ووتش "لا يوجد في القرآن أيً من هذه القيود على حق الرجل في الزواج من امرأة ثانية أو ثالثة أو رابعة، ولذلك تم تعليق القوانين الليبية التي فرضت تلك القيود".

وجاء تصريح مصطفى عبد الجليل رغم أن الإعلان الدستوري ينص على أن الليبيين "سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق السياسية والمدنية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة" دون أي نوع من التمييز.

وحثت هيومن رايتس ووتش رئيس المجلس الوطني الانتقالي ومسؤولين حكوميين آخرين على احترام التزامات ليبيا بقوانين حقوق الإنسان الدولية التي تحظر التمييز ضد المرأة، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي انضمت إليها ليبيا. كما أوضحت هيومن رايتس ووتش أن للشريعة تأويلات متعددة حول مسألة تعدد الزوجات ودعت الحكومة إلى العمل بالتأويلات التي تجعل من قوانين ليبيا متناسبة مع التزاماتها تجاه القانون الدولي. كما ينص بروتوكول مابوتو المتعلق بالميثاق الأفريقي الخاص بحقوق الإنسان والشعوب حول حقوق المرأة في أفريقيا، الذي انضمت إليه ليبيا، ينص على أن "تتمتع المرأة والرجل بحقوق متساوية واعتبارهما شريكين متساوين في الزواج" وأن يتم "تشجيع الزواج الأحادي باعتباره الشكل المفضل للزواج."

وقالت سارة ليا ويتسن: "لم تقاوم المرأة الليبية الديكتاتورية لتحصل على قدر أصغر من الحقوق. يجب على ليبيا الجديدة حماية حقوق متساوية للمرأة مع ضمان تمتعها بالتدريب والمساعدة التي تحتاج لها لرعاية عائلتها".

شفافية المجلس الوطني الانتقالي

تظاهر الليبيون هذا الأسبوع في بنغازي ضد غياب الشفافية في المجلس الوطني الانتقالي وقالوا إن المجلس لم يوفر معلومات كافية حول أعضائه، واجتماعاته، وقراراته، وتمويله. وقال أحد المحامين وهو من نشطاء المجتمع المدني: "من هو المجلس الوطني الانتقالي؟ لا ندري، متى يعقد اجتماعاته؟ لا ندري، ما هي قراراته؟ لا ندري، وبالطبع لا ندري أيضا كيف يتعامل مع أموال الليبيين. كل ما نعلمه هو أن المجلس يتخذ قرارات ويمرر قوانين باسمنا دون استشارتنا".

ويؤثر غياب الشفافية على صياغة قوانين هامة لحقوق الإنسان. وقال مسؤولون حكوميون إن مشروع قانون العدالة الانتقالية سوف ينشئ لجنة للحقيقة والمصالحة. وكمثال صارخ حول غياب الشفافية، أدلى مسؤولون رفيعو المستوى لـ هيومن رايتس ووتش بتصريحات متضاربة عما إذا تم فعلا تمرير هذا القانون أم لا. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة