- تقيّد السلطات في جميع أنحاء اليمن حرية تنقّل المرأة بشكل متزايد.
- تضرّ القيود بقدرة المرأة على الحصول على العمل والتعليم والرعاية الصحية، وهي شكل من أشكال التمييز.
- ينبغي فورا لجميع السلطات الحاكمة إنهاء السياسات التي تقيّد تنقّل المرأة، وضمان تدريب عناصر نقاط التفتيش على حماية الحقوق الأساسية لجميع اليمنيين.
(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن أطراف النزاع في اليمن، بما يشمل الحوثيين والحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، تنتهك بشكل ممنهج حق المرأة في حرية التنقل.
تمنع السلطات النساء من السفر بين المحافظات، وإلى خارج البلاد في بعض الحالات، بدون إذن ولي الأمر أو مرافقة محرم (أحد الأقارب الذكور المباشرين). وسّعت سلطات الحوثيين بشدة نطاق القيود في أراضيها على تنقل المرأة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وجزء كبير من شمال اليمن في السنوات التسع الماضية، بينما قيّدت قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي تنقّل المرأة في الجنوب.
قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "بدل التركيز على ضمان تلقي الناس في اليمن المياه النظيفة والغذاء وما يكفي من المساعدات، تبذل الأطراف المتحاربة طاقتها في وضع العراقيل أمام حرية تنقل المرأة. هذه القيود لها تأثير هائل على حياة النساء وتعيق قدرتهن على تلقي الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وحتى زيارة أسرهنّ".
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 21 امرأة، معظمهن ناشطات أو نساء يعملن مع منظمات غير حكومية،
بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني 2023، حول القيود المفروضة على التنقل التي واجهنها، وتأثير ذلك على حياتهن، فضلا عن رجلين يعملان سائقين مستقلين ينقلان الركاب بين المحافظات. كانت النساء من محافظات من مختلف أنحاء اليمن، بما فيها عدن وتعز والحديدة وصنعاء. كما راجعت هيومن رايتس ووتش القوانين واللوائح اليمنية، وكذلك التوجيهات التي تقيّد تنقل المرأة التي وجهها الحوثيون مؤخرا إلى شركات السيارات ووكالات السفر.
استخلصت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن القيود على التنقل أثّرت على النساء في جميع قطاعات المجتمع اليمني. قال العديد ممن تمت مقابلتهن أيضا إن بعض العناصر على نقاط التفتيش استهدفوا تحديدا النساء العاملات مع المنظمات غير الحكومية وفي المجال الإنساني. قال "فريق الخبراء المعني باليمن" التابع لـ "الأمم المتحدة" في تقريره العام 2023 إنه تلقى تقارير عن منع الحوثيين سفر النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
بحثت هيومن رايتس ووتش تحديدا بشأن القيود على التنقل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، كون هذه الأطراف تسيطر على معظم أراضي اليمن. إلا أن أشخاصا عدة تمت مقابلتهم قالوا إن جماعات مسلحة تسيطر على مناطق أخرى، منها "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" و"حزب الإصلاح"، تفرض قيودا مماثلة.
بينما لا يُلزم القانون اليمني المرأة بالسفر مع محرم، أفادت هيومن رايتس ووتش سابقا أن بعض القوانين والممارسات اليمنية كانت تقيّد تنقل المرأة قبل وقت طويل من اندلاع النزاع الحالي في العام 2014. ينص "قانون الأحوال الشخصية" اليمني لعام 1992 على فقدان المرأة حقها في النفقة الزوجية "إذا تركت بيت الزوجية من دون عذر شرعي".
عمليا، إذا أبلغ ولي الأمر الشرطة عن امرأة بسبب سفرها ضد رغبته، يمكن لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية اعتقالها عند نقاط التفتيش. علاوة على ذلك، في حين يمنح "قانون الجوازات" اليمني لسنة 1990 جميع اليمنيين فوق سن 16 عاما الحق في الحصول على جواز سفر عادي، تشترط السلطات عمليا على المرأة الحصول على إذن ولي أمرها وحضوره على حد سواء للحصول على بطاقة الهوية الشخصية أو جواز السفر، أو تجديدهما.
قالت ناشطة تعيش في عدن إنه، منذ بدء النزاع في العام 2014، "تراجعت حركة النساء بشدة... رغم أن ما كنّ يحصلن عليه لم يكن ممتازا قبل الحرب".
في الشمال، بدأت سلطات الحوثيين بعد السيطرة على صنعاء بشكل متزايد إلزام النساء بالسفر مع محرم أو تقديم دليل على موافقة خطية من ولي أمرهن، وهي سياسة لم تكن موجودة قبل الحرب. في 2019، أفادت وسائل إعلام محلية أن سلطات الحوثيين وجّهت شركات الباصات المحلية باشتراط أن تكون النساء برفقة محرم عند السفر بين المدن في اليمن.
في ديسمبر/كانون الأول 2022، أفاد خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة أن "الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري" (هيئة النقل البري) التابعة للحوثيين أصدرت توجيها شفهيا في أغسطس/آب 2022 يشترط أن تكون النساء برفقة محرم عند السفر إلى أي مكان داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو خارج البلاد.
قالت امرأتان إنهما قررتا مغادرة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، والانتقال إلى عدن، الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، في العام 2023 بسبب تزايد قيود الحوثيين على النساء والمنظمات غير الحكومية في السنوات القليلة الماضية. قالت إحداهما: "أنا شخصيا لا أستطيع حتى استئجار سيارة لأنه ليس لدي زوج أو أخ أو أب".
وصفت ناشطة سياسية تعيش في تعز التحديات التي تواجهها شقيقتها التي تعيش في صنعاء عند السفر. "امرأة في الخمسينات من عمرها أُجبرت على الحصول على موافقة ابنها، الذي كان عمره 14 عاما، لكي تسافرز يا للعار! يعني هذا أن الحوثيين لا يعترفون بالمرأة كمواطنة كاملة الحقوق".
في الجنوب، ورغم عدم وجود أي توجيهات رسمية من الحكومة اليمنية أو المجلس الانتقالي الجنوبي تلزم المرأة بالسفر مع محرم، قالت جميع النساء الـ21 اللواتي تمت مقابلتهن، باستثناء واحدة، إنهن أُجبرن على العودة أو أوقفن عند نقاط التفتيش، لعدة ساعات أحيانا، عند محاولتهن الانتقال من محافظة إلى أخرى بدون محرَم.
كما أفادت نساء عديدات عن تعرضهن للمضايقة والإهانة عند نقاط التفتيش. قالت الناشطة من عدن إنها أوقفت لساعات عند نقطة تفتيش معترف بها دوليا وتسيطر عليها الحكومة عند مدخل مأرب. أضافت أنه بعد خمس ساعات، جاء شخص اتصلت به لمساعدتها إلى نقطة التفتيش ببطاقة عسكرية وأخبر ضابط نقطة التفتيش أنه قريبها ويضمن إقامتها. قالت إن رد العنصر في نقطة التفتيش كان: "لكنها تعمل مع منظمات غير حكومية والنساء اللاتي يعملن مع هذه المنظمات [كلمة بذيئة مهينة]".
أفادت الأمم المتحدة أن هذه القيود على التنقل أجبرت العديد من النساء اليمنيات على ترك وظائفهن في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة لعدم وجود قريب لهن قادر على مرافقتهن في السفرات المتصلة بعملهن، ما أفقدهن الدخل الذي تشتد حاجة أسرهنّ إليه، وقطع المساعدات الإنسانية عن النساء والفتيات اليمنيات.
أثّرت القيود أيضا على حصول المرأة على التعليم العالي. في بعض الحالات، رفض السائقون اصطحاب النساء إلى الحرم الجامعي لأنهم يعرفون ما سيواجهونه عند نقاط التفتيش في مناطق تشمل الجنوب. قالت امرأة من تعز: "كنت أحلم بالدراسة للحصول على الماجستير في العلوم السياسية، ولكن يبدو هذا الحلم البسيط الآن مستحيلا بسبب شرط المحرم".
قالت ناشطة في حقوق المرأة لـ هيومن رايتس ووتش: "تحطمنا نفسيا. الحديث عن تمكين المرأة يبدو سخيفا عندما لا يكون بإمكاننا حتى التنقّل".
تنتهك قيود الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين على التنقل التزامات اليمن بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، وتتعارض مع الدستور اليمني الذي يضمن هذه الحقوق أيضا.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارات حقوق الإنسان التابعة للحوثيين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة اليمنية في 8 يناير/كانون الثاني 2024. رد المجلس الانتقالي الجنوبي في 17 يناير/كانون الثاني، نافيا أن تكون نقاط التفتيش التابعة له قد أوقفت نساءً سافرن بدون تصريح من أولياء أمورهن، في تناقض مع الأدلة التي لدى هيومن رايتس ووتش.
قالت جعفرنيا: "هذه القيود على التنقل لها آثار كارثية ليس على النساء فحسب، بل على المجتمع اليمني بأكمله أيضا. ينبغي لجميع السلطات الحاكمة أن توقف فورا أي سياسات قائمة تقيّد حركة المرأة، وتضمن أن العناصر في نقاط التفتيش مدربون على حماية الحقوق الأساسية لجميع المقيمين اليمنيين".
انتهاكات الحوثيين لحرية تنقل المرأة
منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء العام 2014، بدأت الجماعة تفرض قيود متزايدة على النساء في مختلف مناطقها، التي تشمل الآن معظم شمال غرب اليمن حيث تعيش غالبية السكان. وثّقت "مواطَنة لحقوق الإنسان"، وهي منظمة مدنية يمنية، كيف أدخل الحوثيون شروطا تقضي بسفر النساء مع محرم أو بإذن ولي أمرهن، وفرض لباس محدد، والفصل الجندري في بعض الأماكن العامة، وعرقلة حصول النساء على وسائل منع الحمل. كما سجنوا نساءً بتهم تتعلق بالإخلال بالآداب، منهنّ عارضة الأزياء والممثلة اليمنية انتصار الحمادي، التي ما تزال محتجزة بشكل غير قانوني.
قالت مواطنة لحقوق الإنسان إنه قبل العام 2021، فرض الحوثيون قيودا عشوائية على تنقل النساء وبشكل رئيسي من خلال المضايقات عند نقاط التفتيش، ولكن بعد العام 2021، بدأت نقاط التفتيش حول صنعاء تمنع النساء من السفر بدون مُحرَم.
أفادت الأمم المتحدة بأنه في يوليو/تموز 2022، وجّهت هيئة النقل البري التابعة للحوثيين مكاتب السفر وتأجير السيارات باشتراط حصول على النساء على موافقة كتابية من ولي أمر ذكر، مع مصادقة رئيس الحي، للسفر أو استئجار سيارة. في أغسطس/آب 2022، وفقا للأمم المتحدة، أصدرت الهيئة أوامر لمكاتب النقل وشركات تأجير السيارات بمنع النساء من السفر بدون مرافقة محرم.
في فبراير/شباط 2023، ردت سلطات الحوثيين على الأمم المتحدة، قائلة إنه لا يوجد توجيه جديد من هيئة النقل البري، وإن "جميع القواعد المعمول بها اليوم موجودة منذ سنوات عدة". وادعت كذلك أن "شرط وجود المحرم ليس إجراء تمييزيا". إلا أن هيومن رايتس ووتش اطّلعت على نماذج الإذن من شركات النقل المحلية التي تعكس هذه التوجيهات من الحوثيين.
عمليا، لا تسمح السلطات للنساء بالسفر بدون محرم إلا إذا حصلن على موافقة كتابية مسبقة من ولي أمر ذكر، وبدأت في الإشراف الحثيث على تنفيذ هذا الأمر داخل أراضيها. قال طبيب من عدن يعمل في صنعاء لـ هيومن رايتس ووتش إنه، لكي تحصل المرأة على إذن بالسفر بمفردها بدون محرم، "سيتوجب على القريب الذهاب إلى مكاتب النقل أو شركات تأجير السيارات، وإثبات أنه ولي أمر المرأة وأنه لا يمانع في سفر [قريبته] بمفردها. ومن ثم، على مكتب النقل أو شركة التأجير التواصل مع سلطات الحوثيين للحصول على موافقتها وإرسال اسم المرأة إلى نقاط التفتيش التابعة لها لتتمكن المرأة من السفر بدون إيقافها أو مضايقتها.
منذ صدور التوجيهات الجديدة، واجهت العديد من النساء اليمنيات مشاكل كبيرة في السفر من صنعاء وإليها. قالت امرأتان تمت مقابلتهما إنهما اتخذتا في العام الماضي القرار الصعب بمغادرة ديارهما في صنعاء والانتقال إلى عدن، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى صعوبات دخول صنعاء ومغادرتها، وهو الأمر الذي يتعين عليهما القيام به بانتظام بهدف العمل وزيارة عائلتيهما في مناطق أخرى من البلاد.
قالت إحداهما: "أجبرتني [القيود] على استئجار منزل في عدن". أضافت أنه رغم إقامتها في صنعاء منذ 2007، وشعورها بأنها في موطنها أكثر مما لو كانت في عدن، اضطرت إلى العودة إلى عدن في ديسمبر/كانون الأول 2022 جراء صعوبة السفر من صنعاء وإليها كامرأة عزباء.
ثمة نساء كثيرات لديس لديهن أب أو زوج أو أخ يمكنه أن يكون ولي أمرهن لمنحهن الإذن أو مرافقتهن عند حاجتهن إلى السفر. قالت امرأة إن السلطات عند نقطة تفتيش يَصلح عند مدخل صنعاء أوقفت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 الحافلة التي استقلتها من صنعاء إلى عدن لسفرها بدون محرم. أضافت أن عنصر الأمن عند نقطة التفتيش وبّخ السائق، قائلا إنه يُمنع نقل امرأة بدون محرم. رغم أن السائق أخبر العنصر أن والد المرأة مريض، إلا أن العنصر قال إنه بغض النظر عن صحة الأب أو ظروف أخرى، فإن الأب، باعتباره ولي أمر المرأة، مطالَب بالحصول على إذن من سلطات الحوثيين حتى تسافر المرأة بمفردها.
قالت: "بكيتُ وأخبرتهم أن والدتي أصيبت بجلطة دماغية، وأنني سأسافر إلى عدن حتى لو اضطريت إلى قطع الطريق سيرا على الأقدام". قالت إنه بعد ثلاث ساعات وتغريم سائق الحافلة، تمكن المسافرون الذكور في الحافلة من الضغط على الحراس للسماح للحافلة بالمرور.
حتى بالنسبة للنساء اللواتي لديهن قريب ذكر، تفرض القيود عبئا غير مبرر على حركتهن، وهي شكل من أشكال التمييز.
قالت امرأة من صنعاء تعمل في منظمة غير حكومية في عدن إنها في يوليو/تموز 2023، علقت في صنعاء يومين مع والدتها وشقيقتها أثناء محاولتها العودة إلى منزلها في عدن بعد زيارة عائلتها في صنعاء. أوقفهن عنصر أمن عند نقطة تفتيش يَصلح في صنعاء، قائلا إن على شقيقها أو والدها استصدار موافقة من وزارة الداخلية لسفر النساء بدون محرم. قالت: "أخي شخص صالح ويسمح لي بالذهاب، لكن ماذا لو كانت هناك فتاة من عائلة مختلفة أو بيئة مختلفة؟ لا يمكنها الذهاب إلى أي مكان".
قالت امرأة أخرى: "يمكن للنساء اللواتي يسافرن بمفردهن مواجهة مخاطر حقيقية، وقد يتم إيقافهن، واستجوابهن، وإهانتهن، وإذلالهن من قبل قوات الحوثيين. وحتى لو حصلن على موافقة على السفر موقعة من عائلاتهن وأقاربهن الذكور، سيظللن يواجهن تحديات عند نقاط التفتيش".
أفادت الأمم المتحدة أيضا بأنه منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، فرضت سلطات الحوثيين بشكل متزايد شرطا يقضي بوجوب قيام وكالات الإغاثة، بما فيها المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والوكالات الأممية، بإدراج اسم محرم عند تقديم طلبات السفر لأي موظفة يمنية تسافر للعمل. بحسب الأمم المتحدة، العديد من الموظفات ليس لديهن أقرباء ذكور، ما دفع العديد منهن إلى ترك وظائفهن، ما أدى إلى فقدان عائلاتهن الدخل الذي تحتاج إليه بشدة.
بالإضافة إلى ذلك، أصدرت هيئة النقل البري التابعة للحوثيين في أغسطس/آب 2022، ضمن توجيهاتها، قيودا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تفرض منع النساء من السفر خارج البلاد بدون محرم.
في ديسمبر/كانون الأول 2022، أرسل العديد من خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة رسالة إلى الحوثيين تتضمن تفاصيل "الانتهاكات المنهجية لحقوق النساء والفتيات" التي ترتكبها الجماعة، بما يشمل حقوقهن في حرية التنقل، وحرية التعبير، والصحة، والعمل، فضلا عن التمييز واسع النطاق.
انتهاكات الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي ضد حرية تنقل المرأة
كما أفادت النساء المسافرات في مناطق البلاد التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي عن منعهن من السفر عند نقاط التفتيش المختلفة، رغم أن أيا من هذين الطرفين لم ينشر أي توجيهات رسمية تقيّد سفر النساء بدون محرم.
قالت نساء عديدات إنهن أوقفن عدة مرات عند نقاط تفتيش مختلفة تابعة للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، خاصة عند مداخل المحافظات، بما في ذلك نقطة تفتيش الهنجر في تعز، ونقطتا الرباط والحديد في عدن، ونقطة نهم في مأرب.
أضفن أن هذه القيود لم تكن موجودة قبل النزاع وأصبحت أكثر شيوعا في السنوات القليلة الماضية. قالت نساء عديدات إن زيادة التمييز والقيود ضد المرأة جاءت نتيجة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي العام 2022 من قبل حساب مزيف تحت اسم "سمية الخولاني" ضد النساء اليمنيات العاملات في المنظمات غير الحكومية، وما تلاها من خطاب ديني. قالت إحدى النساء: "في تعز، تحدثوا عن هذه [الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي] في صلاة الجمعة. دفعت خطابات الكراهية هذه بعض أطراف النزاع إلى فرض كل هذه القيود بهدف ̕حماية̔ المرأة".
قالت ناشطة تعيش في عدن، واصفة القمع المتزايد الذي تمارسه الحكومة ورجال الدين ضد النساء في جميع أنحاء جنوب اليمن: "لا توجد كهرباء ولا ماء، لكن ماذا يفعلون؟ يركزون على النساء".
قالت من أجريت معهن مقابلات إنهن يعتقدن أن عناصر الأمن على نقاط التفتيش يستهدفن تحديدا النساء اللواتي يبدو أنهن يعملن في منظمات غير حكومية. كما أنهم غالبا ما يعاملون النساء – والرجال – بشكل أسوأ إذا اعتقدوا أنهم من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
تقع نقطة تفتيش الرباط، الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، على الحدود بين محافظتي عدن ولحج. ذكرت نساء عديدات تعرضهن للمضايقة والإهانة، وفي بعض الحالات منعهن من السفر من قبل العناصر عند نقطة التفتيش، عندما حاولن المرور عبرها بدون مُحرَم.
قالت إحدى النساء إنها عندما سافرت إلى عدن مع زميلة لها في فبراير/شباط 2023، أوقفهما عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي عند نقطة تفتيش الرباط وطلبوا منهما مغادرة السيارة. قالت: "سألونا إلى أين نذهب ولماذا نسافر بدون محرم. أخبرتهم أننا قريبتان، ومسافرتان بهدف العمل، لكنه رفض السماح لنا بالدخول".
قال سائق يسافر بشكل متكرر بين تعز وعدن إن نقطة تفتيش الرباط "لا تحترم المرأة". قال إن عناصر نقطة التفتيش في الرباط يسمحون للنساء المسافرات مع عائلاتهن بالمرور بسهولة، لكنهم يوقفون النساء المسافرات بمفردهن ويستجوبوهن، "خاصة النساء العاملات مع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني".
كما أبلغت نساء عديدات عن مشاكل في عبور نقطة تفتيش الهنجر في تعز. قالت إحدى النساء عن حادثة وقعت في فبراير/شباط 2023: "ذات مرة، غادرت عدن متأخرة بعض الشيء، فوصلت إلى تعز مساءً حوالي الساعة 7. أوقفوني عند نقطة تفتيش الهنجر، وسألوني عن سبب وصولي متأخرة، ولماذا أنا وحدي". قالت إن السبب الوحيد للسماح لها بالمرور في النهاية هو أنها أخبرت العنصر أن شخصا موجودا على الحافلة قريبها.
أفادت النساء بتعرضهن للمضايقات عند نقاط التفتيش من قبل العناصر، بما في ذلك التحرش اللفظي والجسدي. قالت امرأة وصفت تعرضها للتحرش من قبل العناصر عند نقاط تفتيش عدة في مختلف أنحاء الجنوب: "عندما وصلتُ إلى نقطة التفتيش الأولى في الضالع، أظهرتُ لهم خمس بطاقات للجامعة والمستشفى الذي أعمل معه في صنعاء، لكنهم ظلوا يسألونني لماذا أسافر وحدي وعما أفعله في صنعاء، ملمّحين إلى أشياء غير أخلاقية ومشينة. واصلوا التحرش بي بشدة".
قالت العديد من النساء إنهن تقدمن بشكاوى مباشرة إلى الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، لكنهن لا يعتقدن أن أيا من الجهتين اتخذت أي إجراء لمعالجة شكاويهن.
قالت الناشطة اليمنية البارزة في حقوق المرأة د. ألفت الدبعي إن الحكومة اليمنية على علم بالانتهاكات والمشاكل التي تواجهها المرأة، لكنها لا تفعل شيئا حيالها. قالت: "تبلغهم [منظمات المجتمع المدني] بهذه الانتهاكات بانتظام، لكن لا تفعل الحكومة أي شيء لوقف هذه السلوكيات والانتهاكات. تقدمت بنفسي بشكوى رسمية إلى رئيس الوزراء بشأن حملة التحريض ضد النساء، لكنهم لم يفعلوا شيئا... يزعمون أنهم يهتمون بحقوق المرأة، لكنهم في الواقع لا يفعلون شيئا ردا على التحديات والانتهاكات التي تواجهها النساء".
أضافت أن الهيئات الحكومية المعنية بالمرأة تقاعست عن معالجة الانتهاكات ضد النساء، إذ لم تتحرك جهات مثل وزارة حقوق الإنسان، و"اللجنة الوطنية للمرأة"، ووزارة الأوقاف لوقف هذه الانتهاكات.
الضرر الناجم عن القيود على التنقل
تحرم سياسات ولاية الرجل المرأة من وضعها القانوني لاتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها ويمكن أن تسبب ضررا عميقا. تنتهك القيود التمييزية على حركة المرأة داخل بلدها والسفر إلى الخارج حقوق المرأة في حرية التنقل، والعمل، والدراسة، والحصول على الرعاية الصحية، والزواج.
قالت إحدى النساء: "زفافي في ديسمبر/كانون الأول، ولا أستطيع السفر. لذا أجلس هنا وأخطط وأفكر كيف يمكنني الوصول إلى عدن لأنه ليس لدي ولي أمر يستطيع أن يأخذني من صنعاء إلى عدن".
كما أثّرت القيود على التنقل على الصحة النفسية للنساء. قالت امرأة أخرى: "أصبح السفر أمرا كبيرا يجب التخطيط له جيدا، وعلى المرأة أن تفكر ألف مرة قبل اتخاذ القرار [بالسفر]".
وصفت نساء عديدات كيف أثّرت القيود على التنقل على عملهن وعمل زملائهن وأصدقائهن.
قالت إحدى النساء: "كانت لدي زميلة من الحديدة تأتي من هناك إلى عدن لتلقي تدريب. أرجعها [عناصر الأمن] عن نقاط التفتيش عدة مرات... وحُرمت من المشاركة في هذه البرامج التدريبية".
قالت صيدلانية تعيش في عدن: "أتيحت لي فرص [عمل] عديدة، لكنني لم أتمكن من اغتنامها بسبب تحديات السفر".
قالت النساء إن عناصر نقاط التفتيش، في الشمال والجنوب، يستهدفون تحديدا النساء اللواتي يُعتقد أنهن يعملن مع منظمات غير حكومية. قالت إحدى النساء: "عند نقاط التفتيش، يسألوننا إذا كنا ننتمي إلى منظمات أم لا، وإذا أجبنا بـ "نعم"، يستجوبوننا بشكل أكثر قسوة، ما قد يؤدي إلى مخاطر إضافية".
كان للقيود أيضا آثار خطيرة على وكالات الإغاثة، بما في ذلك النساء اللواتي لديهن وظائف في هذه المنظمات ويتعين عليهن السفر إلى مناطق مختلفة في اليمن؛ وعلى الأسر التي تعتمد على المساعدات الإنسانية؛ وعلى تقييم الاحتياجات الإغاثية التي تشمل النساء والفتيات. قال العديد من المقررين الأمميّين الخاصين في رسالتهم إلى الحوثيين بشأن شرط مرافقة محرم إن "عدم القدرة على السفر تعني أنه لا يمكن أداء مهام العمل البالغة الأهمية، ما يؤدي إلى فقدان خبرة العمل، وهناك تقارير عديدة عن ترك موظفات إغاثة عملهن، وبالتالي خسارة الدخل الذي تحتاج إليه أسرهن بشدة".
قالوا إن الشروط "تمنع فعليا" النساء والفتيات اليمنيات من تلقي المساعدات الإنسانية... لأنه يُعتبر من غير المناسب بشكل عام أن يقدم الموظفون الذكور خدمات الدعم".
كما أدت زيادة القيود على تنقل المرأة إلى الحد من حصول المرأة على التعليم، خاصة مع اضطرار العديد من النساء في اليمن إلى السفر إلى مدن أكبر مثل عدن وتعز وصنعاء للالتحاق بالجامعة. قالت طالبة تعيش في تعز إن "فرص المرأة لمواصلة التعليم العالي محدودة للغاية، والخيارات قليلة، وحتى مع هذه الخيارات القليلة، فإن المرأة مقيدة بشروط وجود محرم".
وصفت إحدى النساء الصعوبات التي واجهتها في مواصلة دراستها الجامعية بعد وفاة شقيقها عام 2019 قائلة: "بعد وفاة أخي أردت السفر، ولم يكن هناك من يسافر معي، خاصة مع تدهور صحة والدي. تواصلت مع أهلي وأعمام أبي ولكنهم رفضوا السفر معي بسبب الانقسامات والخوف من السفر إلى مناطق سيطرة أنصار الله. قال ابن عمي: "نحن لسنا محارم لنسافر معك".
قالت إنه في إحدى زياراتها إلى منزلها من جامعتها العام 2022، أُوقفت عند نقطة تفتيش الهنجر في تعز وسُئلت عن مكان محرمها. أفادت بأنهم لم يسمحوا لها بالمرور إلا بعد أن استطاعت التأكيد أن لديها أقارب في تعز.
أرادت المرأة التي تعيش في تعز السفر إلى صنعاء للالتحاق بالدراسات العليا العام 2022، لكنها قالت إن والدها رفض لأنه كان قلقا على سلامتها أثناء سفرها ذهابا وإيابا بين المدينتين. قالت إن والدها قال لها: "لا أستطيع أن أسمح لك بالذهاب، الأمر ليس آمنا. كيف يمكنك التنقل بحرية ذهابا وإيابا عبر نقاط التفتيش؟ سيشكل ذلك خطرا كبيرا عليك، خاصة أننا لا نستطيع دفع مصاريف مرافقة أحد أقاربنا لك في كل مرة".
تؤثر الشروط على صحة المرأة، إذ يتوجّب على النساء السفر إلى محافظات أخرى، أو حتى إلى الخارج، لتلقي الرعاية الصحية. قالت امرأة إن عمتها، وهي امرأة مسنّة، بحاجة إلى محرم لمرافقتها ذهابا وإيابا بين تعز الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتعز الخاضعة لسيطرة الحكومة لتلقي العلاج. أفادت بأنه في إحدى المرات، تدهورت صحة والدتها واضطرت للذهاب إلى المستشفى، لكنها اضطرت إلى الانتظار حتى يسافر ابنها أولا من صنعاء إلى الحوبان في تعز (رحلة تستغرق 6-8 ساعات) ليصحبها بعد ذلك.
وصف فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، و"منظمة الصحة العالمية"، من بين أطراف دولية أخرى، الآثار الشديدة التي خلّفتها القيود على التنقل على تمكن المرأة من الحصول على الخدمات الصحية. ووفقا لـ "لجنة الإنقاذ الدولية"، فإن "الخدمات المنقذة للحياة والخدمات العاجلة، بما فيها خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وعلاج الإصابات المرتبطة بالعنف الجنسي، والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وغيره من الأمراض المنقولة جنسيا، لا يمكن أن تصل إلى النساء والفتيات اللواتي يحتجن إليها".
الالتزامات القانونية
ينص الدستور اليمني على أن "المواطنـين جميعهم متساوين في الحقوق والواجبـات العامـة"، وأن "حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنيـة مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبيّنها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين وحرية الدخـول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون".
كما تنتهك القيود المفروضة على تنقل المرأة القانون الدولي لحقوق الإنسان. اليمن دولة طرف في اتفاقية سيداو، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وجميعها تلزم الدول بضمان حرية التنقل وعدم التمييز، بما يشمل دخول الفرد إلى بلده ومغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وحرية التنقل داخل البلد.
كما تنتهك القيود التمييزية على التنقل حق المرأة في المساواة أمام القانون، وكذلك حقوقها ذات الصلة، بما في ذلك العمل، والدراسة، والزواج، والحصول على الرعاية الصحية، وتوفير الرعاية لأطفالها بما يحقق مصالح أطفالها الفضلى على قدم المساواة مع الرجل، وعدم التعرض للعنف.
يقع على الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، باعتبارهما مجموعتين مسلحتين غير تابعتين للدولة تمارسان سيطرة فعلية على الأراضي والسكان، الالتزام باحترام وحماية حقوق الإنسان للأفراد والجماعات التي تعيش في أراضيهم. يسيطر الحوثيون على مساحات واسعة من اليمن منذ العام 2014، ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، بالإضافة إلى مناطق أخرى في جنوب اليمن، ويمارس كلاهما وظائف كبيرة تشبه مهام الحكم. سيطرة المجموعتين على هذه الأراضي تلزمهما بحماية الحق في حرية التنقل لأولئك الذين يعيشون ضمن أراضيهما.