(مصراتة) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على المجلس الوطني الانتقالي أن يفتح سريعاً تحقيقاً مستقلاً ومحايداً بمشاركة دولية في وفاة القائد الليبي السابق معمر القذافي وابنه معتصم القذافي.
أفاد المجلس الانتقالي ومصادر أخرى وفاة الرجلين في سرت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011. وليس من الواضح إن كانا قد ماتا متأثرين بجراح لحقت بهما أثناء القتال أو أنهما قُتلا رهن الاحتجاز. إلا أن المعلومات التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش، وكذلك مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية توفرت لذلك اليوم تُظهر الرجلين وهما على قيد الحياة رهن احتجاز القوات المعارضة للقذافي، مما يشير إلى أنهما ربما تعرضا للإعدام بعد القبض عليهما.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "هناك أدلة كافية تستوجب فتح تحقيق موثوق في وفاة القذافي وابنه المعتصم. من المهم معرفة كيف ماتا، فهذا من شأنه الإشارة لما إذا كانت ليبيا الجديدة ستُحكم بسيادة القانون، أم بالعنف ودون لجوء للقضاء".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن القتل العمد للأسرى يُعد جريمة جسيمة بموجب قوانين الحرب، وهو جريمة حرب يمكن أن تتولاها المحكمة الجنائية الدولية. وتُلزم قوانين الحرب الأطراف في النزاعات بتوفير الرعاية الطبية للمقاتلين الأسرى.
وأضافت المنظمة إن إخفاق المجلس الانتقالي في التحقيق في هذه الوفيات بشكل فوري ومحايد، بالإضافة إلى مزاعم أخرى عديدة بوقوع جرائم حرب على يد قوات القذافي، يُرسل رسالة خطيرة مفادها أن الليبيين سيتولون تنفيذ العدالة بأيديهم.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه من الواجب التحقيق في ملابسات وفاة معمر القذافي غير المُفسرة حتى الآن. أول مقطع فيديو معروف للقذافي رهن الاحتجاز، حسب التقارير، تم التقاطه بعد لحظات من أسره، يظهر فيه القذافي حياً وإن كان ينزف من جانب وجهه الأيسر. ويُرى المقاتلون المعارضون للقذافي في المقطع وهم يقتادونه بينهم من حيث تم أسره في سرت. ويُسمع في خلفية المقطع صيحات من نوع: "لا تقتلوه! لا تقتلوه! نريده حياً!".
وهناك مقطع فيديو آخر يبدو أنه تم التقاطه بعد الأول، يظهر فيه المقاتلون وهم يضعون القذافي على ظهر سيارة، وهو يمسح الدم عن وجهه. وهناك مقطع فيديو آخر يظهر فيه وهو يتم إنزاله من السيارة على يد مجموعة غاضبة من الأشخاص، يبدو أنهم يضربونه.
اطلعت هيومن رايتس ووتش لوقت قصير على جثمان معمر القذافي في 21 أكتوبر/تشرين الأول وكان داخل مُبرد للحوم في مصراتة، حيث اصطف المئات من سكان المدينة أمام المبرد لرؤية جثة الزعيم السابق. من كانوا يحرسون الجثة لم يسمحوا لباحث هيومن رايتس ووتش بقلب الجثمان أو بإجراء فحص مدقق. ظهر بوضوح جرح ناجم عن رصاصة دخلت في الجانب الأيسر من جبين القذافي، ولم تُشاهد دلائل على وجود جرح آخر لخروج الرصاصة على الجانب الآخر. وتمت مشاهدة جرحان، كل منهما طوله حوالي البوصة، في منتصف جذعه. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد سبب الوفاة.
وهناك مقاطع فيديو وصور لمعتصم القذافي، الرئيس السابق لأمن ليبيا الوطني وقائد قوات القذافي في وسط وشرق ليبيا، توحي بقوة بأنه قُتل بعد أن تم القبض عليه، على حد قول هيومن رايتس ووتش. في مقطع فيديو قصير موجود على الفيس بوك، يبدو أنه رهن الاحتجاز ويرتدي ثياباً غارقة في الدماء وهو يدخن سيجارة داخل حجرة. لا تظهر في المقطع جروح في رقبته أو وجهه. واطلعت هيومن رايتس ووتش على صورة له تُظهره وهو في الحجرة يشرب من زجاجة مياه. وهناك مقطع فيديو آخر يظهر فيه حياً في نفس الحجرة، ربما مصاب بجرح في رقبته. ثم هناك صور لاحقة للجثمان يبدو عليها بوضوح جرح غائر في مقدمة عنقه.
اطلعت هيومن رايتس ووتش لمدة قصيرة على جسد معتصم القذافي من الأمام، في 20 أكتوبر/تشرين الأول بمصراتة، ورأت جرحاً كبيراً في حلقه. لم يكن من الواضح إن كان هذا الجرح هو سبب الوفاة.
وهناك قائد من كتيبة السهل الشرقي من مصراتة، وشاركت بشكل مباشر في القتال الذي أسفر عن أسر القذافي في سرت، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن في 20 أكتوبر/تشرين الأول اشتبكت الكتيبة في قتال ضاري بدءاً من الثامنة والنصف صباحاً، عندما حاولت قافلة من حوالي 50 عربة الخروج مسرعة من سرت إلى اتجاه الغرب. وحوالي التاسعة والنصف صباحاً، ضربت طائرات الناتو الحربية القافلة، على حد قوله. استمر القتال لمدة ساعة أخرى تقريباً.
حوالي الساعة 11 صباحاً قام مقاتلون من كتائب أخرى بتمشيط المنطقة، حيث عثروا على معمر القذافي في ماسورة صرف تحت إحدى الطرق. كان مصاباً، لكن يبدو أن إصابته لم تكن جسيمة، على حد قول القائد لـ هيومن رايتس ووتش.
قال القائد إن في تلك اللحظة "خرج الوضع عن السيطرة". راح المقاتلون يجذبون القذافي ويلكمونه، وحاولوا أن يتحركوا بالسيارة وهو على مقدمتها. سقط القذافي مرة، ولحقت به إصابات أخرى. لم يكن القذافي مصاباً بأي جروح من رصاصات في الرأس في ذلك التوقيت، على حد قول القائد لـ هيومن رايتس ووتش.
زارت هيومن رايتس ووتش الموقع الذي تم أسر القذافي فيه. كانت هناك نحو 95 جثة متكومة وسط حطام العشرات من السيارات. بدا أن أغلب القتلى قُتلوا في غارة الناتو الجوية أو أثناء القتال بين الموالين للقذافي وقوات المجلس الانتقالي. وتفحمت تماماً نحو 30 جثة بسبب انفجار خزانات وقود العربات.
وفي المكان نفسه، رأت هيومن رايتس ووتش ستة إلى عشرة من مقاتلي القذافي، بعضهم يرتدون ضمادات. وكان من الواضح أن هؤلاء المقاتلين قد تعرضوا للإعدام، وكانت جثثهم على الأرض فيها رصاصات في الرؤوس وآثار وهناك آثار لارتطام الرصاصات بالأرض.
خرج قادة المجلس الانتقالي بتصريحات متباينة لواقعة وفاة معمر القذافي، بينها أنه قتل في "تبادل لإطلاق النار" بين الموالين للقذافي وقوات المجلس الانتقالي.
لكن لم يذكر أي من الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش في سرت وقوع معركة بالأسلحة النارية بعد القبض على القذافي.
ولقد كررت هيومن رايتس ووتش إعرابها عن القلق وضرورة ألا تُساء معاملة المقاتلين الموالين للقذافي الذين تم أسرهم في سرت. وما زال عدد هؤلاء الأسرى وموقعهم مجهولاً.
وقالت سارة ليا ويتسن: "لابد من إرسال المقاتلين الأسرى فور أسرهم إلى أماكن احتجاز معلومة وأن يُعاملوا معاملة إنسانية". وتابعت: "ولابد من الملاحقة القضائية العادلة للمتواطئين في الجرائم الجسيمة من جميع الأطراف".
ما زال هناك اثنان من كبار مسؤولي القذافي مطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية وأماكنهم غير معلومة: سيف الإسلام نجل القذافي ورئيس المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي. قالت هيومن رايتس ووتش إنه لابد من نقلهما إلى المحكمة الجنائية الدولية لدى القبض عليهما.